وان تقرب الي ذراعا تقربت اليه باعا وان اتاني يمشي اتيته هرولة ..
وان تقرب الي ذراعا تقربت اليه باعا وان اتاني يمشي اتيته هرولة
قال الامام البخاري : " حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً " اهـ .[1]
في فتاوى نور على الدرب للامام ابن باز : " حول حديث : « من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا »
س 26: لقد قرأت في رياض الصالحين بتصحيح السيد علوي المالكي ، ومحمود أمين النواوي حديثا قدسيا يتطرق إلى هروله الله سبحانه وتعالى ، والحديث مروي عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : « إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة » رواه البخاري .
فقال المعلقان في تعليقهما عليه : إن هنا من التمثيل وتصوير المعقول بالمحسوس لزيادة إيضاحه، فمعناه أن من أتى شيئا من الطاعات ولو قليلا أثابه الله بأضعافه، وأحسن إليه بالكثير، وإلا فقد قامت البراهين القطعية على أنه ليس هناك تقريب حسي، ولا مشي، ولا هرولة من الله سبحانه وتعالى عن صفات المحدثين .
فهل ما قالاه في المشي والهرولة موافق لما قاله سلف الأمة على إثبات صفات الله وإمرارها كما جاءت ، وإذا كان هناك براهين دالة على أنه ليس هناك مشي ولا هرولة فنرجو منكم إيضاحها والله الموفق ؟
الجواب : الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد : فلا ريب أن الحديث المذكور صحيح، فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: « يقول الله عز وجل من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة »
وهذا الحديث الصحيح يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود ، فهو أسرع إليهم بالخير والكرم والجود، منهم في أعمالهم، ومسارعتهم إلى الخير والعمل الصالح.
ولا مانع من إجراء الحديث على ظاهره على طريق السلف الصالح، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعوا هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعترضوه، ولم يسألوا عنه، ولم يتأولوه، وهم صفوة الأمة وخيرها، وهم أعلم الناس باللغة العربية، وأعلم الناس بما يليق بالله وما يليق نفيه عن الله سبحانه وتعالى .
فالواجب في مثل هذا أن يتلقى بالقبول، وأن يحمل على خير المحامل، وأن هذه الصفة تليق بالله لا يشابه فيها خلقه فليس تقربه إلى عبده مثل تقرب العبد إلى غيره، وليس مشيه كمشيه، ولا هرولته كهرولته، وهكذا غضبه، وهكذا رضاه، وهكذا مجيئه يوم القيامة وإتيانه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده وهكذا استواؤه على العرش، وهكذا نزوله في آخر الليل كل ليلة، كلها صفات تليق بالله جل وعلا، لا يشابه فيها خلقه.
فكما أن استواءه على العرش، ونزوله في آخر الليل في الثلث الأخير من الليل، ومجيئه يوم القيامة، لا يشابه استواء خلقه ولا مجيء خلقه " اهـ .[2]
ولقد ورد هذا الاثر في كتب الرافضة , قال ابن ابي جمهور الاحسائي : " ( 182 ) وفي الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : " إذا دنى العبد إلى الله تدلى الله إليه ، ومن تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذراعا ، ومن تقرب إليه ذراعا تقرب إليه باعا ، ومن أتاه مشيا جاءه هرولة ، ومن ذكره في ملاء ذكره في ملاء أشرف ، ومن شكره شكره في مقام أسنى ، ومن دعاه بغير لحن أجابه ، ومن استغفره غفر له " اهـ .[3]
وقال ابن فهد الحلي : " وهو سبحانه يقول في بعض وحيه إلى بعض أنبيائه : من تقدم إلي شبرا تقدمت منه ذراعا ، ومن تقدم إلي ذراعا تقدمت منه باعا ، ومن جاءني مشيا جئته هرولة " اهـ .[4]
وقال النوري الطبرسي : " 4 5910 الشيخ أبو الفتوح في تفسيره: ان الله تعالى انزل في بعض كتبه المنزلة: انا عند ظن عبدي، فليظن بي ما شاء، وانا مع عبدي إذا ذكرني، فمن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملا، ذكرته في ملا خير منه، ومن تقرب الي شبرا، تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب الي ذراعا، تقربت إليه باعا، ومن اتاني مشيا، اتيته هرولة، ومن اتاني بقراب الارض خطيئة أتيته بمثلها مغفرة، ما لم يشرك بي شيئا " اهـ .[5]
1 - صحيح البخاري - بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} - ج 9 ص 121 .
2 - فتاوى نور على الدرب – عبد العزيز بن عبد الله بن باز - ج 1 ص 67 – 68 .
3 - عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي - ج 4 ص 116 .
4 - الرسائل العشر – ابن فهد الحلي - ص 416 .
5 - مستدرك الوسائل – النوري الطبرسي – ج 5 ص 298 .
الهرولة
أورد د. عمر كلام الأعمش في الهرولة في الحديث أن المراد الهرولة بالمغفرة والرحمة وظن أن ذلك تأويلٌ، والهرولة صفة ثابتة على نحو ما جاء في الحديث وليس كلام الأعمش تأويلاً، فسياق الحديث دل على المراد فإن كان المراد أن تقرب العبد للرب بالشبر وبالذراع والمشي هو التقرب بالطاعات لا التقرب الحسي، فيكون تقرب الرب بالثواب، وهذا واضح بحمد الله وإلا لو ادعى مدع أن التقرب لله بالشبر والذراع والمشي هو المعروف لزمه أن يبين كيفيته فإن قال لا أعلم له كيفية، أبطل دون أن يشعر دلالة الحديث لأن الحديث جاء ليحث على العمل كما لا يخفى. ولعل هذا هو الأقرب في معنى الحديث.
فيكون تقرب العبد من الله بالطاعة، وهرولة الرب بالثواب ولذلك جاء في رواية المسند للحديث: قال قتادة: فالله أسرع بالمغفرة([1])، وقال شيخ الإسلام كما في نقض التأسيس ([2]): ((فمن أظهر الأشياء للإنسان علمه بنفسه وسعيه، فيكون قد ظهر للمخاطب معنى قربه لنفسه، وقد علم أن قرب الرب إليه حين ذلك، فيكون المعنى الآخر أيضاً ظاهراً في الخطاب)) ([3]) أ هـ.
وقريب من ذلك ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}[سورة البقرة، آية: 152]، قال: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي([4]).
فهذا كله ليس من التأويل يا د. عمر هداك الله.
المصدر
كتاب الرد الشامل على عمر كامل ( وورد ) صـــ 192