صفة الوجه لله تعالى ..
صفة الوجه لله تعالى
صفة الوجه:
من الصفات التي ثبتت لله عز وجل صفة الوجه، وهي صفة حقيقية تليق بجلاله، ولا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعلم كيفيتها.
قال تعالى: ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) [الرحمن:26-27]
وقال تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)) [القصص:88]
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام أنهم كانوا يدعون الله عز وجل ويسألونه لذة النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا به عقيب كل صلاة مكتوبة حُفِظ في نفسه وداره وماله وولده، والدعاء هو: (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت، وإسرافي على نفسي... ثم قال: والرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك الكريم، وشوقاً للقائك، من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
)بحار الأنوار: (83/2). وكانت فاطمة الزهراء سيدة النساء ‘ تدعو في صلواتها الخمس: (سبحانك من يعلم جوارح القلوب، سبحانك من يحصي عدد الذنوب... إلى أن قالت: وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك لذة النظر إلى وجهك...)
فلاح السائل: (202 ): وقالت الزهراء ‘ أيضاً: (الحمد لله الذي لا يحصي مدحه القائلون، والحمد لله الذي لا يحصي نعماءه... إلى أن قالت: والنظر إلى وجهك فارزقني
فلاح السائل: (240)، وانظر: بحار الأنوار: (83/104).
شبهة أن (الوجه) يراد به الثواب:وقد أوّل بعضهم صفة الوجه أنها تعني (الثواب) وقالوا: المراد بالوجه في الآيات الثواب، أي: كل شيء يفنى إلا الثواب!
والجواب على هذا التأويل من عدة وجوه:
أولاً: إنه مخالف لظاهر اللفظ؛ فإن ظاهر اللفظ أن هذا وجه خاص، وليس هو الثواب كما مر علينا في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء سيدة نساء العالمين ‘.
ثانياً: لو سلمنا أن (الوجه) يُراد به الثواب، فهل يمكن أن يوصف الثواب بهذه الصفات العظيمة: ((ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) [الرحمن:27]، هذا لا يمكن؛ لأننا لو قلنا مثلاً: ثواب المتقين ذو جلال وإكرام! فهذا لا يجوز أبداً ولا يستقيم عقلاً، لكن الصواب أن نقول: إن الله تعالى وصف هذا الوجه بأنه ذو الجلال والإكرام.
ثالثاً: نقول للمتأولين: ما تقولون في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لله سبعين ألف حجاباً من نور وظلمة لو كشفها عن وجهه لاحترقت سبحات وجهه ما أدرك بصره من خلقه)
فهل الثواب له هذا النور الذي يحرق ما انتهى إليه بصر الله من الخلق؟! أبداً، لا يمكن ولا يكون.
فإذا عرفنا فساد هذا التأويل، كان الواجب علينا أن نفسر هذا الوجه بما أراده الله، وهو أنه: وجه قائم به تبارك وتعالى، موصوف بالجلال والإكرام ونعوت الجمال، يليق بجلال الله وعظمته.
فإن قلت: هل كل ما جاء من كلمة(الوجه) مضافاً إلى الله يُراد به وجه الله الذي هو صفته؟
فالجواب: هذا هو الأصل؛ كما في قوله تعالى: ((وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)) [الأنعام:52]. وقوله: ((وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى)) [الليل:19-21]. وما أشبهها من الآيات.
فالأصل أن المراد بالوجه المضاف إلى الله عز وجل هو صفة من صفاته.
فإن قيل:
ما المراد بالوجه في قوله تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)) [القصص:88]؟
فإن قلت: المراد بالوجه الذات؛ فيخشى أن تكون حرّفت، وإن أردت بالوجه نفس الصفة أيضاً؛ فتكون قد وقعت في محظور خطير وهو ما ذهب إليه بعض من لا يقدرون الله حق قدره؛ حيث قالوا: إن الله يفنى إلا وجهه، فماذا تصنع؟!
فالجواب:
إن أردت بقولك: إلا ذاته؛ فهذا يعني: أن الله تعالى يبقى هو نفسه مع إثبات الوجه لله؛ وهذا صحيح، ويكون هنا عبَّر بالوجه عن الذات لمن كان له وجه.
وإن أردت بقولك (الذات):أي أن الوجه عبارة عن الذات بدون إثبات الوجه؛ فهذا تحريف وهو غير مقبول.
وعليه فنقول: ((إِلاَّ وَجْهَهُ)) [القصص:88] أي: إلا ذاته المتصفة بالوجه، وهذا ليس فيه تأويل ولا تحريف؛ لأن الفرق بين هذا وبين قول أهل التحريف واضح، لأنهم يقولون: إن المراد بالوجه (الذات)، وأنه سبحانه لا وجه له، ونحن نقول: المراد بالوجه الذات، وله وجه سبحانه، وعُبِر به عن الذات، وهذا كثير في كلام العرب، فتراهم يقولون: أقبل على القوم بوجهه.
وهذا معلوم عند أهل اللغة، وممن فقه علومها وسبر أغوارها، وعلى رأس أهل العربية آل البيت الأطهار، فكانوا يعلمون استخدام هذا اللفظ وغيره، وسار على دربهم أحبابهم.
ومن أدلة ذلك ما جاء عن سهل بن سعد قال: بينا أبو ذر قاعد مع جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت يومئذ فيهم، إذ طلع علينا علي بن أبي طالب عليه السلام فرماه أبو ذر بنظره، ثم أقبل على القوم بوجهه، فقال: من لكم برجل محبته تساقط الذنوب عن محبيه كما تساقط الريح العاصف الهشيم من الورق عن الشجر؟ بحار الأنوار: (27/112).
فهل يفهم عاقـل من هذه الرواية أن علياً عليه السلام أقبل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه فقط دون ذاته؟ ولله المثل الأعلى.
واعلم رحمك الله أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً ولا علماً ولا نظراً؛ فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم شأناً؛ كما قال تعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)) [طه:110].
فإن حاول أحد أن يتصور هذه الكيفية بقلبه أو يتحدث عنها بلسانه فإنه مبتدع ضال قائل على الله بغير علم.