Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

إستسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما ..

إستسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما

إن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا إستسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون  ... 
الحديث 

حدثنا ‏الحسن بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد الله الأنصاري ‏ ‏حدثني ‏ ‏أبي عبد الله بن المثنى ‏ ‏عن ‏ ‏ثمامة بن عبد الله بن أنس ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏رضي الله عنه ‏ 

‏أن ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏كان إذا قحطوا استسقى ‏ ‏بالعباس بن عبد المطلب ‏ ‏فقال ‏ ‏اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون 

الرد 

أسألك بالله هل تريد رضا الله أم تريد فقط التقليد؟ كل إنسان يحب أن يفعل ما هو مقتنع به. أما الذين لا تهمهم الحياة و الآخرة فهؤلاء طبعًا الذين يقلدون أسرهم و أقربائهم بدون قناعة, و لا يتدخلون في أي موضوع بالدين و لا يحاولون الاستفسار عن أي شي. فعلى حسب ما يمشون القريبين منهم هم خلفهم. فهل تريد رضا الله الموصل إلى الجنة؟ أم تريد فقط التقليد؟ الذي يريد رضا الله سبحانه وتعالى ما هو أول شي يجب أن يقرأه؟ أجب بعيدًا عن العلماء, فإن الله لم ينزل الدين بيد العلماء. نعم لهم الفقه والأمور غير العقائدية, أما العقيدة فلا, بل يجب على كل شخص أن يقرأ كتاب الله. فمن المعلوم أن أول الحق هو اتباع كتاب الله. فرب العالمين جل جلاله رحيم, أنزل علينا كتاب أوضح من الشمس في كبد السماء.هل كان المشركين يؤمنون بالله؟ أظن أنك ستقول لا ولو كانوا يؤمنون بالله لما أشركوا به. إن كان ظني في مكانه فأقول لك: نأسف أخي الكريم فقد أخطأت, فالله عز وجل قال أنهم يؤمنون به! صدّق, وهذه مشكلة أكثر الشيعة. لا يعرفون التوحيد الحق! انظر ماذا قال تعالى ((وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [ العنكبوت الآية 61])) ليقولن الله! سبحان الله إذا المشركين يعترفون بالله إذًا ما الخطب؟ المشكلة فيما يلي:عدم فهم توحيد الله عز وجل إذ أن الله تعالى قال إن المشركين يعترفون بالله ولكن((وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [ يوسف الآية 106]))سبحان الله! هل يعني هناك مؤمنين مشركين؟ نعم, نعم, نعم. صدق الله وكذب البشر. إذًا كيف يؤمنون به وهم مشركين؟ قال الله إن المشركين يؤمنون بالله, ولكن ما هو إيمانهم بالله؟ إيمانهم أن الله تعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت مالك الملك. فالمشركين عندهم جزء من التوحيد وهذا يسمى توحيد الربوبية أي أن الله هو الخالق وحده وهو المتصرف في كل شيء. يا شيعة العالم استيقضوا! المشكلة عندكم أنكم لا تفرقون بالتوحيد. فهناك شرك مثل المشركين وهو في توحيد الألوهية. 

ما هو هذا التوحيد؟ هو معنى لا إله إلا الله التي أفادت النفي والإثبات: نفي الألوهية عمّا سوى الله, واثباتها حصرًا لله..فكان معناها: لا معبود بحق إلا الله. فالعبادة هي الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة التي يحبها الله ويرضاها, والظاهر من الدعاء كالذبح والدعاء, والباطن من الأعمال كالخوف والرجاء والاستغاثة والتوكل وغيرها من العبادات العظيمة التي لا يجوز صرف شيءٍ منها إلا لله مع الإخلاص والبعد عن الرياء, قال سبحانه ((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [ الزمر الآية 3] وقال( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ )) [ الزمر الآية 2] وقال أيضا ((هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)) [ غافر الآية 65]. 

ومن لا يؤمن بهذا التوحيد يقول: يجوز أن يدعوا الإنسان غير الله, وأن يذبح لغير الله وينذر لغير الله, ويشدّ الرحال إلى القبور للتبرّك والحصول على المغفرة ولاستجابة الدعاء, و أنه يجوز أكل تراب قبورهم لأنه يشفي العليل, من يقول يا علي أدركني أو يا حسين أغثني فهو حقق شرك المشركين 100%. اقرأ الآيات البينات وافهم. دعك من كلامي ومن كلام الناس. اجعل قلبك مع رب الناس جل جلاله. أليست الصلاة عبادة؟ والدعاء عبادة؟ كما هو الحج عبادة والصوم عبادة؟ بلى والله إن الدعاء عبادة. فعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " الدعاء هو العبادة" ! فلنمضي مع كتاب الله. وأنت بفطرتك السليمة سيدخل الحق إلى قلبك. 

قال تعالى ((اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىَ)) [ الزمر الآية 3]. كيف اتخذ المشركين من دون الله أولياء؟ وكيف كان الشرك؟ كان هناك أناس صالحين بعد سيدنا نوح عليه السلام. بعد أن ماتوا جاء الشيطان للناس وقال لهم: ما أجمل عبادة هؤلاء الصالحين ما رأيكم أن تصلوا بجانب قبرهم؟ لعل الله يتقبل أعمالكم. فجاءوا بجانب قبرهم وبدؤوا يصلون لله, ثم استدرجهم الشيطان وقال لهم لم لا تنحتوا صورًا لهؤلاء الصالحين لكي يذكروكم بالله؟ انتبه أخي الشيطان لا يقول لك أنت مشرك.لا, بل يقول لك تقرب إلى الله ولكن بأسلوب شركي. المهم شيئا فشيئا بدؤوا يدعون الأموات الصالحين بطريقة غير مباشرة! ويقولون "لا, نحن لا نعبدهم نحن نتوسل إلى الله بهم" وهذا شرك! والآية واضحة تماما. هذه المعلومة مهمة لكي تعرف بداية الشرك. والآن عندما نسمع من يستغيث بغير الله و نقول لهم قولوا يا الله. والله ثم والله يعاندون ويقولون يا علي! بالله عليك هل هذا مسلم؟! انظروا ماذا قال تعالى: ((اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىَ)) [ الزمر الآية 3] إذًا المشركين كان عندهم توحيد وشرك. توحيد في الإيمان بالله. وشرك بأنه يجوز دعاء غيره معه. واقسم بالله إن هذا ما يحدث الآن. انظر ماذا قال الله: ((وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ)) [ يونس الآية 18]. نقول لهم لا تقول يا حسين يقولون لنا هؤلاء شفعاؤنا عند الله ويظنون أننا نكره آل البيت. اقسم بالله انه كذب! فعلي والحسن والحسين عند أهل السنة تاج رؤوسهم رضي الله عنهم وأرضاهم, ولكن ليس معنى ذلك أن من أراد حب عليا يجب أن يشرك بالله بأضرحة وقبور أولياء! قال تعالى((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) [ الجن الآية 18]. 

*** 

أما بالنسبة للشبهة فالرد بسيط وعقلاني لمن يعقل,,, 

أولا ً) صلاة الاستسقاء ... هل كانت مشّرعة وقت النبي صلى الله عليه وسلم؟ 

نعم بلا خلاف.. إذن كان التوسل آن ذاك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ... و إلا لما شرعت هذه الصلاة واكتفى كل مسلم بالتوسل بذات الأشخاص ولا فائدة إذن من هذه الصلاة! 

أفلا يعقلون 

ثانيا) لو كان التوسل بذات الأشخاص جائزا ً فلماذا لم يستسقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذات النبي صلى الله عليه وسلم؟! 

إذ أنه لا وجه للمقارنة بين منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عمه العباس رضي الله عنه 

ولله المثل الأعلى ،،، شخص يعرف وزير وغفير،، فهل يطلب هذا الشخص الوساطة إلى الملك عن طريق الغفير! 

وخاصة إن تيقن أن الوزير أقرب إلى الملك منه؟ 

ولله المثل الأعلى.. 

أفلا يعقلون 

ثالثا ً) ما فائدة جميع هذه الأدعية المذكورة في الكتاب والسنة إن كان هذا النوع من التوسل مشروعا؟ ًولماذا علمنا الله تبارك وتعالى هذه الأدعية ! 

لماذا لم يخبرنا سبحانه بآية صريحة كما في صراحة آيات الأدعية أن نتوسل أو نكتفي بالتوسل بالأشخاص وخاصة أنهم أنبياء كانوا أم صالحين أفضل وأقرب إلى الله منا ! 

بمعنى آخر أي عبد أصابه أمر ما يحتاج إلى دعاء لا يدعوا ولا يطلب الدعاء من أخيه بل يكون الدعاء بالتوسل بالذات الأشخاص 

فهذا تعطيل كامل للكم الهائل من الأدعية 

يعني لا فائدة للأدعية في القرآن والسنة ! 

أفلا يعقلون 

رابعا) التوسل بذات الأشخاص يعطل أمر الله في الأرض، ويربي في نفس العبد التواكل وهذا مرفوض شرعا ً .. ونصبح أقرب إلى دين النصارى الذين يتخذون الوسائط والباباوات لتقربهم إلى الله تبارك وتعالى.. 

فطلب الدعاء من الأشخاص لا يكون على الدوام بحيث يترك المسلم التضرع إلى الله ويعتمد فيه على دعاء عبد يحسبه على خير فهذا لا ينبغي أصلا 

فقد أمرنا في عدة مواضع من القرآن الكريم أن ندعوا لأنفسنا ولأهلنا بأنفسنا ونتقرب إلى ربنا بأنفسنا .. 

أفلا يعقلون 

أخيرًا) فالوسيلة الشرعية هي التوسل بأسماء الله وصفاته، أو بتوحيده والإخلاص له، أو بالأعمال الصالحات، هذه الوسيلة الشرعية التي جاءت بها النصوص. 

أما التوسل بجاه فلان ، أو بحق فلان، فهذا لم يأت به الشرع، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أنه غير مشروع فالواجب تركه، وأن يتوسل الإنسان بالوسائل الشرعية التي هي أسماء الله وصفاته، أو بتوحيده، أو بالأعمال الصالحات، هذه هي الوسائل الشرعية التي جاءت بها النصوص. 

وأما ما فعله عمر رضي الله عنه، فهو لم يتوسل بجاه العباس، وإنما توسل بدعائه، قال رضي الله عنه لما خطب الناس يوم الاستسقاء، لما أصابتهم المجاعة والجدب الشديد والقحط صلى بالناس صلاة الاستسقاء، وخطب الناس، وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. 

وهكذا كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته يقولون: ادع لنا، فيقوم ويدعو لهم، ويخطب الناس يوم الجمعة ويدعو ويقول: اللهم أغثنا اللهم أغثنا وهكذا في صلاة الاستسقاء يتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى، وسؤاله الغوث. 

وهكذا قال للعباس يا عباس قم فادع ربنا ،فقام العباس ودعا ورفع يديه ودعا الناس وأمنوا فسقاهم الله عز وجل على دعائهم فهو توسل بعم النبي صلى الله عليه وسلم؛ بدعائه، واستغاثته ربه عز وجل، وسؤاله سبحانه وتعالى بفضل العباس وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من أفضل الصحابة، ومن خير الصحابة رضي الله عن الجميع. 

فإذا توسل المسلمون بالصالحين من الحاضرين عندهم، بدعائهم- كأن يقول الإمام أو ولي الأمر: يا فلان قم ادع الله-، من العلماء الطيبين، أو الأخيار الصالحين، أو من أهل بيت النبي الطيبين، وقالوا في الاستسقاء يا فلان قم فادع الله لنا، كما قال عمر للعباس، هذا كله طيب.


إستسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما


   يورد المخالفون في هذا الموضوع بعض الاعتراضات والشبهات، ليدعوا رأيهم الخاطىء، ويوهموا العامة بصحته، ويلبسوا الأمر عليهم، وأعرض فيما يلي هذه الشبهات واحدة إثر واحدة، وأرد عليها رداً علمياً مقنعاً إن شاء الله، بما يقرر ما بينته في الفصل السابق وينسجم معه، ويقنع كل مخلص منصف، ويدحض كل افتراء علينا بالباطل، وبالله تعالى وحده التوفيق، وهو المستعان.
حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما:
   يحتجون على جواز التوسل بجاه الأشخاص وحرمتهم وحقهم بحديث انس السابق: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون).
   فيفهمون من هذا الحديث أن توسل عمر رضي الله عنه إنما كان بجاه العباس رضي الله عنه، ومكانته عند الله سبحانه، وأن توسله كأنه مجرد ذكر منه للعباس في دعائه، وطلب منه لله أن يسقيهم من أجله، وقد أقره الصحابة على ذلك، فأفاد بزعمهم ما يدعون.
   وأما سبب عدول عمر رضي الله عنه عن التوسل بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم - بزعمهم – وتوسله بدلاً منه بالعباس رضي الله عنه، فإنما كان لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ليس غير.
   وفهمهم هذا خاطىء، وتفسيرهم هذا مردود من وجوه كثيرة اهمها:
   1 – إن القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضاً، ولا يفهم شيء منها في موضوع ما بمعزل عن بقية النصوص الواردة فيه. وبناء على ذلك فحديث توسل عمر السابق إنما يفهم على ضوء ما ثبت من الروايات والأحاديث الواردة في التوسل بعد جمعها وتحقيقها، ونحن والمخالفون متفقون على أن في كلام عمر: (كنا نتوسل إليك بنبينا.. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا) شيئاً محذوفاً، لا بد له من تقدير، وهذا التقدير إما أن يكون: (كنا نتوسل ب (جاه) نبينا، وإنا نتوسل إليك ب (جاه) عم نبينا) على رأيهم هم، أو يكون: (كنا نتوسل إليك ب (دعاء) نبينا، وإنا نتوسل إليك ب (دعاء) عم نبينا) على رأينا نحن.
   ولا بد من الأخذ بواحد من هذين التقديرين ليفهم الكلام بوضوح وجلاء.
   ولنعرف أي التقديرين صواب لا بد من اللجوء إلى السنة، لتبين لنا طريقة توسل الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
   ترى هل كانوا إذا أجدبوا وقحَطوا قبع كل منهم في دراه، أو مكان آخر، أو اجتمعوا دون أن يكون معهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم دعوا ربهم قائلين: (اللهم بنبيك محمد، وحرمته عندك، ومكانته لديك اسقنا الغيث). مثلاً أم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذاته فعلاً، ويطلبون منه أن يدعو الله تعالى لهم، فيحقق صلى الله عليه وآله وسلم طلْبتهم، ويدعو ربه سبحانه، ويتضرع إليه حتى يسقوا؟
   أما الأمر الأول فلا وجود له إطلاقاً في السنة النبوية الشريفة، وفي عمل الصحابة رضوان
الله تعالى عليهم، ولا يستطيع أحد من الخلفيين أو الطُّرُقيين ان يأتي بدليل يثبت أن طريقة
توسلهم كانت بأن يذكروا في أدعيتهم اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويطلبوا من الله بحقه وقدره عنده
ما يريدون. بل الذي نجده بكثرة، وتطفح به كتب السنة هو الأمر الثاني، إذ تبين أن طريقة توسل الأصحاب الكرام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما كانت إذا رغبوا في قضاء حاجة، أو كشف نازلة أن يذهبوا إليه صلى الله عليه وآله وسلم، ويطلبوا منه مباشرة أن يدعو لهم ربه، أي أنهم كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ليس غير.
   ويرشد إلى ذلك قوله تبارك وتعالى: }ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً{ ]النساء:64[.
   ومن أمثلة ذلك ما مر معنا في حديث أنس السابق الذي ذكر فيه مجيء الأعرابي إلى المسجد يوم الجمعة حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، وعرضه له ضنك حالهم، وجدب أرضهم، وهلاك ماشيتهم، وطلبه منه أن يدعو الله سبحانه لينقذهم مما هم فيه، فاستجاب له صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي وصفه ربه بقوله: }لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عَنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم{ ]التوبة:128[، فدعا صلى الله عليه وآله وسلم لهم ربه، واستجاب سبحانه دعاء نبيه، ورحم عباده ونشر رحمته، وأحيا بلدهم الميت.
   ومن ذلك أيضاً مجيء الأعرابي السابق نفسه أو غيره إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب الجمعة الثانية، وشكواه له انقطاع الطرقات وتهدم البنيان، وهلاك المواشي، وطلبه منه أن يدعو لهم ربه، ليمسك عنهم الأمطار، وفعل صلى الله عليه وآله وسلم فاستجاب له ربه جل شأنه أيضاً.
   ومن ذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها حيث قالت: شكا الناس إلى رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه. قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله، ثم قال: صلى الله عليه وآله وسلم إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر ع إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم...i الحديث، وفيه انه صلى الله عليه وآله وسلم دعا الله سبحانه، وصلى بالناس، فأغاثهم الله تعالى حتى سالت السيول، وانطلقوا إلى بيوتهم مسرعين، فضحك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه، وقال: صلى الله عليه وآله وسلم أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله i.
   فهذه الأحاديث وأمثالها مما وقع زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزمن أصحابه الكرام رضوان الله عليهم تُبين بما لا يقبل الجدال أو الممارة أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بالصالحين الذي كان عليه السلف الصالح هو مجيء المتوسل إلى المتوسل به، وعرضه حاله له، وطلبه منه أن يدعو له الله سبحانه، ليحقق طلبه، فيستجيب هذا له، ويستجيب من ثم الله سبحانه وتعالى.
   2 – وهذا الذي بيناه من معنى الوسيلة هو المعهود في حياة الناس واستعمالهم، فإنه إذا كانت لإنسان حاجة ما عند مدير أو رئيس أ, موظف مثلاً، فإنه يبحث عمن يعرفه ثم يذهب إليه ويكلمه، ويعرض له حاجته فيفعل، وينقل هذا الوسيط رغبته إلى الشخص المسؤول، فيقضيها له غالباً. فهذا هو التوسل المعروف عند العرب منذ القديم، وما يزال، فإذا قال أحدهم: إني توسلت إلى فلان، فإنما يعني أنه ذهب إلى الثاني وكلمه في حاجته، ليحدث بها الأول، ويطلب منه قضاءها، ولا يفهم أحد من ذلك أنه ذهب إلى الأول وقال له: بحق فلان (الوسيط) عندك، ومنزلته لديك اقض لي حاجتي.
   وهكذا فالتوسل إلى الله عز وجل بالرجل الصالح ليس معناه التوسل بذاته وبجاهه وبحقه، بل هو التوسل بدعائه وتضرعه واستغاثته به سبحانه وتعالى، وهذا هو بالتالي معنى قول عمر رضي الله عنه: (اللهم إنا منا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا) أي: كنا إذ قل المطر مثلاً نذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونطلب منه ان يدعو لنا الله جل شأنه.
   3 – ويؤكد هذا ويوضحه تمام قول عمر رضي الله عنه: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، أي إننا بعد وفاة نبينا جئنا بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطلبنا منه أن يدعو لنا ربنا سبحانه ليغيثنا.
   تُرى لماذا عدل عمر رضي الله عنه عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه، مع العلم ان العباس مهما كان شأنه ومقامه فإنه لا يذكر امام شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومقامه؟
   أما الجواب برأينا فهو: لأن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم غير ممكن بعد وفاته، فأنى لهم أن يذهبوا إليه صلى الله عليه وآله وسلم ويشرحوا له حالهم، ويطلبوا منه أن يدعو لهم، ويؤمنوا على دعائه، وهو قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، وأضحى في حال يختلف عن حال الدنيا وظروفها مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فأنى لهم أن يحظوا بدعائه صلى الله عليه وآله وسلم وشفاعته فيهم، وبينهم وبينه كما قال الله عز شأنه:
}ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون{ ]المؤمنون:100[.
   ولذلك لجأ عمر رضي الله عنه، وهو العربي الأصيل الذي صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولازمه في أكثر أحواله، وعرفه حق المعرفة، وفهم دينه حق الفهم، ووافقه القرآن في مواضع عدة، لجأ إلى توسل ممكن فاختار العباس رضي الله عنه، لقرابته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ناحية، ولصلاحه ودينه وتقواه من ناحية آخرى، وطلب منه أن يدعو لهم بالغيث والسقيا. وما كان لعمر
ولا لغير عمر أن يدع التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويلجأ إلى التوسل بالعباس أو غيره لو كان التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ممكناً، وما كان من المعقول ان يقر الصحابة رضوان الله عليهم عمر على ذلك أبداً، لأن الانصراف عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى التوسل بغيره ما هو إلا كالانصراف عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة إلى الاقتداء بغيره، سواء بسواء، ذلك أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يعرفون قدر نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ومكانته وفضله معرفة لا يدانيهم فيها أحد، كما نرى ذلك واضحاً في الحديث الذي رواه سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي بالناس، فأقيم؟ قال: فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أمكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله عز وجل على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى ثم انصرف، فقال: صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا بكر:
ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ i قال أبو بكر: ما كان لان أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ).
   فأنت ترى أن الصحابة رضي الله عنهم لم يستسيغوا الاستمرار على الاقتداء بأبي بكر رضي الله عنه في صلاته عندما حضر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن أبا بكر رضي الله عنه
لم تطاوعه نفسه على الثبات في مكانه مع أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بذلك، لماذا؟ كل ذلك لتعظيمهم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، وتأدبهم معه، ومعرفتهم حقه وفضله، فإذا كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم
لم يرتضوا الاقتداء بغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما أمكن ذلك، مع أنهم كانوا بدأوا الصلاة في غيابه صلى الله عليه وآله وسلم عنهم، فكيف يتركون التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً بعد وفاته، لو كان ذلك ممكناً، ويلجئون إلى التوسل بغيره؟ وكما لم يقبل ابوبكر أن يؤم المسلمين فمن البديهي أن لا يقبل العباس أيضاً أن يتوسل الناس به، ويدعوا التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان ذلك ممكناً.
   (تنبيه): وهذا يدل من ناحية أخرى على سخافة تفكير من يزعم أنه صلى الله عليه وآله وسلم في قبره حي كحياتنا، لانه لو كان ذلك كذلك لما كان ثمة وجه مقبول لانصرافهم عن الصلاة وراءه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الصلاة وراء غيره ممن لا يدانيه أبداً في منزلته وفضله. ولا يعترض احد على ما قررته بأنه قد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: صلى الله عليه وآله وسلم أنا في قبري حي طري، من سلم علي سلمت عليه i. وأنه يستفاد منه أنه صلى الله عليه وآله وسلم حي مثل حياتنا، فإذا توسل به سمعنا واستجاب لنا، فيحصل مقصودنا، وتتحقق رغبتنا، وأنه لا فرق في ذلك بين حاله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، وبين حاله بعد وفاته أقول:
لا يعترض أحد بما سبق لأنه مردود من وجهين:
   الأول حديثي: وخلاصته أن الحديث المذكور لا أصل له بهذا اللفظ، كما أن لفظة (طري) لا وجود لها في شيء من كتب السنة إطلاقاً، ولكن معناه قد ورد في عدة أحاديث صحيحة، منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم إن أفضل ايامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي i قالوا:
يا رسول الله ! وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمتَ (قال: يقولون: بَليتَ)، قال: صلى الله عليه وآله وسلمإن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياءi ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:صلى الله عليه وآله وسلم الأنبياء أحياء في قبورهم يصلونi وقوله صلى الله عليه وآله وسلم مررت ليلة أسري بي على موسى قائماً يصلي في قبره i وقوله: صلى الله عليه وآله وسلم إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام i.
   الجواب الثاني فقهي: وفحواه أن حياته صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة، ذلك أن الحياة البرزخية غيب من الغيوب، ولا يدري كنهها إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن من الثابت والمعلوم أنها تختلف عن الحياة الدنيوية، ولا تخضع لقوانينها، فالانسان في الدنيا يأكل ويشرب، ويتنفس ويتزوج، ويتحرك ويتبرز، ويمرض ويتكلم، ولا أحد يستطيع أن يثبت أن أحداً بعد الموت حتى الأنبياء عليه السلام، وفي مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تعرض له هذه الأمور بعد موته.
   ومما يؤكد هذا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في مسائل كثيرة بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يخطر في باب أحد منهم الذهاب إليه صلى الله عليه وآله وسلم في قبره، ومشاورته في ذلك، وسؤاله عن الصواب فيها، لماذا؟ إن الأمر واضح جداً، وهو أنهم كلهم يعلمون أنه صلى الله عليه وآله وسلم انقطع عن الحياة الدنيا، ولم تعد تنطبق عليه أحوالها ونواميسها.فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته حي، أكمل حياة يحياها إنسان في البرزخ، ولكنها حياة لا تشبه حياة الدنيا، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم ما من احد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام i وعلى كل حال فإن حقيقتها لا يدريها إلا الله سبحانه وتعالى، ولذلك فلا يجوز قياس الحياة البرزخية أو الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية، كما لا يجوز أن تعطى واحدة منهما أحكام الأخرى، بل لكل منها شكل خاص وحكم معين، ولا تتشابه إلا في الاسم، أما الحقيقة فلا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى.
   ونعود بعد هذا التنبيه إلى ما كنا فيه من الرد على المخالفين في حديث توسل عمر بالعباس، فنقول: إن تعليلهم لعدول عمر رضي الله عنه عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه بأنه لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل هو تعليل مضحك وعجيب.إذ كيف يمكن أن يخطر في بال عمر رضي الله عنه، أو في بال غيره من الصحابة الكرام رضي الله عنهم تلك الحذلقة الفقهية المتأخرة، وهو يرى الناس في حالة شديدة من الضنك والكرب، والشقاء والبؤس، يكادون يموتون جوعاً وعطشاً لشح الماء وهلاك الماشية، وخلو الأرض من الزرع والخضرة حتى سمي ذاك العام بعام الرمادة، كيف يَرِد في خاطره تلك الفلسفة الفقهية في هذا الظرف العصيب، فيدع الأخذ بالوسيلة الكبرى في دعائه، وهي التوسل بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، لو كان ذلك جائزاً ويأخذ بالوسيلة الصغرى، التي
لا تقارن بالأولى، وهي التوسل بالعباس، لماذا؟ لا لشيء إلا ليبين للناس أنه يجوز لهم التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل !!
   إن الشاهد والمعلوم أن الإنسان إذ حلّت به شدة يلجأ إلى أقوى وسيلة عنده في دفعها، ويدَع الوسائل الأخرى لأوقات الرخاء، وهذا كان يفهمه الجاهليون المشركون أنفسهم، إذ كانوا يَدعون أصنامهم في أوقات اليسر، ويتركونها ويدْعون الله تعالى وحده في اوقات العسر،
كما قال تبارك وتعالى: }حتى إذا ركبوا في الفُلْلك دعوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون{ (1) ]العنكبوت: 265[.
   فنعلم منهذا أن الإنسان بفطرته يستنجد بالقوة العظمى، والوسيلة الكبرى حين الشدائد والفواقر، وقد يلجأ إلى الوسائل الصغرى حين الأمن واليسر، وقد يخطر في باله حينذاك أن يبين ذلك الحكم الفقهي الذي افترضوه، وهو جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل. وأمر آخر نقوله جواباً على شبهة أولئك، وهو: هب أن عمر رضي الله عنه خطر في باله أن يبين ذلك الحكم الفقهي المزعوم، ترى فهل خطر ذلك في بال معاوية والضحاك بن قيس حين توسلا بالتابعي الجليل: يزيد بن الأسود الجُرَشي أيضاً؟ لا شك أن هذا ضرب من التمحل والتكلف لا يحسدون عليه.
   4 – إننا نلاحظ في حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما أمراً جديراً بالانتباه، وهو قوله: (إن عمر بن الخطاب كان إذا قَحطوا، استسقى بالعباس بن عبدالمطلب، ففي هذا إشارة إلى تكرار استسقاء عمر بدعاء العباس رضي الله عنهما، ففيه حجة بالغة على الذين يتأولون فعل عمر ذلك أنه إنما ترك التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم إلى التوسل بعمه رضي الله عنه، لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل، فإننا نقول: لو كان الأمر كذلك لفعل عمر ذلك مرة واحدة، ولما استمر عليه كلما استسقى، وهذا بيّن لا يخفى إن شاء الله تعالى على أهل العلم والانصاف.
   5 – لقد فسرت بعض روايات الحديث الصحيحة كلام عمر المذكور وقصده، إذ نقلت دعاء العباس رضي الله عنه استجابة لطلب عمر رضي الله عنه، فمن ذلك ما نقله الحافظ العسقلاني رحمه الله في "الفتح" (3/150) حيث قال: (قد بين الزبير بن بكار في "الأنساب" صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: (اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذا أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث)، قال: فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس).
   وفي هذا الحديث: أولاً: التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه لا بذاته كما بينه الزبير
بن بكار وغيره، وفي هذا رد واضح على الذين يزعمون أن توسل عمر كان بذات العباس
لا بدعائه، إذ لو كان الأمر كذلك لما كان ثمة حاجة ليقوم العباس، فيدعو بعد عمر دعاءً جديداً.
   ثانياً: أن عمر صرح بأنهم كانوا يتوسلون بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، وأنه في هذه الحادثة توسل بعمه العباس، ومما لا شك فيه أن التوسليْن من نوع واحد: توسلهم بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتوسلهم بالعباس، وإذ تبين للقارىء – مما يأتي – أن توسلهم به صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان توسلاً بدعائه صلى الله عليه وآله وسلم فتكون النتيجة أن توسلهم بالعباس إنما هو توسل بدعائه أيضاً، بضرورة أن التوسليْن من نوع واحد.
   أما أن توسلهم به صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان توسلاً بدعائه، فالدليل على ذلك صريح رواية الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح لهذا الحديث بلفظ: (كانوا إذ قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم استسقوا به، فيستسقي لهم، فيسقون، فلما كان في إمارة عمر...) فذكر الحديث، نقلته من "الفتح" (2/399)، فقوله: (فيستسقي لهم) صريح في أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يطلب لهم السقيا من الله تعالى ففي "النهاية" لابن الأثير: (الاستسقاء، استفعال من طلب السقيا أي إنزال الغيث على البلاد والعباد، يقال: سقى الله عباده الغيث وأسقاهم، والاسم السقيا بالضم، واستقيت فلاناً إذا طلبت منه أن يسقيك).
   إذا تبين هذا، فقوله في هذه الرواية (استسقوا به) أي بدعائه، وكذلك قوله في الرواية
الأولى: (كنا نتوسل إليك بنبينا)، أي بدعائه، لا يمكن أن يفهم من مجموع رواية الحديث
إلا هذا. ويؤيده:
ثالثاً: لو كان توسل عمر إنما هو بذات العباس أو جاهه عند الله تعالى، لما ترك التوسل
به صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المعنى، لأن هذا ممكن لو كان مشروعاً، فعدول عمر عن هذه إلى التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه أكبر دليل على أن عمر والصحابة الذين كانوا معه كانوا لا يرون التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هذا جرى عمل السلف من بعدهم، كما رأيت في توسل معاوية بن أبي سفيان والضحاك ابن قيس بيزيد بن الأسود الجرشي، وفيهما بيان دعائه بصراحة وجلاء.
   فهل يجوز أن يجمع هؤلاء كلهم على ترك التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم لو كان جائزاً، سيّما والمخالفون يزعمون أنه أفضل من التوسل بدعاء العباس وغيره؟! اللهم إن ذلك غير جائز ولا معقول، بل إن هذا الإجماع منهم من أكبر الأدلة على أن التوسل المذكور غير مشروع عندهم، فإنهم أسمى من أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير !
   اعتراض ورده :
   وأما جواب صاحب "مصباح الزجاجة في فوائد قضاء الحاجة" عن ترك عمر التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (ص25):(إن عمر لم يبلغه حديث توسل الضرير، ولو بلغه لتوسل به).
   فهو جواب باطل من وجوه:
   الأول: أن حديث الضرير إنما يدل على ما دل عليه توسل عمر هذا من التوسل بالدعاء
لا بالذات، كما سبق ويأتي بيانه.
   الثاني: أن توسل عمر لم يكن سراً، بل كان جهراً على رؤوس الأشهاد، وفيهم كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فإذا جاز أن يخفى الحديث على عمر، فهل يجوز أن يخفى على جميع الموجودين مع عمر من الصحابة ؟!
   الثالث: أن عمر – كما سبق – كان يكرر هذا التوسل كلما نزل بأهل المدينة خطر،
أو كلما دعي للاستسقاء كما يدل على ذلك لفظ (كان) في حديث أنس السابق (أن عمر كان إذا قحَطوا استسقى بالعباس) وكذلك روى ابن عباس عن عمر كما ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3/98)، فإذا جاز أن يخفى ذلك عليه أول مرة، أفيجوز أن يستمر على الجهل به كلما استسقى بالعباس، وعنده المهاجرون والأنصار، وهم سكوت لا يقدمون اليه
ما عندهم من العلم بحديث الضرير ؟! اللهم إن هذا الجواب ليتضمن رمي الصحابة جميعهم بالجهل بحديث الضرير مطلقاً، أو على الأقل بدلالته على جواز التوسل بالذات، والأول باطل لا يخفى بطلانه، والثاني حق فإن الصحابة لو كانوا يعلمون أن حديث الضرير يدل على التوسل المزعوم لما عدلوا عن التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم إلى التوسل بدعاء العباس كما سبق.
   رابعاً: أن عمر ليس هو وحده الذي عدل عن التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم إلى التوسل بالدعاء، بل تابعه على ذلك معاوية بن أبي سفيان فإنه أيضاً عدل إلى التوسل بدعاء يزيد بن الأسود،
ولم يتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم وعنده جماعة من الصحابة وأجلاء التابعين، فهل يقال أيضاً إن معاوية ومن
معه لم يكونوا يعلمون بحديث الضرير؟ وقل نحو ذلك في توسل الضحاك بن قيس بيزيد هذا أيضاً.
   ثم أجاب صاحب المصباح بجواب آخر، وتبعه من لم يوفق من المتعصبين المخالفين فقال:
(إن عمر أراد بالتوسل بالعباس الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في إكرام العباس وإجلاله، وقد جاء هذا صريحاً عن عمر، فروى الزبير بن بكار في "الأنساب" من طريق داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: (استسقى عمر ابن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب، فخطب عمر فقال: إن رسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واتخذوه وسيلة إلى الله...) ورواه البلاذري من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه به.
   والجواب من وجوه أيضاً:
   الأول: عدم التسليم بصحة هذه الرواية، فإنها من طريق داود ابن عاطاء وهو المدني، وهو ضعيف كما في "التقريب"، ومن طريق الزبير بن بكار عنه رواه الحاكم (3/334) وسكت عنه، وتعقبه الذهبي بقوله: (داود متروك) قلت: والرواي عنه ساعدة بن عبيدالله المزني لم أجد من ترجمه، ثم إن في السند اضطراباً، فقد رواه – كما رأيت – هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقال: (عن أبيه) بدل ابن عمر، لكن هشاماً أوثق من داود، إلا أننا لم نقف على سياقه، لننظر هل فيه مخالفة لسياق داود هذا أم لا ؟ ولا تغتر بقولهم في "المصباح" عقب هذا الإسناد: (به) المفيد أن السياق واحد، فإن عمدته فيما نقله عن البلاذري إنما هو "فتح الباري" وهو لم يقل: (به). انظر "الفتح" (2/399).
   الثاني: لو صحت هذه الرواية، فهي إنما تدل على السبب الذي من أجله توسل عمر بالعباس دون غيره من الصحابة الحاضرين حينذاك، وأما أن تدل على جواز الرغبة عن التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم - لو كان جائزاً عندهم – إلى التوسل بالعباس أي بذاته فكلا، ثم كلا، لأننا نعلم بالبداهة والضرورة – كما قال بعضهم – أنه لو أصاب جماعة من الناس قحط شديد، وأرادوا أن يتوسلوا بأحدهم لما أمكن أن يعدلوا عمن دعاؤه أقرب إلى الإجابة، وإلى رحمة الله سبحانه وتعالى، ولو أن إنساناً أصيب بمكروه فادح، وكان أمامه نبي، وآخر غير نبي، وأراد أن يطلب الدعاء من أحدهما لما طلبه إلا من النبي، ولو طلبه من غير النبي، وترك النبي لعد من الآثمين الجاهلين، فكيف يظن بعمر ومن معه من الصحابة أن يعدلوا عن التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم إلى التوسل بغيره، لو كان التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم جائزاً، فكيف وهو أفضل عند المخالفين من التوسل بدعاء العباس وغيره من الصالحين؟! لا سيما وقد تكرر ذلك منهم مراراً كما سبق، وهم لا يتوسلون به صلى الله عليه وآله وسلم ولا مرة واحدة، واستمر الأمر كذلك، فلم ينقل عن أحد منهم خلاف ما صنع عمر، بل صح عن معاوية ومن معه ما يوافق صنيعه حيث توسلوا بدعاء يزيد بن الأسود، وهو تابعي جليل، فهل يصح أن يقال: إن التوسل به كان اقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
   الحق أقول: إن جريان عمل الصحابة على ترك التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم عند نزول الشدائد بهم
– بعد أن كانوا لا يتوسلون بغيره صلى الله عليه وآله وسلم في حياته – لهو أكبر الأدلة الواضحة على أن التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم غير مشروع، وإلا لنقل ذلك عنهم من طرق كثيرة في حوادث متعددة، ألا ترى إلى هؤلاء المخالفين كيف ليهجون بالتوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلملأدنى مناسبة لظنهم أنه مشروع، فلو كان الأمر كذلك لنُقِل مثله عن الصحابة، مع العلم أنهم أشد تعظيماً ومحبة له صلى الله عليه وآله وسلم من هؤلاء، فكيف ولم يُنقل عنهم ذلك ولا مرة واحدة، بل صح عنهم الرغبة عنه إلى التوسل بدعاء الصالحين ؟!


شبهة استسقاء عمر بالعباس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فقد قال احد الذين يلقون الشبه ان عمر لما استسقاء بالعباس قال (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) فقال صاحب الشبهه انه لم يقل بالعباس بل قال بعم نبيك وانه لوكان يريد الاستسقاء بالعباس نفسه لجاء بواحد افضل من العباس كعثمان والصحابة الكبار

ما الرد المناسب على هذه الشبهه

الرجاء الرد سريعا جزاكم الله خير

أحمد يحيى خالد

رد: الرد على شبهة استسقاء عمر بالعباس

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ؤ أجرؤ على تسمية هذا بالرد .. ولكنها مساعدة أخوية إن لم تنفعك لن تضرك إن شاء الله .. دعوه بعم النبي صلى الله عليه وسلم لأن رسول الله كان إذا خاطب العباس أوذكره يضيفه بصفة الرحم فيقول: " عمي العباس " .. فهم ما زادوا على أن استنوا بسنته بوصف العباس فيقولون: " عم نبيك " لان نبيهم كان يقول: " عمي العباس " .. فقد روى الترمذي بإسناد صحيح أن العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا فقال: ما أغضبك؟ قال: يا رسول الله .. ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة .. وإذا لقونا لقونا بغير ذلك؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه .. ثم قال: والذي نفسي بيده .. لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله .. ثم قال: يا أيها الناس .. من آذى عمي فقد آذاني .. فإنما عم الرجل صنوأبيه " وروى الشافعي وأحمد بإسناد صححه الألباني عن أم سلمة أنها قالت: " بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضه في بيت ميمونة .. وكان كلما خف عليه خرج وصلى بالناس .. وكان كلما وجد ثقلا قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس واشتد شكواه حتى غمر عليه من شدة الوجع .. فاجتمع عنده نساؤه وعمه العباس وأم الفضل بنت الحارث وأسماء بنت عميس .. فتشاوروا في لدّه فلدوه وهومغمور .. فلما أفاق قال: من فعل بي هذا؟ هذا من عمل نساء جئن من ها هنا وأشار بيده إلى أرض الحبشة .. وكانت أم سلمة وأسماء لدتاه .. فقالوا يا رسول الله .. خشينا أن يكون بك ذات الجنب .. قال: فبم لددتموني؟ قالوا: بالعود الهندي وشيء من ورس وقطرات من زيت .. فقال: ما كان الله ليقذفني بذلك الداء .. ثم قال: عزمت عليكم أن لا يبقى في البيت أحد إلا لُد إلا عمي العباس .. قالت: فما بقي في البيت أحد إلا لد .. فإذا امرأة من بعض نسائه تقول: أنا صائمة .. قالوا: ترين أنا ندعك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقى أحد في البيت إلا لد؟ فلددناها وهي صائمة " (انتهى) واللد هودهن الجسم بكامله .. هنا استثنى عمه العباس رضي الله عنه من اللد .. دون عامة الناس .. فلوكان قوله له " عمي العباس " .. واستثناءه من اللد دون الجميع فضيلة خاصة يستحق بها التبرك والتوسل لكان يُفعل ذلك في حياته صلى الله عليه وسلم .. ولكان أوصى بذلك وصح عنه ذلك .. فإن كان الصحابة يقولون: " عم نبيك " .. فإن نبيهم قال عنه: " عمي " .. فما زادوا فضيلة على ما كان يصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولوكان يستحق التبرك لكان رسول الله يوصيهم بذلك أويشير عليهم بها .. ولوكان كذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: " هذا خالي فليرني امرؤ خاله " .. (رواه الترمذي وصححه الألباني) .. ومع ذلك فلم يثبت أن الصحابة تبركوا بسعد أوتوسلوا به مع أن رسول الله وصفه بالنسبة إليه " خالي " مثلما قال في العباس " عمي " .. وغاية ما فيه أنهم علموا أنه مجاب الدعاء فكانوا يطلبون منه أن يدعولهم .. وليس في هذا فضيلة للتوسل أوالتقرب إلى الله به .. بقي أمر .. يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " .. ربما يقول لك: فالنبي أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين .. وهذا من ذاك .. فالتوسل به جائز لأنه فعل من أمرنا الشارع باتباعهم .. وهذه شبهة أقوى من سابقتها .. والجواب عليه أنه لوكان للقرب فإن سعد أيضا كان حيا .. وابن عمه عبدالله بن عباس أيضا كان حيا .. وابن عمه الآخر الفضل بن عباس أيضا كان على حيا .. وابن عمه علي - معبود المتصوفة والرافضة - أيضا كان حيا بل وفاطمة ابنته أيضا كانت تستحق أن يستشفعوا بها أفضل من العباس وأولى منه بحصول البركة .. ومع ذلك لم يفعل ذلك أحد .. بل ويتباكى الرافضة والصوفية بأن أبابكر حرمها الفدك إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم! فلوكان التبرك والتوسل بالصالحين جائزا لكان أولى في حق فاطمة بنت محمد رضي الله عنها .. ولكان أولى بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن .. ولكان أولى بخاله سعد الذي وصفه بنفس الصيغة التي وصف بها عمه العباس عندما قال: " خالي " .. فكيف يجوز للعباس ولم يجز لغيرهم؟ أما الجواب على أن هذا فعل عمر وعمر ممن أمرنا باتباعهم أن ذلك اجتهاده .. فمادام فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ورد مجردا لا يفيد لا الوجوب ولا حتى الإستحباب من الناحية الحكمية التكليفية فكيف يجوز فعل من هودونه؟ بل حتى أن أمره في بعض المواضع لا يفيد أكثر من الإستحباب .. بل حتى أمر الله في القرآن ليس دائما يفيد الوجوب .. كقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع (الآية) ولا خلاف أن هذا الأمر ما هوللوجوب بل للإستحباب بل قيل للإباحة من غير استحباب .. والأمثلة لا حصر لها في هذا .. فكيف يُجعل أمر أمير المؤمنين عمر تشريعا وإباحة؟ ولماذا فرقوا بين العباس وغيره مع أنه كان يوجد من هوأقرب له صلى الله عليه وسلم من العباس كابنته وأحفاده الحسن والحسين ولم يثبت أن أحدا من أصحابه قد تبرك بأحد منهم؟ سؤال .. لماذا جعل عمر الخطاب في العباس دون غيره؟ بكل بساطة: لا ندري .. ولوكان للحصر فهناك من هوأولى من العباس رضي الله عنه .. ولوثبت فيه لخصيصة لثبت في غيره وهوأولى من العباس رضي الله عن الجميع .. ربما أورد عليك شبهة - لوأسعفه الذكاء - لقال: لم يكن ثُمّ إلا العباس فلأجل ذلك خصصه بالخطاب .. وتقول له إنكارك لذلك يحتاج لدليل .. ولا دليل أنه لم يكن من قرابته أحد غير العباس .. لأننا قد انتهينا أن وصفه ب (عمي) دلالة على أن آل البيت لهم مزية استحقاق التوسل والشفاعة فلكان أولى أن يستشفعوا بخال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما اكتفوا بطلب الدعاء منه والدعاء ربما يجاب وربما لا يجاب بينما لوكان التوسل حقا لوجب قبوله .. فهوأولى لومضينا على هذا القياس .. ثم يبقى له اعتراض أخير ـ إن اعترض - وهوقوله أن عمر فعله في وقت القحط والحاجة للسقيا .. فقل له لا يعقل أن لم يكن في قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبناء عمومته وخاله سعد وزوجاته أحد في المدينة إلا عمه العباس حتى يكون مستحق التوسل رضي الله عن الجميع .. ويبقى أن فعل عمر خاص به من اجتهاده لا يسن لأحد شرعا ولا يسوغ لأحد فعلا ولا توسعا في هذه الامور .. وهوخاص به لا يتعدى لغيره لأنه غير معلل ولا مفسر ولا توبع بدليل صحيح من رسول الله ولا من القرآن .. فمادام رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل أشياء ثم يقال إنها خاصة به .. فمن دونه ممن وُصّينا باتباعهم أولى أن إن فعلوا أمرا غير مفهوم أومستنكر في الظاهر أن يكون خاصا به يلقى الله عليه قاصر على فهمه واجتهاده .. ولوأردت أن تنصفه وتنتصف منه وتمعن في إفحامه فقل له: الذي ثبت عن الصحابة التبرك بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقاياه التي لاصقت بدنه .. ولوصح لك الإستدلال بهذا فإن هذا عمه أخوأبيه .. وهومنه ولحمه ودمه من دمه فلأجل ذلك اجتهد عمر في جواز التوسل به .. ولوكان على ما لاصق بدنه صلى الله عليه وسلم فكثير من الصحابة من حصل معه ذلك ولكان أهلا للتبرك والتوسل - إن تنزلنا معه بذلك - .. ولكن بعد وفاة هؤلاء الصحابة .. ووفاة أتباعهم واندثار كل أثر لهم .. فأي حجة تبقى لمن يزعم جواز التبرك والتوسل بغير آثار رسول الله وبمن ليس دمه من دمه صلى الله عليه وسلم؟ فلوقال لك إن هذا يجوز وكلامك حجة عليك .. فقل له: على كذا أنت تجيز التوسل بأحمد البدوي الكافر الزنديق .. وتجيز التبرك بعبدالوهاب الشعراني .. وتجيز التبرك بالكافر النكرة محمد بن عربي مؤلف فتوحاته وفصوصه .. وهؤلاء كلهم زعموا أنهم من صلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكل هؤلاء أجمع أئمة الإسلام على كفرهم وخروجهم من ربقة الإسلام .. لأنه لوكان لا يقول بكفر ابن عربي وأحمد البدوي وعبدالوهاب الشعراني فهولا يستحق بأن تضيع وقتك في الكلام معه .. ولوكان يقول بكفرهم لوجب عليه تجويز التبرك والتوسل بهم إلى الله لأنهم من صلب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما هم يزعمون ويزعم أتباعهم - .. وفي كلا الحالين في الكلام معه في هذه الجزئية الأخيرة ستلقمه حجرا إن شاء الله.

والله يوفقك وينصرك.

__________________

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولوكان محقا "

أيوب بن عبدالله العماني.


الطعن في حديث الاستسقاء بالعباس(*)

مضمون الشبهة:
يطعن بعض المغرضين في حديث استسقاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالعباس، الذي قال فيه: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون».

ويزعمون أن هذا الحديث ما هو إلا دسيسة إسرائيلية؛ إذ إن كعب الأحبار قد استغل الفرصة ليفسد على المسلمين عقائدهم، فأغرى عمر - رضي الله عنه - بالاستسقاء بالعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستطردون فيقولون: إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تنبه إلى هذه المكيدة وفطن لها، فلم يستسق بأحد حتى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واقتصر على الاستغفار، ولكي يؤيدوا هذا الزعم استدلوا بما ذكره صاحب (المغني): أن عمر خرج يستسقي فلم يزد على الاستغفار).

 ويستدلون على ذلك بأن التوسل إلى الله بالغير يعتبر شركا؛ لأن التوسل لا يكون إلا لله، فمن توسل بغير الله فقد جعله لله ندا، وهذا شرك واضح، وهو عين ما كانت تفعله العرب في جاهليتها؛ حيث كانوا يتقربون إلى الله بالآلهة التي صنعوها بأيديهم أمثال: اللات والعزى ومناة،... وغيرها، ولذلك كله ينكرون حديث الاستسقاء بالعباس؛ لأنه مخالف - كما زعموا - للقواعد الشرعية في الكتاب والسنة بتحريم التوسل.

رامين من وراء ذلك إلى الطعن في السنة النبوية، وتشكيك المسلمين في كل ما صح في كتبها المعتبرة.

وجوه إبطال الشبهة:
1)   إن حديث استسقاء عمر بن الخطاب بالعباس - رضي الله عنهما - حديث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ولم يروه أحد من مسلمة أهل الكتاب ليقال: إنه دسيسة إسرائيلية، وليس في الحديث ذكر لكعب الأحبار، أو أنه أغرى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بهذا؛ ليفسد على المسلمين عقيدتهم.

2)   ليس في توسل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالعباس - عم النبي صلى الله عليه وسلم - أي لون من ألوان الشرك أو اتخاذ الأنداد من دون الله؛ لأنه توسل بالأحياء وليس توسلا بالأموات، كما أنه توسل بدعاء الصالحين من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - والعباس من خيرة آل البيت، وليس توسلا بذاته أو جاهه؛ والصحابة كانوا يتوسلون بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم - قبل موته - لكنه - صلى الله عليه وسلم - بعد ما مات لم يلجئوا إلى قبره سائلين، بل توسلوا بدعاء عمه العباس - رضي الله عنه - وهذا النوع من التوسل مشروع في عقيدتنا، ولا يشبه ما كان عليه العرب في جاهليتها؛ لأن العرب كانت تتقرب بالأموات عن طريق الذبح إليهم والنذر لهم.. إلى غير ذلك، أما الصحابة فقد توسلوا بدعاء العباس وهو حي، ليدعو الله لهم أن يسقيهم، وبالتالي فلا وجه لقولهم: إن عمر - رضي الله عنه - قد فطن لمكيدة كعب، فليس هناك مكيدة أصلا؛ لأن الفعل لم يخرج عن حدود الشرع.

3)   إن ما استشهد به المغرضون لتقوية زعمهم مما نقلوه عن صاحب (المغني) من أن عمر خرج يستسقي، فلم يزد على الاستغفار لا يصلح كدليل لتقوية مرادهم من زاويتين:
·   لقد ذكر الشيخ الألباني هذا الأثر في (إرواء الغليل) وحكم عليه بالضعف، وبالتالي فلا يصلح مستندا لهذه القصة التي يحكيها هؤلاء المغرضون، وعلى العكس من ذلك، فإن ضعف هذا الأثر ليدل بوضوح على بطلان ما بني عليه من أقوال تخالف ما ورد في صريح وصحيح السنة النبوية.

·   إن هذا الأثر إذا صح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإنه لا يقدح في تصرفه وتوسله، كما لا يخالف صريح وصحيح السنة النبوية؛ وذلك لأنه لا يعدو أن يكون نوعا من التوسل المشروع ومثالا من أمثلته، فما المانع من أن يكون عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد توسل مرة بالاستغفار، ومرة أخرى بدعاء العباس - رضي الله عنه - فلا تعارض بين النوعين، كما أنه لا يوجد دليل على أن عمر - رضي الله عنه - رجع عن الاستسقاء بدعاء العباس لأجل الاستسقاء بالاستغفار، فكلاهما محمود في الشرع ولم يرد ما يذمه أو يحرمه.

التفصيل:
أولاحديث استسقاء عمر - رضي الله عنه - بالعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابت وصحيح، ولا ذكر لمسلمة أهل الكتاب به:
إن فريقا ممن ينتمون إلى الإسلام قد ضاقوا بالسنة ذرعا، والسنة ورجالها لم تضق بهم، بل هي في منعة بنفسها وبتفسير رجالها؛ لتصحيح ما غلط من تأويل أولئك المتحمسين للإسلام تحمسا مزيفا؛ لأنهم أرادوا توهين صرح السنة؛ لإشاعتهم الأكاذيب حولها، ظنا منهم أنها تشيع الأباطيل، وقد كذبوا فيما وصلت إليهم عقولهم من تجريد الإسلام من مصدره الثاني وهو السنة النبوية، وما فعلوا ذلك إلا لسوء فهمهم.
وقد وجه القوم سمومهم نحو حديث من الأحاديث الصحيحة التي تقبلتها الأمة بالتصديق والعمل، وهو حديث سيدنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - الذي رواه البخاري في صحيحه، قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني أبي عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس «أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون» [1].
وهذا الحديث صحيح سندا.
والناظر في هذا الحديث يراه مرويا بطريق واحد، وهو عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - وبذلك يبطل الزعم الذي يلفونه حول هذا الحديث بأن كعب الأحبار قد انتهز تلك الفرصة - أي فرصة الجدب الذي حل في المدينة ورغبة الصحابة في الاستسقاء - وأغرى إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بأن يستسقي بالعباس؛ ليوهن عقيدة التوحيد والتوكل عندهم، مع أنه ليس هناك ذكر لكعب الأحبار في تلك الحادثة من قريب أو بعيد، لا صحة ولا ضعفا، ليحمل كلامهم على أي وجه من وجوه الاحتمال المفترض تأويلها، لكن كل هذا لم يكن، وما كعب الأحبار بالذي يحاول أن يوهن من عقيدة المسلمين - الصحابة - في ذلك العهد المتقدم وهو قد أسلم - على الأصح - في خلافة عمر - رضي الله عنه - وسكن المدينة، وروي عنه، وشارك في غزو الروم في خلافة عمر - رضي الله عنه - وعمر كان عبقريا ملهما، فلا يعقل أن يساكن كعبا في المدينة، ويصاحبه ويكتبه في جيش المسلمين لغزو الروم، وهو مخدوع فيه وفي إسلامه.
وقد روى له الإمام مسلم في صحيحه، وكذا أخرج أبو داود والترمذي والنسائي له، وهذا دليل على أن كعبا كان ثقة غير متهم عند هؤلاء جميعا؛ وتلك شهادة كافية لرد أي شبهة تلتصق بهذا الحبر الجليل [2].
فلا يعقل أن يكون كعب الأحبار قد استغل تلك الفرصة ليلبس على الصحابة عقيدتهم، ولو حدث ذلك من كعب الأحبار لما انطوى ذلك على عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكل هذا لم يكن؛ لأن الحديث الذي معنا انفرد بروايته أنس بن مالك، وليس فيه أي ذكر لكعب، وهذا ينفي عن الحديث إطلاقا أن يكون دسيسة إسرائيلية؛ لأنه لم يروه أحد من مسلمة أهل الكتاب...
ومما سبق يتبين أن الحديث صحيح رواه الإمام البخاري، والحجة قائمة على العمل بهذا الحديث، وعلى جواز التوسل بدعاء الصالحين.
ثانيا. استسقاء عمر بالعباس - رضي الله عنهما - من باب التوسل الجائز بدعاء الصالحين، وليس فيه أي شيء من الشرك:
أما قولهم: إن ذلك التوسل هو من الشرك الذي كانت عليه الناس في الجاهلية، فهذا زعم باطل فاسد، وإن دل على شيء فإنما يدل على جهلهم بمعنى الشرك؛ لذلك كان لزاما علينا أن نصحح مفهوم الشرك لدى هؤلاء حسب ما يقرره الإسلام.
فالشرك لغة: "الشركة والشركة سواء: مخالطة الشريكين. يقال: اشتركنا بمعنى تشاركنا... وشاركت فلانا: صرت شريكه[3]، وشرك فلانا في الأمر: كان لكل منهما نصيب منه، فكل منهما شريك للآخر"[4]
.
أما الشرك اصطلاحا: فهو اتخاذ الند مع الله تعالى، سواء أكان هذا الند في الربوبية أم في الألوهية أم في الأسماء والصفات، أي: جعل شريك مع الله في التوحيد، ولذا يكون الشرك ضد التوحيد، كما أن الكفر ضد الإيمان، قال عز وجل)فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون (22)( (البقرة)[5].
وهذا هو معنى الشرك في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، فهل الحالة التي ذكرناها في توسل عمر - رضي الله عنه - بالعباس - رضي الله عنه - شيء من هذه الأمور الشركية؟ كلا، فهذا باب وذاك باب آخر.
ولنثبت أنه ليس في توسل عمر بالعباس - رضي الله عنهما - أي لون من ألوان الشرك، فسنذكر حقيقة توسل الجاهليين بالأصنام؛ لندرك أنه لا مقارنة بين فعل عمر - رضي الله عنه - وما كان عليه أولئك القوم من الشرك.
قال تعالى: )إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين (2) ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار (3)( (الزمر).
قال الحافظ ابن كثير: "قال قتادة في قوله تبارك وتعالى)ألا لله الدين الخالص(، شهادة أن لا إله إلا الله، ثم أخبر - سبحانه وتعالى - عن عباد الأصنام من المشركين أنهم يقولون)ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى( أي: إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم، فعبدوا تلك الصور تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة؛ ليشفعوا لهم عند الله - سبحانه وتعالى - في نصرهم ورزقهم، وما ينوبهم من أمور الدنيا، فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به، قال قتادة، والسدي، ومالك عن زيد بن أسلم، وابن زيد)إلا ليقربونا إلى الله زلفى( أي: ليشفعوا لنا، ويقربونا عنده منزلة، ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك"، وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها والنهي عنها والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم، لم يأذن الله فيه ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه"[6].
قال الطاهر ابن عاشور)والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار (3)( (الزمر). عطف على جملة )ألا لله الدين الخالص( لزيادة تحقيق معنى الإخلاص لله في العبادة وأنه خلوص كامل لا يشوبه شيء من الإشراك، ولا إشراك الذين زعموا أنهم اتخذوا أولياء وعبدوهم حرصا على القرب من الله يزعمونه عذرا لهم؛ فقولهم من فساد الوضع وقلب حقيقة العبادة بأن جعلوا عبادة غير الله وسيلة إلى القرب من الله، فنقضوا بهذه الوسيلة مقصدها وتطلبوا القربة بما أبعدها، والوسيلة إذا أفضت إلى إبطال المقصد كان التوسل بها ضربا من العبث"[7].
إذن هؤلاء الجاهليون كانوا يعمدون إلى تلك الأصنام التي صنعوها لعباد صالحين، كاللات والعزى ومناة وود وسواع ويغوث، أو يتخذون أصناما على صور الملائكة في ظنهم، ثم يقصدونها ببعض العبادات كالنذر والذبح والقرابين، كل ذلك من أجل أن تقربهم تلك الأصنام إلى الله، وذلك التوسل ممنوع غير مشروع وهو شرك في العبودية ينفي الإيمان عن صاحبه.
·       فهل كان توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما على تلك الكيفية السابقة؟
لم يكن توسل عمر - رضي الله عنه - على هذه الكيفية أبدا، بل هو توسل مشروع ومندوب إليه بشهادة القرآن والسنة وإجماع السلف، وجدير بالذكر هنا أن نبين معنى الاستسقاء في ضوء القرآن الكريم والسنة المطهرة.
قال ابن منظور: "واستقى الرجل واستسقاه: طلب منه السقي، وفي الحديث خرج يستسقي فقلب رداءه، وتكرر ذكر الاستسقاء في الحديث، وهو استفعال من طلب السقيا أي إنزال الغيث على البلاد والعباد. يقال استسقى، وسقى الله عباده الغيث، وأسقاهم، والاسم السقيا، بالضم. واستسقيت فلانا إذا طلبت منه أن يسقيك[8].
وعلى هذا فإن المفهوم من الأثر: أن الصحابة كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذهبون إليه ويطلبون منه أن يدعو لهم الله أن يسقيهم، فلما مات توجهوا إلى العباس - رضي الله عنه - أن يتوجه إلى الله سائلا إياه أن يسقي المؤمنين، وهذا مقتضى اللفظة التي خرجت من فم أنس بن مالك رضي الله عنه «إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس». أي: طلب منه أن يستسقي لهم.
قال ابن حجر: "الاستسقاء لغة: طلب سقي الماء من الغير للنفس أو الغير، وشرعا: طلبه من الله عند حصول الجدب على وجه مخصوص"[9].
وليس هذا ببعيد عن قول الحق - سبحانه وتعالى - في كتابه عن موسى عليه السلام)وإذ استسقى موسى لقومه( (البقرة: ٦٠)، فالاستسقاء هنا طلب السقيا من موسى لقومه، ولا تكون سقيا إلا من جفاف، وامتناع القطر من السماء.
إذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما توجه إليه الناس في عام الرمادة وهو العام الثامن عشر من الهجرة يشكون إليه ما أصابهم من القحط، ويسألونه بوصفه أميرا للمؤمنين أن يجمع الناس على صلاة الاستسقاء، فجمعهم عمر - رضي الله عنه - ليدعو الله بهم في جماعة حتى ينزل الله الغيث، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل، ثم دعا عمرـ رضي الله عنه - بما يشاء، وبعد الدعاء أمر العباس - رضي الله عنه - أن يستسقي، والألف والسين والتاء في أول كل فعل للطلب، ومعنى (يستسقي): يطلب من الله - عز وجل - أن ينزل المطر ويسقي الناس والأرض والحيوانات، والعباس قد فهم ذلك ووعاه، والناس قد فهموا حديث عمر - رضي الله عنه - على هذا النحو وأدركوه[10].
لم يكن توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما ليستسقي لهم توسلا بالجاه أو بالذات، بل كان بطلب الدعاء، ولم يكن في غيابه بل في حضوره.
وتظهر حقيقة التوسل التي قام بها عمر - رضي الله عنه - في عهده على أنها فعل معروف مارسه الصحابة من قبل، ولم يكن فعل عمر شيئا جديدا على الصحابة بل كانوا يفعلونه في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كانوا يطلبون السقيا والدعاء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ظروف كثيرة منها:
1. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - يذكر «أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما، فقال: يا رسول الله هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت...» فذكره[11].
وهذه حالة من حالات التوسل إلى الله - سبحانه وتعالى - أن يتوجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويطلب منه الدعاء.
2. وروي أن رجلا ضريرا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا نبي الله ادع الله أن يعافيني، فقال: إن شئت أخرت ذلك، فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك، قال: لا بل ادع الله لي، فأمره أن يتوضأ وأن يصلي ركعتين، وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي الرحمة، يا محمد: إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى وتشفعني فيه وتشفعه في. قال: فكان يقول هذا مرارا، ثم قال بعد أحسب أن فيها أن تشفعني فيه، قال: ففعل الرجل فبرأ»[12].
وهذا الحديث صريح في جواز التوسل إلى الله بدعاء الصالحين، ومن القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضا. ولا يفهم شيء منها في موضوع ما بمعزل عن بقية النصوص الواردة فيه.
وبناء على ذلك فحديث توسل عمر - رضي الله عنه - السابق إنما يفهم على ضوء ما ثبت من الروايات والأحاديث الواردة في التوسل بعد جمعها وتحقيقها، ونحن والمخالفون متفقون على أن في كلام عمر: «كنا نتوسل إليك بنبينا. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا» - شيئا محذوفا لابد له من تقدير، وهذا التقدير إما أن يكون: كنا نتوسل إليك بـ (جاه) نبينا، وإنا نتوسل إليك بـ (جاه) عم نبينا، أو على تقدير: كنا نتوسل إليك بـ (دعاء) نبينا، وإنا نتوسل إليك بـ (دعاء) عم نبينا. ولابد من الأخذ بواحد من هذين التقديرين ليفهم الكلام بوضوح وجلاء، ولكي نعرف أي التقديرين صواب لابد من اللجوء إلى السنة لتبين لنا طريقة توسل الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ترى هل كانوا إذا أجدبوا وقحطوا قبع كل منهم في داره، أو في مكان آخر أو اجتمعوا دون أن يكون معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دعوا ربهم قائلين: اللهم بنبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وحرمته عندك ومكانته لديك اسقنا الغيث، مثلا، أم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم (ذاته) فعلا ويطلبون منه أن (يدعو) الله تعالى لهم فيحقق - صلى الله عليه وسلم - طلبتهم ويدعو ربه - سبحانه وتعالى - ويتضرع إليه حتى يسقوا؟
أما الأمر الأول فلا وجود له إطلاقا في السنة النبوية الشريفة وفي عمل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولا يستطيع أحد أن يأتي بدليل يثبت أن طريقة توسلهم كانت بأن يذكروا في أدعيتهم اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويطلبوا من الله بحقه وقدره عنده ما يريدون. بل الأمر الذي نجده بكثرة في كتب السنة هو الأمر الثاني؛ إذ تبين أن طريقة توسل الأصحاب الكرام بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كانت إذا رغبوا في قضاء حاجة أو كشف نازلة أن يذهبوا إليه - صلى الله عليه وسلم - ويطلبوا منه مباشرة أن يدعو لهم ربه، أي أنهم كانوا يتوسلون إلى الله تعالى (بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم) ليس غير.
ويرشد إلى ذلك قوله تبارك وتعالى)ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما (64)( (النساء).
وقد ذكرنا أمثلة على ذلك سابقا كمجيء الأعرابي إلى المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، وأيضا حديث الضرير.
وهذه الأحاديث وأمثالها مما وقع في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمن أصحابه الكرام رضوان الله عليهم تبين بما لا يقبل الجدال أو المماراة أن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أو بالصالحين - الذي كان عليه السلف الصالح هو مجيء المتوسل إلى المتوسل به ليطلب منه أن يدعو له الله سبحانه ليحقق طلبه، فيستجيب هذا له، ويستجيب من ثم الله سبحانه وتعالى.
وهذا الذي بيناه من معنى الوسيلة هو المعهود في حياة الناس وفي استعمالهم، فإنه إذا كانت لإنسان حاجة ما عند مدير أو رئيس أو موظف مثلا فإنه يبحث عمن يعرفه، ثم يذهب إليه ويكلمه ويعرض عليه حاجته، فيفعل وينقل هذا الوسيط رغبته إلى الشخص المسئول فيقضيها له غالبا.
فهذا هو التوسل المعروف عند العرب منذ القديم، وما يزال، فإذا قال أحدهم: إني توسلت إلى فلان، فإنما يعني أنه ذهب إلى الثاني وكلمه في حاجته ليحدث بها الأول، ويطلب منه قضاءها، وقال له: بحق فلان (الوسيط) عندك ومنزلته لديك، اقض لي حاجتي.
وهكذا فالتوسل إلى الله - عز وجل - بالرجل الصالح ليس معناه التوسل بذاته وبجاهه وبحقه، بل هو التوسل بدعائه وتضرعه واستغاثته به - سبحانه وتعالى - وهذا هو بالتالي معنى قول عمر رضي الله عنه: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا» أي: كنا إذا قل المطر نذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونطلب منه أن يدعو لنا الله جل شأنه.
ومما يؤكد هذا ويوضحه تماما قول عمر رضي الله عنه: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) أي: أننا بعد وفاة نبينا جئنا بالعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلبنا منه أن يدعو لنا ربنا - سبحانه وتعالى - ليغيثنا، وقد عدل عمر - رضي الله عنه - عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التوسل بعمه العباس - رضي الله عنه - مع أن العباس مهما كان شأنه ومقامه فإنه لا يذكر أمام شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومقامه؛ وذلك لأن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - غير ممكن بعد وفاته، فأنى لهم أن يذهبوا إليه - صلى الله عليه وسلم - ويشرحوا له حالهم ويطلبوا منه أن يدعو لهم ويؤمنوا على دعائه، وهو قد انتقل إلى الرفيق الأعلى فأنى لهم أن يحظوا بدعائه - صلى الله عليه وسلم - وشفاعته فيهم وبينهم وبينه كما قال الله عز وجل)ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (100)( (المؤمنون).
لذلك لجأ عمر - رضي الله عنه - الذي صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولازمه في أكثر أحواله وعرفه حق المعرفة، وفهم دينه حق الفهم، ووافقه القرآن في مواضع عدة لجأ إلى توسل ممكن، فاختار العباس - رضي الله عنه - لقرابته من النبي - صلى الله عليه وسلم - من ناحية، ولصلاحه ودينه وتقواه من ناحية أخرى، وطلب منه أن يدعو لهم بالغيث والسقيا[13].
ومما يؤكد أن توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما كان توسلا مشروعا قول الإمام الألوسي تعقيبا على حديث أنس رضي الله عنه: "إن هذا التوسل ليس من باب الإقسام، بل هو من جنس الاستشفاع، وهو أن يطلب من الشخص الدعاء والشفاعة، ويطلب من الله تعالى أن يقبل دعاءه وشفاعته، ويؤيد ذلك أن العباس كان يدعو وهم يؤمنون لدعائه حتى سقوا، وقد ذكر المجد أن لفظ التوسل بالشخص والتوجه إليه وبه فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح؛ فمعناه في لغة الصحابة: أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيكون التوسل والتوجه في الحقيقة بدعائه وشفاعته، وذلك مما لا محذور فيه، وأما في لغة كثير من الناس فمعناه: أن يسأل الله تعالى بذلك ويقسم به عليه، وهذا هو محل النزاع وقد علمت الكلام فيه.
وجعل من الإقسام غير المشروع قول القائل اللهم أسألك بجاه فلان؛ فإنه لم يرد عن أحد من السلف أنه دعا كذلك[14].
وقال الدكتور محمد جميل زينو: "هذا الحديث دليل على أن المسلمين كانوا يتوسلون بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في حال حياته يطلبون الدعاء منه - صلى الله عليه وسلم - لنزول المطر، فلما انتقل إلى الرفيق الأعلى لم يطلبوا منه الدعاء، بل طلبوا من العباس - رضي الله عنه - عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حي فقام العباس - رضي الله عنه - يدعو الله لهم[15].
وقال الشيخ أبو بكر الجزائري: "إن توسلهم - رضوان الله عليهم - يقصد الصحابة - بنبيهم - صلى الله عليه وسلم - كان بطلبهم منه أن يدعو الله لهم بالغيث، فيدعو فيستجيب الله دعوته ويسقيهم، كما قد حصل مرارا، لا أنهم كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بذات النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بجاهه - صلى الله عليه وسلم - فيقولون: اللهم إنا نتوسل إليك بنبيك، أو بجاه نبيك، والنبي - صلى الله عليه وسلم - غائب عنهم، ولم يدع الله تعالى لهم، إذ لو كان الأمر هكذا لما توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما، وإنما كان يقول: اللهم إنا نتوسل إليك بنبيك أو بجاه نبيك فاسقنا، لم يقل عمر - رضي الله عنه - هذا؛ لأنه يعلم أن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان بدعائه - صلى الله عليه وسلم - لهم، ولما توفي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق ليدعو لهم، توسلوا بالعباس - رضي الله عنه - ليدعو الله تعالى لهم، فكان - رضي الله عنه - يدعو، ويستجيب الله له فيسقون ومن هنا كان من الجائز المشروع أن يقدم المسلمون مؤمنا صالحا يدعو لهم عند الحاجات"[16].
وبذلك يتبين لنا حقيقة التوسل الذي قام به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بطلب الدعاء من العباس - رضي الله عنه - عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان في حياته وفي حضوره، وأن يدعو لهم، ولم يتوسلوا بجاهه أو بذاته، وفي ذلك اقتداء بما كان يفعله الصحابة رضوان الله عليهم مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الاستشفاع إليه والتوسل به في حوائجهم ليدعو الله لهم، ولم ينكره عليهم.
وقد وقع ذلك في حوادث ووقائع كثيرة مما يؤيد جواز التوسل بدعاء الصالحين في حضورهم أثناء حياتهم، وهذا يرد على الذين يجيزون التوسل بالأموات الصالحين؛ لأنه لو كان جائزا لما ترك عمر - رضي الله عنه - التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ميت، وتوسل بعمه العباس - رضي الله عنه - وعمر - رضي الله عنه - وما أدراك ما عمر في الاتباع والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
وذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم كانت إذا نزلت بهم الشدائد أو أرادوا دعاء الله لكشف الضر أو لطلب الرحمة؛ لا يقصدون شيئا من القبور، لا قبور الأنبياء ولا غير الأنبياء، ولم يتوجهوا بالدعاء أبدا عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أنه لما مات - صلى الله عليه وسلم - وأصابهم الجدب عام الرمادة في خلافة عمر - رضي الله عنه - وكانت شدة عظيمة أخذوا العباس - رضي الله عنه - فتوسلوا به بدلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يأتوا إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعون عنده ولا استسقوا به ولا توسلوا به، وكذلك في الشام لم يذهبوا إلى ما فيها من القبور، بل استسقوا بمن فيهم من الصالحين، ومعلوم أنه لو كان الدعاء عند القبور والتوسل بالأموات مما يستحب لهم، لكان التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من التوسل بالعباس وغيره[17].
 
وعلى هذا فلا يجوز التوسل بمن مات لا صالحا ولا طالحا، ولا نبيا ولا وليا.
ومما سبق يتأكد أن توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما هو من قبيل التوسل المشروع في الإسلام، ولا تشوبه أية شائبة شرك؛ فلو كان توسل عمر - رضي الله عنه - كتوسل الجاهليين وشركهم، لكان على عمر أن يلجأ إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويطلب منه السقيا، لكن الذي حدث خلاف ذلك، فقد قاس - رضي الله عنه - توسله بالعباس - رضي الله عنه - على استسقائهم - أي الصحابة - بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته، وطلب الدعاء منه: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا» فيسقون.
وعرفنا سابقا أن التوسل في الحديث كان بطلب الدعاء من العباس رضي الله عنه - وهو حاضر - أن يدعو الله لهم بطلب السقيا، فهو من التوسل الجائز بدعاء الصالحين لا غير.
ومما سبق ذكره يتبين أن توسل عمر - رضي الله عنه - بالعباس - رضي الله عنه - كان بطلب الدعاء لهم أن ينزل الله عليهم الغيث في ذلك العام المجدب، وكان في حضوره وليس في غيابه، وفي حياته لا بعد موته وبدعائه لا بجاهه، وكان قياسا من عمر - رضي الله عنه - على توسل الصحابة رضوان الله عليهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء والسقيا، وليس في ذلك الفعل أي لون من ألوان الشرك الذي كان يمارسه الجاهليون في عبادتهم لله من حيث التقرب إلى أصنام - قد صنعوها بأيديهم للملائكة، أو لأناس صالحين - بالنذر والقرابين من أجل أن تتوسط إلى الله بإجابة طلبهم الذي يريدونه.
ثالثا. إن ما استشهد به المغرضون لتقوية زعمهم مما نقلوه عن صاحب المغني لا يصلح دليلا لتقوية مرادهم:
 وقبل عرض أدلة بطلان الاستدلال بهذا القول، نود أن نعرض هذا القول كما قاله ابن قدامة نفسه.
يقول ابن قدامة في المغني بعد ما عرض لما يستحب في دعاء الاستسقاء مما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"ويستحب أن يستفتح الخطبة بالتكبير، كخطبة العيد، ويكثر من الاستغفار والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقرأ كثيرا)فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11)( (نوح) وسائر الآيات التي فيها الأمر به، فإن الله تعالى وعدهم بإرسال الغيث إذا استغفروه.
وعن عمر بن عبد العزيز، أنه كتب إلى ميمون بن مهران يقول: "قد كتبت إلى البلدان أن يخرجوا إلى الاستسقاء إلى موضع كذا وكذا، وأمرتهم بالصدقة والصلاة، قال عز وجل)قد أفلح من تزكى (14) وذكر اسم ربه فصلى (15)( (الأعلى)، وأمرتهم أن يقولوا كما قال أبوهم آدم)ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين (23)( (الأعراف)، ويقولوا كما قال نوح)وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين (47)( (هود)"[18]... إلخ.
ومن خلال هذا العرض السابق نستنتج النتائج التالية:
1.   أن الاستغفار قد يكون استفتاحا من المسلمين قبل دعاء الاستسقاء، وقد يكون هو عماد الاستسقاء كما فعل عمر - رضي الله عنه - امتثالا لقوله تعالى: )استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11)(.
2.   أن الصحابة والتابعين قد فهموا الاستسقاء حق الفهم كما علمهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يبتدعوا فيه، ولم يتوسلوا بذوات الصالحين، ولم يقفوا عند قبور الأولياء والصالحين ليتوسلوا بهم، بل توسلوا إلى الله تعالى بالدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة، وتوسلوا أيضا بدعاء الصالحين واستغفارهم، فهم - رضي الله عنهم - كما يقول الإمام ابن تيمية: "إنما توسلوا بدعاء العباس كما كانوا يتوسلون بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا فعله عمر بين المهاجرين والأنصار عام الرمادة، ولم ينكره أحد، ولم يقل له: بل التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وسلم - والإقسام به مشروع، فلم يعدل عن التوسل بالرسول إلى العباس؟ فلما أقروا عمر على ذلك ولم ينكره أحد علم أن ما فعله عمر وأصحابه معه هو المشروع دون ما يخالفه"[19].
ورغم اتفاق ما نقله ابن قدامه - من أن عمر خرج يستسقي فلم يزد على الاستغفار - مع فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، ورغم صحة فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإنه لا يصلح دليلا لتدعيم مراد هؤلاء المغرضين من زاويتين:
·   لقد ذكر الشيخ الألباني هذا الأثر في (إرواء الغليل) وحكم عليه بالضعف، وبالتالي فلا يصلح مستندا لهذه القصة التي يحكيها هؤلاء المغرضون، وعلى العكس من ذلك، فإن ضعف هذا الأثر ليدل بوضوح على بطلان ما بني عليه من أقوال تخالف ما ورد في صريح وصحيح السنة النبوية[20].
·   إن هذا الأثر إذا صح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإنه لا يقدح في تصرفه وتوسله، كما لا يخالف صريح وصحيح السنة النبوية، وذلك لأنه لا يعد أن يكون نوعا من التوسل المشروع ومثالا من أمثلته، فما المانع من أن يكون عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد توسل مرة بالاستغفار، ومرة أخرى بدعاء العباس - رضي الله عنه - فلا تعارض بين النوعين، كما أنه لا يوجد دليل على أن عمر - رضي الله عنه - رجع عن الاستسقاء بدعاء العباس - رضي الله عنه - لأجل الاستسقاء بالاستغفار، فكلاهما محمود في الشرع ولم يرد ما يذمه أو يحرمه.
الخلاصة:
·  إن حديث استسقاء عمر بالعباس - رضي الله عنهما - حديث صحيح رواه الإمام البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - وليس من وضع كعب الأحبار، ليفسد على الصحابة عقيدتهم كما يزعمون؛ لأنه ليس له ذكر في الحديث من قريب أو من بعيد، وليس ذلك مقتضى خلقه وعدالته.
·  إن الاستسقاء المقصود في الحديث معناه: طلب السقيا، ومضمونه: التوجه إلى العباس - رضي الله عنه - ليدعو الله لهم متوسلا إلى الله؛ ليرفع عنهم الجدب وينزل عليهم المطر.
·  لقد توسل الصحابة - رضي الله عنهم - بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته، مثل مجيء الأعرابي له في المسجد وهو يخطب، وطلب السقيا منه - صلى الله عليه وسلم - وأيضا مجيء الأعمى إليه طالبا الدعاء منه بالشفاء وغيرهما، وهذا يفيد جواز التوسل بهذا الشكل على هذا الأساس.
·  إن توسل عمر بالعباس - رضي الله عنهما - كان توسلا بدعائه، ولم يكن بجاهه أو بذاته، ولم يلجئوا إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - داعين الله عنده بنبيه أن يغيثهم، لكن بدعاء العباس، وهم يؤمنون خلفه، ولو لم يكن ذلك جائزا لما فعله عمر، ولا أقره عليه الصحابة.
·  ليس في توسل عمر بالعباس - رضي الله عنهما - أدنى شبهة ترمي إلى الشرك الذي كان مطبوعا عليه أهل الجاهلية؛ لأنهم كانوا يتخذون أصناما من الأحجار لصالحين ويتقربون إليهم بالنذور والقرابين؛ ظنا منهم أنها تقربهم إلى الله، وتقضي حاجاتهم، وفعل عمر - رضي الله عنه - عن هذا بعيد كل البعد، فهو من التوسل الجائز بدعاء الصالحين، وفعله اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
·  إن ما استشهد به المغرضون من الأثر المروي عن عمر - رضي الله عنه - وفيه أنه خرج ليستسقي فلم يزد على الاستغفار - لا يصلح لهم دليلا على ضعف الأثر باستسقائه بالعباس - رضي الله عنه - وهذا الأثر قد ضعفه الألباني، وعلى فرض صحته فإنه لا يقدح في فعل عمر - رضي الله عنه - لأن توسل عمر بالاستغفار لا يتعارض مع التوسل بدعاء العباس، فكلاهما محمود؛ وكلاهما فعله عمر - رضي الله عنه - ولم يرجع عمر - رضي الله عنه - عن التوسل بدعاء العباس - رضي الله عنه - إلى التوسل بالاستغفار - كما يزعمون - بل توسل بالاستغفار، وتوسل أيضا بدعاء العباس، ولم يقع بذلك في الشرك؛ لأنه توسل بدعاء العباس، لا بذات العباس رضي الله عنه
 


(*) ضلالات منكري السنة، د. طه حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط1، 1417هـ/ 1996م. دفاع عن السنة، د. محمد محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م.
[1]صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الاستسقاء، باب: سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، (2/ 574)، رقم (1010).
[2]الإسرائيليات في التفسير والحديث، محمد حسين الذهبي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1425هـ/ 2005م، ص75، 76 بتصرف.
[3]لسان العرب، ابن منظور، مادة (شرك).
[4]معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، مادة (شرك)، (2/ 1193).
[5]الإيمان حقيقته. خوارمه. نواقضه عند أهل السنة والجماعة، عبد الله عبد الحميد الأثري، مدار الوطن للنشر، الرياض، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص236.
[6]تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، (4/ 45).
[7]التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار ابن سحنون، تونس، د. ت، (23/ 321).
[8]لسان العرب، ابن منظور، مادة (سقي).
[9]فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (2/ 571).
[10]ضلالات منكري السنة، د. طه حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط1، 1417هـ/ 1996م، ص109 بتصرف.
[11]صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الاستسقاء، باب: الاستسقاء في المسجد الجامع، (2/ 581)، رقم (1013).
[12]صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث عثمان بن حنيف، رقم (17280). وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
[13]التوسل أنواعه وأحكامه، محمد ناصر الدين الألباني، تحقيق: محمد عيد العباسي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، ص52: 57.
[14]روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (6/ 127).
[15]توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع، محمد جميل زينو، وزارة الشئون والأوقاف والدعوة والإرشاد، السعودية، ط1، 1418هـ، ص52.
[16]عقيدة المؤمن، أبو بكر جابر الجزائري، دار الكتب السلفية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م، ص117، 118.
[17]مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (27/ 154) بتصرف.
[18]المغني، ابن قدامة المقدسي، تحقيق: عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، مكتبة هجر، القاهرة، ط2، 1412هـ/ 1992م، (3/ 343)
[19]قاعدة في الوسيلة، ابن تيمية، تحقيق: علي بن عبد العزيز بن علي الشبل، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1420هـ/ 1999م، ص66، 67.
[20]انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، (3/ 141)، رقم (673).

الموقع بيان الإسلام ..