Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

أُمُّنَا عاَئِشَة .. ملكة الطهـر

أُمُّنَا عاَئِشَة .. ملكة الطهـر
إعداد: الفقير إلى عفو ربه /نصر بن محمد الصنقري

المقدمة :

إن الحمد لله – تعالى- ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله –تعالى- من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.  

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }( )

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}( )

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا  ( * ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }( ) 

 أما بعد:

فإن عظمة الإنسان تقاس بما يُقدِم لا بما يُقدَم له ؛ لأن الكثير يسعدهم ما يقدم لهم ، فيعتبرون ذلك من فضائلهم ، والصحيح أن من اعتمد على ما ليس فيه كان كمن يخرج على الناس بثوب غيره ، ولو نازعه صاحب الثوب لتقلب في الورى عرياناً ، وإن ظن أنه كاس فلا ينفعه ظنه وعوره باد لكل ذي عينين .

يقول القائل ( ):

كن ابن من شئت واكتسب أدباً            يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ

فليس يغني الحســيب  نسبته           بلا لســـانٍ له ولا أدب

إن الفــتى من يقول ها أنا ذا           ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي 

لأجل ذلك يكابد ويكدح العظماء ، وتركن إلى الدَّعة والراحة الدهماء ، ويظنون أنهم عن الكد والتعب في غناء ، بل يؤملون أن ينبت زرعهم بلا ري ، ولا ماء تواكلاً لا توكلاً ، فانظر إلى ما نحن فيه من بلاء وابتلاء !.  

وطائفة أخرى لا هم لها إلا ردم كلِّ مزهرٍ ، وقتلَ كلِّ مشفقٍ منذر ، فترى معاول الهدم في أيديهم تريد أن تهدم الحقَ أو تطمر ؛ حسداً أو بغضاً له من أن يعلو أو يظهر ، وهؤلاء أعداء النجاح  ، وهذا حالهم دائماً لا يخفى على كل ذي لب أو من يبتغي الصلاح والفلاح.

فكان البلاء والعناء من نصيب أهل الوفاء والصفاء ، غير أنه أيضاً بابهم المشرع دائماً لبلوغهم عنان السماء ، ويبقى أهل الرّغام على الرغام يكابدون حسرتهم ، ويحترقون بنار حسدهم على الدوام .   

فقد ثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله : "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"( )

ولاشك أن الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- هم خير البشر بعد الأنبياء والرسول ، وأفضلهم الأربعةُ الخلفاءُ أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ،  ثم بقية العشرة – رضي الله عنهم – ثم باقي الصحابة الكرام ، الذين حملوا أمانة نشر هذا الدين القويم ، فكانوا خير مبلغين ومرشدين ، وكانوا خير قدوة وخير مثال يُحتذى ،  فهم خير الناس للناس وأفضل تابع لخير متبوع وهم الذين  فتحوا البلاد بالسنان والقلوب بالإيمان ، ولم يعرف التاريخ البشري منذ بدايته تاريخاً أعظم من تاريخهم ولا رجالاً دونَ الأنبياء أفضل منهم ولا أشجع ، ومن داخله شكٌ في هذا فلينظر في سيرهم على ضوء الأحاديث الصحيحة والآثار الثابتة يرى أمراً هائلاً من حال القوم وعظيم ما آتاهم الله من الإيمان والحكمة والشجاعة والقوة .

قد اصطفاهم الله لصحبة نبيه ونشر دينه فأخرجوا - من شاء الله - من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور أهل الطغيان إلى عدل الإسلام ، وعلى أيديهم سقطت عروش الكفر وتحطمت شعائر الإلحاد وذلت رقاب الجبابرة والطغاة ودانت لهم   الممالك . 

عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ – رَضيَ الله عَنهُ - ، كَانَ يَقُولُ : " مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا أَفْضَلَ الأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمًا اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي أَثَرِهِمْ، وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلاقِهِمْ، وَدِينِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ "( )

من هنا كان ابتلاؤهم شديداً ففي بداية الدعوة لاقوا - رضي الله عنهم – المرارة ، وتركوا لأجل هذا الدين ديارهم وأموالهم وهاجروا إلى الله ورسوله ، ولما استقرت بهم دار الهجرة في يثرب لاقوا الحروب والكر والفر ، ولما قُبض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ارتدت العرب ولاقوا من جراء الارتداد ما لاقوا  ، واليوم وهم في قبورهم بعدما أدوا ما عليهم بكل إخلاص وتفانٍ منقطع النظير ، يتربص بهم الشانئون ، ويكيد لهم المنافقون ؟!.

 فلله درهم من قوم طوتهم الأرض ، ولم تستطع أن تطوي سجلات أعمالهم التي ما تزال - رغم هذا الزمن المديد-  مشرعة ، فهل  - بربك – وجدت مثل هؤلاء قط ؟!.

يقول ابن معصوم الشاعر( ):

وعترته الغر الهداة ومن لهـم   ****     مناقب لا تفنى وإن فني الدهرُ

فقد أحرزوا دون الأنام مفاخراً   ****   تضيق لأدناها البسيطةُ  والبحرُ

أولئك آبائي فجئني بمثلهــم   ****    إذا جمع الأقيالَ( )أندية ٌ زُهـرُ

ويقول الفرزدق ( ) :

             أُولئكَ آبائِي، فَجِئْنِي بِمِثْلِهمْ   ****    إِذا جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجامِعُ

وقال النابغة الجعدي ‏‏‏‏ ( ):

             تِلكَ المَكارِمُ لا قَعبَانِ مِن لَبَنِ     ****     شيبا بماء فعادا بعد أبوالا( )

ومن أكثر الصحابة ابتلاءً  آل ياسر ، بلال بن رباح ، وخباب بن الأرت ، وعبد الله بن مسعود، وأبو ذر الغفاري ، وابن فهيرة ، وعثمان وطلحة بن عبيد الله ، ومصعب بن عمير، وعياش بن أبي ربيعة ، وسعيد بن زيد ، وسعد بن عبادة- رضي الله عنهم- ، ومن  الصحابيات أم سلمة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنها- ، وأسماء بنت أبي بكر ،  وأم عبيس وزنيرة وجارية بني مؤمل  - رضي الله عنهن جميعاً- ، وما أصاب زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما أصاب أم عمار بنت خياط - رضي الله عن الجميع- .

والقائمة طويلة قد لا تنتهي غير أن هناك من الصحابة والصحابيات من لا يزال في بلاء وابتلاء منهم أبو بكر الصديق – رضي الله عنه - ( خليفة رسول الله ) ، وعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – (أمير المؤمنين )   ، ومن الصحابيات عائشة – أم المؤمنين - بنت أبي بكر ، وحفصة – أم المؤمنين -  بنت عمر ( رضي الله عنهما وعن أبويهما ).

هؤلاء أراد الله أن يرفع قدرهم ، ويعلي شأنهم دنيا وأخرى ، ويبتليهم ويبتلي بهم ؛ ليكونوا منارات هداية للصادقين ، وظلمات غواية للمارقين ، وتصدرت أمنا أم المؤمنين أم عبد الله حب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - هذا الركب ؛ فحازت قصب السبق ، ونالت الفضل كالحبَقِ( ) ، وكيف لا  ، وهي سليلة الطهر ، زوج سيد الميامين الزهر ، التي جاءت براءتها في سورة النور تتلى فينقسم للمنافقين الظهر ، وتبقي فضائحهم  بهم لصيقة  على طول الدهر ، ويبقى لأمنا العز والفخار ولهم الكمد والقهر .      

ويكفي لأمنا من الفخر ما قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  في فضلها : "فَضْلُ 

عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ"( )  ، وما قاله لها – صلى الله عليه وسلم - : "إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ الْمَوْتَ إِنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ".( )  يعني بذلك عائشة (رضي الله عنها ). 

 ونحن - إن شاء الله تعالى- سنبين ومن خلال هذا البحث بركة أمنا أم المؤمنين  وفضائلها ومكانتها ، كما سنوضح ما لاقته – رضوان الله عليها- من ابتلاء في حياتها ، وبعد مماتها وحتى ساعة تحبير هذا البحث وتسويد صفحاته .

 وهذا - ورب العرش – من بركتها ، وليس هذا آخر بركات آل أبي بكر وفضلهم وفضائلهم ، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم ، وهم الكرام الذين  تقتدي بهم الكرام ، وكما قال القائل :

            على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم( )

وعن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنه - قال : « أَمْطِرِ الْمَعْرُوفَ مَطَرًا ، فَإِنْ أَصَابَ الْكِرَامَ كَانُوا لَهُ أَهْلًا، وَإِنْ أَصَابَ اللِّئَامَ كُنْتَ لَهُ أَهْلًا » ( ).  

والمراد: إِنْ صَادَفْ مَوْضِعه فَذَاكَ مَا أَرَدْتَ، وَإِلا رَجَعَ إِلَيْكَ فَكُنْتَ أَهْلَهُ.

لقد حازت أمنا أم المؤمنين – رضي الله عنها – كلَّ المفاخر ، فقد ولدت في كنف هذا الدين وتحت لوائه بين أبوين موحدين ؛ فدرجت منذ نعومة أظفارها وهي تسمع لا إله إلا الله محمد رسول الله تهز أركنها ، وتستقر في وجدانها ، وتَسُوسُ أعماقها ؛ فنمت وترعرعت موحدة لا يشوبها شرك ، ولا يعكر صفو عقيدتها دنس الجاهلية ، فأبصرت الدنيا بعيون الإسلام ، وأيقنت بوعد ووعيد العلام ، فكانت من خيرة النساء اللاتي حزن في الفضل التمام ، وأعطيت – رضي الله عنها – في العلم الزمام ، فانقادت لربها وصدقت برسوله – صلى الله عليه وسلم – ؛ فانقاد لعلمها جليل أهل العلم ذوي الألباب و النهى والأحلام .  

هذه أمنا تفاخر وتفتخر بفضلها دونما علو أو زهو بل بحب وتقدير لسيد الأنام قائلةً : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ ؟ قَالَ : فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا، تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا "( ).

 فكيف كان رده – بأبي هو وأمي – ؟ كان رداً عملياً فعرف لها قدرها وبادلها حباً بحب ، وفضلاً بود حتى قَالَتْ عَائِشَةُ – رضي الله عنها - : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - : كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ "((  .

 وفي رواية ذكرها السيوطي – رحمه الله -  في الجامع  ، قال : «كنت لك كأبي زرع لأم زرع إلا أن أبا زرع طلق و أنا لا أطلق . .»( ) 

 فقد تخير أفضل زوج في الأزواج الذين قصتهم له – رضي الله عنها - ، فقال كنت لك في المودة وحسن العشرة كأفضل زوج غير أني أزيد على ذلك أني لا أطلق ، فهل يصنع ذلك– بأبي هو وأمي -  إلا مع محبوبة مرغوبة لبيبة مندوبة لحفظ شرع الله في جوانب من حياته – صلى الله عليه وسلم –  مطلوبة ؟!.

     ولهذا لما سأله عمرو بن العاص – رضي الله عنه -  عن أحب الناس إليه ؟ قال : (عائشة ) قال : ( ( فمن الرجال ؟ قال : ( ( أبوها ) ) ( ).

وهذا روح القدس جبريل- عليه السلام – يقرأها السلام  ، بل وينزل بالوحي على قلب النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في لحافها دوناً عن غيرها من صويحباتها - رضي الله عنهن جميعاً - ، فيقول : يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه -والله - ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها( ).

بل بلغ التوافق والتفاهم بينهما مع الحب والود مبلغاً عجيباً ينم عن امتزاج نادر ، وإدراك غير عابر ، وذلك عندما يقول لها – صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قَالَتْ : فَقُلْتُ : وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟، قَالَ : أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ : لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَتْ : قُلْتُ : أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ " ( ).

وما تحري المهدين لرسول رب العالمين بهداياهم يوم عائشة – رضي الله عنها – إلا أكبر دليل ، وأعظم إكليل على جبين  أم المؤمنين ، ورد أصيل على دعاة الكيد والتضليل ، فقد كانوا يهدونه في يوم يعلمون أنه يوم جليل ؛ فتعظم بذلك هداياهم لعظم الزمان والمكان  الذي أهديت فيه ، يقول ابن رجب الحنبلي– رحمه الله – وغيره : " العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره، ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره  ".

فما بالك والعمل فاضل في زمن فاضل ومكان فاضل ، فتأمل!.

ثم يموت – صلى الله عليه وسلم – في يومها وبين سحرها ونحرها ، وهنا العجب فقد كان يدور على بيوت نسائه في مرضه الذي مات فيه سائلاً : ((أين أنا غداً)) متحرياً ليومها ؛ فلما رأت نساؤه – رضي الله عنهن –  حرصه على أن يمرض في بيتها تنازلن عن أيامهن لعائشة – رضي الله عنها - فمُرض في بيتها ، ومع ذلك قدر الله – تعالى – له أن يموت – بأبي هو وأمي - في يومها ، وبين سحرها ونحرها ، وقد خالط في السواك ريقه ريقها ، ودفن في حجرتها .

أيبقى بعد ذاك كلام ، أو يشاغب عليها أحد بملام ؟.

أماه ...!. 

لك الله .

أماه....!.

غداً يخرج للبغاة كماة .

أماه....!.

ليل الظلم دنا فجره ، وأشرقت شمس ضياه .

سامحينا كُبلت عن نصرتك أيدينا إلا من قرطاس ودواة .

أبنك يا أماه بكت عينه ، تجهمت أساريره غضباً ، وخطت يداه ....

حروفاً تغزل تاج عبير فاح في الكون شذاه ...

فهل تقبلي منه ما قدم ؟ وتغفري تقصيره الذي مع الغُلِّ أضناه!.

وكتبه / نصر بن محمد الصنقري.

مرسى مطروح – مصـــر

                                    

الفصل الأول

     المبحث الأول 

              قصيدة أبي عمران موسى بن محمد بن عبد الله الواعظ  

                            الأندلسي – رحمه الله – ( ) 

                                     في ذكر مناقب أم المؤمنين

                 

 ما شَـانُ    أُمِّ  المؤمنـين   و شَــاني***هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّاني 

إِنِّي أَقُـولُ  مُبيِّنــاً عَـنْ فَضْلِهـا***ومُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِها بِلِسَاني

يا مُبْغِضِي لا تَأتِ  قَـبْرَ   مُحَمَّدٍ***فالبَيْتُ بَيْتي والمَكانُ مَكاني 

إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّــدٍ***بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعاني 

وَسَبـَقْتُهُنَّ  إلي    الفَضَـائِلِ  كُلِّهـــا*** فالسَّبقُ  سَبقي  والعِنَانُ    عِنَاني 

                         

مَرِضَ النَّبِيُّ ومـاتَ بـينَ تَرَائِــبي***فالْيَوْم يَوْمي والزَّمانُ زَماني 

زَوْجي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ***اللهُ زَوَّجني بهِ وحَبَاني 

وأَتـاهُ جـبريلُ  الأمــينُ   بصُــورَتي *** فَأًحبني المختـارُ حِـينَ  رَآني

أنا بِكْـرُهُ العَـذْراءُ عِنْـدي سِـرُّهُ***وضَجيعُهُ في مَنْزلي قَمَرانِ 

وتَكلـم  اللهُ العظيـمُ  بحُـجَّـتي***وبَرَاءَتِي في مُحكمِ القُرآنِ 

واللهُ خَفَّرَني وعَظَّـمَ حُرْمَــتي***وعلى لِسَانِ نبِيِّهِ بَرَّاني 

واللهُ في القـــرآن قـد لعـن الـذي *** بعـد الـبراءة بالقبيح     رماني

واللهُ وبَّـخَ مـنْ  أراد تَنقُّـصــــي***إفْكاً وسَبَّــحَ نفسهُ   في  شاني 

            

إني لَمُحْـصَنـةُ الإزارِ  بَرِيئَــــةٌ***ودليلُ حُسنِ طَهارتي إحْصاني 

واللهُ أحصنَــني  بخاتِمِ رُسْــلِهِ***وأذلَّ أهلَ الإفْكِ والبُهتانِ 

وسَمِعْتُ وَحيَ الله عِندَ  مُحمـدٍ***من جِبْرَئيلَ ونُورُه يَغْشاني 

أَوْحى إليهِ وكُنتَ تَحتَ ثِيـابِهِ***فَحَنى عليَّ بِثَوْبهِ وخبَّاني 

مَنْ ذا يُفاخِرُني وينْكِرُ صُحبـتي***ومُحَمَّدٌ في حِجْره رَبَّاني؟ 

                                              

وأخـذتُ عن أبــوي  دينَ محمــدٍ***وهُما على الإسلامِ  مُصطَحِبانيِ وأبي أقـامَ الدِّين بَعْـدَ  مُحمــدٍ***فالنَّصْلُ نصلي والسِّنان سِناني 

والفَخرُ فخـري والخـلافةُ في أبي***حَسبي بهذا مَفْخَراً وكَفاني 

وأنا ابْنَةُ  الصِّديقِ صاحبِ أحمدٍ***وحَبيبهِ في السِّرِّ والإعلانِ 

نصـرَ النبيَّ بمالــهِ وفِعـالــه***وخُروجهِ مَعَهُ من الأوطانِ 

ثانيه في الغارِِ الذي سَدَّ الكُوَى***بِردائهِ أكرِم بِهِ منْ ثانِ 

           

وجفا الغِنى حتى تَخـلل بالعبـا***زُهداُ وأذعانَ أيَّما إذعانِ 

وتخـللتْ مَعَهُ ملائكـةُ الســما***وأتتهُ بُشرى الهِه بالرضوانِ 

وهو الذي لم يخشَ لَومـةً  لائـمٍ***في قتلِ أهلِ البَغْيِ والعُدوانِ 

قتلَ الأُلى مَنَعـوا الزكاة بكُفْرهم***وأذل أهلَ الكُفر والطُّغيانِ 

سَبقَ الصَّحابةَ  والقَرابـةَ  للهـــدى***هو شَيْخُهُم في الفضلِ والإحسانِ 

واللهِ ما استبَـقُوا لنيـلِ فضيــلةٍ***مَثلَ استباقِ الخيل يومَ رهانِ 

إلا وطـــارَ أبي إلي عليائِـهـــا***فمكانُه  منهـا أجــلُّ   مـكانِ 

        

ويلٌ لِعبدٍ خانَ آلَ مُحمدٍ***بعَداوةِ الأزواجِ والأختانِ 

طُُوبى لمن والى جمـاعةَ صحبـهِ***ويكون مِن أحبابه الحسنانِ 

بينَ الصحابةِ والقـرابةِ أُلْفــَةٌ***لا تستحيلُ بنزغَةِ الشيطانِ 

هُمْ كالأَصابعِ في اليدينِ تواصُـلاً***هل يستوي كَفٌ بغير بَنانِ؟ 

حصرتْ صُدورُ الكافرين بوالدي***وقُلوبُهُمْ مُلِئَتْ من الأضغانِ 

حُبُّ البتولِ وبعلهـــا لم يختــلِفْ***مِن  مِلَّـة  الإسـلامِ  فيه   اثنـانِ 

       

أكـرم بأربعـةٍ  أئمـةِ شرعـنـا***فهُمُ لبيتِ الدينِ كالأركانِ 

نُسجتْ مودتهم سدىٍ في لُحمةٍ***فبناؤها من أثبتِ البُنيانِ 

اللهُ ألفَ بين وُدِّ  قلوبهــم***ليغيظَ كُلَّ مُنافق طعانِ 

رُحماء بينهـمُ صفـت أخلاقُهُــمْ***وخلت قُلُوبهمُ من الشنآن 

فدُخولهـم بين الأحبــة كُلفــةٌ***وسبابهم سببٌ إلي الحرمان 

جمــع الإلـهُ المسلمـين على أبي***واستُبدلوا من خوفهم بأمان 

وإذا أراد اللهُ نُصــرة  عبـــــده***من ذا يُطيـقُ  لهُ على   خـذلانِ 

           

من حبـني فليجـتنب من سبـني***إن كانَ صان محبتي ورعاني 

وإذا محبي قد ألــظَّ بمُبغضــي***فكلاهما في البُغض مُستويانِ 

إني لطــيبةُ خُلــقتُ لطــيب***ونساءُ أحمدَ أطيبُ النِّسوان 

إني لأمُ المؤمنـــين فمــن أبى***حُبي فسوف يبُوءُ بالخسران 

اللهُ حببـــني لِقلـــبِ نبيــه***وإلي الصراطِ المستقيمِ هداني 

واللهُ يُكــرمُ من أراد كرامــتي***ويُهين ربي من أراد هواني 

والله أســألُهُ زيـادة فضـلـه***وحَمِدْتُهُ شُكراً لِما أولاني 

يا من يلوذُ بأهل بيـت  مُحمـد*** يرجو بذلك رحمةَ الرحمان 

صل أمهاتِ المؤمنين ولا تَحُـدْ***عنَّا فتُسلب حُلت الإيمان 

إني لصـادقة المقــالِ كريمـــةٌ***أي والذي ذلتْ له الثقلانِ 

خُذها إليكَ فإنما هي روضةٌ***محفوفة بالروح والريحان 

صـــلَّى الإلــهُ على النبي وآلــه***فبهــمْ تُشـمُّ   أزاهرُ   البُستانِ

            

المبحث الثاني

من هي  [رضي الله عنها وأرضاها ] ؟.

عن عوف الأعرابي عَنِ الْحَسَنِ ( )قَالَ:[مَا كَلَّمْتُ امْرَأَةً أَعْقَلَ مِنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-]( ).

 قال الإمام الذهبي – رحمه الله – في ترجمتها – رضي الله عنها -: عَائِشَةُ بِنْتُ الصِّدِّيْقِ أَبِي بَكْرٍ التَّيْمِيَّةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ بِنْتُ الإِمَامِ الصِّدِّيْقِ الأَكْبَرِ، خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بنِ عَامِرِ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ القُرَشِيَّةُ، التَّيْمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، النَّبَوِيَّةُ، أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ، زَوجَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْقَهُ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَقِ.

وَأُمُّهَا: هِيَ أُمُّ رُوْمَانَ بِنْتُ عَامِرِ بنِ عُوَيْمِرِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَتَّابِ بنِ أُذَيْنَةَ الكِنَانِيَّةُ.

هَاجَرَ بِعَائِشَةَ أَبَوَاهَا، وَتَزَوَّجَهَا نَبِيُّ اللهِ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بَعْدَ وَفَاةِ الصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِبِضْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وَقِيْلَ: بِعَامَيْنِ.

وَدَخَلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، مُنَصَرَفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ.فَرَوَتْ عَنْهُ: عِلْماً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ.

وَعَنْ: أَبِيْهَا.

وَعَنْ: عُمَرَ، وَفَاطِمَةَ، وَسَعْدٍ، وَحَمْزَةَ بنِ عَمْرو الأَسْلَمِيِّ، وَجُدَامَةَ ( ) بِنْتِ وَهْبٍ.

وقال أيضاً – رحمه الله -  : (مسند عائشة): يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث.

اتفق لها البخاري ومسلم على: مائة وأربعة وسبعين حديثا.

وانفرد البخاري بأربعة وخمسين.

وانفرد مسلم بتسعة وستين.

وعائشة ممن ولد في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين، وكانت تقول: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين.

وذكرت أنها لحقت بمكة سائس الفيل شيخا أعمى يستعطي.

وكانت امرأة بيضاء جميلة، ومن ثم  يقال لها: الحميراء، ولم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم- بكرا غيرها، ولا أحب امرأة حبها، ولا أعلم في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بل ولا في النساء مطلقا امرأة أعلم منها.

وذهب بعض العلماء إلى أنها أفضل من أبيها، وهذا مردود، وقد جعل الله لكل شيء قدرا، بل نشهد أنها زوجة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخر، وإن كان للصديقة خديجة شأو لا يلحق، وأنا واقف في أيتهما أفضل، نعم جزمت  بأفضلية خديجة عليها، لأمور ليس هذا موضعها.( )

 مولدها ونشأتها :

ولدت عائشة - رضي الله عنها - بعد البعثة بأربع سنوات ، خرجت إلى الدنيا فوجدت نفسها – كما سبق وذكرنا نقلاً عن الذهبي - بين أبوين كريمين مؤمنين ، بل وجدت نفسها ابنة خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنشأت أم المؤمنين - رضي الله عنها - في أحضان هذين الأبوين الكريمين ، وترعرعت في ظل هذا البستان الذي تنمو أشجاره في تربة الإيمان وتشرب من ماء الوحي ، فكان أبوها – رضي الله عنه -كالدوحة الباسقة التي يستظل بظلها كالشجرة المباركة ذات القطوف الدانية التي تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها . 

كنيتها :

كانت – رضي الله عنها – تكنى بأم عبد الله ولد أختها أسماء زوجة الزبير بن العوام ، وذلك بعد أن أذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بأن تكتني بعبد الله ابن الزبير بن العوام  ابن أختها . 

عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ، وَقَالَ : هَذَا عَبْدُ اللهِ وَأَنْتِ أُمُّ عَبْدِ اللهِ.( )

 زواجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم – : 

 تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً في شهر شوّال وهي ابنة ست سنوات ، ودخل بها في شوّال من السنة الثانية للهجرة وهي بنت تسع سنوات ، ومكثت معه تسع سنوات ،  فعنها - رضي الله عنها - قالت : (تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ  - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ) ( )وقد رآها النبي - صلى الله عليه وسلم-  في المنام قبل زواجه بها ، ففي الحديث عنها- رضي الله عنها - قالت : قال -رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (رَأَيْتُك فِي الْمَنَام ثَلَاث لَيَال جائني بك الْملك فِي سَرقَة من حَرِير يَقُول: هَذِه امْرَأَتك ، فأكشف عَنْهَا فَإِذا هِيَ أَنْت فَأَقُول: إِن يَك هَذَا من عِنْد الله يمضه)( ).

قوله : في سَرَقةٍ مِنْ حَرير أي قِطْعة من جَيِّد الحرير وجمعها سَرَق ( ).  

ولم يتزوج - صلى الله عليه وسلم - من النساء بكراً غيرها ، وهي زوجته - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا و الآخرة كما ثبت في الصحيح .

هذا وكانت عائشة – رضي الله عنها - مخطوبة قبل ذلك لجبير بن مطعم بن عدي ، فتحرّج أبو بكر من نقض خِطبته قبل مراجعته فيما ينويه ، فلقي أبا الفتى ، فأقبل الأب على امرأته يسألها ما تقولين؟ - وكانت أسرة جبير لم تعتنق الإسلام ذاك الحين –، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَبِى قُحَافَةَ، لَعَلَّكَ مُصْبٍ صَاحِبَنَا - مُدْخِلُهُ في دِينِكَ الَّذِى أَنْتَ عَلَيْهِ- إِنْ تَزَوَّجَ إِلَيْكَ؟( ). 

قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِىٍّ: آقَوْلَ هَذِهِ تَقُولُ؟ قَالَ: إِنَّهَا تَقُولُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مَا كَانَ في نَفْسِهِ مِنْ عِدَتِهِ التي وَعَدَهُ، فَرَجَعَ، فَقَالَ لِخَوْلَةَ: ادْعِى لي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَتْهُ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ ( ).

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : «رَحِمَ الله أبا بَكْرٍ زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ وأَعْتَقَ بِلاَلاً مِنْ مالِهِ ومَا نَفَعَنِي مالٌ في الإِسْلامَ ما نَفَعَنِي مُالُ أَبِي بَكْرٍ»( ).

والسؤال :هل كانت عائشة في التاسعة من عمرها ناضجة بالغة تصلح للزواج أم لا؟

قال الداودي : كانت عائشة قد شبت شباباً حساناً ( ) .

وتحكي السيدة عائشة عن نفسها فتقول . أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أُقبل عليها بشيء مما تريد حتى أطعمتني القثاء بالرطب فسمنت عليه كأحسن السمن ( ) .

فهذه السيدة أم رومان تطعم ابنتها وتهيئها ليوم زفافها حتى سمنت السيدة عائشة وأصبحت أنثى تملأ العين وتطيق الزواج .

ومما يؤكد أن عائشة كانت تطيق الزواج أنها حينما هاجرت إلى المدينة واستقر بهم المقام فيها قال أبو بكر الصديق للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما يمنعك أن تبنى بأهلك؟ تقول السيدة عائشة فبنى بي ( ) .

ولو لم تكن السيدة عائشة - رضي الله عنها-  في تلك السن التي صحبت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - ، وهي السن التي يكون فيها الإنسان أفرغ بالاً ، وأشد استعداداً لتلقي العلم ، لما تهيَّأ لها ذلك .

 مكانتها عند  النبي - صلى الله عليه وسلم – لا تخفى ، وأزواجه – رضي الله عنهن -لم يكن يخفى عليهن ذلك بل كان يعلمهن  إذا سألن ، ومن ذلك ما قاله  - صلى الله علية وسلم - لأم سلمة : يَا أُمَّ سَلَمَةَ ، لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّهُ –وَاللَّهِ - مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا "( ) .

وروى البخاري في الأدب عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: " أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنت والنبي - صلى الله عليه وسلم - مع عائشة في مرطها –كساء من صوف أو خز - فأذن لها، فدخلت، فقالت: إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ ، قال: أَيْ بُنَيَّةُ: أتحبين مَا أُحِبُّ؟ قَالَتْ : بَلَى! قَالَ : فَأَحِبِّي هَذِهِ، فقامت فخرجت، فحدثتهن، فقلن: ما أغنيت عنا شيئا فارجعي إليه، قالت: والله لا أكلمه فيها أبدا !" ( ).

 صداقها – رضي الله عنها - :

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ :سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَتْ :كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا ، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قَالَ: قُلْتُ :لَا ، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَتِلْكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِأَزْوَاجِهِ( ).

وفي رواية عند الحاكم في المستدرك ، قال أبو بكر :يا رسول الله ما يمنعك أن تبني بأهلك؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : الصداق . فأعطاه أبو بكر اثنتي عشرة أوقية ونشا فبعث بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلينا  ( ).

يقول العلامة السيد سليمان الندوي ( ): أفلم يكن زواج الرسول – صلى الله عليه وسلم – تكذيباً عملياً لما اختلقه الناس وابتدعوه في حفلات زواجهم ؟.

وأشهد الله أنه صادق فيما ذهب إليه ، حتى إن بعض أهل الخير يتنازلون عن قيم كثيرة يتبنونها عندما يكونون في محافل الزواج ، واقعون تحت ضغط نظمها وما يجب أن تكون عليه ، ثم يستشهد – رحمه الله - بالحديث التالي عن عائشة – رضي الله عنها – إذ تقول: "فما دريت أن رسول الله تزوجني حتى أخذتني أمي فحبستني في البيت عن الخروج فوقع في نفسي أني تزوجت فما سألتها حتى كانت أمي هي التي أخبرتني " ( ).

 كان – صلى الله عليه وسلم - يداعبها ويلاعبها ويرضيها  :

 أما المداعبة فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يداعب نساءه ويمازحهن حينما يجلس معهن ويخلو بهن ، وقد كان لعائشة بنت الصديق - رضي الله عنهما - من قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يكن لأحد من نسائه بعد خديجة - رضي الله عنها - ، فكانت الحبيبة بنت الحبيب ، وكانت هي أكثرهن إدلالاً عليه لصغر سنها ، وفرط ذكائها ، ومنزلة والدها . 

فعنها – رضي الله عنها -  قالت : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي ، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ( ).

وفي رواية لمسلم «أنها قالت للعَّابين : ودِدْت أني أراهم ، قالت : فقام رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم- ، وقمتُ على الباب أنظر بين أُذُنيه وعاتقه ، وهم يلعبون في المسجد» قال عطاء : «فُرْس أو حَبَش» وقال غيره : «حَبَش» ( ) .

وعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- ، قَالَتْ : " كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي "( ) .

   والمراد من قوله – صلى الله عليه وسلم - : (ينقمعن) الانقماع : الاستتار والتغيُّبُ ، وقوله : «يُسَرِّبُهُنَّ» أي : يردُّهن ويدفعهنَّ إليَّ ، ومن السِّرْب ، وهو جماعة النساء (28).

وفي رواية أبي داود قالت : «كنت ألعْبُ بالبنات يوماً ، فربما دخل عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وعندي الجواري ، فإذا دخل خرجنَ ، وإذا خرج دخلْنَ» ، وله في أخرى «أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قدِمَ مِنْ غَزْوة تبوك - أو خيبر - وفي سَهْوَتِها سِتْر فهبَّتْ ريح ، فكشفت ناحية السِّتْرِ عن بناتٍ لعائشة لُعَب ، فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي ، ورأى بينهنَّ فرساً له جناحان من رِقاع ، فقال : وما هذا الذي أرى وَسْطُهنّ ؟ قالت : فَرَس ، قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان ، قال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أن لِسُليمان عليه السلام خَيلاً لها أجْنِحَة ؟ فضحكَ حتى رأيتُ نواجِذهُ» ( ) .

وعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلْ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ : " تَقَدَّمُوا " فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي : " تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ " فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ : " تَقَدَّمُوا " فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ : " تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ " فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ : " هَذِهِ بِتِلْكَ "( ).

 كانت تفهم النبي – صلى الله عليه وسلم – من نظرته حتى دون أن يتكلم....

فعن ذكوان أنَّ عائشةَ – رضي الله عنها -  كانت تقول : «إنَّ من نِعَم الله عليَّ : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- تُوُفِّي في بيتي وفي يومي ، وبين سَحْري ونحْري ، وأنَّ الله جمع بين ريقي وريقه عند موته ، دخل عليَّ عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسندة رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- ، فرأيتُه ينظر إليه ، وعَرَفْتُ أنَّه يُحِبُّ السَّواك ، فقلتُ : آخذُه لك ؟ فأشار برأسه : أنْ نعم ، فتناوله ، فاشتَدَّ عليه ، فقلتُ : أُلَينُه لك ؟ فأشار برأسه : أنْ نعم ، فَلَيَّنْتُهُ ، فأمَرَّه»( ). 

وفي رواية ثانية : فَأخذْتُ السِّوَاكَ فَقَضَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيًّبْتُهُ ثُمَّ دَفَعْتُهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-  فَاسْتَنَّ بِهِ . فَمَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أحْسَنَ مِنْهُ فَمَاعَدَا أنْ فَرَغَ رَسُولُ اللهِّ - صلى الله عليه وسلم - رَفَعَ يَدَهُ ، أوْ أصْبَعَهُ ثُمَّ قال : فِي الرًفِيقِ الأعْلَى ثَلاثاً ، ثُم قَضَى .

والشاهد : فرأيته ينظر إليه ، وعَرَفْتُ أنَّه يُحِبُّ السَّواك.

 ثناؤها– رضي الله عنها -  على أزوج النبي – صلى الله عليه وسلم – وإن كن ضرائرها ، وهذا من شرفها – رضي الله عنها – وعدلها فمن ذلك مثلاً : ما أخرجه مسلم  - رحمة الله - عما جرى بينها وبين زينب بنت جحش – رضي الله عنها – في شكاية نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – من حبه لها – رضي الله عنها – ، فتقول في تقدير واضح لا تخطئة عين المتابعة ؛ وإن كان الموضع مسيس المنافسة والغيرة الشديدة : « فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي( ) مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

 ثم تقول في حقها - وهي ضرتها - : «وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا ، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً ، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ – تَعَالَى- ، مَا عَدَا سَوْرَةً( )  مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ  »( ).

ومعنى الكلام أنها كاملة الأوصاف إلا أن فيها شدة خلق وسرعة غضب تسرع منها الرجوع ، أي إذا وقع ذلك منها رجعت عنه سريعاً ، ولا تصر عليه . 

 فهل رُؤيا إنصاف كهذا ؟ وهل تُلُمس عدل كمثل هذا العدل في مثل هذه الموطن إلا من صالحة حصان رزان ، ينقطع دون المس بها لسان كل منافق ، ولو كان عليم اللسان؟!.

        الغريب في الأمر أن هذه المنصفة لضرتها ، مع أن النفس داعية لغير ذلك بالفطرة ، يشنعون عليها أنها كانت تعادي صحابياً بعينه ، وهو: (علي بن أبي طالب – رضي الله عنه-) رغم عدم وجود الداعي إلى ذلك أصلاً ، اللهم إلا رأيه في واقعة الإفك ، والتي سوف نأتي عليها في موضعها إن شاء الله - تعالى - .

 ذكاؤها الصائب – رضي الله عنها – وفهمها الدائب ، حيث يتبدى ذلك في مواقف كثيرة – وسبق أن ذكرنا فهمها لمراد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في فراش الموت لما أراد أن يتسوك -  ،ولكني أتخير هنا موقفاً  آخر موثقاً في صحيح مسلم عندما خرَّج حديث عائشة – رضي الله عنهم – السابق فجاءت زينب بنت جحش – رضي الله عنها – فستأذنت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في لحاف عائشة – رضي الله عنها – فقالت : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ ، قَالَتْ : ثُمَّ وَقَعَتْ بِي ، فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ ، وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا؟!. 

قَالَتْ : فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ ، قَالَتْ : فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا ( )حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا ، قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :"وَتَبَسَّمَ  إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ" .

يوضح الإمام النووي– رحمه الله –  في شرحه لهذا الجزء من الحديث قائلا: اعلم أنه ليس فيه دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لعائشة ، ولا أشار بعينه ، ولا غيرها (ويقصد بذلك قول عائشة - رضي الله عنها - : وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها ، فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول -  الله صلى الله عليه وسلم - لا يكره أن أنتصر)، ثم أضاف الإمام النووي قائلا: بل لا يحل اعتقاد ذلك فإنه - صلى الله عليه وسلم - تحرم عليه خائنة الأعين ، وإنما فيه أنها انتصرت لنفسها فلم ينهها.

وشاهدنا قول الإمام النووي – رحمه الله – في  شرحه لقوله – صلى الله عليه وسلم- : "إنها ابنة أبي بكر" .فمعناه الإشارة إلى كمال فهمها ، وحسن نظرها .والله أعلم. ( ). 

 عدم صبرها على الضيم ، والرد على الظلم ، وحب ظاهر لرسول الله لا تخطئه العين ، وفطنة فطرة ، و إباء حرة .

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -  قَالَتْ : " دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا : السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَفَهِمْتُهَا ، فَقُلْتُ : وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: " مَهْلًا يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ؟!. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -  قَدْ قُلْتُ : "وَعَلَيْكُمْ "( )

 أغرب ما في هذه الفضيلة الظاهرة لأمنا عائشة أن بعض شانئيها يتخذ من رواية الإمام مسلم – رحمه الله – شنشنة  يشنشن بها على أمنا ، وعجباً لهم لما تضيق بهم السبل فلا يجدون إلا وسائل التدليس ، أو البتر والتشويش ؛ وذلك ببتر رواية الإمام مسلم – رحمه الله – واختصارها فيما يخدم مرادهم ويدعم دعواهم ، فيقولون عنواناً : ( أن عائشة كانت فاحشة ، وقائل ذلك هو الرسول – صلى الله عليه وسلم – بزعمهم ) ، فإذا سأل سائل أين هذا ؟! . 

قالوا : في صحيح مسلم .

 من يسمع ذلك وهو غير مطلع على أصل الرواية ، ولا كيفية صدورها يصاب بالإحباط أو يتضائل أمام مناظره في المسألة ، والحق أنها فضيلة لها ، وليس عليها شيء فيها ، ولكي يتضح الأمر بمرمته نورد رواية الإمام مسلم كما أخرجها – رحمه الله – في صحيحه حيث قال : عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنَاسٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالُوا:  السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَالَ: "وَعَلَيْكُمْ " .قَالَتْ عَائِشَةُ :قُلْتُ :بَلْ عَلَيْكُمْ السَّامُ وَالذَّامُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "يَا عَائِشَةُ ! لَا تَكُونِي فَاحِشَةً " .فَقَالَتْ :مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ فَقَالَ: "أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ الَّذِي قَالُوا ؟ قُلْتُ : وَعَلَيْكُمْ".

ثم يقول الإمام النووي – رحمه الله – شارحاً للحديث : وَأَمَّا سَبّهَا لَهُمْ فَفِيهِ الِانْتِصَار مِنْ الظَّالِم ، وَفِيهِ الِانْتِصَار لِأَهْلِ الْفَضْل مِمَّنْ يُؤْذِيهِمْ ( ). 

 مكانتها العلمية ..

 تعتبر أم المؤمنين عائشة  - رضي الله عنها - من أفقه نساء هذه الأمة ، فكيف لا تكون فقيهة وهي التي تربت في بيت النبوة وأخذت العلم مباشرة من معلم هذه الأمة عليه الصلاة والسلام .

فعائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- « حاملة لواء العلم والعرفان في عصرها ، والنبراس المنير الذي يضيء على أهل العلم وطلابه ؛ وكان يأتيها أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -يسألونها عن عويص العلم ومشكله فتجيبهم جواباً مشبعاً بروح التروي والتحقيق مما لا يتسنى إلا لمن بلغ في العلم مقاماً علياً ».( )

حيث روت عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -  علماً كثيراً ، وبلغ مسندها - رضي الله عنها –  ، كما سبق وبينا ، ألفين ومائتين وعشرة أحاديث ، وكانت أفصح أهل زمانها وأحفظهم للحديث ، روى عنها الرواة من الرجال والنساء ، يقول أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: " مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثٌ قَطُّ، فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلاَّ وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْماً ".( ) 

 وكان مسروق- رحمه الله - إذا روى عنها يقول : " حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللَّهِ الْمُبَرَّأَةُ......فلم أُكَذِّبْهَا".( )

وعن الزهري - رحمه الله -عن قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة- رحمه الله – قال :" " كَانَتْ عَائِشَةُ أَعْلَمَ النَّاسِ ، يَسْأَلُهَا الأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ  - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "( ).

وقال عروة - رحمه الله -  : " كَانَتْ عَائِشَةُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْحَدِيثِ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِالشِّعْرِ  ، وَلَقَدْ قُلْتُ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ : لَوْ مَاتَتْ عَائِشَةُ لَمَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ أَلَّا كُنْتُ سَأَلْتُهَا عَنْهُ".( )

وقال عطاء- رحمه الله - ":  كَانَتْ عَائِشَةُ أَعْلَمَ النَّاسِ ، وَأَفْقَهَ النَّاسِ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ رَأْيًا فِي الْعَامَّةِ "( ).

عن سفيان بن عيينة قال: قال معاوية بن أبي سفيان: " يَا زِيَادُ، أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ : أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ : أَعْزِمُ عَلَيْكَ؟ قَالَ : أَمَّا إِذَا عَزَمْتَ عَلَيَّ، فَعَائِشَةُ "( )

ولم لا وقد أورد الآجري [ في الشريعة ] عن الزهري قال : حدثني القاسم بن محمد ، أن معاوية بن أبي سفيان -رحمه الله- حين قدم المدينة يريد الحج ، دخل على عائشة -رحمها الله - فكلمها خاليين ، لم يشهد كلامهما إلا ذكوان أبو عمرو مولى عائشة - رحمها الله- فكلمها معاوية ، فلما قضى كلامه تشهدت عائشة - رحمها الله - ثم ذكرت ما بعث الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من الهدى ودين الحق ، والذي سن الخلفاء بعده وحضت معاوية على اتباع أمرهم ، فقالت في ذلك فلم تترك ، فلما قضت مقالتها ؛ قال لها معاوية : أنت -والله - العالمة بالله وبأمر رسوله الناصحة المشفقة البليغة الموعظة حضضت على الخير وأمرت به ، ولم تأمرينا إلا بالذي هو خير لنا ، وأنت أهل أن تطاعي ، فتكلمت هي ومعاوية كلاماً كثيراً فلما قام معاوية اتكأ  على ذكوان ، ثم قال : - والله -ما سمعت خطيباً قط ليس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبلغ من عائشة -رضي الله عنها- ( ).

وقد ثبت رجوع أكابر الصحابة مثل عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وغيرهم في الكثير من المسائل التي كانت تشكل عليهم إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ، فكانت تفصل بينهم بالحكم الشرعي ،كما قال أبو موسى الأشعري قبل قليل. 

يقول الأستاذ سعيد الأفغاني: سلخت سنين في دراسة السيدة عائشة، كنت فيها حيال معجزة لا يجد القلم إلى وصفها سبيلاً، وأخص ما يبهرك فيها علم زاخر كالبحر بعد غور، وتلاطم أمواج وسعة آفاق، واختلاف ألوان، فما شئت إذ ذاك من تمكن في فقه أو حديث أو تفسير أو علم بشريعة أو آداب أو شعر أو أخبار أو أنساب أو مفاخر أو طب أو تاريخ.. إلا أنت واجد منه ما يروعك عند هذه السيدة، ولن تقضي عجباً من اضطلاعها بكل أولئك وهي لا تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها ( ).

كرمها وجودها ...

روى هشام عن أبيه أن معاوية بعث إلى عائشة بمائة ألف  - فو الله - ما غابت عليها الشمس حتى فرقتها، فقالت مولاة لها: لو اشتريت لنا من ذلك بدرهم لحماً ؟ فقالت ألا ذكرتني رواه عنه هشام بن حسان هكذا( ).

وفي رواية أخرى عنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ ، وكَانَتْ تَغْشَى عَائِشَةَ ، قَالَتْ : بَعَثَ إِلَيْهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَالٍ فِي غِرَارَتَيْنِ، قَالَتْ : أُرَاهُ ثَمَانِينَ وَمِائَةَ أَلْفٍ، فَدَعَتْ بِطَبَقٍ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صَائِمَةٌ، فَجَعَلَتْ تَقْسِمُهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَمْسَتْ وَمَا عِنْدَهَا مِنْ ذَلِكَ دِرْهَمٌ، فَلَمَّا أَمْسَتْ، قَالَتْ : " يَا جَارِيَةُ هَلُمِّي فِطْرِي، فَجَاءَتْهَا بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ، فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ ذَرَّةَ : أَمَا اسْتَطَعْتِ مِمَّا قَسَّمْتِ الْيَوْمَ أَنْ تَشْتَرِيَ لَنَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا نُفْطِرُ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ : " لا تُعَنِّفِينِي لَوْ كُنْتِ ذَكَّرْتِينِي لَفَعَلْتُ "( ).

وعن عروة بن الزبير – رضي الله عنهما - قال: « كَانَتْ عَائِشَةُ تَقْسِمُ سَبْعِينَ أَلْفًا وَهِيَ تُرَقِّعُ دِرْعَهَا»( ).

 بركتها – رضوان الله عنها –......

وذلك فيما رواه الشيخان – رحمهما الله – من حديث  عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- ، زَوْجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم –  قَالَتْ : " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –  عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا : أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –  وَبِالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –  وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ ، فَقَالَ : حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –  وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ : مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، وَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –  عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –  حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ «فَتَيَمَّمُوا» ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ : مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْر ، قَالَتْ : فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا الْعِقْدُ تَحْتَهُ"( ).

 حياؤها ..وعفافها..

 عُرِفَ عن عائشة – رضي الله عنها -  أنها كانت شديدة الحياء حتى كانت تدخل على قبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  وبجواره قبر أبيها أبي بكر – رضي الله عنه -  وهي واضعة ثوبها ، وتقول : « إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ – فَوَ اللَّهِ - مَا دَخَلْتُ إِلَّا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي حَيَاءً مِنْ عُمَرَ»( ) . أين عمر – رضي الله عنه - ؟ إنه تحت الأرض، ولكنها تستحي- رضي الله عنها وأرضاها - هذا حياءٌ لا يكون إلا لأمثال عائشة  - رضي الله عنها - ، هذا حياءٌ لا ينبغي أن يكون إلا لأمثال الصديقة بنت الصديق.

 شدة ورعها ..وتواضعها...

عن مكحول قال : سُئِلَتْ عَائِشَةُ : فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ ؟ فَقَالَتْ : ائْتِ عَلِيًّا فَاسْأَلْهُ ثُمَّ ارْجِعْ إِلَيَّ ، فَأَتَى عَلِيًّا فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : فِي دِرْعٍ سَابِغٍ وَخِمَارٍ ، فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَأَخْبَرَهَا ، فَقَالَتْ : صَدَقَ.( )

وعَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ : أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَقَالَتْ :عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ

وفي رواية أخرى عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ :سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَقَالَتْ: ائْتِ عَلِيًّا ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّي.( ) 

  وعَبْدُ اللَّهِ بْنَ أَبِى مُوسَى قَالَ: أَرْسَلَنِى مُدْرِكٌ، أَوِ ابْنُ مُدْرِكٍ إِلَى عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ أَشْيَاءَ قَالَ :فَأَتَيْتُهَا فَإِذَا هِىَ تُصَلِّى الضُّحَى،فَقُلْتُ: أَقْعُدُ حَتَّى تفْرُغَ،فقَالُوا :هَيْهَاتَ.( )

أي انتظارك سيطول لأنها تُطِيل الصلاة مِنْ ركُوعٍ وسجود وقيام .

وعن عائشة  - رضي الله تعالى عنها - قالت : لبست مرة درعاً لي جديداً فجعلت أنظر إليه ، وأعجبت به ، فقال أبو بكر : ما تنظرين ؟ إن الله ليس بناظر إليك ، قلت: ومم ذاك ؟ قال: أما علمت أن العبد إذا دخله العجب بزينة الدنيا مقته ربه - عز و جل - حتى يفارق تلك الزينة .قالت: فنزعته فتصدقت به .فقال أبو بكر: عسى ذلك أن يكفر عنك( ).

 من أقوالها .

 قال أَبُو مُعَاوِيَةَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا ذُكِرَتْ 

عِنْدَ رَجُلٍ فَسَبَّهَا.فَقِيلَ لَهُ : أَلَيْسَتْ أُمَّكَ؟ قَالَ : مَا هِيَ بِأُمٍّ ، فَبَلَغَهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ : صَدَقَ إِنَّمَا أَنَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا الْكَافِرِينَ فَلَسْتُ لَهُمْ بِأُمٍّ.( )

لا تطلبوا ما عند اللَّه من عند غير اللَّه بما يسخط اللَّه.

 كل شرف دونه لؤم، فاللؤم أولى به، وكل لؤم دونه شرف فالشرف أولى به.

 إن للَّه خلقًا قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح؛ خفقت معها، فَأفٍّ للجبناء، فأفٍّ للجبناء.

  أفضل النساء التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لبعلها، والإبقاء في الصيانة على أهلها.

 التمسوا الرزق في خبايا الأرض.

 رأت رجًلا متماوتًا فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: زاهد. قالت: كان عمر بن الخطاب زاهدًا ولكنه كان إذا قال أسمع،وإذا مشى أسرع،وإذا ضرب في ذات اللَّه أوجع.

علِّموا أولادكم الشعر تعذُب ألسنتهم.

هذه هي السيدة عائشة بنت الصديق -رضي اللَّه عنها- حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والتي بلغت منزلتها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبلغًا عظيمًا، فقد رضي الله عنها لرضا رسوله - صلى الله عليه وسلم - عنها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا: "يا عائش! هذا جبريل يقرئك السلام". فقلتُ: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته" ( ).

      وفاتهــــــــــا ..

جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عَائِشَةَ، فَجِئْتُ وَعِنْدَ رَأْسِهَا ابْنُ أَخِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَأْذِنُ، فَأَكَبَّ عَلَيْهَا ابْنُ أَخِيهَا عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَتْ: دَعْنِي مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ لا حَاجَةَ لِي بِهِ، فَقَالَ: يَا أُمَّتَاهُ!! إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ صَالِحِي بنيكِ يُسَلِّمُ وَيُوَدِّعُكِ، قَالَتِ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ، فَأَدْخَلْتُهُ، فَلَمَّا جَلَسَ، قَالَ: أَبْشِرِي، فَقَالَتْ: أَيْضًا، فَقَالَ:مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ تَلْحَقِي مُحَمَّدًا إِلا أَنْ تَخْرُجَ الرُّوحُ مِنَ الْجَسَدِ، كُنْتِ أَحَبَّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ إِلا طَيِّبًا، وَسَقَطَتْ قِلادَتُكِ لَيْلَةَ الأَبْوَاءِ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يُصْبِحَ فِي الْمَنْزِلِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ لَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا"[النساء آية43] ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَبَبِكَ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الرُّخْصَةِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى -بَرَاءَتَكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، جَاءَ بِهَا الرُّوحُ الأَمِينُ، فَأَصْبَحَ وَلَيْسَ مَسْجِدٌ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ يَذْكُرُ اللَّهَ إِلا هِيَ تُتْلَى فِيهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَقَالَتْ: دَعْنِي مِنْكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ( ).

 توفيت ليلة الثلاثاء السابع عشر من رمضان من السنة السابعة أو الثامنة أو التاسعة والخمسين للهجرة ، وهي في السادسة و الستين من عمرها أو السابعة والستين،بعد أن تركت أعمق الأثر في الحياة الفقهية و الاجتماعية والسياسية للمسلمين، وحفظت لهم بضعة آلاف من صحيح الحديث عن رسول - صلى الله عليه و سلم-  ، وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر ، ونزل في قبرها خمسة : عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبي بكر والقاسم وعبد الله ابنا أخيها محمد بن أبي بكر ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر.

لقد عاشت السيدة عائشة بعد رسول الله - صلى الله عليه و سلم-  لتصحيح رأي الناس في المرأة العربية ، فقد جمعت - رضي الله عنها- بين جميع جوانب العلوم الإسلامية ، فهي السيدة المفسرة العالمة المحدثة الفقيهة - وكما ذكرنا سابقاً - ، فهي التي قال عنها رسول الله - صلى الله عليه و سلم - : إن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فكأنها فضلت على النساء.

كما أن عروة بن الزبير قال فيها:((ما رأيت أعلم بفقه ، ولا طب ، ولا شعر من عائشة))، وأيضا قال فيها أبو عمر بن عبد البر:(( إن عائشة كانت وحيدة بعصرها في ثلاثة علوم علم الفقه ،وعلم الطب ، وعلم الشعر)).

وهكذا فإننا نلمس عظيم الأثر للسيدة التي اعتبرت نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه،للسيدة التي كانت أقرب الناس لمعلم الأمة وأحبهم، والتي أخذت منه الكثير وأفادت به المجتمع الإسلامي. فهي بذلك اعتبرت امتداداً لرسول الله - صلى الله عليه و سلم -.

      قال العلامة السيد سليمان الندوي - رحمه الله -  : " هذه هي شخصية أم المؤمنين رضي الله عنها التي اتصفت بهذه الصفات العالية وقدمت أمام أكثر من مئة مليون امرأة أسوة حسنة لحياة مثالية كاملة ، ورسمت لكل من أتى بعدها أمثل الطرق وأنفعها ، وذلك بمآثرها الخالدة ، وعبادتها وخضوعها أمام الباري تعالى ، والمُثُل الحيّة والأساليب العملية للأخلاق الشرعية شرحاً تفصيلياً ، فلها المنّ والفضل من جميع النواحي الدينية والعلمية والاجتماعية على هذا العدد الهائل من صنف النساء. 

       وعلى هذا لا يوجد أحد في تاريخ النساء المسلمات من يستأهل أن يذكر بإزائها في المرتبة والشرف والمكانة العالية ، سوى الأزواج المطهّرات وبنات النبي - صلى الله عليه وسلم - الطاهرات رضوان الله عليهن أجمعين " أ.هـ( ). 



الفصل الثاني

المبحث الأول 

الأذى

والأذى المكروه يصيب الإِنسان كثيراً أو يسيراً

   ولربما ابتسم الكريم من الأذى**** وفـؤاده من حره يتأوه( )

يقول - تعالى - :{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ( ) . أي :والذين يؤذون رسول الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بأي نوع من أنواع الإيذاء، لهم عذاب مؤلم موجع. ومن العذاب الأليم أنه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه( ).

 ويقول – تعالى- :{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} ( )،  أي :إن الذين يؤذون الله بالشرك أو غيره من المعاصي، ويؤذون رسول الله بالأقوال أو الأفعال -والآية عامة في كل من آذاه بشيء ، ومن آذاه  (بأبي هو وأمي ) فقد آذى الله – فما جزاؤهم ؟ .

أبعدهم الله وطردهم مِن كل خير في الدنيا والآخرة ، وأعدَّ لهم في الآخرة عذابًا يذلهم ويهينهم ( ) . 

ويقول -عز من قال- : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}( ). أي: ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه، { فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } وهذا هو البهت البين أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص  لهم، فقد ارتكبوا أفحش الكذب والزور، وأتوا ذنبًا ظاهر القبح يستحقون به العذاب في الآخرة( ).

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال : «قال الله – تعالى- : « مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً ، فَقَدْ آذنتُهُ بالحربِ»( ).يعني : فقد أعلمتُه بأنِّي محاربٌ له ، حيث كان محارباً لي بمعاداة أوليائي ؛ فأولياءُ الله تجبُ موالاتُهم ، وتَحرُمُ معاداتُهم ، كما أنَّ أعداءهُ تجبُ معاداتُهم ، وتحرم موالاتُهم( ) ، ومن خيرة أولياء الله – تعالى – أصحاب نبينا – صلى الله عليه وسلم – لأنهم مُزكون بقوله – صلى الله عليه وسلم - : «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيء أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادة»( ).

 ومن هنا نهى – صلى الله عليه وسلم –  عن الوقوع في أصحابه -أولياء الرحمن – الذين اختارهم الله – عز وجل – لصحبة خير أنبيائه . 

فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه -  , قَالَ:  قَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- :«لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ»( ). وفي رواية أخرى : «لا تسبوا أصحابي ، دعوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق كل يومٍ مثل أحدٍ ذهباً لم يبلغ مد أحدهم»( ).

وعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- ، في قوله : {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ، قَالَتْ : "أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -أُمِرُوا بِالاسْتِغْفَارِ لَهُمْ فَسَبُّوهُمْ " ( ) 

وأمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - داخلات في عموم الصحابة - رضي الله عنهم - ، لأنهن منهم ، و كل ما جاء في تحريم سب الصحابة من آيات قرآنية و أحاديث نبوية فإن ذلك يشملهن ؛ لما لهن من المنزلة العظيمة و قوة قرابتهن من سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يغفل أهل العلم عن حكم سابهن و عقوبته ، بل بينوا ذلك أوضح بيان في أقوالهم المأثورة و مؤلفاتهم المختلفة .

بل خالفوا أيضاً نهي النبي – صلى الله عليه وسلم –  عن سب الأموات عموماً بما فيهم أموات المشركين المحاربين ، فما بالك بأصحابه المقربين المتبعين لهديه القويم!.  

فعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا »( ) .

وفي أخرى للنسائي قالت : «ذُكِرَ عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- هالِكٌ بسوء ، فقال : لا تذكروا هَلْكاكم إلا بخير» ( ) .

وفي رواية : «لَا تَسُبُّوا مَوْتَانَا، فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا «، فَجَاءَ الْقَوْمُ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِكَ اسْتَغْفِرْ لَنَا ( ).

وفي أخرى : « لا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الأَحْيَاءَ» ( ).

فما بالك أخي الكريم إذا كان السب أو الشتم  والتطاول يطال أحب الناس إليه ، عائش ، التي برأ الله ساحتها النقية من فوق سبعة أرقع ، فما رقعَّت براءتها فتقهم  الذي اتسع على كل راقع ، فلماذا هذه التجرؤ على هذه القمم الشماء ، والجبال الراسيات وأعلام النقاء ؟!.

الواقع لا أجد بعد التأمل سبباً يدعو لذلك إلا الطعن في الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – ليقال : لو كان نبي حق ما صحبه هؤلاء الأشرار المنافقون – بزعمهم - ، ولو كان نبي صدق ما كانت خيرة أزواجه– ما خلا خديجة ( رضي الله عنها ) -  هكذا مصدراً لكل طعن ، ورشقاً لكل سهم .

أغرب ما فيهم – عاملهم الله بقصدهم – أنهم طعنوا في الصحابة – رضوان الله عليهم – وهم حملة المشاعل ، أصحاب الفضل والمناهل ، الذين لم يصل إلينا دين الإسلام إلا عن طريقهم ، ولم نبصر النور إلا من وراء سواعدهم وبذلهم لكل راخص وغال في سبيل إعلاء رايته ، وتقدم مكانته ومنزلته في القلوب والعقول .

فما وراء ذلك إلا الطعن في النبي – صلى الله عليه وسلم – فالمراد وسمه بالفشل – وحاشاه –  شاءوا ذلك أم أبوا ، قصدوا ذلك أو لم يقصدوا !.

  حيث إنه – بأبي هو وأمي - مات عن أكثر من عشرة آلاف مدونين في الكتب ، أو مائة وعشرين ألفاً  ممن حج معه حجة الوداع - على الراجح - من الأصحاب لم ينج من النفاق فيهم – بزعم القوم -  إلا خمسة رجال أو اثنا عشر رجلاً ، أو أكثر أو أقل ، فهل هذا يُعقل ، أو يُقبل ؟!.

إذن المقصود هو إفشال النبوة والطعن في الرسالة ، ومن ثم نقض الإسلام ، ولذا عندما ننتقل من طعنهم في الصحابة إلى طعنهم في الصديقة بنت الصديق – رضي الله عنها وعن أبيها – لا نجد إلا نفس الغرض وإلا نفس الغاية وهو الطعن في النبوة ، وهدم الرسالة ، ونقض العُرى  ، وصدق ربُّ البرية إذ يقول : {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}  ، ويقول : {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}( ). 

فعائشة – رضي الله عنها - أكثر من التصقت به – صلى الله عليه وسلم -وخبرته ، وتربت على يديه ، وعاشت بعده زمناً طويلاً مبجلة ، ومحترمة ، ومقدمة ، ومعلمة ، ومربية ، وفقيهه ، ومفسرة ، ومحدثة ، وامرأة كسائر النساء يعتريها ما يعتريهن ، ويصيبها ما يصيبهن ، ومع ذلك تتفوق حتى تصبح بمنزلة الثريد من الطعام ، فكان حتماً أن تتحرك ضدها خفافيش الظلام ، و الأزلام بمعاول الإجرام ؛ لهدم هذا المقام ، والعبور من فوقه إلى تدمير الإسلام  ، وإن كان ذلك باسم الإسلام ، فبالسيف أو بغيره تختلف الأسباب ، والموت واحدٌ  ... ولو تأمل كلُّ منصف ذي عينين لاستغرب من هذا التهجم ، لكننا نعلم أن الشامخين فقط  ، وأهل الرفعة والدرجة العالية هم الذين يصلحون للرشق ؛ فيُخرج الرشقُ جواهرهم النفيسة ، ومعادنهم الدفينة !.

ألم تر إلى النخلة الشماء المشمورة  العِذق ترشق بالحجر فترمي بالثمر ، وهي مع ذلك لا تُضر ولا تَغتر وهذا هو حالها طوال الدهر ، فهل يجاريها أحدٌ إلا المؤمن الأغر؟!.

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي، مَا هِيَ »؟!..... قَالُوا: حَدِّثْنَا، مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ»( ).

هذا ما قصدوه فعوملوا بضده ، وهكذا فتأمّل قول أبي تمام:

    وإذا أراد اللّهُ  نَشْـرَ  فَضِيلةٍ   * * *   طُوِيَتْ  أتاحَ  لها لِسـانَ  حَسُـودِ

            لَوْلاَ اشتعَالُ النَّارِ،فيما جَاوَرَتْ   ***  ما كَانَ يُعْرَفُ طيبُ عَرْف العُـودِ

   لولاَ التخوفُ للعـواقبِ لمْ  تزلْ   *  *  *   للْحَاسد النُّعْمى على المَحْسُـودِ



المبحث الثاني

أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – أمهات المؤمنين

ومنهن عائشة – رضي الله عنها – الطيبة بنت الطيبين

يقول – تعالى- : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}( )، وعائشة – رضي الله عنها – من أزواجه- صلى الله عليه وسلم - ، ويقول -تبارك وتعالى -:{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ( ) ،وعائشة – رضي الله عنها – من الطيبات لأنها زوجة أطيب طيب – بأبي هو وأمي -  بل هي من أحب زوجاته ، وقال - عز من قال - : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}( ) ، وعائشة – رضي الله عنها – من السابقين الأولين من المهاجرين ، ومن بغير ذلك قال ، فهو كمن يريد أن يمنع الشمس في رابعة النهار بغربال !!. 

ثمَّ أثنى الله - عز وجل - على الذين اتبعوهم بإحسان والذين اتبعوهم هم أهل السنَّة ، وليسوا المشنعين عليهم المنتقصين لهم  ؛ لأنَّ المشنعين ما بين مكفر وذام لهم- أعني بالمشنعين  الشيعة الإمامية المتأخرين بدون استثناء ، ومن لف لفهم وسار على  نهجهم - .

قال أَبُو مُعَاوِيَةَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا ذُكِرَتْ عِنْدَ رَجُلٍ فَسَبَّهَا.فَقِيلَ لَهُ : أَلَيْسَتْ أُمَّكَ؟ قَالَ : مَا هِيَ بِأُمٍّ ، فَبَلَغَهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ : صَدَقَ إِنَّمَا أَنَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا الْكَافِرِينَ فَلَسْتُ لَهُمْ بِأُمٍّ ( ).

فانظر إلى فقهها – رضي الله عنها -وانظر إلى شانئيها ، فشتان بين الثرى والثريا ، فما رأيت كهؤلاء القوم  قوماً ، خالفوا – والله – الدين ، والمنطق ، والعقل .

وأغرب ما فيهم أنهم يزعمون العقل ، و يدعون التعقل ، وهم – والله – أبعد الناس عنه ، ومن عجيب ما قرأت في هذا الصدد قول مالك بن معرور ، قال عامر بن شراحيل الشعبي :" يَا مَالِكُ تَفَاضَلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى الرَّافِضَةِ بِخَصْلَةٍ ؛ سُئِلَتِ الْيَهُودُ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ فَقَالَتْ: أَصْحَابُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ- . وَسُئِلَتِ النَّصَارَى: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ فَقَالُوا: حَوَارِيُّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ- . 

    وَسُئِلَتِ الرَّافِضَةُ: مَنْ شَرُّ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ فَقَالُوا: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ فَسَبُّوهُمْ، فَالسَّيْفُ عَلَيْهِمْ مَسْلُولٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا تَقُومُ لَهُمْ رَايَةٌ وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ قَدَمٌ، وَلَا تَجْتَمِعُ لَهُمْ كَلِمَةٌ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ بِسَفْكِ دِمَائِهِمْ وَتَفْرِيقِ شَمْلِهِمْ وَإِدْحَاضِ حُجَّتِهِمْ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ "( ).

وعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ : أُمِرْتُمْ بِالاسْتِغْفَارِ لأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَبَبْتُمُوهُمْ، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  يَقُولُ : " لا تَذْهَبُ هَذِهِ الأُمَّةُ، حَتَّى يَلْعَنَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا " ، وفي رواية : " لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسُبَّ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا "،وفي أخرى :"لا تَفْنَى هَذِهِ الأُمَّةُ حَتَّى يَلْعَنَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا "( ).

وأكرم من صحب النبي – صلى الله عليه وسلم – أزواجه الطاهرات العفيفات القانتات المتصدقات الصائمات الصابرات المحتسبات الصادقات الثيبات منهن والأبكار ، وأكرمهن ما خلا خديجة – رضي الله عنها – بكره ، وعروسه ، وأنسه ، وإلفه ، وحبه صدقاً بلا أدهان عائشة الصديقة بنت الصديق ، التي قال فيها حسان بن ثابت – رضي الله عنه - :

حصانٌ  رزانٌ     ما      تزنُّ    بريبة ٍ  ****  وتُصْبِحُ غَرْثَى من لحومِ الغوَافِلِ

حليلة ُ  خيرِ   الناسِ   ديناً  ومنصباً   ****  نبيِّ الهُدى ، والمَكرُماتِ الفِوَاضِلِ

عقيلة ُ  حيٍّ  من  لؤيّ   بنِ  غالبٍ  ****  كرامِ المساعي، مجدها  غيرُ   زائلِ

مهذبة ٌ  قدْ   طيبَ   اللهُ    خيمها   ****  وطهرها  من  كلّ  سوءٍ   وباطلِ

فإن كنتُ قد قلتُ الذي قد زعمتمُ    ****  فَلا  رَفَعَتْ سَوْطي  إليّ   أنامِلي

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:: "إِنَّ أَصلَ كُل فِتْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ هُم الشِّيْعَةُ ، وَمَنْ انْضَوَى إِلَيْهِمْ ، وَكَثِيْرٌ مِنْ السُّيُوْفِ الَّتِي فِي الإِسْلاَمِ ، إِنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِم ، وَبِهِم تَسْتَرت الزّنَادقَةُ " .ا.هـ( ). 

وَقَالَ أَيْضاً ": فَهُم يُوالُونَ أَعْدَاءَ الدِّيْنِ الَّذِيْنَ يَعْرِفُ كُل أَحَدٍ مُعادَاتِهِم مِنَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمُشْرِكِيْنَ، وَيُعَادُونَ أَوْلِيَاءَ اللهِ الَّذِيْنَ هُم خِيَارُ أَهْلِ الدِّيْنِ ،وَسَادَاتِ المُتَّقِيْنَ ... وَكَذَلِكَ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ الأَسبَابِ فِي اسْتيلاَءِ النَّصَارَى قَدِيْماً عَلَى بَيْتِ المَقْدِسِ حَتَّى اسْتَنْقَذَهُ المُسْلِمُوْنَ مِنْهُم " .أ.هـ( ).

وتأمل كلامه -وأعجب- !كأنه يتحدث عن زماننا  ، أو كأنه يرى بعين قلبه – رحمه الله - ، فكم هي العيون المبصرة في رءوس حائرة ، وصدق المولى – جل وعلا – حيث قال: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} ( ).

ولأجل هذا العمى طُعن في كبار الصحابة خيرة الخلق بعد الأنبياء والرسل ، فلم يرعوا لهم مكانة ، ولم يروا لهم حقاً بل تجاهلوا فضائلهم ، وتناسوا أيديهم البيضاء على الدنيا كلها فضلاً عنهم ، وعن كل من انبرى يصارع طواحين الهواء ؛ ليجد لهم خطأً يذيعه  أو عثرة يدندن حولها ويدمدم ويشق الجيب ويلطم ، ويقرع الوجه ويندب ، ويضرب الصدر ويدبر وإذا أقبل تبَّر . فلا زاد الله أمثالهم  ولا كثّر ، بل شردهم كلَّ مشردٍ وبعثر ؛ ليكونوا لغيرهم عبرة تعتبر بكل منهر ، وإلا فهم في النار مجمر .

قال الغزالي : مهما رأيت إنساناً يسئ الظن بالناس طالباً للعيوب فاعلم أنه خبيث في الباطن وأن ذلك خبث يترشح منه وإنما يرى غيره من حيث هو، فإن المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب ، والمؤمن سليم الصدر في حق الكافة .

وقال:أَوْرَعُ النَّاسِ وَأَتْقَاهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُنْقِصٍ وَمُبْغِضٍ ، فَتَعَيَّنَ الِاحْتِرَازُ عَنْ تُهْمَةِ الْأَعْدَاءِ وَالْأَشْرَارِ فَإِنَّهُمْ لَا يَظُنُّونَ بِالنَّاسِ كُلِّهِمْ إلَّا الشَّرَّ ، وَكُلُّ مَنْ رَأَيْتَهُ سَيِّئَ الظَّنِّ بِالنَّاسِ طَالِبًا لِإِظْهَارِ مَعَايِبِهِمْ .فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ لِخُبْثِ بَاطِنِهِ وَسُوءِ طَوِيَّتِهِ ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَطْلُبُ الْمَعَاذِيرَ لِسَلَامَةِ بَاطِنِهِ ، وَالْمُنَافِقُ يَطْلُبُ الْعُيُوبَ لِخُبْثِ بَاطِنِهِ ، فَهَذِهِ بَعْضُ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ إلَى الْقَلْبِ.

وَالْأَمْرُ الثَّانِي : أَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ لَوْ طَلَبْتَ مُنَزَّهًا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ اعْتَزَلْتَ عَنِ الْخَلْقِ كَافَّةً وَلَنْ تَجِدَ مَنْ تُصَاحِبُهُ أَصْلًا ، فَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَلَهُ مَحَاسِنُ وَمَسَاوِئُ ، فَإِذَا غَلَبَتِ الْمَحَاسِنُ الْمَسَاوِئَ فَهُوَ الْغَايَةُ وَالْمُنْتَهَى ، فَالْمُؤْمِنُ الْكَرِيمُ أَبَدًا يُحْضِرُ فِي نَفْسِهِ مَحَاسِنَ أَخِيهِ لِيَنْبَعِثَ مِنْ قَلْبِهِ التَّوْقِيرُ وَالْوُدُّ وَالِاحْتِرَامُ . وَأَمَّا الْمُنَافِقُ اللَّئِيمُ فَإِنَّهُ أَبَدًا يُلَاحِظُ الْمَسَاوِئَ وَالْعُيُوبَ . قَالَ «ابْنُ الْمُبَارَكِ» : «الْمُؤْمِنُ يَطْلُبُ الْمَعَاذِيرَ وَالْمُنَافِقُ يَطْلُبُ الْعَثَرَاتِ» . وَقَالَ «الفضيل» : «الْفُتُوَّةُ الْعَفْوُ عَنْ زَلَّاتِ الْإِخْوَانِ» وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَارِ السُّوءِ الَّذِي إِنْ رَأَى خَيْرًا سَتَرَهُ وَإِنْ رَأَى شَرًّا أَظْهَرَهُ» ( ).



   

     الفصل الثالث

المبحث الأول

حادثة الإفك 

وقال عروة: ما رأيت أحداً أعلم بفقه  ولا بطب  ولا بشعر من عائشة، ولو لم يكن لعائشة من الفضائل إلا قصة الإفك لكفى بها فضلاً وعلو مجد فإنها نزل فيها من القرآن ما يتلى إلى يوم القيامة.( )

الإفك : أسوأ الكذب وأقبحه وهو مأخوذ من أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه ، فالإفك هو:  حديث المقلوب ، وقيل:  هو البهتان ، وأجمع المسلمون على أن المراد بما في الآية ( يقصد سورة النور)  ما وقع من الإفك على عائشة - أم المؤمنين - ، وإنما وصفه الله بأنه إفك لأن المعروف من حالها-  رضي الله عنها- خلاف ذلك ( ).

قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، قَالَتْ : وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ - وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ - فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ فَسَارُوا وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، - وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ- فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي -وَوَاللَّهِ - مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَهُمْ نُزُولٌ، قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الْإِفْكِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، قَالَ عُرْوَةُ : أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ. .............

 قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ، لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ- وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي- ، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ : " كَيْفَ تِيكُمْ "، ثُمَّ يَنْصَرِفُ - فَذَلِكَ يَرِيبُنِي- وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، قَالَتْ : وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ قِبَلَ الْغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا- ، قَالَتْ : فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ - وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ- ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا : بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا، فَقَالَتْ : أَيْ هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ : وَقُلْتُ مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، قَالَتْ : فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ : " كَيْفَ تِيكُمْ "، فَقُلْتُ لَهُ : أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ، قَالَتْ : وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ : فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   فَقُلْتُ لِأُمِّي : يَا أُمَّتَاهُ مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ : يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ - فَوَاللَّهِ -لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ : فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ : فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، قَالَتْ : وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ : فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ : أَهْلَكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   بَرِيرَةَ فَقَالَ : " أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ " قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قَالَتْ : فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي، -وَاللَّهِ - مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي "، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْذِرُكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قَالَتْ : فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْخَزْرَجِ -وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ- وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، قَالَتْ : وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ : كَذَبْتَ - لَعَمْرُ اللَّهِ - لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ -وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ -، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : كَذَبْتَ - لَعَمْرُ اللَّهِ - لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، قَالَتْ : فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ، وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَتْ : فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ : فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ : وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قَالَتْ : فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ : وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ، قَالَتْ : فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ "، قَالَتْ : فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي : أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   عَنِّي فِيمَا قَالَ، فَقَالَ أَبِي : - وَاللَّهِ - مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   فَقُلْتُ لِأُمِّي : أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   فِيمَا قَالَ، قَالَتْ أُمِّي : -وَاللَّهِ - مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا : إِنِّي – وَاللَّهِ-  لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي - فَوَاللَّهِ - لَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ : {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ - وَاللَّهِ - مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى ولَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، - فَوَاللَّهِ - مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ : فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ : " يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ "، قَالَتْ : فَقَالَتْ لِي أُمِّي قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ - وَاللَّهِ - لَا أَقُومُ إِلَيْهِ فَإِنِّي لَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَالَتْ : وَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى -  {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) }،سورة النور ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي......................( ).

وهكذا عاش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأهل بيته ، وعاش أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – وأهل بيته ، وعاش صفوان بن معطل ، وعاش المسلمون جميعاً شهراً كاملاً في جو خانق ، وفي ضغوط هائلة وآلام طائلة ، بسبب حديث الإفك الذي نزلت فيه تلك الآيات( ) .

وقد أوذي النبي - صلى الله عليه وسلم - بما كان يقال إيذاءً شديداً، وصرح بذلك للمسلمين في المسجد، حيث أعلن ثقته التامة بزوجته وبالصحابي ابن المعطل السلمي ، وحين أبدى سعد بن معاذ – رضي الله عنه - استعداده لقتل من تسبب في ذلك إن كان من الأوس، أظهر سعد بن عبادة – رضي الله عنه - معارضته بسبب كون عبد الله بن أبي بن سلول من قبيلته حتى أن عائشة - رضي الله عنها-  قَالَتْ : "وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ " ، ولولا تدخل النبي - صلى الله عليه وسلم-  وتهدئته للصحابة من الفريقين لوقعت الفتنة بين الأوس والخزرج ..

ولكن الأمر لم يكن أمر عائشة – رضي الله عنها - ، بل تجاوز إلى شخص الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، ورسالته ، وما كان الحديث موجهاً إلى عائشة وحدها ، وإنما كانت العقيدة والمنهج مستهدفين من خلال استهداف عرض من أرسل بهما ، وجاء بتطبيقهما ، فانظر – رعاك الله – ماذا كانوا يريدون؟! 

وكم هو محزن اليوم  أن يكون في أمة محمد من يقدح في زوجة محمد - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - ، وكم هو محزن أن يتأذى حبيبنا في أحب زوجاته مرتين، مرة من منافقي المدينة في قصة الإفك، ومرة أخرى من هؤلاء الشيعة الحاقدين، ومهما تجردت عند كتابة هذا الموضوع، ومهما حاولت أن أنسلخ من عواطفي وأذيب في الماء أحاسيسي، فإن للصبر حدوداً ، وإن ألذع الكلمات لتتدافع الآن أمامي، لأذب عن أمنا الطاهرة، وأرد عن زوجة حبيبنا المصطفى - حمى الله عرضه عما يفترون- ، ولكني التزاما بمنهج البحث العلمي لن أزيد على أن أقول {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} ( ).

لقد كانت حادثة الإفك حلقة من سلسلة حلقات الإيذاء والمحن – كما بينا - التي لقيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ، وكان من فضل الله ورحمته أن كشف زيفها وبطلانها، وأبقى دروسها وفوائدها، لتكون عبرة وعظة للأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وكل ذلك من الخير الذي كشفه الله في ثنايا هذا الحادث، مع ما فيه من ابتلاء وآلام، كما قال الله تعالى: { لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } ( )...

فهذه الحادثة مع ما فيها من الأذى والشدة والبلاء ، تركت وراءها العديد من الحِكم الجليلة ، والفوائد الكثيرة ، التي ينبغي الاستفادة منها في واقعنا كأفراد ومجتمعات ، منها( ) :

( 1 ) أظهرت هذه الحادث بشرية النبي- صلى الله عليه وسلم - فلا ينبغي رفعه فوق مكانته ، أو تصويره  تصويراً  يتجاوز به حدود البشرية، فينسب إليه ما لا يجوز نسبته إلا إلى الله وحده، قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }( ).

( 2 ) كما أظهرت هذه الحادثة أن الوحي ليس شعوراً نفسياً أو إلهاماً، كما أنه ليس شيئاً خاضعاً لإرادته ورغبته - صلى الله عليه وسلم - ، مما يدعيه محترفو التشكيك في الإسلام والتلبيس على المسلمين، من أعداء الإسلام ومن سار وراءهم، إذ لو كان الأمر كذلك ، لكان من السهل عليه - صلى الله عليه وسلم - أن ينهي هذه المحنة التي آذته وآذت زوجته والمسلمين من يوم وقوعها، لكنه لم يفعل، لأنه لا يملك ذلك .

 فماذا كان يمنعه- لو أن أمر القرآن بيده - أن ينطق بهذه الآيات من بداية هذا الإفك وهذه الإشاعة الكاذبة، ليحمي بها عرضه، ويقطع ألسنة الكاذبين؟، ولكنه ما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله، قال الله – تعالى- : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ }( ).. وهكذا شاء الله أن تكون هذه المحنة دليلاً كبيراً على بشرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونبوته في وقت واحد.

( 3 ) ومن الحكم والفوائد المترتبة على هذه الحادثة، تشريع حد القذف وأهميته في المحافظة على أعراض المسلمين، فعندما وقعت حادثة الإفك أراد الله - عز وجل - أن يشرع بعض الأحكام التي تساهم في المحافظة على أعراض المؤمنين..

ومن المعلوم أن الإسلام حرم الزنا، وأوجب العقوبة على فاعله، وحرم أيضاً كل الأسباب المؤدية إليه، من تبرج وسفور، واختلاط ونظرة .. ومنها إشاعة الفاحشة، ومن ثم حرم الإسلام القذف، وأوجب على من اتهم عفيفًا أو عفيفة, بالزنا - وهم منه براء - حَد القذف، وهو الجلد ثمانين جلدة وعدم قبول شهادته إلا بعد توبته توبة صادقة نصوحاً، وفي ذلك صيانة وحفظ  للمجتمع من أن تشيع فيه ألفاظ الفاحشة، لأن كثرة الحديث عن الفاحشة وتردادها على الألسن يُهون أمرها لدى سامعيها، ويجرئ ضعفاء النفوس على ارتكابها، أو رمي الناس بها.. وفي ذلك تربية للمجتمع الإسلامي الأول ليكون نموذجاً للمجتمعات بعد ذلك..

  ( 4 ) لقد أظهرت هذه الحادثة فضيلة عائشة -رضي الله عنها – وفضلها ، فقد برأها الله من الإفك بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، يتعبد المسلمون بتلاوته, قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُم }( ) ، فكم ارتفعت منزلتها - رضي الله عنها - بذلك، وقد كانت تقول كما روى البخاري : " مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى ولَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ "، ومن ثم فمن اتهمها بعد ذلك بما برأها الله به، فهو مكذب لله، ومن كذب الله فقد كفر ..

أقول :إن أهل السنة والجماعة أجمعوا قاطبة على أن من طعن في عائشة – رضي الله عنها- بما برأها الله منه ، وبما رماها به المنافقون من الإفك ، فإنه كافر مكذِّبٌ بما ذكره الله في كتابه من إخباره ببراءتها وطهارتها. وقالوا إنه يجب قتله.

وقد ساق أبو محمد بن حزم الظاهري بإسناده إلى هشام بن عمار قال : سمعت مالك بن أنس يقول من سب أبا بكر و عمر جلد ، و من سب عائشة قتل ، قيل له : لم يقتل في عائشة؟ قال : لأن الله تعالى يقول في عائشة رضي الله عنها {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}( ) ، قال مالك فمن رماها فقد خالف القرآن ، و من خالف القرآن قتل . قال أبو محمد رحمه الله : قول مالك هاهنا صحيح و هي ردة تامة و تكذيب لله – تعالى- في قطعه ببراءتها (2).

وحكى أبو الحسن الصقلي أن القاضي أبا بكر بن الطيب قال: إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه كقوله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ}(3) في آي كثيرة وذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة فقال: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ} ( ) سبح نفسه في تبرئتها من السوء كما سبح نفسه في تبرئته من السوء، وهذا يشهد لقول مالك في قتل من سب عائشة ،ومعنى هذا - والله أعلم- أن الله لما عظم سبها كما عظم سبه وكان سبها سباً لنبيه وقرن سب نبيه وأذاه بأذاه – تعالى-  وكان حكم مؤذيه – تعالى- القتل كان مؤذي نبيه كذلك"( ) .

وقال أبو بكر بن العربي: "إن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله، فكل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله، ومن كذب الله فهو كافر فهذا طريق قول مالك، وهي سبيل لائحة لأهل البصائر ولو أن رجلاً سب عائشة بغير ما برأها الله منه لكان جزاؤه الأدب"( ). 

وقال أبو موسى ( ): ومن رمى عائشة - رضي الله عنها- بما برأها الله منه فقد مرق من الدين ولم ينعقد له نكاح على مسلمة ( ).

وقال الإمام النووي في صدد تعداده الفوائد التي اشتمل عليها حديث الإفك : الحادية و الأربعون : براءة عائشة - رضي الله عنها- من الإفك و هي براءة قطعية بنص القرآن العزيز ، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافراً مرتداً بإجماع المسلمين ، قال ابن عباس و غيره: لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ، و هذا إكرام من الله تعالى لهم( ). 

قال أبو السائب القاضي: "كنت يوماً بحضرة الحسن بن زيد الداعي بطبرستان، وكان بحضرته رجل فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فقال: يا غلام اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي - صلى الله عليه وسلم- ، قال الله – تعالى- : {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}( )، فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي - صلى الله عليه وسلم خبيث- ، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه وأنا حاضر"( ). 

وروى عن محمد بن زيد أخي الحسن بن زيد أنه قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة بسوء فقام إليه بعمود فضرب به دماغه، فقتله، فقيل له: هذا من شيعتنا ومن بني الآباء، فقال: هذا سمى جدي قرنان( )، ومن سمى جدي قرنان استحق القتل فقتلته"(3).

وأخرج البخاري من حديث الزُّهري ، قَالَ : قَالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبَلَغَكَ، أَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ ، قُلْتُ : لَا، وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ مِنْ قَوْمِكَ - أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ - أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-  قَالَتْ لَهُمَا : " كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّماً فِي شَأْنِهَا فَرَاجَعُوهُ فَلَمْ يَرْجِعْ، وَقَالَ مُسَلِّمًا بِلَا شَكٍّ فِيهِ وَعَلَيْهِ كَانَ فِي أَصْلِ الْعَتِيقِ كَذَلِكَ "

هذا هو موقف أهل البيت من نسل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وغيرهم ممن أطلق لسانه بالنيل من أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- إنه موقف الغيور على الدين الذي لم يرض الله لعباده سواه فمن نال من عائشة - رضي الله عنها - بما برأها الله منه فإنما هي المعاندة للقرآن  ، والتكذيب لله رب العالمين ، والطعن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عقوبة أنجع مع من أقدم على مثل هذا العمل المناقض لدين الإسلام بتكذيب الله في أخباره، والطعن بقول السوء في سيد الخلق عليه الصلاة والسلام إلا القتل ، فلا يختلف اثنان في أنه خرج من ملة الإسلام إلى الكفر( ).

فاتقوا الله يامن تطعنون بها وبأبيها وببقية الصحابة الكرام ، وتذكروا أنكم واقفون بين يدي الله تعالى يوم القيامة ، وأنه محاسبكم عن كل هذا ، وتذكروا قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -  إذ يقول : " أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ: " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"( ).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ  "( ).

"ردغة الخبال": هي عصارة أهل النار.

هذا إذا كان الطعن والكلام في أي مسلم ، فكيف إذا كان هذا الطعن والكلام والشتم بأم المؤمنين عائشة ، أو بأي أحد من الصحابة الكرام !!! ( ).

 ( 5 ) أظهرت هذه الحادثة معدن أبي بكر الصديق النفيس ، ولم لا وهو صاحب رسول الله القريب المجيب إليه، يعاني الهم والألم وهو يرمى في عرضه، في ابنته زوج محمد- صلى الله عليه وسلم- ، صاحبه الذي يحبه ويطمئن إليه، ونبيه الذي يؤمن به ويصدقه، وإذ بالألم يفيض على لسانه وهو الصابر المحتسب على هذا الألم فيقول: والله ما رمينا بهذا في الجاهلية.. أفنرمى به في الإسلام؟! وهي كلمة تحمل من المرارة والألم ما تحمل.

حتى إذا قالت له ابنته المريضة المعذبة : أجب عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرارة: والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم -!( ).

 فقد كان  ابتلاء أسرة أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- بحديث الإفك خيراً لهم، حيث كتب لهم الأجر العظيم على صبرهم وقوة إيمانهم، قال تعالى: { لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }

( 6 )  كما أكدت هذه المحنة على  وجوب التثبت من الأقوال قبل نشرها، والتأكد من صحتها, حتى لا يقع الإنسان في الكذب والظلم، ويكون سببا في نشر الإشاعات والفواحش، قال تعالى: { وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} ( ).

( 7 ) ومن الفوائد الهامة من هذه الحادثة، التوقف عند أمر الله - عز وجل - بالطاعة، وإن كانت مخالفة لرغبة الإنسان وهواه، وعدم ترك النفقة على الأقارب والفقراء وإن أساءوا، والحث على العفو والصفح عمن أساء إليك .. ظهر ذلك في موقف أبي بكر -رضي الله عنه - ، الذي كان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره ، فلما أنزل الله براءة عائشة - رضي الله عنها - قال أبو بكر :" وَاللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ فِي عَائِشَةَ ، فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم}( ) ،  فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "بَلَى- وَاللَّهِ - إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي , فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ".

 ( 8 ) لقد شهد مجتمع المدينة ، بل المجتمع الإسلامي بكل أبعاده معارك كثيرة، غزوة بدر، وغزوة أحد وما كان فيها من شهداء، وما حدث فيها للنبي - صلى الله عليه وسلم - من كسر رباعيته، وأحداث عظيمة كانت في مكة من قبل، كل هذه الحوادث متوقعة فهي من الأعداء، والإنسان يستعد لمثل هؤلاء ويأخذ حذره ويتوقع منهم ما قد يحدث، ولكننا اليوم أمام حادث من الداخل همس به كبير المنافقين، ثم سار كالنار في الهشيم يكاد يحرق كل ما حوله  ، ومن هنا نرى قيمة تماسك مجتمع المدينة ، وخروجه سالماً متعافياً رغم ما كيد له وأريد به ، نرى فائدة عظيمة ، ومكسباً يخفى على الكثيرين .

وفي نفس الوقت يلفت نظرنا إلى الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام وهم أعداؤه ، كما كان يدعي المنافقون ، والغريب أنك عندما تقول لهم : تقيتكم هذه في جوهرها نفاق كنفاق المنافقين ! قالوا : النفاق إظهار الإيمان وإبطان الكفر ، أما التقية فإظهار الكفر وإبطان الإيمان ! في الوقت الذي يظهرون الإسلام ، وشعائره وحرصهم على وحدته ، وغرضهم نصرة دين الله ، وإعادة الأقصى ...الخ ،  فإن كان هذا كفراً بحسب تعريفهم للتقية ، فما هو الإيمان الذي يبطنونه ؟!. 

( 9 ) أظهرت حادثة الإفك خطورة الكلمة في حياة الناس ، وآثارها ، ومن ثم يجب الحيطة منها ، وفي نفس الوقت يجب استغلالها ، فعلى قدر ما أذينا منها في حادثة الإفك على قدر ما يجب علينا من تطويعها لنصرة هذا الدين ، والذب عن رسول العالمين .

انظر ماذا فعل صفوان – رضي الله عنه – من جراء الكلمة ؟ ثارت ثائرته ؛ عندما سمع أن حسان قد تكلم عنه فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ لَيْلَةً، وَهُوَ آتٍ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  ذَلِكَ، فَقَالَ : " أَيْنَ ابْنُ الْمُعَطَّلِ؟ "، فَقَامَ إِلَيْهِ، فَقَالَ : هَا أَنْا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ : " مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ؟ "، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ آذَانِي وَكَثَّرَ عَلَيَّ، فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ، وَهَأَنَا ذَا، فَمَا كَانَ عَلَيَّ مِنْ حَقٍّ فَخُذْنِي بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   : " ادْعُوا إِلَيَّ حَسَّانَ "، فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ : " يَا حَسَّانُ، أَتَشَوَّهْتَ عَلَى قَوْمِكَ أَنْ هَدَاهُمُ اللَّهُ لِلإِسْلامِ، يَقُولُ : تَنَفَّسْتَ عَلَيْهِمْ يَا حَسَّانُ، أَحْسِنْ فِيمَا أَصَابَكَ "، فَقَالَ : هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   سِيرِينَ الْقِبْطِيَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانَ، وَأَعْطَاهُ أَرْضًا كَانَتْ لأَبِي طَلْحَةَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  ( ).

( 10 ) بيان أن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- ما كان يعلم الغيب حتى يُعلمه الله، فكيف إذن بغيره ممن يدعون علم الغيب والمكاشفة تغريراً بالمسلمين وتضليلاً لهم لا ستغلالهم.

 نجد أن الشيعة يدعون العصمة للأئمة وأنهم يعلمون الغيب ، نقل الكليني( ) في ( أصول الكافي ) : قول الإمام جعفر الصادق : ((نحن خزان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون أمر بطاعتنا و نهي عن معصيتنا ، نحن حجة الله البالغة على من دون السماء و فوق الأرض))( ) .

  فنجده مثلاً ( ) يبوب في الكافي الأبواب التالية عن الأئمة  :-

" باب بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ إِذَا شَاءُوا أَنْ يَعْلَمُوا عُلِّمُوا " (ج1 ص 158) فيه ثلاث روايات .

" بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ يَعْلَمُونَ مَتَى يَمُوتُونَ وَأَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ إِلَّا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ" (ج1 ص 258 -260) فيه ثمانى روايات .

" بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمُ الشَّيْءُ " ( ج1ص 260-262) فيه ست روايات .

" بَابُ جِهَاتِ عُلُومِ الْأَئِمَّةِ " ( ج 1ص264) فيه ثلاث روايات تفيد أن هذه الجهات هي الوارثة والإلهام .

" بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ لَوْ سُتِرَ عَلَيْهِمْ لَأَخْبَرُوا كُلَّ امْرِئٍ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ" ( ج 1ص 264-265) فيه روايتان .

وفى " بَابُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُعَلِّمْ نَبِيَّهُ عِلْماً إِلَّا أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُ كَانَ شَرِيكَهُ فِي الْعِلْمِ " ( ج1ص263) يذكر ثلاث روايات .

وفى " بَابُ التَّفْوِيضِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَإِلَى الْأَئِمَّةِ  فِي أَمْرِ الدِّينِ (ج1 ص 265-268) يذكر عشر روايات .

وفى "باب فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ بِمَنْ يُشْبِهُونَ مِمَّنْ مَضَى وَكَرَاهِيَةِ الْقَوْلِ فِيهِمْ بِالنُّبُوَّةِ" (ص 268-270) ، يذكر سبع روايات .

   وفى "بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ مُحَدَّثُونَ مُفَهَّمُونَ " ( ص 270-271) يذكر خمس روايات ( ).

فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه – وهو سيد السادة ، وقائد القادة من ولد آدم ، ومن قبل ذلك كله رسول رب العالمين – أفيعلمه من هو دونه ؟!          سبحانك هذا بهتان عظيم ، وإفك قديم ...لا ما يتهمون به أمنا .

يقول – تعالى - {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} ( )،  ويقول – عز من قال - {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}( ).

( 11 ) التمحيص بالابتلاء حيث انقسمت المدينة إلى أقسام:

القسم الأول: الأغلبية الصامتة التي لا تصدق ، لكنها لا تكذب القائلين ، ولا تدافع عن الأبرياء .

القسم الثاني: أقلية ترفض وتكذب ، منهم أبو أيوب الأنصاري وزوجته – رضي الله عنهما – فقد ذُكرَ  أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ أَيُّوبَ : يَا أَبَا أَيُّوبَ أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ؟، قَالَ : بَلَى، وَذَلِكَ الْكَذِبُ، أكنت أنت يا أم أيوب فاعلة ذلك؟ قَالَتْ : لا – وَاللَّهِ- مَا كُنْتُ لأَفْعَلَهُ، قَالَ : فَعَائِشَةُ - وَاللَّهِ - خَيْرٌ مِنْكِ، قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ قَالَ فِي الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ : {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} ، أَيْ، فقالوا كَمَا قال أَبُو أَيُّوبَ وَصَاحِبَتُهُ( ) .

 القسم الثالث: المنافقون، والذي تولى كبره ونشره بين الناس عبد الله بن أبي بن سلول ، أي كانوا يقومون بترويج الشائعات، وهؤلاء مازالوا إلى اليوم يتولون كبره ، ولا ينتهون عما هم في من الكذب والتشويش .

القسم الرابع: المؤمنون، ولكنهم تكلموا في هذا الموضوع، ومنهم مسطح بن أثاثة، الذي ينفق عليه أبو بكر، ومنهم أيضاً حسان بن ثابت، شاعر النبي – صلى الله عليه وسلم - ، الذي قال له النبي – صلى الله عليه وسلم -:" قل يا حسان وروح القدس يؤيدك".

قال ابن القيم : " ولما جاء الوحي ببراءتها ، أمر رسول - صلى الله عليه وسلم - بمن صرح بالإفك فحدّوا ثمانين ثمانين ، فجلد مسطح بن أثامة ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش ، فهؤلاء من المؤمنين الصادقين تطهيراً لهم وتكفيراً " ( ). 

 ( 12 ) لقد كادت حادثة الإفك أن تحقق للمنافقين ما كانوا يسعون إليه من هدم وحدة المسلمين، وإشعال نار الفتنة بينهم ، ولكن الله سلَّم ، وتمكن الرسول- صلى الله عليه وسلم – بحكمته (وهو في تلك الظروف الحالكة) أن يجتاز هذا الامتحان الصعب،وأن يصل بالمسلمين إلى شاطئ الأمان ، فكان أمامه أربعة حلول :-

الحل الأول: هو أن يطلقها – رضي الله عنها - ، ولكنه ما كان ليطلقها بلا ذنب اقترفته ، أو يعاملها كما عاملها الشانئون والمنافقون – وهي أهله – غير أنه كبشر مثل سائر البشر لم يكن ليستبعد ذلك .

الحل الثاني: أن يدافع عنها بقوة، ويستخدم سلطته كقائد؛ بإصدار قرار بعدم الحديث عن زوجته السيدة عائشة، ولكنه لم يفعل ذلك، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قدوة لهذه الأمة ، ولأنه لا يفعل شيئاً لنفسه أبداً ، بل كان إذا أوذي في شيء يستحضر ما لاقاه أخوته الأنبياء من قبله فيتأسى بما تأسوا به ، ومن ذلك أنه كان يكثر من ذكر موسى - عليه السلام-  ويقول :«رَحِمَ اللهُ أَخِي مُوْسَى، قَدْ أَوُذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» ( ).

الحل الثالث: أن يترك الموضوع للمجتمع، يختار ما يشاء.

الحل الرابع: وهو الذي اختاره النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وذلك لما تأخر عنه الوحي قرابة الشهر ، وهو أن يشاور من يراه أهلاً للمشورة ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحِيُ، يَسْتَأْمُرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَاسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقُكَ.

 فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا بَرِيرَةُ ، هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئًا يَرِيبُكِ؟ فَقَالَتْ بَرِيرَةُ : لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا قَطُّ .

تدلنا معالجة النبي -صلى الله عليه وسلم- للمشكلة التي استغلها عبد الله بن أبي بن سلول بالشكل الذي رأيناه، على قدر ما آتاه الله من براعة فائقة في سياسة الأمور وتربية الناس والتغلب على مشاكلهم.

 لقد كان ما سمعه - صلى الله عليه وسلم - من كلام ابن سلول مسوغاً كافياً لأن يأمر بقتله ؛ ولكنه - صلى الله عليه وسلم- استقبل الأمر بصدر أرحب من ذلك ، وتسامح عن اللغط الذي جرى ، والتناوش الذي وقع ، والمدينة فيها  عدد كبير من المنافقين الذين يبحثون عن شيء مثل هذا ليقوموا ويقعدوا به ، فلم يعالج الأمر بعاطفة متأثرة، وإنما ترك الحكمة وحدها هي التي تدبر فكان أن مر الحادث بدون خسائر تذكر.

(13) بيان فضل الله على المؤمنين ورأفته بهم: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ( ).

(14) النهي عن اقتراف مثل هذا الذنب العظيم أو العودة إليه قال تعالى : {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}( ) ، أي: ينهاكم الله متوعِّدًا أن يقع منكم ما يشبه هذا أبدًا، أي: فيما يستقبل.

 فلهذا قال: { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أي: إن كنتم تؤمنون بالله وشرعه، وتعظمون رسوله - صلى الله عليه وسلم- ، فأما من كان متصفاً بالكفر فذاك له حكم آخر( ).

ويقول الشعراوي :كأنه تعالى يقول لهم : إنْ عُدْتُم لمثل هذا فراجعوا إيمانكم؛ لأن إيمانكم ساعتها سيكون إيمانـاً ناقصاً مشكوكاً فيه ( ).

و يقول الشيخ أبو بكر الجزائري : بعد أن ذكر – تعالى- حكم القذف العام والخاص ، ذكر حادثة الإفك التي هلك فيها خلق لا يحصون عدداً ، إذ طائفة الشيعة ما زالوا يهلكون فيها جيلاً بعد جيل إلى اليوم ، إذ وَرَّثَ فيهم رؤوساء الفتنة الذين اقتطعوا من الإسلام وأمته جزءاً كبيراً سموه شيعة آل البيت تضليلاً وتغريراً ؛ فأخرجوهم من الإسلام باسم الإسلام ، وأوردهم النار باسم الخوف من النار ؛ فكذبوا الله ورسوله ، وسبوا زوج رسول الله ، واتهموها بالفاحشة ، وأهانوا أباها ، ولوثوا شرف زوجها -صلى الله عليه وسلم - بنسبة زوجه إلى الفاحشة ( ).

(15) غيرة الله – تعالى- على عباده المؤمنين الصادقين، ودفاعه عنهم وتهديده لمن يرميهم بالفحشاء باللعن في الدنيا والآخرة قال الله : {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}( ).

قال الزمخشري في الكشاف عند تفسيره لهذه الآيات: ولو فليت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله – تعالى - قد غلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة - رضوان الله عليها- ، ولا أنزل من الآيات القوارع ، المشحونة بالوعيد الشديد والعتاب البليغ والزجر العنيف ، واستعظام ما ركب من ذلك ، واستفظاع ما أقدم عليه ، ما أنزل فيه على طرق مختلفة وأساليب مفتنة . كل واحد منها كاف في بابه ، ولو لم ينزل إلاّ هذه الثلاث لكفى بها ، حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعاً ، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة ، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا ، وأنه يوفيهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله ، حتى يعلموا عند ذلك { أَنَّ الله هُوَ الحق المبين} فأوجز في ذلك وأشبع ، وفصل وأجمل ، وأكد وكرّر ، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلاّ ما هو دونه في الفظاعة ، وما ذاك إلا لأمر .

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما-  : أنه كان بالبصرة يوم عرفة ، وكان يُسأل عن تفسير القرآن ، حتى سئل عن هذه الآيات فقال : من أذنب ذنباً ثم تاب منه قبلت توبته إلاّ من خاض في أمر عائشة ، وهذه منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك .

ثم يقول : ولقد برَّأ الله – تعالى- أربعة بأربعة : برأ يوسف بلسان الشاهد { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا } [ يوسف : 26 ] . وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه . وبرّأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها : إني عبد الله . وبرَّأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلوّ على وجه الدهر ، مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات . فانظر ، كم بينها وبين تبرئة أولئك؟ وما ذاك إلاّ لإظهار علوّ منزلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، والتنبيه على إناقة محلّ سيد ولد آدم ، وخيرة الأوّلين والآخرين ، وحجة الله على العالمين ( ).

خلاصة في حادثة الإفك: 

هذه المحنة التي نحن بصددها صقلت الجميع أتباعاً ومتبوعين، فأما عائشة – رضي الله عنها– فقد خرجت كعادتها سابقاً ؛ ليست فقط منتصرة مرفوعة الرأس بل بركة على الأمة في حياتها وبعد مماتها ، فقد أظهر لها الشانئون حباً دفيناً بين ضلوع الموحدين ، واستفز ظلمهم أقلاماً مدادها الحق راحت تسطر لها صفحات من النور لو اطلع عليها الشانئون لعضوا أنامل الندم على اليوم الذي أظهروا فيه حقدهم ؛ لأنه لم يضرها وبدد ماء وجوههم وأظهر غيظ قلوبهم أمام من كان منخدعاً بتقيتهم يجري في ركاب معيتهم ، في الوقت الذي انحاز الصالحون البارون من أبنائها إلى حصن الحق الذي كم وقفوا مدافعين عن حياضه ؛ فلم تضرهم الهجمات بقدر ما زادت قناعتهم بالحق الذي هم عليه ، ووثقت على درب الإيمان عقودهم ؛ فخرجوا كأمهم من أزماتهم أكثر نقاء وصفاء ، فهذا الشبل من ذاك الأسد.

علامات الخير في حادثة الإفك :

أولاً : أظهرت هجمتهم الشرسة على أمنا عقيدة ضالة كان القوم يسترونها بالتقية ، فكم عانينا – والله - من عوام أهل السنة الذين لا يصدقون في القوم قول العلماء وطلبة العلم ، حتى كشر القوم عن أنيابهم الزرقاء ، وفَتَشُوا بأنفسهم مكانين طويتهم السوداء ، فكان ذلك لنا كالنور في الظلماء تهتدي به عوام أهل السنة ، وتنتبه من غفلتها التي كانت بسببها عن القوم في عماء ، فالحمد لله وله الشكر أن أفاقت من جراء البلاء الدهماء .

ثانياً : أظهرت هذه الهجمة حقيقة أخرى عند القوم أنهم يدينون دين الأهواء ، فسبحان المولى القائل في كتابه الكريم :  {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [(23) سورة الجاثية] ، لما أمن القوم العقوبة أساءوا الأدب ، وقلبوا لعقيدتهم ظهر المجن ؛ أليسوا هم القائلين،وكما دون المجلسي( ) قال : قال الصادق - عليه السلام- : من ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا ، وقال -عليه السلام - : التقية ديني ودين آبائي ، وقال الصادق -عليه السلام- :من أذاع علينا شيئا من أمرنا فهو كمن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطأ، وقال- عليه السلام- : التقية في كل ضرورة و صاحبها أعلم بها حين تنزل به( ).

ومن قبل المجلسي الكليني ( )بوب لها باباً مستقلاً قال فيه :[ بَابُ التَّقِيَّةِ] وذكر تحته - عَنْ أَبِي عُمَرَ الْأَعْجَمِيِّ قَالَ :قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ): «يَا أَبَا عُمَرَ إِنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الدِّينِ فِي التَّقِيَّةِ ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ ، وَالتَّقِيَّةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي النَّبِيذِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ»( ) .

وقال : عَنْ حَبِيبِ بْنِ بِشْرِ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَا- وَاللَّهِ - مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ التَّقِيَّةِ يَا حَبِيبُ إِنَّهُ مَنْ كَانَتْ لَهُ تَقِيَّةٌ رَفَعَهُ اللَّهُ، يَا حَبِيبُ مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَقِيَّةٌ وَضَعَهُ اللَّهُ ، يَا حَبِيبُ إِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا هُمْ فِي هُدْنَةٍ فَلَوْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا ( ).

 فكيف تنازل القوم عن عقيدتهم ؟!

وكيف تركوا قول أئمتهم ؟!

أليس هذا من الهوى ؟ 

بلى هو الهوى بعينه وأذنه وشحمه ولحمه !.

  ثالثاً : أظهرت هذه الهجمة مدى ما يكنه أهل السنة من تقدير وإجلال لأمهم حتى أُضطر القوم إلى الرجوع  إلى تقيتهم ، فأصدر كبراؤهم البيان تلو البيان للتبرؤ من السب والطعن ، وإن كنا نعلم إنها التقية لكنها دليل على تأثرهم من مردود فعل أهل السنة ، ومعناها- وهذا هو الأهم - لو هب أهل السنة للدفاع عن معتقداتهم  تخنس عند ذلك الأقزام ، وتتوارى الظُلام ........ فلماذا لا تجتمع كلمة أتباع سيد الأنام ؛ ليردوا كيد كل الأزلام ؟!

رابعاً : أصبح ذكر أمنا على كل لسان ، وسيرتها بادية للعيان ، وطارت فضائلها في الركبان ، وهذا من بركات آل أبي بكر ، وكذلك صنيع ربك بآل أم عبد الله الكرام .

خامساً : عاد اسم عائشة مرة أخرى لتزدحم  به سجلات المواليد بعدما كاد أن يندر، أو من التسجيل يبيد ، أليس هذا أكبر رد , وأعظم  تنديد ؟!.

سادساً : اشتعلت مواقع النت بذكرها ، وأقيمت المواقع للرد عنها ، ورصدت مسابقات للذب عن عرضها والرد على الطاعنين  فيها ، ونظم الشعراء القصائد ، وحبر الكتاب المقالات، وشمر المؤلفون ساعد الجد وشرعوا يطرزون لها الكتب ، وينمقون لها الرسائل ، ويبزون الأوائل ويدحرون الشانئين الأواخر ، ونقلت الأقمار وأفسحت الفضائيات المساحات،وغيرت الخرائط وأعدت البرمجيات  ، ألم أقل لك هكذا تحل البركات ؟!.



المبحث الثاني

شبهات حول أمنا والرد عليها

شبهة الأمر بقتل عثمان بن عفان

(رضي الله عنه)

    مما طعنوا به على عائشة - رضي الله عنه-: "زعمهم أنها كانت في كل وقت تأمر بقتل عثمان وتقول: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً ، ولما بلغها قتله فرحت بذلك"( ).

وفي الرد على هذا الزور نقول :

أورد الطبري – رحمه الله - ( ) هذه الرواية في تاريخه قائلاً نصاً : كتب إليّ عليّ ابن أحمد بن الحسن العجليّ أن الحسين بن نصر العطار، قال: حدّثنا أبو نصر بن مزاحم العطار، قال: حدّثنا سيف بن عمر، عن محمد بن نويرة وطلحة بن الأعلى الحنفيّ. قال: وحدّثنا عمر بن سعد، عن أسد بن عبد الله، عمّن أدرك من أهل العلم؛ أنّ عائشة -رضي الله عنها- لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة، لقيها عبد بن أمّ كلاب - وهو عبد بن أبي سلمة، ينسب إلى أمه - فقالت له: مهيم؟ قال: قتلوا عثمان -رضي الله عنه- ، فمكثوا ثمانياً؛ قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع، فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز؛ اجتمعوا على عليّ بن أبي طالب. فقالت: والله ليت أنّ هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك! ردّوني ردّوني، فانصرفت إلى مكّة وهي تقول: قتل -والله - عثمان مظلوماً، - والله- لأطلبنّ بدمه، فقال لها ابن أمّ كلاب: ولم؟ فوالله إنّ أول من أمال حرفه لأنت! ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر؛ قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل ( )...... 

وهذا الأثر مردود عليه من وجوه :-

أولاً : المعروف عن الإمام الطبري – رحمه الله -  أنه يورد الروايات ويذكر سندها ولا ينقدها ، حيث يقول في هذا الشأن في مقدمة تاريخه:"وليعلم الناظر في كتابنا هذا أنّ اعتمادي في كلّ ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويتُ من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه....إلى أن يقول :  فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا،وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدى إلينا"( ).

وهذا ما أقره نصاً الشيخ /خليل الميس الذي قدم لتفسيره جامع البيان طبعة دار الفكر بيروت ، ووافقه  صدفي جميل العطار مخرجاً وضابطاً حيث قال : « وإذا كان يؤخذ عليه أنه يذكر سلاسل الروايات من غير بيان وتمييز لصحيح هذه الروايات من ضعيفها ؛ فلأنه على ما يظهر أنه من المؤلفين الذين يرون أن ذكر السند يخلي المؤلف من المؤاخذة والتبعة ، ولو لم ينص على درجة الرواية». ونفس المقولة كررها صدفي العطار إذ يقول : « وهو إذ يتبع طريقة الإسناد في سلاسل الروايات لا ينقد هذه الروايات ويبدو أن ابن جرير من المؤلفين والمصنفين الذين يرون أن ذكر السند يخلي المؤلف من التبعة والمؤاخذة»( ). 

وعليه فلا يفرح بما أورده الإمام الطبري – رحمه الله – في تفسيره أو تاريخه ، حتى يراجعه أهل الصنعة ، ويقره أهل المعرفة بعلم الرواية والدراية .

ثانياً : هذه الرواية فيها ثلاث مآخذ :-

1- الأول : نصر بن مزاحم العطار يقول فيه الجوزجاني: كان زائغا عن الحق مائلاً ..( ) .

وقال العقيلي: كان يذهب إلى التشيع وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير( ).

وقال الذهبي ، وأبو خثيمة ، وأبو حاتم ، والدار قطني: رافضي جلد ، كان كذاباً ، وواهي الحديث , ومتروك , وضعيف ( ).

2- الثاني : سيف بن عمر التميمي البرجمي ، و يقال : السعدي ، و يقال : الضبي ،...قال فيه الرازي عن يحيى بن معين أنه قال: سيف بن عمر الضبي الذي يحدث عنه المحاربي ضعيف الحديث.

وقال : سألت أبي عن سيف بن عمر الضبي فقال: متروك الحديث، يشبه حديثه حديث الواقدي( ).

وقال فيه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه الضعفاء : سيف بن عمر الضبي الكوفي متهم في دينه مرمي بالزندقة ، ساقط الحديث ، لا شيء( ). وقال فيه ابن الجوزي : قال يحيى: ضعيف الحديث فلس خير منه ، وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث، وقال النسائي: كذّاب ، وقال الدار قطني: ضعيف، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات ، وقال :إنه يضع الحديث ( ). 

3- الثالث: قوله : "عمّن أدرك من أهل العلم" ، وهذا مجهول فأنت ترى السند بين منكر متروك ، ومبتدع كذاب ، ومجهول ، فأنت تسير بين ظلمات بعضها فوق بعض ، فكيف يستقيم حديث هذا طريقه ، وهذا سنده ؟.

ثالثاً : يقول شيخ الإسلام : إن المنقول عن عائشة يكذب ذلك ويبين أنها أنكرت قتله وذمت من قتله. ودعت على أخيها محمد وغيره  لمشاركتهم في ذلك ( ).

 رابعاً : هذه الرواية احتج بها ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة الذي تنسبه الشيعة إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وهو محل شك كبير حيث إنه معتزلي شيعي ، ثم إنه ليس موضع ثقة حتى عند بني ملته حيث عقب الخوئي على توثيقه قائلاً : « إذ لا اعتداد بتوثيق ابن أبي الحديد» ( ) .

وقال ابن كثير – رحمه الله -  : وابن أبي الحديد معتزلي شيعي غال ؛ فلا يوثق بنقله ؛ لا سيما في هذا الباب  (يقصد فيما ينصر به بدعته ) ، كما لا يوثق بالناقل عنه ( ). 

خامساً : يقال لهم: على سبيل الفرض إن واحداً من الصحابة عائشة أو غيرها قال في ذلك كلمة على وجه الغضب لإنكاره بعض ما ينكر، فليس قوله حجة ولا يقدح في إيمان القائل ولا المقول له، بل قد يكون كلاهما ولياً لله – تعالى- من أهل الجنة، ويظن أحدهما جواز قتل الآخر بل يظن كفره وهو مخطيء في هذا الظن كما ثبت في الصحيحين عن علي وغيره في قصة حاطب بن أبي بلتعة وكان من أهل بدر والحديبية أن غلامه قال: يا رسول الله - والله -ليدخلن حاطب النار، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: كذبت إنه شهد بدراً والحديبية"

ونص الحدث عند مسلم عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله – رضي الله عنهما- : " أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  يَشْكُو حَاطِبًا، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  : كَذَبْتَ، لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَالْحُدَيْبِيَةَ " ( ).

وبهذا يبطل زعم الشيعة أن عائشة – رضي الله عنها -  كانت في وقت تأمر بقتل عثمان –رضي الله عنه - وتقول في كل وقت "اقتلوا نعثلاً" ولما بلغها قتله فرحت بذلك، وأن هذا من اختلاق الشيعة عليها وكلمة "نعثل" لم تعرف إلا من ألسنة قتل عثمان-  رضي الله عنه- وأول من تفوه بهذه الكلمة منهم جبلة بن عمرو الساعدي – عليه من الله ما يستحق -وقد جاء بجامعة( ) في يده وقال مجاهراً بوقاحته مخاطباً عثمان - رضي الله عنه- : "يا نعثلاً – والله - لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار"( ).

ولما تفوه بهذه الكلمة الخبيثة يوم الدار كانت عائشة -رضي الله عنها- حينذاك في مكة تلبي ربها - عز وجل- وتوجه قلبها إليه ولم تطرق هذه اللفظة سمعها إلا بعد رجوعها من مكة -رضي الله عنها وأرضاها- ( ).



المبحث الثالث

شبهة الفتنة من بيت عائشة -رضي الله عنها :- 

قام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال 

) هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، من حيث يطلع قرن الشيطان  .(

الرد على الشبهة : 

أولاً : يقول الشحود: لم أكن أصدق أن يعتقد أحد مثل هذا الكلام حتى قرأت قول بعضهم: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أشار إلى حجرة عائشة-رضي الله عنها - فقال: «ألا إن الفتنة هاهنا»( )،وهذا الحديث ورد في صحيح البخاري كتاب الوصايا وفرض الخمس ،باب ما جاء في بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ،  ونصه : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -، قَالَ : قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ ، فَقَالَ : " هُنَا الْفِتْنَةُ ثَلَاثًا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ " ، وفي رواية أخرى في البخاري أيضاً : " قَامَ إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ، فَقَالَ : الْفِتْنَةُ هَا هُنَا الْفِتْنَةُ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، أَوْ قَالَ قَرْنُ الشَّمْسِ " ، وفي الرواية الأخرى قال: ( أَلا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا ، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ) ، وفي أخرى يقول : ( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى شَأْمِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في يَمَنِنَا)  قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَفِى نَجْدِنَا ، فَأَظُنُّهُ قَالَ في الثَّالِثَةِ : ( هُنَاكَ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ) .  

فيستفاد إذن من مجموع هذه الروايات الصحيحة بأن مقصود النبي - صلى الله عليه وسلم- بمطلع الفتنة إنما هو جهة المشرق ، وهي قرن الشيطان ؛ ولأن بيت عائشة - رضي الله عنها - كان إلى شرقي مسجده - صلى الله عليه وسلم - أراد راوي الحديث وهو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن يحدد الجهة التي أشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر أنه أشار إلى هذه الناحية، حتى أنه لم يقل (أشار إلى مسكن عائشة)، بل قال: ( فأشار نحو مسكن عائشة ) مما يبين أنه عنى الجهة فقط بخلاف كل الروايات الأخرى ،والتي فيها قوله ( وأشار إلى المشرق ) لأن فيها تحديد المقصود تماماً ، وهذا لا يخفى على من له علم باللغة.

 وعلى أي حال ليس في هذا الحديث ما يدين عائشة - رضي الله عنها - ، وكيف يمكن للبخاري أو غيره من أهل العلم فعل ذلك أو حتى التنويه به؟ وكيف يمكن أن يخطر ببال أحد مهما كان أن أحد أئمة أهل السنة ، وأهل العلم يفعل ذلك؟.

سبحانك هذا بهتان عظيم.

ثانياً : سوق الشبهة  على هذه الشاكلة ، وبهذا المفهوم  فيه طعن بالنبي  –  صلى الله عليه وسلم – فبيت عائشة – رضي الله عنها -  هو بيت النبي – صلى الله عليه وسلم - وبه دفن  ، فعلى صاحب هذه الشبهة أن يختار بين أمرين :-

(1) أن يقول المقصود بالفتنة ما كان في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – وهنا نقول : ألم يكن الوحي يتنزل؟! فلم لم يخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك ، أم أخبر فدلس على أمته ؟!.

(2) وإن كان بعد الممات فقد شنع على نفسه وأتباعه لأنه يشير إلى أن منبع الفتن هو الرسول نفسه – صلى الله عليه وسلم – ؛ حيث إن حجرة عائشة هي قبره الآن!. 

قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) ( ): ( قد علم بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة..).

ثالثاً : وإن كان المقصود بالشبهة شخص السيدة عائشة – رضي الله عنها – فالسياق لا يدل على ذلك ، بل أي مبتدأ في اللغة إن لم نقل كل مميز ، وإن كان طفلاً صغيراً، يدرك تماماً أن الكلام لا يمكن أبداً أن تكون فيه دلالة على شخصها الكريم ، خاصة والروايات الصحيحة الأخرى قد دللت على المقصود ، اللهم إلا من نكس قلبه ، وعميت عينه وهي مبصرة ، وضلت بصيرته فهي – والله – خاسرة ، والقوم درجوا على الانتقاء ، وأخفوا عن عمد ليس فيه نقاء كلَّ فضيلة لأمنا غراء ، وجللوا بسوادهم كلَّ بيضاء، ولكن هيهات هل تخفي يدٌ شلاء شمس ضياء ، أو بدر صفاء؟!. 

قد – والله – حازت أمنا بطعونهم مكانة علية سامقة كالسماء ، يستظل بظلها من رضي أو من ظل مقهوراً ساخطاً في عناء وبلاء ، ولا يضر إلا نفسه فهي أمنا رغم أنف كل شبهة حمقاء!.   

رابعاً : إن هذا القول المفترى من قبل  الشيعة ، ومن لف لفهم لو كان له أي وجه أو احتمال ، لعلمنا بأحد قاله أو ذكره  أو احتج به ، ممن خالف أم المؤمنين - رضي الله عنها - ممن هو من طبقة التابعين أو بعدهم، أما الصحابة فلا يظن بأحد منهم اعتقاد مثل هذا قطعاً. 

فلما لم نجد أحداً قاله علمنا بأنه محض افتراء وبهتان لأم المؤمنين - رضي الله عنها - من قبل الشيعة المتأخرين ونظرائهم ، لم يفعله إلا أسلافهم من أصحاب الإفك الذين علمنا الله كيف نقول حين نسمع قولهم ، فقال: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (*) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (*) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.



المبحث الرابع

شبهة خروجها على علىِّ بن أبي طالب

(رضي الله عنه )

يقول الحلي ( )نصاً : وأذاعت سر رسول الله -صلّى الله عليه آله وسلّم- ، وقال لها النبي- صلّى الله عليه آله وسلّم- : إنك تقاتلين علياً وأنت ظالمة له، ثم إنها خالفت أمر الله في قوله – تعالى-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ }( )  ، وخرجت في ملأ الناس لتقاتل علياً - عليه السلام - على غير ذنب، لأن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان، وكانت هي في كل وقت تأمر بقتله، وتقول: اقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً، ولما بلغها قتله فرحت بذلك، ثم سألت: من تولى الخلافة؟ فقالوا: عليّ. فخرجت لقتاله على دم عثمان، فأي ذنب كان لعليّ - عليه السلام - على ذلك؟ وكيف استجاز طلحة والزبير وغيرهما مطاوعتها على ذلك؟ وبأي وجه يلقون رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- ؟ مع أن الواحد منا لو تحدث مع امرأة غيره وأخرجها من منـزلها أو سافر بها كان أشد الناس عداوة له، وكيف أطاعها على ذلك عشرات الألوف من المسلمين، ساعدوها على حرب أمير المؤمنين - عليه السلام - ، ولم ينصر أحد منهم بنت رسول الله - صلّى الله عليه آله وسلّم- لما طلبت حقها من أبي بكر، ولا شخص واحد كلّمه بكلمة واحدة( ). 

الرد على هذه الشبهة :

 أولاً : وأما قوله وأذاعت سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإن الله – تعالى- يقول :{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } [(3) سورة التحريم]، وقد ثبت في الصحيح عن عمر – رضي الله عنه -  أنهما عائشة وحفصة – رضي الله عنهما - وذلك في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   اللَّتَيْنِ، قَالَ اللَّهُ لَهُمَا :{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  اللَّتَانِ، قَالَ اللَّهُ – عزَ وجلَ -لَهُمَا : {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}؟ ، فَقَالَ : وَا عَجَبِي لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ : عَائِشَةُ ، وَحَفْصَةُ"( ).

( 1 ) والواقع أن هؤلاء القوم يعمدون إلى آيات نزلت  في بيان ذنوب ومعاص صدرت من بعض الصحابة وتابوا منها ، وأقلعوا عنها  – ونحن لا نعتقد عصمة الصحابة - ، فأولوها بتأويلات لا تسعفها حجة ، ولا يؤيدها برهان ، وحشدوا لها مستغرب القصص ، وساقوا لها  مستنكر الأسانيد. 

ولهم طريقة في التأويل تُشبه طريقة مسترقي السمع من الجن مع أوليائهم من الإنس ؛ حيث يمزجون كلمةً سمعوها مع مائة كذبة، فإذا ما استهجنها بعض الناس أجابهم البعض الآخر: قد صدق في كلمته تلك.

وكذلك الشيعة يعمدون إلى كلمة الحق ، فيمزجون معها آلاف الأباطيل ، حتى فاقوا مردة الجن في صنيعهم !( ) .

وأهل السنة يقولون : إن أهل الجنة ليس من شروطهم السلامة من الخطأ ، بل ولا  الذنوب ، بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنبا صغيراً أو كبيراً ويتوب منه . وهذا متفق عليه بين المسلمين ، ولو لم يتب منه فالصغائر مغفورة باجتناب الكبائر عند جماهيرهم، بل وعند الأكثرين منهم أن الكبائر قد تمحى بالحسنات التي هي أعظم منها ، وبالمصائب المكفِّرة وغير ذلك .

( 2 ) لو قلنا – جدلاً – بوجود ذنب لعائشة وحفصة – رضي الله عنهما - فيكونان قد تابتا منه ، وهذا ظاهر لقوله – تعالى - : { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[التحريم/4] فدعاهما الله – تعالى-  إلى التوبة فلا يظن بهما أنهما لم يتوبا مع ما لهما  من علو درجة ، ولا يجوز لأحد أن يلوم أحداً ، أو يعيره بذنب قد تاب منه. 

ثم أنهما زوجتا نبينا في الجنة ، وأن الله خيرهن بين الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، ومات عنهن وهن أمهات المؤمنين بنص القرآن ، ثم قد تقدم أن الذنب يغفر ويعفى عنه بالتوبة ، وبالحسنات الماحية ، وبالمصائب المكفرة( ).

( 3 ) السيدة عائشة – رضي الله عنها – قد شهد لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنها في الجنة ، ويقر بذلك حتى من خالفوها الرأي كعلي –رضي الله عنه - ، وعمار بن ياسر – رضي الله عنه - فعَنْ عَائِشَةَ– رضي الله عنها –  ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :"إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ الْمَوْتَ إِنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ" ، وقال أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْأَسَدِيُّ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ بَعَثَ عَليٌّ إلى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ ، فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ ، فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ ، فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِى أَعْلاهُ ، وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الْحَسَنِ ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ ، فَسَمِعْتُ عَمَّارًا ، يَقُولُ : إِنَّ عَائِشَةَ ، قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ ، - وَوَاللَّهِ - إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ ( صلى الله عليه وسلم ) فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلاكُمْ ؛ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ ( ).

وليس في قول عمار هذا ما يُطعن به على عائشة - رضي الله عنها - بل فيه أعظم فضيلة لها، وهي أنها زوجة نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، فأي فضل أعظم من هذا؟! ( ).

وأما قول على – رضي الله عنه – أنها زوجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الدنيا والآخرة ، فقد أوردها الطبري – رحمه الله - في تاريخه ، والذي يطيب للشيعة – هداهم الله – النقل عنه ، وهنا يقول : فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه، جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت على الناس وودّعوها وودّعتهم، وقالت: يا بنيّ، تعتّب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة، فلا يعتدّنّ أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك؛ إنه - والله - ما كان بيني وبين عليّ في القديم إلاّ ما يكون بين المرأة وأحمائها؛ وإنه عندي على معتبّي من الأخيار. وقال عليّ: "يا أيها الناس، صدقت – والله وبرّت-، ما كان بيني وبينها إلاّ ذلك، وإنها لزوجة نبيّكم -صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة"( ).

فإن أبوا  بعد ذلك نقول لهم : أهذا الأمر مطلق  على كل من أخطأ ، أم مقيد ؟ فإن كان ذلك كذلك فما قولكم في غضب النبي – صلى الله عليه وسلم – على علىٍّ – رضي الله عنه – لما أراد أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة – رضي الله عنها وأرضاها -؟!.

ونص الحديث عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ– صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يَنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَلا آذَنُ، ثُمَّ لا آذَنُ، ثُمَّ لا آذَنُ، إِلا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، إِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا"، فإن قلتم : أخطأت عائشة – رضي الله عنها ، وهي المشهود لها بالجنة -، نقول : قد أخطأ عليٌّ – رضي الله عنه ، وهو المشهود له بالجنة -  ، فإن قلتم : تاب وغفر له ، نقول الذي قلتوه في عليٍّ – رضي الله عنه – عين الذي نريده لأمنا عائشة – رضي الله عنها وأرضاها – أنصفناكم فهل تنصفونا ؟!!.

 ثانياً : قول الحلي : (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «إنك تقاتلين عليا وأنت ظالمة له» ، ثم إنها خالفت أمر الله في قوله – تعالى-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب: 33] ،وخرجت في ملأ الناس لتقاتل علياً على غير ذنب، لأن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان.

الرد على هذه الشبهة التي يدندن حولها الشيعة دائماً تحت عنوان :[خروجها على إمام زمانها ، وهي له ظالمة ، ومقاتلتها له ]

( 1 )  حديث «إنك تقاتلين علياً وأنت ظالمة له» لا أصل له في كتب الحديث ، فهو حديث مكذوب من كيسه جاء به .

( 2 ) لم يكن خروج أم المؤمنين – رضي الله عنها - للقتال البتة وإنما خرجت للإصلاح والمطالبة بقتلة عثمان - رضي الله عنه - والأدلة على ذلك كثيرة منها لا للحصر ما ذكره الإمام أحمد في مسنده : فقال لها الزبير: "تَرْجِعِينَ عَسَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ"( ) ، وأيضا ما رواه ابن حبان عن أم المؤمنين - رضي الله عنها - قولها : "مَا أَظُنُّنِي إِلَّا أَنِّي رَاجِعَةٌ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا بَلْ تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ ؛ فَيُصْلِحُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -ذَاتَ بَيْنِهِمْ"( ).

وبرهان ذلك ودليله أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا لما التقوا ، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان – رضي الله عنه - أنهم مدركون ومآخذون إنْ التأم شمل المسلمين على كلمة سواء بينهم ؛ فتعاقدوا من الليل أن يبيتوا المعسكرين شر مبيت فتفرقوا في المعسكرين وأعملوا سيوفهم في الطرفين ، فثار المسلمون  وكل طائفة تظن ولا شك أن الأخرى بُدئ بها بالقتال. واختلط الأمر اختلاطاً لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه والفسقة من قتلة عثمان لا يفترون من شن الحرب وإضرامها.

يقول موسى الموسوي – شيعي يدعي الإنصاف - في معرض كلامه لنتائج وقعة الجمل : ولكنني أريد إنهاء الصراع الفكري – القائم بين الطرفين -  بالمنطق الشيعي البحت وهو أن الإمام بَرَّأَ ساحة السيدة " عائشة " من الحرب التي قادتها، والإمام هو الخليفة الذي كان يقضي بين الناس بالحق ولا يحيد عنه قيد أنملة، فإذا كان الإمام قد ألقى اللوم على فئة استغلوا أم المؤمنين وأخرجوها من دارها لتقود حركة مناهضة للخليفة المنتخب والشرعي فيعني هذا أن السيدة " عائشة " بريئة من كل ما يتعلق بحرب الجمل وذيولها في نظر الإمام، ولذلك أمر بإكرامها وإرجاعها إلى المدينة بالصورة التي أجمعت عليها كتب التاريخ ليثبت براءتها من تلك الحرب في نظر القاضي العادل الذي هو الإمام فلا يحق لأحد أن يطعن أو يجرح السيدة " عائشة" متحدياً عمل الإمام ورأيه( ).

     ( 3 ) ما قاله موسى الموسوي – في النقطة السابقة - قاله بالمنطق الشيعي ، ونقول بالمنطق السني : إن تصرف الإمام – رضي الله عنه – مع السيدة عائشة أم المؤمنين لا يخلو من أمرين :-

الأول : أن يكون من منطلق العصمة -التي يؤمن بها القوم - ، وفي هذه الحالة نبكتهم على طعنهم في أمنا أشد التبكيت  ؛لأنهم طعنوا في خيرة نساء نبينا – صلى الله عليه وسلم – وزوجه في الدنيا والآخرة ، المبشرة بالجنة ، ومن الأوليات السباقات إلى الهجرة إلى الله ورسوله، المشهود لها بالعلم والفقه والتفسير والحديث ، المفضلة على سائر نساء العالمين .

الثاني : أن يكون تصرف الإمام من عنده - وهو خطأ – على أساس أنهم يسبون أمنا – والسب بهم أولى – لأجل ذلك ؛ فينفون عنه العصمة وعند ذلك يسقط مذهبهم .

( 4 ) وأما حديث أبى بكرة – رضي الله عنه -( ) فإن فى ظاهره توهية لرأى عائشة- رضي الله عنها -  فى الخروج ، ونصه في المستدرك عند الحاكم ، قال :  لما كان يوم الجمل أردت أن آتيهم أقاتل معهم حتى ذكرت حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه بلغه أن كسرى أو بعض ملوك الأعاجم مات فولوا أمرهم امرأة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – " لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمْ امْرَأَةٌ"( ).  

قال المهلب : وليس كذلك لأن المعروف من مذهب أبى بكرة أنه كان على رأى عائشة وعلى الخروج معها ، ولم يكن خروجها على نيّة القتال ، وإنما قيل لها : اخرجى لتصلحى بين الناس فإنك أمهم ولم يعقوك بقتال . فخرجت لذلك ، وكان نية بعض أصحابها إن ثبت لهم البغى أن يقاتلوا التى تبغى ، وكان منهم أبو بكرة ولم يرجع عن هذا الرأى أصلا وإنما تشاءم بقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فى تمليك فارس امرأة أنهم يغلبون ، لأن الفلاح فى اللغة البقاء ؛ لا أن أبا بكرة وهّن رأى عائشة ، ولا فى الإسلام أحد يقوله إلا الشيعة ، فلم يرد أبو بكرة بكلامه إلا أنهم يغلبون إن قوتلوا ، وليس الغلبة بدلالة على أنهم على باطل ؛ لأن أهل الحق قد يُغلبون ، وتكون لهم العاقبة كما وعد الله المتقين ، وذلك عيان فى أصحاب النبى (صلى الله عليه وسلم) يوم حنين وأحد ، وجعل الله لهم العاقبة ، كما جعلها لمن غضب لعثمان وأنف من قتله وطلب دمه ، وليس فى الإسلام أحد يقول : إن عائشة دعت إلى أمير معها ، ولا عارضت عليًا فى الخلافة ، ولا نازعته لأخذ الإمارة ، وإنما أنكرت عليه منعه من قتلة عثمان ، وتركهم دون أن يأخذ منهم حدود الله ودون أن يقتصّ لعثمان منهم ، لا غير ذلك( ).

( 5 ) من قال أن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان – رضي الله عنه وأرضاه –؟ هذا من الكذب البين والافتراء غير الهين ، بل هذا من أظهر الكذب وأَبينه ؛ فإن جماهير المسلمين لم يأمروا بقتله ، ولا شاركوا في قتله ، ولا رضوا بقتله ، وذلك للآتي:- 

...أما أولاً : فلأن أكثر المسلمين لم يكونوا بالمدينة ، بل كانوا بمكة واليمن والشام والكوفة والبصرة ومصر وخراسان ، وأهل المدينة بعض المسلمين .

  ...وأما ثانياً : فلأن خيار المسلمين لم يدخل واحد منهم في دم عثمان لا قتل ولا أمر بقتله ، وإنما قتله طائفة من المفسدين في الأرض من أوباش القبائل وأهل الفتن ، وكان علي ّ - رضي الله عنه - يحلف دائما : (( إني ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله )) ويقول : ((اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر والسهل والجبل )) . وغاية ما يقال : إنهم لم ينصروه حق النصرة ، وأنه حصل نوع من الفتور والخذلان ، حتى تمكن أولئك المفسدون . وما كانوا يظنون أن الأمر يبلغ إلى ما بلغ ، ولو علموا ذلك لسدّوا الذريعة وحسموا مادة الفتنة .

...أما ثالثاً : فلأنه من المعلوم أن الناس أجمعوا على بيعة عثمان – رضي الله عنه - وما لم يجمعوا على قتله ؛ فإنهم كلهم بايعوه في جميع الأرض . فإن جاز الاحتجاج بالإجماع الظاهر، فيجب أن تكون بيعته حقاًّ لحصول الإجماع عليها . وإن لم يجز الاحتجاج به ، بطلت حجتهم بالإجماع على قتله .  

فلو قال قائل مثلاً : إن الحسين- رضي الله عنه-  قُتِل بإجماع الناس؛لأن الذين قاتلوه وقتلوه لم يدفعهم أحد عن ذلك – وهذا بمنطق القوم -، لم يكن كذبه بأظهر من كذب المدِّعي للإجماع على قتل عثمان، فإن الحسين - رضي الله عنه- لم يعظم إنكار الأمة لقتله، كما عَظُم إنكارهم لقتل عثمان- رضي الله عنه-  ، ولا انتصرت له جيوش كالجيوش التي انتصرت لعثمان- رضي الله عنه-  ، ولا انتقم أعوانه من أعدائه كما انتقم أعوان عثمان- رضي الله عنه-   من أعدائه، ولا حصل بقتله من الفتنة والشر والفساد ما حصل بقتل عثمان- رضي الله عنه-  ، ولا كان قتله أعظم إنكاراً عند الله ورسوله وعند المؤمنين من قتل عثمان- رضي الله عنه-.

 فإن عثمان - رضي الله عنه-  من أعيان السابقين الأولين من المهاجرين من طبقة عليّ وطلحة والزبير- رضي الله عنهم - ، وهو خليفة المسلمين أجمعوا على بيعته، بل لم يُشهر في الأمة سيفاً ولا قَتَل على ولايته أحداً، وكان يغزو بالمسلمين الكفَّار بالسيف، وكان السيف في خلافته كما كان في خلافة أبي بكر وعمر مسلولاً على الكفار، مكفوفاً عن أهل القبلة، ثم إنه طُلِبَ قتله وهو خليفة فصبر ولم يُقاتل دفاعاً عن نفسه حتى قُتِل، ولا ريب أن هذا أعظم أجراً، وقتله أعظم إثماً، ممن كان متولياً فخرج يطلب الولاية، ولم يتمكن من ذلك حتى قاتله أعوان الذين طلب أخذ الأمر منهم، فقاتل عن نفسه حتى قُتِل.

ولا ريب أن قتال الدافع عن نفسه وولايته أقرب من قتال الطالب لأن يأخذ الأمر من غيره، وعثمان - رضي الله عنه- ترك القتال دفعاً عن ولايته – وكان يحق له الدفاع عن نفسه وولايته ، ولأنه مطلوب وليس طالباً - ، فكان لذلك حاله أفضل من حال الحسين- رضي الله عنه- ، وقتله أشنع من قتل الحسين- رضي الله عنه-. 

كما أن الحسن - رضي الله عنه - لما لم يُقاتِل على الأمر، بل أصلح بين الأمة بتركه القتال، مدحه النبي - صلّى الله عليه وسلّم - ، فقال: "إن ابني هذا سيد وسيُصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".

ثم دعوى المدّعي الإجماع على قتل عثمان -رضي الله عنه- مع ظهور الإنكار من جماهير الأمة له وقيامهم في الانتصار له والانتقام ممن قتله، أظهر كذباً من دعوى المدَّعي إجماع الأمة على قتل الحسين -رضي الله عنه-!.

فإن جاز أن يُقال: إنهم أجمعوا على قتل عثمان- رضي الله عنه-  ، لكون ذلك وقع في العالم ولم يُدفع. فقول القائل: إنهم أجمعوا على قتال عليّ - رضي الله عنه-  أيضاً والتخلف عن بيعته أجوز وأجوز، فإن هذا وقع في العالم ولم يُدفع أيضاً.

وإن قيل: إن الذين كانوا مع عليّ - رضي الله عنه-  لم يمكنهم إلزام الناس بالبيعة له، وجمعهم عليه، ولا دفعهم عن قتاله، فعجزوا عن ذلك.قيل: والذين كانوا مع عثمان- رضي الله عنه-   لما حُصِر لم يمكنهم أيضاً دفع القتال عنه.

وإن قيل: بل أصحاب عليّ - رضي الله عنه-  فرَّطوا وتخاذلوا، حتى عجزوا عن دفع القتال أو قهر الذين قاتلوه، أو جمع الناس عليه. قيل: والذين كانوا مع عثمان - رضي الله عنه-  فرَّطوا وتخاذلوا حتى تمكَّن منه أولئك ( ).

 ثالثاً : ومن مطاعنهم التي تناولوا بها أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- وذكرها ابن المطهر الحلي وتابعوه عليها: قولهم "إنها خالفت أمر الله في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} سورة [الأحزاب آية/33]، حيث خرجت في ملأ من الناس.

والرد على هذا أنه باطل من وجوه:

الوجه الأول: أنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها كما لو خرجت للحج والعمرة أو خرجت مع زوجها في سفر، فإن هذه الآية نزلت في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وقد سافر بهن بعد ذلك في حجة الوداع سافر بعائشة - رضي الله عنها-  وغيرها وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها وأردفها خلفه وأعمرها من التنعيم ، وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية - سالفة الذكر -، ولهذا كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن كما حججن في خلافة الفاروق، وكان يوكل بقطارهن عثمان أو عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنهما - ، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزاً فعائشة - رضي الله عنها-  اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في هذا، واجتهدت والمجتهد إذا أصاب في اجتهاده كان له أجران ،وإذا كان مخطئاً فالخطأ مغفور بالكتاب والسنة"( ).

الوجه الثاني : أما زعمهم أنها خرجت في ملأ من الناس تقاتل علياً على غير ذنب فهذا كذب عليها فإنها لم تخرج لقصد القتال، ولا كان أيضاً طلحة والزبير – رضي الله عنهما - قصدهما القتال لعلي – رضي الله عنه -، ولو قدر أنهما قصدا القتال فهذا هو القتال المذكور في قوله –تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [سورة الحجرات آية/9-10] فجعلهم مؤمنين أخوة في الاقتتال، وإذا كان هذا ثابتاً لمن هو دون أولئك من المؤمنين فهم به أولى وأحرى.

الوجه الثالث : أنها خرجت مع ابن أختها عبد الله بن الزبير بن العوام – رضي الله عنهما– فهو لها محرم ، وخلوته بها ومسه لها جائز بالكتاب والسنة والإجماع، وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها جائز في الكتاب والسنة والإجماع ، وهي لم تسافر إلا مع ذي محرمها، وأما العسكر الذين قاتلوها فلولا أنه كان في العسكر محمد بن أبي بكر مد يده إليها لمد يده إليها الأجانب، ولهذا دعت عائشة- رضي الله عنها - على من مد يده إليها، وقالت: يد من هذه أحرقها الله بالنار"؟، فقال: "أي أخت في الدنيا قبل الآخرة" [المعنى أنه يقول :جعل الله استجابة دعاءك في الدنيا لا في الآخرة]فقالت: "في الدنيا قبل الآخرة" فأحرق بالنار بمصر( ).

 ويوم أرجعها  الأمير الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - عادت مع أربعين امرأة من سيدات القوم ، ومعها أخوها محمد بن أبي بكر بن الصديق وهو محرم لها كذلك ، فأين هؤلاء القوم من الإنصاف ؟!

وما حصل من هؤلاء وهؤلاء لا يسوغ الطعن لا في عائشة ولا في علي -رضي الله عنهما- ، فطعنهم على السيدة عائشة بهذا واضح البطلان.

 رابعاً : ومن مطاعنهم في حق عائشة - رضي الله عنها- أنهم يقولون: " وكيف أطاعها على ذلك– الخروج -  عشرات الألوف من المسلمين، وساعدوها على حرب أمير المؤمنين - عليه السلام -، ولم ينصر أحد منهم بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما طلبت حقها من أبي بكر، ولا شخص واحد بكلمة واحدة"( ).

والرد على هذا الزور:

يقال لهم: إن قولكم هذا من أعظم الحجج عليكم، فإنه لا يشك عاقل أن الصحابة  - رضوان الله عليهم أجمعين - كانوا يحبون النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويعظمونه ويعظمون قبيلته وبنته أعظم من أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولو لم يكن هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف إذا كان هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أحب إليهم من أهليهم وأنفسهم فلا يستريب عاقل أن قريشاً وغير قريش كانت تدين لبني عبد مناف، وتعظمهم أعظم مما يعظمون بني تيم وعدي ؛ ولهذا لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتولى أبو بكر قيل لأبي قحافة "مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "، فقال: "حدث عظيم، فمن ولي بعده؟"قالوا: ابنك، قال: وهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع"( ).

فإذا كان المسلمون كلهم ليس فيهم من قال: إن فاطمة - رضي الله عنها-  مظلومة ، ولا أن لها حقاً عند أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما - ، ولا أنهما ظلماها ولا تكلم أحد في هذا بكلمة واحدة، دل ذلك على أن القوم كانوا يعلمون أنها ليست مظلومة، ولو علموا أنها مظلومة لكان تركهم لنصرتها إما عجزاً عن نصرتها وإما إهمالاً وإضاعة لحقها، وإما بغضاً لها، إذ الفعل الذي يقدر عليه الإنسان إذا أراده إرادة جازمة فعله لا محالة، فإذا لم يرده ـ مع قيام المقتضي لإرادته ـ فإما أن يكون جاهلاً به أو له معارض يمنعه من إرادته، فلو كانت مظلومة مع شرفها وشرف قبيلتها وأقاربها وأن أباها أفضل الخلق وأحبهم إلى أمته وهم يعلمون أنها مظلومة، لكانوا إما عاجزين عن نصرتها، وإما أن يكون لهم معارض عارض إرادة النصر من بغضها، وكلا الأمرين باطلاً فإن القوم ما كانوا كلهم عاجزين أن يتكلم واحد منهم بكلمة حق وهم كانوا أقدر على تغيير ما هو أعظم من هذا، وأبو بكر – رضي الله عنه - لم يكن ممتنعاً من سماع كلام أحد منهم ولا هو معروفاً بالظلم والجبروت واتفاق هؤلاء كلهم مع توفر دواعيهم على بغض فاطمة – رضي الله عنها - مع قيام الأسباب الموجبة لمحبتها مما يعلم بالضرورة امتناعه"( ).

فلا استقامة لطعن الشيعة على عائشة - رضي الله عنها - بمن خرج معها من الصحابة إلى البصرة ، وأن دعواهم أن ذلك العدد من الصحابة الذي يذكرونه أنهم نصروا عائشة- رضي الله عنها -  على حرب علي - رضي الله عنه - ولم ينصروا ابنته- رضي الله عنها -  على طلب حقها كل ذلك كذب وتمحل ، فعائشة ومن معها لم يخرجوا لحرب علي- رضي الله عنه -  وقتاله كما يزعم ذلك الشيعة ، وإنما كان خروج عائشة - رضي الله عنها - ومن معها لقصد الإصلاح بإقامة حد القصاص على قتلة عثمان- رضي الله عنه - ، فهم – ويلا العجب -  يستدلون بأدلة هي حجة عليهم فعندما يقولون : "إن عشرات الآلاف كانوا مناصرين لها ولم ينصروا فاطمة لما طلبت حقها ولم يتكلم أحد منهم ولا بكلمة واحدة" ، فهذا من أكبر الأدلة على أنها لم تهضم ولم تظلم مثقال حبة من خردل، وما يذكره الشيعة من أنها ظلمت من قبل الصديق أو الفاروق - رضي الله عنهما - كله من القول بالباطل الذي لا صحة له ولا ثبوت بحال من الأحوال، ويكفينا هنا في هذا المبحث ما تقدم ذكره من مطاعنهم في أم المؤمنين ليعرف القاريء منزلة أم المؤمنين وحبيبة رسول رب العالمين عند الشيعة ، وهي مطاعن كلها أكاذيب مختلقة وتقول عليها بما لم يثبت عليها أو يصدر منها رضي الله عنها وأرضاها( ).



المبحث الخامس

شبهة منع عائشة ( أم المؤمنين )لدفن الحسن (رضي الله عنه)

قرب قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

    يقول أحد المتشيعين ، ويقول القوم بقوله :(( وإذا كانت فاطمة الزهراء هي التي أوصت بدفنها سراً فلم تدفن بالقرب من قبر أبيها كما ذكرت فما بال ما حصل مع جثمان ولدها الحسن لم يدفن قرب قبر جده؟! حيث منعت هذا ( أم المؤمنين ) عائشة وقد فعلت ذلك عندما جاء الحسين بأخيه الحسن ليدفنه إلى جانب جدّه رسول الله، فركبت عائشة بغلة وخرجت تنادي وتقول: لا تدفنوا في بيتي من لا أحب. واصطف بنو أمية وبنو هاشم للحرب ولكنّ الإمام الحسين قال لها: بأنه سيطوف بأخيه على قبر جدّه ثم يدفنه في البقيع لأن الإمام الحسن أوصاه أن لا يهرقوا من أجله ولو محجمة من دم. وقال لها ابن عباس أبياتاً مشهورة:تجمّلت تبغلت ولو عشت تفيّلت لك التسع من الثمن وبالكل تصرفت )) ( ).

والرد على هذه الشبهة:

1- أين مصدر هذه الأقوال وما مدى صحتها؟ فإن كانت عند هذا الطاعن الجرأة فلْيُرنا من أين استقى هذه الكلام ، وإلا فباستطاعة أي أحد أن يتقول على خير الناس ما يشاء من الهذيان!

قال ابن المبارك : الإسناد عندي من الدين،. لولا الإسناد لذهب الدين ولقال من شاء ما شاء.

ولذلك لما فقدت الأمم الأخرى هذه الوسيلة العظمى امتلأ تاريخها بالسخافات و الخرافات ، و لا نذهب بالقراء بعيدا ، فهذه كتبهم التي يسمونها بالكتب المقدسة ، اختلط فيها الحامل بالنابل ، فلا يستطيعون تمييز الصحيح من الضعيف مما فيها من الشرائع المنزلة على أنبيائهم ، و لا معرفة شيء من تاريخ حياتهم ، أبد الدهر ، فهم لا يزالون في ضلالهم يعمهون ، و في دياجير الظلام يتيهون !

فهل يريد منا أولئك الناس أن نستسلم لكل ما يقال : إنه من التاريخ الإسلامي . و لو أنكره العلماء ، و لو لم يرد له ذكر إلا في كتب العجائز من الرجال و النساء ؟ ! و أن نكفر بهذه المزية التي هي من أعلى و أغلى ما تميز به تاريخ الإسلام ؟ ! و أنا أعتقد أن بعضهم لا تخفى عليه المزية و لا يمكنه أن يكون طالب علم بله عالما دونها ، و لكنه يتجاهلها و يغض النظر عنها سترا لجهله بما لم يصح منه ، فيتظاهر بالغيرة على التاريخ الإسلامي ، و يبالغ في الإنكار على من يعرف المسلمين ببعض ما لم يصح منه ، بطرا للحق ، و غمصا للناس . و الله المستعان ( ).

2- الغريب أن الوارد  في كتب التاريخ والأثر عكس ما ورد في هذه الشبهة ، حيث ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب ، ونقل عنه الذهبي في تاريخه قال : وروينا من وجوه أن الحسن بن علي لما حضرته الوفاة ، قال للحسين أخيه:  يا أخي إن أبانا - رحمه الله تعالى - لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- استشرف لهذا الأمر ورجا أن يكون صاحبه فصرفه الله عنه، ووليها أبو بكر فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوف لها أيضاً ، فصرفت عنه إلى عمر فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم فلم يشك أنها لا تعدوه ، فصرفت عنه إلى عثمان فلما هلك عثمان بويع ، ثم نوزع حتى جرد السيف وطلبها فما صفا له شي منها ، وإني - والله - ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة ، فلا أعرفن ما استخفك سفهاء أهل الكوفه فأخرجوك.

وقد كنت طلبت إلى عائشة إذا مت أن تأذن لي فأدفن في بيتها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فقالت: نعم .وإني لا أدري لعلها كان ذلك منها حياء ، فإذا أنا مت فاطلب ذلك إليها فإن طابت نفسها فادفني في بيتها - وما أظن القوم إلا سيمنعونك إذا أردت ذلك-، فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك ،وادفني في بقيع الغرقد ؛ فإن فيمن فيه أسوة.

فلما مات الحسن أتى الحسين عائشة ، فطلب ذلك إليها ، فقالت : نعم وكرامة ،فبلغ ذلك مروان فقال مروان كذب وكذبت - والله - لا يدفن هناك أبداً منعوا عثمان من دفنه في المقبرة يريدون دفن الحسن في بيت عائشة !.

فبلغ ذلك الحسين فدخل هو ومن معه في السلاح ، فبلغ ذلك مروان فاستلأم في الحديد أيضاً ، فبلغ ذلك أبا هريرة ، فقال: - والله-  ما هو إلا ظلم يمنع الحسن أن يدفن مع أبيه - والله - إنه لابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم انطلق إلى الحسين فكلمه وناشده الله، وقال له: أليس قد قال أخوك إن خفت أن يكون قتال فردوني إلى مقبرة المسلمين ؟.

فلم يزل به حتى فعل وحمله إلى البقيع ، فلم يشهده يومئذ من بني أمية إلا سعيد بن العاص ، وكان يومئذ أميراً على المدينة ،فقدمه الحسين للصلاة عليه ،وقال : هي السنة ( ).

فانظر أخي القارئ إلى الحق الواضح وكيف يحيف هؤلاء الطاعنون عن ذلك ،ثم يدعون الإنصاف والعقلانية ولا حول ولا قوة إلا بالله.

3 - أعداء الحسن بن عليّ - رضي الله عنهما-  الحقيقيون هم الذين يزعمون أنهم له شيعة، وهم من أرذل الناس وأفسدهم وذلك باعتراف الشيعة الاثني عشرية أنفسهم، فيروي أبو منصور الطبرسي  من أئمتهم  عن الحسن بن علي - رضي الله عنه - واصفاً شيعته الأفذاذ! بعد أن طعنوه ، قال : عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ – عليه السلام-بِالْمَدَائِنِ أَتَيْتُهُ وَهُوَ مُتَوَجِّعٌ فَقُلْتُ :مَا تَرَى يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَإِنَّ النَّاسَ مُتَحَيِّرُونَ؟ فَقَالَ: ((أَرَى - وَاللَّهِ - أَنَّ مُعَاوِيَةَ خَيْرٌ لِي مِنْ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لِي شِيعَةٌ ابْتَغَوْا قَتْلِي وَانْتَهَبُوا ثَقَلِي وَأَخَذُوا مَالِي ، - وَاللَّهِ - لَئِنْ آخُذُ مِنْ مُعَاوِيَةَ عَهْداً أَحْقِنُ بِهِ دَمِي وَأُومَنُ بِهِ فِي أَهْلِي خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَقْتُلُونِي فَتَضِيعَ أَهْلُ بَيْتِي وَأَهْلِي ، – وَاللَّهِ- لَوْ قَاتَلْتُ مُعَاوِيَةَ لَأَخَذُوا بِعُنُقِي حَتَّى يَدْفَعُونِي إِلَيْهِ سِلْماً ، -وَاللَّهِ - لَئِنْ أُسَالِمَهُ وَأَنَا عَزِيزٌ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَقْتُلَنِي وَأَنَا أَسِيرٌ أَوْ يَمُنَّ عَلَيَّ فَيَكُونَ سُنَّةً عَلَى بَنِي هَاشِمٍ آخِرَ الدَّهْرِ))( ). 

فهؤلاء هم أعداء الحسن بن عليّ  - رضي الله عنه -وليس عائشة- رضي الله عنها.

4 - أما ادعاؤه على ابن عباس  - رضي الله عنهما - أنه قال عن أم المؤمنين بيتين من الشعر، فمع ركاكة هذين البيتين فينقضهما ما قاله في حقها عند وفاتها – وهذا ما سبق أن بيناه - عند حديثنا عن وفاتها( ).

وفي مناقشته للخوارج الذين قاتلهم علي ابن أبي طالب- رضي الله عنه - احتج عليهم بقوله (( قلت:  أي ابن عباس  وأما قولكم قاتل ، ولم يسب ، ولم يغنم ، أفتسبون أمَّكُمْ عائشة ، تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ، وهي أمُّكُمْ ؟ ، فإن قلتم : إنا نستحلّ منها ما نستحلّ من غيرها ، فقد كفرتم ، وإن قلتم : ليست بأمِّنا فقد كفرتم ؛لأن الله – تعالى-  يقول :{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } (سورة الأحزاب / 6) ، فأنتم بين ضلالتين ، فأتوا منها بمخرج ! ، أَفَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ ؟ ، قَالُوا : نَعَمْ ( ).



الفصل الرابع

عائشة – رضي الله عنها –

وعلي وفاطمة – عليهما السلام -

والأئمـــة

المبحث الأول

عائشة وفاطمة – رضي الله عنهما-

أولاً : نبدأ هذا المبحث بحديث عَائِشَةَ، وَفَاطِمَةَ -عَلَيْهَما السَّلاَمُ – [المتفق عليه] عَنْ عَائِشَةَ -أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ- ،قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا، أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عِنْدَهُ جَمِيعًا لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- تَمْشِي، لاَ، -وَاللهِ - مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مَشْيَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ فَقُلْتُ لَهَا، أَنَا مِنْ بَيْنَ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِرَّهُ فَلَمَّا تُوُفِيَ قُلْتَ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ، بَمَا لِي عَلَيْكِ مَنَ الْحَقِّ، لَمَّا أَخْبَرْتِنِي قَالَتْ: أَمَّا الآنَ، فَنَعَمْ فَأَخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأَمْرِ الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي: أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ، الْعَامَ، مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أَرَى الأَجَلَ إِلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: يَا فَاطِمَةُ أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هذِهِ الأُمَّةِ.( )

لقد آثرت الابتداء بهذا الحديث لأسباب :-

منها : أن الحديث المتفق عليه هو أعلى مراتب الحديث عند أهل السنة والجماعة .

ومنها : أن رواي الحديث هو عائشة – رضي الله عنها – والحديث فضيلة من فضائل                                                                                          فاطمة الزهراء – عليها السلام -  فكيف تروي لها الفضائل ، وهي مبغضة لها عند القوم ؟!.

ومنها : أن الحديث في آخر أيام النبي – صلى الله عليه وسلم – كما هو جلي من متن الحديث .

ومنها : أن عائشة – رضي الله عنها – سألت فاطمة – عليها السلام – بما لها من حق عليها أن تخبرها بالسر الذي سارَّها به النبي – صلى الله عليه وسلم – فاستجابت ،ولو كان بينهما- رضي الله عنهما - ما يحب القوم أن ينشئوه لقالت لا حق لك عندي ، أو لمتنعت أن تفشي ما لديها  خاصة وهو أمر يخصها و أباهاه – صلى الله عليه وسلم - .

ومنها : أن مطالبة عائشة لفاطمة – عليهما السلام – كانت بعد وفاه النبي – صلى الله عليه وسلم – أي في الفترة التي يدندن حولها القوم في إشعال فتيل العداوة ونار الفرقة والتشرذم  في الوقت الذي يصرخون فيه بأنهم طلاب وحدة ، وكلمة التوحيد مقدمة على  توحيد الكلمة  لو كانوا يعلمون !. 

ومنها : أن عائشة – رضي الله عنها - تقول  واصفة فاطمة – عليها السلام -  في رواية أخرى عند الترمذي :"إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَعْقَلِ نِسَائِنَا"( )، فهل من يشهد هذه الشهادة مبغض ؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم .

ومنها : أن الشيعة ينقلون هذا الحديث  ويحتجون به  ، ومنهم الإربلي( ) في [كشف الغمة]، وهو من كبار علمائهم أورد للحديث روايتين ونسب الروايتين إلى السيدة عائشة بل نقل الرواية وترضى عنها ، ولم يفعل كالكثير منهم أنهم يحذفون الترضي حتى ولو نقلوا( )، وكذا ذكر نفس الرواية ونسبها إلى السيدة عائشة محمد بن سليمان الكوفي القاضي من أعلام القرن الثالث ، في كتابه مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام – ( ).

ثانياً : يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة : وقد ثبت في الصحيح أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة ؛ لما يعلمون من حبه إياها حتى أن نساءه غرن من ذلك وأرسلن إليه فاطمة - رضي الله عنها-  فقلن له نسألك العدل في ابنة أبي قحافة فقال لفاطمة : "أي بنية ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى .قال :فأحبى هذه! .......الحديث وهو في الصحيحين( ).

 ثالثاً: روى أبو يعلى والبزار بسند حسن قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي،فقال: ما يبكيك ؟ قلت: سبتني فاطمة، فقال: يا فاطمة، أسببت عائشة ؟ قالت: نعم، يا رسول الله، قال: أليس تحبين ما أحب ؟ قالت بلى، قال: وتبغضين ما أبعض ؟ قالت بلى ! قال: فإني أحب عائشة: فأحبيها، قالت فاطمة: لا أقول لعائشة شيئا يؤذيها أبداً.

فهل بعد ذلك يبقى للمشاغبين شغب ؟ !. 

 رابعاً : ذكر الإربلي( ) في [كشف الغمة] قال : عن جميع بن عمير عن عمته قالت : سألت عائشة – رضي الله عنها – من كان أحب الناس إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله؟ فقالت : فاطمة – عليها السلام - ، قلت : إنما أسألك عن الرجال ؟ قالت : زوجها ، وما يمنعه – فوالله – إن كان ما علمت صوماً قواماً جديراً أن يقول بما يحب ويرضى( ).

فما رأي الشيعة بعد هذه الشهادة الكريمة من أمنا لفاطمة وعلي – عليهما السلام – التي يوردها عالم من كبار علمائهم بل يقول عنه الخوانساري:" كان من أكابر محدثي الشيعة، وأعاظم علماء المائة السابعة.. واتفق جميع الإمامية على أن علي بن عيسى من عظمائهم، والأوحدي  النحرير، من جملة علمائهم، لا يشق غباره، وهو المعتمد المأمون في النقل"( ).

خامساً :  قال ابن القيم - في مبحث التفضيل بين عائشة وفاطمة : -

فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم ، فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز وجل : فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص ؛ لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة .

وإن أريد بالتفضيل التفضيل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدّت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها .

وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب : فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير أخواتها .

وإن أريد السيادة : ففاطمة سيدة نساء الأمة .

وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل .

وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يُفصِّل جهات الفضل ولم يوازن بينهما فيبخس الحق، وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضِّله تكلم بالجهل والظلم ( ). 

مسألة - ما سن عائشة وفاطمة - رضي الله عنهما - وكم عاشت كل واحدة منهما بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم  - ؟ وأيهما أفضل؟.

الجواب - أما عائشة - رضي الله عنها- فسنها بضع وستون فإن النبي - صلى الله عليه وسلم-  تزوجها قبل الهجرة بسنتين ، وقيل بسنة ونصف ، وقيل بثلاث سنين ، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة ، وماتت سنة سبع وخمسين ، وقيل سنة ثمان وخمسين. 

وأما فاطمة - رضي الله عنها - فقال الذهبي الصحيح أن عمرها أربع وعشرون سنة ، وقيل إحدى وعشرون ، وقيل ست وعشرون ، وقيل سبع وعشرون ، وقيل ثمان وعشرون ، وقيل تسع وعشرون ، وقيل ثلاثون ، وقيل ثلاث وثلاثون ، وقيل خمس وثلاثون ، وعاشت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة أشهر على الصحيح ، وقيل ثمانية أشهر ، وقيل ثلاثة أشهر ، وقيل شهران. 

وأما أيهما أفضل فثلاثة مذاهب أصحها أن - فاطمة رضي الله عنها – أفضل( ).

   ( سُئِلَ ) الرملي [شافعي]  : هَلْ الْأَفْضَلُ فِي نِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةُ أَمْ خَدِيجَةُ وَهَلْ الْأَفْضَلُ خَدِيجَةُ أَمْ فَاطِمَةُ ؟ 

( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ نِسَائِهِ سَيِّدَتُنَا خَدِيجَةُ ثُمَّ عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهَا بَضْعَةٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ لَا أُفَضِّلُ عَلَى بَضْعَةٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا( ) . 



المبحث الثاني

عائشة وعلي – رضي الله عنهما –

أصيبت أم المؤمنين عائشة  - رضي الله عنها - بجرح في كتفها، من أثر السهام التي أُطلقت علي الجمل لإسقاطه، باعتباره راية جيش مكة، التي التف حولها مقاتلوه، فلما انتهت الموقعة، حُملت - رضي الله عنها-  إلي دار عبد الله بن خلف الخزاعي بالبصرة، ولما فرغ علي – رضي الله عنه -  من الصلاة علي القتلى من الفريقين ودفنهم، توجه مباشرة إلي دار الخزاعي للاطمئنان علي زوج رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، فاستأذن عليها وهي مستترة، فقال: السلام عليك يا أماه. قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. قال: كيف أنت؟ 

قالت: بخير والحمد لله. قال: يغفر الله لكِ. قالت: ولك( ). ثم استأذن منصرفاً بعد هذه الكلمات الهادئة، التي لا تحمل سوي عطر التآخي في الله، وتأدب أمير المؤمنين - رضي الله عنه، وكرّم وجهه -مع أمه، بمقتضي قوله – تعالي-: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }[ الأحزاب:6].  

غير أن هذا الأدب الراقي ما توافر لكثيرين، ممن لم يستقوا من معين النبوة وفيض المنهج الرباني القويم، فبينما كان علي - رضي الله عنها-  يتحرك مبتعداً عن الدار، إذ به يسمع رجلين من شيعته من أهل الكوفة يرفعان عقيرتيهما، ليسمعهما من في الدار، فقال أولهما: جُزيت عنا أمنا عقوقاً! وقال الآخر: يا أمنا توبي لقد خطئت! فالتفت علي إلي القعقاع ابن عمرو، وأمره بأن ينزل عقوبة علي من تطاول علي زوج رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أم المؤمنين، الصدّيقة المطهرة، فقام القعقاع بضرب كل منهما مائة سوط.

O أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- يردّ عائشة إلى مأمنها معززة مكرمة: ثم تعافت عائشة – رضي الله عنها - ، فجهز لها علي موكباً حافلا، ليعيدها وأتباعها إلي المدينة معززة مكرمة، وخرج معها ابن أختها عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما - وقد تماثل للشفاء. وفي غرة رجب من سنة ست وثلاثين هجرية، خرج أمير المؤمنين وولداه الحسن والحسين- رضي الله عنهم - وأهل البصرة جميعاً، يودعون موكب أم المؤمنين وهم مترجلون إجلالاً لها، فنظرت عائشة- رضي الله عنها - من خلف ستر هودجها، وبدأت تخطب في القوم، بعد أن حمدت الله وصلت علي رسوله، ودعت لأهل البصرة، ودعوا لها ثم قالت: «يا بني لقد تعتّب بعضنا علي بعض استبطاء واستزادة ـ تريد أن سبب الخلاف بين الصحابة، هو أن البعض استبطأ الثأر من قتلة عثمان، والبعض استزاد المهلة حتى تتم البيعة ـ فلا يعتدن أحد منكم علي أحد بشيء بلغه من ذلك، - والله - إن علياً عندي علي معتبتي لمن الأخيار». فقال علي: «يا أيها الناس صدقت أمكم - والله - وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة»( ).

وهكذا كان اللقاء الأخير بين علي وعائشة - رضي الله عنهما وأرضاهما - لقاء ندياً يحمل طيب التآلف العلوي، الذي لا يعرفه ولا يدرك كنهه إلا من خلصت قلوبهم لله، وأما من تمتلئ نفوسهم حقداً علي الإسلام والمسلمين، فلا يمكنهم إدراك هذه الذرى الشامخة، وقد كان هذا اللقاء الندي كفيلاً بأن يفقد ابن سبأ وأتباعه صوابهم، فبدأت ملامح اضطراب نفسي تفصح عن مكنونات الصدور، وتؤكد أن الشيعة قد اختلطت بهم عناصر التآمر منذ قتل عثمان – رضي الله عنه - ، وجاءت اليوم لتكمل إشعال نار الفتنة بين المسلمين وما زالت.

بتلك المعاملة الكريمة من أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- نراه قد اتبع ما أوصاه به نبي الأمة -صلى الله عليه وسلم- عندما قال له: « إِنَّهُ سَيَكُونُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَائِشَةَ شَيْءٌ " قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: أَنَا مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: فَأَنَا أَشْقَاهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ , قَالَ: " لَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَأَبْلِغْهَا إِلَى مَأْمَنَهَا "»( ). وقد خالف الصواب من ظن أن خروج أم المؤمنين إلى البصرة كان لشيء في نفسها من علي -رضي الله عنه- لموقفه منها في حديث الإفك حين رماها المنافقون بالفاحشة فاستشاره النبي -صلى الله عليه وسلم- في فراقها. فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك( ). وهذا الكلام الذي قاله علي-رضي الله عنه-  إنما حمله عليه ترجيح جانب النبي -صلى الله عليه وسلم -، لِما رأى عنده من القلق والغم بسبب القول الذي قيل، وكان شديد الغيرة، فرأى علي أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها، فيمكن رجعتها، ويُستفاد منه ارتكاب أخف الضررين لذهاب أشدها( ).

 وقال النووي: رأى علي -رضي الله عنه- أن ذلك هو  المصلحة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -، واعتقد ذلك لما رأى من انزعاجه، فبذل جهده في النصيحة، لإرادة راحة خاطره صلى الله عليه وسلم( ). وعلي -رضي الله عنه- لم ينل عائشة - رضي الله عنها - بأدنى كلمة يفهم منها أنه قد عرض بأخلاقها أو تناولها بسوء، فإنه على الرغم من قوله للنبي - صلى الله عليه وسلم- : لم يضيق الله عليك( )، إلاّ أنه عاد فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناصحًا: وسلِ الجارية تصدقك( ). فهو قد دعاه إلى التحري أولاً قبل أن يفارقها، أي أنه قد رجع عن نصيحته الأولى بالمفارقة إلى نصيحة أخرى بسؤال الجارية، وتحري الحقيقة( )، وقد سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجارية التي كانت أكثر التصاقًا بعائشة، فأكدت أنها ما علمت من أمر عائشة- رضي الله عنها -  إلاّ خيرًا، وقد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يومه الذي سأل فيه الجارية، واستعذر من عبد الله بن أبي قائلاً: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي، - فوالله - ما علمت على أهلي إلاّ خيرًا( ). لقد كانت نصيحة علي -رضي الله عنه- في صالح عائشة- رضي الله عنها - ، فقد ازداد - صلى الله عليه وسلم - قناعة بما علم من خير في أهله( ). 

ولم يكن موقف علي-رضي الله عنه-  في حادثة الإفك هو الذي جعل عائشة-رضي الله عنها-  تغضب منه-رضي الله عنه-  لأجله، أو تحقد الحقد الذي يجعلها تتهمه زورًا بقتل عثمان-رضي الله عنه- ، وتخرج عليه مؤلبة الأعداد الهائلة من المسلمين، كما زعم كثير من الباحثين ممن تورط في روايات الشيعة الرافضة التي لفقوها ووضعوها.

O ندمهم على ما حصل منهم:

 قال ابن تيمية – رحمه الله - :..وهكذا عامة السابقين، ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزّبير وعليّ وغيرهم، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في القتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم( ).

أ‌- فأمير المؤمنين علي ورد عنه عندما نظر وقد أخذت السيوف مأخذها من الرجال، أنه قال: لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة( ).

ب‌- وروى نعيم بن حماد، بسنده إلى الحسن بن علي، أنه قال لسليمان بن صرد: لقد رأيت عليًا حين اشتد القتال وهو يلوذ بي، ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة( ).

جـ- وعن الحسن بن علي قال: أراد أمير المؤمنين علي أمرًا، فتتابعت الأمور، فلم يجد منزعًا( ).

د- وعن سليمان بن صرد، عن الحسن بن علي أنه سمع عليًا يقول – حين نظر إلى السيوف قد أخذت القوم-: يا حسن، أكل هذا فينا؟ ليتني مت قبل هذا بعشرين أو أربعين سنة( ).

هـ- وأما عائشة: فقد ورد عنها أنها كانت تقول حين تذكر وقعة الجمل: وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي، وكان أحب إليّ أن أكون ولدت من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر، كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومثل عبد الله بن الزبير( ).

و- وكانت إذا قرأت قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب:33] تبكي حتى تبل خمارها( ).

ز- قالت عائشة: وددت أن لو كان لي عشرون ولدًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  وكلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأني ثكلتهم، ولم يكن ما كان مني يوم الجمل( ).

حـ- قال ابن تيمية- رحمه الله -: فإن عائشة لم تقاتل، ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنّت أنّ خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أنّ ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبلّ خمارها، وهكذا عامّة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزبير وعليّ وغيرهم، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في القتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم( ).

ط- قال الذهبي: ولا ريب أن عائشة ندمت ندمة كلية على مسيرها إلى البصرة، وحضورها يوم الجمل، وما ظّنت أن الأمر يبلغ ما بلغ( ).

O وأخيراً:

بقي ما أوردناه في هذا البحث عند حديثنا عن شدة ورعها ..وتواضعها، وكيف أنها تحيل الاستفسارات إلى علي – رضي الله عنه – فإذا جاءت الإجابات صادقت عليها ، وصدقتها( ).



المبحث الثالث

عائشة – رضي الله عنها – والأئمة

الواجب علينا أن نتولى جميع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا سيما السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وكذلك الذين اتبعوهم بإحسان، ونعرف فضلهم ومناقبهم ودرجاتهم كما ذكر الله - عز وجل-  في كتابه، وما جاء في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وأن نمسك عما شجر بينهم في تلك الأزمنة.

وأن نعلم أن ما وقع بينهم بعد مقتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -  من فتنة فمرجعه إلى تأويل واجتهاد، إذ كان كل واحد منهم يظن أنه على الحق دون غيره، مثلما كان يقول الإمام علي - عليه السلام - لأهل حربه: (إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنّا على الحق ورأوا أنهم على الحق)( ).

وعلينا أن نقتدي ونهتدي بهدي الأئمة الأطهار - عليهم السلام - فلا نلعن ولا نسب أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لنكون ممن قال الله – تعالى- فيهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10].

قال الشيخ محمد باقر الناصري:

{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} يعني من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة{يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} أي يدعون ويستغفرون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ} أي حقداً وغشاً وعداوة للمؤمنين، ولا إشكال أن من أبغض مؤمنا، وأراد به السوء لأجل إيمانه فهو كافر، وإذا كان لغير ذلك فهو فاسق( ).

وقال أيضاً في تفسير قوله – تعالى-  : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} أي: فريقان من المؤمنين قاتل أحدهما الآخر، {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} وابذلوا الوسع في إصلاحهما، {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} بأن طلبت ما لا يحق لها، وقاتلت ظالمة معتدية، فانصروا الفئة المظلومة {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} لأنها ظالمة، {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} حتى ترجع إلى طاعة الله وتترك البغي والظلم، فإن رجعت وتابت فعودوا لإجراء الصلح بينهما، {بِالْعَدْلِ} دون ميل أو جور {وَأَقْسِطُوا} أي: اعدلوا، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} في الدين فأصلحوا بين الفريقين وأعينوا المظلوم وادفعوا الظالم عن ظلمه( ).

وقال الشيخ محمد السبزواري النجفي:

ولله در الإمام العابد الزاهد زين العابدين - عليه السلام - حين سنّ لنا منهجاً مباركاً يسير عليه أحبابه وشيعته، وذلك لما قدم إليه نفر من أهل العراق، فخاضوا في أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - ، فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم: (ألا تخبروني، أنتم من الذين قال الله فيهم {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8]؟ .

قالوا: لا.

قال: فأنتم من الذين قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]؟ .

قالوا: لا.

قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]، اخرُجُوا عني، فعل الله بكم (1).

ولنتذكر قول المولى –سبحانه -: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134]( ). 

من تسمى من بنات الأئمة بعائشة - رضي الله عنها- :

عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ والملاحظ أن هناك من أهل البيت ولد له بنين وبنت واحدة فسمى البنت عائشة. تُرى لماذا هذه الرغبة الشديدة في التسمية باسم عائشة - رضوان الله عليها - ؟!!.

فليجب علماء الشيعة الإمامية إن كان لديهم جواب !!

والله يلهمنا الصواب.

وممن اسمهن عائشة:

عائشة بنت موسى الكاظم بن جعفر الصادق: هي من بنات موسى الكاظم وذكر ذلك الكثير من علماء الشيعة أنفسهم بما فيهم الشيخ المفيد نفسه في الإرشاد( )، وعمدة الطالب لابن عنبه( )، والأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري (2).

ونصه من الإرشاد للمفيد : وكانَ لأبي الحسن موسى - عليه السلامُ - سَبْعَةٌ وثلاثونَ وَلَداً ذَكَراً وأنثى مِنْهم : عليُّ بن موسى الرضا - عليهما السلامُ - ، وابراهيمُ ، والعباسُ ،والقاسمُ ، لأمهاتِ أَولادٍ .

 وإسماعيلُ ، وجعفرُ، وهارونُ ، والحسينُ ، لأمّ ولدٍ .

 وأَحمدُ ، ومحمدُ ، وحمزةُ ، لأمّ ولدٍ .

وعبدُ اللّهِ ، وإسحاقُ ، وعُبَيْدُ الله ، وزيد، والحسنُ ، والفضلُ ،وسليمانُ ، لأمَّهاتِ أَولادٍ .

 وفاطمةُ الكبرى، وفاطمةُ الصغرى، ورُقَيّةُ، وحَكيمةُ، وأُمّ أَبيها،ورُقيّةُ الصُغرى، وكلثم، وأمّ جعفرٍ ، ولُبابَةُ ، وزينبُ ، وخديجةُ ، وعُلَيّةُ ،وآمِنة ، وحَسَنَةُ،وبريهةُ ،  وعائشةُ ، وأُمُّ سلمة ، وميمونةُ ، وأُمُّ كلثوم ، لأمّهات أَولادٍ( ) .

ودليل شدة محبة أهل البيت لأم المؤمنين عائشة أن موسى الكاظم له من الولد سبعه وثلاثون ذكراً وأنثى منهن من سماها عائشة ، فهل يسمي الإنسان أبنائه بأسماء أعدائه أو مبغضيه ؟!.

قال نعمة الله : (( وأما عدد أولاده فهم سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى: الإمام علي الرضا و... و ... و ... وعائشة )) ( ).

وإن كان هناك خلاف في عدد أولاده لكن الذي لا خلاف فيه أن له ابنة اسمها: عائشة، قال أبو نصر البخاري (( ولد موسى من ثمانية عشر ابناً واثنتين وعشرين بنتاً)) ( ).

وأورد التستري في تواريخ النبي والآل سبع عشرة بنتاً هًن (( فاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى ورقية ورقية الصغرى وحكيمة وأم أبيها وأم كلثوم وأم سلمة وأم جعفر ولبانة وعلية وآمنة وحسنة وبريهة وعائشة وزينب وخديجة )) ( ).

عائشة بنت جعفر بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق:

قال العمري في المجدي: (( ولد جعفر بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق يقال له الخواري، وهو لأم ولد ثماني نسوة وهي: حسنة وعباسة و عائشة وفاطمة الكبرى وفاطمة ( أي الصغرى ) وأسماء وزينب وأم جعفر... ))( ).

 عائشة بنت علي الرضا بن موسى الكاظم:

ذكرها ابن الخشاب في كتابه مواليد أهل البيت قال: ولد الرضا خمسة بنين وابنة واحدة هم محمد القانع والحسن وجعفر وإبراهيم والحسين، والبنت اسمها عائشة( ). 

عائشة بنت علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا:

ذكرها الشيخ المفيد في الإرشاد ،قال: (( وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه هو الإمام من بعده والحسين ومحمد وجعفر وابنته عائشة... ))( ).

يقول إحسان إلهي ظهير– رحمه الله -  في سفره الموسوم بـ ( الشيعة وأهل البيت ) : "وأما الأصفهاني فيقول: إن ابنه علي - الإمام الثامن عندهم - كان يكنى بأبي بكر، ويروى عن عيسى بن مهران عن أبي الصلت الهروي أنه قال: سألني المأمون يوماً عن مسألة، فقلت: قال فيها أبو بكرنا، قال عيسى بن مهران: قلت لأبي الصلت: من أبو بكركم؟ فقال: علي بن موسى الرضا كان يكنى بها وأمه أم ولد" ( ).

والجدير بالذكر أن موسى الكاظم هذا سمى أحد بناته أيضاً باسم بنت الصديق، الصديقة عائشة كما ذكر المفيد تحت عنوان "ذكر عدد أولاد موسى بن جعفر وطرف من أخبارهم".

وكان لأبي الحسن موسى عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى منهم علي بن موسى الرضا عليهما السلام …… وفاطمة …… وعائشة وأم سلمة"( ) 

كما سمى جده علي بن الحسين إحدى بناته، عائشة"( ) 

وأيضاً - الإمام العاشر المعصوم حسب زعمهم - علي بن محمد الهادي أبو الحسن سمى أحد بناته بعائشة، يقول المفيد: وتوفي أبو الحسن - عليهما السلام - في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن في داره بسرّ من رأى، وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه …. وابنته عائشة" ( ). 

   خلاصة البحث

بعد طول تأمل في مجريات هذا البحث ظهر لي الآتي:-

أولاً: إن ما يجري على الساحة ، وإن لم يكن وليد اليوم غير أنه ليس بمعزل عن بعضه البعض ، فليس صدفة أن يتكالب أعداء الإسلام على هذا الدين ، وأن يرمونه عن قوس واحدة، في الوقت الذي تظهر فيه نعرة العداوة وسموم الحقد تجاه أعز من نحب ، وأحب من نوالي في الله ونعادي في الله ، وهم الصحابة الكرام ، لاسيما أمهات المؤمنين ، وخاصة أمنا عائشة - رضي الله عنها وأرضها -، فكل ذلك يلضمه خيط واحد وإن تعدد عقيقه ، ويجمعه هدف واحد وإن تعددت وسائله .

ثانياً : قد جرب معنا أعداؤنا وسائل لا تخفى ، وتدرجوا معنا في العداوة ، فبدأً من محاولاتهم لتحريف القرآن الكريم عن طريق إخراج طبعات فيها تحريف متعمد ضبطت ، أو فرقان الكذب والافتراء فكسدوا ، لذا انتقلوا إلى محاولة الطعن في السنة ففشلوا ، فحاولوا الطعن في الأتباع فخسروا ، جردوا عند ذلك السيف والسنان فهزائمهم بادية ، استخدموا السب والشتم  فنهضت لسبهم الأمة ، تلونوا واستخدموا الطابور الخامس – إن صح التعبير ، وتعاونوا مع العلمانيين والحداثيين والمبتدعة من الشيعة ومن لف لفهم ، ونبشرهم بأنهم جميعاً سيلحق بعضهم بعضاً ، وإن كان اعتمادهم على الشيعة ليس وليد اليوم ؛ فالشيعة من قديم مطية لكل راكب ، وموطيء لكل من كان في هدم الإسلام راغب  ، غير أنهم اليوم في حاجة ماسة إليهم بعدما تقوضت أركان مكرهم ، وبدت – بفضل الله – هزائمهم على جميع الأصعدة  والأعمدة  ، قال – تعالى - {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} (26) سورة النحل.

ثالثاً : لقد أعد النبي -صلى الله عليه وسلم-  عائشة – رضي الله عنها - لتكون خير مصدر يرجع إليه المسلمون من بعده. كانت عائشة – رضي الله عنها - شابة لها من الذكاء والفطنة وقوة الذاكرة ما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يطمئن على الكثير مما سيتركه لديها من تراث عظيم.

لقد كان في نزول الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت عائشة – رضي الله عنها - دون غيرها من نسائه، إشارة لها بأن تتجه بكل كيانها إلى تفهم رسالة زوجها العظيمة، لتؤدي دورها في إرشاد المسلمين من بعده. فأخذ عنها المسلمون في عهد أبي بكر– رضي الله عنه - ، واستشارها العلماء والفقهاء في عهد عمر وعثمان وعلي ومعاوية– رضي الله عنهم - ، وبقيت حتى توفيت مرجعا للمسلمين في التعرف على أحكام دينهم ( ).

رابعاً :ما نحن فيه اليوم ابتلاء مثل ابتلاء الصحابة – رضوان الله عليهم – النصر فيه صبر ساعة والمولى يقول :  { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (35) سورة الأنبياء. {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (142) سورة آل عمران{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (31) سورة محمد

خامساً : ما جرى بين الصحابة– رضوان الله عليهم – غابت عنه سيوفنا ، فكان من المفترض أن نحفظ منه ألسنتنا ، ولكنا – والله – أكرهنا إكراهاً نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة .

فتنة عصمنا الله من والوقوع فيها بسيوفنا ألم يكن من المجدي لنا ولهم  أن نعصم منها أقلامنا ؟ ولكن هيهات فالقوم يأبون علينا ذلك ، ويريدون أن يوردوا أنفسهم وغيرهم بسببها في المهالك ؛ فقد صنعوا لها مأتماً لا ينتهي حزنه ، وملطماً لا يجف مداد حقده  ، وأسسوا على ذلك مذهباً ، وشرَّعوا له تشريعاً ، ولو أنصفوا لكان السكوت أوسع لهم و أكرم .

  فقد سئل ابن المبارك – رحمه الله - عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة – رضوان الله عليهم - ، فقال : فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا - يعني في التحرز من الوقوع في الخطأ و الحكم على بعضهم بما لا يكون مصيباً فيه.

و سئل الحسن البصري – رجمه الله - عن قتالهم فقال : قتال شهده أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - و غبنا و علموا و جهلنا ، و اجتمعوا فاتبعنا ، و اختلفوا فوقفنا( ). 

يقول ابن عاشور : وأما ما جرى بين عائشة وعليّ من النزاع والقتال ، فإنما كان انتصاراً للحق في كلا رأيَي الجانبين وليس ذلك لغلّ أو تنقص ، فهو كضرب القاضي أحداً تأديباً له فوجب إمساك غيرهم من التحَزب لهم بعدهم فإنه وإن ساغ ذلك لآحادِهم لتكافئ درجاتهم أو تقاربها . والظنِّ بهم زوال الحزازات من قلوبهم بانقضاء تلك الحوادث ، لا يسوغ ذلك للأذناب من بعدهم الذين ليسوا منهم في عير ولا نفير ، وإنما هي مسحَة من حمية الجاهلية نَخرت عضد الأمة المحمدية ( ).

سادساً:إن ما حدث من جانب الصحابة - رضي الله عنهم - في هذه الفتنة يحمل على حسن النية و الاختلاف في التقدير و الاجتهاد ، كما يحمل على وقوع الخطأ و الإصابة ، و لكنهم على كل حال كانوا مجتهدين و هم لإخلاصهم في اجتهادهم مثابون عليه في حالتي الإصابة و الخطأ ، و إن كان ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ ؛ لأن كل فئة كانت لها وجهة نظر تدافع عنها بحسن نية ، حيث إن الخلاف بينهم لم يكن بسبب التنافس على الدنيا ، و إنما كان اجتهاداً من كل منهم في تطبيق شرائع الإسلام( ).

سابعاً: يعذر الصحابة بعضهم بعضاً وهم مختلفون ، ويأتي بعدهم ممن  ليس منهم ولا في درجتهم  فلا يقبل عذرهم ، بل ويفتري عليهم الكذب وينسب لهم ما لم يقولوه أو يفعلوه ، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .

أخرج الحاكم في مستدركه  عن أبي حبيبة - مولى طلحة - قال : دخلت على علي مع عمر بن طلحة بعدما فرغ من أصحاب الجمل قال : فرحب به وأدناه، ، وقال : إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله –عز وجل- : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [(47) سورة الحجر] ، فقال : يا ابن أخي كيف فلانة ،وكيف فلانة ؟قال : و سأله عن أمهات أولاد أبيه ، قال : ثم قال : لم نقبض أرضيكم هذه السنة إلا مخافة أن ينتهبها الناس يا فلان انطلق معه إلى بني قريظة ؛ فمره فليعطه غلته هذه السنة ، ويدفع إليه أرضه( ) .

و كان علي - رضي الله عنه - يطوف على القتلى و هم يدفنون ، ثم سار حتى دخل البصرة فمر على طلحة – رضي الله عنه -  ،ورآه مقتولاً فجعل يمسح التراب عن وجهه ،و يقول : عزيز عليّ أبا محمد أن أراك مجندلاً تحت نجوم السماء ، ثم قال : إلى الله أشكو عُجري و بجري - أي همومي وأحزاني - و بكى عليه و على أصحابه ( ). 

بل أخرج عند القوم الحميري ، والمجلسي ( ) عن جعفر الصادق عن أبيه أن علياً - عليه السلام -كان يقول لأصحابه: «إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على حق، ورأوا أنهم على حق»( ).

فهل يبقى بعد ذلك مقال إلا لمن في قلبه زيغ أو ضلال ؟!

ثامناً:  أستغرب في معتقد قائم على السب والشتم ، والطعن واللعن ؛ أيثمر عوناً ،أو يُصلح دوماً، أو يهدي قوماً ، أو يسود يوماً ؟!. 

ومعلوم أن الشيعة يوجهون  مطاعنهم المفتراة المجردة عن الدليل إلى أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان لا يحب إلا طيباً ، والكافر خبيث ولا يحب ، فكيف تتفق مزاعم الشيعة مع ما تواتر -تواتراً معنوياً- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من حبه لعائشة الصديقة -رضي الله عنها- ؟!.

فعائشة - رضي الله عنها - كافرة عند الشيعة ، وليست من أهل الإيمان ، وهي عندهم من أهل النار.

فلا يصلح لهم إلا رد عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – لما سمع رجلاً ينال من عائشة - رضي الله عنها- ، فزجره ووبخه وقال له :"اغرب مقبوحاً منبوحاً، أتؤذي حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -" ( ).

تاسعاً:شبهات القوم منقولة جيلاً بعد جيل بلا تغيير ولا تبديل ، ومهما رُد عليها من قديم أو حديث تجدهم يكررونها كالببغاء بلا تدبر ولا روية ، ولا صدق أو حسن طوية ؛ فمعناها أنهم  لا يريدون عنها تغير ولا يرومون عنها تحول. 

يقول الدكتور عبد القادر : والقوم يعمدون إلى آيات نزلت  في بيان ذنوب ومعاص صدرت من بعض الصحابة وتابوا منها ، وأقلعوا عنها  – ونحن لا نعتقد عصمة الصحابة - ، فأولوها بتأويلات لا تسعفها حجة ، ولا يؤيدها برهان ، وحشدوا لها مستغرب القصص ، وساقوا لها  مستنكر الأسانيد. 

ولهم طريقة في التأويل تُشبه طريقة مُسْتَرِقِي السمع من الجن مع أوليائهم من الإنس ؛ حيث يمزجون كلمةً سمعوها مع مائة كذبة، فإذا ما استهجنها بعض الناس أجابهم البعض الآخر: قد صدق في كلمته تلك.

وكذلك الشيعة يعمدون إلى كلمة الحق ، فيمزجون معها آلاف الأباطيل ، حتى فاقوا مردة الجن في صنيعهم!( ).

كما لم أر كالشيعة قوماً ، يطيب لهم الاحتجاج من كتبنا ؛ فلأن كانوا يصدقون بها فقد – والله – حُجوا ، ولأن لم يكونوا يصدقونها  - وهذا هو واقعهم - فلماذا يحتجون بها؟!. فإن قالوا : لأنكم تؤمنون بها ، فلماذا لا يرضون لنا أن نحتج عليهم من كتبهم التي يؤمنون هم بها ؟!.فإن حاججتهم بكتبهم قالوا : ليس كل ما فيها صحيح ، وإن قلت لهم لم لا تؤمنون بما استشهدتم به من كتبنا قالوا : نحن نريد الرد عليكم بها فقط !

أرأيت قوماً كهؤلاء قط؟!.

ليس لهم مثيل إلا أنهم أرباب هوىً  - ووالله - ، لو كانوا يبتغون الحق لوجدوه ، غير أن فيهم بالرغم من ذلك عقلاء ، لو تمكنوا ربما تغير القوم ذات يوم ، ولكن هيهات!.

عاشراً: لا يترك القوم محفلاً ولا مجمعاً إلا ادَّعوا أنهم دعاة وحدة ولم شمل ، وأنهم ضد التفرق والتشرذم ويشنعون على كل من ينتقد عقائدهم أو يبين مخالفتها لصحيح الدين  ووسطية السنة  ، ولكنك تجد لهم معتقدات لا يمكن السكوت عليها أو تصديقهم فيما يدعون من وحدة وتوحد ، من هذه العقائد عقيدة التقية ، والرجعة .

فبالتقية أخفوا عقائدهم ، وبالرجعة يتشفون في أهل الحق ، والحق يقول في المنصفين من أهل السنة  {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10].

الحادي عشر: وعلى ما سبق ذكره من إيراد الآثار الدالة على حقيقة حال عائشة مع علي – رضي الله عنهما - والعكس يدرك القارئ أنه لم يكن بينهما عداوة لا قبل خلافة علي ولا بعدها ولا قبل معركة الجمل ولا بعدها. ويعلم القارئ أنه حصل من عائشة وعلي- رضي الله عنهما - الندم الشديد على ما جرى من قتال، وأن كل واحد استمر ثناؤه وبره وحسن معاملته للآخر.

حتى وإن اجتهدت في الخروج في موقعة الجمل فهي أمنا، فقد استبانت الحق وندمت على ما فعلت، وتمنت أن يكون لها عديد من الأبناء استشهدوا في سبيل الله، ولم تطع ابن الزبير في مخرجها ذلك. 

وهذا علي– رضي الله عنه -  يقول عن السيدة عائشة: «خليلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». ويقول أمير المؤمنين ذلك في حق عائشة مع ما وقع بينهما، فرضي الله عنهما.

الثاني عشر: هذه المحنة التي نحن بصددها صقلت الجميع أتباعاً ومتبوعين، فأما عائشة – رضي الله عنها – فقد خرجت كعادتها سابقاً ؛ ليست فقط منتصرة مرفوعة الرأس بل بركة على الأمة في حياتها وبعد مماتها ، فقد أظهر لها الشانئون حباً دفيناً بين ضلوع الموحدين ، واستفز ظلمهم أقلاماً مدادها الحق راحت تسطر لها صفحات من النور لو اطلع عليها الشانئون لعضوا أنامل الندم على اليوم الذي أظهروا فيه حقدهم ؛ لأنه لم يضرها وبدد ماء وجوههم وأظهر غيظ قلوبهم أمام من كان منخدعاً بتقيتهم يجري في ركاب معيتهم ، في الوقت الذي انحاز الصالحون البارون من أبنائها إلى حصن الحق الذي كم وقفوا مدافعين عن حياضه ؛ فلم تضرهم الهجمات بقدر ما زادت قناعتهم بالحق الذي هم عليه ، ووثَّقت على درب الإيمان عقودهم ؛ فخرجوا كأمهم من أزماتهم أكثر نقاءً وصفاءً ، فهذا الشبل من ذاك الأسد.

وصدق المولى -جل وعلا - : {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [(11) سورة النــور].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...وكتبه / نصر بن محمد بن رواق الصنقري

                                           مصر – مرسى مطروح – الصحراء الغربية

                                      الاثنين: السادس من المحرم عام 1432من الهجرة



مراجع البحـــث

أولا ً: القرآن الكريم والتفسير:   كتاب الله -تعالى- [القرآن الكريم].

1- جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام ابن جرير الطبري[المتوفي:310هـ] المحقق:صدفي جميل العطار  قدم له: الشيخ خليل الميس طبعة دار الفكر لبنان- بيروت – 

طبعة عام 1415هـ/ 1995م

2- جامع البيان في تأويل القرآن محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي،أبو جعفر الطبري، [ 224 - 310 هـ ] المحقق : أحمد محمد شاكر ،الناشر : مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى، 1420 هـ 

3- تفسير القرطبي، لأبي عبد الله القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1965م.

4- تفسير القرآن العظيم لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى : 774هـ) ، المحقق : سامي بن محمد سلامة ، الناشر : دار طيبة للنشر والتوزيع

الطبعة : الثانية 1420هـ- 1999 م

5- فتح القدير الجامع بين فني الرواية  والدراية من علم التفسير ، للشيخ محمد بن علي ابن محمد الشوكاني الناشر دار الفــــكر بيروت

6-الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري ، دار إحياء التراث العربي – بيروت ،تحقيق : عبد الرزاق المهدي

7- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،  للألوسي  (رحمه الله)  دار الفكر – لبنان طبعة 1417هـ،حققه :محمد حسـين العرب

8- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المؤلف:عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي

المحقق : عبد الرحمن بن معلا اللويحق ،الناشر : مؤسسة الرسالة ،الطبعة : الأولى 1420هـ -2000 م

9- تفسير الجلالين  ،للعلامة جلال الدين المحلي ،والعلامة جلال الدين السيوطي 

طبعة مكتبة الصفا (مصر)1406هـ

10- المنتخب في تفسير القرآن الكريم ، مجموعة من علماء الأزهر الشريف الطبعة الثامنة عشر القاهرة : 1415هـ / 1994م.

11- في ظلال القرآن للأستاذ :سيد قطب ،طبعة دار الشروق ،القاهـرة ، عام 1412هـ / 1992م

ثانياً : كتب الحديث النبوي الشريف

 1- مسند الإمام أحمد بن حنبل (المولود 164هـ- المتوفى241هـ) دار إحياء التراث العربي لبنان بيروت ،الطبعة : الثانية 1414هـ ، 1993م

2- صحيح البخاري، محمد إسماعيل البخاري، دار الفكر، الطبعة الأولى،1411هـ 1991م.

3- صحيح مسلم مع المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي ، دار إحياء التراث العربي بيروت ط الثانية ،1392ه ترقيم محمد عبد الباقي

4- فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، لبنان. ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي تصحيح :محب الدين الخطيب

5- فتح الباري ـ لابن رجب زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب ، دار ابن الجوزي - السعودية / الدمام الطبعة : الثانية  1422هـ تحقيق :طارق بن عوض الله بن محمد.

6- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقى دار الحديث ـ القاهرة 

الطبعة الثالثة 1417هـ / 1997م.

7- الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم،  تأليف: محمد بن فتوح الحميدي دار النشر دار ابن حزم ، لبنان ،بيروت ، 1423هـ 2002م

8- سنن أبي داود ، للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث الأزردي ، دار الريان للتراث 1408هـ

9- سنن الترمذي لأبي عيسى محمد ابن عيسى بن سؤرة المتوفى 279هـ ، دار الفكر لبنان 0بيروت 1414هـ تحقيق : صدفي جميل العطار.

10- السنن الكبرى ، تصنيف الإمام أبي عبد الرحمن النسائي (المتوفى303هـ) تحقيق دكتور عبد الغفار سليمان البنداري ، وسيد كسروي حسن ،  دار الكتب العلمية لبنان-بيروت  ،الطبعة الأولى 1411هـ-1991 م.

11- سنن ابن ماجة لأبي عبد الله محمد ابن يزيد القزويني توفي 275هـ ، دار الحديث – القاهرة -1414هـ ،تحقيق وترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي.

12- سنن الدارمي للإمام عبد الله الدارمي ، دار الريان للتراث-مصر 1407هـ

تحقيق : الزمرلي ، والعلمي .

13- المستدرك على الصحيحين أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، دار الكتب العلمية ، بيروت الطبعة الأولى ، 1411 – 1990 ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا

مع الكتاب:تعليقات الذهبي في التلخيص

14- مُصنف ابن أبي شيبة أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي (159 ـ 235 هـ) طبعة دار القبلة، والدار السلفية الهندية تحقيق : محمد عوامة                  

15- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:للحافظ الهيثمي ت ٨٠٧ هـ 

دار الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية

16 - المعجم الكبير للطبراني ، مكتبة العلوم والحكم – الموصل ،الطبعة الثانية ، 1404 -  1983، تحقيق : حمدي بن عبد المجيد السـلفي.

17 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، لعلاء الدين المتقي الهندي البرهان فوري (المتوفى : 975هـ) ، المحقق : بكري حياني - صفوة السقا ، الناشر : مؤسسة الرسالة

الطبعة الخامسة ،1401هـ/1981م

18 - سلسلة الأحاديث الصحيحة  لمحمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف – الرياض 

الطبعة الأولى 1417هـ /1996م.

19- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة لمحمد ناصر الدين الألباني ، دار المعارف الرياض- السعودية ، الطبعة : الأولى1412هـ/1992 م.

20 - صحيح أبي داود للعلامة محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى:1420هـ) ،مؤسسة غراس للنشر والتوزيع ،الكويت الطبعة : الأولى 1423 هـ.

21- ضعيف أبي داود - لمحمد ناصر الدين الألباني (المتوفى : 1420هـ)

مؤسسة غراس للنشر و التوزيع – الكويت الطبعة:الأولى -1423 هـ

22- صحيح الترغيب والترهيب لمحمد ناصر الدين الألباني(المتوفى:1420هـ)

مكتبة المعارف الرياض الطبعة : الخامسة

23- ضعيف الترغيب والترهيب المؤلف : محمد ناصر الدين الألباني ، الناشر : مكتبة المعارف – الرياض.

24- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل لمحمد ناصر الدين الألباني

المكتب الإسلامي – بيروت الطبعة : الثانية - 1405 – 1985.

25- صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته ، لمحمد ناصر الدين الألباني

الناشر : المكتب الإسلامي

26- مسند ابن راهويه - إسحاق بن راهويه ، الطبعة الأولى 1412 هـ ، مكتبة الايمان المدينة المنورة – السعودية.

 ثالثاً : كتب الرجال والطبقات

1- تهذيب الكمال في معرفة الرجال لأبي الحجاج المزي ، مؤسسة الرسالة – بيروت ، الطبعة الأولى ، 1400 – 1980 تحقيق : د. بشار عواد معروف.

2- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني الشافعي ، دار الجيل – بيروت طبعة أولى 1412هـ ، تحقيق : علي محمد البجــــاوي

3- سير أعلام النبلاء لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي  ، الطبعة التاسعة 1413 هـ 1993 م مؤسسة الرسالة بيروت – لبنان.

4- ميزان الاعتدال للذهبي ، طبعة دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت – لبنان

5- الضعفاء الكبير للعقيلي المكي  ط  دار الكتب العلمية ،بيروت ،تحقيق د :عبد المعطى أمين قلعجي ، الطبعة الثانية 1418 ه - 1998 م .

6- الجرح والتعديل للإمام الحافظ أبى محمد عبد الرحمن بن محمد التميمي الحنظلي الرازي (المتوفى 327 هـ) ، ط دار إحياء التراث العربي بيروت.

7- الضعفاء والمتروكين ،لعبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي  ط.دار الكتب العلمية بيروت(1406هـ)

8- طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي ، هذبهُ: محمد بن جلال الدين (ابن منظور) ، المحقق : إحسان عباس ، الطبعة : الأولى1970م ، دار الرائد العربي بيروت – لبنان.

9- الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث لبرهان الدين الحلبي المتوفى سنة 841 هـ 

حققه صبحى السامرائي ، طبعة عالم الكتب مكتبة النهضة العربية ، الطبعة الاولي 1407 هـ - 1987 م .

10- الطبقات الكبرى لابن سعد الزهري ، المحقق : إحسان عباس ، الناشر : دار صادر – بيروت ، الطبـــعة : الأولى-  1968 م.

11 - تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي  ، طبعة مؤسسة التاريخ العربي ، ودار إحياء التراث العربي / تحقيق : عبد الرحمـــــن بن يحيى المعلمي.

12- الأعـــلام للزركلي الدمشقي (المتوفى : 1396هـ) ، دار العلم للملايين الطبعة : الخامسة عشر – أيـــار / مايو 2002 م.

رابعاً : كتب السير والتاريخ

1- تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (٣١٠ هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل دار الكتب العلمية – بيروت ، الطبعة الأولى ، 1407

2- تاريخ المدينة لابن شبة النميري أبو زيد عمر بن شبه النميري البصري الوفاة: 262

عدد الأجزاء: 2 الطبعة: الأولى دار الكتب العلمية بيروت-لبنان سنة النشر: 1417هـ 1996م ، المحقق: علي دندل-ياسين بيــان

3- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، دار الغرب الإسلامي، الطبعة : الأولى1422 – 2001،المحقق : بشـــار عواد معروف

4- البداية والنهاية لابن كثير ت774هـ ، دار الغد العربي – مصر  ،الطبعة : الأولى هـ1411/1991م ، تحقيق : محمد عبد العزيز النجار

5- تاريخ جرجان المؤلف : حمزة بن يوسف أبو القاسم الجرجاني ،الناشر : عالم الكتب – بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1401 - 1981تحقيق : د. محمد عبد المعيد خان.

6- الفتح الأنعم في براءة عائشة ومريم لعلي أحمد عبد العال  الطهطاوي

دار الكتب العلمية  بيروت – لبنان طبعة أولى 1426هـ  2005م.

7- سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - المؤلف : علي محمد محمد الصلابي ،الطبعة : الأولى 1426هـ  2005م

8- أم المؤمنين عائشـة- رضي الله عنها- لشيخ الإسلام ابن تيمية

جمع وتقديم وتحقيق محمد مال الله ،الطبعة الأولى1410هـ - 1989م

9- رسالة جوابية على مذكرة أستاذ شيعي إثني عشري ، أ.د. أحمد بن سعد حمدان الغامدي ، الأستاذ بالدراسات العليا   قسم العقيدة - بجامعة أم القرى ،السعودية.

10- السنة النبوية في مواجهة التحديات والشبهات المعاصرة للدكتور أيمن محمود مهدي 

أستاذ الحديث وعلومه المساعد ورئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بطنطا ، الطبعة الأولى، 1426هـ - 2005م.

11- عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم المؤلف : ناصر بن علي عائض حسن  ، الناشر : مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربية السعودية ، الطبعة : الثالثة، 1421هـ/2000م

12- الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة لأبي القاسم إسماعيل بن محمد ابن الفضل التيمي الأصبهاني ، سنة الولادة 457هـ/ سنة الوفاة 535هـ ،تحقيق محمد بن ربيع بن هادي المدخلي ، دار الراية،سنة 1419هـ - 1999م

13- عشرةُ النِّساءِ للإمامِ للنسائيِّ - رحمه الله - حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه علي بن نايف الشحود ،طبعة 1428 هـ والموجودة عندي طبعة الكترونية .

14- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة : لهبة الله اللالكائي ،طبعة دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان عام 1423هـ / 2002م  ،تحقيق / محمد عبد السلام شاهين.

15- الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال  للدكتور/ إبراهيم الرحيلي.

16- قصيدة الواعظ الأندلسي في مناقب أم المؤمنين الصدِّيقة عائشة- رضي الله عنها-تأليف أبي عمران موسى بن محمد بن عبد الله الواعظ الأندلسي (القرن السادس الهجري)

تحقيق أ.د/ فهد بن عبد الرحمن الرومي.الطبعة الأولى مكتبة التوبة. عام 1418هـ 1998م

17- دور المرأة السياسي في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين.  اسم المؤلف: أسماء محمد أحمد زيادة. دار النشر: دار السلام للطباعة والنشر¬¬ والتوزيع والترجمة القاهرة.الطبعة الأولى : 2001م

18- سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – للعلامة السيد سليمان الندوي.

عربه وحققه: محمد رحمة الله الندوي ، دار القلم – دمشق ،الطبعة الأولى : 1424هـ 2003م

19- حبيبة الحبيب أم المؤمنين – رضي الله عنها – تأليف صالح محمد عطا ،الطبعة الأولى : 1429هـ2008م

20- حياة عائشة أم المؤمنين(رضي الله عنها) لمحمود شلبي ، الطبعة الأولى 1418هـ .

21- رد السهام الطائشة في الذب عن أُمِّنا السيدة عائشة أحب النساء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - المبرأة من فوق سبع سموات ،تأليف أبي أنس ماجد إسلام البنكاني

22- تأملات في قوله (وأزواجه أمهاتهم) لعبد الرزاق البدردار ابن عفان للنشر والتوزيع

بحث نشر في العدد الثالث والخمسين من مجلة البحوث الإســــلامية.

23- السيدة عائشة أم المؤمنين ، وعالمة نساء المسلمين ، لعبد الحميد طهماز

دار القلم – دمشق – سوريا ، الطبعة الأولى : 1415هـ1994م.

24-الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة على أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- للدكتور عبد القادر صوفي ،طبعة أضواء السلف :1425هـ 2004م  

سابعاً : كتب اللغــــــة

1- لسان العرب المؤلف : محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري ، الناشر : دار صادر – بيروت الطبعة الأولى.

2- مختار الصحاح للــــرازي ، دار الفكر بيروت – لبنان 1401هـ

3- النهاية في غريب الحديث والأثر أبو السعادات المبارك الجزري ، الناشر : المكتبة العلمية - بيروت ، 1399هـ - 1979م ،تحقيق:طاهر الزاوى -محمود الطناحي

4- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد عبد الله الأندلسي 

عالم الكتب – بيروت ،الطبعة الثالثة  1403هـ ، تحقيــق : مصطفى الســـقا.

ثامناً :كتب الشــــيعة

1-البرهان في تفسير القرآن لهاشم الحسيني البحراني المتوفى سنة 1107 هـ ،تحقيق قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة قم.

2- البيان في تفسير القران : السيد أبو القاسم الخوئي مطبعة مؤسسة الاعلمي، بيروت 1974م.

3- الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني المعروف بثقة الإسلام الكليني المتوفى سنة 329 هـ، حققه وعلق عليه علي أكبر الغفاري ،الناشر دار الكتب الإسلامية،الطبعة الثالثة1388ه.

4- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: محمد باقر المجلسي - الناشر: مؤسسة الوفاء، بيروت- الطبعة 1983م .

5- وسائل الشيعة : لمحمد بن الحسن الحر العاملي - دار احياء التراث العربي، الطبعة الخامسة 1983م .

6- ثم اهتديت: محمد التيجاني السماوي، مؤسسة الفجر، لندن.

7- فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب:لحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، طبعة حجرية.

8- كشف الغمة في معرفة الأئمة: لأبي الحسن علي بن عيسى الأربلي، الناشر مكتبة بني هاشمي، تبريز، المطبعة العلمية، قم، تاريخ الطبع١٣٨١ هـ

9- مرآة العقول في شرح أخبار الرسول:محمد باقر المجلسي،ط الثانية ١٤٠٤ه دار الكتب الإسلامية، طهران.

10 - مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- عليه السلام - تأليف الحافظ محمد بن سليمان الكوفي القاضي من أعلام القرن الثالث تحقيق محمد باقر المحمودي 

مجمع إحياء الثقافة الإسلامية الطبعة الأولى محرم الحرام 1412 إيران - قم

11- منهاج الكرامة في إثبات الإمامة للحسن بن يوسف بن المطهر الحلي

التصنيف: طبعه بمبي سنه 1878 اديان.الهنـــــــد.

12- الاحتجاج على أهل اللجاج‏ لأحمد بن علي الطبرسي ‏

الطبعة : الأولى الناشر : المرتضى ‏/ مشهد ، إيران.سنة: 1403 هـ ‏

13- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري ، البغدادي توفي413 هـ،تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

14- سر السلسلة العلوية لسهل بن عبد الله البخاري  ،المحقق: القبيسي مصطفى

الناشر: دار قابس الطبعة: الأولى  سنة الطبع 1407هـ.

15- معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة للخوئي الطبعة الخامسة طبعة منقحة ومزيدة السنة 1413 ه‍ - 1992 م 

16- أعيان الشيعة:تأليف محسن الأمين العاملي، طبعة دار التعارف، بيروت.

ملاحظة: توجد مراجع  أخرى دخل البحث أشرنا إلى مصادرها .

فهرس موضوعات البحث

المقدمـــــــــة

الفصل الأول - المبحث الأول- قصيدة أبي عمران موسى بن محمد الأندلسي في ذكر مناقب أم المؤمنــين

المبحث الثاني - من هي - رضي الله عنها وأرضاهــا

مولــدها  ونشـــأتها

كنيتهـــــــــا

زواجها بالنبي - صلى الله عليه وسلــــــم –

مكانتها عند  النبي - صلى الله عليه وسلـــــم –

صداقها – رضي الله عنها –

كان – صلى الله عليه وسلم - يداعبها ويلاعبها ويرضيها

كانت تفهم النبي – صلى الله عليه وسلم – من نظرته حتى دون أن يتكلم..............  

ثناؤها– رضي الله عنها -  على أزوج النبي – صلى الله عليه وسلم – وإن كن ضرائرهــــــــا

ذكاؤها الصائب – رضي الله عنها – وفهمــــها الدائب

عدم صبرها على الضيم ، والرد على الظلم ، وحب ظاهر لرسول الله لا تخطئه العين ، وفطنة فطرة ، و إباء حــرة 

مكانتها العلميــــة

كرمها وجودهــا ...

بركتها – رضوان الله عنـــــــها –

حيـاؤها ..وعفافها..

شدة ورعها ..وتواضعها

من أقوالهــــــا 

وفاتهـــــا ..

الفصل الثاني –المبحث الأول- الأذى

المبحث الثاني - أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم– أمهات المؤمنين

ومنهن عائشة – رضي الله عنها – الطيبة بنت الطيبين

الفصل الثالث – المبحث الأول – حادثة الإفـــك

خلاصة في حادثة الإفــك

علامات الخير في حادثة الإفــــــــك

المبحث الثاني - شبهات حول أمنا والرد عليهـــا 

شبهة الأمر بقتل عثمان بن عفان (رضي الله عنـــه)

وهذا الأثر مردود عليه من وجـــــــــوه

المبحث الثالث-شبهة الفتنة من بيت عائشـــــة 

المبحث الرابع-شبـــهة خروجها على علىِّ بن أبي طالب(رضي الله عنه )

الرد على هذه الشبـــهة

المبحث الخامس – شبهة منع عائشة أم المؤمنين لدفــن الحسن والرد عليهــــا

الفصل الرابع – عائشة وعلي وفاطمة والأئمـــــة

المبحث الأول عائشة وفاطمة

المبحث الثاني عائشة وعلي– رضي الله عنهما –

المبحث الثالث عائشة – رضي لله عنها - والأئمة 

خلاصــة البحــث

مراجع البحـــث 

فهرست الموضوعات