القصيدة البكرية الحضرمية في الرد على الرافضة الإمامية
القصيدة البكرية الحضرمية في الرد على الرافضة الإمامية
أكرم مبارك عصبان
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ، وبعد :
توجد بحضرموت قصيدة تدعى بالبكرية نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وتنشد منذ زمن بعيد في مجمع من الناس في وقت اجتماعهم ، وهي تحمل في أبياتها دلالات كبيرة نريد أن نقف عندها بالتأمل ، وأعظم هذه الدلالات وأبينها هو تحصين عقيدة أهل حضرموت السنية من غزو الرافضة الذين تسللوا فيها لواذا ، وجاسوا خلال ديارها ، فكان دور العلماء في بيان فضائل الصديق ، وتوضيح زيف الرفض وزيغه.
وإذ أن الرافضة كانوا يستهدفون المجتمع استوجب ذلك الرد أن يتناسب مع هذا المكر ، ويختار السلاح المناسب للمواجهة ، وليس هنالك أنبل من سهام الشعر الذي يحمل المدح والثناء لأبي بكر ، والقدح والهجاء للرافضة ، وهو عليهم أشد من وقع النبل .
والبكرية موضوعها حماية أعراض الصحابة ، فهي تنافح عنهم لما افتراه الرافضة في أبي بكر ، وتفيض في فضائله التي استنبطها الشاعر من الآثار ، وصاغها في حلة جميلة ، يشاع فيها الترضي عن الصديق .
والبكرية تمتاز بسهولة ألفاظها ، ووضوح معانيها ، وحتى تشاع في المجتمع فقد ارتأى المتأخرون أن تؤدى بإنشاد اختاروا له المساجد لاجتماع الناس في أوقات مخصصة ، فأما الشعر في المسجد فلا بأس به إذا أجاب الشاعر فيه عن الإسلام وذب عن أهله ، فقد بوب له الإمام البخاري في صحيحه ، وأورد حديثا مرفوعا ( يا حسان أجب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم أيده بروح القدس ) ، وسيأتي بحث ذلك لاحقا .
والعجيب أيضا في استغلال اجتماع الناس في مكان وزمان مناسبين لبيان عقيدة أهل السنة فإنه قد استخدم هذا المنبر أيضا في بث معاني أخرى ، وأنا أريد أن أدندن هنا على بعض قصائد الإحدى عشرية التي آوتها القويرة من وادي دوعن ، وهذا يجعلنا نفرده بفصل نشفعه بالبكرية .
والذي نجزم به من دلالة هذه البكرية دخول الرفض حضرموت ، والنيل من الصحابة لاسيما أبا بكر ، ولكننا لا نملك التفاصيل في هذا المضمار ، وهو ما يتعلق بوقت دخوله ، وقادته الذين تولوا كبره ، فإن كتب التاريخ لاذت بالصمت عن هذا .
نعم يستغرب الناظر في أطروحات عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف الكثيرة التي يؤكد فيها على إمامية سلفه من العلويين مرارا ، ويصر على ذلك إصرارا ، ولا نملك الدوافع وراء هذا الإصرار ، هذا أمر ثالث سنعزز به المبحثين السابقين .
ومن العجائب التي تستدعي إجالة النظر فيها البقاء على ترداد هذه القصيدة البكرية في ساحل حضرموت واحتفاء أهله بها في حين توارت في مدن الوادي ومراكزه العلمية كتريم ، فلا تكاد تعرف اليوم ، وهذا التواري يخفي وراءه مكنونات يستعصي علينا فهمها ، فلا نفقه كنهها ، ونحتاج من يتصدق علينا بالإفادة مشكورا .
والبحث يدور على ثلاثة فصول :
الفصل الأول
شرح القصيدة البكرية
أولا : براعة الاستهلال
ابتدأ الشاعر إبراهيم القصيدة البكرية بمطلع يفي ببراعة الاستهلال لذكر ما يتحرى بيانه من فضل أبي بكر رضي الله عنه ، وتحصين عقيدة الأمة من الرافضة الذين ينالون منه بالسب والطعن ، وقصيدته هذه إجابة تحتمت عليه إذ سئل عن هذه المسألة وفي حديث أبي هريرة مرفوعا : ( من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ) . [1]
فكانت إجابته في هذه القصيدة لتشيع بين الناس ، قال الشاعر :
أيا سائلي عن مدح من جلّ في الذكر
وما جاء في وصف الإمام أبي بكر
تسمّع هداك الله إن كنت لا تدري
فيا ليت شعري ما مديحي وما فكري
لقد جاء في القرآن مدح أبي بكر
لقد قطع القرآن قول كل خطيب في مدح الصديق ، وما يأتي بعد ذلك فهو تابع له ، ويؤكد الشاعر هنا على وصف الصديق بالإمام كما جاء في المطلع مرتين ويكثر في بقية الفصول للرد على الشيعة في تخصيص علي بن أبي طالب بذلك دون الثلاثة ، وهي لفتة مهمة يغفل عنها كثير من أهل السنة حين يخصون عليا بن أبي طالب بالإمام دون غيره ، ويشير الشاعر إلى ما نزل من القرآن في أبي بكر رضي الله عنه من ذلك قوله تعالى ( إِذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، وسيأتي ذكر ذلك في حديث الغار .
ومنها قوله تعالى ( والَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ففي الأقوال المشهورة أن الذي صدق هو أبو بكر كما ذكر الطبري في تفسير هذه الآية عن عليّ رضي الله عنه ، في قوله: ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ) قال: محمد صلى الله عَلَيه وسلم ، وصدّق به ، قال : أبو بكر رضي الله عنه . [2]
ومنها قوله تعالى: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ، وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ، إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى } فقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنها نزلت في قصة أبي بكر فذكر ابن جرير في تفسيره بإسناده عن عبد الله بن الزبير وغيره: أنها نزلت في أبي بكر [3].
ثانيا : محبة الصديق من السنة :
محبة أبي بكر الصديق من السنة فهو أفضل الأمة بعد نبيها ، وعلى هذا درج أهل السنة والجماعة في تقريره في دواوينهم ، وتقييده في عقيدتهم ، وأجمعت الأمة على أنه الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا السياق يصرح الشاعر بمحبته قائلا :
أبو بكر في الإسلام هادي ومهتدي
فتابع أبا بكر ودع كل معتد
فمن حبه تشفى القلوب وتهتدي
أبو بكر خير الناس بعد محمد
فيا فوز من حب الإمام أبا بكر
وقد ورد عن بعض السلف : أن حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة كما رواه الإمام أحمد عن مسروق ، وكذا قال شقيق بن عبد الله وطاووس ، وهؤلاء الثلاثة من التابعين مثل ذلك ، وقد روى عن ابن مسعود رضي الله عنه، وروي بالسند عن الحسن البصري رحمه الله: قيل للحسن: حب أبي بكر وعمر من السنة قال : لا ، فريضة .
وكان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمونهم السورة من القرآن ، وهذا الذي اقتفاه الشاعر وبين أن أهل حضرموت كانوا عليه .
فالناس فريقان منصف في شأن أبي بكر ، ومعتد وهم الرافضة ، وقوله ( أبو بكر خير الناس بعد محمد قد ذكره في موضع آخر بما لفظه ( أبو بكر خير الناس أفضل من مشى ، على الأرض من بعد النبي وإن تشاء ) ، ويدل على هذا ما رواه البخاري عن محمد بن الحنفية، قال: قلت لأبي يعني عليا بن أبي طالب : أي الناس خير بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: أبو بكر. قال: قلت ثم من؟ قال: ثم عمر .
ثالثا : الصحبة في الغار :
وفي القصيدة البكرية نظم الشاعر كثيرا من الفضائل الواردة في منزلة أبي بكر الصديق ، وصاغ الآثار المذكورة في مناقبه ، ولكن يعد حديث الغار وما حصل فيه من أعظم المناقب ، ولذا فقد شغل الكثير من أبيات البكرية تفصيلا وتنويعا وتأكيدا ، ونأخذ هنا المقطع الأول يدلنا على غيره ، فاسمع إليه وهو يقول :
أبو بكر صديق النبي وصديقه
ومؤنسه في غاره ورفيقه
ومن لسعة الثعبان كان شفيقه
رقاه النبي حقا وأبراه ريقه
شفى عند ذاك اللمس وجه أبي بكر
فأعظم فضائل الصديق صحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة قال تعالى ( إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا إذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) وفي الآية من مناقب أبي بكر أن الكفار أخرجوه ، وأنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ، وأنه مشفق عليه فقد حزن على ما سيصيبه من أذى ، وأنه مشارك في معية إن الله معنا وما ظنك باثنين الله ثالثهما ، وأنه نزلت عليه السكينة .
وقد توارد أهل السير على كثير من الآثار في حديث الغار اعتمد الشاعر عليها منها عن ابن عباس ( أبو بكر صاحبي و مؤنسي في الغار). [4]
وفي مسند البزار أن الله أمر العنكبوت فنسجت على باب الغار وأرسل حمامتين وحشيتين فوقعتا على باب الغار وأن ذلك مما صد الكفار عن دخوله ، وذكر الحافظ ابن حجر أن قصة نسج العنكبوت في مسند أبي بكر الصديق لأبي بكر بن علي المروزي شيخ النسائي من مرسل الحسن. [5]
وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاع ، فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه : الحيات والأفاعي ، وجعلت دموعه تنحدر . [6]
وذكر الشاعر ما يتعلق بطلب الكفار لهما إلى باب الغار ، وأشار إلى التحام الحجر ، وخوفه على النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث الحماماتين ، وبشارة النبي له بالجنة .
رابعا : حديث الطائر في الغار :
ومن هذه البابة في التأكيد على محبة أبي بكر رضي الله عنه فإن الناظم يعرض حديث الغار في لباس جديد عن طريق التصوير ، وينقلنا إلى حوار مع الطائر الذي في الغار ، وهو طائر مقيم منذ عهد آدم ، يروم اللقاء بأبي بكر ، وقد رآه الصديق لا يتكلم فقال : من أين هذا الطير يسقى ويطعم ؟ فصاح به : اسمع هديت أبا بكر ، ثم أردف قائلا :
أبو بكر لي من قبل آدم فاسمعوا
مقيما بهذا الغار لا أتزعزع
وذكرك قوتي بالرضا أتقنع
وألعن من يشناك أروى وأشبع
عليك سلامي والرضا يا أبكر
والمراد من هذا بيان محبة أبي بكر والشوق للقائه حيث ظل هذا الطائر ينتظر الاجتماع به هذه الفترة الطويلة ، وزاده الذي يتقوت به هو محبة الصديق ، ولعن باغضيه ، وهذا من أروع العرض والتصوير .
وقد اجتهدت لا آلو في البحث عن سند هذا الحوار ، فلم أظفر بخبر صحيح ، نعم هناك أثر يشير إلى وجود اليمامة بالغار ، فتصور الناظم هذا الحوار من غير أن يلوي على صحة القصة ، والأثر عن جابر بن عبد الله : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما ذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار ، فأرادا أن يدخلا الغار ، فدخل أبو بكر ثم قال : كما أنت يا رسول الله ، فضرب برجله فأطار اليمام يعني الحمام الطواري ، وطاف فلم ير شيئا ... [7]
خامسا : الترضي شعار أهل السنة والجماعة :
الترضي على أبي بكر يعد من شعار أهل السنة ، فمن معتقدهم أن ينشروا فضائل الصحابة ، بل ويكثروا من ذكرها ، وأن يكرروها في المجالس ، وأن يرددوها في المحافل حتى يعرفها القاصي والداني ، والصغير والكبير ، وتفوح سيرتهم الزكية لتعطر المكان ، وفي ذلك رد على منتقصيهم ، قال الشاعر :
أبو بكر الصديق ذو الفضل والمنن
فمن فضله عند النبي قد اندفن
فما بينهم شيء سوى طية الكفن
فإن كت من أهل الجماعة والسنن
ترض عن الشيخ الإمام أبي بكر
فإن كنت من أهل السنة والجماعة فترض عن الصديق إرغاما للرافضة الذين ينالون منه ، وقد اشتهر الترضي عند أهل حضرموت بذكر الأربعة
في مجامعهم في أمرين :
أحدهما : خطبة الجمعة ، ففي فتاوى ابن حجر ما نصه : وأما حكم الترضي عن الصحابة في الخطبة فلا بأس به سواء أذكر أفاضلهم بأسمائهم كما هو المعروف الآن أم أجملهم ، ونقل الرملي في حاشيته عن ابن عبد السلام إن الترضي عن الصحابة رضي الله عنهم على الوجه المعهود في زماننا بدعة غير محبوبة وبحث بعضهم استحبابه حيث كان في بلد الخطبة مبتدع لا يحب الصحابة إذا لم يؤد ذلك إلى فتنة . [8]
وثانيهما : الترضي بين تسليمات التراويح ، فيبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الترضي على الأربعة ، وقد سئل الفقيه باحويرث في فتاويه هل تسن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بين تسليمات التراويح أو هي بدعة فنقل جواب ابن حجر بما حاصله الصلاة في هذا المحل بخصوصه لم نر فيه شيئا من السنة ولا في كلام الأصحاب ، فهي بدعة ينهى عنها من يأتي بها بقصد كونها سنة لا من حيث العموم بل جاء في الحديث ما يؤيد الخصوص إلا غير كاف في الدلالة لذلك . [9]
سادسا : حب أهل حضرموت لأبي بكر :
وفي البكرية أيضا ما يدل على سلامة عقيدة أهل حضرموت ، وأنهم كانوا يحبون الصحابة ، ويذكرون محاسنهم ، ويعنون بإفشائها ونشرها ، كما اعتنى بذلك العلماء حين رأوا الرافضة يكذبون عليهم ، ويطعنون فيهم ، وأثمرت هذه العناية إشاعة محبة أبي بكر عند الناس عامتهم وخاصتهم ، رجالهم ونساءهم ، يتوارثونه جيلا بعد جيل لتتكسر سهام الرافضة على هذه الصخرة من الاعتناء بمحبة الصحابة فقال الناظم :
أبو بكر ما خابت لديك مقاصدي
فإني محب ما قطعت عوائدي
وشوقي ووجدي لم يزل في تزايد
كذلك أيضا كان جدي ووالدي
ووالدتي كانت تحب أبا بكر
فقد كان جده وأبوه وأمه على هذه العقيدة الصحيحة ، وهي محبة الصديق ، ومن ذا الذي لا يحبه وهو صاحب المناقب المشهورة التي دلت عليها النصوص ؟ أفيلام من ملأ صدره محبة له وربّى أسرته على ذلك ؟ فقبح الله الرافضة ، وقد قال الذهبي : كل من أحب الشيخين فليس بغال ، بلى من تعرض لهما بشئ من تنقص، فإنه رافضي غال، فإن سب، فهو من شرار الرافضة، فإن كفر، فقد باء بالكفر، واستحق الخزي . [10]
سابعا : التوسل بحب الأربعة :
والصحابة أكمل هذه الأمة عقلاً وعلمًا وفقهًا ، وقد أثنى الله عليهم ، ورضي عنهم وأعد لهم الحسنى كقوله: ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ) ويعد الشاعر محبتهم دينا يتوسل به إلى الله فيقول :
أبو بكر والفاروق أعظم بغيتي
وعثمان ذو النورين سؤلي ومنيتي
وأرجو عليا عدتي عند شدتي
كذا الستة الباقون عند وسيلتي
وأفضلهم كان الإمام أبا بكر
ومحبة ذي النورين وعلي رضي الله عنهما لا تتفق مع فكر الإباضية فنعلم أن قائل البكرية ليس منهم ، ردا لما قد يتوهمه بعض الغالطين ، وأما التوسل المذكور فالتعبير عنه بهذا الأسلوب قلق ، وفي النفس منه شيء ، فالتوسل منه الصحيح والبدعي والشركي ، فإن كان مراده محبتهم فصحيح وفي الأبيات ما يقربه كقوله ( عند وسيلتي ) كما أن فيها ما يبعده ، وإن كان التوسل بحقهم ومنزلتهم فبدعي محظور ، وأما الاعتداد بهم عند الشدائد فهو الشرك نرده ولا كرامة .
ثامنا : ذكر عائشة رضي الله عنها :
ومن مكارم أبي بكر مصاهرة المصطفى له ، وزواجه من بنته أم المؤمنين عائشة ، وقد أجمع أهل السنة على عظم منزلتها ومحبتها ، والناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة لما يعلمون من محبته عليه الصلاة والسلام إياها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام، قالت: وعليه السلام ورحمة الله، ترى ما لا نرى ) [11] ، ولها فضائل كثيرة يشرق بها الرافضة يقول الشاعر :
أبو بكر قد حاز المكارم كلها
بعائشة المشهور في الناس فضلها
كريم أبوها ليس في الخلق مثلها
فمن مثلها والمصطفى كان بعلها
ووالدها كان الإمام أبا بكر
وهو يشير إلى ما ثبت عن عمرو بن العاص : أن النبي عليه السلام بعثه على جيش ذات السلاسل قال : فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ فقال : عائشة . فقلت : من الرجال ؟ فقال : أبوها . فقلت ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب . فعد رجالا . [12]
ولكن الرافضة مردوا على الطعن في الصحابة ، وارتووا من ذلك ، ووردوا الكذب ورد الأحاديث الصحيحة ، ومتى إفاقة من به سكران ؟ وقد قال الشافعي : لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة . [13]
تاسعا : فسق مبغضيه ونفاقهم :
يعقد أهل السنة محبة الصحابة في كتب الإيمان ، ويقررونها في العقائد ، ويفردونها أيضا بأبواب في كتب الحديث ، فالبخاري في صحيحه جعل كتاباً في الفضائل، وابتدأه بفضائل أبي بكر، ثم بفضائل عمر ثم بفضائل عثمان، ثم بفضائل علي ، لأن المؤمن يحبهم للنصوص الواردة في فضلهم قال تعالى ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) ، ولا يبغضهم إلا منافق في قلبه غل ، لم يستمع إلى ما ورد في حقهم من الترضي، ومن هنا قال الشاعر :
أبو بكر ما يبغضه غير منافق
أبو بكر ما يغتابه غير فاسق
أبو بكر في الإسلام بحر الحقائق
إذا شئت أن تدعى بأكرم سابق
ترضّ عن الشيخ الإمام أبا بكر
وأهل السنة قد طهروا ألسنتهم عن ذكر الصحابة بعيب ، بل وينفرون مما تلبست به الرافضة ، ويقشعرون من ذكره كما قال الحسن بن عمرو: قال لي طلحة بن مصرف: لولا أني على وضوء لأخبرتك بما تقول الرافضة.[14]
والشاعر يعرض بالشيعة والمتصوفة الذين يطلقون على أئمتهم وأقطابهم بحور الحقائق ، ويرى أن أولى الناس به هو أبو بكر ، ولئن بغضت الرافضة أبا بكر فإن منزلته عند الشاعر كما يقول في بعض الفصول (ومسكنه في القلب والسمع والحشا ، وفي كل عصر لاح حب أبي بكر ).
عاشرا : التصريح بذكر الرافضة :
والرافضة قد ولغوا في ذكر ما يعيب الصحابة ، وحملوا على الشيخين حملة نكراء حتى امتلأت قلوبهم غلا عليهما ، وهذا غير سبيل المؤمنين الذين يسألون الله ألا يجعل في قلوبهم غلا للذين آمنوا ، قال جعفر الصادق برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر [15] وقد قال الشاعر في التصريح بذكر الرافضة :
أبو بكر في حجابه السادة الغرر
وباغضهم لا شك يحشر في سقر
أحب أبا بكر ومن بعده عمر
وقل للشقي الرافضي الذي كفر
فإني محب للنبي وأبي بكر
نجد الشاعر هنا يرى أن الرافضي قد كفر ، وليس قوله هذا بدعا ، بل روايات آل البيت تصرح بذلك كما ذكر العلامة ابن الوزير أحاديث كفر الروافض فقال : ( وقد رويت من طرق كثيرة على غرابتها ، وخلو دواوين الإسلام الستة منها ، فرويت عن علي عليه السلام وفاطمة والحسن عليهما السلام وابن عباس وأم سلمة رضي الله عنهما ، وروى الامام الهادي عليه السلام منها حديث الحسن عليه السلام في كتاب الأحكام في كتاب الطلاق [16]منه في باب من طلق ثلاثا ، وقد ذكر الإمامية فقال ما لفظه :
( وفيهم ما حدثني أبي وعمي محمد والحسن عن أبيهم القاسم عن أبيه عن جده عن إبراهيم بن الحسن عن أبيه عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عليه وعليهم السلام عن النبي وآله أنه قال يا علي يكون في آخر الزمان قوم لهم نبز يعرفون به يقال لهم الرافضة فإن أدركتهم فاقتلهم قتلهم الله تعالى فإنهم مشركون ) ا ه بحروفه .
فالزيدية يترضون على الشيخين ، وهذه العقيد تدلنا على أن الذين نشروا عقائد الرفض بحضرموت لا يمتون للزيدية بصلة ، وأن الشاعر إنما يعني هؤلاء الرافضة ، درءا لما قد يتوهم من أن سبب العناية بالقصيدة البكرية هو الرد على الزيدية .
ويصرح الشاعر بمذهبه هذا أيضا في فصل آخر قائلا ( كذلك من يبغضه في النار أدلجا ، وسود منه الوجه باغض أبي بكر ) .
الخاتمة :
وفي خاتمة البكرية يعترف الشاعر بتقصيره في المديح ، ويصرح باسمه إبراهيم قائلا :
أبو بكر إني في المديح مقصر
ومدحك والإحسان والجود أكثر
بمدحك إبراهيم ينظم جوهرا
بمدحك أرجو الله للذنب يغفر
ولو كان أعداد الحصى يا أبا بكر
وجزى الله الشاعر إبراهيم عنا خيرا ، وقد ساق لنا في قصيدته هذه فضائل الصديق التي وردت في النصوص ، كتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس في حادثة الإسراء فقال ( يصدق مسراك الإمام أبو بكر ) ، ومنها مجيئه بماله كله في غزوة تبوك حيث يقول ( أبو بكر بالأموال جاء محتسبا ) ، وما ذكرنا دليل على صدق محبة الشاعر لأبي بكر ، وبرهان على ذلك .
وخلاصة الموضوع أن القصيدة البكرية تدل على أمور :
فمنها دخول الرافضة حضرموت ، وظهور لعن أبي بكر .
ومنها عرض مناقب أبي بكر وفضائله في شعر يمتاز بالسهولة والوضوح.
ومنها إشاعة هذه القصيد في المحافل والاجتماعات .
ومنها الرد على الرافضة وتحصين عقائد الأمة من زيفهم .
ومنها أن قائلها من أهل السنة والجماعة بحضرموت في عصر قديم ، ولم يكن أباضيا فقد ذكرت محبة عثمان وعلي ، كما أنه لا يعني الزيدية لترضيهم على الشيخين ، ولا الإسماعيلية بطوائفها التي دخلت حضرموت كما سنشير إليه في الفصل الثالث ، فلم يبق إلا أنه يعني قوما أرادوا نشر عقائد الرافضة ، ولعن الشيخين .
ومنها انتشارها في حضرموت وبقاؤها في ساحله إلى وقت قريب ، بحضور النساء والأطفال حتى يتربوا على هذا الطريق القويم ، وأما رغبة أهل حضرموت الوادي عنها فإنه هجر غريب .
وما أحوجنا في زماننا هذا إلى إشاعة القصيدة البكرية وقد ظهرت نابتة الرفض ببعض بلاد حضرموت ، وهم قلة أفراد ، ولكنهم كجمرة مخبؤة يوشك أن يكون لها ضرام ، وفاحت رائحته الخبيثة في الطعن في أبي بكر رذي الله عنه ، واللمز في جنابه ، فلله ما أصدق القصيدة البكرية لهجة .
مبحث
تخصيص إنشادها في المساجد في بعض الأوقات
بعد أن قضينا وطرنا من القصيدة البكرية تعليقا وشرحا لمضامينها نريد أن نعرج على أمر ذي بال يتعلق بإنشادها في المساجد في أوقات مخصوصة في العشر الأواخر بعد صلاة التراويح وغير العشر أيضا ، إذ أن فرحنا بها لا يعفينا من بحث هذه المتعلقات عليها ، ولا تكلّ عيننا الراضية على معانيها من ذكر ما يظن أنه من العيوب المرافقة لها ، ومناقشتها الحساب ، وهذا يظهر عدل أهل السنة ، الذين ينادون بعرض الأقوال والأعمال على الكتاب والسنة ، ويبدأون بأنفسهم.
لقد كان الغرض من القصيدة البكرية تحصين أهل حضرموت من عقائد الرافضة الردية وأفكارهم المردية ، وتم استحسان انتشارها في المساجد في العشر الأواخر من رمضان بعد صلاة التراويح لهدف اجتماع الناس ، مما يدل على أن خطر الرافضة كان محدقا بحضرموت ، ويتطلب أمرا من إذاعة باطلهم وإشاعته .
وكتب أهل السنة في العقائد والحديث ودواوينهم مليئة ببيان فضل الصحابة ونشر مناقبهم والرد على منتقصيهم ، والقصيدة البكرية من هذا الباب ، ولكن ما طرأ عليها من تخصيصها بوقت في المساجد قد يكون محل نظر ، نريد أن نلتفت إليه .
فأما الشعر في المسجد إذا دعت إليه الحاجة من الذب عن الإسلام فقد كان موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد بوّب على ذلك الإمام البخاري كما سبق في المقدمة ، وفي الترمذي من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينصب لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار قالت عائشة فسمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لحسان أن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله .
وأما تخصيص ذلك باجتماع الناس بعد صلاة التراويح في العشر الأواخر أو بعد بعض الصلاة أحيانا فالنظر فيه من خلال تحقيق المناط ، هل هذه الصورة يوجد فيها العبادة وهو تحقيق مناط البدعة فتكون محظورة أم أنها ليست عبادة فمناط المنع ليس موجودا ، فالحديث هنا من جهتين :
الأولى : إن كان تخصيصها بذلك عبادة فمناط البدعية مبني عليها .
الثانية : إن كان المقصود اجتماع الناس ، وأن ذلك مصلحة يوجد مقتضاها ، قال شيخ الإسلام : ( فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهده صلى الله عليه وسلم موجودا أو كان مصلحة ولم يفعله، يعلم أنه ليس بمصلحة، وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق، فقد يكون مصلحة، ثم هنا للفقهاء طريقان:
أحدهما: أن ذلك يفعل ما لم ينه عنه، وهذا قول القائلين بالمصالح المرسلة.
والثاني: أن ذلك لا يفعل إن لم يؤمر به، وهو قول من لا يرى إثبات الأحكام بالمصالح المرسلة ) . [17]
والقلب أميل إلى منع تعاطيها بهذه الكيفية ، وبالله التوفيق . [18]
الفصل الثاني
من قصائد الإحدى عشرية
وتوجد بحضرموت قصيدة أخرى تنشد في مسجد القويرة بدوعن حيث تم استخدام المنبر ذاته وهو الشعر ، وكذا اجتماع الناس في المسجد في وقت مخصوص للدعاية إلى مفردات تخالف ما سبق ، وذلك في حضرة الحادي عشر من كل شهر وفي نور أهل اليقين في حضرات المحبين أورد جملة من القصائد التي تنشد بها ، غير أن هناك قصيدة مهمة تنسب لأحمد بن محمد المحضار لم يردنا أن نطلع عليها ، وقد أطلعنا الله عليها فلنبدأ بها ، ثم نأخذ ما يدور في فلكها ، وفيها ثلاثة مقاطع :
أئمة الاثنا عشرية :
يصرح الشاعر في المقطع الأول بأن الحالة التي عليها حضرموت في وقته بائسة قد مادت بها الفتن ، ولم تجد دعوته ثم من يناصرها لانشغال الناس بالمعاش لا سيما في دوعن ، وإذ لم ينبت شيء منها بأرض حضرموت فالعودة من حيث أتى هو السبيل ، يعني إلى العراق حيث أئمة الإثني عشرية وهذا قوله :
حضرموت أمست تعاصر بلغت حد التراقي
لم تزل في حرب ثائر وشقاق وعلاقي
والدواعن في خواطر همهم هم السواقي
ما وجدنا اليوم ناصر أو نهاجر للعراق
حيث كان الجد عيسى وأئمتنا الثنا عشر
قد كفاني علم ربي إنه أعلم وأجدر
ففي هذا الفصل يصف الشاعر الحياة السياسية والعلمية بحضرموت ، وأنها في حالة الاحتضار ، وأن جماعة منهم بدوعن حيث يعيش الشاعر قد انغمسوا في الدنيا ، وإصلاح معاشهم ، ولم يجد من يناصره منهم ، والنصرة مطلقة فإن كان مراده الإمامة الخاصة فذلك يدل عليه أو نهاجر للعراق ، ثم يصرح الشاعر بالأئمة الاثني عشر عند الإمامية ، ومما يؤكد قوله هذا ما ورد في قصيدة أخرى في نور أهل اليقين مطلعها ( رب سالك بحرمة سيدتنا خديجة ) وفيها يقول متوسلا :
والحسن والحسين أهل الصفات الجميلة
والأئمة اثنا عشر هاجروا في سبيله
هاجروا من بلاد الله موطن خليله
يوم شافوا العرب كل حامل صميله
ولنا وقفة مع الولع بذكر خديجة رضي الله عنها ، وقوله قد كفاني علم ربي مشى فيه على قصيدة لعبد الله بن علوي الحداد تخميسها قد كفاني علم ربي عن سؤالي واختياري ، وقد ورد أثر ( حسبي من سؤالي علمه بحالي ) وهو حديث لا أصل له ، أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة و السلام ، و هو من الإسرائيليات .
موقفه من المخالفين له :
ويندب الشاعر حظه المتعثر في وجوده بين ظهراني تلك القبائل التي لم تقدر دعوته قدرها ، بل ديدنهم الفساد في الأرض وهي دعوى تحتاج إلى بينة تشهد بصدقها لنقف على حقيقتها ، ومما قاله شعرا :
قد وقعنا بين سيباني وهمداني وعسكر
وعمودي وحقودِ وجحودِ ومعزر
ملؤوا الأرض فسادا واستباحوا كل منكر
والمهاجم والمظالم حاصلة في كل بندر
يا رسول الله هيا يا أهل زنبل يا أهل أكدر
قد كفاني علم ربي إنه أعلم وأجدر
سيبان وهمدان والعمودي هم من قبائل حضرموت ، وقد شن الشاعر هجوما عنيفا عليهم ، وعزا الفساد إليهم ، واستباحة المناكر ، وهذا كلام يعوزه النقل التاريخي ولم يكن لمز القبائل يتيما هنا بل له أخوة من المواضع التي نذكرها قريبا في مبحث خاص ، والملك إنما يقوم على العصبية كما في نظرية ابن خلدون وهو الأمر المفقود عند هذه الفئة .
وأما الاستغاثة بالرسول وبأقطاب الطريقة الصوفية ممن دفن بتريم في مقبرة زنبل وأكدر تعد شركا قد نعت النصوص الواقعين فيه .
الحديث عن المهدي :
وأخيرا فإن لم تتم النصرة فإن الفساد سينتشر انتشارا عظيما ، ولا يجد الشاعر مخلصا له إلا خروج المهدي المنتظر :
قل له إن لم يبادر بفكاك للرعية
ومراكب ومواكب وكواكب ألمعية
ودساكر وعساكر ارتقوا طيبة زهية
كي يزيلوا للمناكر ينصفوا (هذي) الشكية
إن وقع هذا وإلا فعلينا لا تخبر
وعسى المهدي يظهر وينادي الله أكبر
أي يطلب هنا ويشكو من فشو المناكر ، وإن لم يغاث وإلا سينتهي أمرهم ، ثم يتمنى ظهور المهدي ، فإن حملناه على أمنيته الأولى وهي الرجوع إلى العراق حيث الإمام الثاني عشر عندهم وهو المهدي المنتظر الغائب في السرداب ، وإن حملناه على معتقد أهل السنة فإن ظهوره قد نطقت به الآثار الصحيحة .
وقد كثر الحديث عن المهدي عند العلويين ممن ينادي بالإمامة الخاصة التي لا تكون في سواهم ، فهم يتوارثونها حتى يظهر المهدي الذي قرب زمانه وحان أوانه كما قال أبو بكر العيدروس شعرا :
بدر السعادة قد قرب طلوعه .. وسوف يظهر
إذا بدا الشهب تطيعه .. ولو تأخر
قال علي بن حسن العطاس : البدر المشار إليه هنا مما يظهر والعلم عند الله أنه المهدي المنتظر خروجه آخر الزمان من أهل البيت المصطفى المشار إليه في الأحاديث الصحيحة الصريحة ، وأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما ، وقد أشار إليه سيدنا عبد الله بن علوي الحداد شعرا ( ومنا إمام حان حين خروجه )... [19]
وأجاب أحمد بن حسن العطاس حين سئل عن دعاء زين العابدين في قوله ( اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته لعبادك ...) فقال إن المراد إمامة أهل البيت المشار إليها بقول الحداد ( ومنا إمام حان حين خروجه ) وهي مرتبة الإمامة التي يتوارثها أهل البيت إلى أن يظهر المهدي .
ويزيد الأمر وضوحا ما ذكره الشجار في تثبيت الفؤاد لما قرئ أن العيدروس أعطى الحداد وديعة بعد أن صافحة في واقعة : لعل الوديعة مقام القطبية والدعوة إلى الله وتجديد الدين ، قال أحمد بن حسن العطاس كما في تذكير الناس ( كلا ولكنها الإمامة الخاصة لأهل البيت التي لا تكون إلا فيهم ولا تصلح لغيرهم والظاهر أنها بعد الحداد مخبية لم يحملها أحد ) . [20]
مبحث
ومما أحلنا عليه آنفا لإفراده ببحث مستقل أمران يجمعهما شيء واحد وهما الولع بذكر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، وذم بعض القبائل الحضرمية ، والمتأمل للقصائد التي وردت في نور أهل اليقين يستوقفه كثرة ذكرها ، وهناك قصيدة في تفريج الكروب وتفريح القلوب مطلعها :
بشراك سيدة النساء بشراك .. آل الرسول جميعهم أبناك
يتحدث فيها عن جور الزمان بهذه العصبة التي تنشد الصدارة ، ولم تراع مكانتها بين من نزلت بساحتهم من الحضارمة ويذكر ما فشا في البوادي من التنباك فيقول :
وتكبر الأنذال قد أودى بنا .. أهل التهم والزور والتنباك
ترضين يا أم البتول إهانة .. لنبوة ضمتهم أحشاك
شتت بهم جور الزمان وظلمه .. وبلاؤه وعناؤه الفراك
إني أنا من دونهم أشكو الضنا .. فاصغ لما قد قلته أذناك
ويسترسل بعد الاستغاثة بها في النظر لحاله فيقول :
إن كنت عن طرق الهداية ضالا .. أتراك عني تغفلين أتراك
أو كنت منتزحا بدار إقامة .. في وادي الأحقاف والأحفاك
الماء والنبق القليل طعامهم .. وحياتهم بالخوف والأضناك
يا هل ترين إذا نزلنا بينهم .. في قارة مغبرة الآراك
هل تسمحين لنا بعين تودة .. حتى تطيب حياتنا بلقاك
وهناك قصيدة ثانية تقترب في الموضوع من الكافية مطلعها :
بخديجة الكبرى وأهل حجونها أدعو وأهتف من ورا السيطاني
ومن أبياتها التي يشير فيها إلى عدم مراعاة حقهم :
بنت الرسول وأمنا الزهراء ال .. بتول تغيثنا في الآني
قولوا لها هيا انجدي لا تقعدي .. وتفقدي في هؤلاء الضعفاني
أبناءكم ونساءكم وعيالكم .. قد أصبحوا بمذلة وهواني
ولا بأس أن نورد حكاية لها علاقة بالمقام راموا تذكيرنا بها على ما فيها من وردت في تذكير الناس مفادها أن أحمد بن محمد المحضار ضرب خطيب الحرم المكي حين أطال الخطبة ، وقصر الصلاة ، وخالف السنة ، فطلبه العسكر فهرب قاصدا قبة خديجة رضي الله عنها قال : ( وكان بابها مغلقا فحين أقبلت والناس خلفي انفتح فدخلت ، وانغلق عليّ فمكثت في القبة ثلاثة أيام ) .
ثم ذكر أن الشريف محمد بن عون طلبه ، وقص عليه ما حصل فطلب منه البقاء في مكة قال : ( فذهبت إلى السيدة خديجة ، وعرضت عليها الأمر فقالت : الأولى أن تخرج إلى أرضك فإني أظهر عليكم هناك أكثر ). [21]
وهذه حكاية لا تقوم على ساق التحقيق ، وعرض الأمور على الموتى وفصلهم فيها هو الذي أورد المتصوفة الموارد ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
ويشهد المؤرخ جعفر السقاف بتشيع المحاضير في رسالته حامد المحضار كما عرفته فيقول والعهدة عليه في ذلك : ورث حامد التشيع لآل البيت النبوي الطاهر من آبائه وأجداده المحاضير . [22]
وهذا إجمال لا يغني الباحث شيئا ما لم يفصل القول تفصيلا في مثل هذا الإطلاق ، ونحن لا نشهد حتى يتم نصاب الشهادة ، ولا نرضى وبالله التوفيق .
والشاعر لا يتورع في إطلاق الحقارة على الناس ، ويستشيص غضبا لأنهم قد تعلموا ، وفقهوا ، وينعي حال الإمارة في حين جماعته من العلويين تاهوا بجاوة ، كما في قوله :
شافوا العلم قد ذبوه أهل الحقارة
والحوك والصوغ وأهل اللعب في المدارة
عادوا اليوم واستعوت هناك الإمارة
إلى قوله ( حضرموت الفرس رجعت شبيه الحماره ) وهذه نزعة استعلائية وقى الله شرها ، والله المستعان .
الفصل الثالث
حديث الإمامية بحضرموت
ذكرنا في المقدمة أننا لا نمتلك كثيرا من الأخبار التي تبين ظهور الرافضة بحضرموت ، وهم الذين عناهم الشاعر بقصيدته البكرية التي استحسن العلماء انتشارها في الجمع بأرجاء حضرموت ، وبقي معنا حديث لعبد الرحمن بن عبيد الله السقاف يصرح فيه بأن سلفه من العلويين كانوا على الإمامية ، ويتصدر بأن يكون الزعيم بهذا الحديث ، ويبدو أن عنده من الكتب التي يدرسها ما تحدثه بهذا الحديث كقوله : ( إن العلويين الحضرميين ومن لفهم إلى هذا الحين إن لم يكونوا على مذهب الإمامية فإنهم على أخيه ، إذ طالما سمعنا ممن لا يحصر عدا أو لا يضبط كثرة منهم من يقول إنها لما زويت عنهم الخلافة الظاهرة عوضوا بالخلافة الباطنة ، فصارت إلى علي ثم ابنه ثم إلى زين العابدين ثم إلى الباقر ثم إلى الصادق وهكذا في الأفضل ثم الأفضل من ذرياتهم ، ألا ترى أنهم يقولون بقطبانية هؤلاء ، وما القطبانية إلا الإمامة بنفسها ! ) [23]
ومما يتوكأ عليه من الأقوال أنه لم يتسم من العلويين أحد بأبي بكر وعمر إلى زمن أحمد بن الفقيه المقدم ت 706 ه كما قال أحمد بن علي الجنيد : ( وأول من سمي أبو بكر وعمر من أولاده بحضرموت لأن أهلها كانوا شيعة ) [24] ، ونص عبارة ابن عبيد الله عند ذكر عبد الله بن احمد بن محمد بن عمر باكثير الشبامي قال : ( ووجود اسم عمر في عمود هذا النسب مما يتأكد به ما قررته في قول شيخنا المشهور ، وشيخه احمد الجنيد أن العلويين كانوا يجتنبون اسم أبي بكر وعمر لأن أهل حضرموت شيعة من تخصيص التشيع بالعلويين ، ومن على شاكلتهم ، وإني بتمعني العموم وأكثر أهل حضرموت إذ ذاك إباضية ). [25]
وقام معه في هذا القول المؤرخ صالح بن علي الحامد ردءا يصدقه قائلا : ( إن المهاجر أحمد بن عيسى بقي على مذهب آبائه وأسلافه الأقدمين مذهب الشيعة الإمامية الذي يعدون المذهب الشيعي الإمامي مذهبا قوميا لهم ولأتباعهم ) . [26]
وذكر أن عبد الله بن طاهر الحداد كان يقول : إن النفس تميل إلى كون المهاجر إمامي المذهب ، وإن مذهب الشافعي كان متأخر الدخول إلى حضرموت عن هذا التاريخ .
ولم يكتف الحامد بموافقة ابن عبيد الله بل نراه يشن النكير على من يخالفه مما يزعم شافعية أحمد بن عيسى بأنهم ( كانوا في عصور متأخرة تفصلهم عن العلم بحقيقة الأمر ، مع فقد النقل عصور قرون ، وليس هناك دليل يستندون إليه ، اللهم إلا اعتماد على الاستصحاب المقلوب لكون بنيه وذريته كانوا شافعيين ، إذا فكر الحصيف مليا رأى نفسه في ريبة من الأمر ) [27]
ونحن أولى بالشك والريبة من هذا الحصيف وغيره ممن يعرض التفاصيل في خبر المهاجر وتفصله عن العلم بحقيقة الأمر مع فقد النقل قرون ، وإفراد الكلام عن مذهب المهاجر الشافعي بالشك دون سواه من مراحل الهجرة تفريق بلا حجة .
والحكومة بين المتخاصمين في هذا الأمر تحتاج إلى النظر في الأدلة ، ولا يوجد من النقل في تلك العصور ما يقطع الخصام ، وتخلو مصادر فقهاء الشافعية مثل فقهاء طبقات اليمن لابن سمرة عن ذكر العلويين في تلك الفترة مع ذكر كثير من فقهاء حضرموت فإما أنهم ليسوا بعلماء وإما أنهم ليسوا بشافعية فلا يتفق مع موضوع الطبقات ، وممن ذكر فيها أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد باعيسى المعروف بأبي جحوش قاضي شبام توفي سنة 553 ه ، وقد وصف في تاريخ شنبل بأنه محيي السنة ومميت البدعة ، فأما السنة فهي صراط مستقيم واحد معروف ، وأما البدعة التي أماتها ففروعها كثيرة ، ولم يتفضل أحد ببيان هذا الإجمال ، وكذلك وصف الشيخ سالم بافضل ت 581 ه بهذا الوصف ، وقال فيه الإمام القلعي :
فبسالم سلمت شريعة أحمد .. عما يؤود قناتها أو يكسر
فإن صح ما قاله ابن عبيد الله في حديث الإمامية فإن فضل أهل حضرموت عليهم كبير لانتشالهم من هذه البدعة التي زالت بسبب المخالطة ، وليس المنة التي زعموها في إنقاذ أحمد بن عيسى أنقذ أهل حضرموت من الإباضية ، والمصادر تمد في عمرها إلى القرن السادس الهجري .
ومما أفاده ابن عبيد الله أن سبب تأخر العلويين عن استيطان المدن الكبرى في حضرموت إنما كان سبب اختلاف المذهب ، وينقل عن عمر الحداد أن المشايخ بتريم اشمأزوا بادي الأمر من العلويين ، وقال : إنه ما زالت المجاذبة بين العلويين وبين السنيين من علماء الشافعية حتى كانت الغاية الاتفاق على منتصف الطريق ، فإن الذين تديروا تريم من العلويين وافقوا المشايخ في الأخذ بالمذهب الشافعي ، وبعض الآراء الأشعرية ، وأكثر المشايخ بتريم وافقوا على القول بالقطبانية ، وهو المذهب الإمامي بنفسه ، فإن لم يكنه فإنه أخوه .
وبالجملة فإننا إنما نذكر ذلك على الحكاية وإلا فسبيلنا سبيل الواقفة في هذه التفاصيل ، إذ العلة تدور مع معلولها وهي الافتقار إلى النقل حيث يفصلنا بيننا وبين ذلك قرون كثيرة .
ولا نطيل النفس في هذا الباب حتى لا نخرج عن المقصود ، فقد تم الرضا عن أبي بكر وعمر على ما فيه من غرائب كما في البرقة المشيقة ما نصه ( لا ينبغي للزائر أن يزور مقابر تريم قبل أن يزور الفقيه المقدم محمد بن علي ، ولو كان شيخا أو والدا أو قريبا ، ولا يقدم قبل الفقيه أحد ... وروي عن بعض الصالحين أنه أراد أن يزور قبر جده قبل الشيخ الفقيه المقدم محمد بن علي فرأى شخصين أتياه في الهواء فقالا إن أردت الزيارة لجدك أو غيره فزر الفقيه محمد بن علي ثم زر من شئته وإن كنت مستعجلا فسلم على الفقيه ثم زر جدك قال قلت من أنتما ؟ فقالا نحن أبو بكر وعمر ثم طارا بين يدي كالنسرين !!! ) [28]
وفي الفوائد السنية : ويبدأ الزائر أولا بزيارة الأستاذ الأعظم الفقيه المقدم قال الشيخ أحمد بن محمد باحرمي رأيت الشيخين أبا بكر وعمر في المنام فقالا لي : إذا زرت فزر الفقيه المقدم أولا ثم زر من شئت !! [29]
فإن حملت الحكايتان على التعدد فذاك وإلا فالرواية الثانية فيها ذكر النائم الذي لم يسم ، وعلى كل حال فهذا غض من مقامهما أنهما جعلا من سدنة القبور ، يدلان الزائر على فضل زيارة الفقيه المقدم ، بما لا يتفق مع عقيدتهما التي رباهما عليها المصطفى عليه السلام هذا لو صحت القصة كيف وهي مبنية على خيال ، والصحيح ما ورد في الفكر والمجتمع وصف محمد بن علي الأكوع لمدينة طوس التي يعظمها الشيعة ما نصه ( ومن الوثنية الإيرانية القادم إلى المشهد كائنا من كان لا يدخل المدينة المذكورة إلا بعد ما يزور الإمام علي بن موسى ويعجز الوصف عن نعت ما يتجلى في المسجد والضريح مما يدهش الألباب ، وغاية ما يقال : إن الوثنية تجلت بهذه الرقعة ) . [30]
وما زالت المجاذبة تعمل عملها حتى آل الأمر عند المتأخرين إلى القول بخلافة الثلاثة ، والتأكيد على هذا كما هو الحال عند أبي بكر العيدروس العدني في قوله الذي يشعر بأن هناك من ينال من خلافة الشيخين فيرد عليه قائلا بكل صرامة :
( والله العظيم لو بعث الله والدي الشيخ عبد الله وأستاذي الشيخ سعد ، وذكرا لي أن سيدنا علياً أفضل عند الله من سيدنا أبي بكر رضي الله عنهما ما رجعت عن معتقد أهل السنة والجماعة من أن أبا بكر وعمر وعثمان أفضل من علي رضي الله عنهم أجمعين ). [31]
وديوان الحداد يصرح بذكر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وكفى بهذين الشيخين أعني العيدروس والحداد حجة على المتأخرين .
ذكر الإسماعيلة
ونبادر بذكر الاسماعيلية بوجهتيها القرامطة والصليحيين ودخولهم حضرموت وأنهم ليسوا مراد الشاعر هنا ، لئلا يتوهم من لا علم عنده ذلك فنقول وبالله التوفيق :
أما القرامطة
فقد دخلوا حضرموت في القرن الرابع الهجري وكانت الإباضية لم تزل في شبابها ، قال البشاري توفي نحو 380 ه ( حضرموت: هي قصبة الأحقاف ، موضوعة في الرمال عامرة نائية عن الساحل، أهلها لهم في العلم والخير رغبة، إلا أنهم شراة شديد سمرتهم ) [32]
وفي ظل هذه الكثرة من الإباضية بحضرموت ووجود الإمام الذي بايعوه ، ورغبتهم في الخير ، إلا أن ذلك كله لم يحل دون دخول القرامطة إليها ، ولم يغن شيئا في صد هجومهم بل وانتصارهم على أهل حضرموت ، واستطاعوا أن يعنوا لهم أميرا بها ، كما قال البشاري ( وعمان للديلم ، وهجر للقرامطة وعلى الأحقاف أمير منهم ) [33]
وأما الدولة الصليحية فهي تابعة للدولة الفاطمية الإسماعيلية ، ونشأت في اليمن على يد علي بن محمد الصليحي سنة 439 ه قال الديبعي : ( إن علي بن محمد الصليحي قد ملك ملكه مكة إلى حضرموت سهلا وجبلا سنة 455 ه، وهو الهمداني الداعي القائم بدعوة العبيدين في اليمن). [34]
وكانت الإباضية تصول وتجول بحضرموت آنذاك ، وهي ذات شوكة فتصدوا لهم ، ودخل إمام الإباضية أبو إسحاق إبراهيم بن قيس الهمداني الحضرمي في حروب معهم ، وأوقف توغلهم في البلاد كما ذكر في ديوانه السيف النقاد ، وباستقراء الديوان نرى وصفهم على النحو التالي :
أولا : دول الأنجاس
في سياق عن إمامته التي أصابها الوهن ، فنال منها الأعداء ، وخذله الأصدقاء ، يتأوه من هذا الحال بزفرات تنم عن مدى لوعته قائلا :
لهفي على رجل في حضرموت حكى .. أن العباد لهم مذ كانت البلد
لو كان في ملكهم فخر ومكرمة .. اناه منهم في عصرنا أحد
لكنها دول الأنجاس منتنة .. قد صاننا عن ذراها الماجد النجد
فدعوى هذا الرجل في حضرموت أنهم أحق بالملك من غيرهم ، والتعبير بدول الأنجاس يشعر بعقائدهم الباطنية .
ثانيا : أخذ الإمارة
وبعد أن تمكن خصوم أبي إسحاق من أخذ بعض ما في يده ، نادى في أعوانه ومنهم حشمر بن جناح يستفزه بذكر ما أحدثه الأعداء قائلا :
أمن المكارم أن تركة يعرب .. يتخدمون لكل كلب صاحي
خدمت عبيد أراذل كبهائم .. أخذوا الإمارة عنوة كسفاح
والتعبير بيعرب يدل على أن خصومه ليسوا من حضرموت ، وقد انتزعوا الإمارة في بعض أرضه ، وخدمتهم قبائل حضرموت ، ومن تعبيره قوله ( بلبس أولي الطغيان لبس الممالك ) .
ثالثا : خدمة الكافر :
ونراه يسح الدموع أسى وهو يرى من بنات يعرب من تنادى بالبيع ، وذلك بعد ضعف الدين حتى تترب خد الدين عند قومه على حد تعبيره ، ثم ينادي في عمومته من بني عبد المدان ، وقومه من همدان بالإنتقام قائلا لهم :
أراكم خضعتم واختدمتم لكافر وعلمي بكم لا تخضعون لمذنب
والتفريق هنا بين الكافر والمذنب يدل على أنهم من الباطنية ، وليسوا ممن يقارف المعصية ، ويصرح في بعض قصائده بتحقيق الأعداء مآربهم كقوله ( واليوم إن ضحك الكفار أو سخروا ... ) وقوله ( فإني لحبل الكفر لله قاطع ) .
رابعا : حرب الكافر :
ويشرح في كثير من شعره ما حل بالإسلام من هؤلاء ، وذلك أنهم قد أسروا النساء ، واستباحوا المحارم وهو أمر معروف عن الصليحيين ويوضحه ما ورد في الرائية :
كيف اصطباري والعذارى من بني .. قحطان في أسواق بيع الباقر
إني وإن لم تعرف التقوى فقد .. أعددتها حتفا لحرب الكافر
كم مسجد أضحى خرابا بعد ما .. قد كان معمورا بذكر الذاكر
أين التراويح التي قد سنها .. ليث الورى الفاروق صنو الطاهر
ما بال شهر الصوم لا صوم به .. ما بال تحليل السلاف الخامر
خامسا : بواطن السوء
وقد فصل القول في قصيدة أخرى إلى ما أحدثه هؤلاء الغزاة ، وهو يستنجد بأبي يعلا حمزة ، ويصرح بأن خصومه هم الباطنية قائلا :
صلاة وصوم عطلا ومساجد .. معطلة إلا لروث البهائم
عمرن ديار الخمر للخمر والزنا .. وعطل حد الواحد المتقادم
وكم محقوا من سنة لا أباهم .. وكم نصبوا من بدعة ومآتم
أبيح الحمى باح الدما فتهكت .. ستور الورى بيعت عذارى المكارم
فهذا وفيما قيل إن لدهم .. بواطن سوء الفاحش المتقادم
ويذكر أيضا أن خصومه هؤلاء أقلة أذلة دناة ، أحالوا بيوت الله مأوى للطبل والمزامير ، وحسبنا ما ذكرناه في هذا المقام من استبعاد أن الرمعنيين بالبكرية هم غير الرافضة ، وإلا فالمقام فيه طول نفس .
وكان دخولهم حضرموت في إمامة أبي إسحاق إبراهيم بن قيس الهمداني الإباضي وقد استنجد بإمام عمان الخليل بن شاذان كما في قوله :
ولم يبق لي إلا الصليحي قائما .. وها هو ذا سعده غير قائم
وقامت الحرب على ساق ووجه نداء آخر إلى الخليل فقال :
انصر أخاك فإن الحرب قائمة .. والحق يطلب من أهله أركانا
إن الذي عمرت صنعاء دولته .. بالفسق أصبح من مولاي فزعانا
وهكذا نستطيع الجزم بأن القصيدة البكرية لم تكن في مواجهة هؤلاء الصليحيين . [35]
وآن لنا أن ننشر هذه الرائحة الزكية ليكون الختام مسكا وهو ما ظفرنا به عن الإمام أبي عبد الله محمد بن علي القلعي الذي انتشر به المذهب الشافعي في حضرموت ونواحيها في كتاب أحكام العصاة وهو يتحدث عن بعض طوائف المتصوفة والإسماعيلية فيقول : وهذان الصنفان في الكفر، والإضلال أشدُّ وأضرُّ على الإسلام وأهله مِن غيرهما، وجميعهم ممن يساق إلى النَّار مِن غير مسألةٍ ولا محاسبةٍ ولا خُلُوصَ لهم منها أبد الآبدين، يعني: هذه الفرقة التي ذكرتُها مِن الصوفية ، وفرقة مِن الإسماعيلية الباطنية ، وهم قوم منهم يدَّعون أنَّهم قد اطلعوا على أسرار التكليف، وأحاطوا علماً بموجبه، وأنَّه إنَّما شرع ذلك للعامَّة ليرتدعوا عن الأهواء المؤدِّية إلى سفك الدماء، فيُحفظ بذلك نظام الدنيا، وذلك للمصالح العظمى التي لم يطَّلع عليها الأنبياء، ومَن قام مقامهم في السياسة، قالوا: ولهذا اختلفت الشرائع لاختلاف مصالح النَّاس باختلاف الأزمنة بهمَّتنا، وقوَّة رأينا، وفي أحلامنا ما نستغني به عن التزام سياسة غيرنا، والانتظام في سلك المبايعة لغيرنا فلا حظر علينا ولا واجب، فإذا سئلوا لأيِّ شيءٍ تُصلُّون وتصومون، وتأتون بما يأتي به المسلمون مِن الواجبات؟ قالوا: لرياضة الجسد، وعادة البلد، وصيانة المال والولد -أي: مِن القتل- ولأنَّ هذين الصنفين متفقان في أصل الاعتقاد وإن اختلفا في التأويل إلاَّ مَن عصمة الله تعالى منهم أعني: مِن فرق الصوفية ، والتزم أحكام الشريعة، والعمل بها، وحقَّ العلماء والفقهاء - يعني: اعترف لهم بالحق - ولم يَدخل في شيءٍ مِن هذه الخزعبلات والأباطيل التي دخلوا فيها؛ فصحَّ اعتقاده، وصفت سريرته: فإنَّه مُبرَّأ مما هم عليه ) .
انتهى كلام هذا الإمام ، وبه ينتهي الفصل الثالث بل والمبحث برمته والله نسأل القبول وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الفصل الأول : شرح القصيدة البكرية .............................................. [ 5 ]
أولا : براعة الاستهلال :..................................................... [ 5 ]
ثانيا : محبة الصديق من السنة ............................................. [ 7 ]
ثالثا : الصحبة في الغار ..................................................... [ 8 ]
رابعا : حديث الطائر في الغار ............................................. [ 10]
خامسا : الترضي شعار أهل السنة والجماعة ............................ [12]
سادسا : حب أهل حضرموت لأبي بكر ................................... [14]
سابعا : التوسل بحب الأربعة ................................................[ 15]
ثامنا : ذكر عائشة رضي الله عنها ..........................................[ 16]
تاسعا : فسق مبغضيه ونفاقهم ............................................... [17]
عاشرا : التصريح بذكر الرافضة .......................................... [19]
الخاتمة .......................................................................... [21]
مبحث تخصيص إنشادها في المساجد في بعض الأوقات ..................... [ 23]
الفصل الثاني من قصائد الإحدى عشرية ......................................... [26]
موقفه من المخالفين له.........................................................[28]
الحديث عن المهدي ......................................................... [29]
مبحث ................................................................................. [32]
الفصل الثالث حديث الإمامية بحضرموت .........................................[36]
ذكر الإسماعيلة ..............................................................[42]
n ..................................................................................[49]
[1] ) رواه الإمام أحمد ، وانظر صحيح الجامع رقم 6284 .
[2] ) تفسير الطبري الآية لمذكورة .
[3] ) تفسير الطبري وكذلك ذكر ابن أبي حاتم والثعلبي أنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه .
[4] ) انظر الجامع الصغير ، وقد أورده الألباني في ضعيف الجامع رقم ( 56 ) .
[5] ) انظر فتح الباري 7 / 236 وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 3 /339 ( واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين على كثرة ما يذكر في ذلك ...) .
[6] ) دلائل النبوة للبيهقي 2 /339 ، ولما غصت الرافضة بحديث الغار وما فيه من مناقب للصديق ، قال كبيرهم " لا فضيلة له في الغار ؛ لجواز أن يستصحبه حذراً منه ؛ لئلا يظهر أمره ..." !!وقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في "المنهاج" وبسط القول فيه (4/ 239-273) .
[7] ) انظر الشريعة للآجري 3 /401 .
[8] ) انظر إعانة الطالبين 2 /67 حاشية الرملي 1 /261 .
[9] ) فتاوى باحويرث المخطوطة باب التطوع .
وفي بغية المسترشدين 1 / 74 أن الترضي عن الصحابة لم يرد بخصوصه هنا كبين تسليمات التراويح ، بل هو بدعة إن أتي به يقصد أنه سنة في هذا المحل بخصوصه ، لا إن أتي به بقصد كونه سنة من حيث العموم لإجماع المسلمين على سنِّ الترضي عنهم ، ولعل الحكمة في الترضي عنهم وعن العلماء والصلحاء التنويه بعلوِّ شأنهم والتنبيه بعظم مقامهم .
[10] ) سير أعلام النبلاء 14 /511 .
[11] ) رواه الشيخان في صحيحيهما .
[12] ) رواه الشيخان في صحيحيهما .
[13] ) سير أعلام النبلاء 10 /89 .
[14] ) سير أعلام النبلاء 5 / 192 .
[15] ) انظر سير أعلام النبلاء 6 /260 قال الذهبي عقبه : هذا القول متواتر عن جعفر الصادق، وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير منافق لأحد ، فقبح الله الرافضة .
[16] ) انظر إيثار الحق على الخلق 1 /382 وقال ابن الوزير : ولا أعلم في الأحكام إسنادا متصلا مسلسلا بأهل البيت عليهم السلام سواه إلا أن يكون مرسلا أو مقطوعا أو مدخلا فيه غيرهم من الرواة ، وقد أحببت سياق هذا الاسناد الشريف لهذا المتن لجلالة رواته )
[17] ) اقتضاء الصراط المستقيم ص 73 .
[18] ) والجدير ذكره هنا ما ورد في ذخيرة المعاد شرح راتب الحداد أن سبب إنشاء الراتب الذي اشتهر بحضرموت سنة 1071 ه يعود إلى طلب بعض الناس من مؤلفه أن يملي ذكرا يحصن معتقد أهل الجهة خوفا من عقائد الزيدية فأملاه في الحاوي سنة 1072 ه .
[19] ) الرياض المؤنقة .
[20] ) تذكير الناس ص 215 .
[21] ) تذكير الناس ص 170 .
[22] ) ص 50 .
[23] ) نسيم حاجر ص 8 .
[24] ) الروض المزهر شرح قصيدة مدهر مخطوط ص 135 .
[25] ) إدام القوت 1 / 306 .
[26] ) تاريخ حضرموت 1 / 324 .
[27] ) ص 1 / 323
[28] ) ص 9 .
[29] ) ص 135 .
[30] ) الفكر والمجتمع في حضرموت تأليف الأستاذ كرامة مبارك بامؤمن ص 242 .
[31] ) النور السافر ص 45 .
[32] ) أحسن التقاسيم 1 /31 وقال ص 35: أهل الاحقاف نواصب غتم .
[33] ) أحسن التقاسيم 1 / 35 .
[34] ) تاريخ الديبعي .
[35] ) والكلام نفسه يصلح فيما ذكر في نشر محاسن الأوصاف ص 163 من وصول المكرمي إلى حضرموت وهم طائفة من نجران على رأي الإسماعيلية ، واستقر بهم المقام في شبام ، وجرت بينهم وبين سقاف بن محمد بن عمر السقاف مراجعات حين تصدى لهم .