التَّصْريح بنقد كتاب "نحو الإسلام الصحيح"
التَّصْريح بنقد كتاب "نحو الإسلام الصحيح"
حرَّره بلال النجار
شارك في إعداد مباحثه الأساتذة:
محمود الحياري
محمد مصطفى أمين
أيمن البدارين
فكرة الكتاب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد يسر الله لي أن ألتحق بحلقة درسٍ لأستاذي الشيخ سعيد عبد اللطيف فودة وفقه الله تعالى، التي درّس فيها في نحو سنة كتاب شرح مطالع الأنظار لأبي الثناء شمس الدين بن محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني المتوفى سنة تسع وأربعين وسبعمائة، على متن طوالع الأنوار للقاضي الإمام عبد الله بن عمر البيضاوي المتوفى سنة خمس وثمانين وستمائة. رحمهما الله تعالى، ونفع المسلمين بعلومهما آمين. وقد اجتمع إليه في مجلسه ذاك نحو عشرة من طلابه. وكان من عادة شيخنا قبل الدرس وبعده أن يفسح لنا المجال لمناقشة بعض ما يقع لنا من مسائل سواء ما تعلق منها بكتاب الدرس، أو التي قد تطرأ على أذهاننا من طريق اطلاعاتنا الشخصية، فضلاً عن مباحثاته معنا في أثناء الدرس لتعميق فهمنا للمسائل، وكانت هذه طريقته التي تميز بها ودأب عليها. وما أحسن ما تفتقت عنه القرائح في أمثال تلك المناقشات. فمما أثمرته وأذكره الآن، رسالة لطيفة في بيان أصول مذهب وحدة الوجود وبعض لوازمه الفاسدة، وكيف تتنافى مع مذهب أهل السنة والجماعة، كتبها الأستاذ أحمد حرب، وعدداً من الرسائل في نقد آراء الشيعة الإمامية والرد عليهم في مسائل أصلية. ثم اتفقنا على إعادة نشر كتاب درْسنا في صورة تليق بقدر هذا الكتاب العظيم، وقد أنجزنا بحمد الله جزءاً كبيراً من هذا العمل، وأسأل الله أن يمن علينا بإتمامه. ولقد أثمر غير ذلك مما لا يحضرني في وقتي.
وحدث في إحدى المرات أن أطلعنا الأستاذ محمود الحياري على كتابٍ عنوانه "نحو الإسلام الصحيح" وصفه مؤلفه مروان خليفات بأنه خلاصة كتابه "وركبت السفينة" الذي حكى فيه قصة انتقاله من مذهب أهل السنة والجماعة إلى مذهب الشيعة الإمامية.
وكان مما ورد في كتابه أنه اتهم سيدنا عمر رضي الله عنه بأنه خالف أمر رسول الله r بمنعه أصحابه من كتابة وصيته، في الحديث المشهور حين حضرته الوفاة، كما سيأتي. فطلب الشيخ من الأستاذين محمود الحياري وأيمن البدارين أن يكتبا رداً على ذلك الاتهام، نصرة وإظهاراً للحق، ففعلا. ولاطلاع محمود على مذهب الشيعة، واشتغاله الدائم بتحقيق مذهبهم والبحث في أصولهم، واستقصائه للشبه التي يكيلونها لأهل السنة، بقي يحفزنا على كتابة رد ولو مختصر على جملة ما ورد في كتاب مروان خليفات، سداً لواجب الرد على المبطلين، بصرف النظر عن قيمة أو أثر ما يكتبون، وسأل الشيخ في ذلك، فطلب إلينا أن نكتب ما يتيسر لنا من رد، وننشر ذلك في كتاب، ودعا من يستطيع أن يشارك إلى أن يفعل نظراً لكثرة انشغالنا جميعاً. وهذه هي فكرة وأصل هذا الكتاب. فلقد جمعت ما توفر لدي من مشاركاتهم وحررتها، ورتبتها على نسق واحد، كي لا يختلف أسلوب الكتابة على القارئ، ونبهت على مواضع مشاركات المشاركين. ثم ختمت الكتاب برسالة جمع فيها الأستاذ محمود جملة مما توفر لديه من أقوال الشيعة الإمامية قديمها وحديثها في تحريف كتاب الله عز وجل، على حد زعمهم. والله سبحانه وتعالى المسؤول أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يجعله فاتحة لكتب أخرى تبحث في نقد أصول الإمامية، على طريقة المتكلمين من أهل السنة والجماعة. والحمد لله رب العالمين.
بلال النجار في 19 / 3 / 2003
m
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد، فقد زعم مروان خليفات، بأن كتابه الأصل "وركبت السفينة"، كان محاولة منه للوصول إلى منظومة الأفكار التي تعبر عن الإسلام الصحيح. فنهج للوصول إلى هذا الإسلام الصحيح الذي هو عنده مذهب الشيعة الإمامية، طريقة تعرض لثلاثة مذاهب: الأشعرية، والسلفية، والشيعة الإمامية، وتناقشها وتخلص للمذهب الحق منها.
أما كتابه نحو الإسلام الصحيح فقد قصر الحديث فيه على المفاضلة بين الأشعرية والإمامية رغبة منه في الاختصار، وحسناً فعل هنا بعد أن أساء هناك؛ لأن السلفية ما كانت لتعبر عن مذهب أهل السنة والجماعة بأي حال من الأحوال. وإن مناقشة المخالف لمذهب السلفية في مقام الرد على أهل السنة على أساس من تمثيل السلفية لمذهب أهل السنة جناية على الدين، وعمل لا يخلو إما أن يعبر عن جهل المخالف بمذهب أهل السنة، أو إرادته تشويهه. وأنا أنسب للكاتب الأمرين.
ولك أن تستدل بجملة ما وضع مروان في كتابه عن أهل السنة لتتبيّن ما أقول. فانظر مثلاً، في قوله في حاشية كتابه: "ينبغي الالتفات إلى أن لقب أهل السنة والجماعة أعم من الأشاعرة، فيدخل فيهم الماتريدية، والظاهرية، والحشوية أصحاب الحديث. فإطلاقنا هذا اللقب على الأشاعرة من باب المجاراة لهم في إطلاقهم للَّقب على أنفسهم". اهـ.
فأقول: إن أهل السنة والجماعة معروفٌ من هم عنده، ولا يدخل فيهم الحشوية قطعاً، لأن التشبيه والتجسيم ليس من مذهب أهل السنة في شيء. كما ينبغي التنبيه على أنه لا يجوز إطلاق القول بأن الحشوية أصحاب الحديث لأن بعض أصحاب الحديث من الحشوية، وليس كل من اشتغل بالحديث حشوياً. وإن كان الكاتب لا يدري من هم أهل السنة، فلماذا يهتم بجعل الكلام مع الأشعرية هنا. وإن كان المعتبر في إطلاق أهل السنة والجماعة قول كل من ادعى أنه منهم، فإنكم أيها الإمامية تقولون بأنكم أنتم أهل السنة والجماعة حقاً، مع أن أحداً لا يوافقكم على ذلك. ثم إنك أيها الكاتب تقول: "لقد اتهم الشيعة بأنهم يقولون بألوهية الأئمة وما شابه، والحق أن هذه الأقوال هي لبعض الفرق الغالية، ولكنها نسبت للإمامية جهلاً أو تجاهلاً، والإمامية تبعاً لآل البيت تبرّأوا من هذه الأقوال، وكفروا قائليها". اهـ.
فإذا جاز للإمامية أن تدخل من تشاء تحت اسمها وتخرج من تشاء بناء على معرفتها بأقوالها وتبرئها من أقوال غيرها وعدم الالتفات لقول من يحاول إدخال نفسه تحت اسمهم أو قول من يحاول إدخال غيرهم فيهم، فلم لم تقبل قول الأشعرية: بأن أهل السنة والجماعة إنما هم الأشعرية والماتريدية؟
ولقد نثر الكتاب في كاتبه شبهاً وتشكيكات بدعوى نصحه للدين ولعامة المسلمين، وهي دعوى سرعان ما يظهر زيفها لكل عاقل، لأنها تفتقر إلى الإنصاف والموضوعية، وتنأى عن التحقيق. ويكفي القارئ العادي أن يقرأ طرفاً من كتابه المختصر أو كتابه الأصل ليعلم ذلك. فإن ما أودعه خليفات في كتابه لا يعدو كونه شبهاً قد فرغ من بحثها والإجابة عنها علماء أهل السنة، ولو أن الكاتب بحث عن إجابة هذه الشبه في كتبهم –كما يدعي- لما جعل من نفسه ضحكة بذكرها. ولوجد أن متكلمي أهل السنة يفهمون مذهب الإمامية ولوازمه القريبة والبعيدة، أكثر مما يفهمه الإمامية أنفسهم، ويحللونه ويعرضون أقوالهم في أقوى صورة بل ربما يخترعون لهم الأدلة، ثم إنهم ينسفون مذهبهم نسفاً.
وكنت أتمنى أن يكون الكاتب ذا قدرة نظرية أكبر ليكون في مستوى يؤهله من أن يكون نداً لقوة متكلمي أهل السنة، فإن كلامه واهٍ لا قيمة له في عامة الكتابين، وبخاصة حين يناقش مسألتين عقديتين لأهل السنة ألا وهما إمكان تكليف الله سبحانه وتعالى العبد بما لا يطاق؛ وأنه لا يجب على الله تعالى شيء، فإن شاء عذب المؤمن ونعّم الكافر، وهو إنما يثيب من يثيبه تفضلاً منه سبحانه وتعالى ومنّاً، ويعذب من يعذبه عدلاً. وسيأتي بحث هاتين المسألتين بتفصيل حين نبلغهما إن شاء الله تعالى.
ويظهر من خلال قراءة الكتاب، أن مؤلفه غير راسخ القدم في الفنون التي تطرق إليها، لا حين حاول أن يهدي صديقه الشيعيّ –كما يروي في قصته- إذ تزعزعت ثقته بنفسه وانهار أمام أول شبهة أوردها عليه صديقه، ولا في أثناء بحثه عن أيهما الأحق بالاتباع مذهب السنة أم مذهب الإمامية، إذ لم يحسن البحث، ولم يلتزم بقواعد النظر الصحيح، ولا أراه راسخاً الآن وبعد أن فرغ من البحث وانتهى إلى أن الحق الأحق بالاتباع إنما هو عند الإمامية، فألّف هذا الكتاب الذي وضع فيه خلاصة أفكاره. وسنبين ذلك في أثناء مناقشاتنا للشبه ولكلام الكاتب إن شاء الله تعالى.
وأقول: ما كنّا لنتكلف عناء الرد على هذا المُهَوِّش لولا انتشار هذه الشبه في بعض الأوساط، حيث يوجد العوام والسذج وبعض المشتغلين بالعلوم الشرعية ممن لم يحقق بعدُ أصول أهل السنة، فيستميلهم المتحمسون لمذهب الإمامية بمغالطات وكلام خطابي لا قيمة له عند أهل النظر. فلهم ولكل امرئ يريد أن يعرف مذهب أهل السنة كما هو منقول عنهم لا كما يصوّره كلّ من شاء كيف يشاء، أقدمنا على إعداد هذه البحوث.
ثم لعمري حين ترى أمثال هذا الكاتب يتصدون للتشكيك في مذهب أهل السنة، فإنها هزلت. فأسفي على ضعف علماء أهل السنة، هذا الضعف الذي ليس أدلّ عليه من انتشار مثل هذه الكتب والتشكيكات سواء هذه التي يتشدق بها الإمامية أو تلك التي يتناقلها السلفية؛ فلأيّ أمر تثار هذه الشبه من الأولين، ولأي شيء تثار شواذ المسائل من الآخرين، ولمصلحة من؟!
إن الدعوى دائماً هي الحرص على الدين، والبحث عن الحق وأمثال ذلك من الشعارات التي لا نجدهم يتمثلون روحها ولا عالي معانيها ! فحقاً أسفي على العلماء الذين ضعفوا وأضعفوا هذا الدين بضعفهم، فانتشرت عجائب المذاهب، وسمح لكل من هبّ ودبّ أن يتلاعب بالشريعة الغراء وبعقول المسلمين، باسم الاجتهاد ونبذ التقليد، وأن يشنع على من زينهم الله سبحانه وتعالى بفقه دينه وحمل العلم الذي هو ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وينتقص ممن رفعهم الله تعالى فوق الناس درجات وأعلى ذكرهم، وأذن بالدعاء لهم في كل وقت وحين، رحمهم الله أجمعين. أسفي على المنتسبين إلى أهل السنة الداعين إلى التقريب بيين المذاهب، على غير أسس سليمة. أهذه هي دعوة التقريب أيها المتملقون الضعفاء، أي أساس هذا الذي يستند إليه التقريب حين نقابل أكابرهم بالاحترام والتقدير ونحتاط في الحكم عليهم، وهم يخوضون في صحابة رسول الله r، وفي علمائنا وأكابرنا ومعتقداتنا وأعظم كتبنا، ولا يرقبون في أحد من أهل السنة إلاً ولا ذمة. إن كل دعوة تسعى إلى التقريب بين أهل السنة والشيعة مع الإبقاء على أصول الدين عند الطرفين على حالها هي دعوة ساذجة وحالمة وجاهلة عند إحسان الظن بها؛ فإن هذين المذهبين يختلفان اختلافاً شديداً في أصول الدين، وبناء على هذا الاختلاف الأصلي انبنت اختلافات فرعية لا حصر لها. وأقول إنه لمن السذاجة أو التساذج تصوير الاختلاف بينهما بكلام مائع مداهن عن الاختلاف في صفة الصلاة أو مصارف الزكاة أو ألفاظ الأذان وأوقاته ومناسك الحج، وأوقات الفطر والصيام وغير ذلك من الأمور الفرعية من حيث هي فرعية. وإننا إن كنا سنعرض لفساد بعض ما يقول به الشيعة من الفروع في هذا البحث، فإنما هو من باب المشاكلة للكاتب الذي شنع في كتابيه على أهل السنة أيما تشنيع، وليس لأن ذلك مقصود بالذات؛ لأنا لا نقدّم الفرع على الأصل ولا المهم على الأهم، وخلافنا مع الإمامية ليس في الفروع بل في الأصول. وليعلم خليفات أننا نتقن التشنيع أكثر مما يرقى إليه خياله، لا سيما مع وجود هذا القدر الهائل من العجائب في كتب الشيعة المعتمدة والتي حقها أن تدرج في كتب كألف ليلة وليلة لا أن تكون في صحاح حديثية؛ كما يسهل علينا أن نطرز كتبنا بعلامات التعجب والاستفهام والديباجات الخطابية الجوفاء، ولكننا نترفع بأنفسنا عن مشاكلته في ذلك. فإن أردت أن ترد علينا أو تناظر لإثبات مذهبك أو أن تتباحث معنا في أصولنا أو أصولكم أنت أو من هو أعلم منك من مشايخك فإن ذلك مما يسعدنا. بل إننا نتمنى على المخالف أن ينبري ليناقشنا ونرجو الله أن ييسر لنا لقاء كل مخالف لأهل السنة للتباحث معه. ولكننا، وللأسف، لا نرى إلا أناساً يخفون رؤوسهم كالنّعام، وإذا أمسكت بواحد لتناقشه فإنه إما أن يدعي أنه ليس أهلاً للبحث والمناظرة وأن هنالك من هو أعلم منه، أو أنه يتفلت منك كأنك عقلته وهو الوحشيّ، فيتذرع بتورعه عن الخصومة والجدل وأمثال ذلك مما لا يَفهم معناه ولا محل النهي عنه، ولا يتورع عنه حين يخلو له الجو ليحلق فيه حراً فوق رؤوس المعجبين بفنونه والمبهورين بقدراته ممن لم يمارسوا قط تحليق النسور. فأين هم علماء الشيعة؟ وأين هم علماء السلفية؟ وأين هم علماء أي فرقة تخالف أهل السنة (الأشعرية والماتريدية)؟
ومهما يكن من أمر، والحال لا تخفى على لبيب، فلقد عمدنا إلى رد أهم الشبه التي تناولها خليفات، وقد نعارضها بما هو عند الإمامية مما يعسر تقريره وإيجاد وجه يحمل عليه على مذهبهم، أو نلزمهم بنفس لوازم الشبه التي يوردونها علينا، أو بتناقضهم وتهافت أقوالهم. ولا نخص خليفات بالرد، بل الكلام عام يجيب على الشبه التي أثارها بصرف النظر عن المتفيهقين بها. فالمراد بيان مذهب أهل السنة في هذه المسائل ورد تلك الشبه، رغبة في إعلاء الحق، وطلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى. ولقد التزمنا طريقة واحدة في الكتاب أنا لا نأتي بنص من كتب أهل السنة للاستشهاد به إلا أن يكون من الكتب التي نقل منها الكاتب نصوصاً للاستشهاد، ولم نحتج عليه فيما نسبناه للإمامية إلا بنص من كتب الإمامية أنفسهم، مبالغة منا في إثبات أقوالنا وإجوبتنا. وكما دعا الكاتب بأن ينفع الله ببحثه المسلمين في كل مكان، فإننا ندعو له ولنا ولأئمة المسلمين وعامتهم بالتوفيق لما يحب ويرضى، إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين.
مناقشة لبعض ما مهد له الكاتب
يقول الكاتب في عرضه لقصة تحوّله إلى مذهب الشيعة، إن صديقه أعطاه كتابَ (ثم اهتديت) للتيجاني ليتحقق من حادثة رزية الخميس، فاندهش لما يقرأ وانهارت طموحاته، وحاول إقناع نفسه بأن هذه الحقائق ليست موجودة في كتب أهل السنة. هذا كله من عبارته. وفي اليوم التالي بدأ بتوثيق نصوص كتاب التيجاني فوجدها مثبتة في صحيحي البخاري ومسلم بعدة طرق. وعليه يقول: "كان أمامي احتمالان: إما أن أوافق عمر على قوله، فيكون النبي يهجر –والعياذ بالله- وبهذا أدفع التهمة عن عمر. وإما أن أدافع عن النبي وأقر بأنّ بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأ جسيماً بحق النبي r حتى طردهم. وهنا أتنازل عن معتقدات طالما رددتها وافتخرت بها أمامه". اهـ.
ولنتأمل هذا الكلام. إن الكاتب لم يذكر عدة الطرق التي وجدها في الصحيحين، فضلاً عن قول الشراح في هذه الروايات ومناقشة النصوص أصولياً؛ إنه يتكلم مجرد كلام في الهواء دون الاستدلال عليه بشيء؛ ودرج على ذلك في عامة الكتاب، كمن لا يسلم لك شيئاً مما تقول ولا يأتي بدليل واحد ينقض به شيئاً من قولك. وهذا الأسلوب من إطلاق الأحكام جزافاً دون تدعيمها بالأدلة ليس من طريقة أهل العلم في شيء. وسيأتي الإجابة عليه عند جواب الشبهة الأولى. أما هذا التيجاني الذي ينقل عنه الكاتب ويعده في كتابه من علماء أهل السنة الذين تشيعوا، فأهل السنة منه براء إذ لم يسمع به أحد قبل أن يعتبر نفسه من علمائهم المحققين. فكان هذا المستوى من الكتب والكتّاب هو الذين تأثر به كاتبنا وقدمه على كتب أئمة أهل السنة.
أما الاحتمالان المذكوران في كلامه، فإن سلم انحصار دلالات الروايات فيما وصف، وسلم من قبل ثبوتها بالألفاظ التي ذكرها، ولا يسلم له ذلك، فإن كان المراد اتهام عمر الفاروق بتهمةٍ انتقل الكلام لإثبات أو نفي هذه التهمة عنه، وإن كان الكلام في أن في هذه الحادثة من أي طريق من طرق الرواية وردت دلالة على إمامة سيدنا علي كرم الله وجهه، أو إثبات الإمامة بالنص فهذا لا يتمّ له بهذه الروايات ولا بغيرها. ثم ما هي هذه المعتقدات التي طالما رددها وافتخر بها الكاتب أمام صديقه الشيعي، ثم تنازل عنها لما علم مخالفة بعض الصحابة لأمر النبي r على فرض وقوعه، لم لم يحددها على الأقل لنعلمها، ولا نقول يبين انبناء طرحها على العلم بالمخالفة. ولقد نقل في الأخبار وقوع مخالفة بعض الصحابة لرسول الله r، كنزول الرماة عن الجبل يوم أحد، وامتناع سيدنا علي t عن أن يمحو كلمة رسول الله يوم الحديبية، وعدم صلاة العصر في بني قريظة كما سيأتي، فلم لم تتنازل عن اعتقادات طالما افتخرت بها إلا عند هذه المخالفة. وإنما الكلام في إثبات أصل من أصول الشيعة، أو هدم أصل من أصول السنة، أو إثبات أصل من أصول السنة، أو هدم أصل من أصول الشيعة، مما يستوجب انتقال المرء من مذهب إلى مذهب بينهما هذا البون الشاسع، وعليه فإن كل كلام لا يخدم هذه الغايات فلا اعتبار له هنا.
ثم يقول الكاتب إنه قرأ كتباً كثيرة سواء للشيعة وأهل السنة لا يسعه ذكرها، فكانت قراءاته ترسم له صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة، كان عقله يقف مبهوراً محتاراً أمامها فضلاً عن حيرة علماء أهل السنة في التعامل معها.
أقول إنني قرأت كتابك ولم أجد فيه أي حجة دامغة، ولم أجدك تشير إلى كتاب واحد لأهل السنة وقف فيه عالم من علمائنا مبهوراً محتاراً كيف يتعامل مع تلك الحجج المزعومة. وكان الجدير بك وأنت تضع هذا المختصر أن تعرض لهذه الحجج الدامغة لتقطع بها دابرنا وقول كل مخالف. واعلم أن الحجة إما أن تكون عقلية أو نقليّة، وهي تنقسم إلى السفسطة، والخطابة والشعر والجدل والبرهان. والبرهان هو أجلها وهو القياس المؤلف من مقدمات يقينية. وأنت تقول: "أنا على يقين تام بصحة ما أنا عليه" أي من التشيع. وتقول: "وأنا والحمد لله قد اجتهدت في معرفة الفرقة الناجية، وبعد البحث الجاد وجدت هذه الفرقة –أي الشيعة الإمامية- وثبت لي بالدليل العقليّ والنقليّ أنها هي الناجية، وسأثبت ذلك في هذا البحث"، وتقول: "تعال أيها القارئ لنبحث عن الأطروحة الإلهية التي تخلو من الثغرات والشطحات، القائمة على اليقين، لا نقص بها ولا زيادة ولا تغيير، تعال لننظر في أدلة الفرقتين –يعني الأشعرية والإمامية- حتى لا نبقى كأولئك الذي يقولون )إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ(". وأمثال ذلك من العبارات. فأقول: إن هذا الكلام الخطابي لن ينطلي على أحد، فقد بحثت في كتابك عن برهان واحد فلم أجد، فإن كانت هذه الصور من الحجج هي التي تسميها براهين فإما أنك لا تتصور معنى هذه الاصطلاحات التي ترددها، أو أنك تخطبنا في مقام المقارعة بالأدلة بما لا نريد سماعه من مبالغات جوفاء.
ويلفت النظر أن الكاتب يتهم أهل السنة بالتصريح حيناً وبالتعريض حيناً، بالانغلاق على أنفسهم، وأنهم يعاندون، وأنهم يجافون المذاهب الإسلامية الأخرى، وأنهم يجدون الموضوعية أمراً صعباً حين يتعلق الأمر بالعقائد والتقاليد والموروثات التي تشبعت بها العروق وألفتها النفوس على حد قوله، وأنهم لم يقوموا بواجبهم في البحث عن أهل الحق والفرقة الناجية، وأن علماءهم حيارى في بعض المسائل الواردة عليهم من الشيعة، وأنهم منحازون متعصبون ومتطرفون، ومختلفون ويخوض بعضهم في بعض... إلخ.
وإني لأرغب في مواجهة خليفات فعلاً لأسأله بمن كان يعرّض، وعمن كان يتكلم. لأن هذه الأوصاف التي ذكرها إنما تنطبق أفضل ما تنطبق على الشيعة لا على أهل السنة. ولأن من قرأ في كتب علماء أهل السنة وبخاصة المتكلمين منهم، فإنه يتعجب من انفتاحهم على الآخرين، ومعرفتهم بدقائق مذاهبهم، واحترامهم لكل إيراد من المخالف، ومحاولة إنصافه بإيجاد محمل حسن لكلامه، وأنهم لا يتحرجون من تسليم قضية المخالف إن كانت حقاً، كما لا يتحرجون من تضعيف دليلهم إذا كان ضعيفاً، وأنهم يقتلون المسائل بحثاً، ويدققون على المعاني أيما تدقيق وحتى على الألفاظ والمباني من جهة أنها هل تخدم المعنى المستعملة فيه أم لا، وأنهم اجتهدوا أيما اجتهاد في تحقيق أقوال الفرق ونقلها والتفريق فيما بينها. فإن كان الكاتب يعرّض بعلماء السنة كالشيخ أبي الحسن الأشعري، وأبي منصور الماتريدي، وأبي الحسن الباهلي، والقاضي الباقلاني، والأستاذ أبي إسحق الإسفراييني، وإمام الحرمين الجويني، وأبي حامد الغزالي، والإمام فخر الدين الرازي، والمحقق العلامة عضد الدين الإيجي، والمحقق العلامة سعد الدين التفتازاني، والشريف الجرجاني، والسبكيان، وابن الحاجب، والشيخ زكريا الأنصاري، ومن قبلهم ومن بعدهم ومن عاصرهم من علمائنا مما يصعب حصرهم، فهذه كتبهم تملأ الدنيا، لا نخفي شيئاً منها، بل إننا ننشرها ونتحدى بها العالم، ويمكن لكل باحث بعد أن يقرأ قدراً يسيراً منها أن يعلم في قرارة نفسه كم كان هؤلاء الأئمة أهلاً للتقدير والاحترام رحمهم الله جميعاً. فإما أن يأتينا الكاتب من كلامهم ما يثبت مدعاه أو يَقطع لسانه عن السادة العلماء. ولست بحاجة لأن أنبه القارئ لأن يكون ذكي القلب، وأن لا يأخذ كلام كائن من كان على عواهنه على وجه التسليم لمجرد أنه موجود في كتاب مطبوع؛ فما أكثر الكتب المحشوة بالترهات والفكر الركيك. وأن عليه أن يتأمل ما يقرأ بعين ناقد بصير، فإن لم يمكنه ذلك فعليه أن يأخذ ممن أجمع الناس على علمه وصلاحه، وإن عرض له ما يشكل فعليه الرجوع إلى أهل العلم والنظر؛ قال تعالى: )وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ( فهذا أقل قدر من الفطنة ينبغي على المسلم أن يتمسك به. وبقي قبل الشروع في الرد على الكتاب ملحوظتان: الأولى خلط الكاتب بين المذاهب الفقهية الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وبين الأشعرية والماتريدية. ولتوضيح ذلك نقول: عند إطلاق أي من المذاهب الأربعة فإن المتبادر هو الرأي الفقهي الذي اختاره كل واحد من هؤلاء الأئمة، إلا أن تكون المسألة قيد البحث ليست مسألة فقهية بالمعنى الأخص للكلمة فيذكر قول أحد الأئمة فيها لبيان ما اختاره في تلك المسألة الأصولية أو الحديثية إلى غير ذلك من المسائل. وأما المتبادر عند إطلاق الأشعرية والماتريدية والمعتزلة فهو ما اختاره أصحاب هذه المذاهب في مسائل أصول الدين بصرف النظر عن مذاهبهم الفقهية. وعليه فإن جمع الكاتب بين المذاهب الفقهية والأصولية في أكثر من موضع في كتابه؛ مثال ذلك سؤاله: "أين نجد هذا الإسلام الذي لا يقبل الله غيره؟ أهو عند الأشعري والمذاهب الأربعة؟ أم هو عند الإمامية؟ أم عند السلفية؟ أم عند المعتزلة؟ أم عند الماتريدية؟ وهكذا يستمر التساؤل حتى نصل إلى ثلاث وسبعين شعبة"اهـ. أقول هذا الجمع – حتى مع كون معظم الأحناف ماتريدية، ومعظم الشافعية أشاعرة، ومعظم المالكية أشاعرة، وفضلاء الحنابلة أشاعرة؛ فإنه جمع لا يصح من وجوه. أولها ما ذكرناه من تبادر الإطلاق. وثانياً أن الأشعرية والماتريدية هما معاً أهل السنة والجماعة باتفاق الطرفين، لأن الخلافات فيما بينهما ليست بخلافات أصلية، وقد جمع المحققون المسائل التي اختلف فيها المذهبان فوجدوها قليلة جداً، وأعادوا معظمها إلى خلافات لفظية. وليس أدل على ذلك من شرح واعتماد تدريس الأشعرية لكتب الماتريدية والعكس. وثالثاً: تفريق الأمة في حديث التفرق على أساس الاختلاف الفقهي الذي تحتمله سعة الشريعة خطأ فاحش، وإنما المراد من حديث التفرق هو الافتراق الاعتقادي الأصلي، وأما النهي عن الاختلاف الوارد في كثير من الآيات والأحاديث الأخرى فإنما هو عن ذلك النوع من الاختلاف المذموم المؤدي إلى الفرقة لتأديته إلى اختلاف أصلي، وذلك النوع هو الناشئ عن التعنت والتعصب وغير ذلك من الأخلاق المذمومة التي نراها عند كل صاحب بدعة دون استثناء وعلى رأسهم الشيعة الإمامية، فالاختلافات في الفروع الفقهية من حيث هي كذلك لا تسمى افتراقاً، وليست اختلافات مذمومة؛ كما سيأتي بيانه بتفصيل إن شاء الله تعالى. ثم إن كتاب الكاتب قائم على المفاضلة بين أهل السنة (الأشعرية والماتريدية) والإمامية، ولا خلاف بيننا وبينه أن باقي المذكورين ليسوا من أهل السنة، فلم لا يمنع هذا الانتشار، أم أنه يريد إظهار الإمامية مذهباً واحداً لا اختلاف فيه من وجه والباقي هم أهل السنة المختلفون المتخبطون المفترقون إلى ثلاث وسبعين فرقة، فإن كان هذا مراده فإنه مما لا يسلمه له حتى الإمامية أنفسهم، ويكفي أن نذكر أنهم افترقوا إلى أربعة عشر فرقة بعد موت الإمام الحسن العسكري لحيرتهم في أمره، أمات أم غاب؟ أكان له ولد أم لم يعقب؟ وولده أحي أم غائب في سرداب؟ وأيهما المهدي المنتظر القائم صاحب الزمان؟ ولأن النص على الإمام أمر لا مفر منه لوجوب الإمامة على الله عندهم، فقد لجأوا للخروج من ذلك المأزق إلى أوهام وافتراضات ما أنزل الله بها من سلطان، سنأتي على ذكرها من كتبهم إن شاء الله. على أي حال فإن الكاتب يجمع بين الاختلافات الفقهية الفرعية – التي ليس هذا محل الكلام فيها أصلاً- والعقائدية في كلامه عن أهل السنة ليستغل كثرة الأولى فيوهم الناس بوجود اختلافات كثيرة في الأصول عندهم. فتأمل.
والملحوظة الأخرى، أن الكاتب قبل أن يشرع فيما سمّاه نظراً في أدلة الجانبين عقد فصلين عرّف في أحدهما بالأشاعرة وفي الثاني بالإمامية، هذان التعريفان كانا مما يثير القرقرة، لأنه ما هكذا يكون التعريف بفرقة من الفرق. بل إن ما تعرّف به المذاهب هو أصولها، والكاتب لم يذكر من ذلك شيئاً عن الأشعريّة في نصف الصفحة التي كتبها لهذه الغاية. وكل ما فعله هو ذكر شيء عن الشيخ أبي الحسن، وتعريضه به لبقائه أربعين سنة على الاعتزال، وبعد ذلك قال: "وعلى إثر نقاشات مع أستاذه الجبائي تكونت عنده رؤى خاصة دعته لترك الاعتزال – وقال في حاشية على هذا الكلام: وقد تكون هناك أسباب أخرى دعته لترك الاعتزال ليس هنا محل بحثها- فعمل مذهباً وسطاً بين أهل الحديث الحرفيين والمعتزلة العقليين، فصار مذهبه عقلياً ونقليّاً". اهـ.
فأقول: إشارته لوجود أسباب أخرى دعت الشيخ أبا الحسن إلى الاعتزال دون ذكرها إيهام للقارئ بأن الكاتب يعلم خبايا وحقائق خطيرة، لا يريد التفصيل فيها لأنه ليس المقام مقام بحثها. وهذا أسلوب تافه يلبس على الناس وينأى عن التحقيق، فإن الكاتب عرّف بالأشعرية في نصف صفحة، ومع هذه العجالة وحيث كان ينبغي أن يتكلم عن الأصول الأشعرية بما يعرف بمذهبهم، كان معظم كلامه عن الشيخ مع أن التعريف بالأشعرية لا ينبني من حيث هو مذهب عقائدي على التعريف بالشيخ ولا بغيره من العلماء رحمهم الله جميعاً، ووجد فسحة في المقام ليذكر أنه دام على الاعتزال أربعين سنة، ووجد فسحة في المقام ليدس بحاشيته هذه، ووجد فسحة ليقول: "إن الأشعرية يقلدون في الفقه أحد الأئمة الأربعة" مع أن هذا لا علاقة له بما نحن فيه من قريب أو بعيد، لأن الكلام في هذا الكتاب إنما هو على المذهب الاعتقادي، فلا داعي لذكر المذاهب الفقهية، فليس تقليدهم ولا اتباعهم ولا حتى اجتهادهم في الفقه جزءاً من مفهوم المذهب الأشعري؛ ووجد فسحة ليقول: "ولم يكن هؤلاء الأئمة على نفس عقيدة الأشعري، فالأشعري ولد بعدهم بسنوات، وكان أبو حنيفة ماتريدياً، وابن حنبل ومالك كانا على عقيدة أهل الحديث". اهـ. فبالله أهذا كلام عقلاء؟ فما المانع من أن يكون المتقدم على نفس عقيدة المتأخر أو أن يكون المتأخر على نفس عقيدة المتقدم؟ بل الأصل أن يجتمع المسلمون أولهم وآخرهم على عقيدة واحدة. إن من يدعي أن عقيدة الأئمة الأربعة هي على خلاف عقيدة الأشعري أو الماتريدي فعليه أن يأتي يأتي بالدليل، وهو أن يأتي بقول في مسألة عقائدية لا تحتمل الخلاف لأحد الأئمة المذكورين ويقابلها بقول الأشعري ويثبت تغاير القولين؛ ولا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يثبت هذا الادعاء فضلاً عن هذا الغر. ولو وقع الاختلاف لنقل لتوفر الدواعي على نقله. ثم إن كان المعتبر هو التقدم والتأخر في الزمان فكيف تقول إن أبا حنيفة كان ماتريديّاً وهو الذي توفي سنة 150 هجرية، وأبو منصور الماتريدي كان مولده بعد أكثر من قرن من وفاة أبي حنيفة، وكانت وفاة الماتريدي سنة 333 هجرية؟ فماذا تسمون هذا التخبط؟ ثم ما المقصود بعقيدة أهل الحديث التي تنسب أحمد ومالك لها؟ فإن أهل الحديث عبارة تجمع مع هذين الإمامين الجليلين أئمة عظاماً آخرين فالشافعي والبخاري ومسلم وأصحاب السنن وكل من تقرأ أسماءهم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين في أسانيد الأحاديث الواردة في كتبهم هم أهل الحديث فهل تقول إن كل هؤلاء ليسوا على عقيدة الأشعري؟ إن كان هذا مرادك فهو غلط فاحش لأن ابن عساكر والبيهقي مثلاً ممن يصرحون بأنهم من الأشاعرة. وإن كنت تقصد أن مالكاً وأحمد قد لحقا بعقيدة الحشو والتجسيم، فالأشعرية لم يقل أحد منهم بذلك. وإن كان هذا اجتهاداً منك فأين الدليل على أنهما من المجسمة؟ بل إن أحداً من أهل السنة لا يوافقك على ذلك، وقد أجمعت الأمة على إمامة مالك وأحمد وعلو شأنهما رضي الله عنهما.
وأعود لقولك (إن الأشعري عمل مذهباً وسطاً... إلخ). إنك لتصور الأشعري قد تخير من جملة العقائد المختلف فيها بين المعتزلة ومن دونهم ولفّق مذهباً توفيقياً لتقريب وجهات النظر أو لإتمام القسمة العقلية بين مذهبين في غاية الاختلاف أو لأي أمر آخر. وهذا كلام من العجب العجاب، فمذهب الأشعري ليس من صنع يديه يفصله على قدّ ما يريد من أهوائه، ثم تبعه بعد ذلك السواد الأعظم من المسلمين كالأغنام لا تدري إلى أين يقودها الراعي؛ إننا نتكلم عن فهم لأصول الدين مستقرأ من مجموع النصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فهمٍ على وفق منهج وطريقة محققة في النظر، ساهم في تقعيدها وتنقيحها ألوف من العلماء على مر التاريخ الإسلاميّ. وليست القضية أن الشيخ خالف شيخه في مسألة الصلاح والأصلح فابتدع مذهباً جديداً، أو أنه رأى مناماً، أو طلب منصباً ومكانة، وإلا أي لو كان مذهبه غير قائم على أصول محققة وكان مجرد فكرة عابرة وأوهام وتخيلات، لما لبث أن تهافت واندثر كما اندثرت كثير من الدعاوى الباطلة غير المأصلة التي حكى عنها التاريخ. فتأمل. أما تعريف الكاتب بمذهب الإمامية فإنه قد أودع فيه ما لا يخدمه في الدفاع عنهم وإثبات أصولهم كما سنبينه إن شاء الله تعالى. ولنشرع في الإجابة عن الشبه الواردة في كتابه، مستعينين بالله سبحانه وتعالى.
الشبهة الأولى:
قوله: (إن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأ جسيماً بحق النبي r حتى طردهم). اهـ وهذه الحادثة التي يشير إليها في كتابه برزية الخميس. وأجيب عنها بما كتبه بعض أيمن بدارين وعاونه محمود الحياري، قالا:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن مغالطات الشيعة لأهل السنة في الأصول والفروع كثيرة شديدة البعد عن الصواب. وهي تشير إلى محاولات جادة ومستمرة لتكوين مجتمع قائم على مذهب التشيع منفصل عن الأمة الإسلامية. ومن تلك الأمور التي خالفوا فيها إجماع أهل السنة تكفيرهم صحابة رسول الله r إلا قليلاً منهم. هؤلاء الذين قال الله تعالى فيهم: )وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، وقال تعالى: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا(.
إن صحابة رسول الله r هم حملة هذا الدين وورثة النبي الكريم المبلغين رسالته والناشرين دعوته، والرافعين رايته، والمجاهدين في سبيل الله، والممدوحين في كلام الله، والذين اتبعوهم من بعدهم ساروا على دربهم واقتدوا بهم، وهم السواد الأعظم من أمة سيدنا محمد r. فتكفيرهم تكذيب لله ولرسوله.
ولقد عمّم الإمامية تكفيرهم للناس حتى طال كل من لم يؤمن بأصول الشيعة ولم يكن اثني عشرياً. وهذا أحد كبرائهم وهو نعمة الله الجزائري يقول: (الإمامية قالوا بالنص الجلي على إمامة علي، وكفروا الصحابة، ووقعوا فيهم وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق وبعده إلى أولاده المعصومين)[1]. وقال عن أهل السنة: (إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شر من اليهود والنصارى. وإن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه في الإمامة)[2]. ويقول المظفر صاحب العقائد المشهورة: (مات النبي r ولا بد أن يكون المسلمون كلهم -لا أدري الآن- قد انقلبوا على أعقابهم)[3]. ويقول عبد الله شبر كتابه تاج الفقهاء: (وأما سائر المخالفين ممن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصب فالذي عليه جملة من الإمامية كالسيد المرتضى أنهم كفار في الدنيا والآخرة، والذي عليه الأكثر الأشهر أنهم كفار مخلدون في الآخرة). اهـ
وخصصوا بالنكير والتكفير أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما اللذان ورد في الصحاح من فضائلهما أحاديث كثيرة مشهورة، ولو لم يرد في أبي بكر سوى حديث عدل إيمانه بإيمان الأمة وفي عمر غير قول النبي r فيه "لو كان نبي بعدي لكان عمر" لكفاهما. ولكن ما أشار إليه القرآن الكريم في ذلك أقوى وأبلغ كذكر أبي بكر في الغار عند الهجرة، واختيار الله ورسوله له ليصحب النبي r في رحلة الهجرة. وحكم الله تعالى لعمر في المسائل الثلاث المشهورة. كل ذلك في فضلهما وعظيم شأنهما عند الله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم.
واعتمادهم في الطعن على سيدنا عمر بن الخطاب t وتكفيره هو على حديث البخاري في حادثة الكتابة التي أمر بها رسول الله r عند وفاته. فقد ادعوا أن عمر بن الخطاب t وصف رسول الله r بأنه (يَهْجُر). وهو مجرد ادعاء واتهام عار عن الصحة كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
أولاً: مما ورد في الطعن على سيدنا عمر من كتب الشيعة في هذه الحادثة:
1- يقول الخميني:
(عندما كان رسول الله r في فراش المرض، ويحف به عدد كثير، قال مخاطباً الحاضرين: تعالوا أكتب لكم شيئاً يحميكم من الوقوع في الضلالة، فقال عمر بن الخطاب: لقد هجر رسول الله. وقد نقل نص هذه الرواية المؤرخون وأصحاب الحديث من البخاري ومسلم وأحمد مع اختلاف في اللفظ، وهذا يؤكد أن هذه الفرية صدرت من ابن الخطاب المفتري. الواقع أنهم ما أعطوا الرسول حق قدره… الرسول الذي كد وجد وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم، وأغمض عينيه وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية والنابعة من الكفر والزندقة). اهـ[4]
2- ويقول ابن المطهر الحلي:
(المطلب الثاني: في المطاعن التي نقلها السنة عن عمر بن الخطاب. نقل الجمهور عن عمر مطاعن كثيرة منها قوله عن النبي r لما طالب في حال مرضه دواة وكتفاً ليكتب فيه كتاباً لا يختلفون بعده وأراد أن ينصّ حال موته على علي ابن أبي طالب "ع"، فمنعهم عمر وقال: إن رسول الله ليهجر حسبنا كتاب الله. فوقعت الغوغاء وضجر النبي فقال أهله: لا ينبغي عند النبي الغوغاء. فاختلفوا فقال بعضهم: أحضروا ما طلب، ومنع آخرون. فقال النبي r: ابعدوا. هذا الكلام في صحيح مسلم. وهل يجوز مواجهة العامي بهذا السفه فكيف بسيد المرسلين r). اهـ [5]
3- ويقول العاملي البياضي في مطاعن عمر:
(وثالثها أن الغوغاء لم تكن بطلب الكتاب بل بالمخالفة كما أخرجه البخاري وغيره من قول بني هاشم قربوا إليه كتاباً وقول عمر ومن معه لا ندعه يكتب وإنه قد هجر … وهذا آذى رسول الله r. وقد قال الله: )إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ(. اهـ [6]
4- ويقول القاضي نور الدين التستري:
(وذلك لأن أول من سبَّ رسول الله r في مرضه الذي توفي فيه هو عمر بن الخطاب خليفة…حيث قال رسول الله r: آتوني بدواة وكتف لأكتب كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فقال عمر إن الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله).اهـ[7]
5- وذكر مثل ذلك الأربلي في كتابه كشف الغمة.[8]
ثانياً: نص حديث البخاري ومسلم المتفق عليه والروايات الأخرى
سنذكر ههنا نص الحديث كما ورد في المصادر الحديثية لا كما أوردها الشيعة الامامية، وذلك لكي يتبين للقارئ الكريم ما وقع فيه الشيعة من مجانبة للحق والصواب في هذا المطلب العظيم.
- (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حضر رسول الله r وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي r: "هلمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده"، فقال عمر: إن رسول الله r قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا؛ فمنهم من يقول قرّبوا يكتب لكم رسول الله r كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر؛ فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله r: "قوموا". قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم)[9]
- وفي رواية عند البخاري قال r عندما كثر عنده اللغط: (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. قال الراوي ونسيت الثالثة). [10]
- وفي رواية أخرى للبخاري: (ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه. فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه).[11]
- وفي رواية أخرى للبخاري أن من قال إن رسول الله وجع بعض الرجال دون نسبة هذا القول لعمر؛ وفيها أن طائفة من أهل البيت كانت مع عمر في رواية جاء فيها: (لما حضر رسول الله r وفي البيت رجال فقال r: "هلمّوا أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده". فقال بعضهم: إن رسول الله r قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده، ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله r: قوموا).[12]
- وفي رواية عند الحاكم في المستدرك: (قال رسول الله r: "توني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً"ثم ولانا قفاه، ثم أقبل علينا فقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"). [13]
وهذا يحتمل أن رسول الله r كتب شيئاً من ذلك الكتاب والذي يتضمن استخلاف أبي بكر لا كما تدعي الشيعة.
- وفي رواية "البيهقي" جاءت كلمة هجر بصيغة السؤال:
(قالوا ما شأنه أهجر؟ استفهموه. فذهبوا يفدون عليه. قال: "دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه").[14]
- وفي رواية له:
(فقال بعض من كان عنده إن نبي الله ليهجر).[15] وكذا عند الطبري.[16] وعند الإمام أحمد بصيغة (فقالوا ما شأنه أهجر…)[17].
- وفي مسند الحميدي من حديث ابن عباس (فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا ما شأنه أهجر استفهموه…).
- وعند أبي يعلى من غير لفظة (هجر) ولا (وجع) من حديث ابن عباس: (اشتد برسول الله r وجعه فقال: "ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده". فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقال: "دعوني، فما أنا فيه خير مما تسألون عنه". قال أمرهم بثلاث)[18].
ثالثاً: ما نستخلصه من مجموع هذه الروايات ما يلي:
1. قوله في الحديث "هجر رسول الله" -أي هذي- لم تنسب إلى عمر بن الخطاب في أي رواية لا في الصحيحين ولا في غيرهما من كتب أهل السنة كما يدعي علماء الشيعة، وكما يدعي الكاتب الأمين في نقله حيث يقول: (فوجدتها مثبتة في الصحيحين). نعم هي مثبتة في الصحيحين لكن لا بلفظ هجر عن سيدنا عمر الذي هو محل الكلام، فماذا يسمى هذا في عرف أهل العلم؟ وإنما نسبت لبعض الرجال الحاضرين كما في رواية الشيخين. والأصح كما يقول الإمام النووي والسيوطي والقاضي عياض رواية (أهجر) بالهمز أي بالاستفهام اعتراضاً على من رفض الكتابة للرسول r، أي هل يمكن أن يهذي حتى تمنعوا عن أن تحضروا دواة ليكتب لنا الكتاب؟
وقال الإمام النووي: (وإن صحت الروايات الأخرى كانت خطأ من قائلها، قالها بغير تحقيق بل لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من النبي r من هذه الحال الدالة على وفاته وعظيم المصاب وخوف الفتن والضلال بعده)اهـ[19]
ولك أن تقارن بين موقف أهل السنة من هذه الروايات ومحاولة حملها على معانٍ تليق بصحابة رسول الله r، وموقف الشيعة الذين شنعوا على الصحابة وطعنوا عليهم وقوّلوهم ما لم يثبت أنهم قالوه.
2. قول عمر "إنه وجع" عند البخاري ومسلم، معناه أن الرسول r تعب والكتاب الذي سيكتبه سيطول ويؤذي رسول الله r ويطيل مرضه ولا نريد أن نؤذي رسول الله، فسيكتبه عندما يصح من وعكته، فإن الله لا يقبضه قبل إكمال الرسالة. وعمر لم يكن يتوهم وفاة رسول الله r بدليل عدم تصديقه لخبر وفاته عندما أعلن عنها، فعدم كتابة ذلك كان شفقة برسول الله r لئلا يتأذى لأن الكتابة ستطول. ولا يخفى أن إثبات لفظ الوجع من عمر لرسول الله r ليس فيه منقصة له عليه الصلاة والسلام.
3. إن رفض الكتابة لم يكن من عمر وحده فالروايات كما مر ذكرت "أهل البيت" و"بعض القوم". وهو شامل لكل من حضر في البيت كما ذكر في الصحيحين وغيره وحمله على عمر دون غيره تحكم ظاهر.
4. أمره عليه الصلاة والسلام لم يكن على وجه الوجوب وإنما على وجه الندب؛ كما بين الإمام المازري والقرطبي ذلك لقرائن فَهِمَها بعض الصحابة الذين رفضوا الكتابة، بينما ظن الباقون إنها للوجوب؛ فحمَلها مَن منعَ الكتابة على الندب كما حملوا قوله عليه السلام: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة". فكرهوا أن يكلفوه وهو في تلك الحالة مع استحضار قوله تعالى: )مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ(. والذي يدل على أن أمره كان للندب عدم إنكاره عليه الصلاة والسلام لمن خالف أمره لأن النبي لا يقر مخالفة الواجب إجماعاً واتفاقاً، وبقاؤه حياً أربعة أيام بعد ذلك دون أن يكتب كما نص على ذلك الإمام البخاري.[20] ولو كان أمره واجباً والله أمره بالكتابة لما توانى لحظة عن الكتابة ولعاد إلى الطلب مراراً، وهو المأمور بتبليغ ما أمر به. وهذا موافق لما فهمه سيدنا علي في صلح الحديبية عندما أمره r بمحي كلمة رسول الله فلم يفعل ذلك سيدنا علي لحمله "على تقديم الأدب على الامتثال" كما ذكره أهل السنة. وإليك الفقرة من الحديث كما رواها أهل السنة والشيعة: عندما رفض المشركون كتابة "محمد رسول الله": ( فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله؛ لو كنت رسولاً لم نقاتلك. فقال لعلي: "امحه". فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه. فمحاه رسول الله بيده …)[21]. وفي كتب الشيعة مثل ذلك: ( امح يا علي واكتب محمد بن عبد الله. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أمحو اسمك من النبوة أبداً فمحاه رسول الله بيده). اهـ [22]
5. أنه عليه الصلاة والسلام عندما قال: ( دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه)، ليس إنكاراً على من رفض الكتابة، وإنما معناه: اتركوني لأتفكر وأذكر ربي وأحمده خير من هذا اللجاج. فمراقبة الله تعالى والاستعداد للقائه أفضل من اللجاج.
6. أنه عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين أوصى قبل موته وصيته المشهورة بإخراج المشركين من جزيرة العرب وإجازة الوفد والثالثة التي نسيها الراوي. مما يدل على نسخ أمر الله له بالكتابة وإلا لكتب كما أملى وصيته.
7. أنه r ربما أملى شيئاً من هذا الكتاب كما ذكر الحاكم في المستدرك: (أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، ثم ولانا قفاه؛ ثم أقبل علينا فقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) ولم يمل غير ذلك؛ فكان باستطاعته أن يكمل الإملاء وقد عرفنا الكتاب ومضمونه فجعل الاستخلاف لأبي بكر دون غيره.
8. قال الإمام النووي: (وأما كلام عمر t فقد اتفق علماء المتكلمين في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب r أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها؛ فقال عمر: حسبنا كتاب الله. لقوله تعالى: ) مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ (، وقوله تعالى: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة).[23]
9. لو كان مراد رسول الله r أن يكتب ما لا يستغنون عنه – من أصول دينهم، كما يدعي الشيعة بأن الإمامة إنما هي المصححة للتكليف- لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره لقوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ(، وقوله تعالى: )الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ(. وهو r لم يترك ذلك لمخالفة من خالفه من المشركين واليهود ومعاداة من عاداه، فبأولى أن لا يتركه ههنا. ثم قبل ذلك وبعده لا يتصور منه r أن يكتم شيئاً مما أمر بتبليغه، لأن ذلك مما يستحيل في حقه كما هو مبيّن في عقائد أهل السنة كأصل من أصول دينهم.
10. إن قول عمر كان لتحصيل الأمة فضيلة الاجتهاد ولئلا يسد هذا الباب الذي أصّله لهم النبي r بقوله: (إذا اجتهد الحاكم) الحديث.
11. إن أمره عليه الصلاة والسلام لصحابته بالكتابة أمر اجتهادي منه، وليس تبليغاً من الله تعالى، ويدل على ذلك أن عمر اجتهد سابقاً مخالفاً للحكم الظاهر عن الرسول r، ونزل القرآن بموافقته فظن عمر أن هذا المقام كتلك المقامات بأنه أمر اجتهادي من الرسول r، يرجع فيه إلى المقاصد والأصول العامة للدين، لا أمر منصوص عليه مقطوع به. والرسول r لم ينكر عليه عدم كتابة ذلك فدل على أن الأمر كما ظن عمر بدليل إقراره عليه السلام بالسكوت.
12. قال الإمام النووي: (وقول عمر حسبنا كتاب الله رد على من نازعه لا على أمر النبي r) اهـ[24]. وهذا حمل لطيف لكلام عمر t، لما أن مهابته عليه السلام وإجلاله في قلوب الصحابة كانت أكبر من أن يواجه بالرد. على أن كلام عمر إذا تصورناه قيل بلطف لرسول الله، فليس فيه ما يشكل أبداً. وكلام النووي أن عمر قد جادله بعض الصحابة وأنكروا عليه مستدلين بأن الرسول r يستحيل عليه أن يهذي فلم تمنعنا من الكتابة، فأجابهم عمر: "حسبنا كتاب ربنا"، أي )تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ( كما قال الله تعالى. ويؤخذ من هذا الفهم عدم نسبة قول (أهجر؟) لسيدنا عمر t بل لمن نازعه في منعه من الكتابة.
13. ثم إنه r لو نص على شيء أو أشياء لم يرفع ذلك الخلاف كما يقول ابن الجوزي، لأن الحوادث لا يمكن حصرها فهذا دليل على عدم جزمه عليه الصلاة والسلام بما أمر. أي أن الاختلاف سنة كونية باقية قطعاً فلو نص الرسول r على ما أراد التنصيص عليه لما رفع الخلاف ولأوهم الخطأ والكذب على رسول الله r في قوله، ولكان مبرراً قوياً للطعن فيه وفي هذا الدين العظيم.
14. قال الخطابي في الحديث:
( لا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله r أو ظن ذلك مما لا يليق به بحال، ولكنه لما رأى ما غلب على رسول الله من الوجع وقرب الوفاة مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه فيجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين وقد كان أصحابه عليه الصلاة والسلام يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه في يوم الحديبية في الخلاف وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم. قال: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه، وقد أجمعوا كلهم على أنه لا يقر عليه. قال: ومعلوم أنه r وإن كان الله تعالى قد رفع درجته فوق الخلق كلهم فلم ينزهه عن سمات الحدث والعوارض البشرية، وقد سها في الصلاة، فلا ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه فيتوقف في مثل هذا الحال حتى تتبين حقيقته؛ فلهذه المعاني وشبهها راجعه عمر t).[25]
15. أن الإمامية أنفسهم نسبوا لبعض أئمتهم ما رموا به عمر من نسبة الهذيان لرسول الله r، فهذه رواية روتها كتب الشيعة الإمامية في حق أحد الأئمة وهو معصوم عندهم؛ ولا فرق بينه وبين النبي إلا بالوحي. تأمل. فقد قال ابن طاوس شرف العترة وركن الإسلام: (ومن ذلك في دلائل علي بن الحسين عليه السلام ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر بن رستم قال: حضر علي بن الحسين الموت فقال لولده: يا محمد أي ليلة هذه… ثم دعا بوضوء فجيء به، فقال: إن فيه فأرة، فقال بعض القوم إنه يهجر فجاءوا بالمصباح..). اهـ[26]
فانظر كيف أثبتوا لمعصوم عندهم بألسنتهم ما استشنعوه في حق معصوم آخر، على فرض ثبوته.
16. لا يستقيم أن يكون سيدنا عمر قد ارتكب خطأ جسيماً في حق رسول الله r، ثم يقابل من سيدنا علي t بهذا الثناء، كما ورد في نهج البلاغة، وكما هو مثبت في غيره من الكتب المعتمدة هند الشيعة؛ حتى أنه لفرط محبته له ولبقية الخلفاء الراشدين وتقديره لهم سمى بعض أبنائه أبا بكر، وعمر، وعثمان. وزوج ابنته من السيد فاطمة (أم كلثوم) من سيدنا عمر t. والنبي r يقول: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فهل يكون هذا فعل معصوم قد علم إساءة هؤلاء لرسول الله r، بل وفسقهم وتآمرهم على الدين وردتهم، فيقابلهم بالمحبة والتقدير والثناء. والحمد لله رب العالمين.
ملحوظة: قولنا في (15) تأمل، للفت النظر أنا وجدنا في بعض روايات الشيعة ما يفهم منه إثبات أن الأئمة يوحى إليهم أيضاً تماماً كالأنبياء، من ذلك ما رواه الكليني كذباً عن بعض الأئمة من قوله: (إن الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساء)[27]. وغير ذلك بل وأعظم من ذلك كما سيأتي في الكلام عن غلوهم. اهـ جوابهما عن الشبهة الأولى.
الشبهة الثانية:
قوله: (إن الشيعة يأخذون الإسلام أصولاً وفروعاً عن النبيّ r وآل بيته الأطهار لا غير). اهـ
أقول: إن هذا الادعاء لا يسلّم بوجه من الوجوه للمدعي:
أولاً: لأن مفهوم آل البيت عند الإمامية غير مبيّن، فلا توجد قاعدة عندهم تحدد لنا من هم آل البيت، وإنما الأمر مجرد تحكمات وأهواء تقرر من يندرج تحت هذا الاسم ومن لا يندرج. فإن من وجبت طاعته وجب معرفته وتعيينه. وقد استقرأ إحسان إلهي ظهير رحمه الله معاني هذا اللفظ المركب (أهل البيت) في كتابه (الشيعة وآل البيت) من جميع القواميس المعروفة، وبحثها الدكتور محمد عمارة بحثاً لطيفاً في كتابه ردود المعتزلة على الشيعة ومنهما، ومن رسالة (آية التطهير وحديث الكساء) لم يذكر اسم كاتبها أفدنا في هذا البحث، فجزاهم الله عنا خير الجزاء.
فأهل البيت لفظ لا يدل على الأئمة من آل البيت فقط، بل يدخل فيه نساء النبي وأعمامه وعشيرته، وهو على الأزواج أدل، إذ الزوجة أول أفراد أهل البيت والمعنى الأول للفظ ثم يأتي الأولاد والبنات. والأقارب لا يدخلون في كلمة الأهل إلا مجازاً وإلحاقاً. قال تعالى: )فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا( وزوجه كانت معه. وفي رد الملائكة على زوجة إبراهيم بعد أن تعجبت من البشرى: )قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ( والخطاب لها فعلم أنها من أهل البيت. وفي قول امرأة العزيز: )قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا( وكانت تعني نفسها. وعن زوجة لوط قال تعالى: )فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ( فاستنى من الأهل الزوجة لأنها منهم، )إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ(. وقال تعالى: )فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ(. وغيرها كثير بنفس المعنى عن زوجة لوط في القرآن الكريم، فهي داخلة في لفظ الأهل أو الآل إلا أن الاستثناء أخرجها من حكم النجاة. ولو لم تكن الزوجة داخلة في الأهل لم تستثنَ منهم.
وأهل الشيء عموماً أصحابه الملازمون له. قال تعالى: )إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ(. وجاء في كثير من المواضع في القرآن الكريم أهل الكتاب. وأهل الذكر أي أصحابه وحملته. وأهل المدينة وأهل القرى في القرآن أصحابها وساكنوها المقيمون فيها. وأهل البيت أيضاً سكانه، قال تعالى:
)لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا(. واستقراء جميع معاني الأهل في القرآن الكريم بشواهده قد يطول. والإمامية أخرجوا جميع النساء من أزواجه وبناته وبنات بناته من أن يكن من أهل البيت ولم نسمع أن أحداً نسب إليهنّ العصمة فإن كان التطهير معناه العصمة فهن مطهرات بنص الآية في سورة الأحزاب. فإن تمسك أحد بقوله تعالى: (ليذهب عنكم)، و(ويطهركم) وعدم قوله (عنكن) و(يطهركن) أجيب بأن المخاطب بالآية أهل بيت النبي r، وهن أزواجه، وصاحب البيت من أهل البيت وهو النبي r ومنهم أبناء بناته من الرجال وغيرهم ممن ألحق بهم، ويجوز في اللغة إطلاق لفظ المذكر على الجماعة من الناس فيهم الذكور والإناث.
ومن العجيب إخراج جميع النساء من عموم لفظ آل البيت وإدخال فاطمة الزهراء رضي الله عنها وحدها. وأعجب منه أنه بعد إدخالها يُقتصر على ابنيها دون بناتها. وأعجب منه الاقتصار على بعض أولاد الحسين دون بعض وترك بناته، وترك أولاد الحسن وبناته. ثم إنهم اختاروا من أبناء عمومة رسول الله r عليّاً وتركوا عمّيه الأقرب له حمزة والعباس، وتركوا ابني عمه أخوي علي جعفر وعقيل. فإن قالوا لأن علياً صهره قلنا فلم لم تدخلوا عثمان ذي النورين الذي تزوج ابنتيه ولو كان عنده ثالثة لزوجه إياها، ولم لم تدخلوا أبا العاص بن الربيع زوج زينب. فإن قيل للنص عليه أنه من أهل البيت بحديث الكساء، قلنا فلم لم تدخلوا سلمان وقد قال النبي r فيه: (سلمان منا آل البيت). بعد هذا بقي لكم احتمالات ثلاثة في اختياركم لعلي كرم الله وجهه، وهي كونه ابن عم وصهر معاً، أو صهر ومنصوص عليه، أو ابن عم ومنصوص عليه. فإن كان أحدها فأين الدليل على ذلك من الشرع؟ ولن نطالبكم بدليل من اللغة لأنها لا تحتمل هذه التركيبة أبداً، ولأنه لا مفهوم للنص الشرعي قبل الشرع. ولك أن تتعجب بعد إدخال سيدنا علي في آل البيت كيف اختير الحسن والحسين وأخرج بقية أولاده محمد بن الحنفية، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والعباس وجعفر وعبد الله وعبيد الله ويحيى، وبالتالي خرج أولادهم وبناتهم.
وللمتأمل المنصف أن يقرأ هذه الآيات الكريمة من سورة الأحزاب بينه وبين نفسه، ويراجع كتب التفسير؛ قال تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا* يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا( صدق الله العظيم.
وبعد التأمل في هذه الآيات، يا من تفهمون العربية، أيصحّ أن يكون التطهير وقع على علي وفاطمة وبعض أبنائه دون نساء النبي r، والخطاب كله لهنّ من السياق المتصل قبل ذكر التطهير وبعده. فليرد علينا أحد. واعلم أن هناك من تمسك بحديث الكساء لتحديد هوية آل البيت، وهو ما رواه الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله r قال: لما نزلت هذه الآية على النبي r )إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا( في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره فجلله بكساء، ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قالت أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله. قال أنت على مكانك وأنت على خير). اهـ.
وأجيبَ عنه بأن الحديث أدخل مجموعة من أقارب النبي r ممن لا يسكنون معه في حكم هذه الآية، وليس فيها قصر المعنى عليهم، بل ندعي أن الرسول r دعا الله أن يشملهم بالتطهير. ولا يفهم من قوله r: (هؤلاء أهل بيتي) أن غيرهم ليس كذلك. ومن ذلك قول الله عز وجل: )فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ( فليس المفهوم من الآية أن الشيطان عدو لآدم وزوجه دون غيرهما من الناس. فلا بد من مخصص آخر غير لفظ هؤلاء الذي وإن دل على معيّنين وعرّفهم لم يمنع غيرهم من الاشتراك معهم فيما حكم لهم. ولئن سلم أن ضمير الإشارة يكفي في إخراج غيرهم فلم أدخلتم بعد ذلك غيرهم من أبنائهم. فإن قيل لأنهم من نسلهم، قلنا فلم تخيرتم من نسلهم الذكور دون الإناث، ثم لم أخرجتم بعض الذكور من ذرية علي، فإن قيل لأنهم من غير فاطمة، قلنا فالحسن من أبنائها فلم أخرجتم الذكور من ذريته؟ رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
ومما مضى تبين بأن طريقتكم في اختيار أهل البيت الواجب اتباعهم متناقضة، ولا تستقيم على قاعدة، ولا يمكن تسليمها إلا بنص شرعي يعين كل واحد ممن اختارته الإمامية على أنه من آل البيت؛ وهذا يستحيل عليهم أن يأتوا به إلا بادعاء نصوص محرفة تنص عليهم بالاسم. وقد فعلوا بادعائهم تحريف أهل السنة للقرآن وإسقاطهم أسماء الأئمة منه، كما سيأتي في فصل ادعاء تحريف القرآن. فتأمل. ولما كان شرط اتباع من وجبت طاعته تعيينه، ولا دليل على تعيينه سقط ادعاؤكم بوجوب اتباع آل البيت. ولئن سلم وجوب اتباعهم، ولا يسلم، أشكل عليكم تعيينهم للناس كي يتبعوهم إلا بطرائق ما أنزل الله بها من سلطان.
ثانيا: أنكم تخالفون في بعض أصولكم القرآن والسنة وآل البيت، وتخالفون في كثير من فروعكم القران والسنة وآل البيت، وأمثلة ذلك كثيرة جداً في معظم كتب الردود على الشيعة، سيأتي ذكر بعضها في فصل تحريف القرآن، وفي إجابة الشبه الأخرى، فلا داعي لإعادتها هنا.
وسنكتفي من ذلك هنا بذكر مسألتين الأصل أنهما فرعيتان: الأولى زواج المتعة، والثانية جواز إتيان النساء في الدبر كمثالين على مخالفتكم في الفروع الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وافتراءكم على آل البيت وعلى رسول الله r.
المسألة الأولى: زواج المتعة
أورد الإمام الرازي t في تفسيره من ثلاثة احتمالات حينما ذكر عمر t تحريم المتعة في مجمع من الصحابة وما أنكر عليه أحد، فالحال ههنا لا يخلو إما أن يقال:
أ- إنهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا.
ب- أو كانوا عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة.
ج- أو ما عرفوا إباحتها أو حرمتها فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك.
والأول: هو المطلوب، والثاني: يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة، لأن من علم أن النبي r حكم بإباحة المتعة ثم قال إنها محرمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر بالله، ومن صدقه عليه مع علمه بكونه مخطئاً كافراً كان كافراً أيضاً، وهذا يقتضي تكفير الأمة وهو على ضد قوله تعالى:
)كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(.
والثالث: وهو أنهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا فهذا أيضاً باطل لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل، ومثل هذا يمتنع إن يبقى مخفياً بل يجب أن يشتهر العلم به، فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مباح، وأن إباحته غير منسوخة، وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك، ولما بطل هذان القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الإنكار على عمر t لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة في الإسلام. اهـ.[28]
وأوردنا هذا الكلام للإمام الرازي t، لنبين قوة دليل أهل السنة في تحريم المتعة، وما هي لوازم مخالفة وإنكار إجماع الصحابة على حرمتها في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه.
ثم نقول: قد اتفق السنة والشيعة على رواية تحريم المتعة من طريق سيدنا علي بن أبي طالب t وإليك ما جاء من طرق الشيعة: عن محمد بن يحي عن أبي جعفر عن أبي الجوزاء بن علوان عن عمرو بن خالد بن زيد بن علي عن علي عليه السلام قال: (حرم رسول الله r يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة).[29]
وفي رواية عن أئمة اهل البيت: عن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله في المتعة قال: (ما يفعله عندنا إلا الفواجر).[30]
وعن عبد الله بن سنان قال: (سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال:(لا تدنس نفسك بها).[31]
ولم ينقل أن أحداً تمتع بامرأة من أهل البيت رضي الله عنهم، فلو كانت المتعة طاعة يتقرب بها إلى الله لفعلن ذلك، ويؤيد ذلك أن عبد الله بن عمير قال لأبي جعفر عليه السلام: (يسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن؟ فأعرض عنه أبو جعفر عليه السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه).[32]
فها أنتم هؤلاء خالفتم الكتاب والسنة وأقوال أهل البيت عليهم السلام وإجماع المسلمين على حرمة نكاح المتعة واتبعتم أهواءكم، وفرعتم على ذلك حلّ كثير من الأفعال المشينة، فمن أين جئتم بذلك إن لم تأخذوه لا من الكناب ولا من السنة ولا من قول إمام معصوم من آل البيت؟
المسألة الثانية: إتيان النساء في الدبر
تنبيه: الموضوع نقلناه بالتصرف من كتاب (بطلان عقائد الشيعة لمحمد عبد الستار التونسوي، رئيس منظمة أهل السنة في باكستان. جزاه الله خيراً).
ذكر أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في الاستبصار: عن عبدالله بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال: لا بأس إذا رضيت، قلت: فأين قوله تعالى: ) فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ(؟ فقال: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، إن الله تعالى يقول: ) نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ(. اهـ [33]
ونقل في الاستبصار أيضاً (عن موسى بن عبد الملك عن رجل قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن إتيان الرجل المرأة من خلفها في دبرها فقال أحلتها آية من كتاب الله تعالى قول لوط عليه السلام: ) هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ( فقد علم أنهم لا يريدون الفرج). اهـ [34]
وفي الاستبصار أيضاً (عن علي بن الحكم قال: سمعت صفوان يقول: قلت للرضا عليه السلام: إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيا منك أن يسألك، قال: ما هي؟ قال: للرجل أن يأتي امرأته في دبرها؟ قال: نعم ذلك له)اهـ [35]
وفي الاستبصار أيضاً (عن يونس بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أو لأبي الحسن عليه السلام أني ربما أتيت الجارية من خلفها يعني دبرها وهي تفزرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا فعلي صدقة درهم وقد ثقل ذلك علي، قال: ليس عليك شيء وذلك لك) اهـ [36]
وفي الاستبصار أيضاً: (عن حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام أو أخبرني من سأله عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع، وفي البيت جماعة، فقال لي ورفع صوته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كلف مملوكه ما لا يطيق فليبعه، ثم نظر في وجوه أهل البيت ثم أصغى إلى فقال: لا بأس به) اهـ[37]
وكتب صاحب الاستبصار في تعليقه على خبرين ورد فيهما المنع من إتيان النساء في الدبر فقال: (فالوجه في هذين الخبرين ضرب من الكراهية لأن الأفضل تجنب ذلك وإن لم يكن محظوراً... ويحتمل أيضاً أن يكون الخبران وردا مورد التقية لأن أحداً من العامة لا يجيز ذلك).اهـ [38]
واعلم أنه ثبتت حرمة هذا الفعل في القرآن والسنة. قال الله عز وجل: )نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ(، فإن الله عز وجل أذن بإتيان مقام الحرث وهو الفرج ولم يأذن لمقام الفرث وهو الدبر. قال ابن منظور في مادة حرث في لسان العرب: "والـمرأَة ُحَرْثُ الرجل أَي يكون وَلَدُه منهاِ كأَنه يَحْرُثُ لِـيَزْرَعَ. وفـي التنزيل العزيز: )نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ(. قال الزجاج: زعم أبو عبـيدة أنه كناية; قال: والقول عندي فـيه أَن معنى حَرْثٌ لكم: فـيهنَّ تَـحْرُثُون الوَلَد واللِّذة فأْتُوا حَرْثَكم أَنَّى شِئْتُم أَي ائْتُوا مواضعَ حَرْثِكمِ كيف شِئْتُمِ مُقْبِلَة ً ومُدْبِرة". اهـ
وقال تعالى:) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ(. وفي هذه الآية منعنا الله عز وجل من إتيان النساء في الفرج عند الحيض مع أنه لم يدم إلا بضعة أيام، فكيف يكون إتيان الدبر جائز مع دوام وجود النجاسة فيه. وأيضاً يبين في الآية أن الممنوع من الإتيان هو الفرج فقط وليس الدبر لأن الحيضة متعلقة بالفرج فقط أما الدبر فحكم إتيانه هو كما كان قبل الحيضة، فلو كان جائزاً إتيانه قبل الحيضة فلا مانع منه الآن أيضاً. وإنه لو كان الأمر كذلك لكانت الآية حينئذٍ (فاعتزلوا الفروج في المحيض) وليس (فاعتزلوا النساء) كما هو الحال.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله r: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول أو أتى امرأته حائضاً أو أتى امرأته في دبرها فقد بريء مما أنزل على محمد"[39]
وقال r: "ملعون من أتى امرأة في دبرها"[40]
واعلم أنا لم نكن لنذكر هذه المسألة هنا، إلا لأن خليفات ألمح في كتابه إلى أن بعض أهل السنة يجيزون ذلك؛ حين نقل عن كتاب جامع بيان العلم أن قوماً من أهل السنة تحامل على سيدنا الإمام مالك ابن أنس لفتياه بإتيان النساء في الأعجاز. فنقول: إن هذا كذب على الإمام مالك. وإننا نتحدى أي شيعي أن يأتينا بنص لأحد من أئمة أهل السنة في الفقه يجيز فيه ذلك. ولكن هذه طريقة الشيعة في كل أمر شنيع عندهم، أنهم يلصقون التهمة بالآخرين ليقولوا لسنا وحدنا القائلون بذلك. إنما المسألة خلافية، وبعض أهل السنة يقولون برأينا، فاعلم أن هذه المسألة ليست كذلك عند أهل السنة. وتنبه لطريقتهم.
الشبهة الثالثة:
قوله في كتابه تحت عنوان الباب الأول مع الأشاعرة: (بالرجوع إلى القرآن والسنة لا نجد أدنى إشارة إلى وجوب تقليد الأشعري وأحد الأئمة الأربعة). اهـ
لاحظ أن المراد من هذه الشبهة أنه: لا يجب تقليد الأشعري ولا أحد الأئمة الأربعة، لأنه لا يجب تقليدهم إلا بدليل من الكتاب أو السنة، ولا يوجد دليل فيهما على وجوب تقليدهم.
فنقول: لا يمكن أن تكون القضية هي المنع من تقليد المذكورين خاصة لأنه يقتضي أن يرد النهي عن تقليدهم خاصة، وهو لم يرد بالاتفاق. فلا بد من ورود النهي عن تقليدهم بلفظ يعمهم. ولا نجد لفظاً يعم الأئمة المذكورين غير لفظ العلماء، فإن رفضته فأتنا بلفظ يجمعهم ورد النهي به عن وجوب اتباعهم لننظر فيه. وإن قبلته فلا بد لكي يتم لك مرادك أن يرد النهي عن مطلق التقليد، أو عن تقليد العلماء مطلقاً، أو يرد الأمر بوجوب تقليد علماء مخصوصين حصراً. لنا القول ببطلان الثلاثة. أما الثالث وهو وجوب تقليد علماء مخصوصين فباطل بالاتفاق، لأننا لا نجد عليه دليلاً ولأنك عقدت فصلاً كاملاً في إثبات النهي عن التقليد وإيجاب الأخذ من القرآن والسنة مباشرة من كل إنسان. وأما الأول ففي إبطال الثاني غنية عن إبطاله، لأن إبطاله يستلزم إبطال الأول.
فاعلم أنك إذا كنت تريد منع الوجوب من تقليد معيّنين فلا أحد من أهل السنة يقول بوجوب تقليد واحد بعينه من العلماء، لا على المجتهد ولا على العاميّ. أما المجتهد فلأنه لا يجوز له التقليد عندنا، وأما العامي فلأن له أن يقلد أي عالم –أي مجتهد- موثوق بعلمه بصرف النظر عن مذهبه. هذا في العمليات. أما في العقائد فأهل السنة يحرمون التقليد، ويوجبون على العينية معرفة أدلتها ولو إجمالاً. وبذلك سقط استدلالك علينا بالمنع من وجوب تقليد أحد على التعيين، لأنا لا نقول به لا في أصول الدين ولا في فروعه.
واعلم أننا لا نسلم عدم وجود دليل في الكتاب أو السنة يوجب تقليد العلماء. فإن العامي مطالب بالرجوع فيما يعرض له من مهمات دينه إلى العلماء وجوباً ولا على التعيين، والدليل من القرآن الكريم قوله تعالى: )فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(، و)وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ(. ومنه يؤخذ انتفاء (النهي عن تقليد العلماء مطلقاً) المستلزم لانتفاء النهي عن مطلق التقليد. ويؤخذ منه جواز تقليد أئمة الفقه الأربعة، لدخولهم في عموم العلماء. فيصير الأخذ عن العلماء واجباً على غير العالم، وممن يجوز الأخذ عنه أحد الأئمة الأربعة لكونهم علماء.
ثم نقول: إن بلاد المسلمين من أهل السنة ليس فيها إلا أربعة مذاهب فقهية معتبرة هي الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، ولا وجود لمذهب مأصل مقعد متكامل في جميع أبواب الفقه غيرها بالاستقراء. فإن عرض للعامي شيء يستدعي السؤال فمن يستفتي؟ إنه لن يجد أحداً يفتيه إلا على أحد هذه المذاهب. فإن كان معنى كلامك أن على أهل السنة أن يعتبروا المذهب الجعفري أو غيره من مذاهب الإمامية ويستفتون سادتهم كما يرجعون إلى مشايخ المذاهب الأربعة، فذلك مما لا يتصور حصوله. وإن يوافق أهل التقريب على ذلك يوماً لكن عليهم أن يشترطوا عليكم المثل إن كان لهم بقية من الكرامة، وسيفاجأون عندها أن الشيعة لن يرضوا بذلك حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، لأنهم لا يجيزون اتباع أهل السنة والتعبد بمذهبهم إلا تقية، ولا يحبون موافقتهم في شيء.
وأخيراً فإن الكاتب تذرع بانتفاء دليل يوجب التقليد لأنه لا يستطيع أن يقيم الدليل على عدم جواز التقليد. فمقصده في النهاية الوصول إلى وجوب تقليد الأئمة من آل البيت حصراً. وقد سبق بيان فساده لعدم تعينهم وذلك لفقد الدليل على طريقة تعيينهم عند الإمامية، وفساد حجة وجوب اتباعهم. ولكن نفي جواز أو وجوب مطلق التقليد مما لا يفيدك في الاستدلال على وجوب تقليد الأئمة من آل البيت، فالمنع من وجوب تقليد العلماء مطلقاً منع من تقليدهم. أما ادعاء وجوب تقليدهم لدليل آخر كعصمتهم ولكونهم مصدراً من مصادر التشريع. فقد بان فساده مما مضى. وفي رأيي أن الإمامية لم يكونوا بحاجة لإثبات العصمة لأئمتهم إذا كان مرادهم أن يوجبوا على الناس اتباعهم والولاء لهم والائتمام بهم، وكان يكفيهم لو أتوا بأدلة شرعية تجعل منهم الأئمة والقدوة. فتأمل.
الشبهة الرابعة:
قوله: (نهي الأئمة عن تقليدهم). واحتجّ له بما يلي:
1-قول أبي حنيفة t: "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا، ما لم يعرف من أين أخذناه".
2-قول الشوكاني: "وهذا هو تصريح بمنع التقليد، لأن من علم بالدليل فهو مجتهد مطالب بالحجة، لا مقلد فإنّه الذي يقبل القول ولا يطالِب بحجّة".
3-قول الإمام أبي حنيفة: "قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا".
4-قيل لأبي حنيفة t: "يا أبا حنيفة، هذا الذي تفتي به هو الحق الذي لا شكّ فيه". فقال: "لا أدري لعله الباطل الذي لا شكّ فيه".
5-قال زفر: "كنا نختلف إلى أبي حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمد بن الحسن، فكنّا نكتب عنه، فقال يوماً: ويحك يعقوب! لا تكتب كل ما تسمعه منّي. فإنّي قد أرى الرأي اليوم فأتركه غداً، وأرى الرأي غداً فأتركه بعد غد".
6-قول الإمام مالك t: "إنما أنا بشر مثلكم أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكلّ ما وافق الكتاب والسنّة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه".
7-قال ابن حزم معلقاً على كلام الإمام: "فهذا مالك ينهى عن تقليده، وكذلك أبو حنيفة، وكذلك الشافعي". وقال الشوكاني: "ولا يخفى أن هذا تصريح من مالك بالمنع من تقليده".
8-قول مالك: "إن نظنّ إلاّ ظنّاً وما نحن بمستيقنين".
9-قول مالك: "ليس كل ما قال رجل قولاً –وإن كان له فضل- يتبع عليه، يقول الله عز وجل: )الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ(.
10- قال القعنبي: "دخلت على مالك في مرضه الذي مات فيه فسلمت عليه فرأيته يبكي، فقلت: ما الذي يبكيك؟ فقال لي: "يا ابن قعنب ومالي لا أبكي، ومن أحق بالبكاء مني، لودّدت أني ضُربت سوطاً وقد كانت لي السمعة فيما سبقت إليه، وليتني لم أفت بالرأي".
11- روي أن مالكاً أفتي في طلاق البتّة –أي الطلاق الذي لا رجعة فيه- أنها ثلاث، فنظر إلى أشهب قد كتبها، فقال: امحها، أنا كلما قلت قولاً جعلتموه قرآناً. ما يدريك لعلي سأرجع عنها غداً فأقول هي واحدة".
12- قول الشافعي: "ما قلت وكان النبي r، قال بخلاف قولي، فما صحّ من حديث النبي r أولى، ولا تقلدوني".
13- لا يقلّد أحد دون رسول الله r،.
14- قال الشافعي للمزني: "يا إبراهيم، لا تقلدني في كل ما أقول، وانظر في ذلك لنفسك فإنه دين".
15-قال الشافعي: "لقد ألفت هذه الكتب ولم آلُ جهداً، ولا بدَّ أن يوجد فيها خطأ. لأنّ الله تعالى يقول: )وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا(. فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه".
16- قول أحمد: "لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوريّ وخذ من حيث أخذوا"
17- قال أبو داود: "قلت لأحمد: الأوزاعي أتبع أم مالكاً؟ قال: "لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء، ما جاء عن النبي فخذ به".
18- قول أحمد: "من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال".
19- ذكر لأحمد بن حنبل قول مالك وترك ما سواه، فقال: "لا يلتفت إلا إلى الحديث. قومٌ يفتنون هكذا يتقلدون قول رجل ولا يبالون بالحديث".
20-قول سحنون من تلاميذ مالك: "ما أدري ما هذا الرأي الذي سفكت به الدماء، واستحلت به الفروج، واستحقت به الحقوق".
21- قول ابن عبد البر: "إنه لا خلاف بين أهل الأعصار في فساد التقليد"، قال خليفات: "وبعد أن أورد آيات من القرآن في ذم التقليد قال ابن عبد البر:": "وهذا كله نفي للتقليد وإبطال لمن فهمه وهدي لرشده".
22- قول الباقلاني: "من قلّد فلا يقلد إلا الحيّ، ولا يجوز تقليد الميت".
23- قال السيوطي: "ما زال السلف والخلف يأمرون بالاجتهاد ويحضون عليه وينهون عن التقليد ويذمونه ويكرهونه، وقد صنف في ذم التقليد المزني وابن حزم وابن عبد البر وأبي شامة وابن قيم الجوزية وصاحب البحر المحيط".
24- قوله: "كان ابن دقيق العيد الذي يعد مجدد القرن السابع الهجري يرى حرمة التقليد، ولم يستطع التصريح بذلك إلا عند وفاته "روى المؤرخ الأدفوي عن شيخه الإمام ابن دقيق العيد أنه طلب منه ورقة، وكتبها في مرض موته، وجعلها تحت فراشه، فلما مات أخرجوها، فإذا هي في تحريم التقليد مطلقاً".
25- قوله: "قال الشيخ الأكبر ابن العربي، أي محي الدين بن عربي صاحب كتاب الفتوحات المكية: والتقليد في دين الله لا يجوز عندنا، لا تقليد حيّ ولا ميت" اهـ.
26- قول الشوكاني: "فنصوص أئمة المذاهب الأربعة في المنع من التقليد، وفي تقديم النص على آرائهم وآراء غيرهم لا تخفى على عارف من أتباعهم وغيرهم، وأيضاً العلماء إنما أرشدوا غيرهم إلى ترك تقليدهم ونهوا عن ذلك، فإنه صح عنهم المنع من التقليد".
27- قول ابن الجوزي: "اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه، وفي التقليد إبطال منفعة العقل لأنه خُلق للتدبر".
28- قول السيد سابق: "وكان الأئمة الأربعة ينهون عن تقليدهم ويقولون: لا يجوز لأحد أن يقول قولنا من غير أن يعرف دليلنا، وصرحوا أن مذهبهم هو الحديث الصحيح".
29- قول سالم البهنساوي: "الأصل في الإسلام أن يأخذ المسلم الحكم الشرعي من الكتاب والسنة، لأنه لا عصمة لأحد حتى تصبح أقواله وأفعاله شرعاً من الله لا تحتمل مخالفة. وأقوال أبي حنيفة، ومالك والشافعي وغيرهم ليست ملزمة بذاتها، بل بما استندت إليه من الكتاب والسنة النبوية، نص على ذلك هؤلاء الأئمة الأربعة". اهـ
وكان الكاتب قبل البدء بإيراد ما مضى من الأقوال، قد قال: (من أكبر الإشكالات التي تعرض لنا نهي الأئمة الأربعة عن تقليدهم). اهـ. فنقول إن هذا النهي الوارد فيما عرض الكاتب من أقوالهم لا يشكل علينا، لأنه موجه من جهة معناه أو المخاطب به. فإن كان مرادك بعرضها مجرد استشكالها بأنك لا تجد لها محملاً فسنحل لك الإشكال. وإن كان المراد منه بيان عدم وجوب تقليد معينين فقد انتهينا منه. وإن كان المراد أن التقليد منهي عنه شرعاً نهياً يفيد التحريم أو الكراهة فهذا غير صحيح على إطلاقه. لأن ذلك يقتضي أن يكون كل إنسان مجتهداً لكي يتحلل من مخالفة الشرع بتقليده الآخرين. فهو تكليف للناس بما لا يطيقون الذي تمنعه أنت بنص القرآن الكريم، وكذلك فهو مخالف لقول الله تعالى: )وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ(. فأخبر أن النفير على بعضهم دون بعض.
واعلم أن هنالك قدراً من العلم الشرعي لا يعذر أحد بالجهل به، ويستوي في وجوب معرفته العالم والعاميّ، كالعقائد الإجمالية، ووجوب الصلاة والصيام، وحرمة الزنا والقتل والسرقة وشرب الخمر مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وموجود في الغالب نصاً في كتاب الله، ويعرفه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ويتناقلونه ولا يتنازعون فيه. والقدر الزائد عن هذه المعرفة إما أن يكون حكمه الندب أو فرض الكفاية في أشد أحواله أو التردد بينهما بحسب الحال. ومن ذلك عرفنا استحالة أن يمنع الأئمة من تقليدهم مطلقاً. ولئن سلم انحصار دلالة أقوالهم المنقولة على النهي عن تقليدهم، ولا يسلم، فلا بد من حملها على البعض دون البعض، أو صرفه إلى معاني أخرى كالحض على تحصيل العلوم وإتقان آلات الاجتهاد، أو حمل التقليد المنهي عنه على ذلك النوع المذموم الذي يصاحبه عمى البصيرة والتعصب.
والحقيقة، أن قدراً كبيراً من الإشكال ينحلّ لو أن الكاتب أتعب نفسه وقرأ باب (فساد التقليد) كاملاً من كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر حيث نقل بعض النصوص من هناك. ولا نريد أن نحيله إلى عدد كبير من كتب علماء أهل السنة حيث بحث التقليد، وإنما نكتفي بإحالته إلى كتاب ابن عبد البر نفسه الذي كان يقرأ فيه وينقل عنه. فلو فعل لوجد ابن عبد البر بعد أن ذم التقليد والمقلدين وشنع عليهم –حتى قال لا فرق بين بهيمة تقاد، وإنسان يقلد- يقول: "وهذا كله لغير العامة؛ فإن العامة لا بدّ لها من تقليد علمائها عند النازلة بها، لأنها لا تتبين موقع الحجة، ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك؛ لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلى بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة والله أعلم. ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها وأنهم المرادون بقول الله تعالى )فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(. وأجمعوا على أن العامة لا يجوز لها الاجتهاد والفتيا، وذلك –والله أعلم- لجهلها بالمعاني التي فيها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم). اهـ[41]
فأقول: هل انعقد إجماع العلماء على حرمة اجتهاد العامة ووجوب تقليدها لعلمائها عند النازلة بها كما نقله ابن عبد البر دون اعتبار رأي الأئمة الأربعة؟! فكيف يدّعى بعد ذلك أنهم لا يجيزون التقليد مطلقاً.
ومع ذلك فإنا نجيب عن (1) بأن قول أبي حنيفة خاص بالمتأهلين للاجتهاد. ويحتمل أن يؤول إن أريد به العامة على المعرفة بالجملة، أي بأن يثق السائل بأن مفتيه متفقه في الدين لا يأتي بشيء من عنده بل من دليل معتبر. وأجيب عن (2) بكلام ابن عبد البر وبأن الشوكاني قسم الناس إلى مجتهد ومقلد، وعرف المقلد بأنه الذي يقبل القول ولا يطالب بحجة فإن كان يعني أن المقلد بهذا التعريف عاص فيلزم منه وقوع السواد الأعظم من المسلمين في الحرام وهو خطأ كبير، وإلا وجب حمل كلامه على المجتهدين لا العامة. وأجيب عن (3) بأنه لا دلالة فيه على النهي عن التقليد، بل هو دال على تواضعه وورعه رحمه الله تعالى. وعن (4) بما أجبنا به عن (3)، وبأنه يفتي أناساً فلو كان ينهى الناس عن التقليد لنهاهم عن سؤاله. وأجيب عن (5)، و(6) بمثله فلا يلزم من منهما وجوب ترك التقليد، وبأن قوله لا تكتب كل ما تسمعه نهي عن كتابة الكل لا البعض، فيؤخذ منه جواز كتابة البعض، فإن كان خليفات قد فهم من الكتابة التقليد، فهذه إجازة لنوع التقليد. على أننا لا نسلم ذلك ونرى أن نهيه t عن الكتابة عنه من شدة ورعه، لأنه يعلم أنه بشر يخطئ ويصيب، فكلما قل النقل عنه قل احتمال أن يتبعه الناس في مسائل قد يكون فيها مخطئاً، وبمثله نجيب عن ما ورد في (10)، إذ قوله ليتني ... إلخ ليس ندماً على ما فعل، واعترافاً منه بأنه أمضى ثمانين حولاً يجتهد ويفتي ثم عند موته أدرك كم كان متجرئاً على الله ولا بد له من الرجوع عن سيّء ما كان يفعل ليلقى الله تائباً من هذا الذنب العظيم، فإن هذا ومثله مما تنسبه السلفية للأشعري والغزالي والرازي وغيرهم من علمائنا، أقول إن هذا مما ترفضه غرائز البهائم لا عقول البشر. ويؤخذ من كلامه حثه لطلابه على الاجتهاد وعلى متابعته والنظر في كلامه وعرضه على الكتاب والسنة لتنقيحه ونقده. ويؤخذ منه جواز الأخذ عنه فيما وافق الكتاب والسنة. لا يقال ما أورده الشوكاني في القول المفيد من أن الأخذ منه على وفق الكتاب والسنة ليس أخذاً منه بل منهما؛ لأنا نقول: الكتاب والسنة ليسا كتاباً مفتوحاً يتناول المار منهما ما يحتاج ويمضي، بل المراد ما قيّسه الإمام من الفروع على أصول مقررة في الشريعة مما يخفى على العامة وكثير من الحذاق، وإلا لو كان حكماً متقرراً في الشرع ومنصوصاً عليه كيف جاز أن نسمي ما أخذ عن مالك وغيره من الأئمة فقهاً، وهذا معلوم من تعريف الفقه بأنه العلم بالأحكام الشرعية العملية من طريق الاجتهاد لا النص القاطع. وأجيب عن (7) بكفاية ما مضى بحثه من توضيح محامل النهي. وعن (8) بعدم دلالته على النهي. وبأنّ مبنى الاجتهاد مظنة الحق فيما حكم به الحاكم، كما هو مبين في أصول الفقه. ولو كان المستدل بهذا ممن يقرأ ويفهم لعلم أنه لا عيب في عدم قطع المجتهد بصحة اجتهاده، ولا عيب في ظنية أدلته. بل العيب كل العيب فيمن يبني أصلاً من أصول الدين على أدلة غاية أمرها أنها ظنية بل هي وهمية، كما هو حالكم في الإمامة والإمام الثاني عشر كما سنذكره في موضعه. وإن كان الكاتب يعيب على أهل السنة ابتناء فقهم على غلبة الظن، فليأتنا بفقه الشيعة المنبني على اليقين! إن فقه الشيعة مبني على الظن أيضاً بنصهم وبدليل اختلاف مجتهديهم ومراجعهم، وانظر لما يقوله محدث الشيعة الكبير الحر العاملي عن مراجعهم ومجتهديهم، يقول: "تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين أو أزيد، بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها". اهـ[42]
وهذه شهادة من أكابر الأئمة عندهم وهو علم الهدى الشريف المرتضى يقول: "فإن معظم الفقه وجمهوره بل جميعه لا يخلو مستنده ممن يذهب مذهب الواقفة ... وإلى غلاة وخطابية ومخمسة وأصحاب حلول كفلان وفلان ومن لا يحصى كثرة، وإلى قمي مشبه مجبر، وإن القمّيّين كلهم من غير استثناء لأحد منهم إلا أبا جعفر بن بابويه رحمة الله عليه بالأمس كانوا مشبهة مجبرة وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به، فليت شعري أي رواية تخلص وتسلم من أن يكون في أصلها وفرعها واقف أو غال أو قمي مشبه مجبر". اهـ[43]
واعلم أن الكاتب يشير بكلامه إلى أن أخذهم للأحكام إنما هو عن أئمة معصومين لا يرقى إليهم الشك؛ ونسي أن ذلك منقول عنهم بأخبار آحاد لا تفيد سوى الظن. هذا إن سلم أن لهم منهجاً في الحديث. فتأمل.
وأجيب عن (9) بأنه مسلّم وغايته النهي عن التقليد على غير بصيرة. وعن (17) بأن كلام أحمد لأبي داوود وهو المجمع على اجتهاده، والتقليد في حق المجتهد غير جائز بالاتفاق. وعن (22) أني راجعت كلام ابن حزم في الإحكام فإن صح نقله عن القاضي الباقلاني فلا يسلم للقاضي رحمه الله لأنه خلاف قول الجمهور. وربما كان محمولاً على أن الأفضل تقليد الحي لا تقليد المجتهد الميت، لا أن تقليد الميت ممنوع. وعن (25) بأن ابن عربي هو آخر من يحق له الكلام في النهي عن التقليد لأن طريقته إنما هي على خلاف طريقة أهل السنة ويكفيه اعتقاده بوحدة الوجود مخرجاً له عن أهل السنة، فهو يشكك في حجية العقل، ويجعل الكشف حاكماً على ما ثبت بالعقل؛ ولأنه قد صرح في غير موضع من رسائله بأن على النظار والمتكلمين أن يسلموا لأرباب الكشوف والشهود، والكشف عند أهل السنة ليس سبباً من أسباب العلم الذي تقوم به الحجة على الغير، ولئن سلم كونه سبباً للعلم فلا يعدو كونه سبباً للعلم الخاص إذا كان على موافقاً للشرع والعقل. ولك أن تراجع قوله: (وطريق الكشف والشهود لا تحتمل المجادلة والرد على قائله)، ويقول عن أهل النظر: (فما وافق نظرهم وعلمهم صدقوا به، وما لم يوافق نظرهم وعلمهم ردوه وأنكروه، وقالوا هذا باطل لمخالفة دليلنا... فهلا سلّم هذا القول لصاحبه ولا يلزمه التصديق، فكان يجني ثمرة التسليم) اهـ[44]
فيقال: أليس الأمر بالتسليم وعدم النظر في قول أرباب الكشوف دعوة لتقليدهم. فتأمل. والحق أن ابن عربي الظاهري في فقهه وإن حرم التقليد فليس هو ممن يعتد بخلافهم في الفقه لما بينا من ابتداعه ورمي المشايخ له بالتشيع والقول بوحدة الوجود على خلاف أصول اهل السنة، ولأنه ليس فقيهاً له أقوال منثورة في كتب الفقه كبقية الفقهاء.
هذا ما رأينا أن نرد به على ما احتج به خليفات على حرمة التقليد، وما تركنا الكلام فيه فإما أنه لا يفيد للاحتجاج أو أن الإجابة عنه وقعت في الإجابة عن غيره، والله تعالى الموفق.
الشبهة الخامسة:
قوله تحت عنوان "من نقلد؟": "بعد التغاضي عن أقوال الأئمة في النهي عن تقليدهم، وعلى فرض وجود دليل، لكن من نقلد منهم؟ أبا حنيفة أم مالكاً أم الشافعيّ أم أحمد؟ إن المرجح مفقود، والترجيح بلا مرجح فاسد عقلاً وشرعاً. وإذا قلدنا الشافعي مثلاً ألا يعني أننا وضعنا على الآخرين علامة استفهام؟ والملاحظ أن مذهب الأشعري الفقهي محل خلاف، فالحنفية يقولون كان حنفياً، والمالكية يجعلونه مالكياً، وكذا الشافعية!". اهـ
أجيب بأن الترجح بلا مرجح محال عقلاً، ومعناه لا رجحان لأحد الجائزات المتساوية المتضادة عند القابل لها بلا مرجح، ولو كانت الحال كذلك في المذاهب الأربعة بالنسبة للإنسان لتوقف عن أن يأخذ بأي منها إلى يوم القيامة، لأن تصور أخذه من أيها مع تساويها عنده من كل وجه هو محال عقلاً. والدليل على فساد قولك أنا نرى في الشاهد أن الناس تتبع لمذاهب دون أخرى أو تأخذ من غير واحد منها مما يدل على وجود المرجح. ومن المرجحات لذلك وجود المفتين في كل منطقة، وثقة المستفتي بالمفتي، وقوة الدليل في مذهب، وضعف الدليل في آخر، واشتهار مذهب بعينه دون ما عداه في بعض الأمصار فينشأ الناس من حداثة سنهم على اتباعه والثقة به، وشهرة إمام مذهب ما في زمان ما بسعة علمه وورعه، إلخ من المرجحات التي تتدافع إلى الذهن عند التفكير في ما يحمل الناس على اعتناق مذهب دون آخر.
قوله: (ألا يعني أننا وضعنا على الآخرين علامة استفهام؟). قلنا: ما معنى علامة الاستفهام؟ وإن المجتهد مأمور بالنظر، ويبعد أن يصل جميع النظار إلى نتيجة واحدة، لاختلاف جهات النظر، واختلاف النصوص المنظور فيها، وغير ذلك مما قد ينشأ عنه الاختلاف. فما معنى علامة الاستفهام تلك التي ستوضع على المجتهد إذا حكم في مسألة. إن غاية ما في الأمر أنه قد يكون لم يصب الحق. فيكون له أجر بنص الحديث. وهنا يأتي دور علماء المذاهب في تنقيح الأقوال السابقة ونقدها. ثم أليس عند الشيعة أن بعض الناس يقلدون بعض المراجع عندهم، وآخرون يقلدون مرجعاً غيره، فتعدد المراجع موجود عندهم أيضاً. فلماذا الاستهجان على أهل السنة أن البعض يقلد أبا حنيفة وآخرين يقلدون الشافعي وهكذا.
أما قوله بكون مذهب الأشعري الفقهي محل خلاف، فيصلح أن يلحق بكتب النوادر والملح، لأنه يشبه الاستدلال على فساد الصلاة مع الحدث بالتشكيك في الجوهر الفرد. فلا مدخلية للكلام على مذهب الأشعري الفقهي ههنا.
الشبهة السادسة:
قوله: " كيف نقلدهم في ديننا وقد ماتوا قبل أكثر من ألف ومائتي سنة؟ إن مسائلهم المدونة لا تكفي والزمن في تطور مستمر، وكل يوم يستجد شيء جديد، فكيف سيجيبونا عن المسائل المستحدثة؟!". اهـ
أجيب بأنا يستحيل أن نقلدهم فيما يستجد من المسائل لأنها غير مدونة عندهم أصلاً، والاجتهاد إنما شرع للحكم في الحوادث. وأما ما تشارك فيه عصرنا وعصرهم من العمليات مما لا تتغير أحكامه بتقادم الزمان فما المانع من الأخذ بأقوالهم فيه.
الشبهة السابعة:
قوله: "إن الأئمة الأربعة مختلفون فيما بينهم، فكل واحد له فقهه الخاص، حتى أن الاختلاف قائم بين فقهاء المذهب الواحد، ونحن نعلم أن حكم الله واحد لا ثاني له، لأن الحق الواحد لا يتعدد". اهـ وقوله بعد ذلك رداً على معنى حديث اختلاف أمتي رحمة: (كيف يحث النبي r أمته على الاختلاف، وهو يتلوا لهم قول رب العزة: ) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ(، ) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (. وقوله: )إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(؟). اهـ.
أجاب عن ذلك أبو هاشم، قال:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أن ثمة فرقاً بين كلمتي الافتراق والاختلاف. قال تعالى: )وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(. ولو أنهما بمعنى واحد لكان تكراراً بلا فائدة جديدة. قال ابن فارس: (فرق: أصل يدل على تمييز وتزييل بين شيئين). وقال: (خلف: أصول ثلاثة: أحدهما أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه، والثاني خلاف قدّام، والثالث التغيّر.... وأما قولهم اختلف الناس في كذا، والناس خلفة أي مختلفون، فمن الباب الأول لأن كل واحد منهم ينحي قول صاحبه، ويقيم نفسه مقام الذي نحاه). اهـ.
فبان من قراءة ابن فارس نكتة: أن التفرق يقع في الماديات المحسوسة، والاختلاف يكون في الرأي. فكان الثاني من دواعي الأول. إذا أدركت هذا، فلم قدّم الحق سبحانه وتعالى التفرق على الاختلاف وضعاً في الآية مع أن الأول من آثار الثاني؟ والجواب أن التفرق الحاصل لا بد وأنه قد سبقه خلاف آخر أدى إلى التفرق. ولقائل أن يقول: لم لم يذكر الاختلاف الأول المسبب للتفرق فيحذر منه لئلا تقع الفرقة. أجيب بأنه ليس من شأن كل اختلاف أن يؤدي إلى فرقة. فسكوت القرآن الكريم عنه إشارة إلى أن اختلافكم لا ينبغي أن يكون مدعاة لتفرقكم، لأن الأصل فيه أن يكون في فروع الشريعة المحتملة للخلاف والتي فيها سعة لا في الأصول. والله أعلم.
ولقد ذكر الله تعالى فرقة أهل الكتاب كيف وقعت بعد الاختلاف، فقال تعالى: )وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ(. الآية. فذكر أن الاختلاف كان سبباً في أشنع صور الفرقة، وهو الاقتتال، فلم يذكر الفرقة لأنهما مفهومة ضمناً من احتراب الفرقاء واقتتالهم.
فما معنى اختلفوا التي جاءت بعد تفرقوا في الآية إن لم يكن هو الاختلاف المسبب للتفرق؟ أجيب بأن شر الفرقة المستطير من اقتتال وسفك دماء قد يخمد وتنتهي ظاهراً معالمه. ولكن ما يعقبه هو اختلاف القلوب وامتلاؤها بالضغائن، وعندها تكون النتائج عصيبة للغاية. ولعل هذا المعنى هو الذي أشارت إليه الآية. والله أعلم.
والحاصل أن من الاختلاف ما هو ممزوج بالهوى، فيلابسه التعصب والضغائن فيؤدي إلى الفرقة وعنه وقع نهي الشرع. وإذا وقعت الفرقة فإن من عواقبها المحذورة اختلاف القلوب، وانصداع المجتمع المسلم، وضعفه وسهولة اختراقه من عدوه. أما ذلك الاختلاف الناشئ عن تعدد جهات النظر وسعة اللغة بحيث تحصل عند العلماء فهوم مختلفة تدل عليها النصوص من وجوه، فيسوغ لهم الاجتهاد والقول في المسألة الواحدة بأكثر من رأي، فذلك من عظمة هذا الدين ومقتضيات صلاحيته لكل زمان ومكان. وبعد النبي r ماذا يفعل الناس والشريعة لا يمكن أن تنص نصاً على حرمة أو حل كل شيء مسألة مسألة، لأن مستجدات الحياة لا تنتهي. فوضع الله الشرع بحيث يحتمل النظر فيه واستنباط أحكام للمستجدات من الأمور.
والشبهة التي أثارها خليفات، حاصلها أن نهدم المذاهب الفقهية ونقتصر على قول واحد. وهو إن دل على شيء فإنما يدل على جهل الرجل بهذا الدين. فنجيبه بأن الله تعالى لو أراد أن يلزم الناس بقول واحد لنص على حرمة الاجتهاد والنظر. وبأن الدين إنما جعله الله تعالى بحيث يكون حكم المجتهد في مسألة ما، هو حكم الله في حقه. وبأن حكم العالم للعامي في مسألة إنما يتنزل منزلة قول الله تعالى ورسوله في حقه. فهل سمع بهذا القول خليفات من قبل. أم أنه لم يسمع بأصول الفقه؟ ولو أردنا أن نأتي من كتبكم بأقوال علمائكم وأئمتكم في مسألة من المسائل لوجدنا أقوالاً مختلفة في المسألة الواحدة، والأمثلة على ذلك كثيرة، وقد ذكرنا في هذا الكتاب مسألة المتعة، وسيأتي موضوع تحريف القرآن وهو ليس بمسألة فرعية أصلاً ليجوز الاختلاف فيها، ومع ذلك فعلماء الشيعة مختلفون فيه. فإلى ماذا يرجع اختلاف الشيعة في هاتين المسألتين وغيرهما، من وجهة نظر الشيعة؟ وإذا كان الحق عند الله واحد لا يتعدد، فما هو الحق في هاتين المسألتين؟
ثم اسمع ما يقوله الفيض الكاشاني الذي ما بلغ الكاتب من العلم مده. يقول عن شيعته: (تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين أو أزيد، بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها). اهـ[45]
أفتعيب علينا أربعة أقوال ولكم في بعض المسائل ثلاثين قولاً. فماذا نفعكم أئمتكم المعصومون. لم لم يعصموكم عن هذا التخبط. ثم بالله قل لي إذا تحصل عندكم هذا العدد الكثير من الأقوال دون قياس، فهل جاءكم أئمتكم بثلاثين نصاً مختلفاً في مسألة واحدة؟ فأين الحق الذي هو واحد عند الله تعالى منها يا راكب سفينة التيه؟
الشبهة الثامنة:
قوله: (الشيعة يعظمون الأنبياء وينزهونهم عن كل نقص، وعن كل ما نسب لهم) ثم عرض أمثلة للاحتجاج بها على أهل السنة أنها نقائص وقد نسبوها إلى النبي r: الأول: (كالقول بأن النبي كان يدور على نسائه الإحدى عشر في ساعة واحدة)، الثاني: (أنه كان يلعن من لا يستحق اللعن)، الثالث:(أنه كان يمثل ببعض الناس)، الرابع: (أنه كان يسهو في صلاته)، الخامس: (أنه كان يبول في الطرقات) يعرّض بأهل السنة لمما ورد من الأخبار عندهم بخصوص ذلك.
أجيب عن الأول: اعلم أن تبويب البخاري والروايات المذكورة تحته حيث أرجعنا الكاتب، لم تثبت (الإحدى عشر) المدعاة في كلامه، وإنما ما رجحه ابن حجر أنه ما اجتمع عند النبي r والكلام في الثنتين جويرية وريحانة إنما هو من باب إلحاق من في يمينه بمن تحته عند إطلاق نسائه تغليباً. ثم اعلم أن لا شبهة في ما قال خليفات هنا، إلا أنه توهم أنه بهذا يتم له القول بأن أهل السنة ينتقصون من قدر نبيهم؛ وذلك لأن مما اختص به نبينا تعدد الزوجات لحكم كثيرة معروف بعضها ومشهور، وقد صحت الروايات في أنه صلى الله عليه وسلم دار نسائه في ساعة، واختلف في معنى الساعة والراجح أن معناها الوقت من الزمن القليل نسبياً، لا الساعة التي يعرفها الناس التي هي جزء من أربعة وعشرين جزءاً من اليوم والليلة، فإنه يبعد أن يجامع أحد فيها هذا العدد من النساء. وعلى تسليم أن دورانه عليهن بمعنى الجماع لا السلام عليهن وتفقدهن وغيره مما يمكن تصوره، وبصرف النظر عن كون ذلك قد كان مشروعاً له على الدوام أو فقط قبل آية القسمة والعدل بين الزوجات، فأي مشكلة في أن يدخل المرء جميع بيوته في ساعة ويعاشر نساءه، ويغتسل في كل بيت أو يمكنه ذلك في غسل واحد دون أن تفوته واجباته الأخرى. إن الكاتب لم يوفق في هذه الشبهة قطعاً فليس لها وجه تحمل عليه. والله الموفق.
وكذلك فإن مثل هذه الروايات ثابتة عندكم من طريق أهل البيت رضي الله عنهم. فعن هشام عن الصادق (ع) قال: "إن داود لمّا جعله الله خليفة في الأرض أنزل عليه الزبور- إلى أن قال- ولداود حينئذٍ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية". اهـ[46]
وعن الحسن بن جهم قال: رأيت أبا الحسن (ع) اختضب فقلت: جعلت فداك اختضبت فقال: نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء - إلى أن قال:- كان لسليمان بن داود ألف امرأة في قصر واحد ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سريّة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بضع أربعين رجلاً وكان عنده تسع نسوة وكان يطوف عليهن في كل يوم وليلة.
ونقل نعمة الله الجزائري: عن أبي الحسن(ع) قال: "كان لسليمان بن داود ألف امرأة في قصر واحد، وثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرّية، ويطوف بهن في كل يوم وليلة". وعلق الجزائري على الرواية ما نصه:( يحمتل طواف الزيارة، والأظهر أنه طواف الجماع). اهـ[47]
وأيضاً: عن أبي جعفر(ع) قال: "كان لسليمان حصن بناه الشياطين له، فيه ألف بيت في كل بيت منكوحة، منهن سبعمائة أمة قطبية وثلاثمائة حرة مهيرة، فأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلاً في مباضعة النساء، وكان يطوف بهن جميعاً ويسعفهن". اهـ[48]
وقال محمد نبي التوسيركاني ما نصه: (وفي بعض الكتب المعتبرة ! كان معسكره مائة فرسخ مفروشة بلبنة الذهب يقوم عليها عسكره خمسة وعشرون إنساً ... وكانت له ألف امرأة في ألف بيت من القوارير موضوعة على الخشب، وعن أبي الحسن: كان لسليمان عليه السلام ألف امرأة في قصر واحد). اهـ[49]
وفي الأنوار النعمانية: ( أن سليمان عليه السلام كان يسحب معه على البساط ألف امرأة منكوحة وسبعمائة من الإماء وثلثمائة من الحرائر، وقيل: إنه كان يوقف عليهن في ليلته...). اهـ[50]
ومثل ذلك كثير جداً في كتب الشيعة يطول ذكره، وفيه من الفحش ما لا يتصور صدوره عن مسلم. فماذا يقول خليفات في ذلك؟
وأجيب عن الثاني:
بأن الكاتب يشير إلى تبويب مسلم (باب: من لعنه النبي r أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك، كان له زكاة وأجراً ورحمة).[51]
وقد بتر الكاتب التبويب، ولم يفصّل في المسألة. وكان الأولى به لو أراد الاعتراض والنقد أن يأتي بدليل قطعي عقلي أو نقلي يحيل فيه جواز أن يصدر عن النبي r اللعن وغيره مما يعرض للبشر خطأ، ليجبرنا على رد الظني بالقطعي. ومهما يكن من أمر، فإن الأحاديث الواردة في هذا الباب في صحيح مسلم وحده بلغت ستة عشر حديثاً، والعاقل لا يبادر إلى رد الحديث بأول النظر قبل فهمه ودراسة قرائنه.
واعلم أن الحديث الأول في الباب هو حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (دخل على رسول الله r رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه، فلعنهما وسبهما، فلمّا خرجا قلت: يا رسول الله! من أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان، قال: "وما ذاك؟" قالت: لعنتهما وسببتهما. قال: "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهمّ إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً". ثم الأحاديث الأخرى تدور حول نفس المعاني، ففي حديث أبي هريرة زاد (أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة). وفي حديث أم سليم في غير الحادثة السابقة بين رسول الله r السبب بأوضح من حديث عائشة قال: (إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن تجعلها له طهوراً وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة). وفي الباب أحاديث أخرى ارجع إليها إن شئت.
والآن انظر كيف يفهم علماء أهل السنة الحديث، يقول النووي رحمه الله: (هذه الأحاديث مبنية على ما كان عليه النبي r من الشفقة على أمته، والاعتناء بمصالحهم، والاحتياط لهم، والرغبة في كل ما ينفعهم، وهذه الرواية المذكورة آخراً تبين المراد بباقي الروايات المطلقة، وإنه إنما يكون دعاؤه عليه رحمة، وكفارة وزكاة، ونحو ذلك إذا لم يكن أهلاً للدعاء عليه، والسب واللعن ونحوه، وكان مسلماً. وإلا فقد دعا r على الكفار والمنافقين، ولم يكن ذلك رحمة. فإن قيل: كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه، أو يسبه، أو يلعنه ونحو ذلك؟ فالجواب ما أجاب به العلماء، ومختصره وجهان:
أحدهما: أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى، وفي باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب له، فيظهر له r استحقاقه لذلك بأمارة شرعية، ويكون في باطن الأمر ليس كذلك، وهو r مأمور بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
والثاني: أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله: تربت يمينك، وعقرى حلقى. وفي هذا حديث: لا كبرت سنك (يشير إلى حديث أم سليم). وفي حديث معاوية: (لا أشبع الله بطنه). ونحو ذلك لا يقصدون من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف r أن يصادف شيء من ذلك إجابة، فسأل ربه سبحانه وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهوراً وأجراً. وإنما كان يقع هذا في النادر والشاذ من الأزمان، ولم يكن r فاحشاً ولا متفحشاً ولا لعاناً، ولا منتقماً لنفسه. وقد سبق في الحديث: أنهم قالوا: أدع على دوس. فقال: (اللهم اهد دوساً. اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). اهـ كلام النووي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
ثم إن عندكم من الروايات أمثال ذلك، فعن علي "ع" قال: (لا تكفوا عن مقالة بحقي أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطيء، ولا آمن من ذلك من فعلي)، وفي رواية ( إنما أنا رجل منكم فإن قلت حقاً فصدقوني وإن قلت غير ذلك فردوه علي). اهـ[52]
وأحببت أن أنقل كلام النووي كاملاً لأمور منها أن هذا هو الموضع الذي أرجَعَنا إليه الكاتب في حاشية كتابه لنراجعه لنتبين مثلبة من مثالب أهل السنة، وثانيها وهو الأهم أن الأمر يتعلق بشخص الرسول العظيم r ففصلنا الكلام لئلا يتوهم البعض شيئاً لا يليق بعظيم أخلاقه صلى الله عليك وعلى آلك وصحبك وسلم وبارك يا سيدنا يا رسول الله. وأخيراً لكي يعلم كذب وافتراء ودجل وحقد الشيعة على أهل السنة، ورغبتهم في تشويه مذهبنا بكل وسيلة. وللمطالع أن يستدل على ذلك من كتبهم بما لا يحصى من النصوص. هذا ما أردنا بيانه في الإجابة عن شبهة خليفات، وفي كلام النووي كفاية لمن كان له قلب. والله الموفق.
وأجيب عن الثالث:
بأن إشارة خليفات إلى حديث موسى ابن إسماعيل ثنا همام عن قتادة عن أنس في البخاري باب الدواء بأبوال الإبل: (أن ناساً اجتووا في المدينة، فأمرهم النبي r أن يلحقوا براعيه، يعني الإبل، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعيه فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت أبدانهم فقتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ النبي r فبعث في طلبهم فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم. قال قتادة فحدثني محمد بن سيرين أن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود.) اهـ.
وقد بحث ابن حجر رحمه الله في الحديث واستقصى طرقه وروايته ونقل ما خرج عليه من المسائل، وذكر أن هذه أشد عقوبة عاقب بها رسول الله r كما في حديث أنس للحجاج حين طلب منه أن يحدثه بأشد عقوبة عاقب بها الرسول r أحداً، فذكر له الحديث. وفصل ابن حجر الكلام في غير هذا الموضع من فتح الباري، فذكر في كتاب المغازي أن أبا هريرة حضر أمر النبي r بالتعذيب بالنار، ثم حضر نسخه والنهي عن التعذيب بالنار كما ذكره في كتاب الجهاد. وبسط الكلام فيه في باب أبوال الإبل والدواب في كتاب الطهارة. وجملة ما أجاب به هو أنه لا شبهة في هذا الحديث ولا حجة على جواز التمثيل لأنه وقع التصريح في بعض طرق الحديث أنهم ارتدوا، كما في رواية سعيد عن قتادة عن أنس في المغازي (قتلوا أي الراعي وكفروا)، وكذا في رواية وهيب عن أيوب في باب الجهاد في أصل الحديث. ثم لأحمد من رواية حميد عن أنس في أصل الحديث: (وهربوا محاربين). وأن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود، كما وقع التعذيب بالنار أي قبل الحدود، وقبل النهي عن التمثيل.
ومعنى اجتووا عموماً أنهم أصابهم مرض وضرر بمقامهم في المدينة لما أنهم أهل بادية فلم يناسبهم طعامها، والسمر بتشديد الميم وتخفيفها السمل، وفي رواية الترمذي وغيره أنه قطع أيدي وأرجل كل واحد من الحربيين من خلاف. ولمسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس أنه إنما سمل أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة. ومما أخذ من الحديث قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة. قال ابن حجر: (وإن قلنا إن قتلهم كان قصاصاً وفيه المماثلة في القصاص، وليس ذلك من المثلة المنهي عنها). اهـ. كلامه وما لخصته من كلامه من المواضع المشار إليها في فتح الباري.
وعليه فقد بان أن غاية ما في الأمر أن النبي r اجتهد في إيقاع أشد العقوبة على هؤلاء لبشاعة الجرم الذي ارتكبوه، لفقدان النص في حكم الحربيين. هذا إذا لم نحمل فعله على القصاص منهم بمثل ما فعلوا بالراعي أو أكثر بحسب ما ثبت في بعض الروايات. وعلى من أراد الاستزادة في الموضوع والتفصيل فيه الرجوع إلى المواضع المشار إليها. ليثبت له أن أهل السنة لا يقولون بأن النبي r كان يمثل بالناس. وأن هذا القول على إطلاقه لا يصح نسبته إلى الرسول r قطعاً.
ثم إن كانت هذه الروايات قد كبرت عليك، فإنكم تنسبون إلى المعصوم أنه يعطل حدود الله. فعندكم أنه عندما جاء لعلي رضي الله عنه، رجل أقر باللواط قال له "ع" :(يا هذا إن رسول الله r حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيهن شئت… قال: ضربة بالسيف في عنقك… أو إهداء من جبل مشدود اليدين والرجلين أو إحراق بالنار … فقال: اللهم إني أتيت من الذنب ما قد علمته… فجئت إلى وصي رسولك وابن عم نبيك… قال: فبكى أمير المؤمنين "ع" وبكى أصحابه جميعاً فقال له أمير المؤمنين "ع": قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء وملائكة الأرض، فإن الله قد تاب عليك فقم ولا تعاودن شيئاً مما فعلت). اهـ [53]
وانتبه أيها القارئ إلى ما جاء في الرواية من قول الرجل: "وصي رسولك" فإن هذا الكلام لا دليل لهم عليه، وهو يعنون به أن النبي عليه السلام أوصى لسيدنا علي بالإمامة أي نص على خلافته من بعده، وهذا ما ننازعهم فيه أشد النزاع. ولتتبين كذب ادعائهم وتهافت أقوالهم، راجع مبحث الإمامة في كتب المتكلمين من أهل السنة مثل الأربعين للإمام الرازي، والمواقف للإيجي، وشرح المقاصد للتفتازاني.
وأجيب عن الرابع:
بأن السهو ليس مما يقدح في نزاهة الأنبياء وعصمتهم، والنسيان مما لا يستحيل على الأنبياء لأنه من الأعراض البشرية غير المذمومة. وبأن إحالة النسيان على الأنبياء مخالفة لنص قطعي من القرآن الكريم؛ قال تعالى عن سيدنا موسى وفتاه: )فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا(، وقوله: )لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا(، وقال تعالى لسيدنا محمد r )وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(، وقال: )وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا(. وبأن رواية سهو النبي r متفق عليها بين السنة والشيعة. أما السنة فحديث ذي اليدين مشهور جداً وهو العمدة في أحكام السهو في الصلاة. وأما عند الشيعة فعن سعيد الأعرج قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "صلى رسول الله r ثم سلم في الركعتين، فسأله من خلفه: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ قال: "وما ذاك؟ قالوا: إنما صليت ركعتين. فقال: أكذاك يا ذا اليدين –وكان يدعى ذا الشمالين-، فقال: نعم. فبنى على صلاته فأتمّ الصلاة أربعاً وسجد سجدتين لمكان الكلام). اهـ[54]
وعن أبي بكر الحضرمي قال: (صليت بأصحابي المغرب فلما أن صليت ركعتين سلمت، فقال بعضهم إنما صليت ركعتين، فأعدت؛ فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام فقال: لعلك أعدت. قلت نعم. فضحك ثم قال: إنما كان يجزيك أن تقوم فتركع ركعة. إن رسول الله r سها فسلم في ركعتين، ثم ذكر حديث ذي الشمالين فقال: ثم قام فأضاف ركعتين). اهـ [55]
ويقول ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق: "إن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي r". اهـ [56]
وعن أبي الصلت الهروي قال: (قلت للرضا "ع": إن في سواد الكوفة قوماً يزعمون أن رسول الله r لم يقع عليه السهو في صلاته. فقال: كذبوا لعنهم الله. إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو). اهـ[57]
فراجع هذه الكتب التي سردتها في مراجع كتابك فأنت أولى الناس بقراءتها بعد أن اهتديت، لعلك تتبصر بمذهبك أكثر فتعلم أن من يحيل النسيان والسهو على الأنبياء والأئمة على مذهبك متصف بالغلو وملعون من أئمتكم. والأهم أنه يخالف نص القرآن الكريم. هدانا الله وإياك إلى الصواب.
وأجيب عن الخامس:
بأنه r صاحب الخلق العظيم علمنا كما هو منصوص عليه في كتب الفقه وشروح الحديث آداب إتيان الخلاء للتبول أو التغوط ومن ذلك عدم استقبال القبلة أو استدبارها بلا حائل بينهما، وعدم البول في الجحور وشقوق الصخر أو تحت الشجر المثمر، أو في الماء الراكد، أو الكلام أثناء قضاء الحاجة، أو رد السلام، أو ذكر الله أو اصطحاب شيء مما فيه ذكر الله عز وجل، أو البول في المغتسل، أو البول حال الوقوف إلا أن يؤمن أن لا يصيبه شيء من النجاسة وأن لا ترى عورته، وغير ذلك من الآداب. ولم يرد في روايات أهل السنة أن النبي r كان يبول في الطرقات بهذا المعنى، فإن كان خليفات يشير إلى حديث حذيفة في صحيح ابن حبان حذيفة (قال: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً، ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه). قال ابن حبان: "عدم السبب في هذا الفعل هو عدم الإمكان، وذاك أنه r أتى السباطة وهي المزبلة فأراد أن يبول فلم يتهيأ له الإمكان لأن المرء إذا قعد يبول على شيء مرتفع عنه ربما تفشى البول فرجع إليه، فمن أجل عدم إمكانه من القعود لحاجة بال r قائماً". اهـ.
قلت: فهذا الحديث ليس فيه أنه r بال في الطريق بل في مزبلة، ومقام الاحتجاج به ليس هو جواز البول في الطرقات بل البول حال القيام لا القعود، فكان الحكم الجواز عند عدم الإمكان.
وجاء في الكافي من فقه ابن حنبل لابن قدامة: (ويكره أن يستقبل الشمس والقمر تكريماً لهما وأن يستقبل الريح لئلا ترد البول عليه. ويكره أن يبول في شق أو ثقب لما روى عبد الله بن سرجس أن النبي r نهى أن يبال في الحجر. رواه أبو داود، ولأنه لا يأمن أن يكون مسكناً للجن أو يكون فيه دابة تلسعه. ويكره البول في طريق أو ظل ينتفع به أو مورد ماء لما روى معاذ قال قال رسول الله r: (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل رواه أبو داود. ويكره البول في موضع تسقط فيه الثمرة لئلا تتنجس به والبول في المغتسل لما روى عبد الله بن مغفل قال: (نهى رسول الله r أن يبول الرجل في مغتسله) رواه ابن ماجه. قال أحمد إن صب عليه الماء فجرى في البلوعة فذهب فلا بأس... إلخ).
فرسول الله r الذي ينهى عن قضاء الحاجة في الطريق لا يمكن أن يأتيها بنفسه، لأن في ذلك أذية للناس، ومظنة انكشاف العورة. وكيف يعقل هذا من النبي r وقد كان أشد حياء من العذراء في خدرها.
ثم إنكم نسبتم لرسول الله r، ما هو أشنع من ذلك بكثير من البول في الطرقات وحاشاه أيها المفترون: فنقل الصدوق عن الرضا "ع" في قوله تعالى: ) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ(، قال: (إن رسول الله r قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده فرأى امراته زينب تغتسل فقال لها سبحان الذي خلقك) اهـ [58] !!!
وفي كتبكم عن أمير المؤمنين "ع" قال: (سافرت مع رسول الله r ليس له خادم غيري، وكان لحاف ليس له غيره ومعه عائشة، وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره، فإذا قام إلى الصلاة يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا). اهـ [59] !!!
وأيضاً عن الصادق "ع" قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امراة فأعجبته فدخل على أم سلمة وكان يومها فأصاب منها ، فخرج إلى الناس ورأسه يقطر فقال أيها الناس إنما النظر من الشيطان فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله). اهـ [60]
فما رأي حضرة راكب السفينة المهتدي إلى الإسلام الصحيح بهذه الأحاديث الموجودة في كتبكم، وليعذرنا لوضعنا بعض علامات التعجب بين الحين والآخر حين نقرأ أمثال هذه الروايات التي تشيب لها رؤوس الولدان. قاتل الله من افتراها على رسول الله r وعلى آل بيته الأطهار. أتقيم الدنيا ولا تقعدها وتتنازل عن كثير من معتقداتك لأن عمر لم يثبت أنه قال (أهجر؟)، فماذا فعلت وأنت تعلم أن الكتب التي تتخذها مراجع لبحثك هذا محشوة حشواً بهذا الهجاء لرسول الله r ؟!
الشبهة التاسعة:
قوله تحت عنوان "من عقائد الأشاعرة": "إن هذه العقيدة الأشعرية مخالفة لصريح القرآن وما خالف القرآن فهو مردود". اهـ. وللاستدلال على ذلك من كلام الأشعرية نقل نص الإمام النووي. قال: قال النووي:"مذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه شيء، بل العالم كله ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عادلاً، وأنعم على الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك". اهـ
ثم احتج على مخالفة هذه العقيدة لصريح القرآن بقوله تعالى: )إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ( و)إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا(. والمعنى أن الله تعالى قد وعد عباده المؤمنين بأن يدخلهم الجنة، فإن أجزنا أن لا يدخلوها فهذا خلاف وعد الله لهم.
ثم أتى بحجة عقلية مفادها أنه لو عذب الله المطيع لكان ذلك قبيحاً منه سبحانه؛ فقال: "كيف يمكن أن يعذب الله المطيعين والصالحين أجمعين ويدخلهم النار ومنهم الأنبياء والشهداء!؟ وهذا الفعل قبيح بين الناس، فلو أن سيداً أمر عبده بإنجاز عمل ما، ووعده بأجره. وبعد إنجاز العمل قام السيد وعاقب العبد. لو فعل هذا لاستنكر الناس فعل السيد وعابوه، فكيف نتصور صدور هذا الفعل من الله عز وجلّ؟!". اهـ كلامه
ثم أتى بنص آخر هو تبويب العلامة المحقق عضد الدين الإيجي في كتابه المواقف قال: "المقصد السابع: تكليف ما لا يطاق جائز عندنا- أي الأشاعرة" اهـ فقال خليفات: "وهذه عقيدة أخرى يرفضها القرآن، قال تعالى: )لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا(، و)لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا(. اهـ.
فنقول: لما كان الكلام دائراً في أحكام العقل الثلاثة الوجوب والاستحالة والجواز قدمنا بفصل في توضيح معانيها فائدة لمن لم يقف على ذلك. ثم نحرر المقصود بالقضايا المختلف فيها؛ لأن محل النزاع هو صحة أو فساد قضيتين تعبران عن اعتقادين من اعتقادات أهل السنة. الأولى: أنه لا يقبح من الله سبحانه شيء. والثانية: استحالة وجوب شيء على الله سبحانه، المعبر عنه في كلام المشايخ بأنه لا يجب على الله شيء. ويتفرع عن هاتين القضيتين مسائل ذكر خليفات منها اثنتين: الأولى: جواز تعذيب المطيع وتنعيم العاصي. والثانية: جواز التكليف بما لا يطاق. فهاتان قضيتان ينبني إثبات صحتهما أو فسادهما على فهم معاني الأحكام العقلية: الجواز والاستحالة والوجوب. وكذلك يتوقف على إثبات أصليهما. وسنبين كل ذلك بتفصيل إن شاء الله.
(فصل) في بيان مفهوم الأحكام العقلية
الوجوب العقلي هو عدم قبول الانتفاء في العقل، فالواجب ما لا يتصور العقل نفيه، أي ما لا يمكن للعقل أن ينفك عن إثباته. والاستحالة ضد الوجوب فهي عدم قبول الثبوت في العقل، فالمستحيل ما لا يتصور العقل ثبوته، أي أن العقل لا ينفك عن نفيه وسلبه والحكم بعدمه كلما عرض مفهومه على العقل. أما الجواز أو الإمكان العقلي فهو تمام القسمة العقلية بين الوجوب والاستحالة، فهو قبول الثبوت والانتفاء في العقل؛ فالجائز العقلي هو ما يتصور العقل ثبوته ونفيه، أي أنه عند عرضه على العقل فإن العقل ينفك عن إثباته كما ينفك عن نفيه. ودليل الحصر أن المعلوم إما أن لا ينفك العقل عن إثباته وهو الواجب، أوْ ينفك عن إثباته كما ينفك عن نفيه وهو الجائز، أو لا ينفك عن نفيه وهو الممتنع لذاته. ولا ثالث بين الإثبات والنفي كما هو مقرر. فثبت بذلك انحصار الأحكام المذكورة في الثلاثة.
مما مضى نلاحظ أن المستحيل لا يمكن للعقل أن يحكم بوقوعه لأن ذات المستحيل غير قابلة للثبوت في نفسها، فلا تقبل إلا الانتفاء. أما الممكن فذاته تقبل الثبوت والانتفاء. وذات الواجب متصفة بالثبوت قطعاً ودائماً لأنها غير قابلة للانتفاء. وهذه الأحكام الثلاثة عقلية، بمعنى أن الحاكم فيها إنما هو محض العقل، إذ لا يحتاج العقل في الحكم بالجواز أو الاستحالة أو الوجوب على أمر ما إلا إلى فهمه وإدراك معناه، أي تصوره ولو من وجهٍ ما بما يكفي للحكم عليه بهذه الأحكام. فإن تعذر تصوره مطلقاً ولو ببعض لوازمه الكافية لغرض الحكم عليه، تعذر الحكم عليه مطلقاً. وهذا هو المراد من عبارة المشايخ: (الحكم على الشي فرع عن تصوره). وهذه القضايا وإن بدت لك سهلة إلا أنها دقيقة عميقة لقربها من مبادئ العقول، وفيها بحوث وتفصيلات تطول، فتأملها جيداً لأنها مبادئ لا غنى عنها في دراسة أي علم من العلوم.
وما أريد قوله هنا، هو أن المحتاج إليه لإطلاق هذه الأحكام لا يتعدى إدراك ذات المحكوم عليه إلى شيء آخر خارج عن مفهومه أبداً. وإن بعض الأمور الممكنة لذاتها أي بالنظر إلى ذاتها قد تكون واجبة لغيرها، أي أن العقل عند ملاحظة غيرها قد لا ينفك عن إثباتها فيحكم بوجوبها لا لذاتها بل لغيرها. وكذلك فإن بعض الأمور الممكنة لذاتها قد تكون مستحيلة لغيرها لأن العقل حين يلاحظ أمراً خارجاً عنها فإنه لا ينفك عن نفيها، فيحيلها لا لذاتها بل لغيرها. أما المستحيل لذاته فلا يجب ولا يمكن لغيره أبداً بأي حال من الأحوال، وكذلك الواجب لذاته فإنه لا يمكن ولا يستحيل لغيره أبداً. وأخيراً فإن هذه الأحكام لا تنقلب لذاتها أبداً، أي أن المستحيل لذاته لا يمكن أن ينقلب لذاته واجباً أو جائزاً، وكذلك الكلام في الواجب لذاته والجائز لذاته، فلا يمكن أن ينقلب أي منهما لذاته ليستحق حكماً عقليّاً آخر. وهذا هو المقصود من قول المشايخ: (انقلاب الأحكام العقلية محال). وهذا ما أردنا توضيحه هنا بخصوص الأحكام العقلية. نهاية الفصل.
إذا اتضح معنى الأحكام عندك أيها القارئ فلن يصعب عليك بعد ذلك أن تحكم بأن تعذيب المطيع وتنعيم العاصي أمران بالنظر إلى ذاتيهما جائزان عقلاً، ولكنك عند ملاحظة الشرع ووعد الله سبحانه بالجنة للمؤمنين وبالنار للكفار يحكم عقلك باستحالتهما لا لذاتيهما بل لغيرهما، وغيرهما هذا هو العلم باستحالة وقوعهما المأخوذ من خبر الصادق القطعي. وكذلك فإن التكليف بما لا يطاق أمر جائز عقلاً بالنظر إلى ذاته، وإلا لما صح في العقول تصوره بل إن كل واحد منا يستطيع أن يكلف غيره بما لا يطاق؛ فالحكم بجوازه عقلاً أمر يختلف عن وقوعه أو عدم وقوعه في الشاهد، كما يختلف عن أنه هل هو ممتنع الوقوع لغيره أم لا. وليعلم خليفات بأن الآيتين الكريمتين إن سلّم أنهما تدلان على عدم وقوع التكليف بالمحال فلا تدلان أبداً على استحالة وقوعه. وليرجع من شاء إلى التفاسير، ويتأمل المعنى الذي نفته الآيتان ليدرك معنى ما نقول. وبهذا الكلام بانَ المراد من قول الأشعرية إجمالاً، وهو كاف لأذكياء القلوب في الرد على الشبهة الواردة على أهل السنة. ومع ذلك فإننا سنبحث في الشبهة وإجابتها أكثر، لما أنه قد كثر تشدق الشيعة بها.
ولنقرأ كلام النووي كاملاً معلقاً على حديث أبي هريرة عن رسول الله r قال: (لن ينجي أحداً منكم عمله، قال رجل: ولا إياك؟ يا رسول الله! قال: ولا إياي، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، ولكن سددوا). وفي رواية (برحمة منه وفضل)، وفي أخرى (بمغفرة منه ورحمة)، وفي أخرى (يتداركني) بدل (يتغمدني)؛ وفي أخرى (لا يدخل أحداً منكم عملُه الجنة، ولا يجيره من النار... إلخ). فقال النووي رحمه الله تعالى: (اعلم أن مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب، ولا إيجاب ولا تحريم، ولا غيرهما من أنواع التكليف. ولا تثبت هذه كلها ولا غيرها إلا بالشرع. ومذهب أهل السنة أيضاً أن الله تعالى لا يجب عليه شيء، تعالى الله، بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلاً منه، وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه. ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك. ولكن الله أخبر وخبره الصدق أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين ويخلدهم في النار عدلاً منه. وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون ثواب الأعمال، ويوجبون الأصلح، ويمنعون خلاف هذا في خبط طويل لهم، تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع. وفي ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته. وأما قوله تعالى: )ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(، وقوله )وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة، فلا يعارض هذه الأحاديث؛ بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها، وقبولها برحمة الله تعالى وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال أي بسببها وهي من الرحمة، والله أعلم.) اهـ كلامه.
أقول: إن الأشعرية لم يأتوا بهذا القول بدعاً أو عن هوى، بل هو مستنبط من الحديث الشريف، إذ بيّن النبي r أن العمل الصالح ليس علة موجبة لدخول الجنة. وهذا يفهم أيضاً من قوله تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(، وقوله تعالى: )وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( فكانت العبادة مظنة ورجاء التقوى، والتقوى مظنة ورجاء الرحمة لأن لعل كلمة لا تفيد اليقين بل هي كلمة شك، والمراد من الآية الحث على العمل وتأميل العبد بالرحمة عند اتقائه وعمله بإخلاص، ولو كان التقوى والعمل موجبان للرحمة لكان التعبير بما يفيد ثبوت الثواب لا الشك فيه. فالمطلوب إتقان العمل وطلب السداد أي الصواب وهو بين الإفراط والتفريط قاله النووي، فلا تغلوا ولا تقصروا. وعند العجز فالمطلوب المقاربة أي الاقتراب من الصواب قدر الوسع. ثم إن الله سبحانه )لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(، فنعمل وسعنا ونحسن الظن بالله، وحسن الظن من حسن العمل كما ذكره علماؤنا، ونرجو رحمة الله تعالى.
ولما لم تكن الأعمال علة موجبة لدخول الجنة صحت قضيتنا: (إدخال المطيع الجنة ليس بواجب على الله تعالى) وكانت مأخوذة من الشرع. والحديث قد نفى كون الطاعة علة موجبة لدخول الجنة، فقيس عليه نفي كون المعصية علة موجبة لدخول النار فصحت قضيتنا (إدخال العاصي النار ليس بواجب على الله تعالى) من طريق الشرع أيضاً.
ثم لنا من الشرع طريق آخر، وهو ثبوت الاختيار له تعالى: )يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ(، و)فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(، وهذا يستلزم انتفاء وجوب شيء عليه جل وعلا مطلقاً، المستلزم لصحة قضيتينا في العاصي والمطيع. وقد مر بك أن الأحكام العقلية ثلاثة حصراً، فنفي الوجوب إثبات للإمكان أو الاستحالة. ولأنه لا يستحيل دخول المطيع للجنة والعاصي للنار اتفاقاً، فبقي الجواز. ولا يخفى أن القول بجواز دخول المطيع الجنة والعاصي النار تجويز لنقيض ذلك أي لدخول المطيع النار والعاصي الجنة. فإن قيل نقيضها عدم دخول الجنة، لا دخول النار قلنا إن كل إنسان فمآله للجنة أو للنار لقوله تعالى: )وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ(، فصارت الجنة والنار بمنزلة النقيضين حال كونهما ضدين لا يرتفعان عن القابل لهما في مآل يوم القيامة. والله تعالى أعلم. فتأمل.
وقد بين الإمام النووي أن هذه الأقوال مبنية على بعض أصول أهل السنة وهي أولاً: أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب، وهذه إشارة إلى مسألة الحسن والقبح التي سنتكلم فيها عما قريب. وثانياً: أن الله تعالى لا يجب عليه شيء، وهذه القضية أصل لمسألة الحسن والقبح. وثالثاً: أن الله تعالى فاعل بالاختيار، وهذا أصل للمسألتين السابقتين، وهو ما أشار إليه بقوله يفعل ما يشاء ويختار. ورابعاً: أنه لا تصرّف لأحد في الوجود إلا لله سبحانه وتعالى، أي لا فاعل إلا هو، وهو ما أشار إليه بقوله بل العالم كله في سلطانه وهذا مأخوذ من دليل الوحدانية. فلما ثبت عندنا وجوب كونه تعالى فاعلاً مختاراً واحداً أحداً متفرداً بالتصرف في هذا العالم وتدبيره ولا فاعل غيره، انتفى مبدأ العليّة في الكون مطلقاً من طريق الشرع، فانتفى وجوب شيء على الله تعالى، فصح أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب، ومما يفهم من ذلك أن العقل كما يجيز الثواب على المطيع فإنه يجيز العقاب عليه، ومثله يقال في حق العاصي. ولما لم يثبت شيء من الثواب والعقاب بالعقل بل ثبوته إنما هو بالشرع، نظرنا في الشرع فقرأنا حديث مسلم وغيره فقلنا: إن الله تعالى ينعّم المطيع تفضلاً ويعذب العاصي عدلاً فثبت عند العقل هاتان القضيتان على الجواز بتوسط علمنا بوجوب الصدق في خبره تعالى وخبر رسوله r، وحين قرأنا قوله تعالى: )ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(، و)وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(، و)فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(، وأمثال ذلك كثير من الآيات والأحاديث التي تعد المؤمنين بالجنة والكافرين بالنار، وجب عند العقل هاتان القضيتان بتوسط وجوب الصدق وملاحظة الوعد لا من نفس القضيتين. فتنبه. وهذا ما أشار إليه النووي بقوله: (ولكن الله أخبر وخبره الصدق أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين ويخلدهم في النار عدلاً منه). وهذا حقيقة قول أهل السنة.
ولنحرر الآن المقصود من قول أئمة أهل السنة بأنه لا يجب على الله شيء. إن (لا) هنا أداة للنفي. و(يجب) أي فعله عقلاً، وقد عرفنا معنى الوجوب العقلي، فيصير المراد من (يجب) ما لا يتصور العقل من الله عدم فعله (أي إيجاده أو إعدامه)، أو ما لا ينفك العقل عن تصور أن الله لا محالة فاعله. و(الله) سبحانه وتعالى علم على الذات الواجب الوجود المتصف بجميع صفات الكمال والمسلوب عنه كل نقص وعيب، والذي لا مستغنيَ عن كل ما سواه ومحتاج إليه كل ما عداه إلا هو سبحانه وتعالى. و(الشيء) لغة هو ما يصح أن يُعلم ويخبر عنه فيشمل الموجود والمعدوم، ممكناً كان أو محالاً. واصطلاحاً هو الموجود خارجياً كان أو ذهنياً، قديماً أو حادثاً.[61] ولكن لما كان الكلام في أفعال الله سبحانه وتعالى، كانت هذه القرينة مخصصة لعموم كلمة شيء، وقاصرة إياها على الجائزات العقلية فحسب. لأن المستحيل غير قابل للوجود لذاته فلا تعلق لقدرة الله سبحانه به إيجاداَ وإعداماً. وأما الواجب أي واجب الوجود، فليس هناك ما هو واجب الوجود إلا الله سبحانه المتصف بصفات الكمال؛ ولما كان من شأن الله سبحانه الإيجاد والإعدام بقدرته، فإن هذه القدرة لو جاز تعلقها بالواجب على وجه الإيجاد لزم تحصيل الحاصل (أعني إيجاد الموجود)، وهو محال. ولو جاز تعلق القدرة بالواجب على وجه الإعدام لزم إعدام الواجب كيف وهو الذي لا يتصور في العقل عدمه، هذا خلف؛ أو لزم انقلاب الواجب لذاته جائزاً وكلاهما محالان أيضاً. وعلى ما بيناه، يكون حاصل عبارتهم: ( لا يجب على الله فعل أمر ممكن عقلاً)، وبتحليل القضية أكثر نعرف أن موضوعها هو (فعل أمر ممكن) ومحمولها (واجب على الله) وقد دخل النفي على القضية فصارت (فعل أمر ممكن ليس بواجب على الله). ومما سبق عرفنا أن فعل الله إنما هو إيجاد أو إعدام، وهما لا يجوزان إلا على الممكنات، وعليه يمكن جعل موضوع القضية هو فعل الله مطلقاً لما أن فعله يستلزم أن يكون المفعول ممكناً. فتصير القضية (فعل الله ليس بواجب على الله). فتأمل هذه القضية، وانظر هل يستطيع أحد أن ينكر صحتها. ومع ذلك لنناقش القضية أكثر؛ إن كان (مطلق الفعل على الله ليس بواجب) فماذا يكون؟ إما أن يكون مستحيلاً أو يكون جائزاً. والأول محال لأنا نرى العالم كله الذي هو من فعل الله متحققاً، فيبقى أن مطلق الفعل على الله جائز عقلاً، فهل يخالف في هذه القضية أحد؟ إن المخالف في هذه القضية لا بد وأن يدعي أن الفعل على الله واجب عقلاً، أي أن الله تعالى مضطر إلى الفعل. وهذا عين القول بأن الله علة للعالم بلا اختيار منه سبحانه وتعالى. فلا تجد قائلاً يقول بأن الفعل واجب على الله تعالى إلا وهو يقول أو يلزم عن قوله القول بالفيض والعلة والمعلول، ودوام الجود الذي يعني أن الله تعالى دائم التخليق منذ الأزل، وستجده يقول بقدم العالم بالنوع لأن هذا من لوازم دوام الجود على المعنى المشار إليه. وستجده يؤول إرادة الله إلى معانٍ أخرى غير المعنى الذي يثبته أهل السنة وهو أنها (صفة قديمة تتعلق بجميع الممكنات وتوجب تخصيصها ببعض ما يجوز عليها)، كأن يقول إرادة الله هي عين فعله، أو عين علمه أو تجده ينفي الإرادة مطلقاً من جهة أخرى وهي أن القديم لا يتعدد، ويتغافل عن أن أحداً من أهل السنة لم يقل أبداً بتعدد القدماء، بل هو إله واحد قديم متصف بصفات منها العلم والقدرة والإرادة، لكن من شأن العقل حين يلاحظ في الشيء الواحد أكثر من معنى أنه يفصل هذه المعاني عن بعضها وأنه يقدر على ملاحظة كل منها بالاستقلال عن الآخر، في حين أن نفس هذا العقل قد أقام البرهان على استحالة تعدد القدماء في الخارج، وعليه فلا يمكنه أن يتصور أكثر من قديم.
وعلى أي حال، ما نريد قوله هو أن القضية الأولى التي يذكرها المشايخ وهي أنه لا يجب على سبحانه شيء، أو أنه يجوز على الله سبحانه فعل كل ممكن أو تركه، هي أصل من أصول الدين؛ وأن منكرها لا بد أن يقول بنفي الاختيار عن الله سبحانه وإثبات الاضطرار له تعالى عن ذلك بطريقة أو بأخرى، وأن يقول بقدم العالم بالنوع، أو بنفي وجود العالم وتأويل معنى الخلق والفعل وصرفه عن معنى الإيجاد من العدم كما هي حال الذين ينعقون بوحدة الوجود من حيث يدركون أو لا يدركون لوازم أقوالهم، إلى غير ذلك من اللوازم الفاسدة التي تؤول إلى نفي الصانع جل وعلا كما هو مبين في محله من كتب الكلام. واعلم أنه لا مناص من التسليم بهذا الأصل لأن الأمر الممكن إن لم يكن فعله ممكناً فلا بد وأن يكون إما مستحيلاً أو واجباً. والأول محال لأن الممكن إذا استحال فعله لم يكن ممكناً بل مستحيلاً أو واجباً. وإذا وجب فعله لزم نفي الاختيار عن الفاعل، وقدم العالم بالنوع لكون الإله علة للعالم، أو القول بكونه تتخصص إرادته وقدرته بشيء من العالم أو شيء منه، إلى غير ذلك من المفاسد، وهذا كله ليس هو دين الله الذي أنزل على سيدنا محمد r. واعلم أنه لا فرق بين أن توجب على الله الفعل مطلقاً وأن توجب عليه بعض الأفعال، كما سيأتي بيانه. فتأمل. وبهذا تم لنا الاستدلال على صحة كلام النووي من طريق الشرع والعقل.
قوله: (لو عذب الله المطيع لكان ذلك قبيحاً منه سبحانه)، قلنا: بل القبيح قولك وقول من قال بقولك. لأن أفعال الله تعالى لا توصف بالقبح. ليس لأنه تعالى لا يفعل القبيح، بل لأن أصل القبح لا يتصور في فعله كما سنبينه إن شاء الله. ثم إن هذا الذي تقوله أيها المخالف قياس لله تعالى على مخلوقاته، فلا يصح. بل إنكم لا تصححون الاحتجاج بالقياس في الشرعيات مطلقاً، فكيف تقيسون الخالق على المخلوق؟
ونأتي الآن إلى تحرير المراد من قول علماء أهل السنة: (لا يقبح من الله سبحانه وتعالى شيء). وسأستعين في توضيح ذلك بنص للعلامة الأصفهاني رحمه الله تعالى في شرح مطالع الأنظار قال: (المسألة الثالثة في التحسين والتقبيح. التحسين هو الحكم بالحسن، والتقبيح هو الحكم بالقبح. ولا قبيح بالنسبة إلى الله تعالى. أما بالنسبة إلى أفعال نفسه فلاتفاق العقلاء على أن الفعل الصادر منه لا يتصف بالقبح لكونه نقصاً، والنقص على الله تعالى محال. وأما بالنسبة إلى أفعال العباد فلأنه مالك الأمور على الإطلاق يفعل ما يشاء ويختار، لا علة لصنعه ولا غاية لفعله. وأما بالنسبة إلينا فالقبيح ما نهي عنه شرعاً وهو منحصر في الحرام إن أريد بالنهي نهي التحريم، وإن أريد بالنهي نهي التنزيه فالقبيح هو الحرام والمكروه. والحسن ما ليس كذلك أي ما ليس بمنهي عنه شرعاً، ففعل الله تعالى والواجب والمندوب والمباح وفعل غير المكلف حسن، وكذلك المكروه إن أريد بالنهي نهي التحريم) اهـ.[62]
أقول: هذا تصوير لمذهب أهل السنة في هذه المسألة يبين مرادهم واصطلاحهم بكل وضوح. ولنحرر الخلاف بيننا وبين غيرنا مقتصرين على ما يهمنا في هذا المقام رغبة في الاختصار. نحن نقول: (لا قبيح بالنسبة إلى الله تعالى) والمعنى الدقيق لهذا الكلام أننا نقول باستحالة تصور القبح في فعل الله تعالى، فمثلاً يستحيل تصور الظلم في حقه تعالى لأن معنى الظلم هو التصرف في ملك الغير ولا ملْكَ إلا ملك الله سبحانه فلا ملك للغير على الاستحالة، وعليه فمهما تصورنا من أفعال الله تعالى فلا يمكن أن يكون ما تصورناه مصداقاً لمفهوم الظلم. ومن يخالفنا في هذه القضية لا بد أنه يقول بنقيض قضيتنا لأنه لا ثالث بين النفي والإثبات، فإن خالف نفينا للقبح عن فعل الله سبحانه فإنه مثبت له لا محالة. فتكون قضيته: (بعض القبيح ينسب إلى الله تعالى) لأن قضيتنا سالبة كلية فنقيضها موجبة جزئية. ولتقليل الانتشار دعونا نخرج من عموم النسبة إلى الله تعالى إلى قضية أخص تتعلق بفعله، لأن غير فعله إما أن يكون صفته أو ذاته ولا قائل بقبح شيء منها بالاتفاق. واعلم أنه لا أحد ممن يخالفنا من العقلاء يقول إن الله يفعل القبائح، أو ينسب إلى الله القبح في فعل. بل هو قائل باستحالة أن يفعل الله القبيح لكونه عالماً بقبحه، وعالماً بكونه غنياً عنه، فيجب عليه ترك القبيح. فتأمل. وهذا هو سبب كون مسألة الحسن والقبح فرعاً لمسألة عدم وجوب شيء على الله. وقد أبطلناه.
على أي حال، فاللائق بالمخالف أن تكون قضيته (فعل القبيح منه سبحانه وتعالى جائز عقلاً، ولكنه لا يفعله). فنقول: إما إنه لا يفعله مضطراً فيلزم منه نفي كونه إلهاً لعجزه عن دفع ما يضطره، وبالتالي نفي العالم لانتفاء إرادته سبحانه ولعجزه. وإما أن يفعله مختاراً. ولا حاجة لأن أنبه خليفات إلى أن القول الثاني هو عين قولنا بأن الله يجوز عليه عقلاً تعذيب المطيع ولكنه لا يفعل ذلك بإرادته واختياره وقدرته، مع فارق أننا لا نقول أنه لو فعل ذلك لكان قبيحاً منه أو أنه يفعل ذلك مضطراً. فتأمل. فإن قلتم إنه يفعله مختاراً فما المخصص لتعلق إرادة الله تعالى وقدرته بشيء من الممكنات دون شيء آخر، ونحن نعلم أنه لا فرق بين ممكن وممكن، أي أن جميع الجائزات متساوية بالنسبة لقدرته تعالى وإرادته، أي في تعلق قدرة الله تعالى وإرادته به؟ واعلم أن هذا السؤال في غاية الصعوبة ولا يمكنهم الانفكاك عنه. فإن جعلوا المخصص شيئاً من الحوادث كان الحادث ذا أثر في القديم وهو ظاهر الفساد، وإن جعلوا المخصص قديماً فإما أن يقولوا إنه الإرادة أو القدرة أو العلم. والأولان باطلان لأن القدرة والإرادة لا يتعلقان بالواجب كما بيناه. والأخير باطل لأن العلم ليس بصفة تأثير وتخصيص.
واعلم أنه لا فرق بين قولك يجوز على الله فعل القبيح وقولك إن الله يفعل القبيح من حيث لزومهما لثبوت النقص لذاته تعالى. ولك الآن أن تلاحظ ركاكة قول القائل: (إن الله تعالى يجوز عليه فعل القبيح ولكنه يستحيل عليه فعله لأنه يعلم أنه قبيح) فقد أورد حكمين عقليين لا يمكن اجتماعهما على موضوع واحد.
والحق أن من قال بالحسن والقبح العقليين أوجب على الله أشياء منها فعل الحَسَن وترك القبيح، ومنها الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وغير ذلك. وللناظر في أي أمر يحكم العقل بقبحه دون واسطة الشرع –أي لا بمعنى ترتب الذم عليه حالاً والعقاب مآلاً- أن يلاحظ أنه ممكن في ذاته فَلِمَ ارتفع تعلق قدرة الله وإرادته به دون غيره من الممكنات، وصار فعله مستحيلاً على الله تعالى؟ فيعود عليهم الكلام السابق. وإن من يستطيع الإجابة عن هذا السؤال دون أن تتناقض أقواله مع قطعيات الشرع والعقل، ومن يستطيع أن يثبت أن للأشياء حسناً وقبحاً من ذاتها نسلم له قوله بوجوب ترك القبيح.
واعلم أن أصل الخلاف إنما كان في أنه هل للأشياء حسن وقبح في نفسها أم أن ذلك إنما هو من وضع الشرع، حيث أضاف الشارع لبعض الأفعال وصف القبح ولبعضها وصف الحسن كما بينه الأصفهاني رحمه الله. والتفصيل في الأقوال ومناقشتها وإبطال الحسن والقبح الذاتيين للأشياء مبحوث باستفاضة في كتب الأصول والكلام، فليرجع إليها من يشاء. وهذا بعض كلام الإيجي رحمه الله تعالى في هذه المسألة ممزوجاً بكلام الشارح العلامة الشريف الجرجاني، قالا: (اعلم أن الأمة قد اجتمعت إجماعاً مركباً على أن الله لا يفعل القبيح، ولا يترك الواجب. فالأشاعرة من جهة أنه لا قبيح، ولا حاكم بقبح القبيح منه ووجوب الواجب عليه إلا العقل. فمن جعله حاكماً بالحسن والقبح قال بقبح بعض الأفعال منه، ووجوب بعضها عليه. ونحن قد أبطلنا حكمه –أي حكم العقل- وبينا فيما تقدم أنه تعالى الحاكم فيحكم ما يريد ويفعل ما يشاء، لا وجوب عليه كما لا وجوب عنه، ولا استقباح منه وأما المعتزلة فإنهم أوجبوا عليه تعالى بناء على أصلهم أموراً فنذكرها هنا ونبطلها بوجوه مخصوصة بها، وإن كان إبطال أصلها كافياً في إبطالها ... إلى أن قالا: ... الثاني من الأمور التي أوجبوها الثواب على الطاعة لأنه مستحق للعبد على الله بالطاعة فالإخلال به قبيح، وهو ممتنع عليه تعالى. وإذا كان تركه ممتنعاً كان الإتيان به واجباً، ولأن التكليف إما لا لغرض وهو عبث، وإنه لجد قبيح خصوصاً بالنسبة إلى الحكيم تعالى، وإما لغرض إما عائد إلى الله تعالى وهو منزه عنه، أو إلى العبد إما في الدنيا وإنه مشقة بلا حظ، وإما في الآخرة وهو إما إضراره وهو باطل إجماعاً وقبيح من الجواد الكريم، وإما نفعه وهو المطلوب، لأن إيصال ذلك النفع واجب لئلا يلزم نقض الغرض (قلت: وهذا ما أشار إليه النووي بقوله: وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون ثواب الأعمال، ... ويمنعون خلاف هذا في خبط طويل لهم). فيقال لهم الطاعة التي كلف بها لا تكافىء النعم السابقة لكثرتها وعظمها وحقارة أفعال العبد وقلتها بالنسبة إليها، وما ذلك إلا كمن يقابل نعمة الملك عليه مما لا يحصره بتحريك أنملته فكيف يحكم العقل بإيجابه الثواب عليه واستحقاقه إياه. وأما التكليف فنختار أنه لا لغرض ولا استحالة فيه كما سيجيء عن قريب، أو هو لضر قوم كالكافرين ونفع آخرين كالمؤمنين كما هو الواقع، أو ليس ذلك على سبيل الوجوب بل هو تفضل على الأبرار وعدل بالنسبة إلى الفجار. الثالث من تلك الأمور العقاب على المعصية زجراً عنها فإن في تركه التسوية بين المطيع والعاصي وهو قبيح كما في الشاهد إذا كان له عبدان مطيع وعاص، وفيه أي في تركه أيضاً إذنٌ للعصاة في المعصية وإغراء لهم بها وذلك لأنه تعالى ركّب فيهم شهوة القبائح، فلو لم يجزم المكلف بأنه يستحق على ارتكاب القبيح عقاباً لا يجوز الإخلال به بل جوز ترك العقاب، لكان ذلك إذناً من الله سبحانه وتعالى للعصاة في ارتكاب الشهوات بل إغراء بها، وهو قبيح يستحيل صدوره من الله تعالى. فيقال لهم: العقاب حقه والإسقاط فضل فكيف يدرك امتناعه بالعقل، وترك العقاب لا يستلزم التسوية، فإن المطيع مثاب دون العاصي، وحديث الإذن والإغراء مع رجحان ظن العقاب بمجرد تجويز مرجوح ضعيف جداً، يعني أنه ليس يلزم من جواز ترك العقاب على المعصية إذن وإغراء، وإنما يلزم ذلك إذا لم يكن ظن العقاب رجحان على تركه إذ مع رجحانه لا يلزم من مجرد تجويز تركه تجويزاً مرجوحاً الإذن والإغراء، كما أن جواز تركه بل وجوبه على تقدير إثابته التي يمكن صدورها عنه لا يستلزمهما) اهـ [63]
وهذا تمام الكلام في المسألة السابقة وفيه الكفاية لمن رزق الفهم، والهداية.
أما مسألة التكليف بما لا يطاق، فاعلم أن هنالك فرقاً بين تجويزه عقلاً – وقد أصبحت خبيراً في معنى الجواز العقلي- وبين كونه واقعاً أو غير واقع في الشرع. ولقد استدل الإيجي رحمه الله بأدلة على إمكان التكليف بالمحال، أظهرها أنه مجمع على وقوع بعض مراتبه. ومثاله تكليف أبي لهب بالإيمان بكل ما جاء به النبي عليه السلام والذي من جملته أنه لا يؤمن، فيكون تكليفاً بالجع بين المتناقضين، وهذا مما لا يطاق. ولا يخفى أن وقوعه هو أكبر دليل على جوازه عقلاً. وسيأتي في كلامه رحمه الله أن التكليف بالمحال مختلف في تجويزه، فجوزه من صحح إمكان تصوره والحكم عليه، ومنعه من منع ذلك، ولكن الإجماع واقع على عدم وقوع التكليف بالمحال لذاته وهو أعلى مراتب ما لا يطاق. وأود أن ألفت النظر قبل مناقشة الموضوع إللى ما ذكره السعد التفتازاني في شرح المقاصد حيث لخص المسألة ثم فصل فيها ببراعة، ومما قاله هناك: "لا يمتنع تكليف ما لا يطاق... ثم المتنازع في الأول ما أمكن في نفسه ولم يقع متعلقاً لقدرة العبد أصلاُ: كخلق الأجسام، أو عادة: كالصعود إلى السماء، لا ما امتنع لذاته كجمع النقيضين، فإن الجمهور على امتناع التكليف به... ولا ما امتنع لسابق علم الله أو إخبار من الله تعالى بعدم وقوعه، فإن التكليف به واقع وفاقاً. ثم النزاع في الجواز، وإلا فالوقوع منفي بحكم النص والاستقراء، وفي التكليف بمعنى طلب تحقيق الفعل والإتيان به، واستحقاق العذاب على الترك.." اهـ [64]
فحبذا لو رجعت إليه. وما أردته من نقل نصه أمران: الأول تحديد محل النزاع والإشارة إلى الخلاف في بعض مراتب التكليف في بما لا يطاق، والثاني التفريق بين تكليف التحقيق بمعنى طلب الفعل والمعاقبة على تركه، والتكليف لأسرار أخرى كالتحدي والتعجيز كقوله تعالى: )فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ( فإنه واقع وفاقاً.
ولنترك الكلام الآن للعلامة المحقق الإيجي رحمه الله تعالى إذ لا كلام لأمثالنا في حضرة كلامه، ولأن اعتراض خليفات كان على كلامه هذا أصلاً؛ فهذا كلام الإيجي ممزوجاً ببعض كلام الشارح الجرجاني: (إن ما لا يطاق جائز عندنا لما قدمنا آنفاً في المقصد السادس من أنه لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء. إذ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه. ومنعه المعتزلة لقبحه عقلاً كما في الشاهد (قلت: وهذا أحد استدلالات خليفات في منع التكليف بما لا يطاق. فتنبه إلى الجواب عنه)، فإن من كلف الأعمى نقط المصاحف والزَّمِنَ المشي إلى أقاصي البلاد، وكلف عبده الطيران إلى السماء عد سفيها، وقبح ذلك في بداية العقول، وكان كأمر الجماد الذي لا شك في كونه سفهاً (قلت: هذا احتجاج المعتزلة وقد أبطلناه فيما مضى). واعلم أن ما لا يطاق على مراتب: أدناها أن يمتنع الفعل لعلم الله بعدم وقوعه أو تعلق إرادته أو إخباره بعدمه، فإن مثله لا تتعلق به القدرة الحادثة لأن القدرة مع الفعل ولا تتعلق بالضدين والتكليف بهذا جائز بل واقع إجماعاً وإلا لم يكن العاصي بكفره وفسقه مكلفاً بالإيمان وترك الكبائر بل لا يكون تارك المأمور به عاصياً أصلاً، وذلك معلوم بطلانه من الدين ضرورة. وأقصاها أن يمتنع لنفس مفهومه كجمع الضدين وقلب الحقائق وإعدام القديم؛ وجواز التكليف به فرع تصوره، وهو مختلف فيه؛ فمنا من قال: لو لم يتصور الممتنع لذاته لامتنع الحكم عليه بامتناع تصوره وامتناع طلبه إلى غير ذلك من الأحكام الجارية عليه، ومنهم من قال: طلبه يتوقف على تصوره واقعاً أي ثابتاً لأن الطالب لثبوت شيء لا بد أن يتصور أولاً مطلوبه على الوجه الذي يتعلق به طلبه ثم يطلبه، وهو أي التصور على وجه الوقوع والثبوت منتفٍ ههنا، أي في الممتنع لنفس مفهومه فإنه يستحيل تصوره ثابتاً، وذلك لأن ماهيته من حيث هي هي تقتضي انتفاءه وتصور الشيء على خلاف ما تقتضيه ذاته لذاته لا يكون تصوراً له بل لشيء آخر كمن يتصور أربعة ليست بزوج، فإنه لا يكون متصوراً للأربعة قطعاً بل الممتنع لذاته إنما يتصور على أحد وجهين إما منفياً بمعنى أنه ليس لنا شيء موهوم أو محقق هو اجتماع الضدين، أو بالتشبيه بمعنى أن يتصور اجتماع المتخالفين كالسواد والحلاوة، ثم يحكم بأن مثله لا يكون بين الضدين؛ وذلك أي تصوره على أحد هذين الوجهين كاف في الحكم عليه دون طلبه لأنه غير تصور وقوعه وثبوته، ولا مستلزم له. صرح ابن سينا به أي بأن تصوره كذلك كما نقلناه عنه في باب العلم. ولعله معنى قول أبي هاشم العلم بالمستحيل علم لا معلوم له، كما أشرنا إليه هناك أيضاً. ولعله مراد من قال المستحيل لا يُعلم أي لا يعلم من حيث ذاتُه وماهيتُه. والمرتبة الوسطى من مراتب ما لا يطاق أن لا يتعلق به القدرة الحادثة عادة سواء امتنع تعلقها به لا لنفس مفهومه بأن لا يكون من جنس ما تتعلق به كخلق الأجسام، فإن القدرة الحادثة لا تتعلق بإيجاد الجوهر أصلاً، أم لا بأن يكون من جنس ما تتعلق به لكن يكون من نوع أو صنف لا تتعلق به كحمل الجبل والطيران إلى السماء، فهذا أي التكليف بما لا يطاق عادة نجوزه نحن وإن لم يقع بالاستقراء، ولقوله تعالى: )لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا(. وتمنعه المعتزلة لكونه قبيحاً عندهم. وبه أي بما ذكرناه من التفصيل وتحرير المتنازع فيه يُعلم أن كثيراً من أدلة أصحابنا مثل ما قالوه في إيمان أبي لهب، وكونه مأموراً بالجمع بين المتناقضين نصب للدليل في غير محل النزاع، إذ لم يجوزه أحد. (قلت: واعترض عليه الجرجاني، قال: ولقائل أن يقول: ما ذكره من أن جواز التكليف بالممتنع لذاته فرع تصوره وإن بعضاً منا قالوا تصوره يشعر بأن هؤلاء يجوزونه). اهـ.[65]
ورد المحشي عبد الحكيم السيالكوتي اعتراض الجرجاني بقوله: "يرد عليه أن هذا الاعتراض إنما يتوجه على ما حمل هو كلام المصنف عليه من أن المراد بما قالوا في إيمان أبي لهب: إنه مكلف بأن يؤمن بجملة ما أتى به النبي عليه السلام ومن جملتها أنه لا يؤمن فيكون تكليفاً بالجمع بين المتناقضين. وأما إذا حمل على أن المراد بما قالوه أنه تعالى علم عدم إيمانه وأخبر به، ومع هذا كلفه بالإيمان فيكون تكليفاً بما لا يطاق، فصح قول المصنف إنه ليس بمحل النزاع لأنه من القسم الأول ولم يرد عليه ما أورد". اهـ
وقد حرصت على نقل كلام الإيجي حيث اعترض عليه خليفات بتمامه في هذه المسألة لنتشارك مع القارئ التأمل في كلامه وكلام خليفات، ليسهل علينا الحكم على كلام العلامة الإيجي، الذي أعتقد أنه في غاية الرصانة، وإني أتحدى خليفات وغيره أن يبيّنوا فساده بقوة المنطق والبرهان لا الخطابة والسفسطة. وفي النصين المنقولين عنه رحمه الله إجابة شافية عن أسئلة خليفات، إذا انتهى القارئ إلى كلامه قبل التسليم بقول الأشعرية.
وإننا لم نأت بشيء يذكر مما أودعه المتكلمون في كتبهم في نفي وجوب شيء على الله تعالى، وفي إبطال التحسين والتقبيح بالعقل، وفي نفي أن تكون أفعال الله تعالى معللة بعلة، وفي تفهيم قول من قال بجواز التكيف بالمحال. ولمن أراد الاستزادة فعليه مراجعة هذه الأبواب والمسائل في كتب الكلام والأصول كالأربعين والمحصول للإمام الرازي، وشرح المواقف مع الحواشي التي عليه، وشرح المقاصد، والإرشاد لإمام الحرمين، وكتب التفسير عند قوله تعالى: )لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا(، وقوله تعالى: )رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ(، وقوله تعالى: )لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا(، وقوله تعالى: )تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(... وغير ذلك مما له علاقة بالموضوع. والحمد لله رب العالمين.
قول الشيعة بتحريف القرآن
أورد الكاتب تحت عنوان "شبهات حول الشيعة" كلاماً لمصطفى الشكعة مفاده أن الروايات التي تقول بأن القرآن محرف هي روايات مكذوبة أو مردودة؛ والقرآن محفوظ من التحريف بحفظ الله له )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(؛ ثم قال: "هذا هو رأي الشيعة الإمامية، أما مصحف فاطمة فهو ليس قرآناً آخر، وإنما فيه ما سمعته من أخبار من يحكم الأمة" اهـ.
ونجيب عن هذا الكلام ببعض نصوص ننقلها من كتب كل واحد من كبرائهم الذين لا يستطيع واحد مثل خليفات أن يتنصل منهم. ولن نطيل فيه لما أن محمود الحياري قد أغنانا عن ذلك بما جمعه من النصوص الكثيرة التي تثبت التهمة عليهم، وتظهر تجرأهم على كتاب الله العظيم. وسنجعل ما جمعه في آخر هذا الكتاب كرسالة مستقلة إن شاء الله تعالى.
أما هنا فنجيب خليفات بما جاء في كتاب الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني 329 هـ الذي جعله أحد مصادره في تأليف كتابه ثم اهتديت، والذي يعد عند الشيعة بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة، وهو أحد الكتب الأربعة المعتمدة عند الإمامية، وهي: الكافي وفيه 16099 حديثاً تقريباً، ومن لا يحضره الفقيه وفيه 5963 حديثاً، والاستبصار وفيه 5511 حديثاً، والتهذيب وفيه 13590 حديثاً، فيكون مجموع أحاديث الكتب الأربعة 41263 حديثاً بما فيها المكررات والمراسيل. وهذه الكتب الأربعة قد قال الإخباريون من الشيعة بعصمتها وصحة كل حديث فيها . حتى ذكر المامقاني إنهم قالوا بتواتر كل رواية ببنائها وحركاتها وسكناتها. جاء ما يلي:
(عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام –يعني الحسين بن علي t- فقلت جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله r علم علياً عليه السلام ألف باب من العلم يفتح منه ألف باب. فقال: يا أبا محمد علم رسول الله r، علياً عليه السلام ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب. قال: قلت: هذا بذاك، قال ثم قال: يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع النبي r، وأملاه من فلق فيه، وخط علي بيمينه كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش والخدش. قال: قلت: هذا والله العلم! قال: إنه لعلم وليس بذاك؛ ثم سكت ساعة ثم قال: عندنا الجفر ما يدريهم ما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذي مضوا من بني إسرائيل. قال: قلت: إن هذا العلم! قال: إنه العلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد! قال: قلت: هذا والله العلم. إنه العلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا علم ما كان، وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة!!) اهـ[66]
ولا يقال إن هذه رواية منكرة في كتاب يجمع الأحاديث من المتواتر إلى الموضوع، لأن في كتابي الكليني الكافي وروضة الكافي عدد كبير من أمثال هذا النموذج، والرجل يعتقد بتحريف القرآن. وهو يستشهد في كتابه روضة الكافي بآيات محرفة ويزعم أنها حذفت من القرآن الكريم. [67]
وفي الكافي أيضاً 4/ 456:
(عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: "إن القرآن جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد r سبعة عشر ألف آية) اهـ. ومعلوم أن عدد آيات القرآن الكريم تعادل تقريباً ثلث ما ذكر.
وفي الكافي أيضاً 1/ 441:
(عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه السلام، والأئمة من بعده عليهم السلام) اهـ.
وفي الكافي أخيراً 4/ 433:
(عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام. قال: جعلت فداك. إنا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال: لا. اقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم) اهـ.
يعني المهدي المنتظر، لأن في بعض رواياتهم الخرافية أنه لا يحتفظ بالقرآن كما أنزل إلا هو، وسيأتي في آخر الزمان ليعلمه للشيعة الإمامية بعد أن ترفع المصاحف الموجودة في أيدي الناس إلى السماء.
وأبو القاسم علي بن أحمد بن موسى الكوفي، 352 هـ، يقول:
(ومن بدعِه –يعني أبا بكر t- أنه لما أراد أن يجمع ما تهيأ من القرآن صرخ مناديه في المدينة، من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به. ثم قال: لا نقبل من أحد منه شيئاً إلا بشاهدي عدل. وإنما أراد هذا الحال لئلا يقبلوا ما ألفه أمير المؤمنين عليه السلام، إذ كان ألف في ذلك الوقت جميع القرآن بتمامه وكماله من ابتدائه إلى خاتمته على نسق تنزيله. فلم يقبل ذلك منه خوفاً أن يظهر فيه ما يفسد عليهم أمرهم. فلذلك قالوا: لا نقبل القرآن من أحد إلا بشاهدي عدل). اهـ[68].
والشيخ محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد 413 هـ يقول:
(اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، واتفقوا على إطلاق البداء في وصف الله تعالى. واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل، وسنة النبي) اهـ [69]. ولا يخفى أن أئمة الضلال برأيه هم الصحابة الذين جمعوا القرآن.
والكاشي محمد بن مرتضى صاحب تفسير الصافي والمصنفات الكثيرة، يقول: (وأما اعتقاد مشايخنا في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن، لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض للقدح فيها مع أنه قال في أول الكتاب إنه كان يثق بما رواه فيه، وأستاذه علي بن إبراهيم القمي فإن تفسيره مملوء منه، وله غلو فيه، والشيخ الطبرسي فإنه أيضاً نسج على منوالهما في كتاب الاحتجاج). اهـ[70]
ومحمد باقر المجلسي 1111 هـ يقول:
(لا يخفى أن كثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن هذه الأخبار متواترة معنى، وطَرْحُ جميعها يوجب رفع الاعتماد عليها رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يَقْصُد عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر). اهـ[71]
ونعمة الله الجزائري يقول:
(إن تسليم تواترها –القراءات السبع- عن الوحي الإلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها) اهـ [72]
ويقول عدنان البحراني:
(الأخبار لا تحصى كثيرة، وقد تجاوزت حد التواتر، ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين، وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين بل وإجماع الفرقة المحقة –يقصد الشيعة- وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم) اهـ [73]
ويقول السيد هاشم البحراني:
(اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الأتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله r شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر، الموافق لما أنزله الله تعالى ما جمعه علي عليه السلام، وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو الآن عنده صلوات الله عليه) اهـ. البرهان في تفسير القرآن ص 36. كما يقول في ص 49: (وعندي في صحة هذا القول بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع، وأنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة. فتدبر) اهـ.
وبعد هذه النصوص الدالة على أن الشيعة يعتقدون بوقوع التحريف في القرآن، والتي سيأتي عرض كثير منها والتعليق عليها، إذ هي تزيد كما يقول الطبرسي عن ألفي حديث، بعد هذا ماذا يقول خليفات، وهو يرى أننا لم نفتر على الشيعة بالقول بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن، ويدينون الله تعالى بذلك، ولا أن مصحف فاطمة هو غير هذا القرآن الذي في أيدينا، بل ننقل ما يقوله أئمتكم في كتبهم وهم أعلم بمذهبهم.
ومن الجدير ذكر ما نبه عليه إحسان إلهي ظهير رحمه الله تعالى في كتابه الشيعة والسنة من أن أهم ما دعا الشيعة إلى القول بتحريف القرآن هو اعتقادهم بالإمامة أصلاً من أصول الدين فادعوا النص عليها في القرآن وأن الخلفاء الراشدين الثلاثة تآمروا على القرآن فحذفوها ليتم لهم الأمر دون معارضة من الناس. ولا يخفى أن في هذا الكلام ادعاء بخيانة الجماهير الغفيرة من الصحابة وتواطئهم على الكذب وكفرهم وقد نقلنا في مطلع الكتاب كلاماً للإمام الرازي في إبطال إمكان ذلك عند الحديث عن مسألة تحريم المتعة. كما أن هذا مخالف لشهادات القرآن والرسول الكريم r وأئمة آل البيت أنفسهم بفضلهم وتقواهم، كما أنه قدح في تواتر القرآن الكريم، بل وقدح في قطعية التواتر لأن مبنى علمية وقوع ما تواتر إنما هو استحالة تواطؤ جمع كبير من الناس على الكذب. واعلم أن إنكار المتواتر من الدين كفر، ومن صوره إنكار تواتر أي حرف من حروف هذا القرآن الذي في أيدي الناس بادعاء نقصه من القرآن أو زيادته عليه. قال الله تعالى: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(، وقال: )وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد(، وقال: )ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ(.
يقول الشاطبي رحمه الله: (ولو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف الأطفال الأصاغر فضلاً عن القراء الأكابر). اهـ[74]. وبهذا تعلم أنه من تجرأ وقال بتحريف القرآن تغييراً أو نقصاً أو زيادة فإنه يستحيل عليه أن يثبت ذلك، وأنه قد كذّب الله جل جلاله، وهدم الدين من أساسه، وطعن في معجزة رسول الله r وغير ذلك من اللوازم التي الكثيرة المخرجة من الملة. فليحذر عامة الشيعة من الوقوع في مثل هذه المهاوي المردية.
واعلم أن من أكابر الشيعة من نفى وقوع التحريف بالقرآن، وكان أول من نفى ذلك هو محمد بن علي بن بابويه القمي وكان ذلك في القرن الرابع في كتابه الاعتقادات، باب الاعتقاد في مبلغ القرآن. وتبعه في ذلك السيد المرتضى الملقب بعلم الهدى المتوفى سنة 436 هـ، ونقله عنه الطبرسي في تفسيره مجمع البيان ج1/ ص5. ثم تبعهما بعد ذلك أبو جعفر الطوسي المتوفى سنة 460 هـ، في تفسيره التبيان ج1/ ص3. والرابع هو أبو علي الطبرسي المفسر الشيعي المتوفى سنة 548 هـ في كتابه مجمع البيان حيث نقل قول المرتضى كما ذكرنا، فقال: (وأما الزيادة فمجمع على نقصانه، وأما النقصان فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى) اهـ.
وادعى إحسان إلهي ظهير رحمه الله أن هؤلاء الأربعة من الشيعة هم من نفى التحريف عن القرآن في القرون الستة الأولى، ولا خامس لهم. وتحدى بأن يقدر أحد من علماء الشيعة أن يثبت أن شيعياً واحداً قال بعدم تحريف القرآن في القرون الثلاثة الأولى قبل ابن بابويه، أو أن يثبت أن خامساً للأربعة المذكورين قال بذلك في القرون الثلاثة التي تلتها. ويرى كذلك أن السبب وراء إنكارهم التحريف ومخالفتهم لسائر أئمتهم في الروايات المنقولة عن معصوميهم، هو التقيّة لأنهم رأوا أن الناس يبغضون الشيعة وينفرون منهم لقولهم بعدم صيانة القرآن، فأنكروا التحريف تقية. واحتج على ذلك بجملة من الأدلة منها القوي ومنها الضعيف يطول ذكرها فارجع إليها إن شئت في كتابه الشيعة والسنة ص 124-141. والحمد لله رب العالمين.
خاتمـــــة
هذا ما تيسر لنا الرد به بسرعة على مروان خليفات. وفي الحقيقة، حين اطلعت على كتابه وركبت السفينة ذهلت من جرأة الرجل على الدين، واتهاماته الشنيعة لأهل السنة، وكلامه عن الشيعة مستغفلاً القراء كأنهم قادمون من كوكب آخر، وكأنهم لا يعرفون شيئاً عن تهافت مذهبهم من حيث الأصول وشناعة ما انتهوا إليه من التخبط في فروع الدين. ولما فتح النار على أهل السنة مثل هذا المتهافت –وكنا نتمنى لو أن من قام للانتصار للشيعة مرجع من مراجعهم ممن يفهمون ما يقولون. ولما رأينا احتضان الشيعة لهذه المهاترات ونشرهم لتسعة آلاف نسخة مطبوعة منه على الأقل بحسب النسخة التي وقعت في أيدينا، ونشرهم لكتابه في كثير من مواقعهم على الإنترنت، فلإن أحيانا الله تعالى وكتب لنا التوفيق لنرينّ خليفات ومن وراءه من هم أهل السنة. إلا أن يثوب الرجل إلى رشده ويرجع عما هو عليه من الغلط الفاحش، ويعتذر عن كتابه هذا، ثم إن أمره بعد ذلك إلى الله تعالى.
وإن كنا لم نرد عليه كل افتراءاته ومزاعمه، فليعلم أن هذا الكتاب بمكانة طرح السلام على الإمامية. وسيتبعه ما سيقرأه عما قريب إن شاء الله تعالى. وسميته التصريح لما أن خليفات أطنب في التعريض بنا، فأوجزنا في التصريح بنقده. سائلاً المولى عز وجل أن يوفقني ومن عاونني في كتابة ونشر هذا الكتاب إلى متابعة طلب العلم والقيام بواجب الرد على شبه المبطلين، إنه سميع مجيب. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
رسالة
في بيان أن كثيراً من الإمامية يعتقدون بتحريـف القرآن الكريم
جمعها محمود الحياري
وفقه الله تعالى
P
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، لا ريب فيه هدى للمتقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وآله الطاهرين وصحبه المتقين. وبعد:
فإن الله تعالى تكفل بحفظ شريعته وكتابه الكريم من التحريف والزيادة والنقصان منذ أنزله على قلب سيدنا محمد r وحتى قيام الساعة. حيث قال وقوله الحق: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(، وقال: )لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ(، وقال: )ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ(. وتوعد سبحانه الأمم من قبلنا ومن فعل فعلهم بكل الوعيد عذاباً أليماً سرمدياً لتجرؤهم على كتبه، وتحريفهم لآياته.
وقد قرأت لبعض مؤلفي الشيعة الإمامية المعاصرين ممن يدعون إلى التقريب بين المذاهب، أن أهل السنة يتهمونهم بالقول بالتحريف والتغيير في كتاب الله الكريم. وأفردوا في ذلك كتباً خاصة، ليدفعوا عن أنفسهم وأهل مذهبهم تهمة القول بالتحريف.
ومن أولئك آية الله العظمى أبو القاسم الخوئي في كتابه البيان في تفسير القرآن، ورسول جعفريان في كتابه أكذوبة التحريف، والكوراني العاملي في كتابه تدوين القرآن. ولقد تجرأوا باتهامهم الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين حفظ الله بهم دينه وشريعته، وفتح على أيديهم البلاد وقلوب العباد. فاتهموهم بأنهم غيروا وبدلوا وتآمروا على كتاب الله الكريم. فوجدنا أن هؤلاء قد اضطروا للكشف عن اعتقادهم واعتقاد علمائهم بالتحريف، من حيث أرادوا الإساءة إلى أهل السنة.
وفي هذه السطور الآتية نثبت بعون الله تعالى بأقوال علمائهم من المتقدمين والمتأخرين، اعتقادهم التحريف والنقصان في كتاب الله الكريم، ونبين التلبيس والتدليس الذي سلكوه باتهامهم أهل السنة زوراً وبهتاناً. وتجدر ملاحظة أن ثمة ذريعة يتذرع بها الشيعة عند محاججنهم لنا، وهي أن القول بالتحريف مجرد روايات تحتمل الصدق والكذب. فنقول لهم إن الأمر ليس كذلك. وسنذكر في هذا البحث مَن نقل من علمائهم وكبار أئمتهم الإجماع على التحريف، ومَن اعترف منهم بتواتر الأخبار واستفاضتها على التحريف؛ إذ بلغت ألفي رواية كما يذكر النوري الطبرسي، ونعمة الله الجزائري. حتى قال خاتمة المحدثين عندهم محمد باقر مجلسي: (بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة). مرآة العقول 12/ 525.
وفي المقابل نرى الكوراني العاملي في كتابه تدوين القرآن، وكذا أبو القاسم الخوئي في كتابه البيان وصاحب كتاب التحقيق في نفي التحريف، يحصرون اتهامهم للصحابة وأهل السنة بالروايات سواء الصحيحة منها والضعيفة والموضوعة، من غير أن يذكروا قولاً واحداً لعالم من علماء أهل السنة يبين وقوع التحريف في اللقرآن الكريم.
ونرى مثالاً أخر عند أحد علمائهم الكبار، وهو عبد الحسين شرف الدين الموسوي، في كتابه أبو هريرة، هذا الكتاب الذي ملأه بالسباب والشتائم للصحابي الجليل t؛ نجده قد اكتفى بذكر الروايات من طريقه، وأخذ يستشنع ويستنكر ويكيل بالويلات عليه وعلى أهل السنة، من غير أن يذكر قول عالم من علمائهم في مسألة واحدة. فيسأل: هل يحق لهم الاستشهاد بمجرد الروايات على أهل السنة ويحرم على غيرهم الاحتجاج عليهم بأمثالها؟ وهل تجر باؤهم ولا تجر باء غيرهم؟
ولا ريب أن منشأ القول بالتحريف عندهم هو مسألة الإمامة التي خالفوا فيها غيرهم من المسلمين. وذلك لعدم وجود دليل عقلي ولا نقلي على ما أرادوه من النص على أئمتهم ووجوبها على الله تعالى، ووجوب عصمتهم، وغير ذلك من خرافاتهم، فاضطروا إلى القول بالتحريف لأن ذلك من ضروريات المذهب، كأنهم يقولون إن النصوص كانت موجودة ولكنكم يا أهل السنة تآمرتم علينا وحرفتموها أو حذتموها. فالقول بالتحريف من أكبر مقاصد غصب الخلافة كما صرح أحد علمائهم. فالله تعالى غايتنا، وعليه الاتكال والاعتماد.
المبحث الأول: في قولهم بتواتر واستفاضة روايات التحريف
1. محمد بن النعمان الملقب بالمفيد:
يقول: (اتفقت الإمامية على وجوب الرجعة... واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه بموجب التنزيل وسنة النبي r، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية). أوائل المقالات ص 52.
وقال في الزيادة والنقصان:
(أقول: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل النبي r باختلاف القرآن وما أحدثه بعضهم فيه من الحذف والنقصان، فأما القول في التأليف، فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ... وأما النقصان، فإن العقول لا تحيله ولا تمنع من وقوعه، وقد امتحنت مقالة من ادعاه، وكلمت عليه المعتزلة وغيرهم فلم أظفر منهم بحجة اعتمدها في فساده ... وأما الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه ويجوز صحتها من وجه ... ولست أقطع على كون ذلك، بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن عنه وهذا المذهب خلاف ما سمعناه من بني نوبخت رحمهم الله من الزيادة في القرآن والنقصان فيه. وقد ذهب إليه جماعة من متكلمي الإمامية وأهل الفقه منهم والاعتبار). أوائل المقالات ص 93
2- خاتمة المحدثين محمد باقر مجلسي:
يقول: ( لا يخفى أن كثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عليها رأساً. بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر). مرآة العقول 12/ 525.
3- نعمة الله الجزائري:
يقول: (إن تسليم تواترها -يعني القراءات السبع- عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها). الأنوار النعمانية 2 / 357.
ويقول أيضاً: ( قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين عليه السلام بوصية من النبي، فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلاً بجمعه فلما جمعه كما أنزل أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزل فقال له عمر بن الخطاب: لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك، عندنا قرآن كتبه عثمان. فقال لهم علي: لن تروه بعد اليوم ولا يراه أحد حتى يظهر ولدي المهدي عليه السلام. وفي ذلك القرآن زيادات كثيرة وهو خال من التحريف). الأنوار النعمانية 2 / 360 – 362.
العلامة الحجة عدنان البحراني:
يقول بعد ذكره للروايات التي تفيد التحريف: ( الأخبار التي لا تحصى كثيرة وقد تجاوزت حد التواتر، ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين، وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين، بل وإجماع الفرقة المحقة، وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم). مشارق الشموس الدرية ص 126.
6- الشيخ يحيى تلميذ الكركي
يقول: (مع إجماع أهل القبلة من الخاص والعام أن هذا القرآن الذي في أيدي الناس ليس القرآن كله، وأنه قد ذهب من القرآن ما ليس في أيدي الناس). نقلاً عن فصل الخطاب ص23. ونقله الطبرسي من كتاب الإمامة ليحي تلميذ الكركي.
7- المفسر السيد هاشم البحراني:
يقول: ( اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها، أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله r شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر، الموافق لما أنزله الله تعالى ما جمعه علي عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه). البرهان في تفسير القرآن مقدمة ص 36.
وقال أيضاً: (وعندي في وضوح صحة هذا القول بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع، وأنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة فتدبر). البرهان ص 49
8- محمد صالح المازندراني:
يقول: ( وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى، كما يظهر لمن تأمل في كتب الأحاديث من أولها إلى آخرها). شرح جامع الكافي11/ 76.
9- النوري الطبرسي صاحب كتاب فصل الخطاب:
يقول: ( إن ملاحظة السند في تلك الأخبار الكثيرة يوجب سد باب التواتر المعنوي فيها، بل هو أشبه بالوسواس الذي ينبغي الاستعاذة منه) فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ص 124.
واعلم أن الطبرسي قسم كتابه إلى ثلاثة مقدمات وبابين:
المقدمة الأولى: (في ذكر الأخبار التي وردت في جمع القرآن، وسبب جمعه وكونه في معرض النقص بالنظر إلى كيفية الجمع، وأن تأليفه يخالف تأليف المؤمنين). والمقدمة الثانية: (في بيان أقسام التغيير الممكن حصوله في القرآن والممتنع دخوله فيه). والمقدمة الثالثة: (في ذكر أقوال علمائهم في تغيير القرآن وعدمه). وقال في كتابه عن صفات القرآن: (فصاحته في بعض الفقرات البالغة وتصل حد الأعجاز وسخافة بعضها الآخر). فصل الخطاب ص 211
ونسبة الكتاب لمؤلفه قد ذكرها علماؤهم وإليك بعضهم:
1- العلامة آغا بزرك الطهراني في كتابه نقباء البشر
2- السيد ياسين الموسوي في مقدمة كتاب النجم الثاقب للنوري الطبرسي
3- رسول جعفريان في كتابه أكذوبة التحريف
4- العلامة جعفر مرتضى العاملي في كتابه حقائق هامة
5- السيد علي حسين الميلاني في كتابه التحقيق في نفي التحريف
6- الأستاذ محمد هادي معرفة في كتابه صيانة القرآن من التحريف
7- باقر شريف القرشي في كتابه في رحاب الشيعة
واعلم أن كثيراً من الشيعة المعاصرين ادعوا أن الطبرسي ليس من علماء الشيعة، وليس ممن يعتمد على أقواله وذلك لأنه جمع في كتابه أقوال جميع الفقهاء والعلماء المتقدمين والمتأخرين منهم المصرحين بتحريف القرآن. وسنذكر لك ترجمته من كتب علمائهم أصحاب التراجم بعونه تعالى.
فقد ترجم له كل من:
أغابرزك الطهراني في كتابه أعلام الشيعة 1/ 543
قال: ( الشيخ ميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي الدين بن الميرزا علي محمد تقي الدين النوري الطبرسي، إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة، ومن أعظم علماء الشيعة، وكبار رجال الإسلام في هذا القرن ... وكان الشيخ النوري أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر، فقد امتاز بعبقرية فذة، وكان آية من آيات الله العجيبة، كمنت فيه مواهب غريبة، وملكات شريفة أهلته لأن يعد في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذاهب، وحياته صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة. ومن تصانيفه فصل الخطاب في مسألة تحريف الكتاب). اهـ
وترجم له محسن الأمين في أعيان الشيعة 6/ 143
قال: ( كان عالماً فاضلاً محدثاً متبحراً في علمي الحديث والرجال عارفاً بالسير والتاريخ، منقباً فاحصاً زاهداً عابداً، لم تفته صلاة الليل، وكان وحيد عصره في الإحاطة، والإطلاع على الأخبار والآثار والكتب). اهـ
وترجم له عباس القمي في كتابه الكنى والألقاب 2/ 405
قال: ( شيخ الإسلام والمسلمين مروج علوم الأنبياء والمرسلين الثقة الجليل والعالم النبيل المتبحر الخبير والمحدث الناقد البصير ناشر الآثار وجامع شمل الأخبار صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة والعلوم الغزيرة الباهر بالرواية والدراية والرافع لخميس المكارم أعظم راية وهو أشهر من أن يذكر وفوق ما تحوم حوله العبارة). اهـ
وترجم له القمي في فوائد الرضوية في أحوال علماء المذهب الجعفرية ص 148:
قال: (شيخنا الأجل الأعظم وعمادنا الأرفع الأقوم، صفوة المتقدمين والمتأخرين، خاتم الفقهاء والمحدثين سحاب الفضل الهاطل، وبحر العلم الذي ليس له ساحل، مستخرج كنوز الأخبار، ... كنز الفضائل ونهرها الجاري، شيخنا ومولانا العلامة المحدث الثقة النوري، أنار الله تعالى برهانه وأسكنه بحبوحة جنانه). اهـ
وكفى بالنوري الطبرسي أنه صاحب كتاب مستدرك الوسائل، وهو من الكتب الثمانية المعتبرة لدى الشيعة، وأنه خاتمة المحدثين. ومما مضى من الترجمات، بان لك سقوط قول كل جعفري يتبرأ من الطبرسي.
المبحث الثاني: في ذكر من صرح من علماء الشيعة بوقوع التحريف في القرآن
أولاً: علي ابن إبراهيم القمي
ذكر في مقدمة تفسيره أنواع التحريف، وأن منه ما هو حرفٌ مكان حرف، ومنه ما هو على خلاف ما أنزل. فقال: (وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله فهو قوله: ) كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ(. فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية: "خير أمة" يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني علي عليه السلام. فقيل له: وكيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال: إنما نزلت "كنتم خير أئمة أخرجت للناس ..."). اهـ تفسير القمي ج 1 / 36 ط دار السرور
وقال: (وأما ما هو محرف فهو قوله: "لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون. وقوله: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي فإن لم تفعل فما بلغت رسالته". وقوله: "إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم"). تفسير القمي ج 1/ 37
ونرجو من القارئ الكريم أن يتنبه إلى أن ما نضع تحته خط ليس من القرآن الكريم في شيء، ولكنه ما يدعي الشيعة أنه منه، وقد أسقطها الصحابة المتآمرون على القرآن وعلى سيدنا علي كرم الله وجهه.
ثانياً: الفيض الكاشاني
مهد لكتابه تفسير الصافي باثنتي عشرة مقدمة، خصص المقدمة السادسة لإثبات تحريف القرآن. وعنون لها بقوله: (المقدمة السادسة: في نُبَذٍ مما جاء في جمع القرآن وتحريفه وزيادته ونقصه وتأويل ذلك). وبعد ذكر الروايات خرج بالنتيجة التالية، قال:
(والمستفاد من هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد r، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير محرف. وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد r غير مرة، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ومنها غير ذلك. وأنه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله r) اهـ من تفسير الصافي 1/ 49. منشورات الأعلمي – بيروت
وقال أيضاً: (وأما اعتقاد مشايخنا رضي الله عنهم في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن، لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه. وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي t فإن تفسيره مملوء منه، وله غلو فيه. وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي t فإنه أيضاً نسج على منوالهما في كتاب الاحتجاج). تفسير الصافي 1/ 52
ثالثاً: أبو منصور الطبرسي
يقول: (لما توفي رسول الله، جمع علي عليه السلام القرآن، وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه. فأخذه عليه السلام وانصرف. ثم أحضروا زيد بن ثابت – وكان قارئاً للقرآن – فقال له عمر: إن علياً جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فضيحة وهتكاً للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك ... فلما استخلف عمر سأل علياً أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم). الاحتجاج 1 / 225
وقال أيضاُ: (ولو شرحت لك كلما أسقط وحرّف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء). الاحتجاج 1/ 254
وقال أيضاً: (وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين، ولا الزيادة في آياته ... فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت، فإن شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه). الاحتجاج 1/ 371
رابعاً: سلطان محمد بن حيدر الخرساني
قال: (اعلم أنه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار بوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه، بحيث لا يكاد يقع شك في صدور بعض منهم، وتأويل الجميع بأن الزيادة والنقيصة والتغيير إنما هي في مدركاتهم من القرآن لا في لفظ القرآن كلغة ...). اهـ من كتابه بيان السعادة في مقامات العبادة 1/ 19/ ط. مؤسسة الأعلى-بيروت
خامساً: العلامة يوسف البحراني
بعد أن ذكر الأخبار الدالة على تحريف القرآن قال: ( لا يخفى ما في هذه الأخبار من الدلالة الصريحة والمقالة الفصيحة على ما اخترناه ووضوح ما قلناه، ولو تطرق إلى هذه الأخبار على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كلها كما لا يخفى، إذ الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقله. ولعمري إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج عن حسن الظن بأئمة الجور، وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى التي هي أشد ضرراً على الدين). اهـ من كتابه الدرر النجفية ص 298 ط. مؤسسة آل البيت لإحياء التراث
سادساً: العلامة المحقق الحاج ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي
عدّد الأدلة على نقصان القرآن وذكر منها: نقص سورة الولاية، ونقص سورة النورين، ونقص بعض الكلمات من الآيات، ثم قال: ( إن الإمام علياً لم يتمكن من تصحيح القرآن في عهد خلافته بسبب التقية، وأيضاً حتى تكون حجة في يوم القيامة على المحرفين والمغيرين). وقال: ( إن الأئمة لم يتمكنوا من إخراج القرآن الصحيح خوفاً من الاختلاف بين الناس ورجوعهم إلى كفرهم الأصلي). اهـ كتابه منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة مؤسسة الوفاء – بيروت 2 / 214
سابعاً: محمد بن مسعود العياشي صاحب التفسير
نقل في تفسيره: (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمَّيْن). (وعن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجى، ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن). اهـ من تفسير عياشي ج 1 / 25 – منشورات الأعلمي– طهران قوله: (قائمنا) يعني المهدي المنتظر. وهو عندهم محمد بن الحسن العسكري الغائب منذ أكثر من ألف ومائة سنة.
ثامناً: محمد بن الحسن الصفار
قال: ( عن أبي جعفر الصادق أنه قال: ما من أحد من الناس يقول: إنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلا كذاب، وما جمعه وما حفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده). وقال: (عن أبي جعفر "ع" أنه قال: ما يستطيع أحد أن يدعي أنه جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء). اهـ من كتابه بصائر الدرجات ص 213 – منشورات الأعلمي – طهران
تاسعاً: العلامة الأردبيلي
قال: (إن عثمان قتل عبد الله بن مسعود بعد أن أجبره على ترك المصحف الذي كان عنده وأكرهه على قراءة ذلك المصحف الذي ألفه ورتبه زيد بن ثابت بأمره. وقال البعض إن عثمان أمر مروان بن الحكم وزياد بن سمرة الكاتبين له أن ينقلا من مصحف عبد الله ما يرضيهم ويحذفا منه ما ليس بمرضي عندهم ويغسلا الباقي). اهـ من كتابه حديقة الشيعة ص 118
عاشراً: مرشد الأنام كريم الكرماني
قال: ( إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن، فيقول أيها المسلمون هذا والله القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد والذي حرف وبدل). اهـ من كتابه إرشاد العوام ص 221 / 3
أحد عشر: السيد دلدار المجتهد الهندي الملقب بآية الله في العالمين
قال: ( وبمقتضى تلك الأخبار أن التحريف في الجملة في هذا القرآن الذي بين أيدينا بحسب زيادة الحروف ونقصانه بل بحسب بعض الألفاظ وبحسب الترتيب في بعض المواقع قد وقع بحيث مما لا شك مع تسليم تلك الأخبار). اهـ من كتابه استقصاء الإفحام 1 / 11
إثنا عشر: ملا محمد تقي الكاشاني
قال: ( إن عثمان أمر زيد بن ثابت الذي كان من أصدقائه هو، وعدواً لعلي أن يجمع القرآن ويحذف منه مناقب آل البيت وذم أعدائهم، والقرآن الموجود حالياً في أيدي الناس والمعروف بمصحف عثمان هو نفس القرآن الذي جمعه بأمر عثمان). اهـ من كتابه هداية الطالبين ص 368
ثلاثة عشر: أبو القاسم الخوئي مرجع العصر
يقول: (إن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام، ولا أقل من الاطمئنان بذلك وفيها ما روي بطريق معتبر). اهـ من كتابه البيان في تفسير القرآن ص 226
وقال مثبتاً التحريف عن علمائهم ص 219: (ثم ذهب جماعة من المحدثين من الشيعة وجمع من علماء السنة إلى وقوع التحريف) اهـ.
واعلم أنه لا الخوئي ولا غيره يمكنه أن ينقل عن واحد علماء أهل السنة أنه قال بالتحريف فضلا عن جمع منهم، وإنما هذه هي الطريقة التافهة المعهودة عند الشيعة التي يوهمون بها الناس بما يريدون. فلم لا ينقل أي شيعي لنا رواية واحدة عن أهل السنة تقول بالتحريف؟
أربعة عشر: علي أصغر بروجردي مرجع معاصر
قال: (الواجب علينا أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يقع فيه تغيير وتبديل مع أنه وقع التحريف والحذف في القرآن الذي ألفه بعض المنافقين، والقرآن الأصلي الحقيقي موجود عند إمام العصر عجل الله فرجه). اهـ من كتابه عقائد الشيعة ص 27
خمسة عشر: روح الله الخميني
يقول عن الصحابة رضوان الله عليهم: ( لقد كان سهلاً عليهم أن يخرجوا هذه الآيات من القرآن، ويتناولوا الكتاب السماوي بالتحريف، ويسدلوا الستار عن القرآن ويغيبوه عن أعين العالمين). اهـ كشف الأسرار ص 114
ستة عشر: كامل سليمان
يقول: ( عن الإمام جعفر الصادق قال: إذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عز وجل على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام). اهـ من كتابه يوم الخلاص ص 373
سبعة عشر: علي بن النقوي الرضوي علامة الشيعة بالهندقال:
(وأما تواتر جميع ما نزل على محمد فمشكل توضيحه، وقد اختلف في وقوع التحريف والنقصان في القرآن، فعن أكثر الإخباريين أنه وقع، وهو الظاهر من كلام الكليني قدس سره، وشيخه علي ابن إبراهيم القمي، والشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي صاحب الاحتجاج ... وقد ذكر السيد العلامة نعمة الله في رسالته منبع الحياة أدلة الأوائل منها الأخبار المستفيضة بل المتواترة ما روي عن أمير المؤمنين لما سئل عن المناسبة بين قوله تعالى: ) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى( وبين )فَانكِحُوا( فقال:" لقد سقط بينهما أكثر من ثلث القرآن). اهـ من كتابه إسعاف المأمول ص 115
ثمانية عشر: زين العابدين الكرماني قدوة العلماء الربانيين
قال: ( إن كيفية جمع القرآن أثبتت أن التحريف والتصحيف والنقص وقع في القرآن، ولو أن هذا سبب لتذليل المسلمين عند اليهود والنصارى بأن طائفة منا تدعي الإسلام ثم تعمل مثل هذا العمل، ولكنهم كانوا منافقين، الذين فعلوا ما فعلوا. وإن القرآن المحفوظ ليس إلا عند الإمام الغائب). ثم قال بعدها: ( إن الشيعة مجبورون أن يقرؤوا هذا القرآن تقية بأمر آل محمد r).اهـ من كتابه تذييل في الرد على هاشم الشامي ص 13- 23
تسعة عشر: دلدار علي بن محمد معين نصير أبادي تاج العلماء
يقول في كتابه عماد الإسلام في علم الكلام: (وينقدح من ههنا أن مآل السيد المرتضى بعدم تطرق التغير والتحريف في القرآن أصلاً هو ما يكون بحسب الآية أو الآيتين، لا ما يشمل الغير بحسب مفردات الألفاظ أيضاً، وإلا فكلامه صريح ههنا في القرآن كان في زمان رسول الله مختلف النسخ بحسب اختلاف القراءات). ضدبت حيدري 2/ 78.
عشرون: الكليني مؤلف الكافي أوثق كتب الحديث الشيعية
يقول محمد صادق الصدر عن الكليني وكتابه الكافي:
( أول الكتب الأربعة تأليفاً ومؤلفه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني أكبر علماء الإمامية في عصره ... ويعتبر كتابه هذا عند الشيعة أوثق الكتب الأربعة لذكره تمام سلسلة السند بينه وبين المعصوم مما لم يوجد نظيره في الكتب الأخرى). اهـ من كتابه الشيعة ص 121
ويقول عبد الحسين الموسوي: (هي الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأحسنها وأتقنها). المراجعات ص 113
وقد شهد عليه كبار علماء الشيعة بأنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن، ونعد منهم:
1- الفيض الكاشاني يقول: ( وأما اعتقاد مشايخنا في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض للقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه). اهـ تفسير الصافي 1/ 521
2- أبو الحسن العاملي قال:
(اعلم أن الذي يظهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات كثيرة في هذا المعنى في كتابه الكافي الذي صرح في أوله بأنه كان يثق فيما رواه فيه ولم يتعرض لقدحها ولا ذكر معارض لها). اهـ من مقدمة تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار
3- النوري الطبرسي:
(اعلم أن لهم في ذلك أقوالاً مشهورها اثنان الأول: وقوع التغيير والنقصان فيه، وهو مذهب الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي شيخ الكليني في تفسيره صرح في أوله وملأ كتابه من أخباره مع التزامه في أوله بأن لا يذكر فيه إلا عن مشايخه وثقاته، ومذهب تلميذه ثقة الإسلام الكليني رحمه الله على ما نسبه إليه جماعة لنقله الأخبار الكثيرة الصريحة في هذا المعنى في كتاب الحجة خصوصاً في باب النكت والنتف من التنزيل. وفي الروضة من غير تعرض لردها أو تأويلها). اهـ فصل الخطاب ص 23
المبحث الثالث: علماؤهم الذين أنكروا التحريف تقية
- ذكر محدث القوم وشيخ الإسلام النوري الطبرسي: (الثاني: عدم وقوع النقص والتغيير فيه، وأن جميع ما نزل على رسول الله r هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين، وإليه ذهب الصدوق في عقائده والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة، ولم يعرف من القدماء موافق لهم). اهـ من كتابه فصل الخطاب في ص 32
وهؤلاء العلماء الأربعة في الدور الثاني، وسيأتي بيان ذلك في الخاتمة، إذ لا وجود لهذا القول إلى منتصف القرآن الرابع لأن أئمة القوم كلهم ورواتهم المتقدمين ومحدثيهم ومفسريهم لم يقولوا ولم يصرحوا إلا بعكس ذلك كما ذكروا في مروياتهم. وهؤلاء العلماء لم ينكروا التحريف إلا تقيه وخوفاً من نفرة الناس واطلاعهم على ما أخفوه ونترك لعلمائهم تبيين ذلك:
1) قال السيد نعمة الله الجزائري من أعاظم العلماء المتأخرين وأفاخم الفضلاء المتبحرين: (نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير... والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة، منها سد باب الطعن عليهم بأنه إذا جاز هذا القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف به). اهـ الأنوار النعمانية 2/ 357.
2) قال النوري الطبرسي: ( لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان للطوسي أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين)، ( وما قاله السيد الجليل علي بن طاووس في كتابه سعد السعود إذ قال: ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر الطوسي في كتابه التبيان وحملته التقية على الاقتصاد عليه). اهـ فصل الخطاب ص 38.
3) قال الفيض الكاشاني في تفسيره بعدما ذكر كلام الطبرسي والمرتضى: (لقائل أن يقول: كما أن الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم… والتغيير فيه إن وقع فإنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن والضبط الشديد إنما كان بعد ذلك فلا تنافي بينهما). اهـ
وقال في رده على ابن بابوية القمي الصدوق: (يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعاً كما أنزله الله محفوظاً عند أهله، ووجود ما احتجنا إليه منه عندنا وإن لم نقدر على الباقي، كما أن الإمام عليه السلام كذلك، فإن الثقلين سيان في ذلك، ولعل هذا هو المراد من كلام الشيخ) اهـ
الصافي للفيض الكاشاني ص ج1 / 35-37
4) السيد هاشم البحراني الجامع المتتبع للأخبار بما لم يسبق إليه السابق سوى المجلسي قال في مقدمة تفسيره في الفصل الرابع تحت عنوان بيان خلاصة أقوال علمائنا في تفسير القرآن وعدمه وتزييف استدلال من أنكر التحريف، قال مثبتاً التحريف: (وعندي في وضوح صحة هذا القول بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشييع وأنه من أكبر مفاسد غصب الخلافة فتدبر حتى تعلم توهم الصدوق في هذا المقام حيث قال في اعتقاداته بعد أن قال: "اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه هو ما بين الدفتين وما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك وأن من نسب إلينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب" وتوجيه كون مراده علماء قم فاسد". (وليت شعري كيف يجوز لمثل الشيخ أن يدعي أن عدم النقصان ظاهر الروايات مع أنا لم نظفر على خبر واحد يدل عليه، نعم دلالتها على كون التغيير الذي وقع غير مخل بالمقصود كثيراً كحذف اسم علي وآل محمد r وحذف أسماء المنافقين وحذف بعض الآيات وكتمانه ونحو ذلك). اهـ من البرهان هاشم البحراني المقدمة ص 49 –51.
5) السيد محمد دلدار قال في رده على السيد المرتضى:
(فإن الحق أحق بالاتباع، ولم يكن السيد علم الهدى معصوماً حتى يجب أن يطاع، فلو ثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقاً لم يلزمنا اتباعه ولا خير منه). اهـ ضبطت حيدري 2/ 81.
ومما يدل على اعتقادهم في التحريف واتقائهم في إنكاره أنهم ذكروا في كتبهم التي ألفوها روايات التحريف، ولم يتعرضوا لها بنفي أو قدح أو إنكار، وسنذكر في بحثنا بعض رواياتهم. فابن بابويه القمي الصدوق الذي يدعي إنكار التحريف:
1. قال في كتابه من لا يحضره الفقيه في كتاب النكاح – باب المتعة: (أحل رسول الله r المتعة ولم يحرمها حتى قبض وقرأ ابن عباس "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة من الله ") اهـ المعروف أن "إلى أجل مسمى"، وكذلك "من الله" ليستا من القرآن.
2. وأورد في كتابه معاني الأخبار ص 313 – 314:
(عن أبي يونس قال كتبت لعائشة مصحفا فقالت: إذا مررت بآية الصلاة قلا تكتبها حتى أمليها عليك، فلما مررت بها أملتها علي: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر" اهـ وصلاة العصر ليست من القرآن كما هو معلوم.
3. وروي في الخصال 147: (عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل المصحف والمسجد والعتره، يقول المصحف: يا رب حرفوني ومزقوني). اهـ
والروايات التي ذكرها الصدوق كثيرة اقتصرنا منها على ما ذكرناه.
المبحث الرابع: إذا كان القرآن محرفاً فأين القرآن الصحيح في نظر الشيعة؟
يجيب عن هذا السؤال كبار علمائهم وروايات أئمتهم:
1. يقول نعمة الله الجزائري: (روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين "ع" فيقرأ ويعمل بأحكامه). اهـ من كتابه الأنوار النعمانية 2/ 360
2. ويقول أبو الحسن العاملي في تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ص3: ( أن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزل الله تعالى ما جمعه علي "ع" وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن وهكذا إلى أن وصل إلى القائم "ع" وهو اليوم عنده صلوات الله عليه). اهـ
3. ويقول محمد بن النعمان الملقب بالمفيد: (إن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قد رأوا بقراءة ما بين الدفتين وأن لا نتعداه إلى زيادة فيه ولا إلى نقصان منه إلى أن يقوم القائم "ع" فيقرأ الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين "ع"). اهـ من كتابه المسائل السروية ص78 وهو من ضمن كتاب بحار الأنوار
4. مرشد الأنام كريم الكرماني يقول:
(إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن فيقول: أيها المسلمون هذا والله هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد والذي حرف وبدل). اهـ
في إرشاد العوام 3/ 121
5. علي أصغر بروجردي قال: ( الواجب أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يقع فيه تغيير وتبديل مع أنه وقع التحريف والحذف في القرآن الذي ألفه بعض المنافقين، والقرآن الأصلي الحقيقي موجود عند إمام العصر عجل الله فرجه).اهـ من كتابه عقائد الشيعة ص 27
6. السيد هاشم البحراني قال:
(اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله r شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعد كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن ... المحفوظ عما ذكر الموفق لما أنزله الله تعالى ما جمعه علي عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام وهو اليوم عنده صلوات الله عليه). اهـ البرهان في تفسير القرآن ص 36
فصل: في بعض رواياتهم عن الأئمة المصرحة بذلك
1. روى محمد بن الحسن الصفار من أصحاب الإمام الحسن العسكري قال: (عن جعفر قال سمعت أبا جعفر "ع" يقول ما من أحد من الناس يقول إنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذاب، وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعد). و(عن عبد الغفار قال سأل رجال أبا جعفر "ع" فقال أبو جعفر ما يستطيع أحد يقول جمع القرآن كله غير الأوصياء). اهـ من بصائر الدرجات ص 193.
2. روى النعماني عن علي عليه السلام قال: كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل، قلت: يا أمير المؤمنين أوليس هو كما أنزل؟ فقال: لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله r لأنه عمه). اهـ الغيبة ص 318
وفي الرواية التي قبلها ( قال أمير المؤمنين " ع": كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل، أما إن قائمنا إذا قام كسره وسوى قبلته). اهـ
3. وجاء في الاحتجاج 1/ 256 من حديث أبي ذر الغفاري ( ... فلما استخلف عمر سأل علياً عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه. فقال عليه السلام: هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به. إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي. قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم؟ فقال عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهر ويحمل الناس عليه فتجري السنه به صلوات الله عليه). اهـ
4. وفي تفسير عياشي 1/ 25:
( عن أبي جعفر عليه السلام قال: لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجي ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن). اهـ
5- الكليني في أصول الكافي 2/ 633 كتاب فضل القرآن:
( عن سالم بن سلمه قال: قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا استمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله "ع": كُفَّ عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عز وجل على حده...). اهـ
والروايات كثيرة في ذلك اقتصرنا على بعضها.
المبحث الخامس: في سبب قولهم بوقوع التحريف في القرآن
إن القارئ والمتمحص في كتبهم ومصادرهم ورواياتهم يجد أن السبب الرئيس في قولهم بالتحريف هو القول الذي تفردوا به عن المسلمين، وهو القول بمسألة الإمامة، وقد صرحت الروايات الكثيرة التي ذكروها في صحاحهم بذلك وأكدها علماؤهم مصرحين بذلك، ونذكر بعض أقوالهم:
- محسن الكاشاني المحدث المحقق قال:
( أقول لقائل أن يقول: كما أن الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصيه المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم). اهـ من تفسيره الصافي 1/ 35-37
- السيد هاشم البحراني قال:
(وعندي في وضوح صحة هذا القول بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع، وأنه من أكبر مفاسد غصب الخلافة فتدبر). اهـ البرهان في تفسير القرآن ص 49
ونذكر الآن بعض روايات الشيعة التي تتحدث عن الإمامة كيف حرفت على زعمهم والتي بلغت ألفي رواية كما أثبت ذلك النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب.
1- روى الكليني في الكافي 2/ 381
( عن جابر قال: نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا: "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فأتوا بسورة من مثله").
2- الكليني في الكافي 2/ 38
( عن أبي جعفر "ع" قال: نزل جبرائيل عليه السلام على محمد r بهذه الآية هكذا "بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغياً").
3- الكليني في الكافي 2/ 283
( عن جابر بن أبى جعفر عليه السلام قال: " أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم بولاية علي استكبرتم من آل محمد ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون").
4- تفسير عياشي 1/ 285
( سمعت أبا جعفر "ع" يقول: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا "إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم").
5- عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله "ع" في قوله تعالى: ( "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي". هكذا والله نزلت على محمد r) اهـ من الكافي 2/ 379، المناقب 3/ 320 للمازنداني.
6- ( عن الرضا عليه السلام في قول الله عز وجل: " كبر على المشركين بولاية علي ما تدعوهم إليه يا محمد من ولاية علي" هكذا في الكتاب محفوظ). المناقب 3/ 107 الكافي 2/ 283
7- عن أبي بصير عن أبي عبد الله "ع" في قوله تعالى: ("ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً" هكذا نزلت). الكافي 2/ 372.
واعلم دعوى التحريف والنقص في لفظ القرآن وآياته وسوره. وليس في التفسير فقط كما يدعي المتأخرون من الشيعة: والذي يدل على ذلك ادعاؤهم بوجود قرآن صحيح عند الإمام الغائب، وهذا يعني أن القرآن الموجود بين أيدينا ليس بصحيح، وقد نقلنا من عباراتهم بالزيادة والنقص والحذف من القرآن الموجود بما فيه الكفاية.
ومن كتب الشيعة التي ألفت في إثبات التحريف:
1. فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب للنوري الطبرسي.
2. كتاب التحريف للشيخ الثقة أحمد بن خالد البرقي صاحب كتاب المحاسن
3. كتاب التنزيل والتعبير للثقة محمد بن خالد
4. التنزيل من القرآن والتحريف للحسن بن فضال
5. كتاب التحريف والتبديل لمحمد بن الحسن الصيرني
6. ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام
وأبو القاسم الخوئي هذا مرجع من مراجع الشيعة الإمامية المعاصرين، وهو مؤلف كتاب البيان في تفسير القرآن وهذا الكتاب الذي فرح به علماء الشيعة وعامتهم حاول فيه المؤلف نفي التحريف وإنكاره عند الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً. واتهم فيه أهل السنة القول بالتحريف. ولما لم يظفر الخوئي بقول واحد عند علماء أهل السنة عمد إلى القول: إن القول بالنسخ في القرآن هو عين التحريف حيث قال في كتابه ص 205: (إن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف والإسقاط). وقال أيضاً: (إن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة). وسنذكر بعد قليل الأمثلة التي ذكرها.
بعض أقوال أهل السنه في نفي التحريف:
1- قال القاضي عياض:
(وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول "الحمد لله رب العالمين" إلى آخر "قل أعوذ برب الناس" أنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد r. وأن جميع ما فيه حق. وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع على أنه ليس من القرآن عامداً لكل هذا أنه كافر). اهـ من كتاب الشفا ص1102
3- قال الإمام فخر الدين الرازي:
()إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(. وإنا نحفظ ذلك الذكر من التحريف والزيادة والنقصان ... وإن أحداً لو حاول تغيير حرف أو نقطة لقال أهل الدنيا هذا كذب وتغيير لكلام الله حتى أن الشيخ المهيب لو اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له الصبيان أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا ... واعلم أنه لم يتفق لشيء من الكتب مثل هذا الحفظ فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير إما في الكثير منه أو في القليل. وبقاء هذا الكتاب مصوناً من جميع جهات التحريف مع أن دواعي الملاحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده من أعظم المعجزات). اهـ تفسيره مفاتيح الغيب 19 / 160
ولحفظ القرآن عند أهل السنة من الشهرة والتواتر بحيث لا يحتاج إلى إقامة الأدلة والبراهين، أما قول الخوئي إن القول بالنسخ هو عين التحريف، فالجواب عليه من وجهين:
الأول: قول الله تعالى: ) مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(. وقوله تعالى: )يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ(، وقوله تعالى: )وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (فالنسخ ثابت بقول الله تعالى ولا يجوز أن يسمى تحريفاً للقرآن الكريم أبداً.
الثاني: أن كبار علماء الشيعة يقولون بنسخ التلاوة، وسننقل لك أقوالهم مفصلة عند ذكر كل رواية من الروايات التي ساقها الخوئي أمثلة للاستدلال على تحريف أهل السنة للقرآن بحذف الآيات المنسوخة منه.
الرواية الأولى: (عن عمر أنه قال "إن الله عز وجل بعث محمداً بالحق وأنزل معه الكتاب فكان مما أنزل إليه آية الرجم، فرجم رسول الله ورجمنا بعده ...) اهـ ذكرها الخوئي في كتابه البيان ص 203 متهماً فيها أهل السنة بحذف آية الرجم. وقد ذكرها السيوطي في "الإتقان" تحت عنوان (ما نسخ تلاوته دون حكمه) الإتقان 2/ 718.
ومن علماء الشيعة الذين قالوا بنسخها:
1- الفضل الطبرسي قال: ( النسخ في القرآن على ضروب ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم) اهـ مجمع البيان في تفسير القرآن 1 / 406
2- أبو جعفر الطوسي:
قال: ( النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة: منها ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم وهي قوله "والشيخ والشيخة إذا زنيا...) اهـ التبيان في تفسير القرآن 1/ 13
3- العتائقي الحلي قال: ( المنسوخ على ثلاثة ضروب منها ما نسخ خطه وبقي حكمه فما روي من قوله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة...)اهـ الناسخ والمنسوخ ص 35
4- محمد علي قال: (أنواع المنسوخ ثلاثة منها ما نسخ خطه وبقي حكمه كآية الرجم). اهـ من كتابه لمحات من تاريخ القرآن ص 22
5- محمد باقر مجلسي صحح رواية آية الرجم التي في الكافي قائلاً: (وعدّت هذه الآية مما نسخت تلاوتها دون حكمها) اهـ مرآة العقول 23/ 267
الرواية الثانية: (عن عائشة أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن). أوردها السيوطي في باب ما نسخ تلاوته وحكمه معاً. وذكرها الخوئي في البيان ص 204 متهماً أهل السنة بالطعن في القرآن.
وقد اعترف بذلك كبار علماء الشيعة ومنهم:
أبو جعفر الطوسي شيخ الطائفة في كتابه التبيان 1/ 13. قال: (قد نسخ التلاوة والحكم معاً مثل ما روي عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزله الله عشر رضعات يحرمن ثم نسخن). اهـ
الرواية الثالثة: ( كنا نقرأ "ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم")
ذكرها الخوئي في كتابه البيان ص 203 متهماً أهل السنة بحذفها.
وإليك أقوال بعض علمائهم في إثبات نسخها:
1- الفضل الطبرسي: في كتابه مجمع البيان شرح آية 106 من سورة البقرة
قال: (النسخ في القرآن على ضروب: منها أن يرفع حكم الآية وتلاوتها كما روي عن أبي بكر أنه قال " كنا نقرأ " لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ") اهـ
2- أبو جعفر الطوسي شيخ الطائفة في التبيان 1/ 394
قال: (كانت أشياء في القرآن ونسخت تلاوتها ومنها "لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم") اهـ
وهكذا في معظم الروايات التي أوردها الخوئي في كتابه البيان في تفسير القرآن، فإنك تجد بعض علماء يقرون بنسخها.
وقال المفيد في المسائل السروية ص 79:
(لا شك أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله وليس فيه شيء من كلام البشر وهو جمهور المنزل، والباقي مما أنزله الله تعالى عند المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام لم يضِع منه شيء. وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع لأسباب دعته إلى ذلك منها: قصوره عن معرفة بعضه – ومنها شكه فيه وعدم تيقنه ومنها ما تعمد إخراجه منه، وقد جمع أمير المؤمنين "ع" القرآن المنزل من أوله إلى آخره وألفه بحسب ما وجب من تأليفه فقدم المكي على المدني والمنسوخ على الناسخ ووضع كل شيء منه في محله، فلذلك قال جعفر بن محمد الصادق "لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمّين كما سمي من كان قبلنا") اهـ
وتجدر ملاحظة أن النسخ في القرآن الكريم ينكره بعض علماء الشيعة ويثبته البعض، وكذلك التحريف، وإذا كان الأمر كذلك وعلى رأي الخوئي: "إن القول بالنسخ هو عين التحريف" فيكون جميع علماء الشيعة محرفون.
أبو القاسم الخوئي نفسه يقول بالتحريف
حاول الخوئي إنكار القول بالتحريف عن نفسه وعن مذهبه ووقع به في كتابه، والذي يدل على ذلك ما يلي:
1- قال في كتابه البيان ص 226: ( إن كثرة الروايات على وقوع التحريف في القرآن تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الاطمئنان لذلك وفيها ما روي بطريق معتبر). اهـ
2- جوابه على بعض الأحاديث الموثقة التي تذكر أن القرآن ناقص مثل:
(ما يستطيع أحد يقول جمع القرآن كله غير الأوصياء)، وكذلك: ( لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا مُسّمين). وكذلك: (نزل جبريل بهذه الآية على محمد هكذا: "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فأتوا بسورة من مثله"). اعترف الخوئي بثبوت الروايات وأنها تتحدث عن مصحف لعلي t يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور وفيه زيادات ليست موجودة في القرآن ومن ضمن هذه الزيادات أسماء الأئمة.
- تصحيح الخوئي روايات تفسير القمي وعدم انتقادها دليل على موافقته لرأي القمي الذي يكثر من روايات التحريف ... وذلك في كتابه معجم رجال الحديث، عند ترجمته علي بن إبراهيم القمي.
- عدم رده على العلماء الذين قالوا بالتحريف.
- توثيقه لدعاء صنمَيْ قريش والذي فيه أن أبا بكر وعمر حرفا كتاب الله
- تعظيمه للعلماء الذين قالوا بالتحريف وتلقيبهم بالآيات والأعلام.
خـــــاتمة
نلخص ما جاء في بحثنا فنقول:
ذكرنا فيما مر أن الشيعة الإمامية كانوا يعتقدون التحريف في القرآن الكريم في الدور الأول إلى منتصف القرن الرابع من أئمة مذهبهم وكبار علمائهم الذين أسسوا المذهب وقعّدوا قواعده، وكان من كبارهم في زمن الأئمة عليهم السلام، وقد نقلنا من أقوالهم في تواتر التحريف والنقص والزيادة، ولم يخالف في ذلك أحد منهم وفي الدور الثاني لم يخالف ذلك إلا أربعة منهم، وكانت مخالفتهم تقية كما بيّن ذلك علماؤهم، لأن القول بالتحريف هو من ضروريات مذهب التشيع.
ثم جاء الدور الثالث وأدرك علماء الشيعة خطر هذا القول وعواقبه الوخيمة على المذهب، لأنه يهدم أساسه، ويورث التشكيك لدى مخالفيهم في أصل مذهبهم، فتظاهروا بإنكار التحريف على دعوتهم وبقاء مذهبهم. ويكاد لا يوجد كتاب يصدر لأحدهم قديماً وحديثاً في أي موضوع كان إلا وتجد فيه دعوى التحريف سواء كان بأقوال علمائهم أو سرد رواياتهم. ونطرح عليهم هنا سؤالاً مهماً: بماذا تجيبون النصارى واليهود عندما يتهمون المسلمين بتحريف القرآن إذا قالوا لكم: إن التوراة والإنجيل والقرآن سيان في ذلك؟
من هذا تعرف خطورة فكرة نزع الثقة من القرآن الكريم بين المسلمين، وخطورة هذا الاعتقاد وتعلم حقيقة القوم، وهذا غيض من فيض، من أفواه علمائهم وروايات أئمتهم. ومع ذلك نقول: إذا اعتقاد الشيعة فعلاً كما يدعون الآن عدم تحريف القرآن، بصرف النظر عما كان عليه الشيعة قديماً، فلمَ لا تجتمع حوزاتهم، وتنشر بياناً في جميع أنحاء العالم تتبرأ فيه من تحريف القرآن الكريم، وتقر بأن ما بين دفتي هذا المصحف المعهود المتداول بين الناس إنما هو ما أنزل من عند الله سبحانه وتعالى، بلا زيادة ولا نقصان. ولماذا لا يقومون بجمع كل الأخبار الواردة في كتبهم بهذا الصدد ويعلنون على الملأ كذبها وافتراءها. ولم لا يقومون يتنقيح هذه الكتب وإخلائها من هذه الأكاذيب في الطبعات الحديثة؟ ألأن إسقاط هذه الأخبار يؤدي إلى هدم أصل الإمامة كما صرح به علماؤهم فيما أوردناه أم ماذا؟
وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
N
الرقم | الموضوع | الصفحة |
1 | فكرة الكتاب | 2 |
2 | مقدمة | 4 |
| مناقشة لبعض ما مهد له الكاتب | 11 |
3 | الشبهة الأولى: قوله: (إن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأ جسيماً بحق النبي r حتى طردهم). والرد عليها: ثانياً: حديث البخاري ومسلم المتفق عليه والروايات الأخرى ثالثاً: ما نستخلصه من مجموع هذه الروايات | 22 |
4 | الشبهة الثانية: قوله: (إن الشيعة يأخذون الإسلام أصولاً وفروعاً عن النبيّ r وآل بيته الأطهار لا غير) والجواب عنها: | 24 |
5 | الشبهة الثالثة: قوله:(بالرجوع إلى القرآن والسنة لا نجد أدنى إشارة إلى وجوب تقليد الأشعري وأحد الأئمة الأربعة). وجوابها | |
6 | الشبهة الرابعة: قوله: (نهي الأئمة عن تقليدهم) واحتجاجاته على ذلك والجواب عنها | 54 |
7 | الشبهة الخامسة: قوله من نقلد، ولا مرجح عقلاً وشرعاً. وإذا قلدنا واحداً ألا يعني أننا وضعنا على الآخرين علامة استفهام؟ ومذهب الأشعري الفقهي محل خلاف. والجواب عن ذلك كله | |
8 | الشبهة السادسة: قوله: "كيف نقلدهم وقد ماتوا ومسائلهم المدونة لا تكفي والزمن في تطور مستمر. والجواب عن ذلك | |
9 | الشبهة السابعة: قوله: "إن الأئمة الأربعة مختلفون، ولكل فقهه والاختلاف قائم بين فقهاء المذهب الواحد، ونعلم أن حكم الله واحد لا يتعدد". ورده لمعنى اختلاف أمتي رحمة. وجواب ذلك | |
10 | الشبهة الثامنة: قوله: (الشيعة يعظمون الأنبياء وينزهونهم...) واحتجاجه على ذلك والإجابة عن ذلك: | |
11 | الشبهة التاسعة: قوله: "إن هذه العقيدة الأشعرية مخالفة لصريح القرآن وما خالف القرآن فهو مردود". واحتجاجه على ذلك، والجواب عنه | |
12 | قول الشيعة بتحريف القرآن والرد على نفي خليفات لذلك | 111 |
13 | خاتمة | 120 |
| فهرس رسالة |
|
1 | مقدمة | 123 |
2 | المبحث الأول: في قولهم بتواتر واستفاضة روايات التحريف | 126 |
3 | المبحث الثاني: في ذكر من صرح من علماء الشيعة بوقوع التحريف في القرآن | |
4 | المبحث الثالث: في علمائهم الذين أنكروا التحريف تقية | 144 |
| في إثبات اعتقاد هؤلاء المنكرين بالتحريف واتقائهم في إنكاره | 147 |
5 | المبحث الرابع: أين القرآن الصحيح في نظر الشيعة؟ | 148 |
| فصل: في بعض رواياتهم عن الأئمة المصرحة بأن القرآن الصحيح عند قائمهم | |
6 | المبحث الخامس: في سبب قولهم بوقوع التحريف في القرآن | 152 |
7 | خــاتمـــــــة | 162 |
B
1- الأنوار النعمانية 2/ 244
2- الأنوار النعمانية 2/ 206
3- كتابه السقيفة ص87
1- كشف الأسرار ص 137
2- نهج الحق ص 273
1- الصراط المستقيم ج3 / ص6
2- الصوارم المهرقة ص 224
3- كشف الغمة ج1/ 420
1- صحيح مسلم 3 / 1259. دار إحياء التراث، وصحيح البخاري 5/ 2146 دار ابن كثير
2- صحيح البخاري 3/ 1111.
3- صحيح البخاري 3/ 1155.
1- صحيح البخاري 4/ 1612.
2- المستدرك على الصحيحين 3/ 542.
3- السنن الكبرى 4/ 433.
1- الطبقات الكبرى ج2/ ص242
2- التاريخ ج2 / ص228
3- مسند الإمام أحمد 1/ 222
4- مسند أبي يعلى 4/ 298
1- شرح صحيح مسلم 11/ 93
1- صحيح البخاري من حديث سعيد بن جبير فتح الباري 8/ 133
2- فتح الباري 5/ 303
3- الإرشاد 1/ 121. وإعلام الورى 97. وتفسير القمي 2/ 313.
1- شرح صحيح مسلم 11/ 90.
1- شرح مسلم 11/ 93
1- شرح مسلم 11/ 91.
1- فرج المهموم ص 228
1- الكافي ج2/ 10
1- التفسير الكبير 10/ 41-42.
1- وسائل الشيعة 12/ 12 الاستبصار 3/ 142 عوالى اللآلي 2/ 125. وفي سند آخر من طريق الزهري عن ابني محمد عن أبيه. رواه: الطوسي في التهذيب 2/ 18 الاستبصار 3/ 142.
2- وسائل الشيعة 14/ 465، بحار الأنوار 100/ 318، السرائر 483
3- بحار الأنوار 110/ 318.
4- الكافي 2/ 42، و التهذيب 2/ 186.
1- الاستبصار، ج3، ص243.
1- الاستبصار،ج3، ص243.
2- الاستبصار، ج3، ص243.
3- الاستبصار، ج3، ص444، باب النساء فيما دون الفرج.
4- الاستبصار،ج3،ص243-244.
1- الاستبصار، ج 3، ص243-244.
1- مسند أبي داود، كتاب الكهانة والتطير،ص545.
2- مسند أبي داود، باب في جامع النكاح، ص294.
1- جامع بيان الغلم وفضله ص446
1- الوافي ص9.
2- رسائل المرتضى ج3/ 310
1- الرسائل ص 33 / دار إحياء التراث
1- الوافي ص 9.
1- تفسير البرهان(4/ 43)
2- قصص الأنبياء ص407
1- قصص الأنبياء ص 408
2- اللآلي 1/ 100
3- الأنوار النعمانية ج3/ 182 باب نور الحب ودرجاته
3- شرح النووي/ ج16/ 366/ ط. دار المعرفة
1- روضة الكافي 293، بحار الانوار 41/ 154، أمالي الطوسي 565، البرهان 3/ 315
1- الكافي 7/ 201 ، بحار الأنوار 40/ 296، و75 / 73 ، و50/ 170.
1- الكافي 3/ 355، نزهة الناظر 39، وسائل الشيعة 8/ 202، من لا يحضره الفقيه 1/ 358، التهذيب 2/ 180، الاستبصار 1/ 369
2- وسائل الشيعة 8/ 199، الكافي 2/ 355، التهذيب 2/ 180، الاستبصار 1/ 369.
3- من لا يحضره الفقيه 1/ 360
4- عيون أخبار الرضا 2/ 203.
1- الاحتجاج ص 431، وعيون أخبار الرضا ص 112، وقصص الأنبياء للجزائري ص 18، وتفسير القمي 2/ 150، والبرهان 3/ 291.
2- بحار الانوار 3/ 40.
1- الكافي 2/ 664 ، بحار الانوار 16/ 259.
1- راجع الكليات لأبي البقاء الكفوي ص525، ط 2 مؤسسة الرسالة
1- شرح مطالع الأنظار على طوالع الأنوار، ص 195 ط1 المطبعة الخيرية سنة 1323 هـ
1- شرح المواقف المجلد الرابع/ ج7/ ص216-218 / ط1/ دار الكتب العلمية
1- شرح المقاصد ج4/ 296-297، ط2 عالم الكتب
1- شرح المواقف المجلد الرابع/ ج7/ ص222-223
1- الكافي/ ج1/ ص138.
1- راجع روضة الكافي، الصفحات: 43، 159، 160، 174، 175، 241، 242، 309
1- كتابه الاستغاثة، ص 25
1- أوائل المقالات ص 13
2- مقدمة تفسير الصافي 1/ 33
3- مرآة العقول 12/ 525.
1- الأنوار النعمانية 2/ 357.
2- مشارق الشموس الدرية ص 126.
1- الموافقات ج2/ 59