Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

نفوذ شيعة العراق سوف يغير علاقات إيران ومصر ..

نفوذ شيعة العراق سوف يغير علاقات إيران ومصر

يختلف دور الدول في القضايا الدولية أو الإقليمية تبعاً لاعتبارات موضوعية تخص كل دولة على حده، ولا يمكن تجاهل التأثيرات المباشرة للنظام الدولي على سياسات دول العالم المختلفة وعلاقاتها. وتبدو كل من مصر وإيران نموذجين بارزين لما يجلبه عامل الجغرافيا على سياستهما الخارجية، ونظراً لتمتع الدولتين بموقع استراتيجي حيوي يحظى باهتمام القوى الدولية، فإن العلاقات الثنائية بينهما تتسم بحساسية خاصة كونها تفرز تأثيرات مباشرة على الترتيبات الإقليمية المعمول بها في المنطقة، كما تؤثر في سياسات القوى الدولية الموجودة في الإقليم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن العلاقات بين الدولتين اتسمت بحالة من التوتر الدائم عقب الثورة الإسلامية عام 1979. وعلى الرغم من التحسن الملحوظ في هذه العلاقات بعد وصول الرئيس خاتمي للرئاسة، إلا أن حالة الشد والجذب هي التي سادت علاقات دولتين ذات حضارتين وثقافتين متميزتين ولاعبين إقليميين مهمين، ولو أعدنا البحث عن جذور هذا الخلاف فربما نجدها تكمن في النظام الإسرائيلي الذي يعد أحد أبرز عوامل هذا التوتر على مدى الأربع والعشرين عاماً الماضية.
هذا التوتر بدأ بعد توقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 واعترافها بإسرائيل، وهو ما كان سبباً في قطع العلاقات بين الطرفين، وباغتيال الرئيس السادات على يد خالد الإسلامبولي وتسمية أحد شوارع طهران باسمه حدث توتر أكبر في العلاقات، وقد أدت الحرب العراقية ضد إيران ودعم مصر للعراق إلى زيادة الهوة بين القاهرة وطهران.
وبعد انتهاء حرب الخليج الأولى وزيادة الوجود المكثف لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في منطقة الخليج في عام 1991 وهزيمة ما يسمى ببوابة العرب الشرقية إلى تدعيم نفوذ مصر في منطقة الخليج وهو ما بدا جلياً بانضمامها لإعلان دمشق (6+2) مع دول مجلس التعاون الخليجي وسوريا، ولكن مع فشل هذا النظام تراجع الدور المصري في أمن الخليج لصالح الدور الفعال لمصر في عملية السلام بين العرب وإسرائيل بدءاً من عقد مؤتمر مدريد للسلام، ومروراً بتوقيع اتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد 2، وقد أدى وجود القاهرة في هذه المحادثات إلى مزيد من الفتور في العلاقات بين مصر وإيران.
ومع اندلاع حرب الخليج الثالثة بالاحتلال الأمريكي للعراق شعرت كل من مصر وإيران بضرورة تحسين العلاقات الثنائية بشكل كبير. وعقب لقاء الرئيس خاتمي بالرئيس مبارك على هامش قمة المعلومات التي عقدت بجنيف في 10 ديسمبر من العام 2003 أشاد المحللون وأصحاب الرأي في القضايا السياسية والدولية بهذا المسعى واعتبروه بارقة أمل لعودة العلاقات بين طهران والقاهرة.
وإذا كان البعض قد توقع عودة العلاقات بين مصر وإيران إلى نقطة الصفر عقب اتهام أحد المسئولين الإيرانيين بمكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة ومواطن مصري بالتجسس لحساب الحرس الثوري الإيراني إلى جانب الاتهامات التي أطلقها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بشأن سعي إيران لتكوين هلال شيعي في المنطقة، فإن الموقف السلبي الذي اتخذته القاهرة إزاء الاتهامات الأردنية، إلى جانب تأييدها للعملية الانتخابية في العراق يعد من المؤشرات الإيجابية لإمكانية تحسن العلاقات بين الدولتين.
والسؤال الأهم في هذا السياق مفاده: لو سيطر الشيعة على مقاليد الأمور في العراق فكيف ستكون علاقة مصر بالعراق وبالطبع بإيران؟
على الرغم من أن مشكلة إيران ومصر الأساسية هي دخول مصر بشكل مباشر في حوار مع إسرائيل لكن من الممكن أن تكون المسألة العراقية مهمة في علاقاتهما الثنائية، فلو تحول شيعة العراق إلى قوة أساسية في الساحة السياسية فإن مصر بالطبع ستتخذ موقفاً إيجابيا حيال بغداد لعدة أسباب هي:
1 عدم وجود أيديولوجية سلفية وقومية عربية في سياسة مصر الخارجية.
2 تأثير الثقافة الشيعية على المصريين (حكم الفاطميين الطويل في مصر).
3 القضية الفلسطينية: من المحتمل ألا تتشدد الحكومة الشيعية العراقية فيما يخص القضية الفلسطينية، وفي ضوء المرونة التي تبدو عليها السياسة الإيرانية حالياً إزاء هذه القضية، من المحتمل أن يساهم ذلك في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث.
من المؤكد أن العراق القادم لن يكون مثل عراق عهد صدام، ومن المؤكد أيضاً أن النفوذ الإيراني في الهلال الخصيب سيلقي قوة دفع كبيرة، ولكن ما هو مهم هو أنه من الممكن أن تبعث علاقات القاهرة وطهران روحا جديدة في كيان العالم الإسلامي والعالم العربي ومزيداً من التحالف بشأن تبني سياسات إقليمية فعالة وإحباط دور القوى الدولية في العلاقات الثنائية، وأن أفضل بداية لتعاون القاهرة وطهران من الممكن أن تكون في المجال الثقافي والحضاري الذي يتسم بتعدد القواسم المشتركة بين مصر وإيران.
نبي الله إبراهيمي  شرق (الشرق) 7/4/2005
نقلا ً عن مختارات إيرانية العدد 58 – مايو 2005