Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

مقتدى الصدر بين الثورة والسياسة ..

الكاتب : محمد أبو رمان

شهدت مواقف مقتدى الصدر السياسية تجاه الأوضاع في العراق تحولات جوهرية، فقد تمثلت مواقفه في البداية بالابتعاد عن المواجهة العسكرية والإصرار على رفض الاحتلال سلميا، بيد انه تحول فيما بعد إلى جانب المقاومة المسلحة، والتي تورط فيها جيش المهدي وأنصاره في عدة مدن شيعية دون أن يمتلكوا الحدود الدنيا من الخبرة العسكرية، أو الأسلحة التي تضمن درجة معقوله من المقاومة، وبعد سلسلة من المواجهات الخاسرة، والتي كبدت مؤيديه وجيشه مئات القتلى وعدد كبير من الجرحى، جاء اتفاق النجف بوساطة السيستاني ليحفظ ماء وجه الصدر وربما حياته. وعندما تجددت الاشتباكات مؤخرا في مدينة الصدر (الثورة سابقا) دعا الصدر جيشه وأنصاره إلى الهدوء، ومن ثم تسليم أسلحتهم وبيعها للقوات العراقية، وهو بذلك يسطر ملامح تحول جديد، من الواضح أنه يصب في مسار العمل السياسي ضمن اللعبة التي قبلت الأطراف الشيعية الأخرى الاندماج فيها ابتداء، ورفض هو، قبل أن يعاود اليوم الدخول في بيت الطاعة الشيعي!.

في حين أن المشكلة التي تواجه الصدر الآن في العمل السياسي لا تكمن في عدم وصوله إلى مرتبة المرجعية الدينية، وإنما في ضحالة خبرته السياسية واستغراق الرموز الدينية الشيعية الميتافيزيقة لخطابه السياسي، ويظهر هذا الأمر من خلال الحضور الشديد لمفهوم "المهدي المنتظر" في خطابه وتصوراته، إلى الدرجة التي يمكن معها أن نقول انه المفهوم الحاكم على أفكاره السياسية جميعها، فقد أسس جيش المهدي، ويعتبر أن المهدي هو القائد الحقيقي للجيش، وقد غيرّ من اسم شارع "أبو نواس" في بغداد وأطلق عليه اسم شارع المهدي، وهو يعتقد جازما أن إزالة طائرة هليكوبتر عسكرية أميركية لراية الأمام المهدي من على أحد أعمدة الكهرباء الضخمة في ضاحية الثورة، قابلها هذا الإمام المنتظر "بمعجزة داخل أميركا حيث كان الانقطاع في التيار الكهربائي لمدة ليست بالقصيرة بالنسبة إليهم" (جريدة "الحياة" 24/8/2003).

من ناحية أخرى تقوم تصوراته السياسية لمفهوم الدولة الإسلامية على أسس دينية محضة، إلى درجة تختفي فيها الملامح المدنية للسلطة السياسية، بحيث يعطي المرجعية الدينية أو الحاكم الشرعي الدور الكبير في تحديد الأحزاب والفعاليات السياسية المسموح بها، ويرى ضرورة نقل العاصمة من بغداد إلى النجف، وقيام الحوزة العلمية بالدور القيادي في الحياة السياسية في العراق، وقد صرّح هو وأتباعه أكثر من مرة مطالبين الرجال بإطلاق اللحى، والنساء بارتداء الحجاب الشرعي، وانتقد بشدة الديمقراطية والحريات في الولايات المتحدة، مؤكدا على التمايز والاختلاف بين النموذج السياسي والإسلامي والنموذج الغربي. (انظر المقابلات والتصريحات الخاصة به والتي توثق المواقف والأفكار السابقة: موقعه على شبكة الإنترنت(www.alsader.com).

والمشكلة لا تنبع هنا من رؤيته لتمايز النموذج الإسلامي عن النموذج الغربي، وإنما تنبع من ملحوظتين رئيستين:

1ـ عدم قدرته على الانعتاق من الرؤية الشيعية الطائفية إلى دائرة التفكير الإسلامي العام، الذي يتجاوز كثيرا من مساحات الاختلاف بين الفئات الإسلامية، وبالتالي فإن تصوره للدولة الإسلامية هو تصور متلبس بالمفاهيم الشيعية المحضة، بل ورؤى اجتهادية خاصة، فهو وإن كان يتحدث عن الدولة الإسلامية فإنه يفكر من زاوية طائفية، وينظر بعين شيعية.

2ـ المثالية والطوباوية التي تسيطر على تفكيره السياسي، بحيث يتضح من ثنايا تصريحاته ومواقفه السياسية وجود درجة من النقاء الأيدلوجي إلى المرحلة التي تصل إلى عدم الاعتراف بالتعدد والاختلاف داخل المجتمع العراقي والطوائف الشيعية المختلفة، وتختزل تعقيدات الواقع وتبتعد عن منطق المرحلية والتدرج في التحول السياسي والتغيير الاجتماعي. ويتضح من مناقشته لأعضاء مجلس الحكم العراقي، أثناء زيارتهم له أن هناك مسافة كبيرة تفصل بين منطقه الديني في التعامل مع الشأن السياسي، ومنطق الطوائف الأخرى، ومن ذلك مجلس قيادة الثورة، والذي يمتلك خطابا سياسيا أنضج وأكثر انفتاحا، وإن كان موقف الصدر من الاحتلال أوضح من موقف المجلس (انظر توثيق الزيارة على موقع www.alsader.com).

ويمكن المقارنة في هذا المجال بين تجربة طالبان الدينية وبين تجربة الصدر مع الفارق العقائدي، إذ تميزت التجربتان بالنقاء الأيدلوجي وضحالة الخبرة السياسية، وانطلقت كلا التجربتين من خلال المؤسسة الدينية وبالتحديد مراكز التدريس الشرعي.

كما يتضح من مواقفه سعيه إلى قيادة الطائفة الشيعية في العراق والحوزة العلمية، والعمل على إبقاء استقلال شيعة العراق عن إيران، بل والسعي إلى إعادة مركز القيادة الشيعية العالمية من قم إلى النجف. وهو المشروع الذي ورثه عن والده الصدر الثاني. من هنا فإنه كثيرا ما ينتقد القوى الشيعية الأخرى على اعتبار أنها ذراع إيران في العراق.

ويبدو مركز قوة الصدر ونفوذه داخل الشيعة من تغلغل حوزته الناطقة في وسط الشيعة الفقراء والذين يعانون من مشاكل اقتصادية كبيرة كالبطالة والحرمان والظروف المعيشية السيئة وضعف البنية التحتية في أحيائهم ومدنهم ـ كما هو الحال في مدينة الصدر ـ، في حين يبدو مصدر ثقل وقوة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في الطبقة الوسطى الشيعية.

ويسود علاقته بالسنة شيء من الاضطراب، ففي الوقت الذي يوجد لديه أنصار ومريدين من السنة، ويؤكد في كثير من خطاباته ولقاءاته على ضرورة الوحدة الدينية وتوحيد السنة والشيعة ضد الاحتلال، فإن أتباعه يقومون بالسيطرة على الكثير من مساجد السنة بحجة أنها كانت مساجد شيعة. ويبدو أن سيطرة النزعة المذهبية على تفكير الصدر وطموحه بقيادة الشيعة العراقيين، يشكل عائق أمام تحول الصدر إلى قائد وطني أو ديني يمثل كل العراقيين وليس الشيعة فقط، من هنا يبدو من الصعوبة بمكان تلبية طموحه بأن يكون "خميني العراق" نظرا لاختلاف الحالة العراقية وتعقيداتها مقارنة بالحالة الإيرانية، وكذلك لتباين الشروط التاريخية لكلا التجربتين.

قد يتمكن أنصار السيد الصدر من تحصيل مكاسب سياسية متعددة من الانتخابات المتوقعة القادمة، وفي إطار عملية التحول السياسي لكنهم يفتقدون إلى رؤية سياسية عملية وإلى الخبرة اللازمة للتعامل مع تعقيدات المعادلة العراقية وتشابك مفرداتها.. وبالضرورة فإن مشروع الثورة شيء ومشروع السلطة شيء أخر. 

_______________________

جريدة الغد - 10/2004