Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

علي حسين باكير

الكاتب : علي حسين باكير ..

حزب الله تحت المجهر
علي حسين باكير


حزب الله..إيران و إسرائيل

إعادة صياغة وتحليل الأحداث وفق الرؤية الشمولية الجامعة

بقلم

علي حسين باكير

(باحث في العلاقات الدولية)

٢

٣

تقديم مجلة الراصد

رغم كثرة الأبحاث والدراسات والمقالات التي تناولت موضوع حزب

الله ، إلا أن هذا الموضوع لا يزال بحاجة لكثير من الدراسات

والأبحاث الجادة التي تقدم المعلومة الصحيحة في السياق الصحيح !!

وذلك أن غالب ما كتب عن حزب الله لا يخرج عن كونه أحد ثلاثة

احتمالات :

١- كتابة عاطفية مؤيدة للحزب سواء من كوادره ومؤسساته أو

مناصريه الكثر على تنوع مشاربهم من الشيعة و السنة إلى

فلول اليسار والعلمانية .

٢- كتابة من منطلق سياسي بحت ، تغفل الجانب العقدي والديني

للحزب ، وقد تكون مؤيدة أو نقدية .

٣- كتابة تحذيرية من الحزب من منطلق شرعي وعقدي صحيح ،

لكن مع قصور في الجانب السياسي والواقعي .

ويأتي اختيار الراصد لنشر هذا البحث لكونه جمع بين الجانبين الديني

والعقدي للحزب مع تحليل سياسي علمي شامل لسياسة وحركة

الحزب، لا ندعي الكمال والصحة المطلقة لنتائج هذا البحث ، لكن

نؤكد أنه قدم الكثير من المعلومات المهمة والكثير من النتائج الجديدة

على الباحثين في شؤون حزب الله .

٤

ومع ذلك لا يزال هناك الكثير مما يحتاج إلى دراسة وبحث حول

حزب الله ، نأمل أن نتمكن من تقديم الجديد والمفيد فيها ، وذلك نصحًا

لأمة الإسلام ونصرة للحق وأهله .

مجلة الراصد

٥

مقدمة

يعتبر موضوع "حزب الله" والمشروع الإقليمي الإيراني من المواضيع

الساخنة التي تجري نقاشات عنيفة وحادة حولها اليوم في العالم العربي

والإسلامي.

ومن الملاحظ أيضًا أن صورة "حزب الله" وإيران تثير لغطًا كبيرًا بين

الناس؛ فمنهم من لا يعرف شيئًا، ومنهم من اّتبع هواه وعاطفته، و منهم من اّتخذ

موقفًا مضادًا لهما دون الإطلاع على أي من خلفياتهما، ومنهم من أيدهما لمجرد

حادثة أو واقعه معينة ، وفيهم من فعل ذلك عن جهل و فيهم من فعل ذلك عن

قصد، والأمور تختلف باختلاف خلفيات الناس وثقافتهم ومدى اطلاعهم على

خصوصية الحزب وحقيقته وعلى المشروع الإيراني و دور الحزب فيه.

ويه  منا أن نقول إن هذه الدراسة تهدف إلى التركيز على حزب الله اللبناني

بالدرجة الأولى على أن تناول طبيعة دور حزب الله في:

١- المشروع الإقليمي الإيراني.

٢- القواعد التي تحكم العلاقة بين حزب الله و إسرائيل.

٣- موقف الحزب من مشاريع المقاومة الإسلامية الأخرى.

٤- حرب تموز ٢٠٠٦ و تداعياتها.

على أن تتم إعادة صياغة و تحليل الأحداث وفق الرؤية الشمولية الجامعة،

وهي عبارة عن أطروحة ورؤية قابلة للنقاش والأخذ والرد ولا ندعي عصمتها

مع تأكيدنا على كل ما ورد فيها والذي سنترك للتاريخ الحكم على ص  حته أو

عدمه.

٦

كما ونؤ ّ كد أيضا خلال تناولنا لمسيرة حزب الله و دوره و علاقته مع

إيران، إن هذا البحث لا يصلح مع:

١- من هو مقتنع بنظرته الخاصة عن حزب الله و لا يقبل مراجعتها أو

نقاشها.

٢- من يعتمد التحليل المجتزأ للأحداث و الذي يركز على أجزاء صغيرة

متباعدة زمنيًا.

٣- من يصر على فصل الأحداث والسياق العام للحزب وعلاقاته وأدواره

الخارجية.

٤- من هو غير م ّ طلع نهائيًا على أي من مصادر حزب الله نفسه من كتب

ودراسات وتصريحات وعقيدة في سياقها الطبيعي.

٥- من يريد أن يرى حزب الله من خلال ما يعتقد عنه (أي الأهواء) وليس من

خلال ما يتم برهانه بالعقل والمنطق والنص وبالأدلة القطعية.

وعليه، فا  ن البحث يحتوي على مقدمة وأربعة أقسام تليها خاتمة.

- القسم الأول بعنوان: "علاقة حزب الله بالمشروع الإيراني"، وفيه نعرض

لطبيعة المشروع الإقليمي الإيراني ودور حزب الله اللبناني في هذا الإطار

وارتباطه بالولي الفقيه من الناحية الشرعية و السياسية.

- القسم الثاني بعنوان: "حزب الله و الكيان الصهيوني"، و فيه نعرض و

نناقش لحقيقة موقف الحزب من إسرائيل منذ إنشائه في العام ١٩٨٥ وحتى

اليوم، وذلك عبر التطرق إلى جولات المعارك والاتفاقات الشفهية والخطية التي

. حصلت بين الطرفين وما نتج عنها حتى العام ٢٠٠٦

- القسم الثالث: وهو بعنوان "موقف حزب الله من مشروعات المقاومة

الإسلامية"، و نتناول فيه الموقف الحقيقي لحزب الله من مشروعات المقاومة

الإسلامية المشروعة في العالم الإسلامي ولا سيما في العراق وعلاقته

٧

بالمشروع الإيراني، و علاقة ذلك بالتناقض الحاصل بينه وبين الموقف من

المقاومة الفلسطينية.

- القسم الرابع: وهو بعنوان "حرب تموز ٢٠٠٦ و تداعياتها" وفيها نعرض

بما يتصل والسياق العام للبحث لطبيعة ما جرى في تلك الحرب والتناقضات

الحاصلة فيما يتعلق بإعلان النصر فيها عبر مقاربة النتائج العملية التي تم ّ خضت

عن قرار دولي، والنتائج النظرية التي تمخضت عن إعلان نصر إلهي، للتوصل

إلى تحديد حقيقة الموضوع و غاياته.

وذلك بنا  ء على المخطط التالي:

- مقدمة:

- تمهيد: لماذا التحليل الشمولي و ليس المجتزأ؟!

- القسم الأول: حزب الله و المشروع الإيراني

أولا: ماهية المشروع الإيراني

ثانيا: طبيعة العلاقة بين حزب الله و إيران

١- التبعية الدينية و السياسية للولي الفقيه

٢- إنشاء حزب الله و دوره في المشروع الإيراني

- القسم الثاني: حزب الله و الكيان الصهيوني

. أولا: الفترة الممتدة بين ١٩٨٩ و ٢٠٠٠

ثانيا: الفترة الممتدة بين ٢٠٠٠ و ٢٠٠٦ (ما قبل الحرب الأخيرة).

- القسم الثالث: موقف حزب الله من مشاريع المقاومة الإسلامية الأخرى

أولا: الجبهة الشيشانية.

ثانيا: الجبهة الأفغانية والعراقية.

- القسم الرابع: حرب تموز ٢٠٠٦ و تداعياتها

- خاتمة

٨

٩

تمهيد

لماذا التحليل الشمولي وليس المجتزأ؟! *

من الملاحظ أن غالبية الكتابات، التحليلات، الأبحاث التي تتناول حزب الله

تستند عادة إلى مبدأ التحليل الانتقائي أو المجتزأ، فتظهر هذه الكتابات لتتناول

حدثًا بعينه أو معركة بعينها في مكان وزمان محدد، فتأتي متأثرة بالناحية

العاطفية والنفسية، بالإضافة إلى الزخم الإعلامي بعيدًا عن الموضوعية والسياق

الشمولي. لذلك يجد الكاتب نفسه مضطرًا في كل مرة إلى تغيير وتعديل بل

وحتى "ل  ي" كتاباته باتجاهات متناقضة يناقض بعضها بعضًا في كل حالة نظرًا

للاختلافات الآنية التي تحصل في كل م  رة.

وعليه فإننا نعرض في التمهيد لمخاطر الاعتماد على التحليل المجتزأ في

تناول وتحليل سيرة "حزب الله" وعلاقته بالداخل والخارج، وضرورة الاعتماد

على السياق الشمولي المتسلسل الذي يشكل عماد بحثنا والذي يعطي صورة

أوضح وأدق للأحداث، مستفيدًا من تراكم المعلومات والتجارب بعيدًا عن

العواطف والإعلام الموجه.

• ماهية التحليل الانتقائي و المجتزأ:

التحليل الانتقائي والمجتزأ هو أسلوب يستخدمه العديد من المحللين يقوم

على تقسيم الظواهر أو الأحداث التي يراها المحلل إلى أقسام صغيرة معزولة

عن واقعها العام وعن كليتها وعن المفهوم الشمولي والسياق الذي أتت منه وفيه،

فينظر إلى الأحداث على أن  ها مربعات مفصولة عن بعضها البعض لا علاقة

لأحدها بالآخر ولا علاقة لها بما سبقها و لا بما هو لاحق بها.

* يلزم التنويه هنا أن هذا الفصل سبق نشره في التقرير الإرتيادى الرابع لمجلة البيان .

١٠

وهذا الأسلوب يتيح للمحلل حرية الحركة في تفسير وتحليل هذا الجزء أو

تحميله ما لا يحتمل من معاني ومضامين وذلك عبر إدخال عدد من الأدوات

الغير سوية فيه كالعاطفة أو الأيديولوجية أو الانتماء الحزبي أو المناخ الشعبي

العام و الانفعال الشخصي أو غيرها من الأمور العشوائية و التي تفتقر إلى

مرجع ثابت للقياس. وبما أن معظم المحللين أو كّلهم يسعون لكي يثبتوا للقارئ

أ  ن تحليلهم هو الأسلم والأصوب - إن لم يكن الوحيد السليم والصائب - فا  ن هذا

الأسلوب يتيح لصاحبه إمكانية التلاعب بالأجزاء أو بتفسيرها كما يشاء، فيما لا

يملك صاحب التحليل العقدي أو صاحب التحليل الشمولي هذه المساحة من حرية

التلاعب، ذلك أن هناك ثوابت لا بد له من الرجوع إليها سواء كان تحليله

صحيحًا أو خاطئًا.

ويحمل هذا الأسلوب من التحليل الانتقائي والمجتزأ مصداقية كبيرة على

المستوى القصير الأجل، وتعتبر عملية كشفه من الصعوبة بمكان لأنه يعتمد في

جزء منه على بعض الأدوات الصحيحة التي يتم استعمالها في التحليل السليم

نفسه، بل ويستند في جزء منه أيضا إلى معلومات صحيحة و حقيقية لكي يزيد

من التلبيس على العا  مة.

الهدف الأساسي لهذا النهج والأسلوب، إقناع القارئ بوجهة نظر المحلل

عبر التضليل، والهم الأساسي لدى المحلل في هذا الإطار يكون في توظيف

المشهد المجتزأ في خدمة تحليله والابتعاد بشكل كبير عن المنطق الشمولي أو

النظرة الكلية ليزيد من إقناع الناس بمنطقه.

فعالية هذا الأسلوب تكمن في أّنه صعب الكشف واّنه لا يتم التوصل إلى

نتيجة بشأن صحته أو عدمها إلا بعد فوات الأوان، كما إن المحلل يضطر من

فترة إلى أخرى إلى تغيير تحليله لأن الأحداث القصيرة التي يبني عليها تتغير

و تتبدل بسرعة، وهكذا تتراكم التناقضات إلى أن تنفجر أخيرا بفضيحة كبيرة،

١١

وهكذا يكون المحلل قد وقع في خطأ فادح جدًا إذا لم يكن يعي ماذا يفعل وأهلك

معه أقوامًا. أما إذا كان يفعل ذلك عن قصد فسيعرف الجميع زيف ادعائه و لكن

بعد فوات الأوان و بعد أن يكون القارئ قد بلع الطعم.

• استخدام التحليل المجتزأ و الانتقائي و نماذج عنه:

وهذا الأسلوب أحد أهم الأساليب المّتبعة في وسائل الإعلام الغربية أو في

مراكز صنع الرأي العام وتوجيهه، وهو منتشر عندنا في العالم العربي لدى

المحللين بشكل كبير منهم من يستخدمه عن قصد و منهم عن جهل. ويستخدم

هذا الأسلوب صنفان من الجهات أو المحللين:

الصنف الأول: هو صنف يعجز عن فهم أو تفسير التناقضات التابعة أو

الموجودة في ظاهرة معينة أو منهج معين فيعمل على تجزئة هذه الظاهرة أو

الأحداث المتعلقة بها أو بمنهجها ليسهل له التعليق عليها وتطويعها كما يريد

وبالتالي يشيح بنظر وفكر القارئ عن التناقضات ولا يضطر إلى شرحها أو

تفسيرها وبالتالي كأنها لم تكن.

الصنف الثاني: هو صنف محترف يعرف تمام المعرفة أن القراءة الشمولية

ليست في صالحه كما أن الإحاطة بالموضوع أو بالظاهرة أو بالحدث ولو حتى

قدر المستطاع تض  ر به وبالفكرة التي يعمل على تأكيدها في مقاله أو خطابه أو

نظريته أو ما شابه، فيلجأ بالتالي إلى الاعتماد على الانتقائية التي تخدم مصالحه

ونظريته وتؤ ّ كد تحليله و صحة ما ذهب إليه عند القارئ.

وتكمن خطورة هذا النوع من التحليل في أنه لا ينطلي على العامة أو

الغوغاء فحسب، بل إن هراءه ليطال بطريقة أو بأخرى المثقفين وغيرهم من

رموز الفكر والمجتمع، وذلك لأ  ن هذا التحليل بالأساس وحتى يخدع العامة يجب

أن يكون منسجمًا مع توجهاتهم خا  صة، أولئك الذين لا يملكون مرجعًا ثابتًا

سياسيًا أو دينيًا أو حتى ذاكرة مختزنة من الأحداث يرجعون إليها عند الأزمات

١٢

أو التعقيدات، أما المثقف فهو إما أن يوافق على توجه العامة في هذه الحالة فيفقد

أهميته الشخصية ورأيه الذاتي و نظرته للأمور (كمن ينزل إلى مظاهرة، عندها

سيفقد شخصيته الذاتية وسيندمج مع المتظاهرين بل و سيتصرف وفق الإرادة

الجماعية فيلتغي دوره، وقد يقوم بأعمال أو يوافق على آراء ما كان ليتبناها لو

كان خارج المظاهرة ... حاولوا أن تنزلوا ولو مرة في مظاهرة لكي تختبروا

طبيعة قولي)، وإما أن يعلن اعتراضه على هذا التحليل في وقت يكون فيه

العامة أو الغوغاء غير مستعدين لتقبل مثل هذا النقد و هذا الكلام عن الحقيقة

والشمولية، و سيّتهم هذا المثقف أو المحلل بأنه يسعى للفتنة أو بأنه عميل لطرف

من الأطراف أو سواء ذلك. وعلى الرغم من أّننا نمر في حالة كهذه إلا أنني

سأختار نماذج من الماضي و اترك للمستقبل أن يحكم على حاضرنا:

نموذج أتاتورك:

وفق التحليل المجتزأ و الآني للأحداث كان أتاتورك بط ً لا إسلاميًا ومجاهدًا

عظيمًا وفاتحًا جديدًا يجدد زمن الخلافة ويقيم دعائم الشريعة ويهزم الغرب

وأعوانه من الصليبيين واليهود، وقد انساق لهذا التحليل خلق كبير من الناس

ومن المثقفين مثل أمير الشعراء أحمد شوقي الذي شبهه بخالد بن الوليد ومن ثم

بصلاح الدين، ومعاركه بمعارك الإسلام الكبرى كبدر، وبمنهجه منهج الشرع

فقال في شعره:

الله أكبر كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدد خالد العرب

حذوت حرب الصلاحيين في زمن فيه القتال بلا شرع ولا أدب

يوم كبدر فخيل الحق راقصة على الصعيد وخيل الله في السحب

تحية أيها الغازي وتهنئة بآية الفتح تبقى آية الحقب

الجميع يعرف ماذا فعل أتاتورك بعدها، ونحن لا نشبه أتاتورك بأحد من

عصرنا ولكن نقول: ما سبب هذه المغالطة الكبيرة التي حصلت؟ أليست القراءة

المجتزأة و الانتقائية؟ لو تم الأخذ بالصورة الإجمالية لأتاتورك ومحيطه وبيئته

١٣

لتوصل المحلل إلى حقيقته منذ زمن، ولكن حتى لو فعل ذلك فعرف حقيقته

وقرر البوح بها جهارًا، ماذا سيكون موقف العامة والخاصة منه؟ نتساءل ماذا لو

ص  رح أمير الشعراء في تلك الفترة بعكس ما قاله؟ سيّتهم بأّنه إما إنه يسعى إلى

هدم الخلافة أو إ عميل لدى هذا الطرف أو ذاك.

ونذ ّ كركم إن الحروب التي خاضها أتاتورك كانت حقيقية ولكن العبرة

بالنتيجة النهائية للمشهد المرسوم والهدف منه، وسبب هذا الخطأ الفادح هو أن

العامة كانت ترى في أعمال أتاتورك وحروبه ضد الجيوش الغربية التي هي

أيضًا عدوة للإسلام والعرب والترك انتصارًا لدولة الخلافة وللخليفة، ولم يأخذوا

بنظرية الاحتمالات المتعددة وتضارب الأجندات وكانوا ساذجين جدًا كأولئك

الذين يدافعون عن المشروع الإيراني حاليًا وأدواته بح  جة أ  ن إيران تجابه أمريكا

أو إسرائيل التي هي عدوة للعرب.

١٤

١٥

القسم الاول

حزب الله و المشروع الإيراني

نعرض في هذا الباب لجزء يسير من المشروع الإقليمي الإيراني وعلاقة

حزب الله اللبناني بهذا المشروع والدور الذي يؤديه، على أن يتم تقسيم العلاقة

بين الحزب وإيران منذ فترة إنشائه وحتى اليوم إلى قسمين، نتحدث في القسم

الأول عن العلاقة الدينية والسياسية بين الحزب والولي الفقيه الإيراني، وفي

القسم الثاني عن الدور الذي يقوم به الحزب في إطار المشروع الإيراني.

ماهية المشروع الإيراني

من مّنا لا يعرف ما هي المشاريع الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية

وفيما يس  مى بالشرق الأوسط؟ فتارة الشرق الأوسط الكبير، وتارة الشرق

الأوسط الجديد وم  رة الشرق أوسطية، وم  رة أخرى المتوس ّ طية وإلى ما هنالك من

مشاريع التقسيم والتخريب والهدف واحد وهو السيطرة على المنطقة وثرواتها

ومقدراتها، ولعلي أقول هنا ولا أخفي س  را أ  ن المشاريع الأمريكية تّتسم بالغباء

الشديد وبالبعد عن الواقعية وبسقف مطالب عالي جدًا من الشعوب، وباستخدام

ق  وة خارقة جدًا ترتد سلبيًا على ما تطرحه من مشاريع وتصيب مصداقيتها

بالصميم.

لكن بالمقابل هناك مشروع إقليمي ذو صبغة إمبراطورية قومية يتبلور شيئًا

فشيئًا، والخطير في هذا المشروع أ  ن جل الناس لا تعرف عنه شيئًا و ذلك لأنه

وعلى عكس المشروع الأمريكي يتميز بسرية وكتمان شديدين و يلعب على

التناقضات متخفيًا بعمامة وثوب إسلاميين وهو مشروع يعتمد الذكاء والحنكة

السياسية والدعاية والإعلام والق  وة الناعمة والخشنة - كل في وقته - وبسقف

مطالب معقول في البداية حتى لا يتم التشكيك بنواياه.

١٦

هذا المشروع الجديد القديم هو المشروع الإيراني، وفي هذا السياق من

الضرورة التوضيح أن تخييرنا بين المشروعين الأمريكي أو الإيراني أو زجنا

في أحدهما هو أمر مرفوض جدًا، فنحن نرفض إجبارنا على تبني موقف لصالح

أحدهما دون الآخر. وعليه وكما نر ّ كز ونشرح المشروع الأمريكي و نعريه

ونعري كل من تعاون معه وجند نفسه لخدمته، نجد أنفسنا ملزمين أيضًا وعلى

نفس الوتيرة والمستوى بعرض و تعرية المشروع الإيراني وآلياته وأدواته

وجنوده.

ولكي نقطع الطريق على من يريد أن يصطاد في الماء العكر، نقول بشكل

واضح إن وقوفنا ضد المشروعين لا يعني بأي حال من الأحوال مباركة أنظمتنا

العربية التي يستخدم بعضها نفس لغتنا و لكن على قاعدة كلام حق يراد به

.( باطل( ١

من غير الصحيح القول إن الملك الأردني هو الذي اخترع مسألة الهلال

الشيعي، فقد كان آية الله الخميني هو أول من ص  رح به عمليًا، و هذا ما أدلى به

أول رئيس لجمهورية إيران الإسلامية في عهد الخميني، أبو الحسن بني صدر

الذي نقل في برنامج "زيارة خا  صة" الذي يقدمه سامي كليب على قناة الجزيرة

٢٠٠٠ ، حيث /١/ في حلقة بعنوان: "الثورة الإيرانية وأمريكا والعرب" بتاريخ ١٧

سأله كليب السؤال التالي: هل كان الإمام الخميني يحدثك عن علاقته مع الجوار

العربي، مع دول الخليج؟ وهل كانت لديه أطماع في التقدم عسكريا تجاه هذه

الدول من أجل تصدير الثورة مث ً لا؟

فأجاب أبو الحسن: لم يحدثني بهذا الموضوع، ولكن كان هناك مشروع

آخر، كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، كان

١) أنظر مقالنا: وماذا عن المشروع الشرق أوسطي الإيراني وأدواته؟ علي حسين باكير، )

.٢٠٠٦-٨- صحيفة السياسة الكويتية، ١٨

١٧

هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما يصبح سيدا لهذا

الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج الفارسي للسيطرة على بقية العالم

الإسلامي.

إذًا، هذا المشروع ليس وهمًا نختلقه وليس تضخيمًا نستجلبه كما تفعل

الولايات المّتحدة لغاية خاصة بها. وهو واقع ومشروع قديم .

يعتبر الهلال الشيعي الخطوة الأولى أو الركيزة الأساسية في ارتقاء

المشروع الإيراني لتسيد العالم الإسلامي، لك  ن المشروع تواجهه عوائق كثيرة

أهمها على الإطلاق:

١- الحساسية العربية من العنصر الصفوي- الفارسي.

٢- الحساسية السنية تجاه التشيع الصفوي "التابع للولي الفقيه".

٣- وجود نفوذ أمريكي قوي في المنطقة المفترضة للتغلغل الإيراني.

للتغلب على هذه العقبات اعتمدت إيران طريقتين مختلفتين، الأولى تتعّلق

بمصاعب الاختراق العربي- السّني، والثانية تتعّلق بمشكلة النفوذ الأمريكي

بالمنطقة.

بالنسبة للشق الأول، فقد عمدت إيران إلى اختيار إستراتيجية معاكسة لتلك

التي تعتمدها الولايات المّتحدة في السيطرة على المنطقة.

المشروع الأمريكي في المنطقة يهدف إلى السيطرة على رأس الدولة أو

القيادة السياسية لها على اعتبار أن بإمكان هذه الطبقة السيطرة على شعبها

وبالتالي ضمان التزامها بالمصالح الأمريكية.

أما المشروع الإيراني فهو أكثر دها  ء وديمومة، إذ اّنه يعتمد على اختراق

القاعدة الشعبية في الوطن العربي سواء من الناحية المذهبية أو السياسية أو

الاجتماعية، و من الطبيعي أن الورقة الأولى والأساسية في هذا الاختراق

للأسف هي الورقة الشيعية العربية (المبايعة للولي الفقيه بالدرجة الأولى)، ولكن

بما أن هذه الورقة لا تستطيع التأثير على مجمل القرار في الوطن العربي فإنه

١٨

لا بد من الاستفادة من مكونات المجتمع الأخرى الأكثر عددًا وتأثيرًا، ويتم ذلك

باللعب على أوتار المقدسات التي تلتغي عند حدودها بالنسبة للمواطن العربي

القومية أو السّني المذهب التقسيمات والتساؤلات والتشكيكات والتناقضات، بل

وحتى طعنات الأمس وخدع اليوم( ٢). وهنا بالذات يأتي دور حزب الله اللبناني

في الاختراق، و لا نحتاج إلى كبير جهد لإثبات مدى نجاح الحزب في جر عدد

كبير من العرب و المسلمين باتجاه البوصلة الإيرانية و لو على الصعيد

الإعلامي والدعائي.

أما بالنسبة إلى الشق الثاني فتم ترجيح طرح مشروع مساومة مع الولايات

المّتحدة الأمريكية، يعرف باسم الصفقة الكبرى( ٣) تقوم إيران بموجبه بالتزام عدد

من الشروط الأمريكية على أن تقوم الولايات المّتحدة بدورها بالاعتراف بوضع

إيران "كقوة إقليمية شرعية كبرى"( ٤)، وهو الأمر الذي ما زالت أمريكا ترفضه

على الرغم من الخدمات الجليلة التي قدمتها لها إيران في غزو أفغانستان

.( والعراق( ٥

٢) نفس المرجع السابق. )

٣) قامت إيران في العام ٢٠٠٣ بطرح وثيقة سرية على الولايات المتحدة الأمريكية )

بموافقة علي الخامنئي، يمكن مراجعة مقال المؤرخ الأمريكي جارثر بورتر للإطلاع

بالتفصيل على طبيعة الوثيقة والعرض الإيراني والخدمات الجليلة التي قدمتها إيران

للولايات المّتحدة في غزو أفغانستان والعراق:

Burnt Offering, Gareth Porter, The American Prospect magazine, 6-6-2006.

٤) أنظر أيضا: الصفقة الكبرى: إيران تف  جر المنطقة طائفيًا بين لبنان و العراق، علي )

٢٠٠٦ على الرابط التالي: -١٢- حسين باكير، الإسلام اليوم، ٢٤

www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=72&catid=76&artid=8427

٥) للمزيد أنظر: النفاق الإيراني تجاه العرب والمسلمين. الخليج العربي مؤامرة صهيونية، )

www.islammemo.cc/article1.aspx?id= علي حسين باكير، على الرابط التالي: 4883

١٩

طبيعة العلاقة بين حزب الله و ايران

أولا: التبعية الدينية و السياسة للولي الفقيه:

غالبًا عندما يتم الحديث عن مسألة مبايعة حزب الله وكوادره للولي الفقيه

الإيراني، ما نسمع من الخاصة كالكّتاب المتخصصين أو من الجمهور السني

على حد سواء أ  ن تلك المبايعة تلزم الحزب في الأمور الفقهية فقط دون

السياسية، و إن هذه المبايعة لا تش ّ كل تبعية على الإطلاق و لا تعني عدم

استقلالية الحزب. معتقدين أن هذا التفسير يحل مشكلة التشكيك في كون الحزب

صادقًا في انتمائه وفي نواياه وفي أجندته.

في هذا الطرح – النابع من الهوى والعاطفة - مغالطات إستراتيجية تساهم

عن قصد أو جهل بالتغطية على الصورة الحقيقية للحزب و تبعيته لإيران و

التي لا ينكرها حتى قادة الحزب.

ففي البيان التأسيسي للحزب و الذي جاء بعنوان "من نحن و ما هي

هويتنا؟" في ١٦ شباط ١٩٨٥ ، ع  رف الحزب عن نفسه فقال: "...إننا أبناء أ  مة

حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، و أسست من جديد نواة دولة الإسلام

المركزية في العالم... نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمّثل بالولي الفقيه

الجامع للشرائط و تتجسد حاضرا بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي

.( الخميني دام ظّله مف  جر ثورة المسلمين و باعث نهضتهم المجيدة.."( ٦

يقول الخميني عن الولي الفقيه و صلاحياته: "لو قام الشخص الحائز لهاتين

الخصلتين (أي العلم والعدل) بتأسيس الحكومة تثبت له نفس الولاية التي كانت

ثابتة للرسول الأكرم (ص)، ويجب على جميع الناس إطاعته. فتوهم أن

صلاحيات النبي (ص) في الحكم كانت أكثر من صلاحيات أمير المؤمنين (ع)،

وصلاحيات أمير المؤمنين (ع) أكثر من صلاحيات الفقيه، هو توهم خاطئ

. ٦) راجع: البيان التأسيسي للحزب ١٦ شباط ١٩٨٥ )

٢٠

وباطل. نعم إن فضائل الرسول (ص) بالطبع هي أكثر من فضائل جميع البشر،

لكن كثرة الفضائل المعنوية لا تزيد في صلاحيات الحكم. فنفس الصلاحيات التي

كانت للرسول (ص) والأئمة (ع) في تعبئة الجيوش، وتعيين الولاة والمحافظين،

واستلام الضرائب وصرفها في مصالح المسلمين، قد أعطاها الله تعالى للحكومة

المفترضة هذه الأيام. غاية الأمر لم يعين شخصًا بالخصوص، وإنما أعطاه

.( لعنوان العالم العادل"( ٧

يقول الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله في كتابه "حزب الله،

المنهج .. التجربة .. المستقبل" شارحًا علاقة "المسلم" بالولي الفقيه: "... يحتاج

المسلم المكلف في القسم الأول (أي قسم العبادات والمعاملات) إلى مرجع تقليد

لمعرفة الأحكام الشرعية وضوابطها، وفي القسم الثاني (القسم العام المرتبط

بالأمة ومصالحها وحربها وسلمها وتوجهاتها العامة) إلى قائد هو الولي الفقيه

لتحديد السياسات العامة في حياة الأمة ودور المكلفين العملي في تنفيذ أحكام الشرع

المقدس والسهر على تطبيقها في حياة الأمة. وقد تجتمع المرجعية والولاية في

شخص واحد (...) كما حصل بالنسبة للإمام الخميني مع انتصار الثورة،

.( وللإمام الخامنئي بعد اختياره للولاية"( ٨

وفي سياق شرحه "لارتباط الحزب بالولي الفقيه" يقول: "لا علاقة لموطن

الولي الفقيه بسلطته كما لا علاقة لموطن المرجع بمرجعيته، فالإمام الخميني

كولي على المسلمين، كان يدير الدولة الإسلامية في إيران كمرشد وقائد وموجه

ومشرف على النظام الإسلامي هناك، وكان يحدد التكليف السياسي لعامة

المسلمين في البلدان المختلفة..". هذا "والإرتباط بالولاية، - كما يقول الشيخ نعيم

قاسم – تكليف والتزام يشمل جميع المكلفين، حتى عندما يعودون إلى مرجع

.( ٧) انظر: آية الله الخميني، "الحكومة الإسلامية"، النسخة الالكترونية (ص ٢٤ )

٨) راجع: مقال "السلطة المدنية والاعتقاد بولاية الفقيه المطلقة"، وجيه كوثراني، صحيفة )

.٢٠٠٦-١١- النهار اللبنانية، ٣

٢١

آخر في التقليد، لأن الإمرة في المسيرة الإسلامية العامة للولي الفقيه

.( المتصدي"( ٩

وفي هذا الإطار يو  ضح الشيخ "محمد تقي مصباح يزدي": إن سلطة الولي

الفقيه هي سلطة كلية مطلقة وعا  مة لا فرق بين السياسي و الديني لمن بايعه.

ويطرح في بحث له أيضًا عددًا من التساؤلات في محاولة للإجابة عنها وتقديم

صورة واضحة للقارئ، من بينها التساؤل التالي: "إذا كان هناك فرد أو جماعة

مسلمة تعيش في بلد غير إسلامي (خارج حدود البلد الإسلامي المفترض الذي

يدار بنظام ولاية الفقيه)، فهل يجب عليهم إطاعة الأوامر الحكومية للفقيه

المذكور أم لا؟". وهو سؤال بطبيعة الحال ينطبق على حالة حزب الله في لبنان.

يقول الشيخ يزيدي في جوابه على هذا التساؤل: "إن لهذا السؤال كما يبدو

فرضين؛ الأول هو: إن المسلمين المقيمين خارج البلد الإسلامي بايعوا الولي

الفقيه. والفرض الثاني: أنهم لم يبايعوه .... وفقًا للمبدأ الأول (أي ثبوت الولاية

بالتعيين أو بإذن الإمام المعصوم)، ... يحق لمثل هذا الشخص الولاية على الناس،

ويكون أمره نافذًا على كل مسلم ويجب عليه تنفيذه. إذن فطاعته واجبة أيضًا حتى

على المسلمين المقيمين في الدول غير الإسلامية.

أما في ضوء المبدأ الثاني الذي ينص على توقف ولاية الفقيه على الانتخاب

والبيعة، ... فإن طاعة الولي الفقيه، وفقًا لهذا المبدأ، واجبة أيضًا على المسلم

.( المقيم في البلاد غير الإسلامية، سواء بايع أم لم يبايع"( ١٠

إذا فالشيخ هنا يزيد من الشروط و يقول إن الولي الفقيه في سلطته ملزم

للذين لم يبايعوا أيضًا، فما بالكم في الذين بايعوا كحزب الله؟!

٩) انظر: نفس المرجع السابق، نقلا عن كتاب: حزب الله المنهج ...التجرية...المستقبل، )

. للشيخ نعيم قاسم، ص ٧٥

١٠ ) أنظر دراسة: سلطة الولي الفقيه خارج حدود بلده، الشيخ محمد تقي مصباح يزدي، )

www.icde.net/library/maghalat/ar/011.htm : على الرابط التالي

٢٢

هذا "الحجم من الصلاحيات المنوطة بالولي الفقيه"، تترجم عمليًا برسم

السياسات العامة للأمة الإسلامية جمعاء، أي بتعبير قديم ب "دار الإسلام"

وبتعبير معاصر "العالم الإسلامي"، أما "التفاصيل" فمتروكة للأحزاب الإسلامية

القطرية المرتبطة بالولي الفقيه. ولما كان "حزب الله" لبنانيًا بعناصره وكوادره

وتياراته وأنصاره، فان "التفاصيل" اللبنانية متروكة له. يعالج الشيخ نعيم قاسم

هذا الإشكال في العلاقة بين المستويين بطرح اعتبارين:

- الأول: تطبيق الأحكام الشرعية وعدم القيام بما يخالفها.

- الثاني: الظروف الموضوعية والخصوصيات لكل جماعة أو بلد تؤثر

على دائرة التكليف وساحة الاهتمام.

إذن متروك للحزب المحلي،- وفي حالتنا ل"حزب الله" اللبناني- الإدارة

والمتابعة ومواكبة التفاصيل والجزئيات، والقيام بالإجراءات المناسبة والعمل

السياسي اليومي والحركة الاجتماعية، بل الجهاد ضد المحتل الإسرائيلي

بتفاصيله. وتكون هذه الأمور "من مسؤولية القيادة المنتخبة من كوادر الحزب

بحسب النظام الداخلي والتي تتمثل بالشورى التي يرأسها الأمين العام والتي تحصل

على شرعيتها من الفقيه، فيكون لها من الصلاحيات الواسعة والتفويض ما يساعدها

على القيام بمهامها ضمن هامش ذاتي وخاص ينسجم مع تقدير الشورى للأداء

.( التنفيذي النافع والمفيد لمساحة عملها..."( ١١

لكن من الذي يحدد ما هو هامش التح  رك للحزب ومتى يكون وكيف يكون

ولماذا يكون؟! وإذا كان هناك حرية هامش ضمن إطار نفوذ الولي الفقيه

وإشرافه، فمتى يتدخل؟ ولماذا؟

الإجابة على مثل هذه التساؤلات تتيح للقارئ أن يحكم على مدى استقلالية

الحزب أو تبعيته.

١١ ) راجع: "حزب الله: "المنهج...التجربة...المستقبل"، الشيخ نعيم قاسم، دار الهادي )

. للطباعة و النشرو التوزيع، بيروت، ٢٠٠٢ ، ص ٧٦

٢٣

على سبيل المثال، فان مسألة الانتخابات في أي بلد من البلدان هي مسألة

داخلية يشترك فيها أبناء الشعب في ذلك البلد، وعلى الرغم من ذلك، فقد أثارت

مسألة اشتراك حزب الله في الانتخابات النيابية اللبنانية العام ١٩٩٢ أو عدم

اشتراكه فيها ض  جة كبيرة.

وعلى الرغم من هامش الحرية المتروك للحزب في التصرف بشؤونه

الداخلية و التي تعتبر الانتخابات عنصرًا من عناصرها، إلا أن نائب أمين عام

حزب الله الشيخ نعيم قاسم يؤ ّ كد أن قرار اشتراك الحزب في الانتخابات جاء

بنا  ء على فتوى من الولي الفقيه الإيراني!!

هذا الموضوع استلزم كما يقول الشيخ نعيم قاسم "نقاشًا داخليًا موسعًا"،

فكلفت لجنة من ١٢ عضوًا لنقاش هذا الأمر، وبعد نقاش جملة من

الفرضيات( ١٢ ) ارتأت أكثرية اللجنة ( ١٠ من ١٢ ) أن المشاركة في الانتخابات

تحقق جملة من المصالح التي تر  جح الايجابيات على السلبيات. لكن مشروعية

الاقتراح أو شرعيته لم تأخذ حيز الاقتناع الكامل والتنفيذ إلا بعد "أن استفتي

الولي الفقيه".

يقول الشيخ نعيم قاسم بعد سرده الوقائع: "ثم جرى استفتاء سماحة الولي

الفقيه الإمام الخامنئي (حفظه الله) حول المشروعية في الانتخابات النيابية بعد تقديم

اقتراح اللجنة، فأجاز وأيد. عندها حسمت المشاركة في الانتخابات النيابية ودخل

.( المشروع في برنامج وآلية الحزب..."( ١٣

فباستطاعتكم أن تحكموا مث ً لا إذا لم يجز الولي الفقيه و لم يؤيد اشتراك

الحزب؟ ألم يكن الحزب سيلتزم أيضا بهذه الفتوى بناء على العلاقة التي

شرحناها بين الولي الفقيه والمكّلفين أو المبايعين!! في هذه الحالة لمن يكون

القرار ومن هو المستقل ومن هو التابع؟! فإذا كانت مسألة اشتراك الحزب أو

.(٢٧٣- ١٢ ) نفس المرجع السابق، (ص ٢٦٧ )

.( ١٣ ) نفس المرجع السابق، (ص ٢٧٣ )

٢٤

عدمه في الانتخابات تحتاج إلى فتوى من الولي الفقيه، فما هو حال المسائل

الجسام السياسية و العسكرية و التي لها انعكاسات إقليمية و دولية على أداء

الحزب؟! هل هي تتم بتصرف ذاتي من الحزب أم بنا  ء على توجيهات الولي

الفقيه وضمن إطارها العام حيث تكون الإستراتيجية له والتكتيك للحزب، وحينما

تستشعر الأطراف أن التكتيك قد يؤدي إلى الإضرار بالإستراتيجية يصدر الأ  ول

أمره المباشر سواء عبر فتوى أو عبر توصية و يقوم الحزب بالتنفيذ.

مثال آخر على مدى سلطة و صلاحية الولي الفقيه حتى في لبنان:

فالانتخابات شأن داخلي، وعلى الرغم من ذلك كما رأينا فقد كان دور الولي

الفقيه حاسمًا في المسألة. المثال هذه الم  رة يتعّلق بالشأن الاجتماعي الداخلي

، ( اللبناني الصرف. فقبل حوالي تسعة أعوام ( في ١٤ تشرين الثاني ١٩٩٧

وبعد أسابيع قليلة على إعلان ما س  مي "ثورة الجياع" من قبل الشيخ صبحي

الطفيلي، تحدث الأمين لحزب الله السيد حسن نصرالله في صالون سميح الصلح

السياسي في بيروت، وقال ردًا على سؤال: ماذا عن العصيان والنزول إلى

الشارع؟ (تعقيبًا على تهديد الشيخ الطفيلي بالعصيان المدني): "إن العصيان غير

مقبول بالمعنى الشرعي، بل أن حفظ النظام العام واجب وعدم الالتزام بالقوانين

يرّتب مفاسد كبيرة على أوضاع الناس وشؤونهم الحياتية وهناك حالة واحدة

يجوز فيها العصيان هي عندما تصبح المفسدة كبيرة إلى الحد الذي لا يوجد فيها

.( حل آخر وهذا يحتاج إلى إذن من الول  ي الفقيه"( ١٤

هذه هي الآلية، فمسألة الانتخابات في لبنان يتصدى لها الولي الفقيه

الإيراني، ومسألة العصيان في لبنان يتصدى لها الولي الفقيه الإيراني، ولاحظوا

معي إن هذه المسائل ورغم صلاحية و سلطة الحزب بالتصرف بالأمور الداخلية

ضمن المنظور العام للولي الفقيه كما سبق وذكرنا، إلا أن هذا القدر من

. ١٤ ) انظر: صحيفة "المستقبل"، الأربعاء ٢٩ تشرين ثاني ٢٠٠٦ ، العدد ٢٤٦٠ ، ص ٤ )

٢٥

التفويض لم يتح للحزب حسم مسائل صغيرة – مقارنة بالأعمال ذات الأبعاد

الإقليمية و الدولية - بقدراته الذاتية وعبر قادته وكوادره، إنما تطلب الأمر

تدخل الولي الفقيه. فالكلمة الفصل كانت للولي الفقيه الإيراني ولم تكن مث ً لا لنائبه

أو وكيله في لبنان أو ممثل حزب الله أو أمينه العام اللبناني!!

أمام هذه المعطيات، لنا أن نتصور تصدي الولي الفقيه لأمور مثل العلاقة

مع أهل السّنة والموقف من إسرائيل والجبهة على الشمال واّتفاقات الهدنة

وقرارات خوض الحرب والسلم والمفاوضات والتوازنات الداخلية. ولنا أن

نتساءل كم من المرات استفتي الولي الفقيه منذ إنشاء الحزب؟ وما هي الأحداث

والمناسبات والمواقف التي استفتي فيها الفقيه حتى يومنا هذا؟ وماذا كانت

توجيهاته ؟ وماذا إذا اصطدم توجه الولي الفقيه مع مصلحة الدولة اللبنانية،

فأيهما سيختار الحزب و لمن سيكون الولاء والطاعة؟ على الرغم من أن

الجواب واضح عمليا من خلال ممارسات حزب الله خاصة بعد الخروج

السوري من لبنان والذي كان يعمل على تطويع مصلحة البلد بأكمله - أي لبنان

- ليجعلها تتماشى مع مصلحة الولي الفقيه فلا يظهر التناقض ولا يضطر

الحزب ليكون في هذا المأزق، إلا أننا سنستعين بما يقوله قادة الحزب أنفسهم

بشان هكذا قضية.

يقول السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله داعمًا لمرجعية الولي

الفقيه: "في مسيرتنا الإلهية نحن قوم نؤدي تكليفنا الإلهي والشرعي ، ويحدده لنا

ولي الأمر في خطوطه الكبيرة والعريضة وأحيانًا في التفاصيل ونحن علينا أن نؤدي

.( هذا التكليف الإلهي الشرعي"( ١٥

١٥ ) خطاب عاشوراء، حسن نصرالله، ص ٦٣ . انظر: القائد السيد نصر الله قائده الولي )

الفقيه، "شبكة البتول عليها السلام"، على الرابط التالي:

www.albatoul.net/portal/index.php?show=news&action=article&id=189

٢٦

بطبيعة الحال التكليف "الإلهي والشرعي" في هذا الكلام المهم الذي يقوله

حسن نصرالله، لا يتعّلق بمسائل مثل الخمس والصلاة والنكاح والفرائض الدينية،

وإذا تو  هم القارئ ذلك فهو تأويل من جانبه لما لا يقبل التأويل. هذا كلام صريح

وواضح يتعّلق بخطوط كبيرة وتفاصيل واستراتيجيات، فأين الاستراتيجيات في

الزواج والخمس والصلاة؟! المقصود هنا السياسة والمصلحة، وهنا يرتبط

السياسي بالديني من خلال الولي الفقيه و التكليف الشرعي.

يعّلق مفتي صور وجبل عامل العلامة السيد علي الأمين على مسألة "إذا

اصطدم توجه الولي الفقيه مع مصلحة الدولة اللبنانية، فأيهما سيختار الحزب؟"

قائلا: "إذا تعارضت نظرية ولاية الفقيه بنظر "حزب الله" مع المصلحة الداخلية، فأنهم

سيقدمونها على المصلحة الوطنية، لأن رأي الفقيه حكم مطاع ... لديهم هامش

وطني يعطى بمقدار ما ينسجم مع مصلحة ولاية الفقيه. كانوا يقولون دائمًا، وحتى

بعضهم عندما وقعت خلافات في الجنوب، فليذهب الجنوب وتبقى الجمهورية

الإسلامية في إيران، والآن يمكن أن يقول البعض فليذهب لبنان ولتبق الجمهورية

.( الإسلامية"( ١٦

ثانيًا: إنشاء حزب الله و دوره في خدمة المشروع الإيراني:

في هذا الإطار سنطرح لكم لماذا اهّتمت إيران بإنشاء حزب الله اللبناني في

ضوء ارتباطه بالولي الفقيه وما هي الأهداف الأساسية والرئيسية من وراء

دعمه وما هو الدور الذي يؤديه الحزب في خدمه إيران و مشروعها.

لقد جاءت ولادة الحزب في ظروف حروب خارجية وداخلية عنيفة شهدها

لبنان، وقد كان لإيران الدور الأبرز في ولادة الحزب إثر انتهاء دور حركة أمل

الشيعية التي كانت مصالحها في الفترة الأخيرة من تلك المرحلة مرتبطة بالخ ّ طة

الإسرائيلية بتصفية الوجود الفلسطيني في لبنان. فعلى سبيل المثال، نقلت وكالة

١٩٨٢ م أن القوات الصهيونية التي -٧ - رويتر في تقرير لها من النبطية في ١

. ١٦ ) صحيفة المستقبل اللبنانية، العدد ٢٣٨٦ ، الخميس ١٣ أيلول ٢٠٠٦ ، ص ٥ )

٢٧

احتلت البلدة سمحت لمنظمة (أمل) بأن تحتفظ بالمليشيات الخاصة التابعة لها،

وبحمل جميع ما لديها من أسلحة. وصرح أحد قادة مليشيا منظمة (أمل) ويدعى

.( حسن مصطفى (أن هذه الأسلحة ستستخدم في الدفاع عنا ضد الفلسطينيين)( ١٧

مثال آخر أكثر وضوحًا ونحتاج لأن نر ّ كز عليه جيدًا لأننا سنتناول

مضمونه في حديثنا في الباب الثاني من البحث عن دور حزب الله بالنسبة

لإسرائيل، فقد قالت صحيفة (الجروزاليم بوست) في عددها الصادر بتاريخ ٢٣

مايو ١٩٨٥ م: "إنه لا ينبغي تجاهل تلاقي مصالح أمل وإسرائيل، التي تقوم على

أساس الرغبة المشتركة في الحفاظ على منطقة جنوب لبنان وجعلها منطقة آمنة

خالية من أي هجمات ضد إسرائيل. إن إسرائيل ترددت حتى الآن في تسليم أمل

مهمة الحفاظ على الأمن والقانون على الحدود بين فلسطين ولبنان، وإن الوقت

.( حان لأن تعهد إسرائيل إلى أمل بهذه المهمة"( ١٨

و نقلت وكالة الأنباء في ٦ يونيو ١٩٨٥ م عن رئيس الاستخبارات

العسكرية اليهودية (أهود براك) قوله: "إنه على ثقة تامة من أن "أمل" ستكون

الجبهة الوحيدة المهيمنة في منطقة الجنوب اللبناني، وأنها ستمنع رجال

المنظمات والقوى الوطنية اللبنانية من التواجد في الجنوب والعمل ضد الأهداف

.( الإِسرائيلية"( ١٩

بالإضافة إلى ذلك، فقد كان الخط السياسي لحركة أمل تابعًا لسوريا م  ما لا

يترك مجا ً لا لإيران لإملاء السياسات المناسبة عليها، أعقب ذلك تو  رط حركة

أمل في مجازر كبيرة في حق الفلسطينيين في لبنان الذين كان البعض يعتبرهم

جيش السّنة في لبنان، و لم تعد حركة أمل بشّقها السياسي أو العسكري بقادرة

١٧ ) للاستزادة راجع كتاب: عبدالله الغريب، "أمل و"المخيمات الفلسطينية"، النسخة )

الالكترونية.

١٨ ) نفس المرجع السابق. )

١٩ ) نفس المرجع السابق. )

٢٨

على ترويج الخط الإيراني، فكان لا بد من إنشاء حزب آخر ينقل إيران إلى

المنطقة ويربطها بالقضية الفلسطينية ويسمح لها بموطئ قدم ويجعلها على صلة

مباشرة بالأحداث، فكان أن تم إنشاء حزب الله من عناصر كانوا تابعين لحركة

أمل أص ً لا؛ أبرزهم على الإطلاق المسئول عن مكتب حركة أمل في إيران في

ذلك الوقت السيد إبراهيم أمين السيد الذي أصبح لاحقًا أحد البارزين في "حزب

الله"( ٢٠ )، بالإضافة إلى غيرهم من الشيعة ممن ارتضى أن يكون الولي الفقيه

مرجعه وقائده. "ومنذ ذلك الوقت تكرست القطيعة الآنية بين "حركة أمل" والثورة

الإسلامية في إيران، وأخذت إيران تنسق على الساحة اللبنانية مع "حزب الله"

ورجال الدين العاملين وبعض المؤسسات الأخرى مثل "أسرة التآخي" التي

.( يرعاها السيد محمد حسين فضل الله"( ٢١

ففي البيان التأسيسي لحزب الله والذي جاء بعنوان "من نحن؟ وما هي

هويتنا؟" في ٦ شباط ١٩٨٥ ، ع  رف الحزب عن نفسه فقال: "...إننا أبناء أ  مة

حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام

المركزية في العالم ... نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمّثل بالولي الفقيه

الجامع للشرائط و تتجسد حاضرا بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي

الخميني دام ظّله مف  جر ثورة المسلمين و باعث نهضتهم المجيدة..". وقد عبر

إبراهيم الأمين (قيادي في الحزب) عن هذا التو  جه عام ١٩٨٧ فقال: "نحن لا

.( نقول إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران"( ٢٢

فيما يقول حبيب فياض: "ويمكن القول إن تجربة المقاومة الإسلامية قد

ولدت من رحم تجربة الإمام الخميني في قيادة الثورة الإسلامية قبل الإنتصار

٢٠ ) نهاد حشيشو، "الأحزاب في لبنان"، مركز الدراسات الاستراتيجية و البحوث والتوثيق، )

.( بيروت، ط ١٩٩٨ ،١ ، (ص ٣٢

.( ٢١ ) نفس المرجع السابق، (ص ٣٣ )

.١٩٨٧-٣- ٢٢ ) صحيفة "النهار" اللبنانية، ٥ )

٢٩

وبعده، وإن المقاومة بين التجربتين تتجاوز الإطار التحالفي التقليدي الذي قد

يحكم العلاقة بين الثورات والحركات التحررية المرتبطة بها، وتتوغل  العلاقة

بين التجربتين  في عمق التاريخ والعقيدة والهوية، وتتجلى على نحو ما يربط

.( الجزء بالكل والفرع بالأصل والمقدمة بالنتيجة"( ٢٣

على أية حال عملت إيران على الاهتمام بالحزب اهتمامًا كبيرًا وعلى

تنصيع سيرته والحرص على مثاليتها للإستفادة منها فيما بعد، وتكّفلت إيران

بالدعم المالي للحزب الذي كان العامل الأول في اجتذاب المقاتلين إلى صفوفه.

وجاء في كتاب "الحروب السرية": "بلغت الأجرة الشهرية للمقاتل خمسة

آلاف ليرة لبنانية، وهي أعلى أجرة تقاضاها مقاتل في لبنان عام ١٩٨٦ ، لدرجة

أن مقاتلي "أمل" راحوا بهدف الكسب يهجرون صفوف الحركة للانخراط في

حزب الله". ولكم أن تتخيلوا تأثير هذه القيمة من الأموال عندما توزع على

.( أصحاب أقل دخ ً لا على الإطلاق في لبنان وهم الطبقة الشيعية آنذاك!!( ٢٤

وظهر فيما بعد أن هناك توزيعًا للأدوار الشيعية في لبنان، ففيما تقوم "أمل"

بتمثيل الشيعة سياسيًا والحفاظ على حقوقهم، يتولى حزب الله الأعمال العسكرية

بعيدًا عن السياسة والشؤون الداخلية. ويؤكد ذلك ما ذكره نائب الأمين العام

لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حين قال: "إن العديد ممن التحقوا بالحزب تكاملوا

.( معه، و لم يكن الهدف الأخذ من جمهور "أمل" و إيجاد شرخ معها..."( ٢٥

إذا "التكامل" هو الهدف كما ص  رح الشيخ نعيم قاسم، ومنعا من التطاحن

على المغانم و المكاسب الداخلية وخوفا من تش  وه صورة الحزب وعدم الإستفادة

٢٣ ) أنظرمقال: "تجربة المقاومة الإسلامية على ضوء ثورة الإمام الخميني"، حبيبي فياض، )

http://alwelayah.net : دار الولاية للثقافة والاعلام على الرابط التالي

٢٤ ) انظر: "رؤية في حاضر ومستقبل حزب الله اللبناني"، علي حسين باكير، مجلة البيان، )

. العدد ٢٢٣ ، يناير ٢٠٠٦ ، ص ٧٤

.١٩٩٣-١- ٢٥ ) صحيفة "السفير" اللبنانية، ١٢ )

٣٠

منها فيما بعد، قامت إيران بالتكّفل بجميع احتياجات الحزب المالية والتي بلغت

عام ١٩٩٠ بثلاثة ملايين دولار ونصف المليون حسب بعض التقديرات،

وخمسين مليون عام ١٩٩١ ، وُقدِّرت بمائة وعشرين مليونًا في ١٩٩٢ ، ومائة

وستين في عام ١٩٩٣ ، وتشير بعض المصادر إلى ارتفاع ميزانية "حزب الله"

في عهد رافسنجاني إلى ٢٨٠ مليون دولار. هذه الميزانية الكبيرة جعلت الحزب

.( يهتم فقط بالدور المنوط به دون الّتدخل في نزاعات داخلية ضيقة( ٢٦

من الطبيعي أن يكون للدور المناط بالحزب وجه لبناني، بل من الأصح

القول إن ضرورة توّفر وجه لبناني لدور الحزب هو الذي يضمن له استمرارية

العمل في البيئة اللبنانية وبالتالي إفادة الأجندة الإيرانية قدر الإمكان، ذلك أن

العمل وفق المصلحة الإيرانية الخالصة دون أن يكون هناك وجه مصلحة لبنانية

يؤدي إلى التضييق على الحزب الذي يصبح معزو ً لا من قبل اللبنانيين الناقمين

عليه، ولذلك فإن المتابع لدور الحزب من بدايته وصو ً لا إلى اليوم يرى أن

الحزب يغير - كما سبق وذكرنا - التكتيكات القصيرة الأجل لديه بشكل سريع

و كثيف لدرجة التناقض في كثير من الأحيان، لضرورة توفير الوجه اللبناني في

إطار دوره.

و بنا  ء على ما سبق وتقدم، نستطيع أن نقول إن الأهداف من إنشاء حزب

الله اللبناني من الوجه الإيراني له شّقان:

- شق داخلي لبناني يتعّلق بطبيعة الحزب و بيئته في لبنان.

- وشق خارجي يتعلق بولاية الفقيه و المشروع الإيراني الإقليمي.

على أن يصب المجهود الكلي في دعم المشروع الإيراني وإستراتيجية

الولي الفقيه مهما كانت الظروف، و هذا أمر واضح في أجندة القادة الإيرانيين

منذ البداية.

٢٦ ) راجع: "نشأة حزب الله و ظهوره"، مفكرة الاسلام على الرابط التالي: )

http://www.islammemo.cc/article1.aspx?id=2579

٣١

يقول حجة الإسلام فخر روحاني - سفير إيران في لبنان - في مقابلة

أجرتها معه صحيفة "إطلاعات" الإيرانية في نهاية الشهر الأول من عام

١٩٨٤ ، عن لبنان:

"لبنان يشبه الآن إيران عام ١٩٧٧ ، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر، فإنه إن

شاء الله سيجيء إلى أحضاننا، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة، وأحد أهم

المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية، فسوف

.( يتبعه الباقون"( ٢٧

وأ ّ كد نفس كلامه هذا في تصريح آخر له يقول فيه: " لبنان يشكل خير أمل

.( لتصدير الثورة الإسلامية"( ٢٨

ويمكن تلخيص هذا الدور الذي يقوم به حزب الله بالنقاط التالية:

أولا: يقوم الحزب بتصدير مفاهيم الثورة الإيرانية بكاّفة مضامينها الدينية

والاجتماعية إلى البيئة اللبنانية وتلتزم إيران مقابل ذلك بجميع الأعباء المالية

والمترتبات التي يتطلبها هذا العمل. وتكون البيئة الشيعية غير التابعة للولي

الفقيه الهدف الأول لهذا الترويج على الصعيد الداخلي وذلك بهدف تحجيم

المراجع الشيعية العربية أو التي تتعارض أجندتها الوطنية مع المشروع الإقليمي

الإيراني ومع القاعدة الشرعية الدينية والاجتماعية للولي الفقيه. ثم يتم الانتقال

إلى الشرائح الأخرى. وعليه يصبح لبنان نموذجًا للدول التي يتواجد فيها أقلية

شيعية كبيرة مثل البحرين أو غيرها.

يقول الأمين العام لحزب الله على سبيل المثال: "لقد أنعم الله علينا بولي أمر

هو رجل فّذ وشخصية استثنائية، فلو فتَّشنا كل حوزاتنا وبلادنا الإسلامية لما وجدنا

فقيهًا من فقهاء الشيعة يجتمع فيه هذا الحشد وهذا المستوى من المواصفات الراقية

التي تجتمع في سماحة القائد الخامنئي حفظه الله كقائد وولي أمر ... إذا أردنا

٢٧ ) نفس المرجع السابق. )

.١٩٨٤-١- ٢٨ ) صحيفة "النهار" اللبنانية، ١١ )

٣٢

الآخرة، فآخرتنا مع ولي أمرنا نائب الحجة (عج)؛ وأزيدكم، إذا أردنا ع  ز الدنيا

.( وشرفها وكرامتها فلن ننالها إلاَّ مع ولي الأمر..."( ٢٩

نستطيع أن نرى بشكل واضح جدًا أن مثل هذا الكلام لا يستهدف السّنة أو

غالبية المسلمين، بل يستهدف الشيعة من غير الموالين أو المبايعين للولي الفقيه،

و فيه دعوة للشيعة من المقلدين للمراجع بتأييد الولي الفقيه الإلتفاف حوله.

يقول أسعد الأسعد* - أحد القيادات السياسية الشيعية اللبنانية- فيما يتعلق

بدور حزب الله في هذه النقطة من ناحية المال: "ونحن الآن نعيش بظل واقع

المال الذي يشتري ضعفاء النفوس، وفي واقع وجود السلاح الذي بمجرد وجوده

في القرى يشكل عامل خوف كبير عند الناس فتضطر للاستجابة بعيدًا عن

قناعاتها ... المال هنا أهم من السلاح بالنسبة لحزب الله، وطالما هناك هذه

الأموال الهائلة التي تأتي من إيران، فلدى حزب الله ٣٧ ألف شخص على قائمة

المعاشات الشهرية....، وهنا يلعب المال دوره ونأسف لذلك، وحتى بعض علماء

الدين إما لا يتجرؤون على البوح بالحقائق أو الأسوأ وهو أنهم انصاعوا لمبدأ

.( المال أيضا"( ٣٠

أما فيما يتعلق بترويج حزب الله للولي الفقيه فيقول: "لقد تربيت بثقافة شيعية

عالية ومنزلنا معروف باحترامه وإجلاله لعلماء الدين وهذا معروف عن آل

الأسعد. لكن الثقافة الشيعية تعرضت للتغيير وحتى علماء الدين تغير سلوكهم من

التقشف إلى مظاهر الفخامة وهذا مؤسف ... فالمرجعية الأساسية كانت دائمًا

٦١ ). عن مقال: "من مواصفات - ٢٩ ) راجع: "خطاب عاشوراء"، حسن نصرالله، (ص ٥٩ )

ولي امر المسلمين آية الله العظمى الامام القائد الخامنئي دام ظله"، حسن نصرالله، دار

الولاية للثقافة والاعلام، على الرابط التالي:

http://alwelayah.net/index.php?f=doc&s=khamenie&r=derasat&id=41

• عائلة الأسعد، عائلة شيعية لها مكانتها التاريخية في لبنان بحيث كانت تتنزعم الطائفة

الشيعية سياسيًا لفترة طويلة خاصة من جهة الاقطاع.

.٢٠٠٦-٩- ٣٠ ) انظر صحيفة "السياسة الكويتية"، ٢٦ )

٣٣

النجف، ومرجعية "ُقم" شيء جديد فرض على الشيعة ... وموضوع ولاية الفقيه هذه

أكبر كذبة وخدعة ... برأيي هناك تحريف وتزوير لتراثنا وتقاليدنا وعلى كل الأصعدة

.( وحتى الإجتماعية منها"( ٣١

ثانيًا: وبالتوازي مع الخطوة الأولى و لكن بحرص أكبر على ضرورة

تحقيقها، يقوم الحزب باستخدام ما يسمى "القوة الناعمة" أو "البرستيج" للترويج

للحزب على نطاق الوطن العربي بأسره كخطوة أولى، وكون الحزب لبنانيًا

والعدو المفترض "إسرائيل" فهذا سيس  هل كثيرًا مهمة إيران في اختراق الشعوب،

كما سبق و ذكرنا، على أن يقوم في الخطوة الثانية بتجيير الفضل والولاء

و"البريستيج" لإيران وللولي الفقيه، فتنتقل القاعدة الجماهيرية التي تؤيده وتتحول

إلى تأييد إيران، وهكذا و بطريقة سلسة وسهلة يكون الحزب قد اخترق القاعدة

العربية لصالح إيران، متفاديًا الحساسيات التي من الممكن أن تنشأ فيما لو توّلت

إيران بنفسها القيام بهذه المهمة بشكل مباشر أو انتهجت أسلوب تصدير الثورة

بشكل مكشوف كما سبق وفعلت في بدايتها.

لذلك نلاحظ بشكل دائم ومستمر حضور "إيران" و"الولي الفقيه" في جميع

كلمات وخطابات قادة ومسؤولي الحزب المو  جهة إعلاميًا.

نعطي مثالا على هذه الحالة من قول الأمين العام حسن نصرالله نفسه: "أيها

الأخوة والأخوات نحن وجميع المسلمين في العالم لدينا ولي أمر، فإذا كانت

أغلبية المسلمين لا يريدون أن يطيعوه فهذه مشكلتهم، وطبعًًا الكثير لم يطيعوا

النبي ولا الإمام المعصوم، ولكن هذا لا يعني أن الإمام ليس إمامًا والنبي ليس

نبيًا، نحن لدينا ولي أمر هو نائب الإمام المهدي(عج)، وأوجب علينا طاعته

ونحن خبرنا هذا الولي والقائد، في طهارته وصفائه وورعه وفي الوقت نفسه

في شجاعته وقوته وحكمته وتدبيره ووعيه؛ فهو يتحدى أميركا والاتحاد

٣١ ) نفس المرجع السابق. )

٣٤

الأوروبي والأساطيل التي تملأ الخليج ... إذ أردنا الآخرة، فآخرتنا مع ولي

أمرنا نائب الحجة (عج)؛ وأزيدكم، إذا أردنا ع  ز الدنيا وشرفها وكرامتها فلن

ننالها إلاَّ مع ولي الأمر، حتى هذه المقاومة الكبيرة التي نعتني بها والتي هي

الشيء الوحيد في هذا العالم العربي الذي نرفع رأسنا به ونعتز به وبوجوده،

لولا رجل اسمه روح الله الموسوي الخميني لما كان لها وجود في لبنان، وبعده

.( لولا رجل اسمه علي الحسيني الخامنئي لما استمرت المقاومة"( ٣٢

نلاحظ في هذه الفقرة كيف اّنه وجه الخطاب إلى غالبية المسلمين "أي السّنة"

فطعنهم بداية، ث  م عاد ليقدم لهم المثال ع  من يجب أن يتبعوه، أي ولي الأمر نائب

الإمام المهدي القائد الطاهر الشجاع الذي يتحدى الأساطيل و الذي أنشأ الشيء

الوحيد الذي يرفع الرأس في العالم العربي!! هذه فقرة نموذجية لطريقة الترويج

للولي الفقيه في الوسط العربي والإسلامي السني وكيف يتم تجيير الدعاية للحزب

لتصب في صالح إيران و الولي الفقيه.

لكن يبدو أن العرب استعصى عليهم فهم الأمر في البداية!! فأراد الأمين

العام أن يفهمهم أن التأييد يجب أن يذهب لإيران وللولي الفقيه تحديدًا، وليس

لشخصه ولا لحزبه، وقد تجلى ذلك بشكل لا يقبل الشك ولا الطعن عندما قام

بتقبيل يد الإمام الخامنئي أمام الشاشات العالمية التي كانت تنقل الحدث.

ففي الجلسة الأولى للمؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة (الذي أقيم في طهران

في نيسان ٢٠٠١ م) والذي تم افتتاحه بكلمة للولي الفقيه مرشد الثورة الإيرانية

علي الخامنئي، وفور انتهائه منها، تن  حى حسن نصراللَّه من مكانه وتو  جه نحو

القائد الولي الفقيه علي الخامنئي، ث  م قبل يده.

يقول رئيس تحرير جريدة "جمهوري إسلامي" مسيح مهاجري الملّقب حجة

الإسلام والمسلمين: بعد يومين، توجه ُ ت للقاء سماحة السيد نصراللَّه حيث

حاورته، وسألته عن السبب الذي دفعه في هكذا جلسة رسمية إلى الانحناء أمام

.(٦١- ٣٢ ) "خطاب عاشوراء"، مرجع سابق، (ص ٥٩ )

٣٥

قائد الثورة وتقبيل يده. فقال لي: "لقد تع  مد ُ ت هذا الأمر ... وسبب ذلك أن وسائل

الإعلام العالمية اعتبرتني هذه السنة "رجل العام"، وفي البلاد العربية أطلقوا عل  ي

عنوان "أكثر قادة العالم العربي نجاحًا"، الأمر الذي لم ي  س  رني. لكن، في هذه الجلسة

المهمة التي حضرها جم  ع من زعماء الحركات الإسلامية والشخصيات السياسية

للدول الإسلامية، وحيث كانت ُتبث وقائع الجلسة مباشرة في دول العالم، أقدم ُ ت على

.( ذلك لأقول لكل الذين يعرفوني: أنا جند  ي قائد الثورة"( ٣٣

هذا كلام صريح وواضح ولا يحتاج إلى تأويل أو تفسير، انظروا كيف أن

الحركات و التصرفات كلها محسوبة ودقيقة، فمن أين سيخطر على ذهن

المشاهد أن هذه الحركة مقصودة!! وعليكم بقياس هذه الحالة على جميع خطب

ورسائل السيد حسن نصرالله وكلماته المو  جهة للإعلام عدا عن قناة "المنار"، إذ

لا شيء عشوائي أو فوضوي، كله مدروس ودقيق و له اهدافه المبطّنة غير تلك

الظاهرة.

لقد أزعج حسن نصرالله ان يتم وصفه ب"أكثر قادة العالم العربي نجاحًا".

نعم، فهو لا يعمل لكي يوصف بذلك، هو يعمل لكي يتم وصف الولي الفقيه

وإيران، لذلك يقول لقد تع  مدت الأمر!! أي أنه أراد تصحيح فهم هؤلاء العرب

الذين لا يزالون يفرقون بينه و بين تبعيته للولي الفقيه.

و لعلّ هذا الترويج الإعلامي لإيران والولي الفقيه لقي قبو ً لا واسعًا ونجاحًا

باهرًا في الوسط العربي والإسلامي، وخير دليل على ذلك، أنه إذا ما أراد

أحدهم كتابة مقال صغير ينتقد فيه أسلوب إيران وطريقة استغلالها لملفات

المنطقة، أو دورها السلبي في العراق وأفغانستان مث ً لا، تجد الانتقادات تنهال

عليه من كل حدب و صوب... كيف تنتقد إيران التي تدعم حزب الله!!

٢٠٠٥ . شبكة والفجر الثقافية، نق ً لا عن -٦- ٣٣ ) قائد جندي القائد، مجلة بقية الله، ٢٨ )

www.walfajr.net/artc.php?id= مجلة بقية الله الشيعية على الرابط التالي: 663

٣٦

ولا أغالي إن قلت إن الحزب ككل بجميع أذرعه العسكرية والسياسية

والاجتماعية ومؤسساته وكوادره وقياداته عبارة عن مؤسسة إعلامية ودعائية

ضخمة وهائلة وقد تكون من أنجح المؤسسات الدعائية في العالم على الإطلاق.

والاستثمار المالي والمادي والمعنوي والديني الإيراني في هذه المؤسسة الدعائية

هو خيار صائب لها، بل هو الخيار الناجح في نقل الثورة الإسلامية إلى الخارج

وفي اختراقها للقاعدة الشعبية الإقليمية. إذ تقوم هذه المؤسسة باستخدام الخطاب

المم  وه للوصول إلى الأهداف دون أن يتم إثارة الموضوع بشكل صدامي، بل

بكل هدوء وروية.

يقول آية الله الخميني متحدثًا عن أهمية العمل الدعائي والإعلامي في إسقاط

الخصم أو اختراقه: "...ويعتبر العمل الدعائي أول أنشطتنا في هذا الطريق، أي

الحكومة الإسلامية، فيجب أن نتقدم من خلال العمل الإعلامي، ففي جميع أنحاء

العالم كان الأمر كذلك على الدوام. إذ يلتقي عدة أشخاص ويفكرون في الأمر،

ثم يقررون ويقومون بعد ذلك بالعمل الدعائي، فيزدادون شيئًا فشيئًا، إلى أن

ينتهي الأمر بأن يصيروا قوة نافذة في حكومة كبيرة - أو يحاربونها - ومن ثم

.( يسقطونها"( ٣٤

"لا نهاية لتأثير وسائل الإعلام، وإن إصابتها كالقذيفة تمامًا، فاستخدِ  مها لتحقق

.( أهدافك"( ٣٥

الصورة المرسومة والمغروسة في أذهان الناس عن "حزب الله" لم يكن لها

أن تنطبع بهذه الحدة والقوة لولا الجهد الإعلامي والدعائي الضخم وطبيعة

الحزب الدعائية من أساسها كم ذكرنا. ولا شك أن الوسائل الإعلامية هذه تعمل

في ترويج "كل" الحزب: عقائده، أفكاره، سياسته، أفراده، وفي غالب الأحيان

. ٣٤ ) راجع كتاب: الحكومة الاسلامية، مرجع سابق،ص ٧٩ )

٣٥ ) البند رقم ١١ من مبادئ القتال لدى حزب الله، أنظر كتاب: حقيقة المقاومة، عبدالمنعم )

شفيق، النسخة الالكترونية.

٣٧

يكون هذا الترويج مصحوبًا بمساحيق وأدوات تجميل، فلا يظهر من الحزب

وعقيدته وتوجهه إلا ما هو حسن أو "  م  ح  سن"، كما سعى الحزب إلى غزو

الوسائل الإعلامية العامة غير التابعة له، من محطات فضائية وصحف ومجلات

ودوريات، ... يقول وضاح شرارة في هذا الإطار: "تتوسل الحركة الخمينية إلى

.( الدعوة والتعبئة بنشاط إعلامي كثيف ومنظم"( ٣٦

الخداع الذي يمارس من قبل حزب الله على نطاق واسع احد أهم أسباب

نجاحه هو جهل "الآخر" بالطرق الصحيحة للحكم على الأمور. فعندما تريد أن

تحكم على أمر لا بد وأن تقرأ عنه ومن الأفضل بطبيعة الحال إن تكون القراءة

من المصدر الأساسي نفسه كما هو معروف.

لكننا في الوطن العربي بد ً لا من أن ندرس مث ً لا ظاهرة حزب الله من خلال

الكتابات الخاصة لقادة الحزب والقيمين عليه ومن خلال النزول على الأرض

وتف  حص المنشورات والحسينيات والمجتمع الذي يعيش فيه الحزب، وهل هو

مطابق لما يقوله للعامة أم متناقض معه؛ نقوم بإهمال كل ذلك ونفعل العكس، اذ

ننتظر خطبة للأمين العام لحزب الله أو نفتح قناة "المنار" وننتظر الخبر ثم نقول

ها انظروا إنه حزب غير طائفي وإنه حزب مجاهد وإنه وإنه .... ونقع في الفخ

المنصوب.

فالخطاب عندما يبث الى ملايين الناس يكون خطابًا مدروسًا وهدفه

الأساسي أن يقع مثل هؤلاء المغفلين في هذه الحفرة (مثال تقبيل يد الخامنئي)،

فعندما تفتح تلفزيون المنار لا تتوقع أن يكون هناك طعن بالآخر لا  ن هذه القناة

على سبيل المثال موج  هة للآخر، فكيف سيشاهدها الجمهور الذي تستهدفه إذا

كانت ستطعن به!!

٣٦ ) نفس المرجع السابق. )

٣٨

فالحزب بارع في استخدام الشيء للطعن بضده، فعلى سبيل المثال إذا ما

أراد أحدهم كشف وجه الحزب الطائفي عاجلة الرد "إننا متحالفون مع المقاومة

الفلسطينية السنية، فكيف نكون طائفيين؟!". فهم بهذه الطريقة ينفون عن أنفسهم

الطائفية و يلزمونها للسائل وفي نفس الوقت يحظون بدعاية إعلامية واسعة من

خلال الالتصاق بالمقاومة الفلسطينية.

وقد ص  رح المفتي الجعفري لصور وجبل عامل السيد "علي الأمين" صراحة

دون مواربة، على أن العلاقة بين حزب الله وبين الفلسطينيين وخاصة حماس

(السنية) ليست دليلا قاطعا على عدم طائفية الحزب، فالتحالف سياسي والثقافة

.( على الأرض والقواعد هي ثقافة قريبة من المذهبية"( ٣٧

طبعًا المختصين بشؤون الحزب وطريقة عمل الحزب وبنية التشيع الداخلية

الباطنية، يدركون أهمية سلاح حزب الله الإعلامي والخطابي مع توافر "وحدات

إعلامية خاصة بالتلاعب النفسي" لدى كوادره الإعلامية.

فهذا الشيخ الشيعي حسن الصّفار يقول: "وفي الإطار المذهبي فإن المقاومة لا

تخفي تشيعها، لكنها لا تطرح التشيع من زاويته الحادة، ويمكننا أن نلاحظ هذه

النقطة بجلاء في خطابات أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله - حفظه

الله - حينما يحاضر في ليالي عاشوراء، حيث يعرض قضية أهل البيت عليهم السلام

ويعرض التشيع بشكل يستقطب المسلمين بجميع أطيافهم ومذاهبهم ... وفي

خصوص انتمائها السياسي والفكري، فإن المقاومة تعلن ارتباطها الوثيق بالجمهورية

الإسلامية في إيران، وبالمرجعية والقيادة الدينية فيها، ولكن خطابهم خطاب

وطني...".

ثالثًا: يؤ  من وجود حزب الله بذاته - و كونه مرتبط بإيران إلى هذه

الدرجة- موطئ قدم للسياسة الإيرانية التي تسعى إلى استغلال مسألة "معاداتها

٢٠٠٦ ، على الرابط التالي: -٨- ٣٧ ) انظر مقال: خطاب المقاومة، حسن الصّفار، ٢٠ )

www.saffar.org/?act=artc&id=1020

٣٩

لإسرائيل دون اصطدامها بها" إلى أبعد حدود على الرغم من بعدها الجغرافي،

ويعتبر حزب الله صلة الوصل في الموضوع، ويشكل ورقة عالية للمساومة على

أي وضع من الأوضاع المصيرية التي تتعلق بإيران في أي وقت من الأوقات

على اعتبار أنها تستطيع تفجير الوضع عندما تريد وتهدئته عندما تريد أيضًا.

وخير دليل على ذلك من الواقع، فكّلما تندلع جولة من جولات المناكفة تهب

الأصوات الإقليمية و الدولية للمطالبة بضرورة الاتصال مع إيران بشان

الموضوع!!

تقوم إيران بتأمين السلاح والعتاد الكامل لحزب الله "لمناكفة" إسرائيل و ذلك

ضمن معادلة داخلية محدودة – كما سنشرح في الباب التالي- لا تتجاوز

الحصول على مكاسب سياسية و إعلامية بالدرجة الأولى و ما يأتي بعد ذلك فهو

فائض. والهدف من ذلك أن يلقى حزب الله شهرة كبيرة في العالم الإسلامي تم  هد

الطريق له لتصدير مفاهيم الثورة الإيرانية من تحت البساط ودون أية مشاكل أو

حزازيات، و إعطاء ثقل لإيران في المنطقة العربية و العمل على اختراقها

تمهيدًا للسيطرة عليها في المستقبل، أو استغلال هذه المسألة من أجل فرض

نفسها لاعبًا أساسيًا. بل إن هذا الدور الذي تقوم به إيران عبر حزب الله أصبح

مكشوفا للجميع بما فيهم الإسرائيليون أنفسهم.

في هذا الإطار، يصل أحد أشهر الخبراء في مجال الاستخبارات والباحث

في "مركز جافي للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب" الدكتور "افرايم

كام" في كتاب أّلفه بتكليف من وزارة الدفاع التي أصدرته ونشرته فيما بعد في

العام ٢٠٠٤ ، ويشمل عرضًا لكثير من الوثائق التي ترصد تطور القوة العسكرية

الإيرانية، فض ً لا عن الاستغراق في تحليل الدوافع الكامنة خلف الإستراتيجية

التي تتبعها الجمهورية الإسلامية، وهو يستند إلى ألف ومائتي مرجع ووثيقة،

إلي قناعة مفادها: "إن إيران من ناحية عملية لا تعتبر إسرائيل العدو الأول لها ولا

حتى الأكثر أهمية من بين أعدائها".

٤٠

فبحسب افرايم كام، فإنه "على الرغم من الخطاب السياسي الإيراني

المناكف لإسرائيل إعلاميًا، إلا أن الاعتبارات التي تحكم الإستراتيجية الإيرانية

ترتبط بمصالحها ووضعها في الخليج و ليس بعدائها لإسرائيل، وهي تبدي

.( حساسية كبيرة لما يجري في دول الجوار، وخاصة في العراق"( ٣٨

البحثي الإسرائيلي ليؤكد "omedia" و قد جاء تقرير نشره معهد قيام معهد

فيما بعد على أن استهداف إيران لإسرائيل عبر الخطاب الإعلامي هدفه كسب

مزيد من المؤيدين لها في المنطقة و هو مجرد ذريعة لتحقيق أهدافها!! طبعًا

الكلام عن التأييد هنا هو تأييد الشعوب لها، أي الاختراق للطبقة الشعبية كما

سبق و تحدثنا.

البحثي الإسرائيلي الذي جاء بعنوان "إيران "omedia" يقول تقرير معهد

في حاجة لإسرائيل" للباحث زيو مائور: "إن إيران لا تشكل أي خطر على إسرائيل

ولا تريد تدميرها، بل هي في حاجة لإسرائيل وتعتبرها مكسبًا إستراتيجيًا هامًا حتى

تظل قوة عظمى في المنطقة و هي تستغل و تستخدم "إسرائيل" كذريعة لتحقيق

أهدافها ولدعم مكانتها الإقليمية ولنشر مبادئ الثورة الإيرانية تحت شعار "معاداة

إسرائيل"، ويضيف التقرير بأن التصريحات الدعائية الإيرانية ضد الولايات المتحدة

.( الأمريكية هي من باب الاستهلاك الإعلامي فقط"( ٣٩

٣٨ ) انظر مقالنا: أسطورة الضربة الإسرائيلية العسكرية لايران، علي حسين باكير، مجلة )

. آراء حول الخليج، مركز الخليج للأبحاث، العدد ٢٤ ، سبتمبر ٢٠٠٦ ، ص ٨٣

٣٩ ) نفس المرجع السابق. )

٤١

القسم الثاني

حزب الله و الكيان الصهيوني

نعرض في هذا الباب العلاقة بين حزب الله والكيان الصهيوني على ثلاث

مراحل زمنية نرى أنها تحدد إطار العلاقة بين الطرفين دون إن ننسى دائما أننا

نتناول التحليل المتعّلق بإحداث رؤية شمولية جامعة متسلسلة متتابعة لنصل إلى

توصيف دقيق وموضوعي عن طبيعة منهج وفكر حزب الله فيما يتعلق

بإسرائيل، و ليس من منظور جزئي يقوم على تفسير كل اشتباك لوحده وعزله

عما سبقه وتلاه وما نتج عنه ومنه، على أن نتبين من خلال التحليل كيف يضبط

الحزب نسق مواقفه من إسرائيل بما يتلاءم و يخدم المصالح الإقليمية.

كانت منظمة التحرير في لبنان ومن يقاتل معها من اللبنانيين والعرب

المتعاطفين مع القضية الفلسطينية رأس الحربة في مواجهة إسرائيل، في حين إن

دور المنظ  مة أزعج كثيرًا لاعبين إقليميين بالأساس، الأول الذي هو إسرائيل

التي أصبحت تخشى من نفوذ المنظمة المتزايد في لبنان ومن الهجمات التي تتم

عليها من العمق اللبناني عبر حدودها الشمالية.

واللاعب الإقليمي الثاني هو سوريا التي رأت أن نفوذ المنظمة في لبنان

حالة شاذة تضر بالأمن القومي السوري الذي يفترض أن يكون النفوذ في

لبنان سوريا قبل كل شيء خا  صة بعد أن هدأت جبهة الجولان بعد حرب ال

.١٩٧٣

١٩٧٦ : إن /٣/ إذ نقل عن ياسر عرفات قوله للأسد عند اجتماعه به في ٢٧

قلب المقاومة ومستقبلها موجود في لبنان، وإن إرهاب الجيش السوري

والصاعقة لن يفيد، وإنه يعز علينا أن نصطدم بالجيش السوري ونحن على

٤٢

مرمى مدفعية العدو الصهيوني والأسطول السادس الأمريكي. فكان رد

الأسد: "ليس هناك كيان فلسطيني، وليس هناك شعب فلسطيني، بل سوريا وأنتم

جزء من الشعب السوري، وفلسطين جزء من سوريا، وإذن نحن المسئولون

.( السوريون الممثلون الحقيقيون للشعب الفلسطيني"( ٤٠

و قد زاد من نقمة سوريا خلاف منظمة التحرير مع حافظ الأسد، ذلك أن

المنظمة لم تسمح لنفسها أن تكون في خدمته، إذ لم يستفد الأسد من عمليات

المنظمة ضد إسرائيل ولم يستطع تجييرها لصالحه في أية عملية تسوية ممكنة،

حتى انعكس الأمر وأصبح أمر التدخل في لبنان لقمع المقاومة الفلسطينية

والتنظيمات المؤيدة لها هو الورقة الرابحة للنظام السوري والتي يستطيع عبرها

ابتزاز إسرائيل والولايات المّتحدة والحصول منهم على أية مطالب يريدها مقابل

تد ّ خله في لبنان لقمع الفلسطينيين.

يقول صلاح خلف "أبو إياد": أرسل ياسر عرفات اثنتي عشرة رسالة إلى

حافظ الأسد يطالبه بفك الحصار المفروض علينا في بيروت، وعندما لم يتلق

جوابًا أرسل مبعوثًا خاصًا، وبعد أن سلم رسالة عرفات، وعرض عليه سوء

الأوضاع وصلف العدو، أجاب الأسد: "أنا أريد أن تهلكوا جميعًا لأنكم

.( أوباش"( ٤١

١٩٧٧ في تعليق لها على اجتماع الأسد /٨/ ونقلت الشرق الأوسط في ١٨

بكارتر في جنيف: "إن عملية إخضاع المقاومة اللبنانية والفلسطينية في لبنان،

كانت جزءًا من إستراتيجية كبيرة، لإضعاف المقاومة ومعارضي التسوية، وقدم

. ٤٠ ) راجع: كتاب كمال جنبلاط بعنوان "هذه وصيتي"، ص ١٠٥ )

٤١ ) أنظر مقال: "وقفة مع الدكتور حبش"، خالد الأحمد، رابطة أدباء الشام، على الرابط )

http://www.odabasham.net/show.php?sid= التالي: 8070

٤٣

كارتر للأسد مكافأته بالاستجابة إلى طلبه والاجتماع به في جنيف بد ً لا من

.( واشنطن، كما كان يفعل مع غيره من الرؤساء العرب"( ٤٢

١٩٧٦ قائ ً لا: إن /٦ / وصرح موشي دايان لوكالة الصحافة الفرنسية في ٥

على إسرائيل أن تظل في موقف المراقب، حتى لو غزت القوات السورية

بيروت واخترقت الخط الأحمر، لأن غزو القوات السورية للبنان، ليس عم ً لا

موجهًا ضد أمن إسرائيل( ٤٣ ). ونقلت إذاعة إسرائيل عند بداية التدخل السوري

في لبنان تصريحًا لرئيس وزراء إسرائيل إسحق رابين قال فيه: "إن إسرائيل لا

تجد سببًا يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان، فهذا الجيش يهاجم

الفلسطينيين، وتدخلنا عندئذ سيكون بمثابة تقديم دعم للفلسطينيين، ويجب علينا أن

لا نزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين فهي تقوم بمهمة لا تخفى

.( نتائجها الحسنة بالنسبة لنا"!!( ٤٤

وصرح شمعون بيريز وزير دفاع العدو الصهيوني آنذاك: "أن هدف

إسرائيل هو نفس هدف دمشق بالنسبة للمسألة اللبنانية، ... يجب أن نمنع وقوع

( لبنان تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية"( ٤٥

التدخل السوري لقمع المقاومة الفلسطينية أتى أكله عندما أصبح المقاومون

بين فكي كماشة في العام ١٩٨٢ تاريخ الغزو الإسرائيلي للبنان بعد عملية

جنوب الليطاني عام ١٩٧٨ حيث تقدمت القوات الإسرائيلية في اجتياحها إلى

٤٢ ) نفس المرجع السابق. )

٤٣ ) نفس المرجع السابق. )

.( ٤٤ ) أنظر: عبدالله الغريب، "وجاء دور المجوس"، النسخة الالكترونية، (ص ٤١٨ )

٤٥ ) وكالة الصحافة الفرنسية ٢٩ أيلول ١٩٧٦ ، عن كتاب "أمل و المخيمات الفلسطينية"، )

عبدالله غريب، النسخة الالكترونية.

٤٤

بيروت، "بهدف حماية المستوطنات الشمالية من هجمات منظمة التحرير

.( الفلسطينية"( ٤٦

وبعد عامين ونصف من الغزو وفي ١٤ كانون الثاني ١٩٨٥ جاء تصويت

الحكومة الإسرائيلية لصالح الانسحاب في غضون بضعة أشهر بنسبة ساحقة

.(٤٧)٦- بلغت ١٦

يقول الباحث "الإسرائيلي" دانييل سوبلمان: "أحرز غزو قوات الدفاع

الإسرائيلية ودخولها إلى بيروت الهدف الأول من العملية العسكرية وإخراج قائد

منظمة التحرير الفلسطينية "ياسر عرفات" من لبنان، وعلى الرغم من هذا

الإنجاز وجدت إسرائيل نفسها في تورط أكبر من حيث الزمن والعمق من

الناحية العسكرية والسياسية أكثر مما توقعت في الأصل".

هذا التورط نستطيع أن نل ّ خصه للقارئ بالتالي:

أولا: وجود قوات سورية عسكرية في لبنان، مما يعني أن أي انسحاب

إسرائيلي من لبنان في ذلك الوقت بالتحديد قد يعطي أفضلية للنظام السوري في

تطويق إسرائيل.

ثانيا: صحيح أن منظمة التحرير قد رحلت من لبنان، لكن حل محّلها شيء

اسمه "الفوضى"، ويجب أن نركز جيدًا على عنصر الفوضى، فعنصر الفوضى

هو أكبر خطر ممكن أن يصيب إسرائيل على حدودها مع لبنان.

لذلك على الرغم من قرارها الانسحاب كما رأينا، إلا أنها لم تنسحب خوفا

من التطورات التي السلبية التي قد تحصل لغير صالحها في لبنان. هكذا انقلبت

المصلحة - كما سبق أن انقبلت مع سوريا بخصوص المقاومة الفلسطينية في

٤٦ ) دانييل سوبلمان، كتاب " قواعد جديدة للعبة: اسرائيل و حزب الله بعد الانسحاب من )

لبنان"، على الرابط التالي:

www.dascsyriamag.net/modules/news/article.php?storyid=91&page=1

٤٧ ) نفس المرجع السابق. )

٤٥

لبنان - فبدلا من أن يتم تنفيذ الانسحاب للمصلحة الإسرائيلية وفق ما تم

التصويت عليه، أصبحت المصلحة تقتضي التواجد العسكري في لبنان.

حاولت إسرائيل تلافي وضع "الفوضى" وتأثيراته السلبية عليها بأن "تبحث

عن أكثر فصيل من ّ ظم و قادر من الناحية الميدانية في الجنوب ليستلم زمام

الأمور بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر ترتيبات ضمنية غير معلنة".

رأت إسرائيل في "حركة أمل" الفصيل المنشود الذي تتوافر فيه المزايا السابق

ذكرها، فحاولت استمالتها لتأدية هذا الدور. و نقلت وكالات الأنباء في ٦ يونيو

١٩٨٥ م عن رئيس الاستخبارات العسكرية اليهودية أهود براك قوله: "إنه على

ثقة تامة من أن "أمل" ستكون الجبهة الوحيدة المهيمنة في منطقة الجنوب اللبناني،

وأنها ستمنع رجال المنظمات والقوى الوطنية اللبنانية من التواجد في الجنوب

.( والعمل ضد الأهداف الإِسرائيلية"( ٤٨

وقد استفادت سوريا من وضع إسرائيل المحرج هذا من عدة أوجه و بدلا

من أن يصبح خروجها مطلبًا سوريًا، انعكست الآية وأصبح وجودها مطلبًا

سوريا لتحقيق التالي:

أولا: قامت بتعزيز نفوذها في لبنان، و قد كانت دائما ما تبرر وجودها

بوجود إسرائيل، فوقعنا في قضية البيضة والدجاجة كل طرف لا يريد الانسحاب

قبل أن ينسحب الطرف الآخر.

ثانيا: أوجدت سوريا حلفاء لها وأحكمت سيطرتها على الداخل اللبناني

بحيث أصبح وجود الطرف الإسرائيلي في لبنان وجودا استنزافيا إن انسحب من

دون ضمانات واتفاقات مع سورية سيشكل ذلك خطرًا كبيرًا عليه، وإن بقيت

ستتعرض للابتزاز وللعمليات وللضغوط العسكرية في لبنان والسياسية في

إسرائيل.

٤٨ ) راجع: عبدالله غريب، "أمل و المخيمات الفلسطينية"، النسخة الالكترونية. )

٤٦

في هذه المرحلة ولد حزب الله و حصلت صدامات مع حركة أمل وقد كان

الأول تابعًا لإيران و مؤيدًا لها و لأجندتها، فيما كان الثاني تابعًا لسوريا ومؤيدا

لها ولأجندتها. ما كانت سوريا لتسمح بان يخرج الوضع عن سيطرتها كما كان

إبان منظمة التحرير، لكن حصل توافق إيراني - سوري على ضرورة توزيع

الأدوار كما سبق و شرحنا. ومنذ الفترة الممتدة من العام ١٩٨٥ وحتى العام

١٩٨٩ ، كانت العمليات التي تتم في جنوب لبنان يقوم بها عدد كبير من الفرقاء

منهم القومي ومنهم الوطني ومنهم الإسلامي ومنهم الشيوعي، و قد كان "جيش

لبنان الجنوبي" الموالي لإسرائيل والذي يتشكل معظمه من الشيعة و دد كبير

منهم من كان في صفوف حركة أمل، يتحمل الجزء الأكبر من الهجمات ومن

بعده الجيش الإسرائيلي، بمعنى آخر كان هناك نوع من "الفوضى" التي لا تتحكم

بها أي جهة أو دولة، وهدف المهاجمين كان يتنوع بين طرد إسرائيل من

الأراضي التي احتلتها في لبنان وبين طردها من كل فلسطين، ما أدى إلى

استنزاف الجيش الإسرائيلي وعملائه دون التوصل إلى حل، فأي انسحاب

إسرائيلي في هذه المرحلة سيزيد الفوضى ويقويها و يتيح لها المجال للوصول

. بكل سهولة ويسر إلى شمال "إسرائيل"، إلى أن وصلنا إلى العام ١٩٨٩

: • حزب الله في الفترة الممتدة من العام ١٩٨٩ إلى العام ٢٠٠٠

على الرغم من أن الإعلان عن حزب الله قد تم في العام ١٩٨٢ من خلال

البيان التأسيسي الذي و  زع في ١٦ شباط ١٩٨٢ ، إلا أن الأمر استلزمه سبع

سنوات ليصل إلى شكله المنتظم والمضبوط والقريب جدًا من الذي نعرفه اليوم.

وشهد عام ١٩٨٩ حدثين مه  مين بالنسبة إلى حزب الله:

٤٧

- تمّثل الحدث الأول بعقده للمؤتمر التنظيمي الأول للحزب حيث برز

.( الشيخ صبحي الطفيلي كأول أمين عام له( ٤٩

- و تمّثل الثاني بالتوصل إلى "اتفاق الطائف" في ٣٠ أيلول ١٩٨٩ في

.( المملكة العربية السعودية( ٥٠

ش ّ كل اّتفاق الطائف أساسًا جديدًا لبناء الدولة اللبنانية وإنهاء الحرب الأهلية،

وفيما يتعلق بموضوع بحثنا نص اتفاق الطائف في البند الأول تحت عنوان

"بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها" على سحب سلاح جميع الميليشيات

اللبنانية وغير اللبنانية، وعلى تسليم أسلحتها للدولة اللبنانية خلال ستة أشهر،

وتحت البند رقم ٤ على إعادة انتشار الجيش السوري داخل لبنان خلال مدة

أقصاها سنتين ليتراجع إلى البقاع ونقاط محددة يتم الاتفاق عليها على أن يتم

بحث مصير الجيش السوري بين الحكومتين فيما بعد.

وفيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي، و مما جاء تحت عنوان "تحرير لبنان

من الاحتلال الإسرائيلي" نصت الفقرة (ج) ونشر الجيش اللبناني في منطقة

الحدود اللبنانية المعترف بها دوليًا والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارئ

الدولية في الجنوب اللبناني لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة

الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود.

باختصار، فا  ن هذا الاتفاق يؤدي إلى قيام دولة لبنانية وينهي الميليشيات،

ويحدد دور سوريا على أن تنسحب فيما بعد، كما ويؤمن لإسرائيل البيئة الآمنة

للحدود مما يدفعها إلى الانسحاب والذي كانت أص ً لا قد قررته كما رأينا في ١٤

كانون الثاني ١٩٨٥ بقرار للحكومة الإسرائيلية، لكنها لم تستطع تنفيذه لعدم

٤٩ ) راجع: نهاد حشيشو، "الأحزاب في لبنان"، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث )

. والتوثيق، بيروت،ط ١٩٩٨ ،١ ، ص ١١١ ، هامش رقم ٣٩

٥٠ ) أنظر نص اّتفاق الطائف على موقع الجزيرة نت على الرابط التالي: )

www.aljazeera.net/news/archive/archive?ArchiveId=108452

٤٨

وجود ضامن للحدود يستطيع كبحها أو منع الفوضى فيها مما سيؤثر على العمق

الإسرائيلي.

الذي حصل فيما بعد أن السوريين قاموا بتطبيق مش  وه لاتفاق الطائف

بغرض الإجهاز عليه بطريقة التفافية لا  ن الوضع الراهن آنذاك كان في

مصلحتهم. فكان من أول ما طبقوه سحب سلاح جميع الميليشيات مستثنين من

ذلك سلاح حزب الله!!.

فإذا كانت ح  جة البعض أن حزب الله ليس ميليشيا، فا  ن هذه الح  جة أيضا

تنطبق على غيره ممن قامت سوريا بسحب سلاحهم، بل أن حزب الله هو آخر

من وصل إلى قافلة المقاومة إن صح التعبير، وهناك العديد من الأحزاب

التاريخية المشهود لها بالبدء بمقاومة إسرائيل ومع ذلك فقد تم سحب سلاحهم

جميعًا، وهو ما يدفع المراقب إلى التساؤل: لماذا فقط حزب الله؟! قد يقول

البعض إن الاحتكاك مع إسرائيل في الجنوب يستلزم أن يكون الفصيل شيعيًا،

فلماذا كان حزب الله فقط دون غيره من الأحزاب الشيعية على سبيل المثال؟!

باعتقادي أن الجواب على هذه النقطة يو  ضح كل الأمور المبهمة ويعكس

للقارئ كيف أن الحزب هو مج  رد أداة لكل من سوريا و إيران.

إن اختيار سوريا لأي فصيل "غير شيعي" سواء كان لبنانيًا أم غير لبناني،

لم يكن ليفيدها في شيء طالما أن مرجعيته ليست سوريا، أو لا تستطيع السيطرة

عليه أو لا يأخذ حساباتها بعين الاعتبار. ضمن هذا المعيار كان أمام سوريا

خياران: إما حركة "أمل" وإما "حزب الله"، لكن وقوع خيار سوريا على حركة

أمل برأيي كانت ستعترض عليه إيران، بالإضافة إلى اّنه سبق وتم توزيع

الأدوار في أن يكون دور حركة أمل محصورًا في الشق السياسي، فكان أن ظل

الخيار الثاني و هو خيار حزب الله.

تو ّ طدت العلاقة بين الطرفين إلى أن أصبحت علاقة قوية جدًا، إذ ما كان

الحزب ليستطيع إن يقف على قدميه على كافة الصعد المادية والعسكرية

٤٩

والسياسية وأن يستفيد من المساعدات التي تعطيها إياها إيران لو كانت سوريا

معارضة للخط الإيراني.

كانت سوريا بمثابة الختم الذي يتيح للتأشيرة الإيرانية الدخول إلى الأراضي

اللبنانية، و قد سعت سوريا للاهتمام بحزب الله اهتمامًا خاصًا وهيأت له جميع

المتطّلبات لاحتكاره العمل العسكري واستثنته من تطبيق بند اتفاق الطائف

القاضي بحل الميلشيات العسكرية وسحب سلاحها وأ  منت له الدعم السياسي

والغطاء الإقليمي وساهمت في تدريب العديد من عناصره، واعتبر هذا الدور

امتدادًا للتحالف السوري الإيراني.

إضافة إلى ذلك، فقد كانت سوريا تريد ورقة في مواجهة إسرائيل بطريقة

غير مباشرة تجنبها خوض حرب خاسرة معها وتم ّ كنها من التفاوض بشروط

أفضل، ولكن الأهم من هذا وذاك أن تكون هذه الورقة شيعية، لا  ن الورقة

الشيعية يمكن التح ّ كم بها من خلال مرجعيتها ولأّنها لا تتص  رف من تلقاء نفسها

وهذا ما لا يتوّفر في أي جماعة سّنية لاختلاف العقائد والأهداف.

فالجماعات السّنية التي تجاهد هي غير معنية بمصالح الأنظمة واهتماماتها

و صلحها مع إسرائيل، ولا تلتزم بالتالي بأي قرار خارجي يملى عليها، وليس

هدفها نشر مذهبها أو الترويج له أو لأي دولة بقدر ما هو مقاتلة العدو وتحرير

الأرض، وهكذا وجدت سوريا ضاّلتها في حزب الله، و اطمأنت إليه وإلى نهجه،

فلا خوف من أن ينقلب عليها أو يهددها.

ويمكن تلخيص المنافع السورية المتبادلة مع حزب الله في:

أولا: تأكيد وتنمية التحالف بين سوريا وإيران من خلال دعم حزب الله، إذ

إن الدعم السوري لحزب الله يؤ ّ كد متانة العلاقة مع إيران والالتزام بخ ّ طها.

ثانيًا: يعتبر حزب الله ورقة مه  مة جدًا في العلاقة بين سوريا وإسرائيل إن

كان لجهة تحسين شروط المفاوضات حول السلام الشامل أو إعادة الأراضي

المحتّلة أو لجهة تجّنب مواجهة عسكرية بين إسرائيل و سوريا، حيث يستطيع

٥٠

الحزب توجيه ضربات لإسرائيل دون أن تكون الأخيرة قادرة على الرد على

سوريا لعدم وجود أي دليل حسي يخولها القيام بالانتقام من سوريا. (تغيرت

.( المعادلة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠

ثالثاً: يضمن الحزب بالمقابل وصول المساعدات عبر سوريا، كما اّنه

يضمن قيام السوريين بتذليل أية عقبات أو اعتراضات داخلية في لبنان على

تو  جهه على اعتبار أن للوجود السوري تأثيرًا كبيرًا على كاّفة الفرقاء في لبنان.

رابعاً: يوّفر وجود حزب الله في لبنان عناء قيام سوريا بفتح جبهة لديها

على صعيد المقاومة في الجولان مث ً لا لأ  ن الذين سيقاومون حينها لن يهت  موا كما

شرحنا لأهداف النظام. لقد كانت أدبيات الحزب حتى تاريخه تشير إلى اّنه

سيتعامل مع "إسرائيل" ككيان غاصب و اّنه – أي الحزب - ملتزم بمحاربة

.( إسرائيل و عدم الاعتراف بها و بتحرير القدس!!( ٥١

بالنسبة لإسرائيل، فهي في نفس الوضع الذي كانت عليه منذ دخول لبنان،

واقعة في مأزق لا تستطيع الانسحاب ولا تستطيع التقدم و تتلقى الضربات، مع

فارق واضح طرأ على المعادلة الخاصة بها وهو إنهاء حالة "الفوضى" التي

تشكل تهديدًا كبيرًا لها، لكن مع عدم وجود جهة قادرة على إحكام السيطرة على

الحدود اللبنانية، وحصر المقاومة عمليا بحزب الله فقط المدعوم من سوريا

وإيران. و كان لهذا دلالات عديدة منها:

أولاً: إن حصر المقاومة بحزب الله يعني أن على إسرائيل إن تأخذ بعين

الاعتبار المطالب السورية و الإيرانية عند أي تحرك له.

ثانياً: إن سوريا لا تريد تطبيق اتفاق الطائف وبالتالي لم يتم تهيئة الأجواء

للانسحاب الإسرائيلي كما كان متوقعًا، و هذا يعني أن سوريا تريد أن تظل

إسرائيل في هذا المأزق تتلقى الضربات دون أن تكون قادرة فعليًا على أداء

٥١ ) راجع الوثيقة التأسيسية للحزب. )

٥١

أكثر من ردات فعل محدودة، بانتظار أن تقدم إسرائيل عرضًا لسوريا حول

الموضوع اللبناني أو أي مفاوضات سلام.

ثالثًا: العدو المفترض لإسرائيل أصبح معروفًا ومحددًا ومرجعيته واضحة

وهذه هي النقطة الايجابية الوحيدة لإسرائيل في الموضوع، فهي إذا أرادت

التفاوض تعلم مع من ستتفاوض، وإذا أرادت الضغط تعلم على من تضغط وإذا

أرادت القصف تعرف أين تقصف، وإذا سقط لها جنود فتعرف أين وكيف ومن

قام بذلك، أما في حالة "الفوضى" أو الفراغ فهي غير قادرة على فعل شيء وهذا

ما كان يخيف إسرائيل ويمنعها من الانسحاب.

في العام ١٩٩٢ ، دخل سلاح "الكاتيوشا" إلى أرض المعركة لأول م  رة،

وفي العام ١٩٩٣ قام حزب الله بتنفيذ ٤٢٣ عملية أدت فيما يخص الشق

"الإسرائيلي" إلى مقتل ٢٣ جنديًا إسرائيليًا وجرح ١٠٠ ، وعمل على مواكبة

"مفاوضات مدريد" مع سوريا من خلال تركيز الضغط على جيش الاحتلال.

١٩٩٣ ، قامت إسرائيل بعملية "تصفية الحساب"، واستمرت /٧/ و في ٢٥

أسبوعًا كام ً لا، وكانت نتيجتها تدميرًا واسعًا في أكثر من ٧٠ قرية وبلدة وتهجير

حوالى ٣٠٠ ألف مواطن وسقوط أكثر من ١١٥ شهيدًا من المدنيين.

وفي تقرير أمني رسمي ذكر أن العدو شن ١١٢٤ غارة وقصف ٢٨ ألف

قذيفة. أما رد حزب الله فكان بصواريخ “الكاتيوشا” على المستعمرات داخل

الأراضي الفلسطينية المحتلة ومواقع الجيش الإسرائيلي والميليشيات المتعاملة

.( معه في الحزام الأمني( ٥٢

٢٠٠١ "، حسن السبع، جريدة - ٥٢ ) انظر مقال: "أبرز محطات المقاومة في لبنان ١٩٨٢ )

. السفير اللبنانية، الخميس ٢٤ ايار ٢٠٠١

٥٢

أدت هذه العملية إلى تفاهم عرف باسم "تفاهم تموز ١٩٩٣ "، و هو تفاهم

شفهي بين "حزب الله" و"إسرائيل" يقوم على تجنيب المدنيين في أي معارك. وقد

قامت إسرائيل لأول مرة باختبار منهج الحزب وطريقة تفكيره وعمله، وهل هي

جدية أم دعائية، وما هي قدرات الحزب الحقيقية.

وفيما كان الحزب يقوم بدوره الدعائي الذي شرحناه في "الباب الأول"

مص  ورًا التفاهم على أنه انتصار للحزب، كانت الحقيقة التي لا يذكرها أحد على

الإطلاق أن التفاهم قد أدى إلى اعتراف الحزب بشيء اسمه "مدنيين

إسرائيليين"!! هذا ما لا تظهره أجهزة الدعاية لدى الحزب وأنصاره على سبيل

المثال. ويبدو أن إسرائيل وعت من خلال هذه الحرب أن الحزب هو حزب

براغماتي فيما يتعلق بها وليس كما تعكس شعاراته. و لو تم تفسير قبوله بهذا

التفاهم على انه قد تم رغما عنه، فهذا يعني اّنه هزم و لم ينتصر!!

يقول الكولونيل احتياط في الجيش الصهيوني رؤوفين ارليخ: "كان في

صلب هذه التفاهمات التزام "حزب الله" بعدم إطلاق الكاتيوشا بعد اليوم باتجاه

الأراضي الإسرائيلية، والتزام من جانب إسرائيل بعدم إطلاق النار على البلدات

اللبنانية الواقعة شمالي المنطقة الأمنية إ ّ لا إذا أطلقت النار على الجيش الإسرائيلي

.( من داخل البلدة نفسها"( ٥٣

يضيف: كان للإتفاق غير الرسمي عدد من "نقاط الضعف":

١- التفاهمات الشفهية كانت غامضة، ومتعلقة إلى حد كبير بتصميم إسرائيل

على التمسك بها.

٥٣ ) راجع: دراسة بعنوان "الاتفاقات، الترتيبات والتفاهمات التي تم التوصل اليها قبل حرب )

لبنان، في اطار مواجهة – الارهاب - الفلسطيني وعلى خلفية الحرب الأهلية في لبنان

والاجتياح السوري، إعداد كولونيل احتياط دز رؤوفين ارليخ، مركز المعلومات حول

الاستخبارات والارهاب في مركز تراث الاستخبارات الصهيوني.

٥٣

٢- لم يكن الإتفاق مصحوبًا بنظام ضبط ومراقبة. رفضت سوريا فرض

الإتفاق على "حزب الله" بدعوى أن تأثيرها على "حزب الله" محدود.

٣- لم يلتزم "حزب الله" بوقف العمليات الإرهابية بما في ذلك إطلاق الكاتيوشا

باتجاه "المنطقة الأمنية"، وكان من المتوقع إن يزداد الضغط عليه.

بالرغم من "نقاط الضعف" هذه، فقد صمدت هذه التفاهمات حوالي ثلاث

سنوات، إلى أن تآكلت مما اضطر إسرائيل للخروج بحملة أخرى على نطاق

أوسع، حملة "عناقيد الغضب".

على الرغم من أن "ارليخ" يدعي أن حزب الله هو الذي خرق التفاهم، إلا

إن الصحيح أن الخرق كان متباد ً لا، بل إن إسرائيل هي التي عملت على فرط

التفاهم، لأنها رأت – حسبما أعتقد - أن الحزب سيقدم مزيدًا من التنازلات في

مرحلة لاحقة – تابعوا فيما بعد تفاهم نيسان ١٩٩٦ - وأنه لا شيء يلزم

إسرائيل بالتزام هذا التفاهم.

في عام ١٩٩٤ ، نّفذ حزب الله ٥١٣ عملية أدت إلى سقوط ٢٦ قتي ً لا و ٨٣

جريحًا فيما يتعلق بإسرائيل ووفق إحصائياتها، وسقط لحزب الله ٦٩ رج ً لا و ٥

أسرى( ٥٤ ). وفي العام ١٩٩٥ ، نفذت المقاومة نحو ٨٧٦ عملية أدت إلى قتل ٢٩

.( إسرائيليًا و ١٦٥ جريحًا( ٥٥

في العام ١٩٩٦ ، رأت إسرائيل أن ق  وة حزب الله قد ازدادت وأن التفاهم بدأ

يتآكل، فقررت اللجوء إلى عملية عسكرية للتوصل إلى تفاهم سياسي آخر.

١٩٩٦ ، واستمرت -٤- وبالفعل بدأت عملية "عناقيد الغضب" الإسرائيلية في ٢

١٧ يومًا قامت إسرائيل خلالها بالاعتداء على لبنان جوًا و برًا و بحرًا مستهدفة

البنى التحتية والمنشآت الحيوية للدولة اللبنانية من محطات كهرباء ومياه وقامت

٥٤ ) حزب الله يقول ٤٧ قتي ً لا و ٦٦ جريحًا. راجع: أبرز محطات المقاومة...، حسن السبع، )

مرجع سابق.

٥٥ ) أرقام حزب الله تقول نحو ٦٠ قتي ً لا و ٢٠٨ جريح. نفس المرجع السابق. )

٥٤

بارتكاب مجزرة كبيرة في "قانا" عبر قصف ملجأ في مركز للقوة الدولية في قانا

هرب إليه الناس للاحتماء من الغارات فقتل أكثر من ١٣٠ مدنيًا وسقط ١٥٠

جريحًا.

لقد أدت هذه الحرب إلى ما يسمى "تفاهم نيسان ١٩٩٦ " و الذي يجب علينا

تحليله بدّقة متناهية لمعرفة ماهيته التي قامت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله

والكتاب والمناصرون بإخفائها والترويج للجانب الايجابي فيه على أنه نصر

مؤ  زر.

التفاهمات التي تم التوصل إليها كانت مختلفة من حيث المضمون، عن

تفاهمات "تصفية الحساب" وذلك في مجالين هامين:

١- وضعت التفاهمات خطيًا من أجل تجنب أي خلافات أو سوء فهم.

٢- أقيم نظام إشراف دولي على هيئة "لجنة المتابعة" التي شكلت إطارًا للحوار

المباشر بين ضباط الجيش الإسرائيلي وبين الضباط السوريين واللبنانيين

وذلك تحت رعاية أمريكية وفرنسية.

يقول "رؤوفين ارليخ": "كانت الغاية من التفاهمات هي تشكيل "قواعد اللعبة"

لسير المواجهة في لبنان، من خلال منع التدهور بين إسرائيل وسوريا وبإخراج

السكان المدنيين من كلا طرفي الحدود خارج المواجهة. أسس التفاهمات بين

.( إسرائيل ولبنان التي التزمت بها أيضًا (سوريا بصفتها طرفًًا غير مباشر)"( ٥٦

نستخلص من خلال هذه الفقرة المهمة جدًا عدة عناصر يجب التركيز

عليها:

أولاً: نلاحظ أن هناك شيء اسمه "قواعد لعبة" بدأت تتشكل بين إسرائيل وحزب

الله، وكانت أولى تجاربها بالتفاهم الشفهي السابق والذي تحول في هذه الحرب

٥٦ ) دراسة أرليخ، مرجع سابق. )

٥٥

إلى تفاهم خطي مما يؤكد على التطور في البراغماتية لدى الحزب وعلى الرغبة

بالالتزام.

ثانياً: نلاحظ أن الكولونيل قد ذكر جملة مهمة جدًا وهي "منع التدهور بين

إسرائيل وسوريا"!! ما علاقة سوريا في الموضوع؟ الحرب حصلت بين إسرائيل

وحزب الله، وتم تدمير لبنان والقتلى كلهم لبنانيون؟!

هذه الجملة تؤ ّ كد أن الإسرائيليين يعلمون أن الحزب أداة يتم استخدامها بين

إيران كما سبق وذكرنا وفي هذه الحالة "سوريا"، وإلا لو لم يكن الأمر كذلك لقال

"منع التدهور بين إسرائيل وحزب الله" لكي يشير إلى استقلاليته، أو لقال إذا أراد

التعميم "لمنع التدهور بين إسرائيل ولبنان".

:( هذا وقد نص "تفاهم نيسان ١٩٩٦ " على عدد من النقاط المهمة هي( ٥٧

١- إن المجموعات المسّلحة في لبنان لن تقوم بهجمات بصواريخ الكاتيوشا، أو

أي نوع آخر من السلاح إلى داخل إسرائيل.

٢- إن إسرائيل والمتعاونين معها لن يطلقوا أي نوع من السلاح على المدنيين،

أو الأهداف المدنية في لبنان.

٣- بالإضافة إلى هذا، يلتزم الطرفان بالتأكد من عدم كون المدنيين هدفًا

للهجوم تحت أي ظروف، وعدم استخدام المناطق المدنية الآهلة والمنشآت

الصناعية والكهربائية قواعد إطلاق للهجمات.

٤- بدون خرق هذا التفاهم لا يوجد ما يمنع أي طرف من ممارسة حق الدفاع

عن النفس.

لا أعرف كيف تم تحويل هذا الاتفاق إلى نصر مبين لصالح حزب الله على

إسرائيل!!

٥٧ ) راجع نص تفاهم نيسان ١٩٩٦ ، منشور على موقع الجزيرة.نت. على الرابط التالي: )

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/18DE9EFB-0161-4152-88EA-49F610C4B30D.htm

٥٦

يعدد أصحاب مقولة انتصار "حزب الله" عددًا من النقاط لصالحهم في هذا

الاتفاق و منها:

١- تجنيب المدنيين اللبنانيين القصف الإسرائيلي. (كأن القاعدة يجب إن تكون

برأي أصحاب هذا التبرير هي استهداف المدنيين، وأن النجاح والانتصار

يكمن في إن نمنع عنهم القصف!!).

٢- إن الاتفاق هو اعتراف بشرعية المقاومة اللبنانية من قبل إسرائيل!! (كأن

المقاومة في أي بلد في العالم تعمل من باب أن يعترف بها الآخر، فان

اعترف فهذا انتصار لها وإن لم يعترف فهزيمة!! هذا المنطق لا يّتبعه إلا

من يريد ثمارًا سياسية، عندها فهو نعم يحتاج إلى اعتراف الآخر به، أما

المجاهد أو المقاوم الحقيقي فلا ينتظر اعترافًا لا من خصمه و لا من حليفه

أو صديقه). أما ما يمكن رؤيته بوضوح و قد تم التغافل عنه قصدا هو:

١- هناك اعتراف صريح وواضح تطور من "تفاهم تموز" الذي أضفى اعترافًا

من قبل حزب الله بوجود شيء اسمه "مدنيين إسرائيليين" ليصبح أكثر

شمو ً لا عبر الاعتراف بشيء اسمه "الحدود الإسرائيلية". إذ يشير البند

الأول إلى مصطلح "عدم التعرض لداخل إسرائيل" ومن المعروف أن داخل

إسرائيل يبدأ من "خارج لبنان" وعدا عن ذلك فان مصطلح "داخل إسرائيل"

يشمل العسكريين أيضًا إلى جانب المدنيين. بهذا المعنى، فقد كان "تفاهم

تموز" أقل وطأة في هذا المجال، إذ ح  رم المدنيين الإسرائيليين فقط فيما

يتعلق بإسرائيل، أما الآن فانه يشير إلى داخل إسرائيل مما يعني شمول

المدنيين وغير المدنيين في قلب إسرائيل.

٢- على الرغم من أن المعني بهذا الاتفاق هو "حزب الله" عبر لبنان وسوريا،

إلا أن الاتفاق أورد كلمة "المجموعات المسلحة" وهذا يعني حزب الله

وغير حزب الله أيضًا ممن يفكر في قصف إسرائيل!!

٥٧

من الناحية العمومية الكلية، فا  ن الهدف من هذا الاتفاق باختصار حماية

الحدود الإسرائيلية، وهو في ذلك لا يختلف عن أي اتفاق سلام عقدته مصر أو

الأردن مع إسرائيل "من الناحية الأمنية" سوى أنه على شكل مصّ غر وأقل

تفصي ً لا، أ  ما فيما يتعلق بحق الدفاع عن النفس، فهو كغيره من الدول المسالمة،

إذ لا نتصور مث ً لا إن تقوم إسرائيل بالدخول إلى الأراضي المصرية أو الأردنية

أو بقصف القاهرة فيما تتفرج القاهرة أو ع  مان على ذلك!! فأين الانتصار وكيف

هو؟!

من الواضح لكل مراقب موضوعي أن الوضع تدهور لصالح "إسرائيل"،

وإلا ففي أي خانة نصرف هذه الاتفاقات؟! نعم إذا كان المقياس هو المطالبة بعقد

اتفاقية سلام مع إسرائيل وحماية الحدود فقد يعد هذا انتصارًا دبلوماسيًا، أما إذا

كان المقياس شعارات الحزب نفسها، فأين الانتصار؟!

بطبيعة الحال، من الجانب الإسرائيلي فهو يحب إن تتم هكذا أمور بالمجان

وبسحق الناس، ولكنه أتمها هذه الم  رة باّتفاق، ومن هنا فلا يمكن القول إنه من

هذه الزاوية انتصار لإسرائيل إذا كان المعيار كما سبق و ذكرنا هو القوة

العسكرية، أما إذا قسنا النتيجة على هدف إسرائيل وهو تأمين حدودها وداخلها

ومدنييها، فإنها قد حققت ذلك بامتياز، و بعد ذلك لا يهم الإسرائيليين ما يقوله

حزب الله من أنه انتصر أو إذا استغل ذلك في الترويج لنفسه أو للداعم الإيراني

أو للمفاوض السوري، المهم بالنسبة للإسرائيليين النتيجة و ليس الشعار.

استمرت عمليات الحزب فيما بعد في العام ١٩٩٧ و ١٩٩٨ و ١٩٩٩ على

الشريط الداخلي المحتل من لبنان، حيث نّفذ حزب الله في هذه السنة الأخيرة

١٥٣٠ عملية أدت إلى مقتل ١٦ جنديًا إسرائيليًا و جرح ١٧ . و قد حصلت

بعض الخروقات الطفيفة لتفاهم نيسان ١٩٩٦ خلال هذه السنوات من قبل

٥٨

الطرفين ولكن بشكل غير مؤّثر على الإطلاق وغير ذي أهمية إلى أن جاء العام

.(٥٨)٢٠٠٠

عندما أصبحت الأجواء السياسية بالإضافة إلى الأجواء الأمنية و العملية

على الأرض - ضمن الترتيبات التي أعدت سلفًا كما رأينا في الاتفاقيات

السابقة- سانحة للانسحاب الإسرائيلي الذي كان يعد نفسه أنه في "مأزق" كما

سبق وشرحنا، قرر الانسحاب من جانب أحادي على أن يتم ذلك وفق القرار

٤٢٥ . طبعا ليس حبا بتطبيق القرارات الدولية و لكن لإحراج سوريا كما سنرى

لاحقًا.

قبل ذلك س  رب الجانب الإسرائيلي معلومات عن قرب انسحابه من لبنان

ليرى رد فعل الحزب على هذه العملية ورد سوريا. أعلن مورد خاي – الوزير

الإسرائيلي السابق - لأول مرة أن إسرائيل كانت راغبة بتنفيذ قرار مجلس

الأمن لعام ١٩٧٨ رقم ٤٢٥ الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من المناطق

:( اللبنانية مشترطًا أن يقوم الانسحاب على أساس( ٥٩

١- وقف الإرهاب وإنهاء حلقة العنف.

٢- توقف الهجمات التي تتم ضد إسرائيل من الأراضي اللبنانية.

٣- إقامة علاقات ودية بين الجانبين على طرفي الحدود وإنشاء التعاون بين

قوات الدفاع الإسرائيلية ولبنان في الحرب على الإرهاب.

يقول "دانييل سوبلمان": لقد كانت دمشق تخشى أن يؤدي الدعم الأمريكي

لمبادرة "موردخاي" إلى منح حكومة "بنيامين نتنياهو" "الفرصة للتهرب من

تسوية سلام شاملة في المنطقة" وأن يحرم سورية من النفوذ الذي يمنحها إياه

٥٨ ) راجع: مقال "أبرز محطات المقاومة...."، حسن السبع، مرجع سابق. )

٥٩ ) راجع: دانييل سوبلمان، كتاب "قواعد جديدة للعبة....، مرجع سابق. )

٥٩

وجود حزب الله، ولذلك سعى حزب الله وسورية جاهدين لسد الطريق أمام انسحاب

.( إسرائيلي أحادي الجانب( ٦٠

هذا يعني إن الانسحاب الإسرائيلي أصبح ضد مصلحة سوريا - كما سبق

وشرحنا - إذ إن الانسحاب الإسرائيلي من لبنان بهذا الشكل دون التفاوض مع

سوريا على شيء مقابل ذلك يعد نكسة لسوريا.

عملت سوريا على خلق أجواء توحي بأ  ن الانسحاب الإسرائيلي سيخلق

"فوضى" – وهو الوضع الذي تخشاه إسرائيل أكثر من حزب الله - على حدودها

مما يشكل خطرًا عليها وبالتالي تضطر إلى البقاء في الداخل اللبناني وتعود

اللعبة من جديد، إسرائيل في المأزق تتلقى الضربات من حزب الله وسوريا

تنتظر طلبًا منها للتفاوض.

فمع اقتراب موعد الانسحاب الإسرائيلي، وصف أحمد جبريل – قائد الجبهة

الديمقراطية - من مقره في دمشق، ما يمكن توقعه غداة هذه الخطوة الأحادية

من طرف إسرائيل دون التوصل إلى حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين "لدينا

٣٠٠,٠٠٠ لاجئ فلسطيني في لبنان مستعدون للسير على الأقدام إلى الجنوب ..

ستخترق النساء والأطفال السياج الشائك كالعاصفة .. ولدينا خيارات أخرى ..

المتفجرات والبنادق .. وغير ذلك كثير".

وصرح "رمضان شلح" الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

قائ ً لا: "إذا تغيرت الظروف وحدثت تطورات كالانسحاب الإسرائيلي من طرف

.( واحد فسوف يصبح الوضع جائزًا لكل الاحتمالات"( ٦١

٦٠ ) نفس المرجع السابق. )

٦١ ) نفس المرجع السابق. )

٦٠

اختلفت وجهات النظر في الداخل الإسرائيلي بين الخبراء والمختصين

بالشأن الأمني المتعلق بالانسحاب الأحادي، و قد تم ّ خض عن وجهات النظر

المختلفة هذه اّتجاهان:

- الأول يرى اّنه لا يمكن الوثوق بحزب الله لأنه تنظيم غير مسؤول وإن

الانسحاب الإسرائيلي من جانب واحد سيؤدي إلى تجديد متعاظم لعمليات

حزب الله ضد إسرائيل، وستضطر إسرائيل للرد وسوف يتسع نطاق

المجابهة على الحدود والذي قد يشمل سورية. ومن هؤلاء المنظرين لهذا

الاتجاه العميد "آموس جيلاد" رئيس قسم البحوث في فرع الاستخبارات،

.( و"شاؤل موفاز" رئيس أركان قوات الدفاع الإسرائيلية( ٦٢

- أما الثاني ومنهم أيهودا باراك فيرى أن من خلال الخبرة العملية الواقعية

أن الفرصة متاحة للانسحاب والخروج من المأزق وتوفير الأمن للحدود

الإسرائيلية بهذه الطريقة حيث تنقلب الآية ويصبح الضغط الداخلي اللبناني

باتجاه حزب الله وسوريا.

رأى الإسرائيليون أن الوضع أصبح جاهزًا للانسحاب بعد توّفر العناصر

التي كانوا ينتظرونها منذ العام ١٩٨٥ وتم اعتماد التوجه الثاني. ولنستذكر هذه

الشروط نورد المقتطفات التالية:

١- صرح "اسحق شامير" نائب رئيس الوزراء في حكومة الائتلاف القومي في

العام ١٩٨٥ وإثر إقرار انسحاب الجيش الإسرائيلي بعد التصويت

الحكومي: "أن قوات الدفاع الإسرائيلية لن تنسحب من لبنان بدون ضمانات

.( أمنية حتى لو استغرقت الترتيبات لذلك سنوات"( ٦٣

Hezbollah plays by the rules ,Reuven Pedatzur, H a a r e t z,16/08/2004, at this link: (٦٢)

www.tau.ac.il/jcss/haaretz160804_en.html

٦٣ ) راجع: دانييل سولبمان، كتاب "قواعد جديدة للعبة: اسرائيل وحزب الله بعد الانسحاب )

من لبنان"، مرجع سابق.

٦١

٢- صرح يهودا باراك عام ١٩٨٥ "إنه على ثقة تامة من أن "أمل" ستكون

الجبهة الوحيدة المهيمنة في منطقة الجنوب اللبناني، وأنها ستمنع رجال

المنظمات والقوى الوطنية اللبنانية من التواجد في الجنوب والعمل ضد

.( الأهداف الإِسرائيلية"( ٦٤

وإذا ما طابقنا هذه التصريحات على واقع العام ٢٠٠٠ ، نرى أن هناك

ترتيبات أمنية غير مباشرة قد حصلت فعلا ومنها "اّتفاق نيسان ١٩٩٦ "، وأخرى

غير معلنة سنراها من خلال ممارسة حزب الله العملية فترة الانسحاب

الإسرائيلي. أضف إلى ذلك أن الحزب قد حلّ محل الحركة وأصبح فعليًا بمثابة

الجبهة الوحيدة المهيمنة في منطقة الجنوب اللبناني، ومنع المنظمات والقوى

الوطنية اللبنانية من التواجد في الجنوب والعمل ضد الأهداف الإِسرائيلية كما

سنرى لاحقا.

طبعًا سيكون من الأفضل لإسرائيل لو كان هناك جهة قوية موالية لها على

الحدود غير حزب الله – الذي من الممكن أن يفاجئها أو يباغتها - لكن ضمن

الخيارات التي كانت متاحة كان هناك سيناريو "الفوضى" و"سيناريو حزب الله"،

وسيناريو الفوضى كما ذكرنا هو الأخطر على إسرائيل على الإطلاق فكان أن

تم اختيار سيناريو حزب الله، وانسحبت إسرائيل من جنوب لبنان يوم ٢٤ أيار

. عام ٢٠٠٠

يقول الأمين العام الأول للحزب صبحي الطفيلي كلامًا مهما جدًا ودقيقًا جدًا

يتوافق مع تحليلنا المذكور: " لو كنت رضيت بما عرض على غيري لكانت

إسرائيل انسحبت قبل العام ٢٠٠٠ ... عرض علي هذا الذي فرحنا به وطربنا

وغنينا له وهو التحرير الذي عرض علي ورفضته ... حصل تفاهم تموز

١٩٩٣ والذي كان مقدمة لتفاهم نيسان ١٩٩٦ ومن حينها يدرك المتتبع أن

٦٤ ) راجع: كتاب "أمل و المخيمات الفلسطينية"، مرجع سابق.. )

٦٢

الإسرائيلي أصبح جاهزًا للانسحاب، لأنه إذا وصل إلى الحدود لا يدخل عليه

مسلح، والسوري كان يتهرب من تنفيذ الاتفاق وحاول الإسرائيليون بكل

الوسائط وعبر أطراف كثيرين أن ينسحبوا ويسلموا الأرض اللبنانية للسلطة

اللبنانية لكن السوري كان يرى مصلحته في عدم إراحة الإسرائيلي بل في

تكبيده مزيدًا من الخسائر وحتى يوم انسحبت إسرائيل من جزأين منع السوري

الجيش من دخولها لكن مع هذا عاد وانسحب الإسرائيلي بعد أن اخذ ضمانات

.( إيرانية"( ٦٥

: • الفترة الممتدة من العام ٢٠٠٠ إلى العام ٢٠٠٦

ص  ور حزب الله للعالم اّنه قد هزم الجيش الصهيوني واجبره على التراجع

وأّنه حقق نصرًا ضخما عليه (لا يعني ذلك أن الجيش الصهيوني قوي أص ً لا

ولنا عبرة من مواجهة الطفل للدبابة بالحجر ومن مخيم جنين و غيرها من

البطولات والملاحم التي يسطرها الشعب الفلسطيني).

إننا لا ننكر دور حزب الله في إلحاق الخسائر ببعض الجنود الإسرائيليين

إلا أّنه لا بد لنا من القول إن الانسحاب لم يتم بسبب هذه الخسائر، كما رأينا

من خلال سياق الأحداث الشمولي، وإلا لو كان الأمر كذلك لانسحبت

إسرائيل من قطاع غ  زة (آنذاك) منذ زمن بعيد، ذلك أن خسائرها البشرية

والاقتصادية في قطاع غ  زة تفوق ما أصاب الإسرائيليين في جنوب لبنان أضعافًا

مضاعفة.

لا نريد أن نبخس القوم حّقهم و لكن نتساءل، لو كانت هجمات حزب الله

وحدها هي السبب، إذًا لماذا لم تنسحب إسرائيل من مزارع شبعا أيضًا على

٦٥ ) مقابلة مع الأمين العام الأول لحزب الله، الشيخ صبحي الطفيلي، الأربعاء، ١٩ نيسان )

.٢٠٠٦

٦٣

الرغم من أن حزب الله يصل إلى هذه المنطقة، ولماذا حصلت هذه الترتيبات

الأمنية السابقة؟!

الحقيقة أن ض  جة الانتصار الذي قامت بالترويج له وسائل الإعلام كاّفة كان

الهدف منها التغطية على الحدث الأهم وهو حماية المستوطنات والحدود

الإسرائيلية من الجانب اللبناني.

الإسرائيليون من جهتهم لم يكترثوا أن يقوم الحزب بالترويج لما يسميه

انتصارًا، المهم عندهم أن تكون حدودهم آمنة ومستوطناتهم التي لا تبعد سوى

بضعة أمتار عن الحدود اللبنانية، وبعد ذلك فليقم الحزب بما يشاء من دعاية.

يسأل المذيع في برنامج "نقطة نظام"، الأمين العام الأول لحزب الله صبحي

الطفيلي: "انقل عن السيد حسن نصرالله قوله إّنك أهنت المقاومة عندما وصفت

الانسحاب الإسرائيلي من لبنان "بأنه تم وفق صفقة بين حزب الله وإسرائيل".

فأجابه صبحي الطفيلي: "...إذا رجعت أو رجع أي إنسان إلى التفاهم -

يقصد نيسان- يجد ن  صًا واضحًا بحماية الحدود الإسرائيلية ... والموجود اليوم على

الحدود - يقصد حزب الله - يحمل سلاحًا ليحمي العدو الإسرائيلي، ومن لا يصدق

ليذهب يحاول أن يقوم بعملية ضد العدو الإسرائيلي لنرى من يمنعه من يدخله إلى

السجن من يعذبه من ينتقم منه؟".

يحاول المذيع أن ينقل فيما بعد ح  جة حزب الله على أن الهدوء على الحدود

سببه معطيات لا تسمح للحزب حاليًا بتنفيذ عمليات، فيجيب الطفيلي: "وفي مصر

معطيات لا تحبذ وفي الأردن معطيات لا تحبذ، وفي العالم الإسلامي كله معطيات لا

تحبذ كما تعلم. بل المعطيات اليوم في عالمنا أن نكون خدم للصهاينة والأمريكان، هل

.( علينا أن نخضع لهذه المعطيات أم نتجاوزها؟"( ٦٦

٦٦ ) برنامج نقطة نظام مع الشيخ صبحي الطفيلي، مقطع مرئي مس  جل على الرابط التالي: )

.www.fnoor.com/media/fn001.ram

٦٤

لقد كان الانسحاب الإسرائيلي خطوة كبيرة ولكّنه في نفس الوقت خلقت

واقعًا جديدًا على أساس أن الإسرائيليين كانوا يحاولون من خلال هذا الانسحاب

إعادة رسم معالم اللعبة الجديدة وخطوطها وقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد،

:( كانت اللعبة الجديدة تقتضي تحقيق العديد من الأهداف منها( ٦٧

أولا: قيام إسرائيل بسحب ذريعة احتلال الجنوب من تحت بساط حزب الله

الذي أزعجها كثيرًا كورقة سياسية، فالانسحاب يعني اّنه لم يعد هناك من مبرر

لوجود الحزب طالما اّنه يقول إن دوره ينحصر في تحرير أرضه. فإذا كان

صادقًا فانه لن يقوم بأي عمليات داخل إسرائيل وإذا كان كاذبا (أي يسعى إلى

جهاد إسرائيل) فإننا سنكتشف ذلك، ولكنها ستكون مخاطرة.

ثانياً: إدخال العمق السوري في المعادلة الجديدة من خلال القول بأ  ن أي

هجوم من حزب الله من الآن و صاعدًا سيقابله رد إسرائيلي على المواقع

السورية في لبنان أو في العمق السوري إن اقتضى الأمر وهذا ما حصل فع ً لا

فيما بعد.

ثالثاً: التمهيد للخروج السوري من لبنان على أساس أن ك ً لا من الطرفين

كان يتمسك بخروج الآخر كمقدمة لخروجه هو، كما أ  ن الانسحاب الإسرائيلي

يتيح للقوى الكبرى وخا  صة أمريكا مصداقية أكبر عند ضغطها على سوريا

. للخروج من لبنان، وهذا ما حصل بالفعل في عام ٢٠٠٥

رابعاً: ضمان حماية الحدود الإسرائيلية والمستوطنات، وإبقاء مزارع شبعا

تحت سيطرتهم لجعلها متنفسا لأي عملية ابتزاز قد تقوم بها سوريا عبر حزب

الله، وبالتالي إن كان هناك من عمليات ستتم فلتتم بمزارع شبعا لا في الداخل

الإسرائيلي.

٦٧ ) راجع: مقال "رؤية في حاضر و مستقبل حزب الله اللبناني"، علي حسين باكير، مجلة )

. البيان، العدد ٢٢٣ ، يناير ٢٠٠٦ ، ص ٧٦

٦٥

لقد التزم حزب الله فيما بعد بشكل ضمني بما يعرف باسم "قواعد اللعبة"

:( وهي( ٦٨

١- اعترافه بالخط الأزرق الذي تم تحديده بعد الانسحاب الإسرائيلي الذي تم

وفق القرار الدولي ٤٢٥ والذي يمنع حزب الله من القيام بأي عمليات ضد

إسرائيل على طول الخط (هذا ما يؤكد أن الإسرائيلي أراد الانسحاب وفق

خ ّ طته و ليس لا  ن حزب الله دفعه إلى الانسحاب). و في هذا الإطار يقول

الإسرائيلي سوبلمان والخبير في مركز جافي للدراسات الإستراتيجية في

جامعة تل أبيب: "على الرغم من أن حزب الله رفض الاعتراف بشرعية

الخط الأزرق، إلا أنه التزم عمليًا على أرض الواقع ... بحصر عملياته

فقط في مزارع شبعا...."*.

٢- مزارع شبعا مسرح شرعي للقيام بالعمليات. (للتنفيس كما سبق و شرحنا،

والدليل الذي يؤكد وجهة نظرنا أن وزير خارجية إيران منوشهر متقي

رفض طرحًا يقضي بانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا!! في إطار

النقاش الذي كانت تديره حكومة السنيورة مع المجتمع الدولي للطلب منه

دفع إسرائيل للانسحاب على أساس أن مزارع شبعا لبنانية وتندرج تحت

.**( القرار ٤٢٥

٣- التزام الجانب الدفاعي وفق منهج العين بالعين أو الفعل ورد الفعل.

منذ العام ١٩٩٧ وحتى العام ٢٠٠٠ ، لم تتعرض الحدود الإسرائيلية لأي

هجوم باستثناء بعض الخروقات التي لا تذكر، ومنذ العام ٢٠٠٠ وحتى تموز

٢٠٠٦ كانت الحدود مع إسرائيل كما هي حدود الأردن مع إسرائيل أو حدود

see: Daniel Sobelman, "New Rules of the Game: Israel and Hizbollah after (٦٨)

the Withdrawal from Lebanon", Jaffee Center for Strategic Studies,

Memorandum No. 69, January 2004, p: 67.

.Ibid. •

.٢٠٠٦/١٢/ ** انظر جريدة الزمان الدولية - العدد ٥٦٢٥ – التاريخ ٩

٦٦

مصر مع إسرائيل، بل إن حدود مصر مع إسرائيل على سبيل المثال كانت

الشريان الحيوي في إمداد الانتفاضة والفلسطينيين بالسلاح والمال، الأمر الذي

أدى إلى تذ  مر الإسرائيليين من مصر والتهديد في مرات عديدة بعمليات عسكرية

ضدها على الحدود، في حين إن حزب الله منع أي عملية ضد إسرائيل من هذه

الحدود و أحبطها كلها وامسك بمنّفذيها وز  جهم في السجون!!

كان هناك من ير  وج من الإسرائيليين في الأوساط الأمنية الإستخباراتية إلى

أّنه و فور الانسحاب الإسرائيلي سيستمر حزب الله في نشاطه دون توقف..

فالاستخبارات ترى بأن حزب الله "سيطلق النار علينا وعلى قرانا، على "ميتولا

.( وكيبوتيزم" ويسارعون للوصول إلى القدس"( ٦٩

لكن هؤلاء كانوا يزايدون، يقول سوبلمان في دراسته عن حزب الله: "وجدنا

تناقضا واضحا بين أيديولوجية حزب الله المعلنة التي تنادي بتدمير إسرائيل، وبين

.( السياسيات التي يقوم بتطبيقها فعليا على أرض الواقع.."( ٧٠

تحول حزب الله في هذه المرحلة إلى مدافع عن الحدود الإسرائيلية في حين

أّنه كان ي  روج" إن إسرائيل لا تجرؤ على مهاجمتنا لأننا نردعها"!!.

يقول "سوبلمان" فيما يتعلق بدور الحزب على الحدود: "يبدو أن هذه

التكتيكات المفزعة لم تكن تستند إلى الواقع وأن المنظمات الفلسطينية نفسها ربما

تكون قد بالغت في تخمين حريتها ونشاطها في لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي

منه ... فقد تم بعد الانسحاب مباشرة منع منظمة جبريل من تحريك الدبابات

باتجاه إسرائيل، وكذلك أيضًا تمت معاقبتها من قبل عدة عناصر في لبنان بما

.( فيهم حزب الله"!!( ٧١

٦٩ ) كتاب "قواعد اللعبة..."، مرجع سابق. )

.Hezbollah plays by the rules, Op. Cit (٧٠)

٧١ ) كتاب قواعد اللعبة....، مرجع سابق.. )

٦٧

يقول العميد سلطان أبو العينين – أمين سر حركة فتح في لبنان - : "حزب

الله قال: سنكون إلى جانبكم عند المحن، ولكننا منذ أعوام ثلاثة نعيش الشدائد ولم

نعد نقبل شعارات مزيفة من أحد... إن حزب الله اللبناني أحبط في الأسبوع

الأخير أربع عمليات كانت المقاومة الفلسطينية قد خططت لتنفيذها ضد إسرائيل

من الجنوب اللبناني انطلاقًا إلى الحدود الشمالية مع الدولة العبرية ... وقامت

.( عناصر حزب الله باعتقال المقاومين الفلسطينيين وتقديمهم للمحاكمة"( ٧٢

كما تلاحظون لم يمنع حزب الله شن هجمات على إسرائيل فقط، بل قدم

هؤلاء إلى المحاكمة!!

يضيف سلطان أبو العينين: "إن الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني

في أيار تم ضمن ترتيبات أمنية واتفاق أمني بأن لا تطلق طلقة واحدة على

شمال فلسطين من جنوب لبنان، وهذا الاتفاق يطبق منذ الانسحاب الإسرائيلي،

فلم يتمكن أي مقاوم من اختراق الحدود الشمالية وجرت أكثر من محاولة من

جميع الفصائل الفلسطينية وجميعها ضبطت من حزب الله وقدمت إلى

.( المحكمة"!!( ٧٣

يجاوب صبحي الطفيلي في مقابلة له على قناة الجزيرة عن سؤال "وكأنك

تتهم حزب الله وكأنه يحمي حدود إسرائيل؟": "نعم، مش أتهم وهل هناك من

يشك بذلك، الإسرائيليون من بعد ما انتزعوا ما عرف بتفاهم نيسان ١٩٩٦ م اللي

اعترف حزب الله من جهته أنه بمنأى بالامتناع عن ضرب الأهداف الفلسطينية

اليهودية في فلسطين ... ليس له حق أن يقاتل داخل فلسطين، يعني موضوع

تحرير فلسطين وما شابه ذلك موضوع شطب من الخريطة وهنا كانت المصيبة

٢٠٠٤ ، حزب الله يحبط عمليات المقاومة الفلسطينية -٤- ٧٢ ) انظر جريدة القدس العربي ٥ )

من الجنوب. انظر ايضا مقابلة اجراها الياس كرم مع العميد سلطان ابو العينين على

www.almuhands.org/forum/showthread.php?t= الرابط التالي: 73413

٧٣ ) نفس المرجع السابق. )

٦٨

يعني هنا كانت الكارثة"( ٧٤ )، "بدأت نهاية هذه المقاومة مذ دخلت قيادتها في صفقات

كتفاهم يوليو (تموز) ١٩٩٤ وتفاهم ابريل (نيسان) ١٩٩٦ الذي أسبغ حماية على

المستوطنات الإسرائيلية وذلك بموافقة وزير خارجية إيران.... إن العمليات

الفولكلورية التي تحصل بين حين وآخر لا جدوى منها لأن الإسرائيلي مرتاح، وهل

هناك فرق بين الإسرائيلي في مزارع شبعا والإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية

المحتلة؟ هذا اعتراف بالاحتلال، أنا أرى أن الخيام (بلدة حدودية لبنانية) هي

مثل عكا وحيفا. وما يؤلمني أن المقاومة التي عاهدني شبابها على الموت في

سبيل تحرير الأراضي العربية المحتلة، تقف الآن حارس حدود للمستوطنات

الإسرائيلية، ومن يحاول القيام بأي عمل ضد الإسرائيليين يلقون القبض عليه

.( ويسام أنواع التعذيب في السجون"( ٧٥

لقد بدا واضحَاً أن الجبهة اللبنانية أكثر الجبهات أمنًا للعدو الإسرائيلي بفضل

حزب الله، بل إن الأمر وصل إلى حد مطالبة بعض الخبراء العسكريين الإسرائيليين

بضرورة خلق نصر الله على الحدود مع غ  زة ليضبطها من التعدى الفلسطيني الذي

أصبح يزعجهم كثيرا!!

يعقد المحلل العسكري والخبير في الشؤون الإسرائيلية "ألوف بين" في مقال

له في صحيفة "هآريتس" الصهيونية في ٦ تموز ٢٠٠٦ قبل عدة أيام من حرب

تموز ٢٠٠٦ بعنوان: "نحن بحاجة إلى نصرالله"، مقارنة بين خطر صاروخ

"سكود" سوري مح  مل برأس كيماوي يمكنه أن يصيب تل أبيب و يقتل الآلاف،

وبين صاروخ قسام فلسطيني محمل بالمتفجرات البدائية ويصيب مستوطنة

سيديروت أو اشكلون، ليصل إلى استنتاج مفاده أن صاروخ قسام الفلسطيني

أخطر من صاروخ سكود على إسرائيل!! (هذه نظرية الفوضى التي ترعب

إسرائيل والتي تكلمنا عنها في سياق البحث). يف  سر ذلك بقوله "الخطر لا يأتي

..٢٠٠٤-٧- ٧٤ ) راجع برنامج زيارة خاصة على قناة الجزيرة بتاريخ ٢٣ )

.٢٠٠٣-٩- ٧٥ ) راجع صحيفة الشرق الأوسط، العدد ٩٠٦٧ ، بتاريخ ٢٥ )

٦٩

من تكنولوجيا أنظمة الصواريخ، إنما من الأصبع الموضوع على الزناد"...

ويضيف: "الانسحاب الإسرائيلي من لبنان العام ٢٠٠٠ لم يتم بنا  ء على إرادة

وجرأة رئيس الوزراء باراك فقط، بل الشكر أيضًا لقائد حزب الله حسن نصرالله

الذي أوجد سياسة قانون واحد و سلاح واحد ... هو – أي حسن نصرالله -

يمتلك السلطة والمسؤولية، وعليه فان تص  رفاته عقلانية ويمكن التنبؤ بها منطقيًا

ضمن ما هو متوافر، هذا أفضل وضع ممكن، فحزب الله يؤدي دورًا في الحفاظ

على الهدوء في الجليل بشكل أفضل بكثير مما فعل جيش لبنان الجنوبي الذي كان

مواليًا لإسرائيل"!! ويقول: " الأحداث في غ  زة - يقصد ضد إسرائيل - تظهر لنا مدى

الحاجة إلى إصبع مسؤول على الزناد على الطرف الآخر من الحدود للحفاظ على

الهدوء ... إنه لأكثر من مهم أن يتم تطبيق سياسة "قانون واحد وسلاح واحد" حتى

.( لو ت  م تطبيقه عبر نصر الله فلسطيني"( ٧٦

We need a Nasrallah, Aluf Benn, Haaretz, 06/07/2006,at this link: (٧٦)

www.haaretz.com/hasen/pages/ShArt.jhtml?itemNo=735153

٧٠

القسم الثالث

موقف "حزب الله" من مشاريع المقاومة الإسلامية

يعتبر هذا الباب من أبرز الأبواب التي تظهر تناقضا واضحا في سلوكيات

وعمل حزب الله وشعاراته.

من المعروف أ  ن القضية الفلسطينية حاضرة دوما في أدبيات حزب الله

اللبناني وخطابه الإعلامي والتعبوي وفي كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة،

وبشكل دائم ومتواصل، لك  ن ما خبرناه من أحداث الماضي إن هذه القضية قد

التصق بها من يريد الحق ومن يريد الباطل، فقد سبق وأن شهدنا تواجد القضية

الفلسطينية في خطابات وأدبيات العديد من الأحزاب والقيادات، وكان البيان

رقم واحد دائمًا ينص على تحرير القدس ومجابهة العدو الصهيوني، ومن ثم

تبين - بعد فوات الأوان - أن الهدف من وراء الالتصاق بالقضية الفلسطينية إما

كسب استعطاف الشارع العربي والإسلامي لتلميع الصورة وأما التغطية على

أفعال وأخطاء أو سياسيات كبرى إذا كانت القضية الفلسطينية حاضرة مقابلها،

نظرا لوزنها ولأهميتها الوجدانية والعملية في قلب وضمير كل عربي و مسلم.

لك  ن التمييز فيما إذا كان الالتصاق بالقضية الفلسطينية هو التصاق ذو طابع

سياسي ومصلحي أم التصاق ذو طابع إسلامي أو عربي مبدئي تمليه العقيدة

والأخ  وة الإنسانية والدينية، يحتاج إلى مقاربة شاملة حتى يظهر لنا الحكم الفصل

فيه.

نحاول في هذا الباب رصد مواقف وتو  جهات حزب الله من مشاريع

المقاومة الأخرى في العالم الإسلامي وخاصة في العراق، أفغانستان، الشيشان.

وقد اخترنا هذه الجبهات على سبيل المثال لا الحصر وذلك على اعتبار أنها

الأكثر اشتعا ً لا حاليًا في العالم الإسلامي وعلى اعتبار أنه لا خلاف على

مشروعية وعدالة القضية في هذه البلدان لدى الجماعات المقاومة والإسلامية.

٧١

فطالما أن تو  جهات "حزب الله" كما يتم طرحها في العلن هي توجهات

إسلامية خالصة وتو  جهات مقاومة، فلا بد إذًا من أن يظهر شيء من ذلك من

خلال القول أو العمل على صعيد هذه الجبهات الإسلامية، بالطبع هو ليس

مطالبًا بذلك، ولكن المفترض أن يظهر ذلك في مكان ما لديه حتى لو في بعض

المراحل القصيرة والمؤقتة. مع ضرورة التأكيد على أن هذه المقاومة (الشيشان،

أفغانستان، العراق) هي مقاومة تاريخية نابعة من جذور وأصول إسلامية عريقة

ولها تاريخها الجهادي والنضالي في أصقاع العالم الإسلامي ولا تنتظر من

حزب الله دعمًا، حتى بالكلام.

و على الرغم من أن هذه المقاومة تعاني من محاولات عزل سياسي

وعسكري بسبب الحرب العالمية الشرسة عليها تحت ذريعة ما يسمى الإرهاب،

إلا أنها نجحت في الصمود والتأقلم و المواجهة وأوقعت خسائر عظيمة في قوات

الاحتلال، وهي تحارب أكبر ق  وتين في الكون الحلف الأطلسي والقوات المتعددة

الجنسيات في أفغانستان، و الولايات المّتحدة وبريطانيا في العراق إضافة إلى

عدد كبير من الدول. ما يعنينا هنا هو مقارنة موقف حزب الله من هذه

المجريات لنستخلص توجهه و مآربه و الهدف من ذلك.

أولا: الجبهة الشيشانية:

من المعروف أن الجبهة الشيشانية من أشد الجبهات اشتعا ً لا إذا ما تم قياس

ذلك نسبة إلى المدى الزمني للمعركة (الحديثة) التي تجري فيها منذ تشرين أول

من العام ١٩٩١ وهو التاريخ الذي أعلن فيه الزعيم الشيشاني جوهر دوداييف

قيام جمهورية الشيشان المستقلة عن روسيا ومن ثم في ١١ كانون أول ١٩٩٤

.( تاريخ غزو القوات الروسية لجمهورية الشيشان المستقلة( ٧٧

- ٧٧ ) راجع: شامل باسييف .. مجاهد حتى النهاية، علي حسين باكير، صوت القوقاز، ١٦ )

:www.alqoqaz.net/?P=12&se= ٢٠٠٦ على الرابط التالي: 120 -٧

٧٢

وعلى الرغم من مرور أكثر من ١٥ سنة على الحرب التي يخوضها

المجاهدون الشيشان في سبيل استقلالهم ضد الغزو الروسي، إلا أ  ن خطابات

وأدبيات حزب الله اللبناني تخلو كّليًا وبشكل كامل من أي إشارات أو دلالات أو

إسناد شرعي باسم الدين الإسلامي أو حتى معنوي باسم المظلومين، المقهورين

أو المستضعفين في الأرض. (و هو الشعار الدارج جدا عند الجمهورية

الإسلامية الإيرانية و حزب الله اللبناني).

ويستطيع المراقب أن يحاول جاهدًا لكي يجد شيئا عن "القضية الشيشانية"

في الخطاب العام أو الخاص المعاصر أو الماضي لدى حزب الله فلا يجد. فهل

يعقل أن يكون هناك حزب إسلامي له سمعة وباع في المقاومة ومقارعة

الظالمين ولا يكون عنده أي إشارة عن إخوانه في المناطق والبلدان الأخرى

(كالبوسنة أو كشمير أو الصومال..الخ) و لو من باب الشكليات؟!!

قد يف  سر البعض هذا التجاهل التام للمجاهدين الشيشانيين والقضية الشيشانية

من قبل حزب الله على أ  ن جهد حزب الله العملي والإعلامي يتر ّ كز على

إسرائيل، وإن روسيا لا تدخل ضمن قائمة الاستهداف العملية أو الإعلامية

للحزب. لهذا فقد اخترنا الجبهتين الأفغانية والعراقية حيث التواجد الكثيف

للولايات المّتحدة وللمصالح الصهيونية، لنرى موقف حزب الله من المقاومة التي

تجري في هذين البلدين ونقيم موقف الحزب على هذا الأساس.

ثانيا: الجبهة الأفغانية والعراقية:

في ٧ تشرين أول/أكتوبر من العام ٢٠٠١ بدأ الغزو الأمريكي لأفغانستان

كأول حرب مد  مرة في القرن الواحد والعشرين وفي ٢٠ آذار/ ٢٠٠٣ بدأت

عملية غزو العراق والتي قام بها تحالف مؤّلف من ٣٠٠,٨٨٤ ألف جندي من

٧٣

٤٩ دولة تش ّ كل الولايات المّتحدة وبريطانيا عمادها الرئيسي والأساسي

.(٧٨)(%٩٨)

واحّتل العراق وقد كان خطاب حزب الله خلال هذه المرحلة ير ّ كز على

وجود محتل أمريكي مع أن التركيز عليه كان هامشيًا في تلك الفترة وذلك كي لا

يثير الحزب شبهة "الإرهاب" عليه التي توصم بها الحركات الإسلامية بعد ١١

أيلول. ولكن مع مرور الوقت أخذت تتبلور مشاريع المقاومة في أفغانستان

والعراق أكثر فأكثر، كان يفترض تأييد حزب الله في الفعل أو القول لمثل هذه

الحركات المقاومة التي تجمعه بها الدين الإسلامي أو عنصر المقاومة نفسه أو

العدو الواحد وهو أمريكا وإسرائيل (طالما أن الحزب يدعي دومًا أن أمريكا

الشيطان الأكبر هو العدو الأساسي) سواء بصورة مباشرة أو حتى بصورة غير

مباشرة فيها "مواربة" أو حديثًا "مجهو ً لا أو بصفة الغائب" كي لا ي  ورط نفسه إذا

اعتبر هذه المسألة توريطًا وليس شرفًا، إلا أن ذلك لم يحصل.

لم يكن هناك أي نوع أو صورة من صور الدعم حتى اللفظي أو الخطابي

أو الشكلي، و لم يقتصر الأمر على ذلك بل تعداه ليصبح ته  جمًا وتطاولا بل

وتشويها لصورة المقاومة في هذه البلدان ودعمًا للمتعاونين مع الاحتلال.

وإن كان السكوت في بادئ الأمر فيما يتعلق بالهجوم الأمريكي على العراق

يمكن تف  همه أو تأويله بح  جة إن وجود صدام حسين في الحكم من الممكن أن

يحرج الحزب فيما إذا أراد الدفاع عن العراق خوفًا من أن يتم تأويل كلامه على

أنه دفاع عن النظام العراقي، إلا أن سقوط صدام مع نظامه أسقط أي ح  جة

موجودة عند الحزب، و كشف حجم التواجد والتعاون الأمريكي - الصهيوني مع

٧٨ ) انظر: موسوعة ويكيبيديا الحرة )

٧٤

المرجعيات الشيعية العليا التي لا يفتأ حزب الله يدافع عنها كلما سنحت له

الفرصة*.

وقد قام الحزب في هذه الأثناء باستخدام مخزون الاحترام لتجربته الموجودة

في العالم العربي، لتبرير ما تمارسه المرجعيات والفئات الشيعية في العراق،

حيث اعتبر مواقف الجميع في العراق "اجتهادات"...، وحاول تسويق لجوء

بعض القوى الدينية الشيعية إلى غير خيار المقاومة على أنه اجتهاد، وان هذا لا

.( ينقص شيئا من صدقها في رفض الاحتلال الأميركي!!( ٧٩

و في هذه المرحلة، بدأ حزب الله أيضًا باستغلال النقمة العالمية الأمريكية

على ما يسمى "الإرهاب" خاصة في العراق، ليقوم هو بتزكية نفسه أمام الإدارة

الأمريكية، فأصدر العديد من البيانات في مراحل مختلفة يدين فيها قتل

الأمريكيين في العراق** و يؤ ّ كد على أن هذا يضر بالإسلام والمسلمين، غير

• انظر على سبيل المثال: بيان حزب الله الخاص باستنكار ما س  ماه "التطاول على آية الله

٢٠٠٥ وجاء فيه: "يستنكر حزب الله -١٢- العظمى السيد علي السيستاني" بتاريخ ١٥

بشدة ما تعرض له مقام المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد =

= السيستاني حفظه الله من تطاول وإساءات ... ويعتبر ذلك خروجًا على القيم

والسلوكيات ... في تعاملهم مع المراجع الروحية والدينية بكل ما يستحقون من احترام

وتقدير ... ندعو قناة الجزيرة إلى الإعتذار الفوري وتقديم التوضيحات الضرورية عن

هذا التصرف المرفوض الذي تسبب بإهانة المقدسات واستفزاز وجرح مشاعر مئات

الملايين من العرب والمسلمين". هذا مع العلم ا  ن الحاكم الامريكي للعراق بول بريمر

قد خ  ص السيستاني بشكر كبير في مذكراته التي كتبها بعنوان "عام قضيته في العراق"

و ذكر فيه تفاصيل التعاون السري بينه وبين السيستاني!!

٧٩ ) أنظر: خطاب قائد حزب الله محاولة فاشلة لاستخدام رصيده لتبرير مواقف مراجع )

الشيعة في العراق. ما رأي الشيخ نصرالله برفض "بحر العلوم" اعتبار اميركا محتلة

.٢٠٠٣-٧- وبهتافه لبوش، موقع العرب اليوم ٢٩

** نيكولاس بيرغ على سبيل المثال.

٧٥

ملتفت أو مهتم لأمر الإسلام والمسلمين حين يتعرضون لحملات إبادة أمريكية

كما حدث في الفلوجة أو الرمادي أو تلعفر أو غيرها!!

و بد ً لا من أن يحمل على الاحتلال الأمريكي والدور الإيراني التخريبي

الواضح والجلي في العراق وينسب إليها أعمال التفجير والقتل التي تحصل

والتي تشهد العديد من الوقائع العملية - كاحتجاز الجواسيس البريطانيين في

البصرة ومقتل الجواسيس الأمريكيين قرب الفلوجة - على أن الاحتلال وأعوانه

وراء هذه التفجيرات، قام بنقل ذلك إلى المقاومة العراقية ليزيد من تشويه

صورتها، بل ادعى أن ما لديه هو معلومات "مؤكدة وليست أخبارا" ليستطيع

بذلك تأكيد تشويه صورة المقاومة العراقية البطلة في أذهان الناس على اعتبار

أنه لا يكذب في كلامه. وقد أدى بذلك دورًا كبيرًا يفوق الدور الأمريكي

والإسرائيلي والإيراني في الطعن في المقاومة العراقية.

فقد قال الأمين العام لحزب الله في تصريح له: "اليوم العمليات التي تستهدف

العراقيين في العراق  بحسب معلوماتي وليس تحلي ً لا  بعض العمليات التي

تستهدف المدنيين في أغلب المناطق العراقية تقوم بها جهات من بينها جهات

صدامية التي ترى في قتل الناس وعموم العراقيين طريقة لإرهابهم وإرعابهم

لإخراجهم من الساحة ... هناك مجموعة أخرى(...)، الجماعات التكفيرية التي لا

تكفر الشيعة وحدهم بل كثيرًا من السنة بل تكفر بعضها وتكفر من عداها فهي

المسلمة والمؤمنة وحدها. هذه المجموعات تمارس عمليات قتل ذريعة وواسعة في

العراق"( ٨٠ ). ثم استدرك قائ ً لا كي لا يقع عليه الحرج: "وهناك عمليات استهدفت

المدنيين يديرها جنرالات وضباط أمريكيون مباشرة في مراكز الاحتلال الأمريكي،

أضف إلى الخطوط النفوذية والجاسوسية المفتوحة على الجماعات الأولى التي

.( تحدثنا عنها"( ٨١

.٢٠٠٥-٩- ٨٠ ) راجع: كلمة حسن نصرالله بمناسبة "ذكرى الكاظم" بتاريخ ٢ )

٨١ ) نفس المرجع السابق. )

٧٦

نلاحظ في هذا الكلام أنه استبعد نهائيًا أي دور لإيران أو لعملائها أو

للمخابرات الإسرائيلية واّتجه مباشرة إلى المقاومة العراقية يّتهمها بهذه الأفعال.

ولكي لا يعطي ذريعة لانتقاده ذكر مسألة الضباط الأمريكيين ثم عاد إلى اّتهام

المقاومة. هذا الخطاب ليس استثنا  ء، فجميع كلمات الحزب وأمينه العام تصب

في هذا الإطار الجامع.

إن موقف حزب الله لم يتوقف عند باب عدم الاعتراف بشيء اسمه مقاومة

عراقية، بل تخ ّ طاه إلى مهاجمتها بنفس الكلام والسياق الأمريكي والإسرائيلي

وعملائهم في العراق الذين دخلوا على ظهر الدبابة الأمريكية.

لقد كان الحزب يستتر عندما يتم إحراجه بموضوع المقاومة في العراق

وأفغانستان خلف أجوبة هلامية عامية فضفاضة لا يفهم منها الحق من الباطل

وتنطبق على الصالح كما على الطالح، إلى أن جاء خطابه الشهير في ذكرى

الإمام الكاظم الذي تزامن مع حادثة جسر الأئمة في بغداد، حيث صّنف السيد

حسن المقاومة العراقية أمام حشد هائل من الجمهور و الكاميرات و النقل

التلفزيوني بين: "صدامي بعثي و تكفيري إرهابي". ثم أصبح يردد منذ احتلال

العراق مصطلحات مثل: العراق الجديد، التكفيريين، البعثيين، فلول النظام،

الإرهابيين، الانتخابات الح  رة، المقاومة السياسية.

و قد بلغ موقف حزب الله وقيادته المتمثلة بالسيد حسن نصرالله من الخزي

والعار إلى درجة تماهيه مع الموقف الأمريكي والإسرائيلي تماما، ففي نفس

الخطبة يقول: " فليتح للشعب العراقي أن يعبر عن رأيه وخياره، وليتح للشعب

العراقي أن يختار نوابه ولو في ظل الاحتلال لأ  ن ذلك وسيلة من وسائل مواجهة

.( الاحتلال!!"( ٨٢

٨٢ ) نفس المرجع السابق. )

٧٧

هنا هو يردد نفس الكلام الذي كان يردده بوش ورامسفيلد وبريمر، يريدون

إجراء انتخابات فليس في العراق أي مشكلة سوى الانتخابات، والسيد حسن بعد

شتمه المقاومة العراقية يدعو فقط إلى المقاومة السياسية السلمية على طريقة آية

الله السيستاني!!

بل أن مواقف العلمانيين والشيوعيين "الذين يعتبرون خصوم الحركة

الإسلامية" أصبحت أكثر تقدمًا بكثير في دعم المقومة العراقية من مواقف

الحزب السلبية، لدرجة دفعت العديد منهم - من الذين لا يؤمنون أص ً لا لا

بمقاومة إسلامية و لا بالشريعة - إلى الرد على أقواله ومزاعمه ومنهم على

سبيل المثال لا الحصر "نوري المرادي" وهو شيوعي عراقي حيث أفرد مقالتين

كاملتين حول الموضوع ننقل مقاطع واسعة منهما فيما يلي:

"أيها الإمام الفاضل حسن نصر الله، فالتكفيريون إخوة لك في الدين وما

ينسحب عليهم ينسحب عليك. أنت بطل تحرير لبنان وهم أبطال الجهاد

وسيبشروك بتحرير الجزيرة بعد العراق وأفغانستان .... أقول هذا ومستعد

لجدالكم عليه متحديًا حتى تنثنون. فإن كنت والتكفيريين على خلاف في شيء

فدعهم وي  دعوك!.... و الصداميون، هم أيضا إخوة لك، شئت في هذه أم أبيت!

فالصداميون يقاتلون المحتلين الآن مثلك وأشد بدرجات. والصداميون الآن

يسيطرون على مناطق بأسرها في العراق محررة لا يدخلها قرد من قرود

الاحتلال ولا غلمانه إلا على منيته ... فما هذا التناقض أيها الأمام نصرالله؟! لماذا

تدعم آل الحكيم الذين تجسسوا للأمريكان عن حال العراق والمسلمين؟! أم تنسى أن

المقبور باقر حكيم أفتى لجهة التعاون مع أمريكا وبالضد من أمر الله تعالى بعدم

.( موالاة الكافرين؟"( ٨٣

٨٣ ) أنظر مقال: "الى الإمام حسن نصرالله!"، نوري المرادي، شبكة البصرة، ٤ ايلول )

٢٠٠٥ على الرابط التالي:

http://articles.abolkhaseb.net/ar_articles_2005/0905/morad2_040905.htm

٧٨

و يضيف في مقال آخر له ردا على الأمين العام لحزب الله: "أردت التحدث

معك حول مصطلح "التكفير" الذي بدأت تردده باندفاع في خطاباتك ... أنت وإن لم

تستخدم التكفير استخدام الرعاع، لكنك كررته بخطابك مندفعًا بحماسة وشطط.

وكأنك ترى بالذي تصمه بالتكفير جبانًا يعاني من عقدة مفترضة لذاك تتشاطر

عليه وتختال أمامه بقوتك، انتصارًا لمظلمة أو شيء من هذا القبيل ... المأخذ

الثاني، افتراض مني بأنك تقصد بالتكفيريين، جماعة من السنة الوهابيين، أو من

يسمون بالسلفيين ... ملخصًا، فإن أخذنا التكفير بمفهومه الفقهي الصحيح، أي

الحكم على ممارس نواقض الإيمان بالكفر؛ وإن أخذنا التكفير على أنه جهالة

وابتعاد عن روحانية الإسلام ؛ وإن أخذنا التكفير على أنه أداة بيد المحتلين

وغلمانهم ورعاعهم يرجمون به من ليس على هواهم، إذا أخذنا أحد احتمالات

هذه المعاني للتكفير أو كلها معيارًا للحكم، فلن يرى العراقيون أو المتابعون

المحايدون التكفير بغير فيلق بدر والمجلس الأعلى وآل الحكيم الأصفهاني وسستاني

ومن والاهم. هؤلاء حصرًا هم الأشد جهالة والأشد أخذًا بالترهات والأشد عمالة

والأشد إهانةة للدين والتشيع والأشد تكفيرًا لمن ليس على هواهم! فحاشاك يا

سماحة الإمام المجاهد حسن نصرالله والخلط في التعابير والتعاريف! وبعداك

والانزلاق لموقع لا تقر عليه قدمك! وأن تعود عن خطل عارض لهو خير لك

.( وللملايين من محبيك على أن تأخذك العزة بالإثم!"( ٨٤

باختصار شديد، وإذا ما عمدنا إلى مقاربة مواقف حزب الله من مشاريع

المقاومة الإسلامية في العالم الإسلامي، سنلاحظ ثلاث مواقف أساسية له

هي:

٨٤ ) أنظر مقال: "الى الإمام حسن نصرالله ثانية! عن ال  ع  مهِ والتكفير!"، نوري المرادي، )

شبكة البصرة، ٩ ايلول ٢٠٠٥ على الرابط:

http://articles.abolkhaseb.net/ar_articles_2005/0905/morad_090905.htm

٧٩

- الموقف الأول: التجاهل التام والشامل واتخاذ موقف اللامبالاة تجاه قضايا

جوهرية كالشيشان وأفغانستان والبوسنة وكشمير.

- الموقف الثاني: الته  جم والتطاول والتشويه المقصود والعمدي والإلغاء

كحالة المقاومة العراقية والأفغانية، بل والتماهي مع مواقف المحتل

وعملائه.

- الموقف الثالث: التأييد والتشجيع "الخطابي" الدائم والعلني للقضية

الفلسطينية.

و إذا ما جمعنا هذه الملاحظات مع بعضها نستطيع أن نستنتج أن الموقف

من القضية الفلسطينية هو موقف مصلحي بامتياز، لأ  ن المفروض أن المبدأ

الإسلامي لا يج  زئ الاحتلالات خاصة إذا كانت الجهة هي ذاتها (لا فرق بين

إسرائيل و أمريكا). فإذا كان التأييد للفصائل الفلسطينية الإسلامية والقضية

الفلسطينية تأييدًا عقائديًا فهذا يفترض تأييد المقاومة العراقية لأ  ن الطرفين

مسلمان ومن المذهب السّني، والطرفان أرضهم محتّلة ومقاومتهم مشروعة،

والاثنان يواجهان ما يدعي الحزب أنهم أعداؤه "إسرائيل وأمريكا"، والاثنان

عرب - إذا إن هذا يش ّ كل مأخذا مثلا -ً .

ولذلك، نلاحظ أن الحزب وعبر قياداته يقوم عندما يتم إحراجه بالالتفاف

على الموضوع إما من خلال كلام عام شامل هلامي مطاطي وإما من خلال

إعطاء مبررات ومس  وغات وتأويلات فاضحة لا تستند إلى شرع أو دين أو

أخلاق أو عقل، كما فعل عندما ب  رر موقف المراجع والطبقة السياسية والدينية

التي جاءت مع الأمريكيين إلى العراق.

الدور الإيراني في مساعدة الأمريكيين واضح في العراق من خلال الإطاحة

به وتدميره مع بنيته التحتية ومؤسساته السيادية وحل جيشه والسعي إلى تقسيمه،

لذلك فإن إيران والأطراف الشيعية المرتبطة معها في داخل العراق تتحمل

المسؤولية الكاملة عن الأفعال الثلاثة السابقة والتي تصب في خانة دعم الكيان

٨٠

الصهيوني. وكان من نتائج الأفعال السابقة انتهاء خطر الجبهة الشرقية على

إسرائيل وتغيير العقيدة القتالية للجيش العراقي.

فكيف يمكن أن نجمع ونوّفق بين صورتين متناقضتين لإيران؟ في الصورة

الأولى، تدعم إيران إسرائيل وتهيئ السبل لتمكنها من الاستقرار كما حدث في

العراق، وفي الثانية، تحارب إيران إسرائيل بواسطة "حزب الله" كما حدث في

لبنان، مع الحرص الكامل على أن تكون الطائفة الشيعية وحدها هي المقاتلة في

الجنوب اللبناني.

يكون التوفيق بإدراك أن المقصود من قتال "حزب الله" للعدو الصهيوني في

لبنان هو الدعاية والترويج لإيران والطائفة الشيعية على مستوى لبنان والعالم

العربي والإسلامي من جهة، ومن أجل التغطية على جرائم إيران في العراق من

.( جهة ثانية( ٨٥

أ  ما بالنسبة لموقف الحزب من مشروع المقاومة الفلسطينية، فالتفسير

الوحيد لهذا التناقض هو أن الحزب يريد الانتفاع من قدسية القضية الفلسطينية

ليقوم بدوره الذي شرحناه في القسم الأول للترويج لنفسه واختراق القاعدة

الشعبية العربية والإسلامية من أجل الدور الذي يلعبه في خدمة المشروع

الإيراني. هذه المصلحة لا تتعلق بمصلحة الحزب بشكل خاص فقط، إنما

بالمصلحة الإيرانية بالأساس. فالمعروف أن تأييد حزب الله لأي مقاومة في

العراق – سواء إسلامية أو وطنية أو قومية- يص  ب ضد مصلحة النظام

الإيراني بالدرجة الأولى، ثم الطائفة الشيعية بالدرجة الثانية. لذلك ومن خلال

مقاربة المواقف، نستطيع أن نستنتج أن الحزب يرى إن احتلال العراق أوصل

الطائفة الشيعية وخاصة الموالية لإيران إلى الحكم وبالتالي فهذا مكسب لا يجب

٨٥ ) أنظر انظر مقال: "دور ايران و حزب الله في القضية الفلسطينية"، غازي التوبة، )

.٢٠٠٦-٨- صحيفة الحياة، ٢٥

٨١

التفريط به عبر تأييد أي مقاومة عراقية مسلحة، فما بالك إن كانت المقاومة

إسلامية سنية!!

وهذا يبرز حقيقة الموقف الطائفي للحزب وسكوته عن تلاقي مصالحه مع

المحتل حيث تنتفع الطائفة الشيعية "الموالية لإيران" هناك من الاحتلال الأمريكي

وبالتالي يزداد النفوذ الإيراني الذي هو أصل وأساس دور حزب الله، وصعود

الشيعة في العراق لا بد واّنه يؤّثر على صعود الأقليات الشيعية في المنطقة وهذا

في صالح إيران وكل ما هو في صالح إيران في صالح حزب الله وسيقبل به.

٨٢

٨٣

القسم الرابع

حرب تموز ٢٠٠٦ و تداعياتها

في هذا الباب نتناول الحرب الأخيرة التي حصلت في تموز ٢٠٠٦

وتداعياتها.

فعلى الرغم من أن ملابساتها لا تزال غامضة لدى كثيرين، وعلى الرغم

من أن تفسيرها يتم في إطار متعدد ومختلف وأحيانا كثيرة متناقض، إلا أننا

سنتناول أسبابها، ملابساتها، الهدف منها، نتائجها في إطار يكاد يكون فريدًا من

نوعه ومنفردًا، ويأتي في سياق التسلسل الطبيعي لمجريات الأحداث وقواعد

اللعبة التي نشأت بين إسرائيل وحزب الله.

إن اختلاف التفسير يطرح سيناريوهات بين أن يكون حزب الله استدعى

حربًا على لبنان من خلال علمه بما سيحصل من نتيجة لخطف الجنديين خاصة

أن حالة غ  زة كانت لا تزال ماثلة، وبين أن تكون إسرائيل استغلت عمل حزب

الله وفاجأته في حجم و سرعة الرد وأدخلته في حرب لم يختر توقيتها.

و لا يقتصر هذا الاختلاف في التفسير بين المحللين، بل حتى إن حزب الله

يشارك به بشكل أساسي، فهو إلى اليوم لا يقدم قراءة حقيقية لما جرى و يقوم

بتقديم قراءات تتناقض وتتضارب مع بعضها البعض، فمن تفسيراته لاندلاع

الحرب:

١- إن العدوان الإسرائيلي كان معدًا وفق معلوماته ليكون في أيلول أو تشرين

الأول ... عندما قامت عملية الأسر فإن المقاومة من حيث لا تعلم أحبطت

الخطة الأخطر والسيناريو الأسوأ للحرب على لبنان( ٨٦ )، وهذا معناه أن

الحزب كان يتوقع الحرب لذلك استبقها بخطف جنديين فأحبط الخطة

الإسرائيلية، وأنه لو لم يفعل لكن الأمر أسوأ!!

.٢٠٠٦-٧- ٨٦ ) راجع مقابلة نصرالله مع قناة المنار في ٢٦ )

٨٤

٢- "إن قيادة حزب الله لم تتوقع ولو واحدًا بالمائة أن عملية الأسر ستؤدي إلى

حرب بهذه السعة وبهذا الحجم ... لو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود

إلى هذه النتيجة لما قامت بها قطعًا" وهذا مناقض تمامًا لما تم ذكره

.( أعلاه( ٨٧

٣- إن قادة الرابع عشر من آذار ذهبوا إلى أميركا وحرضوا بشن الحرب

على حزب الله!!( ٨٨ )، هذا يعني أن الحرب لم يكن لها علاقة لا بترتيبات

إسرائيلية منذ الأساس ولا بعملية خطف الجنود من قبل حزب الله وهو ما

يناقض التوجهين السابقين.

٤- تفسيرات عملية تشير إلى الهزيمة من خلال قبول الأمر الواقع، وأخرى

.( نظرية تشير إلى نصر إلهي تاريخي استراتيجي( ٨٩

على أية حال، كانت تطورات عديدة خطيرة إقليمية ودولية وقعت بعد

الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام ٢٠٠٠ ، فحصلت هجمات نيويورك

وواشنطن من قبل القاعدة في العام ٢٠٠١ ، وقام الأمريكيون باحتلال وغزو

أفغانستان في العام نفسه ثم تدمير العراق واحتلاله بالكامل في العام ٢٠٠٣ . وقد

لوحظ أن الحزب زاد من أهمية الحفاظ على الهدوء على الحدود مع إسرائيل

وتأكيد عدم إزعاج المستوطنات، فلم يقم بأية عمليات كبيرة أو بأي خرق خطير

للتفاهمات التي كانت حاصلة وذلك كي يؤكد للإسرائيليين وللأمريكان بأنه غير

الفصائل الجهادية الأخرى في العالم الإسلامي واّنه لا يشكل "خطرًا إرهابيًا "

وأّنه حركة مقاومة ذات غاية دفاعية فقط.

فقد حّذر وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك شاؤول موفاز، من أن إسرائيل

ستضرب لبنان في حال استغلّ حزب الله الحرب على العراق للهجوم عليها،

.٢٠٠٦-٨- ٨٧ ) راجع مقابلة نصرالله مع تلفزيون الجديد في ٢٧ )

٢٠٠٦ ، موقع سوريا الح  رة. -١٢- ٨٨ ) راجع: الحريري: ايران تبث الفرقة في لبنان، ١٤ )

٨٩ ) انظر سياق البحث لاحقا. )

٨٥

وكان رد حزب الله بطريقة غير مباشرة عبر النائب التابع له عبد الله قصير

الذي ص  رح: "لا توجد في تاريخ حزب الله المقاوم أي حالة ضرب مواقع أو أهداف

إسرائيلية إلا كردة فعل على اعتداء يطال المدنيين اللبنانيين" وأضاف: "حزب الله

ملتزم بهذا السياق، وهو غير معني بما هو خارجه"( ٩٠ ). الترجمة لهذه الجملة أن

حزب الله ملتزم بالاتفاقات بخصوص قواعد اللعبة التي لا علاقة لها لا

بموضوع عراق ولا أفغانستان ولا غيرهما!!

ومع ذلك ، ومنذ العام ٢٠٠٠ ، فقد انتقل الضغط الشعبي اللبناني ليدفع

باتجاه المطالبة بخروج سوريا من لبنان وإلى تسليم الحزب لسلاحه، وقد تحقق

الجزء الأول بعد عملية اغتيال الحريري في آذار من العام ٢٠٠٥ ، وبقي الجزء

الثاني مثار جدل لا سيما بعد صدور القرار ١٥٥٩ الذي يؤّكد على ضرورة

بسط سيادة الدولة اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها وسحب سلاح جميع

الميليشيات. بمعنى آخر كان هناك مطالبة لتفعيل اتفاق الطائف في هذا الجانب

خاصة إن الآية انقلبت بعد الخروج الإسرائيلي من لبنان فأصبحت سوريا في

المأزق الذي كانت إسرائيل فيه.

٢٠٠٦ ، قام حزب الله بعملية خطف جنديين إسرائيليين وقد س  مى /٧/ في ١٢

العملية باسم "الوعد الصادق" على أساس إن الهدف منها سيكون تحرير أسرى

لبنانين محتجزين لدى إسرائيل. لقد جاءت العملية في ظروف غريبة جدًا، داخليًا

على الصعيد اللبناني، وحدوديًا على صعيد الداخل الفلسطيني وإقليميًا على

الصعيد الإيراني.

وبغض النظر ع  من هو صاحب قرار عملية الخطف : الحزب أم إيران، إلا

أن المؤشرات كانت توحي بأ  ن إيران هي التي طلبت منه ذلك، على أساس أن

٩٠ ) انظر: "حزب الله: لن نهاجم اسرائيل ا ّ لا اذا استهدفت لبنانيين". صحيفة الشرق الأوسط، )

. العدد ٨٨٠٨ ، الخميس ٩ يناير ٢٠٠٣

٨٦

اختطاف جنديين إسرائيليين سيأخذ بعدًا دوليا و ستضطر الجهات المتضررة إلى

طلب أن تتدخل إيران وسوريا كطرف مفاوض وعندها تحصل المساومات في

الملفات والمماطلات.

ولعلّ الحزب كان يرى – بذاته أو عبر داعميه - أن الوضع الداخلي

الإسرائيلي متأزم وأن إسرائيل منخرطة في معركة الاعتداء على غ  زة ومشغولة

بها ومستنزفة داخليًا ومتخبطة سياسيًا و عندها مأزق في اّتخاذ القرارات خا  صة

بعد العملية النوعية للفصائل الفلسطينية "الوهم المتبدد".

ومن هذا المنطلق رأى الحزب أن الوقت الآن هو أفضل وقت لتنفيذ عملية

سريعة وخاطفة يتحّقق عبرها تسجيل عدة نقاط داخلية وخارجية لصالح الحزب

:( و لصالح الداعمين له ومنها( ٩١

١- إعادة إحياء شعبية حزب الله على الصعيد الداخلي من خلال تبنيه قضية

الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية وهي بالطبع قضية وطنية سيّتحد

كل الشعب اللبناني عليها وسيّتخذ موقفًا ايجابيًا منها، وبالتالي استخدام هذه

الشعبية التي سيحصل عليها كورقة ضغط في التفاوض على طاولة الحوار

اللبنانية لتحقيق العديد من المكاسب دون أن يظهر إن حزب الله متعّنت

ومعزول داخليًا وخارجيًا.

٢- الحصول على دعم شعبي واسع في العالم الإسلامي واستغلاله في محو

الصورة السيئة التي نشأت عن امتناع شيعة العراق عن مقاومة الاحتلال

الأمريكي وانخراطهم في إطار حملة دنيئة لتصفية المقاومة العراقية

الإسلامية والوطنية بالإضافة إلى التج  معات السنية المعزولة إقليميًا ودوليًا

بسبب انتماء المقاومة لها.

٩١ ) راجع: مقال "قراءة مغايرة لمجريات ما حدث بين حزب الله و اسرائيل"، علي حسين )

. باكير، صحيفة الشرق القطرية، الاثنين ١٧ يوليو ٢٠٠٦

٨٧

٣- إظهار التضامن أو التقاطع مع غ  زة وما يجري فيها و بالتالي الحصول

على دعم عربي شعبي كبير.

٤- الرد الغير مباشر على مسألة التهديد الإسرائيلي لسوريا عندما أعلنت

الطائرات الحربية الإسرائيلية قبل ما يقرب من أسبوع تحليقها فوق القصر

الرئاسي للرئيس ب ّ شار الأسد في قلب وعمق سوريا مع إمكانية إعادة إدخال

سوريا إلى لبنان سياسيًا أو عمليًا من خلال إمكانية إقحامها في دور ما في

مسألة التفاوض على الجنود و الأسرى.

٥- توافق العملية مع دخول خافيير سولانا في اجتماع مع الإيرانيين بخصوص

البرنامج النووي الإيراني مع علم الجميع أن الاجتماع لم يكن ليتوصل إلى

أي شيء م  ما يعني أنه سيكون هناك تصعيد ضد إيران، فجاءت هذه

العملية ضمن هذا السياق أيضا.

انطلاقا من المعطيات التي شرحناها أعلاه، فا  ن الحزب كان يت  وقع أن يكون

الرد الإسرائيلي على خطف جندييه محدودا نظرا لانغماس إسرائيل في المشاكل

الداخلية الكثيرة التي تعاني منها، كما توّقع الحزب في أسوء الأحوال أن تقوم

إسرائيل بقصف محدود لبعض المناطق المعزولة في الأحراش ينتهي بدعوة

جميع الأطراف إلى بدء مفاوضات من أجل تبادل الأسرى، و لذلك فهو أبلغ

إسرائيل علنًا أن نيته هي عدم التصعيد و أن القواعد يجب أن تكون محصورة

.( في هذه اللعبة فيما يتعّلق بالتفاوض حول الأسرى فقط( ٩٢

من الناحية الإسرائيلية، نعتقد أن إسرائيل رأت أن الوقت قد حان لتغيير

قواعد اللعبة مع حزب الله خا  صة أن الأرضية اللبنانية والدولية باتت جاهزة لهذا

التغيير وبما أن الحزب هو من أقدم على خطوة خطف الجنديين أولا، فإن هذه

العملية ستش ّ كل ذريعة ممتازة لإسرائيل للمضي في خطتها، فصحيح إن الحزب

٩٢ ) راجع البيان الأول لأمين العام لحزب الله فور اختطاف الجنديين. )

٨٨

قد التزم وأدى دوره على الحدود مع إسرائيل في فرض الهدوء ومنع التسلل، إلا

أنه قد ض ّ خم من نفسه - سواء عبر الدعاية و الادعاء أنه قوة رادعة لإسرائيل

أو عبر تخزين الأسلحة والصواريخ - فأصبح في موقع أكبر من الموقع

المرسوم له في الخ ّ طة الإسرائيلية والرؤية الإستراتيجية التابعة لها.

و إذا كان لا بد من الضغط على إيران من قبل أمريكا أيضا، فإنه يجب

تجريدها من أوراقها الإقليمية ومنهم حزب الله بطبيعة الحال. ولذلك قررت ش  ن

حرب على لبنان يكون الهدف الأساسي منها إيجاد بديل لحزب الله يقوم بنفس

دوره السابق مع فارق عدم قدرته على ابتزازها، وهو ما سيكون فيما بعد

(القوات الدولية + الجيش اللبناني)، الذين سيكونون في موقع دفاع دون صلاحية

الهجوم.

أما البعد الخارجي للحرب على لبنان فيتمثل في صراع المشروعين

الأمريكي والإيراني بحيث تستخدم الأولى إسرائيل كأداة لها وتستخدم الثانية

حزب الله، وللحقية، فاّنه من الخطأ القول إن إيران اختارت هذه الحرب في هذا

التوقيت، لكنها اختارت عملية الخطف، بمعنى أنها لم تكن تريد إشعال حرب أو

الوصول إلى هذه المرحلة. فإيران عبر حزب الله كانت تريد استعراض ورقتها

"حزب الله" في لبنان عبر عملية أسر جنديين إسرائيليين خا  صة أن الحدث تزامن

مع فشل محادثات خافيير سولانا مع إيران حول برنامجها النووي الذي وصل

إلى طريق مسدود. وعمليات الخطف التي تدعمها إيران عادة تتيح لها التفاوض

ومزيدًا من الوقت، وهذه إستراتيجية واضحة لمن خبر الدور الإيراني في

الثمانينات وكيف كانت تستغل عمليات الخطف التي تتم في بيروت من أجل

التفاوض مع القوى الكبرى على مكاسب، إذ من غير المعقول أن تقوم إيران

بدعم الحزب بمليارات الدولارات ومختلف أنواع الصواريخ من أجل حرب

عبثية، فدور الحزب وترسانته ستكون أقوى في حال تعرض إيران لأي تهديد أو

ضربة، حينها يكون تأثيره على قلب إسرائيل مخيفًا.

٨٩

لكن الذي حصل أن الولايات المّتحدة الأمريكية التي سئمت المماطلة

الإيرانية استغلت الخطأ في الحسابات الذي وقع به الحزب عندما قام بعملية

الخطف، وذلك في محاولة منها للقضاء على الورقة الإيرانية للانقضاض على

الأوراق الأخرى قبل التفكير بشن أي هجوم عسكري مستقبلا على إيران

لتجريدها من قدراتها النووية – إذا افترضنا أن ذلك سيحصل -.

والذي يؤ ّ كد هذا الكلام تصريح أمين عام حزب الله حسن نصر الله الذي

قال بنفسه من اّنه لم يردها حربًا مفتوحة و أن الإسرائيليين هم من أرادوا ذلك و

:( سيحصلون عليها، هذا التصريح يحمل عدة معاني هامة منها( ٩٣

أولا: إن الحزب لا يخوض حرب إلغاء مع إسرائيل أو حرب وجود، إنما

حرب محدودة يستثمر نتائجها في سبيل الترويج لنفسه ولإيران ولهذا فا  ن حروبًا

كهذه حروب يكون لها قواعد و خطوط حمراء و إشارات ثنائية.

ثانياً: إن الحروب التي خاضها الحزب سابقًا لم تكن بأي حال من الأحوال

مفتوحة وأنها لم تكن خيارًا استراتيجيًا وعقائديا بقدر ما هي خيار تكتيكي

وموسمي الهدف منها قطف ثمارها إعلاميًا وإقليميًا وتجييرها لإيران وسوريا،

وإلا فأنا لم اعرف أن هناك مجاهدين أو مقاومين في تاريخ الشعوب يمنعون

الآخرين من الجهاد و القتال إلا إذا كان لهم مصلحة معينة في حصر القتال بهم،

و هذا ما يفعله حزب الله.

ثالثاً: إن الحزب عندما وقعت الحرب و صارت امرًا مقضيا مع إسرائيل،

استتر الحزب خلف خطاباته عن الأمة الإسلامية والأمة العربية والدفاع عن

المستضعفين، فالحرب واقعة واقعة، فلتستغل إعلاميا "حسب رؤيتهم"، للترويج

خير من أن تذهب سدى.

٩٣ ) أنظر مقالنا: "الحرب على لبنان بين المشروعين الايراني و الأمريكي"، علي حسين )

. باكير، مجلة البيان، العدد ٢٨٨ ، أيلول ٢٠٠٦

٩٠

يقول نصر الله في أول خطاب له بعد اندلاع الحرب: "...إن حزب الله لا

يقوم الآن بمعركة حزب الله ولا يخوض معركة لبنان، نحن الآن أصبحنا

نخوض معركة الأمة شئنا أم أبينا، شاء اللبنانيون أم أبوا. لبنان الآن والمقاومة

في لبنان تخوض معركة الأمة. أين هي الأمة من هذه المعركة؟ هذا السؤال

.( برسمكم من أجل دنياكم وآخرتكم"( ٩٤

عندما أراد شرفاء الأمة الانتقام من العدو الصهيوني عبر الحدود التي كان

يمسك حزب الله زمامها في سنوات الهدوء والترتيبات الأمنية بينه وبين العدو

الصهيوني، كان يمسكهم ويعذبهم ويرميهم بالسجون، وعندما علق في هذه

الورطة أصبح يسأل عنهم بصيغة اللوم؟!!

على كل حال، في هذا الإطار تح  ركت الحكومة الإسرائيلية في ثلاثة

:( محاور( ٩٥

سياسيًا: من خلال تحميلها الحكومة اللبنانية المسؤولية ونقل وتصعيد الملف

دوليًا من خلال مجلس الأمن أو من خلال القوى الدولية وعلى رأسها أمريكا

وبالتالي تبرير استهداف كل ما يتعّلق بها ويتبع لها، فحزب الله ليس لديه مراكز

ثابتة ومعروفة ليتم قصفها وبالتالي سيكون من الأسهل قصف مواقع حيوية تابعة

للدولة اللبنانية.

اقتصاديًا: تحميل الحكومة اللبنانية خسائر اقتصادية ضخمة من خلال

ضرب الأهداف الحيوية والمرافق الإستراتيجية وتعطيل وشل الاقتصاد اللبناني

السياحي والخدماتي لفترة طويلة على أمل أن يحدث هذا ضغطًا شعبيًا متملم ً لا

من الخسائر مضادًا لحزب الله يدين تص  رفه الغير محسوب و يع  جل بسحب

سلاحه.

.٢٠٠٦-٧- ٩٤ ) راجع: كلمة نصرالله الى الأ  مة في ١٦ )

٩٥ ) راجع مقالنا: "قراءة مغايرة لمجريات ما حدث بين حزب الله و اسرائيل"، مرجع سابق. )

٩١

عسكرياً: من خلال قصف جوي مو  سع وبحري مر ّ كز وبتو ّ غل ب  ري

عسكري عبر فرق خاصة إذا اقتضى الأمر و قصف سلسلة من الأهداف

الحيوية والإستراتيجية ومنها: الجسور، مح ّ طات الكهرباء ومح ّ طات الهاتف

والمياه والمطارات إضافة إلى أماكن حيوية أخرى سواء تابعة للجيش اللبناني –

في حال ش ّ كلت تدخلاته ضغطًا - أو على مواقع الأحزاب والمخيمات الفلسطينية

في لبنان.

اجتماعياً: تدمير بيئة حزب الله الحيوية المركزية والشعبية وكل ما يتصل

به وبها سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت أو في الجنوب، وإيقاع خسائر

جسيمة ببنية لبنان الاقتصادية والمالية والعمرانية لزيادة الضغط.

والهدف من التحرك الإسرائيلي هذا وضع ضغط كبير على الحكومة

اللبنانية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريا عبر عملية "الثمن الرادع" وذلك في محاولة

لدفعها تطبيق القرار الدولي ١٥٥٩ وب ّ ت أمره نهائيًا مع تخ ّ طي مسألة الأسرى

والجنديين لانتهاز الفرصة والقضاء على حزب الله وجعل حزب الله ولبنان

والشعب اللبناني يدفعون ثمنا باهظا يفوق بقيمته قيمة أي انتصار ممكن لحزب

الله أن يحصل عليه إذا ما وقع تبادل للأسرى.

أدرك حزب الله متأخرًا أبعاد الخ ّ طة الإسرائيلية مع مرور الوقت، فحاول

فرض قواعد جديدة مقبولة وخطوط حمر بينه وبين إسرائيل داخل هذه

العملية للعب ضمنها وفي إطارها، وكان من بينها اعتماد الإستراتيجية

:( التالية( ٩٦

١- عدم ابتداء الحزب بأية عمليات ضد الجيش الإسرائيلي على أمل أن يعود

الإسرائيليون عن مخ ّ ططهم و أن لا يتم استفزازهم. (بعد أن تم استدعاء

الاحتياط الإسرائيلي).

٩٦ ) قراءة مغايرة....، مرجع سابق. )

٩٢

٢- محاولة ضبط النفس ومواكبة أي تصعيد إسرائيلي برد مساوى وموازى

من حيث الفعالية النفسية.

٣- فرض خط احمر و الالتزام بعدم التعرض لحيفا طالما أن الإسرائيليين

ملتزمون بعدم ضرب الضاحية الجنوبية.

الذي حصل، هو أن إسرائيل خرقت كل القواعد أيضًا و تخ ّ طت كل

الخطوط الحمر م  ما أذهل حزب الله الذي لم يتوقع تص  رف إسرائيل هذا خا  صة

أّنه سبق والتزم وإياها خلال سنوات طويلة بخطوط وقواعد معروفة.

يقول رئيس الوزراء الصهيوني أولمرت في تصريح له في ٢٤ تموز

٢٠٠٦ : "اعتقد أن نصرالله قد ارتكب خطأ فادحًا. فلو كان يظن ويعرف أن رد فعلنا

سيكون على هذا النحو، لكان قد تصرف بشكل مختلف تمامًا. إذ انه جرد نفسه

.( ومنظمته من كل شرعية في العالم بأسره"( ٩٧

ومما يؤ ّ كد ذلك، اعتراف نصر الله نفسه بقوله: "إن قيادة حزب الله لم تتوقع

ولو واحدا بالمائة أن عملية الأسر ستؤدي إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، .. لو

.( علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا( ٩٨

هذا يعني أن إسرائيل أرادت مفاجأة نصر الله برد فعلها وقد استغلت خطوة

خطف الجنديين أفضل استغلال، فمن سيكترث بجنديين إذا كانت مفاعيل الحرب

ستكون ذات نتائج إستراتيجية!!. ولان الطرفين كانا يلتزمان بقواعد اللعبة طيلة

فترة الست سنوات، فقد ش ّ كلت المفاجأة ارتباكًا في إستراتيجية الحزب الذي لم

يكن يحضر لبديل ويعتقد اّنه سيبقى على الحدود مع إسرائيل وفق برنامج خاص

به.

هذا الذهول الذي أصاب الحزب رافقه عدم تماسك في الجبهة الداخلية

اللبنانية على المستوى الحكومي والشعبي مع حرب نفسية كبيرة وضرب

. ٩٧ ) موقع وزارة الخارجية الصهيونية بتاريخ ٢٤ تموز ٢٠٠٦ )

.٢٠٠٦-٨- ٩٨ ) مقابلة حسن نصرالله مع تلفزيون الجديد في ٢٧ )

٩٣

إسرائيل لكل شيء يمكن تص  وره في لبنان، الأمر الذي قصم ظهر حزب الله

وشّله تمامًا وهو الأمر الذي لم يكن احد في العالم ليتوقعه خا  صة مع تواجد حملة

دولية مقبولة لإدانة التصرف الإسرائيلي من قبل كل من فرنسا، روسيا، الصين،

البرازيل، سويسرا ألمانيا وغيرها من الدول التي أدانت الرد الإسرائيلي بهذا

الشكل.

انتهت الحرب في ١٤ آب ٢٠٠٦ ، بعد مرور ٣٣ يومًا وأدت إلى خسائر

اقتصادية لبنانية بلغت حوالي ١٣ مليار دولار( ٩٩ ) (بالإضافة إلى خسائر غير

مباشرة مالية بمليارات الدولارات).

و ١٣٠٠ قتيل لبناني بالإضافة إلى أكثر من ٤٠٥٠ جريحًا و تهجير حوالي

٩١٦ ألف نسمة( ١٠٠ )، وتم تدمير أكثر من ٥٠ % من البنية التحتية التي تم

إعمارها في لبنان منذ العام ١٩٩٢ فيما يتعّلق بالمنشآت والطرق والجسور، فيما

،( بلغ إجمالي عدد القتلى في الجانب الإسرائيلي ١٥٧ قتي ً لا، و ٨٦٠ جريحًا( ١٠١

لكن الأهم من ذلك كّله أن الحرب قد توّقفت بموافقة حزب الله وإسرائيل على

. قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١

ما إن توقفت الحرب حتى تم إعلان "النصر الإلهي التاريخي الاستراتيجي

الكبير" من قبل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله( ١٠٢ )، كما تعودنا وراء كل

معركة. وبما أننا شرحنا الآلية لطريقة تحرك الحزب وإسرائيل بعد كل حرب

في هذه الدراسة، فا  ن الحقيقة برأينا هي أن الحزب قد هزم هزيمة كبرى في هذه

الحرب بالذات، ولا نعتمد في تحليلنا هذا على حجم الدمار أو الموت أو الخسائر

التي لحقت بلبنان - مع ضرورة عدم إهمال هذا العامل أيضا -، في تقييم

. ٩٩ ) راجع: مجلة الكفاح العربي، ٢٥ كانون اول ٢٠٠٦ )

http://alwaqt.com/art.php?aid= ١٠٠ ) انظر: 12911 )

١٠١ ) انظر موسوعة ويكيبيديا على الانترنت. )

. ١٠٢ ) راجع: كلمة نصرالله في مهرجان النصر الالهي في ٢٢ أيلول ٢٠٠٦ )

٩٤

الانتصار أو الهزيمة لكل من حزب الله أو إسرائيل إنما بنا  ء على عوامل

موضوعية يستطيع أي إنسان في العالم أن يحكم عليها فيما لو تم عرضها بعيدًا

عن عمليات التزييف الإعلامي والعواطف. فالمحلل الاستراتيجي لا يتبع إلا

البيّنة، والمعايير الموضوعية لمفهوم النصر والهزيمة بالنسبة لإسرائيل أو

لحزب الله يجب أن تقاس إلى الهدف الذي كان كل منهما يسعى إليه.

بالنسبة إلى حزب الله:

يمكننا أن نقول أن معايير النصر في حالته تتمحور حول أي من العناصر

التالية:

١- ردع إسرائيل.

٢- طردها (ولا نقول منعها، لأنه لا توجد جماعة مسلحة في العالم تمنع جيشًا

من التوغل) من المواقع التي تدخلها في الجنوب اللبناني.

٣- إيقاع أكبر عدد من الخسائر البشرية في صفوفها بشرط أن يكون ذلك سببًا

في اضطرارها إلى إيقاف الحرب من طرفها وحدها أو انسحابها من

المناطق التي تدخلها على الأقل.

٤- فرض أية شروط عليها بغض النظر عن طبيعتها.

٥- إخضاعها لمبدأ توازن الرعب.

٦- إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عملية الخطف. (بمعنى بقاء الستاتيكيو

القديم).

ومن أهدافه:

١- قبل الحرب: منع اندلاعها و حصر العملية بمسألة الجنديين، بالإضافة إلى

إجبار إسرائيل على التفاوض بشأنهما.

٢- اثر اندلاع الحرب: فرض وقف إطلاق النار على إسرائيل قبل التوغل في

الأراضي اللبنانية برًا ومنعها عبر ذلك من تدمير لبنان وقتل الناس

وتهجيرهم أو منعها من تحقيق أهدافها في هذه الحرب في حال تم

٩٥

التوغل.على أن العناصر الموضوعية التي ذكرناه أعلاه يصح أي منها أن

يكون ضمن أهداف الحزب "اثر اندلاع الحرب".

إذا حقق حزب الله أي عنصر من العناصر المذكورة أعلاه يمكننا أن نتكلم

عن نصر وعندها يمكن تقييم حجمه.

لكن إذا ما نظرنا وناقشنا العناصر الموضوعية والأهداف المذكورة أعلاه،

سنرى أن حزب الله لم ينجح بتحقيق أي منها، نسوق تبريراتنا باختصار على

ذلك:

١- مجرد أن إسرائيل أقدمت فعليًا على الدخول في الحرب فهذا يعني أنه لا

يوجد رادع، لا  ن الردع معناه منع الآخر من التفكير في الهجوم، فان هجم

فهذا معناه أن عنصر "الردع" إما ضعيف وإما اّنه لا يوجد "رادع". و في

الحالتين فقد أثبتت الحرب أن حزب الله كان يكذب في قوله "اّنه يردع

إسرائيل" وذلك من أجل أن يغطي مسألة "دوره الوظيفي على الحدود مع

إسرائيل" مع العلم أن حزب الله سنة ٢٠٠٦ أقوى بأضعاف مضاعفة من

حزب الله سنة ٢٠٠٠ ، إذا كان يمتلك قدرة ردع.

٢- حزب الله لم يستطع طرد الإسرائيليين من المناطق التي دخلوها بدليل أن

الجنود الإسرائيليين بقوا لمدة حوالي شهر كامل داخل المناطق التي

استولوا عليها في جنوب لبنان بعد توقف الحرب!!

٣- أوقع حزب الله بعض الخسائر البشرية في صفوف القوات الإسرائيلية،

ولكن لم تكن كافية لجعل العدو ينسحب وهذا يعني أن هذه الخسائر غير

مؤلمة للعدو مقارنة بالهدف الذي يسعى إلى تحقيقه. (مع العلم أن هذه

الخسائر كان من المفروض أن تكون أكثر بكثير إذا ما أخذنا بعين الاعتبار

ترسانة حزب الله من الأسلحة و الخبرة والتدريب الخاص، إلا أن أداؤه

يعتبر متواضعًا قياسًا إلى الجماعات الجهادية في العالم الإسلامي والتي لا

٩٦

يتوفر لها جزء يسير مما هو متوفر لدى الحزب ومع ذلك فا  ن فعاليتها

أكبر من فعاليته).

٤- لم يتم فرض أي شروط على إسرائيل كما سنرى لاحقا من خلال

استعراض القرار.

٥- لم يكن هناك توازن رعب حقيقي يدفع إسرائيل إلى التراجع، و هذا أمر

يتعلق بنقطة الردع أيضا و قد ت  مت مناقشتها.

٦- لم ينجح الحزب في إعادة الوضع بعد الحرب إلى ما كان عليه قبل خطف

الجنود الإسرائيليين.

بالنسبة إلى إسرائيل:

يمكننا أن نقول إن معايير النصر تتمحور حول:

١- تغيير الأوضاع على الحدود. فقد ص  رح أولمرت: "يجب أن يكون واضحًا

أن إسرائيل لن تعود إلى الوضع الذي سبق أحداث يوم الأربعاء

الماضي"( ١٠٣ )،"إن هذه العملية في نهايتها سوف تؤدي إلى تغيير كبير بالنسبة

.( لسكان شمال البلاد"( ١٠٤

٢- تكبيد لبنان خسائر اقتصادية وعمرانية ضخمة للغاية وإرجاعه لعشرين

سنة أو أكثر إلى الوراء إذا لم يرجع حزب الله الجنديين (هم يعلمون أنه لن

يرجعهم، لذلك فقد حشروا الحزب بهذا الخيار إما إرجاعهم و إما تدمير

لبنان) كما ص  رح بذلك المسؤولون الإسرائيليون( ١٠٥ )، وذلك لجعل ثمن

حصول أي تبادل للأسرى كبيرًا جدًا بحيث يضمن عدم تحقيق حزب الله

لأي انتصار، وهو على عكس ما كان سيحدث فيما لو جرت عملية التبادل

بالطرق التقليدية.

. ١٠٣ ) موقع وزارة الخارجية الصهيونية بتاريخ ١٦ تموز ٢٠٠٦ )

. ١٠٤ ) نفس المرجع السابق، بتاريخ ٢٤ تموز ٢٠٠٦ )

.٢٠٠٦-٧- ١٠٥ ) تصريح لدون حالوتس – رئيس أركان الجيش الإسرائيلي- بتاريخ ١٣ )

٩٧

٣- تغيير قواعد اللعبة مع حزب الله أو إنهاؤها. ففي ٣١ تموز ٢٠٠٦ ص  رح

رئيس الوزراء أولمرت: "... يكاد هذا الأمر –أي شن إسرائيل الحرب على

لبنان- يشكل فرصة منقطعة النظير لتغيير قواعد اللعبة في لبنان (مع حزب

.( الله طبعا)"( ١٠٦

أما الهدف فهو: خلق منطقة عازلة يحل فيها (الجيش + القوات الدولية)

محل حزب الله. "هذا مطلب إسرائيل في كل حرب منذ عام ١٩٨٢ وحتى اليوم،

وهو وجود جهة واحدة قوية على الحدود، و ل  ما كان الجيش اللبناني ضعيفًا جدًا

عن منع الفوضى التي ستشكل خطرًا كبيرًا على إسرائيل فيما لو انتشر على

الحدود في أي وقت سابق، فا  ن حزب الله كان البديل المتاح والأفضل في هذه

الحال وفق المنظور الإسرائيلي كما سبق وشرحنا، لكن الوقت حان لتغييره".

كان هذا المطلب الحقيقي لإسرائيل منذ بدء الحرب إما الحديث عن أن

إسرائيل كانت تسعى من خلال العمل العسكري إلى نزع سلاح حزب الله، فهذا

أمر مبالغ فيه أو ً لا، لأنه لا يمكن لأي جيش في العالم مهما بلغت قوته "سحب

سلاح" مجموعة مقاتلة بطريقة مباشرة، مع إمكانية فعل ذلك كنتيجة من نتائج

الحرب (و هذا ما سعت إليه إسرائيل)، وثانيًا لأ  ن وجود منطقة آمنة مع ق  وة

عليها يع ّ طل مفعول أسلحة حزب الله.

هناك قاعدة شبه ثابتة في الحرب تقول إن الحملات العسكرية التي تواجه

أي مجموعة مقاتلة لا تستطيع التغّلب عليها عمليا على الأرض إلا بمفهوم

الإبادة الجماعية لأفرادها "نموذج الفلوجة" أو "مخيم جنين". ونلاحظ في هذه

الحالة أن المجموعة المقاتلة يجب أن تكون في موقع محدد جغرافيا. من هذا

المنطلق، تعلم إسرائيل جيدا أّنه لا يمكنها القضاء على "حزب الله" بالمعنى

العملي، والتصريحات التي بدأت حول قيام إسرائيل بالتحضير للقضاء على

. ١٠٦ ) موقع وزارة الخارجية الصهيونية بتاريخ ٣١ تموز ٢٠٠٦ )

٩٨

حزب الله هي تصريحات في إطار الحرب النفسية أو ً لا، وثانيًا في إطار السقف

المرتفع الذي عادة ما يلجأ له جميع الأطراف في حالات كهذه لعلمهم اّنه سيتم

.( تخفيضه في وقت لاحق( ١٠٧

وإذا ما ناقشنا هذه المعايير سنرى أن إسرائيل قد حّققتها جميعًا دون استثناء

من خلال الحرب أو ً لا ومن خلال نتيجتها القرار ١٧٠١ والذي وافق عليه حزب

الله أيضًا (التذرع بأن الحكومة هي من وافق عليها أمر ساقط لأن الجميع يعلم

أن لا أحد عليه سلطة على الحزب في لبنان، وبدون موافقته سواء عبر وزرائه

في الحكومة أو عبر قيادته على الأرض لما كان تم التوصل إليه ، ولما شاهدنا

تطبيقا فعليا له على الأرض). أما الحديث عن أن حزب الله صمد أو نجح في

تأخير دخول القوات الإسرائيلية إلى لبنان، فهذا تحوير لمجريات سير الأحداث،

ليس ذلك معناه أن إسرائيل تمتلك جيشا قويًا، لكن معناه أن تفسير الإحداث قد تم

تشويهه عمدًا من قبل حزب الله للترويج لدعاية لا أساس لها من الصحة.

فحزب الله ير  وج اّنه صمد ٣٣ يومًا، و مفهوم الصمود هنا ملتبس جدًا،

فهل يعني بالصمود بقاء عناصره على قيد الحياة؟ إذا كان هذا هو المعنى فاّنه

يجب علينا أخذ أرقام القتلى بعين الاعتبار، فمن غير المعقول أن تباد قرى

بأكملها ويقتل أكثر من ١٣٠٠ شخص ويقال هو بأنه انتصر ببقاء عناصره، إذ

أن إسرائيل ممكن لها أن تقتل مليون إنسان دون أية مشكلة، فكيف يكون انتصر

إذا كانت من مهامه حماية الناس أو على الأقل هكذا كان يقول لهم (صواريخنا

تحمي لبنان).

أضف إلى ذلك أن مسألة تمديد الوقت (أي ٣٣ يوما)، كانت لصالح

إسرائيل في المعادلة، فكلما طال الوقت اشتد الضغط على الحزب وليس على

١٠٧ ) أنظر مقالنا: "الردع، توازن الرعب، النصر و الهزيمة في الحرب على لبنان"، علي )

.٢٠٠٦-٨- حسين باكير، صحيفة الخليج الاماراتية، ٧

٩٩

إسرائيل، و خلاله تقوم إسرائيل بقتل و تدمير اكبر عدد ممكن من البشر و البنية

التحتية.

وبعيدًا عن كل هذه المعطيات، فا  ن الخبراء الحقيقيين يعرفون أن إسرائيل لم

ترد اجتياح الجنوب إنما أخذت تعمل على تسخين نقاط التماس مع لبنان (خاصة

في مثلث بنت جبيل، مارون الرأس، عيترون) إلى حين يتم الموافقة على مطلبها

في نشر قوات دولية، وهو الأمر الذي يأخذ وقتًا طوي ً لا نتيجة للمفاوضات

الدبلوماسية في مجلس الأمن، وعليه فان الإسرائيليين لو أرادوا اجتياح الجنوب

لدخلوه منذ اليوم الأول( ١٠٨ )، لك  ن ذلك كان سيعني أن عليهم الانتظار ٣٣ يومًا

في عمق أكثر من ٢٥ كلم داخل الأراضي اللبنانية، وبالتالي التعرض لخسائر

أكبر دون أي معنى أو حاجة لذلك، وإعطاء حزب الله نصرًا مجانيًا.

، "أن إسرائيل لا تخوض معركة برية واسعة النطاق كما فعلت عام ١٩٨٢

وليس لدى إسرائيل أية نية أو رغبة في السيطرة على مناطق في لبنان أو احتلالها.

لكن الهدف من العمليات البرية العسكرية الإسرائيلية هو صد وإبعاد تواجد حزب الله

العسكري الذي تخندق وتحصن على امتداد الحدود، بغية تمكين الجيش اللبناني من

توسيع السيادة اللبنانية لتطال أيضًا هذه المنطقة وذلك تمشيا مع قرار مجلس الأمن

.(١٠٩)"١٥٥٩

الخطة الأساسية اعتمدت على تسخين الجبهة من خلال عدد قليل من الجنود

يبلغ عدة آلاف، واستغلال الوقت للقيام بقصف مواقع تمركز صواريخ وراجمات

١٠٨ ) نستطيع ان نعرف هذا من حجم الحشود ايضا، فقد حشدت اسرائيل على سبيل المثال )

في عام ١٩٨٢ حوالي ١٢٠ الى ١٤٠ ألف جندي و دخلت بهم، مع العلم ا  ن لدى

حزب الله حاليا اسلحة متطورة اكثر بكثير مما كان يملكه الفدائيون الفلسطينيون، لذلك

فان حشد عدة آلاف في البداية هو مؤشر على عدم وجود نية للاحتلال و انما التسخين

و الضغط.

.٢٠٠٦-٧- ١٠٩ ) موقع وزارة الخارجية الصهيونية بتاريخ ٢٥ )

١٠٠

حزب الله، وتدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية اللبنانية، وتهجير الناس

لتحقيق ضغط داخلي في لبنان، والتماس قوة مجموعات حزب الله الأرضية من

خلال اشتباكات محدودة إلى حين تبلور شكل القرار من مجلس الأمن، فيحصل

عندها الاجتياح ليكون الوقت الفاصل بين اجتياح القوات وصدور وتنفيذ وقف

إطلاق النار قصيرًا جدًا. مما يؤكد ذلك تصريح اولمرت: "إن دخول هذه القوات

.( سوف يتم بصورة مدروسة وحذرة، ولن ننجر إلى أي مكان لا نريد دخوله"( ١١٠

ما حصل فعليًا على الأرض يوافق طبيعة تحليلنا للأحداث، فقد أصدر

٢٠٠٦ يأمر بموجبه -٨- رئيس الوزراء الصهيوني أولمرت قرارًا في ١١

ب"الاستعداد لشن هجوم بري في العمق اللبناني"( ١١١ )، هذا يعني أن الحرب البرية

لم تكن حقيقة قد بدأت قبل ذلك التاريخ. وبالفعل، فقد استطاعت إسرائيل خلال

يومين احتلال كل المنطقة والوصول إلى تخوم الليطاني في اليوم الثالث، وقد

اّتخذ مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم ١٧٠١ الذي يدعو إلى إنهاء القتال بين

"إسرائيل" وحزب الله، ووافقت الحكومة اللبنانية على قرار مجلس الأمن في

٢٠٠٦ ، وكان قد تقرر أن يسري مفعول /٨/ ٢٠٠٦ ثم إسرائيل في ١٣ ،/٨/١٢

القرار بدءًا من يوم الاثنين ١٤ آب، الساعة الثامنة صباحًا.

و لم نر شيئًا بعد ذلك مما قاله حسن نصر الله على شاشة المنار في

٢٠٠٦ من أ  ن "حزب الله سيقاتل ما دامت هناك قوات إسرائيلية في لبنان". /٨/١٢

فبقيت القوات الإسرائيلية في لبنان إلى حين تم انتشار القوات الدولية والجيش

اللبناني على الحدود معها. وص  رحت وزيرة الخارجية الصهيونية ليفني في اليوم

التالي لتصريح نصر الله "إن إسرائيل لن تخرج من الجنوب قبل نشر القوات

الدولية واللبنانية" وهذا ما حصل!!

.٢٠٠٦-٧- ١١٠ ) موقع وزارة الخارجية الصهيونية بتاريخ ٢٥ )

http://news.hedayah.net/?xpage=view&EgyxpID= ١١١ ) أنظر: 23947 )

١٠١

بطبيعة الحال، فالخ ّ طة الإسرائيلية لم تمر بالمجان، فسقط لها قتلى

وتعرضت بلداتها لقصف، ول  عل هذا هو السبب الرئيسي وراء ما يقال عن

محاسبات في الداخل الإسرائيلي، إذ أن إسرائيل تسعى دائمًا لتقييم تجربتها تقييمًا

دقيقًا بعد كل معركة وتجري محاسبات عن الأخطاء التي ارتكبت والثغرات التي

فتحت، بالإضافة إلى أن إسرائيل تتميز عن غيرها في كون داخلها السياسي

مؤلفًا من حكومة ومعارضة.

ولا شك أن المعارضة تستغل أي هفوات تقع فيها الحكومة من أجل

تضخيمها وإسقاط الحكومة أو إضعافها حتى لو أدت الحكومة هدفها النهائي،

وهذا شق يدخل في إطار اللعبة الداخلية الإسرائيلية وعلينا أن نأخذه بعين

الاعتبار في مسائل كهذه.

من حق الحزب أن يستغل هذا ويروج لنفسه على أنه انتصر (لكن يجب

علينا أن لا نقع في الفخ الإعلامي)، ولذلك نرى أن ما يستشهد به على اللبنانيين

بانتصاره يأتي به من الصحافة الإسرائيلية فقط!!، في حين أن المنتصر لا

يحتاج لإقناع شعبه ودولته بما يقوله غيره، وإن لم يمنع من الاستشهاد بما يقوله

بين فينة وأخرى، وليس اعتماده حصرا!!

وللمفارقة، فا  ن القرار ١٧٠١ أفاد كثيرًا الدولة اللبنانية بعكس الاتفاقات التي

كانت تتم بين حزب الله وإسرائيل والتي كانت تق  وض من ق  وة الدولة وتزيد من

ح  صة حزب الله فيها، فهذا القرار يقوي الدولة اللبنانية التي كان هناك مصلحة

لحزب الله والداعمين له كإيران وسوريا في إضعافها إلى أقصى درجة حتى

يبقى الحزب هو الذي يحكم المعادلة.

فجيش لبناني قوي على الحدود قد يكون قادرًا على الدفاع ولكنه لن يكون

قادرًا على ابتزاز إسرائيل لصالح إيران أو سوريا فيما كان حزب الله يقوم بهذا

الدور على الرغم من أن الطرفين - أي الجيش حاليًا أو حزب الله سابقًا -

يلعبان نفس الدور على الحدود ضد أي متسلل أو مشاغب.

١٠٢

وقد بدى أن حزب الله يستجدي إسرائيل بالعودة إلى تفاهم نيسان ١٩٩٦

مقابل موافقته على القرار الدولي ١٧٠١ ، إذ يقول نصر الله في كلمته حول

٢٠٠٦ : "ونؤكد على أن تفاهم نيسان عام ١٩٩٦ سيكون /٨/ القرار ١٧٠١ في ١٢

هو الإطار الحاكم لأي مواجهات ميدانية من هذا النوع، فأنا أؤكد بشكل طبيعي

.( التزامنا بتفاهم نيسان، وندعو العدو إلى الالتزام بهذا التفاهم"!!( ١١٢

عمليًا أدرك حزب الله أنه بعد هذه اللحظة لن يكون بإمكانه أن يش ّ كل رافعة

للدور الإيراني والسوري من خلال وضعه على الحدود، فهو لن يكون قادرًا

على أن يكون على الحدود بعد اليوم، ولذلك كان يطرح موافقته مقابل التزام

اتفاق نيسان ١٩٩٦ على أمل أن يبقى على الحدود ليفيد إيران وسوريا في

المستقبل" و كأنه يقول لإسرائيل أبقوني على الحدود وأعدكم بالالتزام بتفاهم

نيسان" !!

من الذي انتصر؟!

بغض النظر وسواء كانت الحرب نتيجة لاختطاف الجنديين واستجلاب

الحزب ومن ورائه سوريا وإيران الحرب على لبنان، أو أن إسرائيل استغّلت

الحدث وفاجأت حزب الله بردة فعلها فا  ن النتيجة تبقى واضحة.

في استعراض مختصر، يستطيع أي إنسان أن يضع أمامه الوثيقة التأسيسية

لحزب الله ومن ثم إلى جانبها جميع الاتفاقات التي حصلت بين إسرائيل وحزب

الله بعد كل معركة ومنها اّتفاقات تموز ١٩٩٣ ، نيسان ١٩٩٦ ، الاتفاقات

الضمنية لعام ٢٠٠٠ والقرار ١٧٠١ ، ليرى بخلاصة من هو الرابح ومن هو

الخاسر.

لقد بدأ الحزب بشعار تحرير القدس، وزحفًا زحفًا حتى القدس، ولبيك يا

أقصى، وإبادة إسرائيل، ثم تراجع إلى تحرير الأراضي اللبنانية، ثم تراجع إلى

.٢٠٠٦-٨- ١١٢ ) كلمة نصرالله بخصوص الموافقة على القرار ١٧٠١ بتاريخ ١٢ )

١٠٣

حماية المدنيين اللبنانيين، ثم تراجع إلى حماية الحدود الإسرائيلية "كما رأيتم"

تحت شعارات العقلانية والاعتدال والظروف و...الخ، ثم انكفأ إلى الدفاع، ثم

عمل على ضرب كل هذه المفاهيم وتزويرها من خلال طرح مفهوم مز  ور وهو

"الردع" (أي أنه ردع إسرائيل ولذلك هي لا تهاجمه!!)، وذلك بعد تقديم تنازل

في كل مرحلة بدءًا من الاعتراف بالمدنيين الإسرائيليين بداية، ثم بالجنود

الإسرائيليين داخل إسرائيل، ثم بالحدود الإسرائيلية، ثم بعدم السماح لأحد

بالاعتداء على إسرائيل عبره، ومع كل تراجع كان يعمل على تسويق دعاية أّنه

هزم إسرائيل ليغطي على التراجع، ويبدو أن الحزب قد صدق هذه الدعاية حول

مفهوم "الردع" التي حققت مفعو ً لا كبيرًا عند الناس التي بدأت تضرب المثل به

في "هزيمة" إسرائيل، في حين كانت إسرائيل فرحة بمبدأ "قانون واحد، سلاح

واحد" الذي يوّفره وجود حزب الله على الحدود، كما أعجبتها سياسة الحزب

المعتدلة والعقلانية والتهدئة والتزامه بالاتفاقات وقواعد اللعبة بين الطرفين.

و للمفارقة فإن هزائم الحزب ميدانيًا تتناسب طرديًا مع انتصاراته

الإعلامية، وهذا يدل على أنه كما ذكرنا وأكدنا أن الحزب مج  رد آلة إعلامية

ودعائية ضخمة، فالذي يعرف خصائص وسائل الإعلام والدعاية يعلم أنها لا

تلتزم بمعايير واقعية، وعلى الرغم من ذلك تأكد وجهة نظرها من خلال دعايتها

إذا كانت محترفة بغض النظر عن كونها صحيحة أم خاطئة، صادقة أو كذبة.

فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من أن "التدخين" يؤدي إلى أمراض

السرطان وإلى الموت في النهاية، إلا أن الإحصاءات تشير إلى أن الدعاية

للتدخين هي السبب الأساسي لزيادة عدد المدخنين على الرغم من أنها تشمل

تحذيرا!!

إذًا كلما كانت هزيمة حزب الله أكبر، كلما كان ادعاؤه تحقيق نصر يتم

بشكل أكبر، ويمكنكم ترجمة النصر الإلهي والتاريخي والاستراتيجي في هذه

الحالة بأنها هزيمة ساحقة، وقد اعترف الأمين العام ضمنيًا بذلك في قوله: "لا

١٠٤

جولة ثانية من الحرب مع إسرائيل"!!( ١١٣ )، وعندما قال أيضًا: "...لو علمنا أن

عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا"، فإذا كانت النتيجة

نصرًا إلهيًا، تاريخيًا، استراتيجيا كبيرًا، فكيف يقول هذا التصريح؟! أم أن

الصحيح أ  ن الواقع آنذاك فور انتهاء الحرب مباشرة لم يكن يسمح له بّادعاء

النصر، وعندما أدخل البلاد في دوامات سياسية تغطي على هزيمته وجاءت

الأموال الإيرانية التي تم توزيعها على إتباعه، ودخلت إسرائيل في حملة

المحاسبة الداخلية التي تكلمنا عنها، أصبحت البيئة المحيطة بالحزب مهيأة

لإعلان مثل هذا النصر الإلهي الوهمي والدعاية له والترويج بمهرجانات

وندوات ولقاءات!! (وإن كان الحزب ربح شيئًا في كل هذا فقد ربح الدعاية فقط

وبهذا يكون حقق شّقا من أهدافه فيما يتعلق بالشعوب العربية ولكنه لن يدوم

طويلا).

المتابع للسياق التحليلي، يستطيع أن يفهم بكل بساطة أسباب تح  رك الحزب

حاليًا على الصعيد السياسي الداخلي للإطاحة بالحكومة والتي من بينها بطبيعة

الحال "المحكمة الدولية" الخاصة باغتيال الحريري التي تؤرق حلفاءه.

لكن من بين أهم الأسباب التي تدفع الحزب لهذا التحرك هو خسارته في

الحرب، إذ اّنه ونتيجة لهذه الحرب خسر مركزه على الحدود لصالح تواجد

قوات دولية، وهذا يعني اّنه قد تم إغلاق الجبهة وأن الدور الذي قام عليه الحزب

بالأساس منذ إنشائه تع  رض لخضه كبيرة إن لم نقل انتهى، ولم يعد باستطاعة

الحزب الآن أن يش ّ كل رافعة للدور السوري أو الإيراني من خلال الجبهة؛

فالجبهة مغلقة ودوره بالتالي مع ّ طل، لذلك ففرصته الوحيدة هي انقلاب داخلي

يتيح له ولحلفائه السيطرة على مراكز صنع القرار اللبناني المؤثرة على أمل أن

يؤدي ذلك مستقبلا إلى تغيير شيء من الواقع الذي أفرزته الحرب، فان لم

.٢٠٠٦-٨- ١١٣ ) مقابلة نصرالله مع تلفزيون الجديد في ٢٧ )

١٠٥

يستطع تغيير شيء من الواقع على الحدود والاتفاقات، فإنه سيضمن على الأقل

موقعًا مهمًا للطائفة الشيعية في السياسة اللبنانية فلا يخرج الحزب بهذه الطريقة

بخفي حنين بعد انتهاء دور سلاحه إذا كان سيضطر إلى تسليمه لاحقًا، ولكن

سينتهي دوره الخارجي، وسينحصر بسلاحه السياسي، حيث سيّتجه "البريستيج

المقاوم" بعدها إلى الخفوت، حيث أن مشروع حزب الله من دون كافة الأحزاب

اللبنانية يقوم على مبدأ استغلال المقاومة للترويج لنفسه داخليًا. ولكن عندما

ينتهي هذا الوضع، سينتهي معه الدعم الخارجي المالي والعسكري وبذلك

سيضطر الحزب إلى تغيير مشروعه وبرنامجه من "مقاومة" إلى شيء آخر لعّله

"الشفافية" أو "محاربة الفساد" أو غيرها من البرامج التي تتيح له الاستمرار في

الحياة السياسية مع حصد جمهور عريض لتعويض الخسائر التي ستلحق به

نتيجة انتهاء مشروعه الأول الذي ظلّ يستغله لمصالح ذاتية وخارجية طوال ٢٥

سنة.

١٠٦

خاتمة

في نهاية البحث لا بد لنا من كلمة مفيدة نطرح بها خلاصة ما تقدم.

"التشخيص الصحيح" للمسائل يساعدنا على حل المشاكل التي تم  ر بها الأمة

والتي تكاد تستعصي على الحل نظرًا للنهج الخاطئ المّتبع في صياغة الأحداث

وتحليلها، وبالتالي فمن الطبيعي أن تؤدي المقدمات الخاطئة إلى نتائج خاطئة،

لهذا نرى أننا نتراجع دوما فيما غيرنا يتقدم.

إذا كان ه  منا الحصول على دعاية وإعلام وجمهور، فلا شك أن هذا عمل

سهل جدا مقارنة بمواجهة التحديات الكبيرة و الخطيرة و الجسيمة التي نمر بها.

وقد عّلمونا في السابق أن نسمي خسارة الحرب "نكسة"، ودخلنا في حروب

خاطئة لأهداف مضللة بعيدة عن الجوهر الحقيقي للمسألة، ولمآرب خاصة ليس

لها علاقة بالشعارات و الواقع المطروح على الناس.

اليوم يتم تكرار المشهد من جديد، الهزائم تسمى "انتصارات"، فيما النتائج

على الأرض كارثة. ونجد أنفسنا في قلب مشاريع تسعى لتفتيتنا أو الاستيلاء

علينا والتغلغل بنا و نحن في غفلة من أمرنا!! التشخيص السليم والمقدمات

السليمة توصل للنتائج السليمة، وبهذا نكون قد اّتخذنا الخطوة الأولى باّتجاه

مسيرة الألف ميل نحو حل المشاكل التي نعاني منها في العالم الإسلامي.

تسمية الأشياء بمسمياتها ليست عيبًا ولا ضعفًا ولا تماهيًا مع "العدو"، إنما

مقدمة لاستيعاب الواقع في المرحلة الأولى.

حصر الموارد والقدرات و تنميتها في المرحلة الثانية، واّتخاذ القرار

المناسب في المرحلة الثالثة ومن ثم الانطلاق نحو التنفيذ على الأرض فيكون ما

يكون من تقييم للتجارب المطبقة، على أن نتيقن أننا في المشروع و الطريق

الصحيحين.

١٠٧

الفهرس

تقديم مجلة الراصد ................................ ٣

مقدمة ................................................................................................ ٥

تمهيد............................................................................................... ٩

لماذا التحليل الشمولي وليس المجتزأ؟!.......................................................... ٩

القسم الاول...................................................................................... ١٥

حزب الله و المشروع الإيراني...................................................................... ١٥

ماهية المشروع الإيراني.......................................................................... ١٥

طبيعة العلاقة بين حزب الله و ايران........................................................... ١٩

القسم الثاني.................................................................................... ٤١

حزب الله و الكيان الصهيوني................................................................... ٤١

القسم الثالث ................................................................................... ٧٠

موقف "حزب الله" من مشاريع المقاومة الإسلامية........................................ ٧٠

القسم الرابع .................................................................................... ٨١

حرب تموز ٢٠٠٦ و تداعياتها.................................................................... ٨١

الفهرس.......................................................................................... ١٠٧