السيستاني وخطورة توظيف الدين في السياسة!
هذه وجهة نظر ليبرالية أخرى تجاه موقف السيستاني والشيعة من خلفه في قضية الانتخابات والديمقراطية ومستقبل العراق. من أجل معرفة أشمل بأبعاد المشكلة العراقية .......................الراصد.
كانت دعوة المرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى السيستاني للعراقيين للهدوء والترحيب بغياب النظام العراقي السابق وعدم المواجهة مع القوات الأمريكية وعدم استعجال رحيلها موضع ارتياح العديد من الأطراف داخل العراق وخارجه, وبقي السيستاني طوال الأشهر الماضية ينأى بنفسه عن الدخول على خط اللعبة السياسية, وكان هذا السلوك لأعلى مرجعية دينية شيعية مصدر ارتياح لكافة القوى السياسية في العراق وذلك للحساسية الشديدة التي يبديها المجتمع العراقي حيال الخلط ما بين الديني والسياسي, وخاصة بعد السنوات الأخيرة من حكم النظام العراقي السابق التي غطى فيها صدام حسين كل تصرفاته الدكتاتورية بشعارات دينية ووضع "الله أكبر" فوق العلم العراقي في محاول للقول أن هذه هي راية إعلاء كلمة الله في الأرض مثلما حاول تفسير قراره.
لقد شكلت دعوة السيستاني مجلس الحكم إلى إجراء انتخابات سريعة في العراق ورفض خطة نقل السلطة إلى العراقيين التي من المفترض أن تبدأ في حزيران المقبل, تغيراً نوعياً هاماً في دور المؤسسة الدينية الشيعية والحوزة العلمية وعلاقتها بكل ما هو سياسي, وقد جاء هذا الموقف منسجماً بصورة متطابقة مع موقف مقتدى الصدر وكذلك موقف عبد العزيز الحكيم داخل مجلس الحكم وهو الذي أعطى انطباعاً بأن القيادة الدينية للمذهب الشيعي بالعراق باتت على موقف واحد من الرغبة في الاستحواذ المبكر على السلطة السياسية في العراق وذلك عبر إجراء الانتخابات المبكرة وذلك بحكم وجود الأغلبية الديمغرافية الشيعية في النسيج الوطني العراقي.
أولاً: إن هذه الدعوة تدل على تدخل صريح ومباشر من قبل القيادات الدينية الشيعية في اللعبة السياسية العراقية وهو تدخل يأتي في ظل احتقانات تاريخية وخطيرة سببها النظام السابق بين السنة والشيعة, وبالتالي فليس من السهل النظر إلى هذا التدخل لرجال الدين الشيعي في اللعبة السياسية العراقية إلا أنه بداية لصناعة رد فعل من قبل السنة عرباً وأكراداً وهو ما عبر عنه قبل عدة أيام البيان الخطير الذي أعلنه رجال الدين "أهل السنة والجماعة" في العراق ورفضوا دعوة السيستاني واعتبروها بداية نحو مواجهة طائفية خاصة بعد المظاهرات التي خرجت في البصرة وبغداد بناء على دعوة السيستاني للمطالبة بإجراء الانتخابات.
ثانياً: إن التشخيص السياسي لتدخل رجال الدين الشيعة بالعملية السياسية في العراق هو أن الشيعة يريدون استخدام صناديق الاقتراع كوسيلة للوصول إلى السلطة وللبقاء فيها وإلى الأبد, لأنهم ومثلما يقول العلمانيون العراقيون لا يؤمنون بتداول سلمي للسلطة وأن هدفهم إقامة نظام اتوقراطي على غرار النظام الإيراني وبحيث تكون بغداد والنجف وكربلاء مدناً تابعة إلى طهران وقم.
ثالثاً: إن إقامة نظام سياسي قائم على أساس ديني سيحيل العراق إلى ساحة أكيدة للصراع الديني والطائفي والمذهبي, على غرار لبنان أبان الحرب الأهلية 1975-1991, ويدلل المتخوفون من هذه النتيجة بما جرى ومنذ الآن للمسيحيين في بغداد والبصرة الذين اعتدى عليهم المتظاهرون الموالون لدعوة السيستاني بالإضافة إلى الممارسات الإجرامية التي مورست ضد بعض الفتيات من غير المحجبات في بعض المحافظات العراقية وبخاصة في الجنوب وضد دور السينما وهيكلها تدلل على النزعة الظلامية العدمية والعدائية للإسلام السياسي تجاه أية مظاهر علمانية أو مظاهر طبيعية للآخر من ديانات أخرى أو قوميات أخرى أو أي شيء آخر داخل النسيج الوطني العراقي.
رابعاً: لقد شكل القرار 137 الصادر عن مجلس الحكم العراقي بشأن إلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي العلماني الصادر في عام 1958 وإحلال بدلاً منه قانون الأحوال الشخصية على أساس ديني وفي غياب أغلبية أعضاء مجلس الحكم العلمانيين وبتأثير من المتدينين الشيعة داخل المجلس وبدون أي مقدمات ديمقراطية أو أي حوار وطني تأكيداً آخر على أن الإسلام السياسي الشيعي في العراق وأي إسلام سياسي آخر سيمضي بلا شك نحو اعتقال المجتمع العراقي باسم الدين بعد أن تحرر من اعتقاله باسم الأمة العربية وقضاياها في ظل نظام صدام حسين البائد.
خامساً: إن التباكي المفاجئ على الديمقراطية في العراق من قبل المرجعيات الشيعية العراقية يثير الكثير من الأسئلة المشروعة حيال الموقف من الممارسات غير الديمقراطية التي يمارسها المحافظون في "ديمقراطية المذهب الديني الواحد واللون السياسي الواحد" في إيران بحق الإصلاحيين ووضع كافة العقبات في طريق ترشيحهم للانتخابات المقبلة, والسؤال المطروح بإلحاح لماذا لا يتقدم آية الله السيستاني وهو أعلى مرجعية دينية للمذهب الشيعية في طرح رأيه بالديمقراطية الناقصة في إيران طالما يقدم نفسه, بل يقدمه الشيعة عرباً وغير عرب على أنه مرجعيتهم الدينية العليا, ولماذا يقبل هو وغيره أن تكون قم هي مصدر القرار في حياة الشيعة وليس النجف". إنها تبعية سياسية خطيرة وبالتالي فالقصة سياسية وليست دينية في كل الأحوال وهي استخدام مريب للدين ولعقول الناس الأبرياء والبسطاء.
وفي مقابل كل ذلك يتجاهل دعاة الانتخابات المبكرة وجود الفوضى الأمنية ووجود القوات الأمريكية بطريقة مريبة, رغم أن الشعار المرفوع من قبلهم هو أن الانتخابات هي الوسيلة للخلاص من الاحتلال, فكيف يمكن الموازنة بين الشعار وبين الواقع وهل الاحتلال نقطة لصالح إجراء الانتخابات أم هو معضلة ضدها؟
كما يتجاهل دعاة الانتخابات المبكرة الغطاء الشرعي والقانوني بدءاً من طبيعة القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات مروراً بماهية الخطورة اللاحقة بها وصولاً إلى السؤال الهام وهو أين الدستور الذي ستتم على أساسه الانتخابات, وما هي الخطوات القانونية والسياسية المطلوبة بعد ذلك بالإضافة إلى شكل الحكم المطلوب في نهاية المطاف؟
كما يتجاهل هؤلاء المصاعب اللوجستية من عدم وجود إحصاء عام للعراقيين وعدم وجود بطاقة وطنية أو بطاقة محددة لتكون وسيلة للتصويت بالإضافة إلى تجاهلهم تخيلوا حق 4 ملايين عراقي فقط مازالوا يعيشون خارج العراق يصعب بالمطلق مشاركتهم في هذه الانتخابات وذلك في ظل عدم وجود سفارات عراقية في الخارج, كما أن اعتماد البطاقة التموينية للنظام السابق والتي كان يمنحها ذلك النظام على أساس من الولاء الأمني والسياسي هي إدانة مسبقة لشرعية وقانونية مثل هذه الانتخابات.
لا نتدخل بالشأن الداخلي العراقي كما يدعي أحمد الجلبي العلماني الوحيد في مجلس الحكم الذي يؤيد هذه الانتخابات المبكرة في العراق لأسباب خاصة به, بل هو الحرص أن لا ينتقل هذا العراق العظيم من العلمانية البعثية الجاهلة والفاسدة التي حكمته أكثر من 35 عاماً إلى أصولية عدمية سوداء ترفض كل شيء آخر بما في ذلك التنوع الوطني العراقي بكل أبعاده والذي كان على مر التاريخ سر قوة أرض ما بين النهرين.
_________________________
الرأي 26/1/2004 (نقلاً عن الراصد)