الصدريون ومجاهدي خلق ..
الصدريون ومجاهدي خلق([1])
هذا المقال يسلط الضوء على بداية تيار الصدريين الذي يمثله الآن مقتدى الصدر ويشير إلى الخلافات الدموية الداخلية بين الشيعة.
الكاتب إيراني يمثل وجهة النظر الرسمية الإيرانية.
ونبين أن مقتدى الصدر ليس موالٍ للأمريكان ولا للسنة بل لمصالحه الخاصة المتعارضة مع إيران وأمريكا والسنة, ننشر المقال للاطلاع على جزء من الفكر السياسي الإيراني الحالي.............الراصد.
بالرغم من التطورات والأحداث التي شهدتها الحوزة العلمية في النجف خلال الـ15 عاماً الأخيرة, لكن مع الأسف عاش المجتمع الإيراني في معزل عما يحدث داخل النجف.
وما تم نشره مؤخراً عن الجرح الغائر الذي شهدته النجف على مدى الـ15 عاماً الأخيرة يوضح أن مرجعية النجف عانت خلال هذه السنوات من قتل العلماء والوجهاء العراقيين وتدخل هذه الإجراءات التي اتخذها الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ضمن أهداف النظام البعثي من أجل إيجاد مرجعية عربية في مواجهة نظيرتها الإيرانية.
لقد بدأت المغامرة عندما لجأ نظام صدام إلى آية الله الخوئي من أجل تحويل مسئولية الطلاب الأجانب إلى المراجع، في البداية توجه الخوئي إلى آية الله محمد علي الحكيم صهر آية الله العظمي الحكيم لكنه لم يكن مستعداً لقبول هذه المسؤولية, وبما أن الآخرين في الحوزة العلمية لا يتبعون نظام صدام, فإنهم لم يقبلوا بتلك المسئولية ومنهم حسين بحر العلوم الذي اشترط الإفراج عن المعتقلين سياسياً من المسلمين في حالة توليه هذا المنصب, وحيث لم يتم قبول هذا الشرط, رفض هذا المنصب. في النهاية وافق آية الله سيد محمد الصدر على تولي المنصب, وبالبحث في مرجعيته نجد أن بعض أنصاره سعوا من أجل استقرار الحوزة العلمية بالنجف, وجعلوا المرجعية بشكل كامل في سلطته.
كان هدف النظام البعثي العراقي من هذا الإجراء هو قطع الاتصال الشيعي بإيران إلى أقصى درجة ومن هنا تم إعلان قيام المرجعية العربية.
في تلك الأثناء أجازوا لمحمد الصدر إقامة شعائر صلاة الجمعة, بينما لم يسمحوا لآية الله السيستاني بإقامة الصلاة في مسجد الخضراء, وبرروا ذلك على أنه بقصد إعادة إعمار المسجد في حين أدرك الجميع الكذبة وأن الهدف هو عرقلة آية الله السيستياني, كما كان ضمن أهدافهم, الهيمنة على المدارس الشيعية وتعليم الطلاب الجدد طبقاً لنفس الفكرة.
وكان معظم الطلبة الذين تم قبولهم في هذه المدارس, طلبة مبتدئين ومن الشباب غير المؤهل للعمل والتحصيل.
ومع الإمكانيات التي وفرها النظام البعثي لمحمد الصدر, تزايدت أعداد مقلديه في العراق, خاصة وأن الصدر اتسم بالعطف ومساعدة الناس وتقديم خدمات عامة, وفي هذا الاتجاه نجح في اجتذاب أعداد كبيرة فبلغ مقلدوه 70 % من شيعة العراق. من ناحية أخرى, سعى الصدر من أجل دعم نفوذه على المدارس ومنها ما كان تابعاً للمدرسة الباكستانية, فمنذ أربعة عقود أرسل عدد من الشيعة الباكستانيين أموالاً من اجل إنشاء مدرسة للطلاب الباكستانيين إلى آية الله الحكيم, وبعد أن تم بناؤها تولى حفيده رسمياً مهمة إدارتها وهو آية الله محمد سعيد الحكيم, وعندما سعى محمد الصدر من أجل بسط نفوذه على الحوزة أقدم بعض تابعيه على احتلال هذه المدرسة.
وقد تم نشر تقارير خلال سنوات ما بعد انتفاضة الشيعة في العراق عام 1991 تفيد بأن أي شخص يتحدث عن مرجعية غير السيد محمد الصدر يكون بذلك قد حفر قبره بيديه.
لا زال بعض علماء النجف يحتفظون بهذا التقرير معتقدين أن محمد الصدر كان هو ناشره, وكان قد خيَّر الشيعة أن يظلوا تابعين له أو يصبحوا أعداءً له.
وكان هذا سبباً كافياً لأن يبادر بإصدار حكم بالفسق على أي شخص يشكك في أعلميته داخل الأوساط العامة, وقد كان الشيخ حسن الكوفي أحد هؤلاء الأشخاص وهو من مدرسي حوزة النجف, وبمجرد أن أيّد أعلمية آية الله السيستاني وشكك في أعلمية السيد محمد الصدر حكم عليه محمد الصدر بالفسق وادعى أنه من مؤيدي الصهاينة.
من ناحية أخرى, أوصى الصدريون آية الله سيد مرتضى بروجردي, بترك إمامته لصلاة الظهر والمغرب إلى محمد الصدر, لكنه لم يوافق وبعد فترة استشهد. في تلك الأثناء طالب آية الله محمد سعيد الحكيم, مسئولَ الأمن في النجف بالحد من تلك الحوادث, وهذا يشير إلى أن الحكومة لا تتدخل مباشرة في هذه القضايا بينما تعطي الضوء الأخضر إلى محمد الصدر أو أنصاره, وبات من الواضح أنه إذا أقدمت حكومة البعث على التدخل المباشر في هذه الأحداث فإنها ستعمل على إثارة هذه الحوادث بدلاً من إخمادها.
في تلك الآونة اندلعت المظاهرات في كربلاء واضطر نظام البعث للتدخل من أجل اعتقال مثيري الشغب وكان على رأسهم مؤيدوا الصدر, وقد اتسم محمد الصدر بالسذاجة عندما حاول جمع أنصاره من أجل التصدي للنظام البعثي حيث لم يعد النظام البعثي في حاجة إليه ومن ثم تم قتل أنصاره وتم إعدام كل من تورط في أعمال الشغب خاصة بعد استشهاد مرتضى بروجردي وميرزا على غروي. في تلك الأثناء لم يخرج مراجع النجف من بيوتهم. ولم يكن هؤلاء خائفين من الحكومة البعثية بقدر يقينهم بأن هذه الحوادث تتم من جانب جماعة من داخل الحوزة العلمية وكانوا على اقتناع بأن حكومة البعث ليس لها يد في تلك الاغتيالات بالرغم من أنها أعطت الضوء الأخضر. وثمة شواهد عديدة تثبت أن تلك الأعمال كانت ترتكب بواسطة مجموعة خاصة أعادت تنظيم صفوفها بإمكانات وقدرات كبيرة من أجل التصدي للحوزة, وقد قسم هؤلاء الحوزة إلى حوزة ناطقة وأخرى صامتة وعرفوا أنفسهم بأنهم يمثلون الحوزة الناطقة. وقد قال محمد الصدر بعد مقتل آية الله غروى, أن الحوزة الصامتة قضت نحبها بينما نجت الحوزة الناطقة. وبعد فترة تخلى محمد الصدر عن أسلوبه وبدأ باتخاذ إجراءات تثير حفيظة النظام البعثي, ومنها إعلانه أن مقلديه سينظمون مسيرة من النجف إلى كربلاء وعلى الفور منع النظام البعثي هذا الإجراء. وبعد فترة أعلن نظام صدام أن محمد الصدر أيضاً ليس موضع ثقة ولذا تم الإعداد لقتله, بينما يبدو في الظاهر أن معارضيه أقدموا على هذا الإجراء في النجف.
بعد سقوط صدام، انتهج الصدريون أسلوباً جديداً حيث حافظوا على وحدتهم وبدأوا في السعي نحو امتلاك زمام الأمور, وكان أول إجراءاتهم, اغتيال عبد المجيد الخوئي, ولم يكن ذلك بسبب تقاربه مع الأمريكيين أو البريطانيين بل على أساس نفس القضايا سالفة الذكر حيث الخلافات الطاحنة بين بيوت النجف. نبع الخوف الصدريين في الواقع مما سيجنيه عبد المجيد الخوئي من مكانة قوية كانت ستفقدهم السيطرة على حوزة النجف العلمية, لذلك كان الاعتقاد بأن سبب مقتله هو اتهامه بالاتصال بقوى خارجية, اعتقاداً خاطئاً.
وقد أيقن مراجع النجف عند سماعهم أنباء اغتيال عبد المجيد الخوئي أن الأنصار المقربين لمقتدى الصدر لهم يد في هذا الحادث. وقد دعا بعض الإيرانيين مقتدى الصدر لزيارة إيران بشكل غير معلن وسبَّب هذا إزعاجاً لمراجع النجف وأعربوا عن ذلك للمسئولين الإيرانيين. في الوقت الراهن تبدو ساحة النجف غير مستقرة وعلى الرغم من انخفاض مستوى نفوذ الصدريين, إلا أن الأوضاع ما زالت رهن أحداث غير متوقعة, حيث انفصل الشيخ محمد يعقوبى عن مقتدى الصدر وقد كان رئيساً لمكتب محمد الصدر وأحد تلاميذه, ثم انفصل عدد ممن كانوا ضمن جماعة الصدريين عن مقتدى الصدر وانضموا إلى الشيخ يعقوبى. ويدعي الشيخ يعقوبى أحقيته في المرجعية وليس من الواضح لماذا انفصل عن مقتدى الصدر, وخلال الأيام الماضية أعلن أنصار الشيخ يعقوبى عن تنظيم مظاهرات لصالح الأخير مؤكدين على انفصاله عن مقتدى الصدر.
جدير بالذكر أن يعقوبى البالغ من العمر أربعين عاماً مولع بالمرجعية.
سعى يعقوبى إلى المرجعية بعد حادث مقتل محمد الصدر ويقال أنه حصل على قرار يخول له إدارة النجف أمنياً, الأمر الذي سيمنحه الأموال اللازمة من أجل الترويج لمرجعيته على الرغم من أنه لم يتجاوز الخمسة عشر عاماً في الحوزة, وكان قيام الصدريين ببث بياناتهم من خلال مكبرات الصوت الخاصة بحرم الإمام علي مؤشراً خطيراً على اضطراب الوضع, فقد أعلن مقتدى الصدر في 26/7/2003 خلال حديث صحفي في النجف أنه ينبغي تشكيل مجلس شعبي في مواجهة المجلس الحكومي وأنه لن يمنح الفرصة لمن كانوا في المجلس الحكومي ليصبحوا أعضاء في هذا المجلس, وبمزيد من الجسارة أعلن أنه سيقوم بتكوين جيش المهدي من أجل التصدي لقوات بدر التي تم إعدادها داخل دولة أجنبية([2]) طبقاً لادعاءاته, وبهذا لم يدع مجالاً للشك في أن حركته تمضي في اتجاه المصالح الأمريكية وضد القوى الدينية الرئيسية والمرجعية. وهكذا يكون الاعتقاد بأن مقتدى الصدر ضد الولايات المتحدة خاطئاً حيث شاهدنا مثل تلك الألاعيب في الأعوام الأولى للثورة على يد جماعة المنافقين([3]).
وتهدف الجماعات التي تعمل ضد الشيعة في العراق إلى الاستفادة من هذه الأزمة, وجميع وكالات الأنباء الغربية والسعودية والإماراتية وحتى الكويتية تسعى من أجل تفخيم أعمال مقتدى الصدر حتى أن قناة العربية السعودية بثت جزءاً من خطبته لصلاة الجمعة وهذا يشير إلى رغبتهم في تشتيت أي اتحاد بين مراجع النجف والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية.
إن أهم مميزات حركة مقتدى الصدر بالنسبة للأمريكيين هي أنها متفقة مع دول حليفة للولايات المتحدة من قبيل دول الخليج وفي هذا السياق تسعى دول كالسعودية والإمارات من أجل إقرار اتحاد بين الشيخ كبيسي([4]) ممثل السنة العراقيين ومقتدى الصدر وبهذا يكون الهدف الرئيسي للأمريكيين هو الإطاحة بإمكانية الاتحاد الشيعي واستبعاد جزء من قوة السنة مع الاستفادة من إمكانيات الشيعة.
وفيما يتعلق بسياسة مقتدى الصدر يجب الوقوف على أهمية ما تمثله الفوضى بالنسبة له, وفي الواقع تشير أصابع الاتهام إلى مقتدى الصدر وأنصاره فيما يتعلق باغتيال عبد المجيد الخوئي وذلك لن يجعل مقتدى, بأي حال من الأحوال, موضع ثقة فضلاً عن أنه في الوقت الراهن يمثل منبعاً لنشر بذور النفاق في مجتمع التشيع وهذا يكفي لجر النجف في المستقبل القريب إلى دوامة من العنف والفتن.
_________________________________
رسول جعفريان بازتاب - الصدى 28/7/2003 (نقلاً عن الراصد)
([2] ) يقصد جماعة مجاهدي خلق المعارضة للنظام الإيراني (الراصد).
([3] ) قوات بدر تتبع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق, وقد أنشأتها ودعمتها إيران, ومعروف أن المجلس الأعلى يؤمن بولاية الفقيه ومرجعية خامنئي ومن قبله خميني (الراصد).
([4] ) د. أحمد الكبيسي.