أميركا والشيعة.. تحالف محتمل أم حقيقي؟ ..
بسقوط نظام صدام حسين في شهر أبريل الماضي وجد الشيعة في العراق أنفسهم أمام جملة من المتغيرات, وصار هذا البلد يشهد صعوداً شيعياً لافتاً.
قضية الحكم تؤرق بال الشيعة وتستدعي منهم إعادة حساباتهم ودراستها دراسة دقيقة, ذلك أن الكثيرين يرون أن الوصول إلى حكم العراق لن يكون إلا عن طريق الأمريكيين, ومن خلال الحكم الأمريكي, فالأمريكيون هم الذين أعطوا الشيعة ما لم يكونوا يستطيعون الحصول عليه زمن النظام السابق وهم الذين يهمشون أعداءهم السنة.
في المقال, يعرض كاتبه وهو شيعي للمواقف السياسية للتيارات الشيعية البارزة في العراق, وبعضاً من توجهاتها, ننقله لكم بتصرف.
أولاً: السيستانيون:
لم يرث آية الله السيد علي السيستاني مرجعية السيد أبي القاسم الخوئي وحسب وإنما ورث اتجاهه السياسي المحافظ أيضاً, غير أن الصمت السياسي بحد ذاته يعد موقفاً, وأقل ما يمكن اعتباره هو عدم تأييد أي طرف سياسي, وحتى سقوط صدام كان السيستاني مرجع الذين لا يرغبون في التدخل في السياسة ليس في العراق وحسب وإنما في كافة البلدان الإسلامية.
وتنبغي الإشارة هنا إلى أن الشيعة المتنفذين في البلدان الإسلامية سواء كانوا رجال أعمال أو مسؤولين في السلطات يقلدون المرجع السيستاني, وغالباً ما تكون هناك علاقة حميمة بينهم وبين السلطات لأنهم يرفضون التدخل في الشؤون السياسية لحكوماتهم.
وأردت بقولي "حتى سقوط صدام" أن السيستاني ومن قبله الخوئي ربما اضطرا إلى عدم التدخل في الشؤون السياسية والاجتماعية نتيجة الكبت الذي مارسته حكومة صدام ضد كافة مكونات الشعب العراقي, ولكن بعد أن طوى العراق صفحة الحقبة المظلمة في تاريخه الحديث فليس من المستبعد أن يلعب السيستاني دوراً سياسياً, خاصة إذا تشكلت حكومة ذات أغلبية شيعية.
وتحدو الأمريكيون رغبة جامحة في أن يلعب السيستاني دوراً سياسياً محافظاً أو إرشادياً في العراق, وذلك ليسدوا الطريق أمام بعض التنظيمات الشيعية المتشددة, وكذلك ليكونوا في مأمن من وجود معارضين أو منافسين أقوياء, إذ لا نبالغ إذا قلنا إن نحو نصف شيعة العراق يقلدون (يتبعون) السيستاني, كما أنه سيحد النفوذ الإيراني في العراق الأمر الذي طالما رغبت واشنطن في تحقيقه.
ثانياً: التيار الإيراني:
يخطئ من يتصور أن التنافس بين قم والنجف على زعامة الشيعة سيبلغ ذروته في العهد العراقي الجديد, إذ إن هذا التنافس حسم قبل أكثر من عقدين. فبعد مجيء الجمهورية الإسلامية ظهر تيار سياسي جديد في الطائفة الشيعية, لذلك فإن من كانت تحدوه الرغبة في التغيير والحركة والعمل السياسي اتبع ولاية الفقيه أو مرجعية الإمام الخميني آنذاك, ومن كان لا يرغب في التدخل بالسياسة (سواء بداعي الخشية على مصالحه أو بسبب ظروف البلد الذي يعيش فيه) فإنه اتبع السيستاني.
وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب الموالية لإيران كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق, تستمد توجهها السياسي من المعادلة السياسية التي تعيشها المرجعية الإيرانية. وبما أن هذه المرجعية محكومة بالانسجام مع المستجدات الدولية والإقليمية, فمجال المناورة لديها محدود للغاية, الأمر الذي ينعكس على الأحزاب الموالية لها وينعكس بدوره على شعبية هذه الأحزاب.
ثالثاً: الشيرازيون:
يوالي تيار الشيرازيين المرجع الديني السيد صادق الشيرازي الذي تولى قيادة التيار قبل عامين بعد وفاة أخيه السيد محمد الشيرازي الذي أرسى دعائم هذا التيار منذ الستينات. ومع أن هذا التيار ظهر كرد فعل على المرجعية الشيعية المحافظة –شأنه شأن المرجع الديني الراحل الإمام الخميني- فإنه يتميز عن التيار الإيراني بالدعوة إلى الانفتاح السياسي والاقتصادي والفكري.
ورغم ريادة الشيرازي في الدعوة إلى التجديد ومواكبة التطور, فإن تياره ليس ذائع الصيت.
غير أن الانفتاح الذي يعيشه العراق في الوقت الحالي لو استمر, فليس من المستبعد أن يكون هذا التيار هو الأبرز في الطائفة الشيعية لأنه لم تتوفر له في السابق الأجواء المفتوحة التي يطرح فيها أفكاره, وكذلك فإن تاريخ التيار خال من المساومات السياسية, فعلى سبيل المثال لم يتعاون لحد الآن مع الأميركيين. بالإضافة إلى الأفكار الجديدة التي يطرحها كنظرية اللاعنف, فإن أنصاره لديهم نشاط اجتماعي مكثف على صعيد نشر الوعي وتقديم الخدمات.
كما أن التيار يتمتع بعامل آخر من عوامل القوة, وهو انتشار أنصاره في أغلب دول العالم فأينما وجدت شيعة فستجد الموالين للشيرازي بينهم.
وتيار الشيرازي يضم العديد من الأجنحة ومراجع الدين, كمرجعية آية الله السيد محمد تقي المدرسي الموجود حالياً في العراق, وكذلك آية الله السيد مرتضى القزويني, كما يضم العديد من الأحزاب السياسية كمنظمة العمل وحركة الوفاق والجبهة الوطنية الإسلامية وحركة الجماهير, ورغم اختلاف المسميات فإن الجميع ينتهج فكر الشيرازي.
رابعاً: حزب الدعوة:
الذي يغلب عليه الطابع البراغماتي, لذا لا يمكن القول إنه حزب ديني خاصة أن مرجعيته الدينية غير معروفة, فتارة يدعو للإمام الخميني ومن ثم للمرشد الخامنئي, وتارة إلى الخوئي ومن ثم إلى السيستاني, وفي الآونة الأخيرة بدأ يروج لأفكار السيد محمد حسين فضل الله.
فعدم وضوح مرجعية الحزب يبين أن لديه أطروحة أوسع من حصر العمل السياسي في إطار المرجعية, الأمر الذي يعارضه أغلب مراجع الشيعة.
ولا شك أن مستقبل الحزب يتوقف بشكل كبير على مدى تحركه في الوسط الشعبي, ولو استمر في التغيير السريع لمواقفه كما حدث خلال تأسيس مجلس الحكم العراقي فقد فاجأ الشارع العراقي بترؤس إبراهيم الجعفري القيادي في الحزب للمجلس بعدما كان يقاطعه.. لو استمر على ذلك فإن الشعب سيسحب ثقته به.
خامساً: الصدريون:
وهم أنصار السيد مقتدى الصدر الذي تم تهميشه بشكل متعمد في أي تشكيلة حكومية, لذلك لا ينبغي أن نستغرب إذا اتخذ مواقف متشددة إزاء قوات الاحتلال ومجلس الحكم.
فتيار الصدر يرى أن أي حزب في مجلس الحكم لا يمتلك الشعبية التي يمتلكها, وفي الوقت الذي يستأثر فيه أعضاء المجلس بالسلطة فإنه لم يمنح أي دور فيها. وبالتأكيد فإنه لا يرضى بدور يضاهي دور الذين تقل شعبيتهم عن شعبيته, من هنا فالخيار الوحيد المتاح لهذا التيار هو الاستمرار في المعارضة لحين إجراء الانتخابات العامة.
ومن أبرز ما يأخذه منافسو تيار الصدر على التيار أنه لا يمتلك إستراتيجية واضحة ولا مرجعية كفؤة, إذ لم يبلغ مقتدى الصدر حتى الدرجات الوسطى في العلوم الدينية, وقد أقر هو في أكثر من مقابلة بأنه ليس مرجعاً للشيعة.
المؤهلون لزعامة الشيعة:
اتضح مما سبق أن التيارين الإيراني والسيستاني جربا حظهما في تزعم الطائفة الشيعية وقد انحسم أمرهما منذ سنوات عديدة, فمن يريد اتباع النظرية الإيرانية فما عليه إلا أن يقلد مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي, ومن لا يريد التدخل في السياسة فعليه اللجوء إلى المرجعية البارزة في مدينة النجف الأشرف (السيستاني).
كما اتضح أن حزب الدعوة ومقتدى الصدر لم يطرحا نفسيهما على أنهما يسعيان إلى تزعم الشيعة, فيبقى التيار الوحيد الذي لم يجرب حظه في مخاطبة الرأي العام الشيعي بحرية مطلقة هو الشيرازي بما فيه مرجعية المدرسي والأحزاب المنتمية إلى هذين المرجعين. ومن المرجح أن يلعب هذا التيار دوراً بارزاً في المستقبل, ليس في العراق وحسب وإنما على صعيد الطائفية الشيعية برمتها.
___________________
الجزيرة نت.