Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

الطرف المهزوم والمقاوم ..

الكاتب : ياسر أبو هلالة

المنتصرون الأميركيون في العراق, ومن شايعهم, حاولوا التأكيد بأن المهزوم في الحرب كان نظام صدام حسين, بوصفه نظاماً إرهابياً يعبر عن أقلية حاكمة لا تمثل طائفة أو جهة. هذه المحاولة فشلت كما فشلت محاولة التأكيد بأن القوات الأميركية قوات تحرير. واقع الحال أن الطرف المهزوم هو طائفة السنة مهما حاول السنة إثبات قطيعتهم مع النظام السابق, ومهما حاول الأميركيون إثبات حيادهم تجاه الطوائف والإثنيات.

الولايات المتحدة تعاملت مع السنة, عملياً, بوصفهم امتداداً للنظام السابق, وعملت بقصد أو بدونه, على تهميشهم وحولتهم بين عشية وضحاها من عصبة حاكمة إلى أقلية مضطهدة. صحيح أن النظام السابق كان نظام البعث وليس السنة, إلا أنهم ظلوا عصبيته الفاعلة في بيروقراطية الدولة سواء في الجيش أم الأجهزة أم غيرهما. وإن كان هذا سمت الدولة العراقية الحديثة إلا أنه تكرس في عهد البعث وخصوصاً بعد انتفاضة الشيعة في التسعين[1].

تشكيلة الحكومة العراقية الأولى في مرحلة ما بعد صدام عبرت عن وزن العرب السنة في المكيال الأميركي, وهو وزن بخس لا يعبر عن حضورهم الديموغرافي أو السياسي, فضلاً عن وزنهم التاريخي في البيروقراطية العراقية منذ نشأة العراق الحديث ولا في مرحلة حزب البعث. فقد منحوا خمس وزارات مقابل ثلاث عشرة للشيعة وإذ تقاسم الشيعة والأكراد الوزارات السيادية (الداخلية, الخارجية, التخطيط..) حصل السنة على وزارة المالية لكن بمشاركة كردية تحت عنوان مستحدث: وزارة الموارد المالية, وهذا تهميش معلن مخالف للمنطق السياسي. لكن ما هو أخطر التهميش الخفي الناتج عن الممارسات اليومية للأطراف التي شاركت الأميريكيين انتصارهم.

مثال بسيط على تلك الممارسات ما شهدته كركوك عقب دخول الأكراد, فمع أنها مدينة مختلطة من العرب والأكراد والتركمان والمسيحيين, إلا أن الأميركيين وهبوا المدينة لحكومة السليمانية بزعامة جلال طالباني, وغدا الأكراد الحاكمون الحقيقيون للمنطقة, وعندما أجروا انتخابات مركبة استبعد الأميركيون العرب, ففي قائمة المستقلين التي توازي قوائم القوميات وتختار بعيداً عن الحسابات القومية والمذهبية اختار الأميركيون اثنين من العرب مقابل مئة وأربعة عشر من الأكراد.

مناخات كهذه تعبر عن استكمال شروط الحرب الأهلية, لكن الحرب لم تحدث لماذا؟.

الأسباب تعود لأكثر من طرف ولأكثر من سبب: السنة ابتداء اختاروا المقاومة بديلاً للحرب الأهلية بقدر ما هي هروب محسوب للأمام. وهي في الوقت نفسه تعبر عن إجماع وطني خفي. فحتى أحمد الشلبي, في مقابلته الأخيرة مع الجزيرة, لم يصفها بالإرهاب بعدما وصف بذلك عملية اغتيال الحكيم. والمقاومة بحسابات سياسية طائفية ترفع من سعر السنة في ظل غياب المنطق لدى الأميركيين. وإذ يجنح الرأي العام لدى السنة إلى التصعيد مع الاحتلال يميل إلى التهدئة مع كل إشكال طائفي أو إثني كما حدث في كركوك والبصرة.

السبب الثاني يعود إلى الشيعة: فالمرجعية الدينية ممثلة بالحوزة التي يقودها السيد علي السستاني كان لها موقف رافض لإراقة الدماء وهذا الموقف تكرر لدى القيادات السياسية ممثلة بتيار مكتب الصدر (الحوزة الناطقة) والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية. والشيعة إجمالاً يرون أن استقرار الأوضاع سيكون في صالحهم, وفي المقابل فإن الحرب الأهلية ستبعد عنهم لقمة الحكم بعدما وصلت إلى الفم.

السببان السابقان لا يُقللان من أهمية العامل الأميركي, فالواقع يؤكد أن الدبابة الأميركية بقدر ما ترمز للاحتلال فإنها تمنع الحرب الأهلية وتحافظ على وحدة الأراضي العراقية, وبعيداً عن الأساطير التي يرددها بعض خصوم أميركا فإنه لا مصلحة لها بإشعال حرب أهلية ومصالحها لا تتحقق إلا باستقرار الأوضاع في العراق.

الأسباب السابقة التي تمنع الحرب الأهلية ليست ثابتة, فالحرب الأهلية مستبعدة لكن ليست مستحيلة. وفي اغتيال الحكيم نذير كاف خصوصاً أنه جاء من سياق استهداف مراجع شيعية.

اللافت في العراق هو الغياب الشامل للدور العربي, ففي الوقت الذي تتصرف فيه إيران بوصفها حامية للشيعة لا يجد السنة العرب من امتدادهم العربي غير صالح الدعاء والمواعظ السياسية المملة, لذلك يظل خيار المقاومة هو المرجح لديهم إن لم يكن الوحيد, وفي ذلك دليل جديد على عبقرية الإدارة الأميركية في صناعة الأعداء.


[1]  كانت في مارس (آذار) 1991.

الرأي الأردنية 4/9/2003