الإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة
الإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة
علي السالوس
بسم الله الرحمن الرحيم
" إياك نعبد وإياك نستعين "
مقدمة
نحمد الله ربنا - سبحانه وتعالى- ونستعينه ونستهديه، ونصلى ونسلم على أول المسلمين وخاتم المرسلين سيدنا محمد،وعلى آله وصحبه ، ومن تبع سنته إلى يوم الدين .
وبعد: فلا شك الإمامة قد حظيت بكثير من الدراسات والبحث، ولا غرو، فأعظم خلاف وقع بين المسلمين إنما كان بسببها . وهذا البحث بيان موجز للإمامة عند الجمهور والخوارج وأهم فرق الشيعة بصفة عامة، والشيعة الجعفرية الإثنى عشرية بصفة خاصة، فهم أكبر الفرق الإسلامية المعاصرة، وإليها اتجهت دعوة التقريب .
وأردت من هذا البحث- على إيجازه- أن أقدم شيئا يستند إلى مصادر موثوق بها قدر الاستطاعة، فالإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - عندما ذكر التاريخ فيما ذكر من العلوم التي لا أصل لها، إنما نظر إلى تساهل المؤرخين ودقة المحدثين. كما أردت أن أبين عتيدة الإمامة عند الجعفرية كما جاءت في كتبهم أنفسهم، ولم أعتمد على شيء مما كتب عنهم، فبعض من كتبوا عنهم خلطوا بينهم وبين فرق شيعية أخرى . ونسأل الله -عز وجل- العون والرشاد، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، فإياه نعبد وإياه نتعين، وهو نعم المولى ونعم النصير .
المؤلف
الإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة
الإمامة لغة التقدم، تقول: أم القوم وبهم: تقدمهم: والإمام ما ائتم بـه الناس من رئيس أو غيره ، هاديا كان أو ضالا. ويطلق لفظ الإمام على الخليفة وهو السلطان الأعظم وإمام الرعية ورئيسهم .
وأممت القوم في الصلاة إمامة ، وائتم به أي اقتدى .
ويطلق لفظ الإمام كذلك على القرآن الكريم ، فهو إمام المسلمين ، وعلى الرسول - ، فهو إمام الأمة بأئمتها ، وعليهم جميعا الائتمام بسنه التي نص عليها .
ويطلق قيم الأمر المصلح له ، وعلى قائد الجند ، وقد يذكر ويراد به غير هذه المعاني (1) .
ولم يرد لفظ الإمامة فى القرآن الكريم ، وإنما وزد لفظ إمام وأئمة .
قال تعالى: (( قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )) (2) أي جاعلك قـدوة يؤتم به . وقال سبحانـه: ((وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا )) (3) ، وقال عز وجل: (( فقاتلوا أئمة الكفر )) (4) ، أي قاتلوا رؤساء الكفر وقادتهم الذين صار ضعفاؤهم تبعا لهم . وقال تعالى: (( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار )) (5) ، أي من تبعهم فهو في النار يوم القيامة .
ومن المفهوم اللغوي لكلمة إمام نستطيع أن ندرك سبب إطلاق هذا الاسم على حاكم المسلمين ، كما وجدنا ترادفا بين الإمامة والخلافة ، ويفسر هذا أستاذنا المرحوم الشيخ أبو زهرة فيقول : " سميت خلافة لأن الذي يتولاها ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين يخلف النبي -م – في إدارة شئون المسلمين، وتسمى الإمامة لأن الخليفة كان يسمى إماما، ولأن طاعته واجبة، ولأن الناس يسيرون وراءه كما يصلون وراء من يؤمهم للصلاة " (6) .
وأعظم خلاف بين الأمة - كما يقول الشهرستاني - خلاف الإمامة ، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة فى كل زمان (7) .
وبالطبع ما كان الخلاف ليجد مكانا بين المسلمين وفيهم رسول الله - - يحسم الخلاف، ويصلح النفوس ويهدى إلى صراط مستقيم (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)) النساء الآية 65.
ولكن أكان المسلمون يفكرون فيمن يخلف الرسول الكريم في إمامتهم كم وعلى وجه الخصوص عندما اشتد مرضه الأخير؟
وردت روايات صحيحة الإسناد تفيد وجود مثل هذا التفكير، منها ما جاء عن ابن عباس أن علي بن أبى طالب خرج من عند رسول الله – – في وجعه الذي توفى فيه ، فقال الناس: يا أبا حسن، كيف أصبح رسول الله ؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا ، قال ابن عباس: فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال: ألا ترى أنت ؟ والله إني أعرف وجوه بنى عبد المطالب عند الموت ، فاذهب بنا عند رسول الله – – فلنسأله فيمن هذا الأمر ؟ فإن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا كلمناه فأوصى بنا. فقال علي: والله لئن سألناها رسول الله - - فمنعنا لا يعطيناها الناس أبدا ، فوالله لا أسأله أبدا (8) .
وجاء عن علي -كرم الله وجهه - قال: " قيل: يا رسول الله ، من يؤمر بعدك؟ قال: إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا عليا ، ولا أراكم فاعلين، تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم " (9) .
معنى هذا أن التفكير فى الإمام نبت على عهد رسول الله - ، ولكن الخلاف لم ينشأ إلا بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى حيث كان اجتماع السقيفة المشهور الذي انتهى بالبيعة الخليفة الأول . وتحدث الخليفة الثاني في إحدى خطبه عن ذاك الاجتماع فقال: " بلغني أن قائلا منكم يقول : والله لو مات عمر بايعت فلانا ، فلا يغترن امرؤ أن يقول : إنما كانت بيعة أبى بكر فلتة، وتمت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبى بكر - من بايع رجلا عن غير مشورة من المسئمين فلا يباع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا، وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه إلا أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبى بكر، فقلت لأبى بكر : يا أبا بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم ، فلما دنونا منهم لقينا رجلان صالحان ، فذكراما تمالى عليه القوم، فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم ، اقضوا أمركم ، فقلت : والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم فى سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا ؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة ، فقلت: ماله؟ قالوا : يوعك . فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبى بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك ، فكرهت أن أغضبه . فتكلم أبو بكر فكان هو أعلم منى وأوقر . والله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت ، فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من القريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، فأخذ بيدي وبيد أبى عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ، فلم أكره مما قال غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ، لا يقربني ذلك من إثم – أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ، اللهم إلا أن تسول إلى نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن. فقال قائل من الأنصار: أنا جزيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف ، فقلت : أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعه وبايعه المهاجرون " ثم بايعته الأنصار ، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم كم : قتلتم سعد بن عبادة ، فقلت : قتل الله سعد بن عبادة ، قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبى بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا ، فإما بايعناهم على مالا نرضى، وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا(10).
مما ذكره الفاروق نلاحظ ما يأتي :
أولا – لا خلاف حول وجوب إقامة خليفة، وإنما كان بشأن من يخلف الرسول - . وإلى هذا انتهى جمهور السنة، فلا يستقيم أمر الأمة بغير حاكم .
ثانيا- أن الخلافة في قريش:" لم يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من القريش"، و لم يأخذ الأنصار بهذا أول الأمر، ولكن ما أسرع أن بايعوا قرشيا ما عدا سعد بن عبادة فلم يبايع، ويؤيد ما ذكره الصديق أحاديث صحيحة: فالبخاري في كتاب الأحكام من صحيحه - جعل بابا بعنوان " الأمراء من قريش" ومما أخرجه هنا قول الرسول : " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " وقوله : " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقى منهم اثنان " وفي كتاب الإمارة من صحيح مسلم نجد " باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش " ، ومما جاء في هذا الباب قول الرسول الكريم:" الناس تبع لقريش في هذا الشأن ". وقوله :" لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقى من الناس اثنان ". وأخرج أحمد في مسنده روايات كثيرة صحيحة الإسناد تؤيد هذا، منها قول الرسول : " أما بعد، يا معشر قريش، فإنكم أهل هذا الأمر، ما لم تعصوا الله، فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب- لقضيب في يده ثم لحا قضيبه، فإذا هو أبيض بصلد " (13) .
ثالثا – لا يكون خليفة إلا بالبيعة " قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم " ... " فقلت أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعه وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار " .
فإذا تمت البيعة وجب الوفاء بها، ولهذا قال:" خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن بايعوا رجلا منهم بايعناهم على مالا نرضى، وإما تخالفهم فيكون فساد " ، وجاء عن رسول - - أنه قال: " من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" (32) وقال أيضا : " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه (33) .
رابعا- دام الواجب الوفاء بالبيعة فلا بيعة إلا بمشورة المسلمين " فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ". والشورى مبدأ معروف في الإسلام فمن المقطوع به أن الحكم في الإسلام ينبني على مبدأين أساسيين هما العدالة والشورى قال تعالى:(( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) النساء : 58.
وقال جل شأنه:(( وأمرهم شورى بينهم )) الشورى: 38 . (( وشاورهم في الأمر )) آل عمران : 159 .
خامسا – أن البيعة تمن لأبي بكر بهذه السرعة، بغير تدبير سابق وإنما كانت فلته نظرا لمكانته . " ليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر.. " " كان والله أن أقدم فتضرب عنقي – لا يقربني ذلك من إثم –أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر " .
بعد هذه الملاحظات نقول: إنه في ضوء ما سبق وغيره اشترط الجمهور للخلافة الراشدة ، خلافة النبوة، أن تكون لقريشي عادل، عن طريق البيعة والشورى، على خلاف في بعض لأمور مثل تحديد من تنعقد بهم البيعة " (34) .
ورأى الأنصار في أحقيتهم للخلافة انتهى بالبيعة، ولم يطل على التاريخ من جديد ، ولكن أولئك القرشيين الذين امتنعوا عن البيعة أول الأمر، ثم ما لبثوا أن بايعوا – كان لهم شأن آخر في تاريخ الأمة الإسلامية والمشورة أن هؤلاء يرون أن الإمامة ليست في قريش بصفة عامة ، وإنما هي في أهل بيت النبوة والإمام علي بصفة خاصة . وهؤلاء قلة يذكر لنا التاريخ منهم بعض الصحابة من غير بني هاشم كالمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري (35) رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ولكنهم جميعا لم يتعرضوا للخليفة بتكفير أو تجريح. وعرض أبو سفيان البيعة على الإمام علي ولكنه أبى لقوة دينه وفرط ذكائه .
وإذا كان المشورة يدل غالبا على واقع الأمر، فإن من الأمور ما يشتهر مخالفا للحقيقة . فمما اشتهر أن الإمام عليا لم يبايع لأنه كان يرى أحقيته بالإمامة من غيره ، ولكن وجدنا من أقواله ما يدل على أنه كان يرى ألا يقض مثل هذا الأمر دون أن يكون له فيه رأي، مع اعترافه بأفضلية الصديق ، وعدم إنكار أحقيه لإمامة المسلمين (36) .ومن المشهور كذلك أن الإمام عليا لم يبايع إلا بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنهما، ولكن يوجد ما يدل على أنه لم يتأخر هذه الفترة (37) .
وقبل انتهاء فترة الخلافة الأولى القصيرة التي بارك الله تعالى فيها أيما بركة، وكان الصديق قد استقر رأيه على استخلاف عمر بعد تعرفه على آراء كثير من الصحابة الكرام. على أن بعض هؤلاء قد تخوف من خلافة الفاروق لما اشتهر به من الشدة، وقالوا لأبي بكر: قد وليت علينا فظا غليظا، فقال: لو سألني ربي يوم القيامة لقلت: وليت عليهم خيرهم(38) .
وعندما أخذ رأى المسلمين في البقة لمن ذكر في كتاب الخليفة الأول قالوا: نسمع ونطيع، وغير أن علي بن أبي طالب انفرد بقوله:" لا نرضى إلا أن عمر (39) .
ولم يتأخر أحد عن بيعة عمر بن الخطاب إلا سعد بن عبادة ومرت الخلافة العمرية الراشدة، وانتهى الأمر إلى السنة (40) ليختار واحد منهم، ثم انحصرت الخلافة في ثلاثة ، فاثنين هما عثمان بن عفان وعلي بن أبى طالب ، ثم كانت البيعة الجماعية لذي النورين ، فلماذا انتهت إليه ؟
روى البخاري بسنده عن المسور بن مخرمة " أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا ، قال لهم عبد الرحمن : لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر ، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن ، فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم . فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبة ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي ، حتى إذا كانت الليلة أصبحنا منها فبايعنا عثمان قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت ، فقال : أراك نائما ، فو الله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعدا ، فدعوتهما له فشاورهما ، ثم دعاني فقال: ادع لي عليا فدعوته ، فناجاه حتى ابهار الليل ، ثم قام علي من عنده وهو على طمع وقد كان عبد الرحمن يخش من على شيئا . ثم قال : ادع لي عثمان فدعوته ، فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح . فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين و الأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد ، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر ، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ، ثم قال : أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس ، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا ، فقال: أبايعك على سنة الله و رسوله والخليفتين من بعده ، فبايعه عبد الرحمن، وبايعه الناس الهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد و المسلمون " (41) . وكانت السنوات الأولى في عهد عثمان خيرا وبركة، ثم بدأت الفتنة التي أدت إلى مقتله. وقد بذل الإمام علي كل ما استطاع في سبيل إخمادها ولكن هيهات ! وفي هذه الفترة بدأت الأنظار تتلق بعلي ، وتذكر ماله من فضل ومكانة . فإذا ما انتقل الخليفة الشهيد إلى حيث بشره الرسول صلى الله عليه وسلم - تجمع المسلمون حول أبى الحسن علهم يجدون على يديه مخرجا . وتمت البيعة ولكن لم تنته الفتنة ، بل زاد أوارها، وسالت دماء طاهرة على أرض الإسلام بسيوف المسلمين ! وعلى قتلة عثمان الوزر الأكبر لكل ما نتج عن هذه الفتنة ، ولكن (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )) . الأنفال: 25 .
وكان من نتيجة حادثة " التحكيم " الشهيرة أن انسل جماعة من أتباع الإمام وخرجوا على المتحاربين معا ، علي ومعاوية ! وهؤلاء هم الذين سمعوا " الخوارج " أما الذين ظلوا مع الإمام فهم الذين أطلق عليهم لقب "الشيعة " (42) .
والخوارج لا يزال لهم بقية إلى يومنا هذا (43) وقد انقسموا فرقا على مرّ التاريخ " ويجمع الخوارج على افتراق مذاهبها: إكفار علي، وعثمان وأصحاب الجمل، والحكمين، ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما ، ووجوب الخروج على السلطان الجائر " (44) .
وللخوارج رأي خاص في الإمامة :
فالإمام لا يكون إلا باختيار حر من المسلمين ، وإذا اختير فليس يصح أن يتنازل أو يحكم . ويظل رئيسا للمسلمين ما دام قائما بالعدل مجتنبا للجور، ومن خرج عليه يجب نصب القتال معه، ولكن إذا غيّر السيرة وعدل عن الحق وجب عزله أو قتله. ولا يشترطون القرشية كما اشترط الجمهور، فللأمة أن تختار من تشاء ولو كان عبدا حبشيا . كما أن فرقة منهم وهي "النجدات " أجمعت على أنه لا حاجة بالناس إلى إمام وإنما عليهم أن يناصفوا فيما بينهم فإن رأوا أن ذلك لا يتم إلا بإمام يحملهم عليه فأقاموه جاز ، فإقامة الإمام في نظرهم ليست واجبة بإيجاب الشرع بل جائزة ، وإذا وجبت فإنما تجب بحكم المصلحة والحاجة . وفرقة أخرى منهم وهي " الشبيبية " أتباع شبيب بن يزيد الشيباني - " أجازوا إمامة المرأة منهم إذا قامت بأمورهم . وخرجت على مخالفيهم ، وزعموا أن غزالة أم شبيب كانت الإمام بعد قتل شبيب إلى أن قتلت "(45)
أما الشيعة فهم على اختلاف فرقهم يرون وجو ب وجود إمام، ولكن رأيهم في الإمامة يخالف ما ذهب إليه جمهور المسلمين .
وأقربهم إلى الجمهور فرقة الزيدية ، اتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب . فبعد استشهاد الإمام الحسين ذهبت فرقة من الشيعة إلى أن الإمامة لا تكون إلا في أولاد فاطمة - رضى الله تعالى عنها، ويستوي في هذا أولاد الحسن وأولاد الحسين، ورأوا أن كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة فهو إمام واجب الطاعة، وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ، فلما خرج زيد بن على في عهد هشام ابن عبد الملك بايعه هؤلاء .
وكان من مذهب الإمام زيد جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل ، فقال: " كان علي بن أبى طالب - - أفضل الصحابة ، إلا أن الخلافة فوضت، إلى أبى بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها، من تسكين نائرة الفتنة ، وتطييب قلوب العامة ، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريبا . وسيف أمير المؤمنين على عن دماء المشركين من قريش وغيرهم لم يجف بعد . والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي، فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ، ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد فكانت المصلحة أن يكون القائم بهذا الشأن من عرفوه باللين والتؤدة والتقدم بالسن، والسبق فى الإسلام، والقرب من رسول الله - 000 وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماما والأفضل قائم فيرجع إليه في الأحكام، ويحكم بحكه في القضايا"(46)
ولما سعت شيعة الكوفة هذه المقالة منه، وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين، وإنما قال:" إني لا أقول فيهما إلا خيرا، وما سعت أبى يقول في فيهما إلا خيرا، وإنما خرجت على بنى أمية الذين قاتلوا جدي الحسين". عندما سمعوا ذلك فارقوه، ورفضوا مقالته حتى قال لهم، رفضتموني، ومن يومئذ سمّوا رافضة (47) .
فرق الزيدية منهم من يتفق مع ما ذهب إليه الإمام زيد ومنهم من خالفه، فالجارودية زعموا أن - - نص على الإمام علي بالوصف دون التسمية، وهو الإمام بعده، والناس قصروا حيث لم يتعرفوا الوصف، ولم يطلبوا الموصوف، وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم فكفروا بذلك (48)
ولكن باقي فرق الزيدية ذهبوا إلى أن الإمامة شورى فيما بين الخلق ، وأنها تصح في المفضول مع وجود الأفضل، وأثبتوا إمامة الشيخين أبي بكر وعمر حقا باختيار الأمة حقا اجتهادا،واختلفوا في عثمان فمنهم من طعن، ومنهم من توقف(49) .
أما الشيعة الإمامية فهم يرون أن الإمامة منصب إلهي يختار له الله بسابق علمه بعباده كما يختار النبي، ويأمر النبي بأن يدل الأمة عليه ويأمرهم باتباعه . ويقولون إن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه بأن ينص على علي وينصب علما للناس من بعده ، وقد بلغ الرسول الكريم رسالة ربه، فلما انتقل إلى الرفيق الأعلى لم يتبع المسلمون أمر الله تعالى ولا أمر نبيه ، وتركوا ركنا من أركان الإيمان. ويرون أن النص بعد الإمام علي لابنه الحسن ثم للحسين ثم لابنه علي زين العابدين، ثم لابنه محمد الباقر، فابنه جعفر الصادق. وبعد القول بإمامة أبي عبد الله جعفر الصادق نرى منشأ أكبر فرقتين من فرق الشيعة هما الإسماعيلية والجعفرية الاثنا عشرية . والإسماعيلية جعلوا الإمامة بعده لابنه إسماعيل الأكبر، وافتراق هؤلاء فرقتين:
فرقة منتظرة لإسماعيل بن جعفر، مع اتفاق أصحاب التواريخ على موت إسماعيل في حياة أبيه. وفرقة: قالت كان الإمام بعد جعفر سبطه محمد بن إسماعيل بن جعفر حيث أن جعفر نصب ابنه إسماعيل للإمامة بعده فلما مات إسماعيل في حياة أبيه علمنا أ،ه إنما نصب ابنه إسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد بن إسماعيل، وإلى هذا القول مالت الإسماعيلية الباطنية (50) .
والإسماعيلية جعلوا الإمامة بعد إسماعيل لابنه محمد المكتوم، ومنهم من وقف عليه وقال برجعته بعد غيبته، ومنهم من ساق الإمامة في أئمة " مستورين " منهم ، ثم في " ظاهرين قائمين " من بعدهم، وقالوا: لن تخلو الأرض قط من إمام حي قائم. إما ظاهر مكشوف، وإما باطن مستور .
فإذا كان الإمام ظاهرا جاز أن يكون حجته مستورا، وإذا كان الإمام مستورا فلا بد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين .
ومن مذهبهم أن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وكذلك من مات ولم يكن في عنقه بيعة إمام مات ميتة جاهلية (51) .
أما الجعفرية الاثنا عشرية – وهم أكبر الفرق الإسلامية المعاصرة- فإنهم عقيدة خاصة في الإمامة أحب بيانها بشيء من التفصيل ، فأقول : يعتقد الجعفرية أن الإمامة كالنبوة في كل شيء باست، فالقول فيه مختلف، ولذلك قالوا: (52) .
1- إن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان بالاعتقاد بها، فمن لم يذهب مذهبهم في الإمامة فهم يجمعون على أنه غير مؤمن، وإن اختلفوا في تفسير غير المؤمن هذا: فمن قائل بكفره، إلى قائل بالفسق ،وأكثرهم اعتدالا أو أقلهم غلوا بذهب إلى أنه ليس مؤمنا بالمعنى الخاص وإنما هو مسلم المعنى العام، ما ليم كن مبغضا للأئمة وشيعتهم فضلا عن حربهم فهو يعد كافرا عند جميع الجعفرية (53) .
2- الإمام كالنبي في عصمته وصفاته وعلمه :
فالإمام يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمدا وسهوا. كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان !!
ويجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال من شجاعة وكرم وعفة وصدق وعدل ومن تدبير وعقل وحكمة وخلق .
أما علمه فهو يتلقى المعارف والأحكام الإلهية وجميع المعلومات من طرق النبي أو الإمام من قبله .
وإذا استجد شيء لا بد أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإن توجه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، لا يخطئ فيه ولا يشتبه عليه، ولا يحتاج في كل ذلك إلى البراهين العقلية، ولا إلى تلقينات المعلمين، وإن كان علمه قابلا للزيادة والاشتداد . وذهب بعضهم إلى أن أحد الملائكة كان يلازم الرسول - -ليسدده ويرشده ويعلمه، فلما انتقل الرسول - - إلى الرفيق الأعلى ظل الملك بعده، لم يصعد ليؤدي نفس وظيفته مع الأئمة بعد الرسول - - (54) .
3- لا بد أن يكون في كل عصر إمام هاد يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين وله ما للنبي من الولاية العامة على الناس لتدبير شئونهم وإقامة ا العدل بينهم، ورفع الظلم والعدوان من بينهم، وعلى هذا فالإمامة استمرار للنبوة .
4- الأئمة هم أولو الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وهم الشهداء على الناس ، وأبواب الله والسبل إليه والأدلاء عليه . فأمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه . وطاعتهم طاعته ، ومعصيتهم معصيته، ووليهم وليه، وعدوهم عدوه، ولا يجوز الرد عليهم، والراد عليهم كالراد على الرسول ، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى ، فيجب التسليم لهم، والانقياد لأمرهم ، والأخذ بقولهم .
ولذا فالجعفرية يعتقدون أن الأحكام الشرعية الإلهية لا تستقى إلا من نمير ماء أئمتهم، ولا يصح أخذها إلا منهم، ولا تفرع ذمة المكلف بالرجوع إلى غيرهم ، ولا يطمئن بينه وبين الله تعالى إلى أنه قد أدى ما عليه من التكاليف المفروضة إلا من طريقهم .
5 - ما دامت الإمامة كالنبوة فهي لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده ، وحكمها في ذلك حكم النبوة بلا فرق، فليس للناس أن يحكموا فيمن يعينه الله هاديا ومرشدا لعامة البشر، كما ليس لهم حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه، لأن الشخص الذي له من نفسه القدسية استعداد لتحمل أعباء الإمامة العامة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يعرف إلا بتعريف الله تعالى، ولا بتعينه .
ويعتقدون كذلك أن النبي- - نص على خليفته والإمام في البرية من بعده، فعين ابن عمه علي بن أبي طالب أميرا للمؤمنين وأمينا للوحي، وإماما للخلق في عدة مواطن، ونصبه وأخذ البيعة له بإمرة المؤمنين يوم غدير خم. كما انه بين أن الأئمة من بعده اثنا عشر نص عليهم جميعا بأسمائهم، ثم نص المتقدم منهم على من بعده .
6 - الأئمة الاثنا عشر الذين نص عليهم الرسول - - هم :-
ا ) أبو الحسن علي بن أبي طالب ( المرتضى ) الذي ولد قبل البعثة
2 ) أبو محمد الحسن بن علي " الزكي " ( 3 - 50 ) .
3 ) أبو عبد الله الحسين بن علي " سيد الشهداء " ( 4 - 61 ).
4 ) أبو محمد علي بن الحسين " زين العابدين " ( 38 - 95 ) .
5 ) أبو جعفر محمد بن علي " الباقر " ( 57 - 114 ) .
6 ) أبو عبد الله جعفر بن محمد " الصادق " ( 83 - 8 4 1 ).
7 ) أبو إبراهيم موسى بن جعفر " الكاظم " ( 8 2 1 - 83 1) .
8 ) أبو الحسن علي بن موسى " الرضا " (148-202 أو 203 ).
9 ) أبو جعفر محمد بن علي " الجواد " ( 195 - 225).
10) أبو الحسن على بن محمد " الهادي " ( 212 - 254) .
11) أبو محمد الحسن بن علي " العسكري " ( 232 - 0 6 2) .
12) أبو القاسم محمد بن الحسن " المهدي وهو الحجة في هذا العصر
ليملأ الأرض عدلا وقسطا بعدما ملئت ظلما وجورا. قيل ولد
سنة256 هـ. وغاب غيبة صغرى سنة 260هـ. وغيبة كبرى
سنة 329هـ ، وسيظل حيا إلى يوم القيامة حتى لا تخلو الأرض
من حجة وإلا ساخت !!
هذه هي عقيدة الإمامية الاثنى عشرية في الإمامة،ولكن ما أدلتهم التي استندوا إليها؟ وما مدى صحة استدلالهم ؟ يحتاج هذا إلى بحث آخر.
ولله تعالى الحمد في الأولى والآخرة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .
---------------------
(ا) من بينها مثلا : أمه يؤمه إذا قصده كما جاء الآية الكريمة الثانية من سورة المائدة ( ولا آمين البيت الحرام)- انظر مادة " أمم " في لسان العرب والقاموس المحيط .
(2) سورة البقرة: 124 .
(3) سورة الأنبياء : 73.
(4) سورة التوبة: 12 .
(5) سورة القصص:41
(6) تاريخ المذاهب الإسلامية1 / 21 .
(7) الملل والنحل 1 / 24 .
(8) انظر الرواية رقم 2374 بالجزء الرابع من مسند الإمام أحمد تحقيق وتخريج الشيخ أحمد شاكر، وانظر هذه الرواية سند صحيح آخر رقم 2999 ج 5 من المسند .
(9) المرج السابق ج2 رواية رقم 859 وهي صحيحة الإسناد. .
(12) صحيح البخاري - كتاب المحاربين - باب رجم الحبلى ، وراجع المسند تحقيق شاكرج1 رواية رقم 391 قوله: تغرة أن يقتلان: أي خوف وقوعهما في القتل يحضنونا: يخرجونا. جذيلها المحكك : الجذيل تصغير جذل، وهو العود الذي = ينصب للإبل الجربي لتحتك به، وهو تصغير تعظيم، أي أنا ممن بستشفى الإبل الجربي بالاحتكاك بهذا العود، وقيل: أراد أنه شديد البأس صلب من الترجيب، وهو أن تعمد النخلة الكريمة ببناء إذا خيف عليها- لطولها وكثرة حملها- أن تقع. ( انظر المسند فقيه المزيد ).
(31) المسند ج6 رواية رقم 4380، وانظر كذلك ج7 رواية رقم 4832، ج4 الروايتين 5677و6121، ج13 الروايتين 7304 و7547 .
(32) مسلم- كتاب الإمارة – باب الأمر بالوفاء بيعة الخلفاء الأول فالأول.
(33) مسلم- كتاب الإمارة – باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع.
(34) انظر تاريخ المذاهب الإسلامية 1 / 93: 109 ، والفرق بين الفرق ص 210- 212.
(35) انظر ضحى الإسلام 3 / 209 ، ودائرة المعارف الإسلامية المجاد الرابع عشر ص 58، والمهدية في الإسلام ص 4-5 .
(36) روى البخاري أن الإمام عليا عندما أراد مبايعة الصديق –رضي الله عنهما- أرسل إليه فجاءه ، فتشهد علي فقال: " إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله - - نصيبا، حتى فاضت عينا أبي بكر. فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله- -أحب إليّ أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله- - يصنعه فيها إلا صنعته. فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة . فلما صلى أبو بكر الظهر رقى على المنبر فتشهد، وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وعذره بالذي اعتذر إليه . ثن استغفر وتشهد علي ، فعظم حق أبي بكر، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكارا للذي فضله الله به ولكننا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا، فاستب علينا، فوجدنا في أنفسنا. فسر بذلك المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر المعروف ( كتاب المغازي باب غزوة خيبر). وروى مسلم أكثر من رواية تفيد ما سبق، وفي إحدى رواياته " ثم قام علي فعظم من أبي بكر، وذكر فضيلته وسابقته، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه. فأقبل الناس إلى علي فقالوا: أصبت وأحسنت "( كتاب الجهاد- باب قول النبي - - لا نورث ما تركناه صدقة ). واستبد بالأمر: إذا انفرد به من غير مشارك له فيه، وقول الإمام: ولكنك استبددت علينا بالأمر: أي لم تشاورنا في أمر الخلافة .
(37) في فتح الباري بعد الحديث عن الرواية السابقة قال ابن حجر: فقد صحح ابن حيان غيره من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر. وأما ما وقع في مسلم عن الزهري أن رجلا قال له: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة رضي الله عنهما قال: لا ولا أحد من بني هاشم . فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح. وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث. وحينئذ يحمل قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده، وما أشبه ذلك فإن في انقطاع مثله عن مثله يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته، فأطلق من أطلق ذلك ، وبسبب ذلك أظهر على المبايعة التي بعد موت فاطمة لإزالة هذه الشبهة .
(38) انظر الملل والنحل1/25، وجاء في كتاب الاستخلاف " إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب فإن بر وعدل فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ( الكامل للمبرد 1/8) .
(39) عبقرية الصديق ص 164 .
(40) الستة هم: علي وعثمان والزبير وطلحة وسعد بن أبى وقاص وعبد الرحمن وعبد الرحمن بن عوف. قال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي. ففال طلحة : قد جعلت أمري إلى عثمان . وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف .
(41) البخاري - كتاب الأحكام - باب كيف بايع الإمام الناس ، وراجع فتح الباري- كتاب المناقب- باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان رضى الله عنه .
(42) الشيعة معناها الأتباع والأنصار والفرقة ، ولكن غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا وأهل بيته حتى صار اسما لهم خاصا وجمعه أشياع وشيع .( انظر مادة " شيع " في القاموس المحيط ) وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم بمعناه اللغوي في عدد من آياته كقوله تعالى : ((ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا س شيعته وهذا من عدوه ( القصص آية15 ) .
وفي قوله عز وجل في سورة الأنعام ( الآية 159 ): (( إن الذي فرقوا دينهم وكالوا شيعا لست منهم في شيء )).
وقيل: إن ظهور هذا اللقب كان عام سبع وثلاثين من الهجرة ، وقيل بل بعد أن قبض معاوية على زمام السلطة ( انظر مختصر التحفة ص5 وروح الإسلام ص 313 ).وقال الدكتور طه حسين: الشيء الذي ليس فيه شك فيما أعتقد هو أن الشيعة، بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة عند الفقهاء والمتكلمين ومؤرخي الفرق، لم توجد في حياة علي ، وإنما وجدت بعد موته بزمن غير طويل . وإنما كان معنى كلمة الشيعة أيام علي هو نفس معناها اللغوي القديم الذي جاء في القرآن ( علي و بنوه ص 173 ) وتحدث بعد ذلك ( ص 187-189 ) عن عودة الحسن من الكوفة إلى المدينة بعد الصلح مع معاوية . وعن مجيء وفد من أشراف الكوفة ومعاتبتهم له . وطلبهم إليه أن يعيد الحرب ، وموقفه منهم . وقال الدكتور طه حسين بعد ذلك : " وأعتقد أنا أن اليوم الذي لقى الحسن فيه هؤلاء الوفد من أهل الكوفة، فسمع منه ما سمع وقال لهم ما قال ورسم لهم خطتهم. هو اليوم الذي أنشئ فيه الحرب السياسي المنظم لشيعة علي وبنيه، نظم الحرب في المدينة في ذلك المجلس وأصبح الحسن له رئيسا، وعاد أشراف أهل الكوفة إلى من وراءهم ينبئونهم بالنظام الجديد والخطة المرسومة " ( ص 189 - 190 ) .
(43) هده البقية من الأباضية، هم أكثر الخوارج اعتدالا وأقربهم إلى الجماعة الإسلامية تفكيرا ، فهم أبعدهم عن الشطط والغلو ولذلك بقوا ، ولهم فقه جيد، وفيهم علماء ممتازون ، ويقيم طوائف منهم في بعض واحات الصحراء الغربية ، وبعض آخر في بلاد الزنجبار . ويقولون عن مخالفيهم إنهم كفار نعمة لا كفار في الاعتقاد، وذلك لأنهم لم يكفروا بالله تعالى ، ولكنهم قصروا في جنب الله عز وجل ( انظر ص 91 من الجزء الأول من تاريخ المذاهب الإسلامية ) كما يقيم طوائف منهم في عمان والجزائر وتونس.
(44) الفرق بين الفرق ص45، واقرأه إلى ص67 للتعرف على الخوارج وآرائهم، وراجع كذلك: الملل والنحل 1/114-138 والخطط للمقريزية 4/178-180، وفجر الإسلام 1/314و325، وتاريخ المذاهب الإسلامية 1/69-92.
(45) الفرق بين الفرق ص65-66.
(46) الملل والنحل 1 / 155.
(47) الفرق بين الفرق ص25 ،ء وانظر الملل والنحل1 / 155 .
(48) انظر المرجع السابق ص2 2 . والملل والنحل 1/175-158.
(49) انظر الملل والنحل 1 / 159-162،والفرق بين الفرق ص24، وفرق الشيعة ص20-21 وص 55، والفصل في الملل والأهواء والنحل ص92-93 .
(51) الفرق بين الفرق ص 39 .
وتذهب المصادر الإسماعيلية التاريخية إلى أن إسماعيل مات خام 158 هـ أي بعد أبيه بعشر سنوات. ( انظر أساس التأويل 368) وجاء في دائرة المعارف الإسلامية عند الحديث عن الإسماعيلية "كان جعفر قد استخلف إسماعيل. ولكنه عاد فاستخلف ابنه الثاني موسى لأنه لقى إسماعيل ثملا. لكن الإسماعيلية لم يسلموا بنزع الإمامة من إسماعيل لأنهه كانوا يرون أن الإمام معصوم وأن شرب الخمر لا يفسد عصته، وأنه لا يجوز لله أن يأمر بشيء ينسخه " .
(51) انظر الملل والنحل 1 / 192-191 .
(52) انظر أقوالهم في المراجع الآتية :-
عقائد الإمامية ص 65،80 – أصل الشيعة وأصولها ص33،141 كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد: المقصد الخامس: الإمامة ص 284 وما بعدها- بحار الأنوار:باب جامع في صفات الإمام وشرائط الإمامة 25/115،175 وباب أنه جرى لهم ( أي الأئمة) من الفضل والطاعة مثل ما جرى لرسول الله - - وأنهم في الفضل سواء نفس الجزء ص 352، 363 .
(53) ذكر الحلي – الملقب عند الجعفرية بالعلامة- بأن إنكار الإمامة شر من إنكار النبوة !! حيث قال:" الإمامة لطف الله عام، والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام.. وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص ( الألفين1/3). وعقب أحد علمائهم على هذا بأنه " نعم ما قال " وأضاف: وإلى هذا أشار الصادق بقوله عن منكر الإمامة هو شر الثلاثة، فعنه أنه قال: الناصبي شر من اليهودي. قيل: وكيف ذلك يا ابن رسول الله ؟ فقال: إن اليهودي منع لطف النبوة وهو خاص، والناصبي منع لطف الإمامة وهو عام( انظر حاشية ص43 المنافع يوم الحشر). وفي مصباح الهداية(ص61-62) ذكر المؤلف أن الإمامة مرتبة فوق النبوة !! وقال ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق: " اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء. واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد " ( رسالته في الاعتقادات ص103) وقال المفيد:" اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض طاعته، فهو كافر ضال مستحق الخلود في النار" (بحار الأنوار للمجلسي 32/390، والمجلسي ذكر قول المفيد لتأييد رأيه ).
(54) انظر أصول الكافي: باب ذكر الأرواح النبي في الأئمة(1/271-272) وباب الروح التي يسدد الله بها الأئمة(1/27 –274) وهذا الباب فيه ستة أخبار منها عن طريق أبي عبد الله (( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان )) قال: خلق من خلق الله عز وجل من جبرائيل وميكائيل، كان مع رسول الله - - يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة من بعد .
وفي الباب الأسبق ذكر أن روح القدس خاصة بالأنبياء، فإذا قبض النبي انتقل روح القدس فصار إلى الإمام. وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو. والإمام يرى به. وفي الحاشية فسر الرؤية بقوله: يعني ما غاب عنه في أقطار الأرض وما في عنان السماء وبالجملة ما دون العرش إلى ما تحت الثرى !! وانظر بحار الأنوار(25/47-99)- باب الأرواح التي فيهم ( أي في الأئمة) وأنهم مؤيدون بروح القدس. وقال ابن بابويه القمي في رسالته (ص108-109): " اعتقادنا في الأخبار الصحيحة عن الأئمة أنه موافقة لكتاب الله، متفقة المعاني، غير مختلفة، لأنها مأخوذة من طريق الوحي عن الله سبحانه " وهذا القمي صاحب كتاب " من يحضره الفقيه " . أحد كتب الحديث الأربعة المعتمدة عند الجعفرية . وقال المجلسي: " أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة (ع) من الذنوب الصغيرة والكبيرة. عمدا وخطأ ونسيانا، قيل النبوة الإمامة وبعدهما، بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله تعالى. ولم يخالف في ذلك إلا الصدوق محمد بن بابويه وشيخه ابن الوليد، فإنهما جوزا الاسهاء من الله تعالى لا السهو الذي يكون من الشيطان في غير ما يتعلق بالتبليغ وبيان الأحكام "( بحار الأنوار:25/350-351).
وقال الطوسي: " لا يجوز عليهم - أي على الأئمة السهو والنسيان فيما يؤدونه عن الله . فأما غير ذلك فإنه يجوز أن ينسوه أو يسهوا عنه مما لم يؤد ذلك إلى الإخلال بكمال العقل. وكيف لا يجوز عليهم ذلك وهم ينامون ويمرضون ويغشى عليهم . والنوم سهو، وينسون كثيرا من متصرفاتهم أيضا، وما جرى لهم فيما مضى من الزمان " ( التييان4 / 165-166).
والطوسي يلقبونه بشيخ الطائفة، وهو صاحب كتابين من كتب الحديث الأربعة.
على الإمام من بعده ، وحكمها في ذلك حكم النبوة بلا فرق، فليس للناس أن يحكموا فيمن يعينه الله هاديا ومرشدا لعامة البشر، كما ليس لهم حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه، لأن الشخص الذي له من نفسه القدسية استعداد لتحمل أعباء الإمامة العامة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يعرف إلا بتعريف الله تعالى، ولا بتعينه .
ويعتقدون كذلك أن النبي- r- نص على خليفته والإمام في البرية من بعده، فعين ابن عمه علي بن أبي طالب أميرا للمؤمنين وأمينا للوحي، وإماما للخلق في عدة مواطن، ونصبه وأخذ البيعة له بإمرة المؤمنين يوم غدير خم. كما انه r بين أن الأئمة من بعده اثنا عشر نص عليهم جميعا بأسمائهم، ثم نص المتقدم منهم على من بعده .
6 - الأئمة الاثنا عشر الذين نص عليهم الرسول - r - هم :-
ا ) أبو الحسن علي بن أبي طالب ( المرتضى ) الذي ولد قبل البعثة
بعشر سنوات، واستشهد سنة أربعين من الهجرة .
2 ) أبو محمد الحسن بن علي " الزكي " ( 3 - 50 ) .
3 ) أبو عبد الله الحسين بن علي " سيد الشهداء " ( 4 - 61 ).
4 ) أبو محمد علي بن الحسين " زين العابدين " ( 38 - 95 ) .
5 ) أبو جعفر محمد بن علي " الباقر " ( 57 - 114 ) .
6 ) أبو عبد الله جعفر بن محمد " الصادق " ( 83 - 8 4 1 ).
7 ) أبو إبراهيم موسى بن جعفر " الكاظم " ( 8 2 1 - 83 1) .
8 ) أبو الحسن علي بن موسى " الرضا " (148-202 أو 203 ).
9 ) أبو جعفر محمد بن علي " الجواد " ( 195 - 225).
10) أبو الحسن على بن محمد " الهادي " ( 212 - 254) .
11) أبو محمد الحسن بن علي " العسكري " ( 232 - 0 6 2) .
12) أبو القاسم محمد بن الحسن " المهدي وهو الحجة في هذا العصر
ليملأ الأرض عدلا وقسطا بعدما ملئت ظلما وجورا. قيل ولد
سنة256 هـ. وغاب غيبة صغرى سنة 260هـ. وغيبة كبرى
سنة 329هـ ، وسيظل حيا إلى يوم القيامة حتى لا تخلو الأرض
من حجة وإلا ساخت !!
هذه هي عقيدة الإمامية الاثنى عشرية في الإمامة،ولكن ما أدلتهم التي استندوا إليها؟ وما مدى صحة استدلالهم ؟ يحتاج هذا إلى بحث آخر.
ولله تعالى الحمد في الأولى والآخرة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .