Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

إمامة الشيعة دعوة باطنية لاستمرار النبوة

إمامة الشيعة دعوة باطنية لاستمرار النبوة
التمهيد


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فإن المتتبع لخلافات الفرق الإسلامية يعلم يقيناً أن أبرز نقطة جوهرية تفرد باعتقادها الشيعة الإمامية هي قضية الإمامة ومعناها الاعتقاد بوجوب وجود إمام معصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة(1)، مفارقين بذلك أهل السنة بجميع فرقهم الذين لا يعتقدون بوجوب ذلك.
وقد كان من الطبيعي جداً أن يحاول الشيعة إثبات صحة معتقدهم هذا والدفاع عنه بشتى الوسائل الممكنة، تارة عن طريق سوق ما يأملون أن يصبَّ في مصلحة دعواهم تلك من أدلة عقلية ونقلية – كتاب وسنة – وعرضها على أنها براهين ساندة في إثبات صحة معتقدهم في الإمامة، وتارة أخرى من خلال شنّ هجوم عنيف لا هوادة فيه على عقيدة أهل السنة والجماعة الذين لا يعتقدون بالإمامة وفق مفهومهم لها.
ولو أن قضية الإمامة هذه بقيت داخل إطار البحث العلمي وأصوله المعروفة من حيث عرضها على أنها فرضية علمية تمثل نتاج إعمال بعض أهل الرأي والنظر عقولهم في مجموعة من الأدلة والمعطيات ليتوصلوا إلى إقرارها حسب ما أوصلهم إلى ذلك اجتهادهم، وأن هذه الفرضية خاضعة للمناقشة والتقييم من قبل أهل العلم والرأي والاجتهاد دون نفي آراء المخالفين لها أو إخراجهم من حظيرة الإسلام الواسعة، على اعتبار أنها نتاج الفكر البشري وليست أصلاً عقائدياً مقطوعاً فيه، أقول لو أن الأمر نهج هذا المنهج وسار على هذا المسار لما كان فيه بأس أو ضرر ربما، ولكان الحوار علمياً لمناقشة وجهات النظر والتقريب بينها.
__________
(1) فيقول علامتهم وحجتهم محمد رضا المظفر في كتابه (عقائد الإمامية) ص102-103:[ فلا بد أن يكون في كل عصر إمام هاد يخلف النبي في وظائفه ... وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى].

(1/1)


إلا أن قضية الإمامة انحرف بها علماء الشيعة انحرافاً خطيراً،وانعطفوا بها انعطافةً بعيدةً كل البعد عن الحوار بين الفرق الإسلامية داخل دائرة الإسلام، وذلك حين عدُّوا قضية الإمامة من أصول الدين كالتوحيد والنبوة والمعاد ـ بل عدّوها أهم وأفضل من بعض الأصول العظيمة كالنبوة(1) ـ مع أن الصواب جعلها من المسائل الفرعية الاجتهادية القابلة للأخذ والرد بين الفرق الإسلامية، فمن علمائهم المعاصرين الذين صرحوا بكونها من أصول الدين:
1- آيتهم العظمى وعلامتهم ومحققهم جعفر سبحاني الذي يقول في كتابه (الملل والنحل) تحت عنوان (هل الإمامة من الأصول أو من الفروع) ما نصه: [الشيعة على بكرة أبيهم اتفقوا على كونها أصلاً من أصول الدين وقد برهنوا على ذلك في كتبهم ،ولأجل ذلك يُعَدُّ الاعتقاد بإمامة الأئمة من لوازم الإيمان الصحيح عندهم،وأما أهل السنة فقد صرحوا في كتبهم الكلامية أنها ليست من الأصول](2) ،وقال:[ اتفقت كلمة أهل السنة أو أكثرهم على ان الإمامة من فروع الدين …… هذا ما لدى أهل السنة، و أما الشيعة فالاعتقاد بالإمامة عندهم اصل من أصول الدين](3).
2-وقال محمد رضا المظفر: [نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالإعتقاد بها](4).
3- يقول الخميني: [الإمامة إحدى أصول الدين الإسلامي](5).
4- يقول عبد الحسين المظفر: [ولأجل هذا وجب علينا أن نبحث عن الإمامة لأنها اصل من أصول الدين ولا يستقيمب بدونها](6).
__________
(1) كما سنشير إلى بعض نصوص علمائهم الصريحة في تفضيل الإمامة على النبوة والرسالة وبتفضيلهم الأئمة على الأنبياء وذلك في الفصل السادس من هذه الدراسة فترقب.
(2) الملل والنحل ج1 ص257.

(3) ينظر الإلهيات: 4/9-10 .

(4) ينظر عقائد الإمامية: ص102.

(5) ينظر كشف الأسرار: ص149.
(6) ينظر الشافي في شرح أصول الكافي: ص49.

(1/2)


5-يقول آيتهم العظمى ناصر مكارم الشيرازي: [فالإمامة في نظر طائفة الشيعة واتباع مذهب أهل البيت - عليه السلام - من أصول الدين والأسس العقائدية، بينما تعتبر في نظر طائفة أهل السنة من فروع الدين والأحكام العملية](1)، وقال:[ لهذا يعتبر الإيمان بالإمامة جزءاً من اصول الدين لا من فروع الدين](2).
6-يقول السيد علي الحسيني الميلاني: [واما ان الإمامة من أصول الديانات والعقائد ام هي من الفروع ؟ فالحق: انها من الأصول كالنبوة](3).
7-يقول آيتهم العظمى عبد الحسين شرف الدين:[ فعلم أنها ترمي إلى أن ولاية علي من أصول الدين كما عليه الإمامية](4) ،وقال:[ وأن الإيمان عبارة عن اليقين الثابت في قلوب المؤمنين مع الاعتراف به في اللسان ، فيكون على هذا أخص من الإسلام ، ونحن نعتبر فيه الولاية مضافا إلى ذلك فافهم](5).
وبهذا الانحراف الخطير يكون علماء الشيعة قد وضعوا قضية الإمامة على مفترق طرق وجعلوها نقطة مفاصلة بينهم وبين غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى، معيقين بذلك تحقيق حرص الجماهير المسلمة وحلمها في بناء الوحدة الإسلامية بين الغالبية العظمى من المسلمين من جهة وأفراد هذه الطائفة من جهة أخرى .. بل أصبح الشيعة بسبب ذلك أشبه بمن يعيش في عزلةٍ تامة مقيتة وكأن بينهم وبين الآخرين هوّةً سحيقة يستعصي بل يستحيل ردمها ما بقيت الإمامة فيهم بمفهومها الحالي.
__________
(1) ينظر نفحات القرآن: 9/10.

(2) ينظر المصدر السابق: ص12.

(3) ينظر الإمامة في أهم الكتب الكلامية: ص43.

(4) المراجعات لعبد الحسين شرف الدين ص260.
(5) الفصول المهمة في تأليف الأمة - لعبد الحسين شرف الدين ص13.

(1/3)


وقد ترتبت على هذا الانحراف الخطير -المتمثل بعدِّهم الإمامة أصلاً من أصول الدين- نتيجة منطقية وبديهية وهي أن المخالف لهم في الإمامة يكون حكمه كحكم المنكر لباقي أصول الدين الثلاثة وهي التوحيد والنبوة والمعاد،وبما أن حكم المنكر لأحد الأصول الثلاثة مجمع عليه بين المسلمين وهو الكفر والخروج من دائرة الإسلام،وعليه عدَّ علماء الشيعة المخالف لهم في الإمامة كافراً خارجاً عن دائرة الإسلام مستحقاً للخلود في نار الجحيم،ووقع اجماعهم على تخليد المخالف لهم في الإمامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها كباقي الكفار من اليهود والنصارى والمجوس والوثنيين(1)
__________
(1) فالإجماع حاصل بينهم على ذلك سواء صرحوا به أم أضمروه إذ ان عدم تصريح بعض علمائهم لا يعني أبداً رفضهم لهذه العقيدة ومخالفتها بل كل علماء الشيعة مجمعين على هذه العقيدة – كما سننقله بنصوص علمائهم بعد قليل - وإن كان هناك مخالف لهذا الإجماع فليعلنوه لأهل السنة في كتبهم ومؤلفاتهم، وهيهات.

(1/4)


، حتى لو كان هذا المخالف موافقاً لهم في الإقرار بجميع أصول الدين الإسلامي الأخرى بل حتى لو كان ممن ينطق بالشهادتين ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان يحج البيت .. بمعنى أن هذه العبادات العظيمة والإقرار بأصول الدين الأخرى المجمع عليها بين جميع الفرق الإسلامية، لن تغني عن صاحبها شيئاً في نظر الشيعة إن أنكر الإمامة بمعناها عندهم، بل أن مصيره المحتوم في نظرهم، هو الخلود في نار الجحيم حاله كحال من لم يأتِ من الإسلام شيئاً أو يقرّ منه بأصل بل هو عندهم كمن لم يؤمن بالله أصلاً من المجوس والوثنيين !! وهذه حقيقة مؤلمة ليس فيها أي تقوّل أو مبالغة فلقد وقع اجماعهم على أن المخالف لهم في الإمامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها مع الكفار من اليهود والنصارى(1) والملحدين من المجوس والوثنيين.
وإليك أخي القارئ طائفة من أقوال علمائهم الذين نقلوا إجماع علماء المذهب على هذا الحكم:
__________
(1) بل أن هناك روايات تثبت أن المخالف للشيعة في الإمامة مصيره في الآخرة لا يساوي مصير اليهود والنصارى في شدة العذاب بل أشد من عذابهم وإليك ما صرح به علامتهم محمد حسن النجفي حول توجيهه للروايات التي تضمنت ذلك فقال في كتابه(جواهر الكلام) الذي يعد مفخرة الفقه الشيعي ج36 ص93-94:[وعلى كل حال فمنشأ هذا القول من القائل به استفاضة النصوص وتواترها بكفر المخالفين وأنهم مجوس هذه الأمة وشر من اليهود والنصارى التي قد عرفت كون المراد منها بيان حالهم في الآخرة ]، وقال أيضاً بنفس الكتاب ج30ص97: [فوجب حينئذ حمل على النصوص على ذلك، نحو ما دل على أنهم كفار، وأنهم شر من اليهود والنصارى أي في الآخرة]، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى دراستنا المشار إليها بعنوان(موقف الشيعة الإمامية من باقي فرق المسلمين).

(1/5)


1-إن شيخهم المفيد نقل لنا إجماع الشيعة الإمامية على ذلك فقال تحت عنوان(القول في تسمية جاحدي الإمامة ومنكري ما أوجب الله تعالى للائمة من فرض الطاعة): [ واتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد الأئمة(1) وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار](2).
2-ينقل علامتهم زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني إجماعهم على ذلك فقال:[ ولذا نقلوا الاجماع على دخولهم النار](3).
3- قال عمدتهم وفيلسوفهم نصير الدين الطوسي: [إن الإمامية قد تفردوا بأن دخول الجنة والنجاة لا يكون إلا بعد ولاية آل محمد عليهم السلام واعتقاد إمامتهم، وأما باقي الفرق الإسلامية، فقد أطبقوا على أن أصل النجاة هو الإقرار بالشهادتين(4)](5).
__________
(1) وفي هذا تخصيص أشد وأنكى من مجرد إنكار الإمامة، بل أن منكر شخص أحد الأئمة (حتى وإن اعترف بالإمامة كأصل) يُعدُّ في نظر علماء الشيعة كافراً ضالاً يستحق الخلود في النار!!

(2) أوائل المقالات- الشيخ المفيد ص 44.
(3) ينظر بحار الأنوار للمجلسي(8/368).

(4) فأي الفريقين أهدى سبيلاً وأنأى عن بث الفرقة والعداوة بين المسلمين؟! من يجمع المسلمين على مجرد الإقرار بالشهادتين أم من يرميهم بالكفر والضلال ويوجب لهم الخلود في نار الجحيم ما لم يوافقوه على مذهبه ومعتقده في الإمامة؟! فهذه شهادة أحدهم، وليسمع دعاة الوحدة والتقريب!!!
(5) نور البراهين - السيد نعمة الله الجزائري ج1 ص64.

(1/6)


4- يذكر علامتهم وآيتهم العظمى عبد الحسين الموسوي – صاحب المراجعات – أن أخبار الشيعة لا تثبت النجاة يوم القيامة لجميع الموحدين بل هي مخصصة بمن يعتقد بالولاية والإمامة،ومن ثم فهي تحكم على باقي الموحدين من عدا الإمامية بالخلود بالنار حيث قال:[ وإن عندنا صحاحاً أُخَر فزنا بها من طريق أئمتنا الاثني عشر .. فهي السنة التالية للكتاب، وهي الجنة الواقية من العذاب، وإليكها في أصول الكافي وغيره تعلن بالبشائر لأهل الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر لكنها تخصص ما سمعته من تلك العمومات المتكاثرة بولاية آل رسول الله وعترته الطاهرة ... ولا غرو فإن ولايتهم من أصول الدين](1).
5-يقول المرتضى الملقب عندهم بعلم الهدى حول تكفير من لا يؤمن بإمامة أئمتهم الاثنى عشر في رسالته (الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة): [مما يدل أيضا على تقديمهم عليهم السلام وتعظيمهم على البشر أن الله تعالى دلنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى في أنها إيمان وإسلام ، وأن الجهل والشك فيهم كالجهل به والشك فيه في أنه كفر وخروج من الإيمان ، وهذه منزلة ليس لأحد من البشر إلا لنبينا صلى الله عليه وآله وبعده لأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ولده على جماعتهم السلام .... والذي يدل على أن المعرفة بإمامة من ذكرناه عليهم السلام من جملة الإيمان وأن الاخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان ، إجماع الشيعة الإمامية على ذلك ، فإنهم لا يختلفون فيه](2).
__________
(1) ينظر الفصول المهمة لعبد الحسين شرف الدين ص32.
(2) رسائل المرتضى - الشريف المرتضى ج2 ص 251-252.

(1/7)


6- يقول شيخ طائفتهم الطوسي:[ بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي إذا سألك سائل وقال لك: ما الإيمان ؟ فقل : هو التصديق بالله و بالرسول وبما جاء به الرسول والائمة عليهم السلام . كل ذلك بالدليل ، لا بالتقليد ، وهو مركب على خمسة أركان ، من عرفها فهو مؤمن ، ومن جهلها كان كافرا ، وهي : التوحيد، والعدل ، والنبوة والإمامة ، والمعاد](1) ،وقال في نفس الكتاب ص317:[ مسألة : عن قوله النبي صلى الله عليه وآله : " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " وقوله صلى الله عليه وآله : " من مات بلا وصية مات ميتة جاهلية " وهذا تفاوت لا يجوز عليه ، لان الجهل بالإمام يخرج عن الإيمان ، و من صحَّت عقيدته وحسنت أعماله ، واخطأ في ترك الوصية لا يخرج بذلك عن الإيمان ، فما الكلام في ذلك إذا اتفقت العبارتان واختلفتا في المعنى ؟ . الجواب : الجهل بالامام كفر وقد استفسروا عنه فقالوا هو ميته كفر و ضلال ] .
7-يقول محققهم الكركي:[ بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين في التتميم الحمد لله والصلاة على رسوله محمد وآله الأطهار . يجب على كل مكلف حر وعبد، ذكر وأنثى، أن يعرف الأصول الخمسة التي هي أركان الإيمان ، وهي: التوحيد، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، بالدليل لا بالتقليد. ومن جهل شيئا من ذلك لم ينتظم في سلك المؤمنين واستحق العقاب الدائم مع الكافرين](2) .
__________
(1) الرسائل العشر- الشيخ الطوسي ص 103.
(2) رسائل الكركي - المحقق الكركي ج1ص59.

(1/8)


وبالفعل طبَّقوا هذا الانحراف عملياً في أرض الواقع على مخالفيهم في الإمامة من جميع المسلمين والمتمثل بتكفيرهم ولعنهم والحكم عليهم بالنار، ولذا طالت دعوى التكفير الموبوءة عند الشيعة لتنال المسلمين مهما عظمت منازلهم فكفَّروا بسببها خير البشر بعد الأنبياء وهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسهم خيرهم وأفضلهم الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمروعثمان - رضي الله عنهم - (1) ، وإليك-على سبيل المثال لا الحصر- طائفة من أقوال علمائهم في هذا:
1- يقول محقق الشيعة الإمامية علي بن الحسين بن عبد العال الكركي:[ وأي عاقل يعتقد تقديم ابن أبي قحافة وابن الخطاب وابن عفان الأدنياء في النسب، والصعاب، الذين لا يعرف لهم تقدم ولا سبق في علم ولا جهاد ... والبسوا أشياء أقلها يوجب الكفر، فعليهم وعلى محبيهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)(2).
__________
(1) سبب تكفيرهم للصحابة يعود لكونهم عمدوا إلى الشورى في تنصيب الإمام أولاً، ثم لأنهم رضوا بتنصيب غير علي - رضي الله عنه - ثانياً، وهذا خلاف معتقد الشيعة في الإمامة لأنها عندهم غير خاضعة للشورى بل واجبة بالنص لأشخاص معلومين ذواتاً وأسماءاً بدءاً بعلي - رضي الله عنه - .. وأما تخصيص الخلفاء الراشدين الثلاثة بالتكفير والذم أكثر من غيرهم فلأنهم كما يرى الشيعة أول من ترجم القول بإنكار الإمامة إلى فعل بتوليهم منصب الخلافة- الإمامة- دون صاحبها الشرعي- في نظرهم - على بن أبي طالب - رضي الله عنه - .. فموقف الشيعة إذاً من هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم هو موقف عقائدي بحت، لا كما يحاول أن يصوره بعض المكرة منهم أو المتميعين من أهل السنة على أنه خلاف سياسي ليس إلا !!
(2) رسائل الكركي - المحقق الكركي ج1 ص62.

(1/9)


2- يقول خاتمة محدثي الشيعة الإمامية محمد باقر المجلسي:[ أقول: الأخبار الدالة على كفر أبي بكر وعمر وأضرابهما، وثواب لعنهم والبراءة منهم، وما يتضمن بدعهم، أكثر من أن يذكر في هذا المجلد أو في مجلدات شتى وفيما أوردناه كفاية لمن أراد الله هدايته إلى الصراط المستقيم](1).
3- وأخيراً يصف شيخهم المفيد الصحابة الذين تقدموا على علي رضي الله عنه في تقلّد منصب الخلافة (وهم أبا بكر وعمر وعثمان) بأنهم فساق ومستحقون للخلود بالنار فقال تحت عنوان(القول في المتقدمين على أمير المؤمنين -على بن ابي طالب عليه السلام– ):[ واتفقت الامامية وكثير من الزيدية على أن المتقدمين على أمير المؤمنين(2) – - عليه السلام - - ضلال فاسقون، وأنهم بتأخيرهم أمير المؤمنين - عليه السلام - عن مقام رسول الله - صلوات الله عليه وآله - عصاة ظالمون، وفي النار بظلمهم مخلدون](3).
ثم ألحقوا بهم بالكفر كل من تبعهم ورضي بإمامتهم وترضّى عنهم من باقي المسلمين في جميع الأزمان كالتابعين وأئمة المذاهب الأربعة –أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل- وباقي أهل السنة بجميع فرقهم ومذاهبهم(4) إلى قيام الساعة.
__________
(1) بحار الأنوار جزء 30 ص 399.
(2) ويقصد بهم الذين تقدموا على علي - رضي الله عنه - بمنصب الخلافة وهم ابو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -.
(3) أوائل المقالات- الشيخ المفيد ص41-42.

(4) ولي في بيان موقف الشيعة من جميع فرق المسلمين دراسة وافية شافية لا غنى للمتخصص من الإطلاع عليها وهي بعنوان (موقف الشيعة الإمامية من باقي فرق المسلمين).

(1/10)


ونظراً لهذا الانحراف الخطير الذي سلكه علماء الشيعة في قضية الإمامة ـ بجعلها أصلاً من أصول الدين وتخليد من لا يعتقدها في نار جهنم ـ راح أهل السنة والجماعة ينظرون إلى الشيعة ومعتقدهم في الإمامة نظرة أكثر جدية(1) وأكثر موضوعية، معتبرين إياها خطراً حقيقياً يهدد وحدة الأمة الإسلامية وغزواً عقائدياً جارفاً لا يستهان به أبداً، كونها دعوة عظيمة لتكفير جميع أهل القبلة كدعوى الخوارج تماماً، إذ لا مهادنة عندهم للمخالف ولا متسع لحرية الرأي.. فإما أن توافقهم فت ؤاخى وإلا فأنت مخالف مُخلّد في نار الجحيم وإن كنت من أهل القبلة ممن يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت .. وتوحدت جهود بعض علماء السنة- ممن وعى خطر هذه الدعوة الهدامة المقيتة – في الرد على أصحابها وإبطال عقائدهم والتي في مقدمتها الإمامة .. وراحوا يحذرون المسلمين منها حتى يسلم لهم دينهم بعيداً عن التشويه والانحراف الهدام، وكان هذا هو نفس السبب الذي دفعني بقوة إلى دراسة هذه النظرية دراسة وافية بأدلتها وتفصيلاتها .. وقد اتخذت تلك الدراسة محاور رئيسية ثلاث هي:
المحور الأول: مناقشة الأدلة النقلية التي اعتمدوها في إثبات معتقدهم .
المحور الثاني: مناقشة الأدلة العقلية التي حاولوا أن يدعموا بها معتقدهم .
المحور الثالث: بيان النتائج التي ترتبت على قولهم بالإمامة ومن ثم تقييمها من خلال عرضها على الشرع والعقل، فإن حكما ببطلان تلك النتائج فإنه سينسحب قطعاً على بطلان أصل الإمامة،لأن فساد النتيجة معناه فساد المقدمة التي قادت إليها،وفساد اللازم معناه فساد الملزوم.
__________
(1) من نظرتهم السابقة على أنها نظرية عقلية اجتهد بها أصحابها ولا تخرج المختلفين فيها من دائرة الإسلام الواسعة الرحبة.

(1/11)


ورأيت أن جُلّ ما كُتب لرد معتقد الشيعة في الإمامة لا يخرج عن هذه المحاور الثلاثة، وكما أن الكتابة في المحور الأول والثاني مهمة جداً لتفنيدها إلا أني رأيت أن الكتابة في المحور الثالث لها نفس الأهمية وربما تزيد، لأن غالب المسلمين لا يملك القدرة على هضم الأدلة ومناقشتها ومن ثم الترجيح بينها لمعرفة الحق من الباطل، ولكنه يستطيع وبيسر أن يحكم على قضية الإمامة بالفساد إذا عَلِمَ أنها تؤدي إلى نتائج باطلة يرفضها الشرع والعقل، لأنها لو كانت حقاً لكانت جميع النتائج المترتبة عليها حقاً أيضاً، فمن هذا المنطلق اخترت كتابة هذه الدراسة في المحور الثالث لبيان إحدى النتائج الخطيرة التي أنتجتها قضية الإمامة عند الشيعة،ليرى القراء بيسر وسهولة - بعيداً عن تحليل الأدلة العقلية والنقلية والرد المفصل- أن قضية الإمامة ستقود إلى نتيجة ليست باطلة فحسب بل وتشكل خطراً حقيقياً على دين الإسلام والتشكيك بأصوله المحكمة، مما يجعل العقلاء يرفضونها جملةً وتفصيلاً، ولعل أنصارها بعد أن يتدبروا هذه الدراسة أن يعيدوا النظر في تقييمها من خلال النتائج التي أفرزتها.
نسأل الله تعالى أن يرينا وجميع المسلمين الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويوفقنا لاجتنابه، إنه سميع مجيب .

المقدمة

(1/12)


كما ذكرت في التمهيد، ليس المقصود بهذه الدراسة مناقشة أدلة الشيعة التي احتجوا بها لإثبات نظريتهم في الإمامة- والتي أوجبوا فيها وجود إمام معصوم في كل عصر- بل هو الكشف عن إحدى النتائج الخطيرة التي ترتبت على قولهم بها، وأصل الداء أن الشيعة في معرض إثبات معتقدهم قدَّموا العقل على النقل(الشرع)، فساقوا عدة مقدمات عقلية جعلوها أصولاً اعتمدوها في مجال تقرير العقائد وإثباتها(1)، ومنها وأهمها عقيدة الإمامة التي نحن بصدد الحديث عنها، ورغم علمي بفساد هذا المنهج(2)، إلا أني اعتمدته نفسه في بيان فساد معتقدهم ذاك، لا لشيء إلا لأبيِّن للمسلمين أن عقيدة الإمامة تحمل مقدمات نهايتها معها، ولذا عمدت إلى اعتماد نفس الأصول العقلية التي اعتمدها الشيعة في تقرير الإمامة، وبالفعل فقد رأيت أن هذه الأصول العقلية يكمن فيها وبين تفاصيلها خطر عظيم يهدد بدوره أصلاً مهماً من أصول الدين الإسلامي الحنيف يتعلق بعقيدة ختم النبوة، الأمر الذي يعني بالضرورة فسادها- أي تلك الأصول- وفساد عقيدة الإمامة التي نشأت عنها وانبثقت منها، ويقدِّم بوضوح الصورة المهترئة لها بما ينبئ بالنهاية النكدة التي لا بد أن تؤول إليها .. ومعنى ذلك أننا إذا انسقنا وراء نفس المقدمات العقلية التي انساق إليها الشيعة في إثبات الإمامة فإننا نصل في نهاية المطاف إلى نسف أصل ختم النبوة، وبمعنى آخر ينبغي على كل من آمن بالإمامة كأصل وعقيدة أن يؤمن بالتلازم بعقيدة باطلة يقيناً هي عقيدة الطائفة القاديانية الفاسدة القاضية باستمرار النبوة بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، إذ أن كلتا العقيدتين تنهلان من نفس المصدر لأنهما تستندان إلى
__________
(1) وذلك عند بياننا لأصلين مهمين اعتمدها علماء الشيعة في تقريراتهم العقلية .
(2) كون الأصل المعتمد عندنا نحن أهل السنة والجماعة في تقرير العقائد هو كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - المقطوع بصحة تقريراتهما.

(1/13)


نفس المقدمات العقلية كما سيتبين للجميع لاحقاً.
وقد اعتمدت في عرض مادة الدراسة أسلوب المناظرة التخيلية(1)
__________
(1) لست بدعاً في هذا الاسلوب لنقض الباطل، فقد سبقني إليه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى حين استخدمه بين أصحاب الدعاوي الباطلة لنقض بعضها ببعض، مثل المناظرة التي ساقها بين جبري(معتقد الجبر في الأفعال) وقدري(معتقد أن الانسان خالق فعله) في كتابه(شفاء العليل)، اضافة إلى مناظرات شبيهات لها في كتابه(الصواعق المرسلة).

(1/14)


بين شخصين أحدهما شيعي والآخر قادياني وكلاهما يعتمد نفس أسلوب الاستدلال العقلي في إثبات معتقده ويستند إلى نفس المقدمات في تقريراته، كما أؤكد أن الناظر لدعوتيهما بإنصاف يجد يقيناً أنهما دعوتان تصدران من مشكاة واحدة ولا تختلف إحداهما عن الأخرى إلا بالمسمى في حين أنهما تلتقيان في الفكرة والمضمون(1)
__________
(1) لا أنكر أني ترددت بعض الشيء في كتابة هذه الدراسة لورود احتمال حصول مفسدة ما في عرض فكرة غريبة- معتقد القاديانية- على مجموع المسلمين ممن هم حالياً في منأى عنها وبُعْد، ولكني بعد التأمل في الأمر وجدتُ أن ترددي هذا ناتج عن وهم بعيد ولا مبرر له لأمرين هامين: الأول:أن فساد عقيدة القاديانية أظهر من أن يحتاج إلى دليل لنقضها، بل ليس هناك خشية على القارئ في أن يقع في قلبه شيء من شبهاتها، لأن كفر قائلها أظهر من الشمس في رابعة النهار، ولمزيد من الاطلاع ينظر كتاب (عقيدة ختم النبوة) لمؤلفه المعاصر أحمد بن سعد الغامدي الذي أسهب بذكر الأدلة على ختم النبوة ورد على باقي الفرق المنكرة لها بما فيها القاديانية، الأمر الثاني:أن ذكر دعوى استمرار النبوة عند القادياني ضروري جداً لنقض دعوى استمرار وجود معصوم عند الشيعة، حيث أن فيها إلزاماً قوياً للإمامي الذي ينكر على القادياني دعوته أن يتبرأ هو أولاً من دعوته للتلازم الواضح ـ والذي سيراه القارئ بنفسه- بين الدعوتين .. بل ان الناظر للدعوتين بتجرد، وكما سيتبين من خلال المناظرة، يرى بجلاء أن حجة القادياني على دعواه أقوى بكثير من حجة نظيره الإمامي في إثبات إمامته- هذا طبعاً في ضوء التسليم الجدلي بموضوع المناظرة لأن الحق الذي نؤمن به جميعاً هو فساد كلتا الدعوتين لفساد أصل كل منهما كما سبق في اعتمادهما التقرير العقلي في إثبات عقيدتهما وتأويل النص الصريح ليوافقه، مخالفين بذلك منهج أهل السنة في اعتماد النص الشرعي لتقرير وإثبات العقائد وجعل العقل تابعاً ومؤيداً له ـ لهذا السبب بالذات، آثرت المصلحة المؤكدة – المتمثلة بنقض نظرية الإمام المعصوم وإبطالها- على المفسدة الموهومة في احتمال زج القارئ بشبه القاديانية الكافرة.

(1/15)


، بل إن عقيدة الإمامة لدى الشيعة تعتبر الخطوة الأولى لنقض عقيدة ختم النبوة فهي- كما سيظهر في هذه الدراسة- تعتبر الجسر الذي سيستخدمه القاديانيون للوصول إلى عقيدتهم القاضية باستمرار النبوة، وكما سيجد القارئ من خلال مقارنة أقوال أصحاب العقيدتين، بأن القاديانيين اعتمدوا على معظم بل جميع المقدمات التي اعتمدها الشيعة لكنهم اختلفوا معهم في تسمية ما نتج عن تلك المقدمات، فالشيعة أَسْمَوْه وجوب وجود إمام معصوم والقاديانية أَسْمَوْه وجوب وجود نبي- والعياذ بالله- وهذا الاختلاف لا يتعدى كونه خلافاً لفظياً بين الاثنين إذ لا فرق حقيقي بين صفات إمام الشيعة المعصوم ونبي القاديانية، فكلاهما وجهان لعملة واحدة(1).
__________
(1) ومثل هذه النظريات العقيمة وغيرها كثير تبين مدى الشر الكبير الذي وقع على الأمة من جراء تقديم العقل على النقل وجعله حاكماً متبوعاً مطلقاً والثاني(النقل) تابعاً مؤولاً- كما سنذكر ذلك في الفصل الرابع- ولأن العقول متفاوتة فيما بينها من حيث الإدراك والتقرير، نرى أن كل فرقة منهم تدعي أن قولها صحيح بصريح العقل ومن عداها باطل، وتراهم يؤصلون أقوالهم بعقولهم ثم يبحثون له عن دليل يؤيده ويعضده من الشرع، جاعلين العقل هو الأصل والنقل(النص الشرعي) تابعاً له، وهذا ما سيلمسه القارئ بنفسه من خلال المناظرة المتخيلة بين القادياني والإمامي الشيعي حيث أن كلاً منهما يستدل بالعقل على صحة قوله تاركين الشرع جانباً إلا عندما يراد منه تقوية تقريرهم العقلي بالأدلة بعد تأويله بما يخدم تلكم التقريرات.

(1/16)


ولا بد من التأكيد هنا أن هذا الكلام ليس فيه- كما قد يسيء البعض الفهم- شيء من الاتهام لعلماء الشيعة بالتقديم والتمهيد المقصود لعقيدة استمرار النبوة أو بالسعي المخطط له لهدم عقيدة ختم النبوة، بل أن فيه إرادة التنبيه عن الخطر الكامن في عقيدتهم الذي قد يستغله آخرون لبث عقائد أخرى فاسدة، لعل عقلاء المذهب أن يتنبهوا له فيحذروه وأن يتحلّوا بالشجاعة المطلوبة للرجوع عن الخطأ والعودة إلى جادة الحق والصواب، إن كان لديهم الحرص الكافي للحفاظ على وحدة وسلامة بنائنا الإسلامي العظيم.
وبعد هذه المقدمة أسأل الله تعالى أن يجعل هذه الدراسة في ميزان حسناتي لأني أردت أن أدافع بها عن الإسلام وعن هذا الأصل العظيم وهو ختم النبوة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رزقنا الله شفاعته وتقبل منا أعمالنا إنه أرحم الراحمين.

الفصل الأول
نبذة مختصرة عن القادياني والقاديانية

الفصل الأول

لقد ظهرت القاديانية في أواخر القرن التاسع عشر المسيحي في الهند بعد استقرار الحكم الإنكليزي فيها وهي ثورة على النبوة المحمدية- على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- وعلى الإسلام كله، مؤامرة دينية وسياسية، إن وجد لها نظير في الخطر والضرر على الإسلام ففي الحركة الإسماعيلية الباطنية التي تولّى كبرها عبيد الله بن ميمون القدّاح في القرن الثالث الهجري(1)
__________
(1) وأشك أنها بلغت مبلغ الأولى-أي القاديانية- في أصالة الفساد ودقة المؤامرة في معاداة الإسلام.

(2) لذا كانت الدعوة القاديانية ورجالها من أكبر المؤيدين للسياسة الإنكليزية في المنطقة والمزَمِّرين لها.

(1/17)


، ولقد تبنتها الحكومة الانكليزية واحتضنتها(1)، وساعدتها العوامل الاجتماعية والسياسية والفكرية الكثيرة التي توفرت في عصر ظهورها على الانتشار سريعاً رغم بعدها عن الإسلام، فأصبح معتنقوها طائفة كبيرة يحسب لها حساب، وغدت " قاديان " مركز دعوة ودعاية وسياسة يُقبل عليها ويؤم شطرها بعض كبار المثقفين- الثقافة العصرية- ورجال الدولة، ولقد اقتصر نشاط دعاتها على عقد المناظرات التي انصبّ هدفها على إثارة الشكوك والشبهات بين المسلمين ونشر الدعاية لعقيدتهم الخاصة داخل الهند وخارجها، وبعد انقسام الهند عام 1947م وظهور الباكستان كدولة مستقلة، فرضت الحكومة الإنكليزية التي كانت قائمة آنذاك، القادياني ظفر الله خان على باكستان كوزير للخارجية، ولقد انتهز هذا الأخير صلاحيات منصبه بكل دهاء وعزم، فشحن الوزارة الخارجية والمفوضيّات في عواصم العالم بالقاديانيين ودسَّهم في مصالح الحكومة الأخرى وسلطهم على رقاب الموظفين المسلمين، ثم راحوا ينخرطون بكثافة في صفوف الجيش الباكستاني واحتلوا مناصب خطيرة فيه وفي أجهزة الدولة المهمة كالشرطة ومصلحة الطيران، بل قد كوَّنوا إمارة في بنجاب تسمى الربوة هي في حقيقتها مستعمرة قاديانية لا يوظَّف فيها إلا القادياني(2) ولا يعلو صوت فيها فوق صوته وكأنها دولة داخل الدولة، ولم يقتصر نشاط رجال الدعوة على منطقة شبه الجزيرة الهندية بل تعدّاها إلى دول ومناطق أخرى في العالم وخصوصاً إلى البلدان العربية الإسلامية، فصار لها حضور في العراق وسوريا، وانتشار في إندونيسيا، ولها طموح قوي وحلم عريض في أن يكون لها وجود ملموس وقوي في جزيرة العرب مهد الإسلام وعاصمة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل في مكة والمدينة على وجه الخصوص- شرفهما الله تعالى وأعاذهما من كل فتنة وإلحاد- ثم بدأت
__________
(1) ويمكن أن تشبه الربوة في باكستان بإسرائيل في فلسطين، فكلاهما جاثم على صدر المسلمين وقائم منهم بالمرصاد.

(1/18)


هذه الدعوة تعني بالجهات القاصية في قارة إفريقية والدول الإسلامية الناشئة، ولم تضَيّع أية فرصة أتيحت لها لنشر دعايتها وتوجيه دعوتها في المؤتمرات السياسية والندوات العلمية العالمية والمؤسسات الدينية الكبرى.
أما مؤسسها فهو الميرزا غلام احمد القادياني ولد عام 1839 أو 1840 في آخر عهد حكومة السكة في بنجاب في قرية قاديان من مديرية "كرداسبور" الواقعة بعد التقسيم في الهند وكان في السابعة عشرة من عمره يوم نشبت الثورة الهندية الكبرى، وينتمي الميرزا غلام الى السلالة المغولية والى فرع من فروعها يسمى "برلاسن" وقد ظهر له متأخراً انه من النسل الفارسي، وقد تحدى الميرزا عام 1907 العالم المشهور بمولانا ثناء الله الامري تسري وضمَّن تحدِّيه إياه بالدعاء إلى الله تعالى ان يقبض المبطل في حياة صاحبه وان يسلط عليه داءً مثل الهيضة والطاعون يكون فيه حتفه، وفي شهر مايو 1908 اصيب الميرزا بالهيضة الوبائية وهو في لاهور وأعيا الاطباء داؤه ومات في الساعة العاشرة والنصف صباحاً وكان ذلك في اليوم السادس والعشرين من مايو سنة 1908 ونقلت جثته الى قاديان حيث دفن في المقبرة التي سماها بمقبرة الجنة "بهشتي مقبرة"(1).
نماذج من كفره وهذيانه:
سنقتصر هنا على بعض تصريحاته للاختصار فمنها:
1- يقول في (دافع البلاء) ص11: [هو الإله الذي ارسل رسوله في قاديان].
2- قال في تتمة (حقيقة الوحي) ص68: [والذي نفسي بيده انه ارسلني وسماني نبي].
3- قال في (اياك غلطي كما ازاله) ص8: [ان زهاء مائة وخمسين بشارة من الله وجدتها صادقة الى وقتنا هذا، فلماذا انكر اسمي نبياً ورسولاً، وبما ان الله هو الذي سماني بهذه الاسماء فلماذا اردها، او لماذا اخاف غيره؟].
__________
(1) نقلاً عن كتاب القادياني والقاديانية للندوي بتصرف .

(1/19)


4- قال في هامش (حقيقة الوحي) ص72: [ان الله تعالى مظهراً لجميع الانبياء ونسب اليّ اسماءهم، انا آدم، انا شيت، انا نوح، انا ابراهيم، انا اسحاق، انا اسماعيل، انا يعقوب، انا يوسف، انا عيسى، انا موسى، انا داود، وانا مظهر كامل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أي انا محمد واحمد ظلياً].
5- قال في (اياك غلطي كازاله) ص1: [قبل بضعة ايام اعترض مخالف على رجل من اتباعي بأن الذي بايعته يدّعي انه نبي ورسول، فأجابه بالنفي المحض، مع ان هذا الجواب غير صحيح، والحق ان وحي الله الطاهر الذي ينزل عليَّ جاء فيه لفظ "رسول" و "مرسل" و "نبي" وليس مرة واحدة بل مئات المرات، فكيف يصح هذا الجواب].

(1/20)


6- يقول في (براهين احمدية) ج3 ص239-242: [لقد الهمت آنفاً وانا اعلق على هذه الحاشية وذلك في شهر مارس عام 1882م ما نصه حرفياً: يا أحمد بارك الله فيك، ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى، الرحمن علم القرآن، لتنذر قوماً ما انذر آباؤهم ولتستبين سبيل المجرمين قل اني امرت وانا اول المؤمنين، قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا، كل بركة من محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتبارك من علم وتعلم، قل ان افتريته فعليّ اجرامي، هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، لا مبدل لكلمات الله… انا كفيناك المستهزئين يقولون انى لك هذا إلا قول البشر واعانه عليه قوم آخرون، أفتأتون السحر وانتم تبصرون هيهات هيهات لما توعدون من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين، جاهل او مجنون قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين، هذا من رحمة ربك، يتم نعمته عليك ليكون آية للمؤمنين انت على بينة من ربك فبشر وما انت بنعمة ربك بمجنون، قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.. الى ان قال: اني رافعك الي، والقيت عليك محبة مني، لا إله إلا الله فاكتب وليطيع وليرسل في الارض، خذوا التوحيد التوحيد يا ابناء فارس، وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم، واتل عليهم ما اوحي اليك من ربك، ولا تُصَعِّر لخلق الله ولا تسئم من الناس اصحاب الصفة وما ادراك ما اصحاب الصفة، ترى اعينهم تفيض من الدمع يصلون عليك، ربنا اننا سمعنا منادياً ينادي للايمان، وداعياً الى الله وسراجاً منيرا].

(1/21)


7- قال في (براهين احمدية) ج4 ص509: [اذا قيل لهم امنوا كما آمن الناس قالوا أَنؤمن كما آمن السفهاء، ألا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون، ويحبون ان تدهنوا، قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون، قيل ارجعوا الى الله فلا ترجعون، وقيل استحوذوا فلا تستحوذون ام تسئلهم من خرجٍ فهم من مغرم مثقلون، بل أتيناهم بالحق فهم للحق كارهون، سبحانه وتعالى عما يصفون، أحسب الناس أن يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا، ولا يخفى على الله خافية، ولا يصلح شيء قبل اصلاحه].
8- قال في (تحفة الندوة) ص4: [فكما ذكرت مراراً ان هذا الكلام الذي أتلوه هو كلام الله بطريق القطع واليقين كالقرآن والتوراة، وانا نبي ظلي وبروزي من انبياء الله، وتجب على كل مسلم ان يؤمن باني المسيح الموعود، وكل من بلغته دعوتي فلم يحكمني، ولم يؤمن بأني المسيح الموعود، ولم يؤمن بان الوحي الذي ينزل عليَّ من الله، هو مسؤول ومحاسب في السماء وان كان مسلماً، لانه قد رفض الامر الذي وجب عليه قبوله في وقته، انني لا اقتصر على قولي ان لو كنت كاذباً لهلكت، بل اضيف الى ذلك انني صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد عليه الصلاة والسلام، وقد انزل الله لتصديقي آيات سماوية تربى على عشرة آلاف، وقد شهد لي الرسول وقد عيَّن الانبياء زمان بعثتي وذلك هو عصرنا الآن، والقرآن يعين عصري، وقد شهدت لي السماء والارض وما من نبي إلا وقد شهد لي].
9- قال في (حقيقة الوحي) ص9: [لقد حُرِمَ الذين من الاولياء والابدال والاقطاب من هذه الامة المحمدية النصيب الكبير من هذه النعمة (يعني الالهامات والمكالمات الالهية) ولذلك خصني الله بإسم النبي، اما الآخرون فلا يستحقون هذا الاسم].

(1/22)


وأنا من يقين من جزم القارئ بأن هذا الكلام لا يصدر من عاقل أبداً بل من رجلٍ مختل عقلياً أو ممن تلبَّست به الجن والشياطين فنطقت على لسانه. نسأل الله تعالى أن يحفظ لنا عقولنا من الجنون والمس.

الفصل الثاني
ختم النبوة من منظار أهل السنة

الفصل الثاني

إن من مبادئ الإسلام- بعد الإيمان بالتوحيد والبعث بعد الموت- أن
محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد ختم به اللهُ النبوة، وأن لا نبي بعده ولا وحي ولا إلهام بعده يكون حجة شرعية، وهذه العقيدة هي المعروفة بـ " عقيدة ختم النبوة " في الإسلام والتي اعتبرتها الأمة الإسلامية منذ عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا جزءاً من الإيمان من غير أدنى خلاف، إذ دلت عليه العديد من الآيات القرآنية الكريمة وجزمت به العشرات من الأحاديث النبوية الشريفة التي لا مجال معها أبداً لكل من يحاول تغييبها، لتقذف به بقوة إلى دائرة الكفر الصريح(1)، وهذه مسألة قطعية مسلَّم بها وقد أُلِّفت حولها العديد من الكتب المنشورة المتداولة بين الجميع، ولكن لا بد هنا من الإشارة إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أوضح عقيدة ختم النبوة في عشرات الأحاديث الشريفة أخبر أيضاً عمن يحاولون خرق هذا الحاجز أو هدم هذا الأصل، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - من ضمن ما أخبر به عن أشراط الساعة وعلاماتها ظهور أناس كذابون يدَّعون النبوة بعده فقال - صلى الله عليه وسلم -:[ لا تقوم الساعة حتى يبعث دجّالون كذابون قريباً من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله](2)، وقال أيضاً:[ أنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي](3)، وفي أحد هذين الحديثين الشريفين نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلق على مدَّعي
__________
(1) في ذكر الآيات والأحاديث كلها تطويل لا داعي له هنا لأنها معروفة للجميع.
(2) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(3) رواه مسلم.

(1/23)


النبوة لفظة " الدجال " ومعناه المخادع الشديد الخداع، منَبِّهاً - صلى الله عليه وسلم - أمته- من خلال هذه اللفظة- إلى أن هؤلاء الذين يدعون النبوة هم مخادعون يستعملون سلاح الدجل والتلبيس، متظاهرين بالإسلام ليحاولوا تغيير عقائده من الداخل بعد أن يُلَبِّسوا على بعض الجهلة أمرهم، وحتى يزرع - صلى الله عليه وسلم - اليقين في نفوس أتباعه ختم حديثه بقوله(وأنا خاتم النبيين) ومعنى ذلك أن (لا نبي بعدي).
وقد حدث ما أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم -، فظهر أناس كثيرون في التاريخ، ادعوا النبوة متظاهرين بالإسلام عاملين بالدجل والتلبيس لترويج دعواهم، ولكن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كانت لهم بالمرصاد دائماً وعلى بينة من كتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم -، فكان كلما ظهر متنبئ وادعى النبوة حكمت الأمة عليه بالكفر والخروج من دائرة الإسلام، وهكذا كلما قُدِّمت قضية المتنبئ الى حكومة إسلامية أو الى محكمة شرعية في القرون الماضية أصدرت الحكم بكفره لدعواه النبوة وعاملته معاملة الكفار، ولم تطلب منه دلائل النبوة،وهذا واضح في معاملة الصحابة رضي الله عنهم لمدعي النبوة في زمنهم كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح وطليحة والحارث وغيرهم، فالصحابة رضي الله عنهم حكموا عليهم بالكفر وعاملوهم معاملة الكفار دون أن يسألوهم عن تأويلهم في عقيدة ختم النبوة، بل الأمر كله في نظرهم كان داخلاً في دائرة الدجل والتلبيس الذي حذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وان قبول أي تأويل فيها يعني خرق بديهيات الدين وهدم عقائده (1).
__________
(1) نقلاً عن كتاب موقف الأمة الإسلامية من القاديانية بتصرف .

(1/24)


وبالرغم من قطعية هذه العقيدة لدى جميع المسلمين وكونها من المعلوم من الدين بالضرورة،إلا أنها لم تسلم من هجمات الملحدين وشبهات المشككين لعلهم يزحزحون هذه العقيدة في قلوب المسلمين كما قال تعالى: { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون } (الأنعام: من الآية121) ، وقوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (الأنعام:112) .
فأخذوا يطرحون على المسلمين الشبهات من هنا وهناك لعلهم يحققون مآربهم الأثيمة ، وكان من أبرز تلك الشبهات والتشكيكات قولهم بأن قطع النبوة في هذه الأمة مع استمرارها في الأمم السابقة يتنافى مع العدل الإلهي لحاجة هذه الأمة إلى أنبياء آخرين حتى مع فرض عدم الحاجة الى شريعة جديدة تبقى الحاجة قائمة الى أنبياء يسددون سير البشرية وفق هذه الشريعة المحمدية ، وأصل الشبهة ينطلق من مقدمتين هما:

الأولى:
إن مجرد وجود النبي فيض إلهي ولطف ورحمة بالمكلفين ، فإرساله سبحانه الرسل لهدايتهم وإرشادهم جود وفضل وكرم منه سبحانه.
الثانية:

(1/25)


إن الأنبياء صنفان نبي تشريعي وآخر تبليغي ، فالتشريعي هو الذي يبعثه الله تعالى بشريعة جديدة تنسخ شريعة النبي السابق ، وأما النبي التبليغي فلا يبعث بشريعة جديدة بل يقوم بإحياء وحفظ الشريعة السابقة من الاندراس ومن ثم ترويجها وتبليغها ويرشد الناس لاتباعها(1).
وانطلاقا من هاتين المقدمتين يكون بعث نبي آخر بعد نبينا لطف ورحمة ، ومحال على الله اللطيف بعباده الرحيم بهم أن يحرم هذه الأمة التي أثنى عليها سبحانه من نور النبوة بعد رحيل نبيها ، في حين رحِمَ تلك الأمم السابقة ببعث الأنبياء فيهم بعد موت أنبيائهم ، ولا يقال إن شريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - أكمل الشرائع ولا يمكن الإتيان بشريعة أكمل منها فلا داعي لبعث الأنبياء بعده - صلى الله عليه وسلم - ، لأن هذا الاعتراض يصح لمنع وجوب بعثة النبي التشريعي فقط ، بينما تبقى الحاجة لبعث نبي تبليغي يصون الشريعة من التحريف ويروجها ويبلغها للمكلفين إلى قيام الساعة ، فلو سلمنا عدم الحاجة للنبي التشريعي ، نظراً لكمال الشريعة ، تبقى الحاجة لبعث أنبياء تبليغيين يحفظون الشريعة ويبلغونها للخلق ، وإليكم نص هذه الشبهة كما طرحت في كتب العقائد ونقلها أبرز مراجع الشيعة:
__________
(1) يقول آية الشيعة العظمى ومحققهم جعفر سبحاني في موسوعته مفاهيم القرآن (3/217-218):[ إن النبي إذا بعث بشريعة جديدة وجاء بكتاب جديد فالنبوة تشريعية ، وأما إذا بعث لغاية الدعوى والإرشاد إلى أحكام وقوانين سنها الله سبحانه على لسان نبيه المتقدم فالنبوة تبليغية ، والقسم الأول من الرسل ، قد انحصر في خمسة ، ذكرت أسماؤهم في القران والنصوص المأثورة ، أما الأكثرية منهم ، فكانوا من القسم الثاني وقد بعثوا لترويج الدين النازل على أحد هؤلاء فكانت نبوتهم تبليغية].

(1/26)


1-يقول آيتهم العظمى ناصر مكارم الشيرازي:[إن إرسال الأنبياء فيض إلهي عظيم،فلماذا حُرِمَ أناس في هذا الزمان من هذا الفيض؟ لماذا لا يكون لأهل هذا الزمان هاد وقائد جديد يهديهم ويقودهم؟](1).
2-يقول آيتهم العظمى جعفر سبحاني:[ وحاصله:هب أنه ختمت النبوة التشريعية ، فلماذا ختمت التبليغية منها ؟ توضيحه: إن النبي إذا بعث بشريعة جديدة وجاء بكتاب جديد ، فالنبوة تشريعية وأما إذا بعث لغاية الدعوى والإرشاد إلى أحكام وقوانين سنها الله سبحانه على لسان نبيه المتقدم، فالنبوة تبليغية ، والقسم الأول من الرسل ، قد انحصر في خمسة ، ذكرت أسماؤهم في القران والنصوص المأثورة ، أما الأكثرية منهم ، فكانوا من القسم الثاني وقد بعثوا لترويج الدين النازل على أحد هؤلاء فكانت نبوتهم تبليغية.
حينئذ ، فقد يسأل سائل ويقول : هب أن نبي الإسلام جاء بأكمل الشرائع و أتمها وأجمعها للصلاح وجاء بكل ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه ومعاده إلى يوم القيامة ولم يبق لمصلح رأي ولمتفكر نظر ، في أصول الإصلاح و أسسه، لان نبينا (ص) قد أتى بصحيح الرأي و أتقنه و أصلحه في كافة شؤون الحياة ومجالاتها ولأجل ذلك الاكتمال أوصد باب النبوة التبليغية التي منحها الله للأمم السالفة فان الشريعة مهما بلغت من الكمال والتمام لا تستغني عمن يقوم بنشرها وجلائها وتجديدها ، لكي لا تندرس ويتم إبلاغها من السلف إلى الخلف بأسلوب صحيح ، فلماذا أوصد الله هذا الباب بعدما كان مفتوحاً في وجه الأمم الماضية، ولماذا منح الله سبحانه هذه النعمة على السالف من الأمم وبعث فيهم أنبياء مبلغين ومنذرين وحرم الخلف الصالح من الأمم منها؟](2).
__________
(1) دروس في العقيدة الاسلامية- ناصر مكارم الشيرازي ص176.
(2) مفاهيم القرآن- جعفر سبحاني ج3 ص217-218.

(1/27)


3-يقول فيلسوفهم مرتضى مطهري:[ علينا الآن أن نرى لماذا كانت النبوات تتجدد في الماضي ، وكان الأنبياء يأتون على التوالي ، وإن لم يكن كلهم أصحاب شرائع وقانون وكان الغالب يبعث لتنفيذ شريعة موجودة؟ ولماذا انتهى الأمر بعد خاتم النبيين ، ولم يكن النبي التشريعي (صاحب الشريعة) لم يأتِ ولن يأتي فحسب ، بل إن النبي المبلغ لم يأتِ ولن يأتي أيضاً.. لماذا؟ كان أغلب الأنبياء-بل أكثريتهم التي تقارب الإجماع-تبليغيين لا تشريعيين ، وربما لا يتجاوز الأنبياء التشريعيون عدد أصابع الكف الواحدة ، وكان عمل الأنبياء التبليغيين هو تبليغ الشريعة وترويجها وتنفيذها وشرحها](1).
4-قال علامتهم إبراهيم الأميني:[ على فرض أن الحاجة إلى إرسال أنبياء من أولي العزم-أي أصحاب شرائع- انتفت نظراً لكمال الأحكام والقوانين والمعارف الدينية الإسلامية وكفايتهم ، فلماذا-ترى- تنتفي الحاجة إلى أنبياء مبلغين يقومون بمهمة الترويج لتلك الشرائع ، فكما أن الله سبحانه كان يرسل بعد كل نبي صاحب شريعة-من أولي العزم- أنبياء عديدين ، ليقوموا بترويج الشريعة المتقدمة وتبليغها للأجيال اللاحقة ، فلماذا لا يبعث الله- بعد مبعث رسول الإسلام وتشريع الأحكام والقوانين الجديدة- أنبياء لتبليغ الرسالة المحمدية والترويج لها ، مع العلم بأن وجود أمثال هؤلاء الأنبياء أمر ضروري ومفيد في المجتمعات](2).
فهذا مضمون الشبهة التي ألقاها إبليس في قلوب أتباعه كي يوسوسوا بها للخلق كما قال تعالى(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)(الأنعام:112) ، ولننظر كيف أجاب عنها كل من أهل السنة والشيعة وكما يلي:
__________
(1) الوحي والنبوة- مرتضى مطهري ص28-30.
(2) النبوة والنبي- إبراهيم الأميني ص137-138.

(1/28)


جواب أهل السنة:
يمكن تلخيص جواب أهل السنة بوجهين هما:

الوجه الأول:الأصل هو تقرير الشرع وليس حكم العقل ابتداءاً
إن مما تسالم عليه أهل السنة هو أن الانطلاق لتكوين المفاهيم يكون مستنداً إلى الشرع وليس العقل، وإن أي أمر يثبته الشرع فلا بد أن نلتزم به سواء وافقه العقل أم خالفه في الظاهر(1)، وعليه فإذا ما ثبتت قضية ختم النبوة بصورة قطعية من الشرع أخذنا بها برضا وتسليم دون أن نلتفت للشبهات التي تفرضها العقول المريضة الملتاثة بوسوسة الشيطان الذي يوحي إلى أوليائه مثل هذه الشبهات لتشكيك المسلمين بما يقرره دينهم، لأننا يجب أن نكون مستيقنين تماماً بأن كل ما ثبت بالشرع هو حق وخير سواء علمنا الحكمة منه أم جهلناها(2)
__________
(1) أقول"في الظاهر" لأن الأصل هو أن أي حكم قطعي شرعي لا يتعارض مع حكم عقلي مطلقاً، وهذا ما أثبته شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه الرائع (درء تعارض العقل والنقل).
(2) لقد ورد في السنة النبوية ما يؤيد ذلك في حقيقة قصور العقل في إدراك جميع التقريرات الشرعية بادئ الأمر، وهذا واقع في العديد من القضايا التي تنقلها لنا السيرة النبوية إحداها ما حصل في واقعة صلح الحديبية عندما فرض المشركون شروطاً مجحفة ومذِلّة في ظاهرها بحق المسلمين وافق عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حين وقف إزاءها المسلمون موقفاً رافضاً في بادئ الأمر لأن عقولهم حينها استصعبت قبول الإجحاف الذي تضمنته بنود الصلح، لكنهم مع ذلك وافقوا عليها في نهاية الأمر على مضض، فتركوا ما حكمت به عقولهم واتبعوا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قال الصحابي سهل بن حنيف قولته الشهيرة لتأصيل هذا القانون الرباني القاضي بتقديم الشرع على العقل عند التعارض فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه:[عن الاعمش عن شقيق قال سمعت سهل بن حنيف يقول بصفين ايها الناس اتهموا رأيكم والله لقد رأيتنى يوم أبى جندل ولو أني أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته] ينظر صحيح مسلم ج5 ص176 .

(1/29)


وحول هذا المعنى يقول الإمام ابن القيم رحمه الله (مختصر الصواعق المرسلة) ص87:[كما قال بعض أهل الإيمان يكفيك من العقل أن يُعَرِّفك صدق الرسول ومعاني كلامه ثم يخلي بينك وبينه، وقال آخر: العقل سلطان ولّى الرسول ثم عزل نفسه] وقال ص88:[لأن العقل قد شهد للشرع والوحي بأنه أعلم منه وأنه لا نسبة له إليه وأن نسبة علومه ومعارفه إلى الوحي أقل من خردلة بالإضافة إلى جبل… وقال: ان الشرع مأخوذ عن الله بواسطة الرسولين الملك والبشر بينه وبين عباده، مؤيداً بشهادة الآيات وظهور البراهين على ما يوجبه العقل ويقتضيه تارة ويستحسنه تارة ويجوزه تارة ويضعف عن دركه تارة فلا سبيل له إلى الإحاطة به ولابد من التسليم والانقياد لحكمهِ والإذعان والقبول، وهناك تسقط (لِمَ) وتبطل (كيف) وتزول (هلاّ) وتذهب (لو، وليت) في الريح، لان اعتراض المعترض عليه مردود، واقتراح المقترح ما ظنّ انه أولى منه سفه، وجملة الشريعة مشتملة على أنواع الحكمة علماً وعملاً، حتى لو جمعت حِكَم جميع الأمم ونُسِبت إليها لم تكن لها إليها نسبة، وهي متضمنة لأعلى المطالب بأقرب الطرق وأتم البيان…] .
فهذه خلاصة الوجه الأول وهي أننا لسنا ملزمين أن نبرر ما ثبت بالشرع بحيث نجعل تقريراته في قفص الاتهام ثم ننطلق لندافع عنها بل الأصل أن ما يأتي به الشرع هو الحق وما خالفه يكون في قفص الاتهام .

الوجه الثاني:نضج الأمة ورشدها يجعلها مستغنية عن نبي جديد

(1/30)


بعد أن بينا في الوجه السابق أن الشرع إذا جاء بحقيقة فلا نحتاج بعدها إلى فرضيات العقول ولسنا ملزمين بأن نجيب حول كل التساؤلات، إلا أننا في هذا الوجه سوف نتطوع من باب النافلة بأن نجيب حول هذا الإشكال في ضوء معتقد أهل السنة والجواب هو ان العلة ليست بوجود النبي من عدمها بل ببقاء شريعته وتعاليمه ثابتة دون انحراف فمتى ما حفظت الأمة تراث نبيها من الانحراف وصانته من التحريف فليس بها حاجة إلى نبي جديد لأن العبرة بشرع النبي وليس بشخصه فما دامت تعاليمه صحيحة بين الناس فكأنه بين أظهرهم بإرشاده وتبليغه وهذا ما نستطيع أن نلمسه في أرض الواقع بتمكُّن المسلمين من التعبد بالشرع وعندهم الكتاب والسنة ولذا يخبرنا الله تعالى بأن الكتب السماوية السابقة التي هي مصدر التشريع الأول قد أُخفيَ كثير منها مما تطلَّب بعث الأنبياء ليبينوا الحق الذي أُخفيَ وحُرِّف فقال سبحانه: { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } (الأنعام: من الآية91) ، وقال تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } (المائدة:15).

(1/31)


بينما نجد عناية الله تعالى بحفظ القرآن وأنه الحجة والنور الذي تستمد منه الهداية إلى قيام الساعة وقد اهتم به المسلمون وأقبلوا ينهلون منه الهداية والعلم والتشريع ليبقى حجة خالدة لله تعالى على خلقه إلى قيام الساعة كما قال تعالى: { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } (الأنعام: من الآية19).
وقال تعالى مبيناً كمال الدين بشكل لا نحتاج به إلى نبي جديد: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً } (المائدة: من الآية3).

(1/32)


فالدين إذاً محفوظ وكامل لا نحتاج إلى من يكمله أو يحفظه لأن علة التحريف منتفية بشهادة الله تعالى، وهذه العلة غفل عنها أصحاب الاعتراض فظنوا أن غياب شخص النبي معناه عدم إمكان التعبد والسير في ظل تعاليم شريعته، مع أن الحق هو إن بقاء شرع النبي ودينه سالم وحفظته الأمة من الضياع والتحريف فلا حاجة لها إلى نبي جديد(1) .
__________
(1) وهناك كلام لبعض علماء الشيعة يثبتون به هذا المعنى الذي يقول به أهل السنة ويقرونه بكل صراحة ومنهم علامة الشيعة ابن المطهر الحلي في معرض شرحه لكلام فيلسوفهم ومحققهم النصير الطوسي بالحاجة للنبوة في كل وقت حيث قال:[ المسألة السادسة : في وجوب البعثة في كل وقت قال: ودليل الوجوب يعطي العمومية]، إلا أن الحلي هذَّب هذه العبارة بقوله بحيث لا يجوز خلو الزمان من شرع نبي حتى لا يتهم باعتقاده بوجوب استمرار النبوة فقال:[ وقال علماء الإمامية : إنه تجب البعثة في كل وقت بحيث لا يجوز خلو زمان من شرع نبي]،فأثبت أن بقاء شرع النبي يغني عن وجود شخص النبي في كل وقت ليوافق قول أهل السنة بكل صراحة، ومنهم شيخهم وآيتهم محسن الخرازي حيث أثبت بأن وصول دعوة النبي وشرعه تغنيان عن شخصه فقال في كتابه (بداية المعارف الإلهية) فقال (1/235):[ ولا يلزم في بلوغ الدعوة وصول مبشريها، بل يكفي في بلوغها وقيام الحجة في لزوم النظر في أمرها مجرد وصول خبرها].

(1/33)


ولقد مدح الله تعالى هذه الأمة وصرح بأهليتها لوراثة الدين وتحمل أعباء نقل الدين والحفاظ عليه فقال سبحانه: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } (فاطر:32) ، يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية (3/562): [يقول تعالى ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم المصدق لما بين يديه من الكتب الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذه الأمة ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع فقال تعالى: (فمنهم ظالم لنفسه) وهو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات (ومنهم مقتصد) هو المؤدي للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض المستحبات ويفعل بعض المكروهات (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) وهو الفاعل للواجبات والمستحبات التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات . قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) قال هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب](1)
__________
(1) وهناك كلام لبعض علماء الشيعة يؤيد ما ذكره أهل السنة من أهلية الأمة الإسلامية وفضلها في حمل تراث نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمنهم:
1-ينقل شيخهم الطوسي الملقب عندهم بشيخ الطائفة كلاماً قريباً من هذا في تفسيره للآية حيث قال: [ وقال ابن عباس : الذين أورثهم الله الكتاب هم أمة محمد ، ورثهم الله كل كتاب أنزله ، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسبهم حسابا يسيرا وسابقهم يدخلون الجنة بغير حساب ، وقال ابن مسعود - بذلك - وكعب الاحبار وقال الثلاث فرق - المذكورة في هذه الآية كلهم في الجنة]، ينظر تفسيره التبيان (8/430).

2-يقول فيلسوفهم صدر الدين الشيرازي في كتابه(الحجة) ص111 مؤكداً مدح الله تعالى لأمة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -:[ فقال الله تشريفاً لكليمه موسى عليه السلام(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً)(لأعراف: من الآية145)، وقال تشريفاً لأمته - صلى الله عليه وسلم - (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْه)(المجادلة: من الآية22)، فشتّان بين نبي تشرف بكتابة الموعظة له في الألواح، وبين نبي تشرف أمته بكتابة الإيمان لهم في قلوبهم، والإيمان عبارة عن العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم والآخر، فما أعظم وأشرف قدرهم فضلاً عن قدر نبيهم؟!].

(1/34)


.
وقد وقفت على كلام رصين لموسى جار الله يصب في هذا المعنى في كتابه (الوشيعة) حيث قال:[ كل ما أنعم الله به على نبيه من فضل ونعمة،وكل ما نزل من عرش الله العظيم إلى نبيه الكريم فكله بعده لأمته،والأمة شريكة لنبيها في كل كمال كان له في حياته،ثم ورثته بعد مماته،وكل فضل وكل نعمة ذكرها القرآن لنبيه فقد ذكرها لأمته، ومثاله:
فقد قال سبحانه لنبيه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وقال عن أمته(كنتم خير أمة أخرجت للناس).
وقال لنبيه (ويتم نعمته عليك) وقال لأمته (وأتممت عليكم نعمتي)
وقال لنبيه (وينصرك الله نصراً عزيزاً) وقال لأمته (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) فأوجب النصر على نفسه بقسم مؤكد.
وقال لنبيه (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) وقال (وأثابهم فتحاً قريباً)
وقال لنبيه (هو الذي أيدك بنصره) وقال لأمته (وأيدهم بروح منه)
ولم يكتفِ سبحانه بإشراك الأمة لنبيها بتلك الفضائل بل زاد على ذلك في مواطن كلها فضل وتشريف لهذه الأمة منها:

1-الاصطفاء والاجتباء والذكر والتشريف

(1/35)


فقد قال سبحانه عن اصطفاء الملائكة والأنبياء (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس)، ثم ذكر تشريفه لأمته بهذا الفضل والاصطفاء حيث قال سبحانه (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ذكر الإيراث،والميراث تأخذه الأحياء بعد الأموات،والكتاب محفوظ إلى الأبد،فالأمة أحياء إلى الأبد،واصطفى سبحانه الأمة بنون العظمة بنفسه لنفسه ولم يكل الإصطفاء إلى غيره،وسائر الأمم لم تكن مصطفاة فانحرفت عن كتابها والأمة ببركة الإصطفاء لا تنحرف، وأضاف العباد إلى نون العظمة لقطع إمكان الإنحراف والضلال بالإغواء أو بغيره( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ...) فلا يمكن الضلال في الأمة لأنها في حمى الله بنص آية سورة الحجر،وقد ذكر الإصطفاء بعد قوله تعالى( بعباده لخبير بصير) ومعلوم إن الاصطفاء بعد العلم بالأهلية لا زوال له.
وقال سبحانه عن الأنبياء السابقين قوله(واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ..) وذكر في هذه الأمة ( وجاهدوا في الله حق جهاده.. اجتباكم .. نعم المولى ونعم النصير) فقد جعل سبحانه هذه الأمة بالاجتباء والاصطفاء في درجة الأنبياء ولم يذكر في الأمم السابقة إلا التفضيل، والإصطفاء كلي يجمع كل الفضائل.
وأخبر أن هذا الكتاب فيه عز وتشريف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال(لك ولقومك..) وقال في تشريف الأمة بقوله( فيه ذكركم) .

2-الشراكة بالشهادة
إن الله تعالى أشرك الأمة مع نبيها في الشهادة على الأمم فقال سبحانه( جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس...) .

3-الشراكة بالصلاة من الله والتسليم

(1/36)


وأشرك هذه الأمة مع نبيها في الصلاة فقال(يصلون على النبي..) وقال(هو الذي يصلي عليكم وملائكته) وصلاة الله وصلاة الملائكة على النبي وعلى أمته أرفع بكثير من سجود الملائكة لآدم عليه السلام في شأن التشريف،فكل الأمة في أحوالها يصلي ويسلم على النبي وعلى أمته،كل الأمة في كل صلواتها تسلم على النبي ثم تسلم على كل أمته،فالأمة في الشرف والكرامة مثل نبيها ، وأشركها مع نبيها في السلام منه سبحانه فقال(على عباده الذين اصطفى..) وقال ( فقل سلام عليكم)] .

4-الشراكة في الظهور والتمكين
فقد قال سبحانه لنبيه(هو الذي أرسل رسوله .. ليظهره على الدين)،وقال عن أمته( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض...بي شيئاً)،فقد أضاف الدين إلى الأمة وأكَّد التمكين بالقسم وقال(دينهم الذي ارتضى لهم) فدل على أن دين الأمة وسياسة الخلافة الراشدة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي ارتضاه لهم .

(1/37)


فهذه بعض الفضائل التي خص الله تعالى بها أمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم قال موسى جار الله:[الأمة معصومة عصمة نبيها . معصومة في تحملها وحفظها . وفي تبليغها وأدائها . حفظت كل ما بلغه النبي مثل حفظ النبي . وبلغت كل ما بلغه النبي مثل تبليغ النبي . حفظت كليات الدين وجزئيات الدين أصلا وفرعا . وبلغت كليات الدين وجزئيات الدين أصلا وفرعا . لم يضع من أصول الدين ومن فروع الدين شيئ . 1- حفظه الله ،2- حفظه نبيه محمد، 3- حفظته الأمة : كافة عن كافة، عصرا بعد عصر ، ولا يمكن أن يوجد شيئ من الدين غفل عنه أو نسيه الأمة ... وكل حادثة إذا وقعت فالأمة لا تخلو من حكم حق وصواب وجواب يريه الله الواحد من الأمة التي ورثت نبيها وصارت رشيدة ببركة الرسالة وختمها ... وقد بلغت رشدها ، ولها عقلها العاصم ، وعندها كتابها المعصوم ، وقد حازت بالعصوبة كل مواريث نبيها ، وفازت بكل ما كان للنبي بالنبوة . الأمة بعقلها وكمالها ورشدها بعد ختم النبوة أكرم وأعز وأرفع من أن تكون تحت وصاية وصي تبقى قاصرة إلى الأبد ]،انتهى كلامه بتصرف يسير.
وينقل السيد أبو الحسن الندوي في كتابه(النبوة والأنبياء في ضوء القرآن) قولاً نفيساً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حول فضل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - التي أشرف على تربيتها بنفسه فداه أبي وأمي،فقال:[ وقد أحسن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تصوير البعثة المحمدية وفضلها وانتاجها في كتابه ( الجواب الصحيح ) يقول رحمه الله: وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من آياته،وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته،وأمته من آياته،وعِلْمُ أمته ودينهم من آياته،وكرامات صالحي أمته من آياته..

(1/38)


ولم يزل قائماً بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها،من الصدق والعدل والوفاء،لا يحفظ له كذبة واحدة،ولا ظلم أحد،ولا غدر بأحد،بل كان أصدق الناس وأعدلهم،وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الأحوال عليه من حرب وسلم،وأمن وخوف،وغنى وفقر،وقلة وكثرة،وظهوره على العدو تارة،وظهور العدو عليه تارة،وهو على ذلك كله ملازم لأكمل الطرق وأتمها،حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة من عبادة الأوثان،ومن أخبار الكهان،وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق،وسفك الدماء المحرمة،وقطيعة الأرحام،لا يعرفون آخرة ولا معاداً،فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم،حتى ان النصارى لما رأوهم من حين قدموا الشام قالوا:ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء،وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض،وآثار غيرهم يعرف العقلاء الفرق بين الأمرين.
وأمته أكمل الأمم في كل فضيلة،فإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم،وإن قيس دينهم وعبادتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم،وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم في سبيل الله وصبرهم على المكاره في ذات الله،ظهر أنهم أعظم جهاداً وأشجع قلوباً،وإذا قيس سخاؤهم وبذلهم وسماحة أنفسهم لغيرهم،تبين أنهم أسخى وأكرم من غيرهم،وهذه الفضائل به نالوها ومنه تعلموها وهو الذي أمرهم بها،لم يكونوا قبله متبعين لكتاب جاء هو بتكميله، كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة،وكانت فضائل أتباع المسيح وعلومهم بعضها من التوراة، وبعضها من الزبور، وبعضها من النبوءات، وبعضها من المسيح، وبعضها ممن بعده،كالحواريين ومن بعد الحواريين، وقد استعانوا بكلام الفلاسفة وغيرهم، حتى أدخلوا ـ لما غيروا دين المسيح ـ في دين المسيح أموراً من أمور الكفار المناقضة لدين المسيح.

(1/39)


وأما أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلم يكونوا قبله يقرؤون كتاباً،بل عامتهم ما آمنوا بموسى وعيسى وداود، والتوراة والانجيل والزبور إلا من جهته فهو الذي أمرهم أن يؤمنوا بجميع الانبياء ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند الله،ونهاهم أن يفرقوا بين أحد من رسله،فقال تعالى في الكتاب الذي جاء به: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (البقرة:136)]. انتهى
فهذا جواب أهل السنة في رد هذه الشبهة بأن الأمة قد بلغت من النضج والعناية بدينها ما يغنيها عن الحاجة إلى نبي جديد(1) فهي قائمة مقامه في حفظ الدين وتبليغه إلى المعمورة.

خلاصة جواب أهل السنة:
__________
(1) بل يغنيها عن الحاجة إلى معصوم جديد نبياً كان- على رأي القاديانية- أو إماماً- على رأي الشيعة-.

(1/40)


إن النقطة الجوهرية والأساسية في جواب أهل السنة عن هذه الشبهة تكمن في حال الأمة من حيث الوعي والرشد والنضج الفكري ، فهي بين حالتين لا ثالث لهما إما أنها قاصرة أو راشدة ناضجة ، فإن كانت قاصرة فيجب أن تبقى تحت الوصاية الإلهية المتمثلة بمرشد إلهي يقوِّم مسيرتها ويحفظ لها الدين ويبلغه(1) ، وأما إن كانت بالغة راشدة بما يؤهلها لتحمل مسؤولية الدعوة والقيمومة عليها لتقوم بوظيفة الأنبياء في حفظ الدين وتبليغه للناس ، فيجوز أن تُرفع عنها الوصاية الإلهية(2)، وهي أشبه ما يكون بمثال الصغير الذي يكون تحت الوصاية(3)
__________
(1) وهذا ما تهدف إليه هذه الشبهة من وصف الأمة بالقصور وعدم النضج كي يوجبوا بقاءها تحت الوصاية الإلهية.
(2) أي تنتفي حاجتها إلى مرشد إلهي جديد نبياً كان على زعم القاديانية ، أو إماماً معصوما على زعم الشيعة الإمامية.
(3) وهو عين المثال الذي ضربه آيتهم العظمى جعفر سبحاني لحال الأمة حيث قال في موسوعته مفاهيم القرآن(3/217-218):[ وذلك ان المجتمعات تتفاوت ادراكاً ورشداً ، فرب مجتمع يكون في تخلفه كالفرد القاصر ، لا يقدر على أن يحتفظ بالتراث الذي وصل إليه ، بل يضيعه كالطفل الذي يمزق كتابه ودفتره غير شاعر بقيمته.

ورب مجتمع بلغ من القيم الفكرية والأخلاقية والاجتماعية ، شأواً بعيداً يحتفظ معه بتراثه الديني واصل إليه ، بل يستثمره استثماراً جيداً فهو عند ذاك غني عن كل مروج يروج دينه ، أو مبلِّغ يذكر منسيه او مرب يرشده إلى القيم لأخلاقية ، او معلم يعلمه معالم دينه ويوضح له ما أشكل من كتابه ، إلى غير ذلك من الشؤون ،فأفراد الأمم السالفة كانوا كالقصر غير بالغين في العقلية الاجتماعية فما كانوا يعرفون قيمة التراث المعنوي الذي وصل اليهم بل كانوا يلعبون به لعب الصبي بكتابه ، بتحريفهم له وتأويله بما يتوافق مع أهوائهم ومشاربهم ، ولذا كان يحل بالشريعة اندراس بعد مضي القرون والأجيال ويستولي عليها الصدأ بعد حقبة من الزمان].

(1/41)


حتى إذا بلغ رشده رُفِعت عنه ، ولذا أثبت أهل السنة في جوابهم بأن الأمة قد بلغت رشدها وتكاملها الفكري بنصوص القرآن والسنة النبوية وكلام أئمة المسلمين ، بما يجعلها مؤهلة للقيام بوظيفة الأنبياء من القيمومة على الدعوة وتبليغها للناس ، ومن ثم الإيذان برفع الوصاية الإلهية عنها.

الفصل الثالث
ختم النبوة من منظار الشيعة

الفصل الثالث:
بعد أن عرضنا في الفصل السابق جواب أهل السنة على تلك الشبهة ، سنعرض هنا جواب علماء الشيعة ومراجعهم عنها وذلك في عدة مطالب وكما يلي:

المطلب الأول:تصريح علماء الشيعة بنضج الأمة واستغنائها لنقض الشبهة:
لو تأملنا جواب علماء الشيعة ومراجعهم عن تلك الشبهة سنجده مطابق تماما لجواب أهل السنة المتقدم بعينه-سواء بلفظه أو بمعناه- من أن الأمة بعد رحيل النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلغت رشدها ونضجها بما يجعلها مؤهلة لحمل هذا الدين وإيصاله إلى جميع المكلفين لتستغني بذلك عن نبي تبليغي جديد يحفظ لها الدين ويبلغه ، فممن أجاب بذلك من علمائهم ما يلي:
1-آيتهم العظمى مكارم الشيرازي
صرح بنضج الأمة واستغنائها فقال:[ ثمة تساؤلات تبرز في موضوع ختم النبوة لا بد من الإشارة إليها:يقول بعضهم إن إرسال الأنبياء فيض إلهي عظيم،فلماذا حُرِمَ أناس في هذا الزمان من هذا الفيض؟ لماذا لا يكون لأهل هذا الزمان هاد وقائد جديد يهديهم ويقودهم؟
إن الذين يقولون هذا قد غفلوا في الحقيقة عن نقطة مهمة،وهي أن حرمان عصرنا لم يكن لعدم جدارتهم،بل لأن قافلة البشرية في هذا العصر قد بلغت في مسيرتها الفكرية وفي وعيها مرحلة تمكنها من إدامة مسيرتها بإتباع الشريعة،

(1/42)


ولنضرب هنا مثلاً: أولو العزم من الأنبياء الذين جاؤوا بدين جديد وبكتاب من السماء،وهم خمسة(نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام) وقد ظهر هؤلاء كل في فترة معينة من الزمان،وسعوا لهداية البشر ووضعهم على طريق التكامل،فأوصل كل منهم القافلة البشرية من مرحلة إلى المرحلة التي تليها وسلمها إلى النبي الذي يليه من أولي العزم،إلى أن بلغت القافلة من مسيرتها إلى الطريق النهائي،كما بلغت القدرة التي تمكنها من مواصلة مسيرتها وحدها نهايتها، مثلها مثل التلميذ الذي يطوي مراحل الدراسة الخمسة حتى يتخرج في الكلية(وبالطبع لا يعني هذا أنه إنتهى من التعليم، بل يعني أهليته للاستمرار بمفرده دونما حاجة الى معلم أو مدرسة)،وهذه المراحل هي:المرحلة الابتدائية،المرحلة المتوسطة،المرحلة الإعدادية،المرحلة الجامعية،وأخيراً مرحلة الحصول على الدكتوراه، فإذا لم يواصل دكتور الدراسة في الجامعة،فلا يعني هذا أنه ليس جديراً بالدراسة،بل يعني أن لديه من المعلومات ما يمكنه من حل مشكلاته العلمية بالاستعانة بها،ومن الاستمرار في مطالعاته ومواصلة تقدمه](1).
فها هو يجيب بجواب أهل السنة بأن الأمة قد بلغت من النضج والقدرة ما يُمَكِّنها من مواصلة سيرها دون الحاجة إلى نبوة جديدة.

2-آيتهم العظمى جعفر سبحاني
صرح أيضاً بنضج الأمة واستغنائها فقال:[ السؤال الأول:وحاصله:هب أنه ختمت النبوة التشريعية ، فلماذا ختمت التبليغية منها ؟
__________
(1) كتاب (دروس في العقيدة الاسلامية)- ناصر مكارم الشيرازي ص176-177.

(1/43)


توضيحه: إن النبي إذا بعث بشريعة جديدة وجاء بكتاب جديد ، فالنبوة تشريعية وأما إذا بعث لغاية الدعوى والإرشاد إلى أحكام وقوانين سنها الله سبحانه على لسان نبيه المتقدم، فالنبوة تبليغية ، والقسم الأول من الرسل ، قد انحصر في خمسة ، ذكرت أسماؤهم في القران والنصوص المأثورة ، أما الأكثرية منهم ، فكانوا من القسم الثاني وقد بعثوا لترويج الدين النازل على أحد هؤلاء فكانت نبوتهم تبليغية.
حينئذ ، فقد يسأل سائل ويقول: هب أن نبي الإسلام جاء بأكمل الشرائع وأتمها وأجمعها للصلاح وجاء بكل ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه ومعاده إلى يوم القيامة ولم يبق لمصلح رأي ولمتفكر نظر ، في أصول الإصلاح و أسسه، لان نبينا (ص) قد أتى بصحيح الرأي و أتقنه و أصلحه في كافة شؤون الحياة ومجالاتها ولأجل ذلك الاكتمال أوصد باب النبوة التبليغية التي منحها الله للأمم السالفة فان الشريعة مهما بلغت من الكمال والتمام لا تستغني عمن يقوم بنشرها وجلائها وتجديدها ، لكي لا تندرس ويتم إبلاغها من السلف إلى الخلف بأسلوب صحيح ، فلماذا أوصد الله هذا الباب بعدما كان مفتوحاً في وجه الأمم الماضية، ولماذا منح الله سبحانه هذه النعمة على السالف من الأمم وبعث فيهم أنبياء مبلغين ومنذرين وحرم الخلف الصالح من الأمم منها ؟ .
الجواب:
إن انفتاح باب النبوة التبليغية في وجه الأمم السالفة وإيصاده بعد نبي الإسلام ليس معناه ان الأمم السالفة استحقت هذه النعمة المعنوية ، لفضيلة تفردت بها، دون الخلف الصالح من الأمم ، أو ان الأمة الإسلامية حرمت لكونها اقل شأناً و أهون من الأمم الخالية – كلا – بل الوجه ان الأمم السالفة كانت محتاجة إليها دون الأمة الإسلامية ، فهي في غنى عن أي نبي مبلغ يروج شريعة نبي الإسلام.

(1/44)


وذلك ان المجتمعات تتفاوت ادراكاً ورشداً ، فرب مجتمع يكون في تخلفه كالفرد القاصر ، لا يقدر على ان يحتفظ بالتراث الذي وصل إليه ، بل يضيعه كالطفل الذي يمزق كتابه ودفتره غير شاعر بقيمته .
ورب مجتمع بلغ من القيم الفكرية والأخلاقية والاجتماعية ، شأواً بعيداً يحتفظ معه بتراثه الديني واصل إليه ، بل يستثمره استثماراً جيداً فهو عند ذاك غني عن كل مروج يروج دينه ، او مبلغ يذكر منسيه او مرب يرشده إلى القيم لأخلاقية ، او معلم يعلمه معالم دينه ويوضح له ما أشكل من كتابه ، إلى غير ذلك من الشؤون ،فأفراد الأمم السالفة كانوا كالقصر غير بالغين في العقلية الاجتماعية فما كانوا يعرفون قيمة التراث المعنوي الذي وصل اليهم بل كانوا يلعبون به لعب الصبي بكتابه ، بتحريفهم له وتأويله بما يتوافق مع أهوائهم ومشاربهم ، ولذا كان يحل بالشريعة اندراس بعد مضي القرون والأجيال ويستولي عليها الصدأ بعد حقبة من الزمان .
لهذا ولذلك كان على المولى سبحانه ان يبعث فيهم نبي جيل بعد جيل ليذكرهم بدينهم الذي ارتضاه الله لهم ، ويجدد شريعة من قبله ويروج قوله وفعله ويزيل ما علق بها من شوائب بسبب أهواء الناس وتحريفاتهم .
و أما المجتمع البشري بعد بعثة الرسول (ص) ولحوقه بالرفيق الأعلى ، فقد بلغ من المعرفة والإدراك والتفتح العقلي والرشد الاجتماعي شأواً يتمكن معه من حفظ تراث نبيه وصيانة كتابه عن طوارق التحريف والضياع ، حتى بلغت عنايته بكتابه الديني إلى تصنيف أنواع التأليف في أحكامه وتفسيره وبلاغته ومفرداته واعرابه وقرائته فأزدهرت تحت راية القرآن ضروب من العلوم والفنون .
فلأجل ذلك الرشد الفكري في المجتمع البشري ، جعلت وظيفة التبليغ والانذار على كاهل نفس الامة حتى تبؤات وظيفة الرسل من التربية والتبليغ، واستغنت عن بعث نبي مجدد على طول الزمان يبلغ رسالة من قبله .

(1/45)


فاذا قدرت الامة على حفظ ما ورثته عن نبيها ، ونشره بين الناس في الافآق، ومحو كل مطمع فيه وهدم كل خرافة تحدثها يد التحريف ، استغنت طبعاً عن قائم بهذا الامر سوى نفسها.
لقد ظهرت طلائع هذا التفويض من أول سورة نزلت على النبي (ص) حيث خاطبه الله سبحانه ، في اليوم الذي بعثه رسولا الى الناس وهادياً لهم بقوله : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ( العلق 1-4).
وهذا الخطاب يؤذن بان دينه دين التلاوة والقراءة ، دين العلم والتعليم ، دين القلم والتحرير وان هذا الدين سوف يربي أمة مفكرة متحضرة عالمة بقيمة التراث الذي يصل إليها قادرة على حفظ هذا الدين في ضوء العلم والفكر، مستعدة لنشر تعاليمه في أقطار العالم و أرجاء الدنيا بأساليب صحيحة .
وقد بلغت عناية الإسلام بالقلم والكتابة إلى حد ان اقسم سبحانه بـ(( القلم وما يسطرون )) وانزل سورة باسمه تمجيداً له وحثاً للامة على تقديره والعناية به ليكون رائداً للتقدم والحضارة والمعرفة ويصير احسن ذريعة إلى حفظ التراث بلا حاجة إلى مبلغ سماوي .

(1/46)


ثم انه سبحانه صرح بهذا التفويض أي تفويض أمر التبليغ إلى نفس الأمة في غير موضع من كتابه ، منها قوله سبحانه: { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } (التوبة: الآية122) ،ومنها قوله سبحانه: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (آل عمران:104)، ومنها قوله سبحانه: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه } (آل عمران: الآية110) .
وفي السنن والأحاديث تصاريح بذلك ، نكتفي بما يلي: قال الباقر ( ع) : ( إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، وفريضة بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم ، وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر) ، ولعل في قوله (ع) : ( سبيل الأنبياء ) إشارة إلى ان هذا الأمر موكول إلى الأمة بعد انقطاع الوحي وإيصاد باب النبوة . وقال رسول الله : ( إذا ظهرت البدع فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله)](1).

3-السيد مجتبى اللاري
صرح بعدم الحاجة إلى نبي جديد بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال:[ والآن كيف يمكننا حلّ هذا التناقض الذي يبدو بين ضرورة البعثة التي هي سبب في إعطاء الحياة سرعتها الطبيعية وحركتها اللازمة من ناحية ، وختم النبوة من ناحية أخرى ، بين الأصل الرافض للتغيير في أسس الإسلام وأصل الصيرورة الاجتماعية والبحث عن مفاهيم وسنن جديدة ؟...
الجواب:
__________
(1) كتاب (مفاهيم القرآن) ج3ص217-221.

(1/47)


إن الإسلام الذي فاجأ الناس بفكرة النبوّة الخاتمة هو الذي يجيب على هذه التساؤلات.
فإحدى العلل لتجديد رسالات الأنبياء وتتالي الرسل هي ما يقع من تحريف في الكتب السماوية ، ولهذا فهي تفقد عندئذ صلاحيتها لهداية البشرية و إرشادها ، أما عندما يصل الإنسان إلى مرحلة من النضج بحيث يستطيع المحافظة على السنن والتعاليم الدينية بعيدة عن التحريف والتغير ، ويتمكن من النهوض بنشرها فانه ينتفي حينئذ اعظم الأسباب لتجديد الرسالة ، و لا تبقى حاجة لنبوة جديدة .
إذن يختلف عصر ظهور نبي الإسلام من هذه الناحية عن العصور التي ظهر فيها الأنبياء الآخرون بصورة كاملة ، حيث ان الإنسان قد وضع أقدامه في مرحلة النضج الفكري وتهيأت الظروف اللازمة لاختتام الرسالة .
فالنضج الاجتماعي والوعي العلمي قد أوصل الإنسان إلى مرحلة يكون فيها هو الحافظ والمبلّغ لدينه السماوي ، وبهذا يتحقق ركن مهم من أركان الخاتمية، وتسند مهمّة الإرشاد والدعوة منذئذ إلى العلماء والمفكرين وذلك لان الإنسان منذ هذا التاريخ أصبح قادراً على حفظ تراثه التاريخي ومنجزاته المعنوية بفضل هذا الكتاب الكريم ، وبفضل ما أصبح يتمتع به من نضج ثقافي واجتماعي، ويجب عليه الحيلولة دون تحريف أو تغير هذا الكتاب الموحى إلى النبي الكريم، وذلك لان هذه الرسالة سوف تنتقل منذ الآن إلى المجموع ، وسوف لن تكون المسؤولية على عاتق فرد واحد فحسب وذلك كما يقول القرآن: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ....

(1/48)


وعندما يصل الإنسان إلى مرحلة النضج الإنساني والقدرة على استيعاب الحقائق الكلية والقوانين الإلهية يصبح العلماء خلفاء للأنبياء ، لكي يوسعوا في أفكار الناس مكاناً للمقاييس الأصيلة ، وفي ظل التطلعات الرفيعة للدين يأخذون على عاتقهم مهمة البحث والاجتهاد والنضال ضد التحريف والتزوير وإشاعة المعايير الإلهية في اتجاهها الصحيح ....ومن حيث اختلاط التخطيط الذهني بالواقعيّات الخارجية فقد أثبتت البشرية خلال ما يناهز خمسة عشر قرناً أنها مهيأة لتحمّل المسؤوليات الكبيرة ، وأنها قادرة على حفظ الميراث الذهني والعلمي ، وقد أبدت عمقاً في نظرتها الواقعية في مرحلة التحليل والتفسير .
وهذه الأمور تثبت أن الإنسان قد وصل إلى مرحلة الاستقلال والقدرة على حفظ الآيات السماوية بأقصى دقّة ، وانه يتحمل عبء الدعوة والتفسير ونشر الدين الحنيف.
وعندما وصلت التعاليم الإلهية إلى الإنسان انتفت الحاجة لمجيء نبيّ جديد، فلو فرضنا أننا أخذنا قطعة من الأرض وأجرينا فيها الدراسات اللازمة الدقيقة لاكتشاف ما فيها من آثار تأريخية ،فإننا نقطع حينئذ بعدم وجود شيء مخفيّ في بطن الأرض ،ولا يبقى هناك مجال آخر واكتشاف جديد ، وكذا لحال بالنسبة للأمور المتعلّقة بالوحي .
فعندما اجتازت النبوّة تلك المراحل المختلفة انتهت إلى أرفع درجات كمالها ورقّيها ،واتضحت من ناحية الوحي كلّ الزوايا المبهمة والغامضة التي يمكن ان تصل إليها أفكار الناس ، وعندئذ لا تبقى نقطة مبهمة ولا طريق غير مسلوك ، فتكون النبوة قد وصلت إلى آخر مدها في أداء دورها الخاص و أعمالها المستمرة،وتصبح قادرة على الاستمرار في حياتها مرتبطة بالمنبع اللانهائي للوحي ، ومتصفة بالاتّساع والخروج على بعد زمان واحد ، ومتمّيزة بنظام قيمي وثقافي واجتماعي واحد ...](1).
__________
(1) كتاب (أصول العقائد في الإسلام) ج2 ص193-201.

(1/49)


فتأمل رحمك الله كيف أجاب عن الشبهة بجواب أهل السنة ببلوغ الأمة درجة من النضج الفكري والقدرة على حفظ الدين بما يجعلها مستغنية عن نبي جديد.

4-شيخهم وعلامتهم إبراهيم الأميني:
اعترف الأميني بذلك في عدة مواضع من كتابه(النبوة والنبي) منها:
1-قال ص130-131:[إن المجتمع البشري في ذلك الزمان كان قد بلغ حداً من حيث العقل والفكر والإمكانات العلمية ، يستطيع معه أن يحافظ على المواريث العلمية والدينية بصورة كاملة ، وينقلها إلى الأجيال اللاحقة بأمانة ودقة،
في مثل هذا العصر بُعِث رسول الله ص من جانب الله تعالى بالرسالة ليضع بين يدي النفوس البشرية المتكاملة المستعدة أسمى المعار ف وأرقاها ... ولقد بقي القرآن الكريم-كما تلاحظونه- وعلى أثر حفظ الحفاظ وكتابة الكتاب في صورته الكاملة دون أي زيادة أو نقصان ، ومن دون أي تغيير أو تحريف ، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة ، وهكذا بقيت الأحكام والقوانين والمقررات الإسلامية في صورة-حديث- مدوَّن مضبوط في بطون الكتب والمؤلفات].
2-قال ص138:[فلماذا-ترى-تنتفي الحاجة إلى أنبياء مبلِّغين يقومون بمهمة الترويج لتلك الشرائع ، فكما أن الله سبحانه كان يرسل بعد كل نبي صاحب شريعة-من أولي عزم- أنبياء عديدين ليقوموا بترويج الشريعة المتقدمة وتبليغها للأجيال اللاحقة؟ يمكن القول بأن المجتمع البشري في عصر البعثة المحمدية كان قد بلغ في التكامل الفكري والرشد العقلي حداً أصبح معه صالحاً لأن يحافظ على المواريث الأنبياء العلمية والدينية ويصونها من خطر الحوادث ، وأن يكون نفسه مبلِّغاً لتلك القيم والمفاهيم المقدسة ، وقد وصل في هذا المجال إلى درجة الاكتفاء الذاتي ، ولهذا لم تبقَ حاجة بعد هذا إلى إرسال الرسل].

5-فيلسوفهم مرتضى مطهري:
صرح بذلك في عدة مواضع من كتابه(الوحي والنبوة) ، وإليك بيانه في مسألتين هما:
المسألة الأولى:

(1/50)


لقد تعرض مطهري لقضية ختم النبوة وذلك من خلال عرضه للسبب الموجب لبعث نبي جديد وهو حالة المجتمع من حيث البلوغ والنضج كي يحافظ على التراث السماوي أو لا ، وقد صرح بهذا السبب في عدة مواضع من كتابه(الوحي والنبوة) ومنها:
1-قال ص30:[ ويتضح مما قيل أن لبلوغ البشر الفكري الاجتماعي دور في خاتمية النبوة].
2-قال ص29:[لما كان الإنسان القديم بسبب عدم بلوغه الفكري ونضجه غير قادر على المحافظة على كتابهم السماوي ، وأصبحت الكتب السماوية عادة موضع تحريف وتغيير ، أو ربما تؤول إلى الضياع نهائيا ولذا كان لزاماً أن تتجدد الرسالة].

المسألة الثانية:
والتي بيَّن فيها المظاهر التي تجلَّت من خلالها بلوغ الأمة الإسلامية ذلك النضوج الفكري والتكامل في الرشد والتي أهلتها لأن يقوم بكل الوظائف التي كان يقوم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي من أهمها وأبرزها هو حفظ الدين وصيانته من التحريف ثم بعدها نشره وتفسيره وتبليغه للبشرية ، فمن أقواله ما يلي:
1-قال ص29:[ لما كان الإنسان القديم بسبب عدم بلوغه الفكري ونضجه غير قادر على المحافظة على كتابهم السماوي ، وأصبحت الكتب السماوية عادة موضع تحريف وتغيير ، أو ربما تؤول إلى الضياع نهائيا ولذا كان لزاماً أن تتجدد الرسالة ، وأن عصر نزول القرآن أي قبل أربعة عشر قرناً كان مقارناً للدور الذي وضعت البشرية فيه طفولتها خلفها ، وتتمكن فيه من المحافظة على مواريثها العلمية والدينية ، ولذا فلم يتسرب التحريف إلى آخر كتاب سماوي مقدس أي القرآن ، وكل المسلمون عامة يحفظون كل آية عند نزولها في صدروهم أو في كتاباتهم بشكل كان لا يتسرب إليها أي نوع من التحريف والتغيير أو الحذف أو الإضافة ، ولذا فلم يحدث التحريف والزوال في الكتاب السماوي ، وهذا سبب من أسباب انتفاء تجديد النبوة].

(1/51)


2-قال ص30:[كان أغلب الأنبياء-بل أكثريتهم التي تقارب الإجماع-تبليغيين لا تشريعيين ، وربما لا يتجاوز الأنبياء التشريعيون عدد أصابع الكف الواحدة ، وكان عمل الأنبياء التبليغيين هو تبليغ الشريعة وترويجها وتنفيذها وشرحها ، ويتمكن علماء الأمة في عصر الخاتمية الذي هو عصر العلم من تطبيق الكليات مع الظروف والمقتضيات الزمانية والمكانية بمعرفة أصول الإسلام العامة ومعرفة الظروف ، ثم استنباط الحكم الإلهي واستخراجه ، واسم هذه العملية "الاجتهاد" ، وإن علماء الأمة الإسلامية الأكفاء يقومون بكثير من واجبات الأنبياء التبليغيين وبعض واجبات الأنبياء التشريعيين-دون أن يكونوا مشرِّعين- عن طريق الإجتهاد وواجب هداية الأمة الخاص ، ولهذا فقد انتفت الحاجة إلى تجديد النبوة ونزول كتاب سماوي جديد ومجئ نبي جديد إلى الأبد وانتهت النبوة بنفس الوقت الذي بقيت فيه الحاجة إلى الدين دائماً ، بل كلما تقدمت البشرية نحو المدنية تكثر الحاجة إلى الدين].

6-آيتهم العظمى محمد باقر الصدر:
أثبت في كلام مفصل بلوغ الأمة النضج والرشد الذي يؤهلها لتحمل أعباء الرسالة وتبليغها للبشرية بعد رحيل نبيها - صلى الله عليه وسلم - وذلك في عدة مواضع من بحثه (النبوة الخاتمة) منها:
1- قال ص57-58:[هو خط تحمل أعباء المسؤولية الأخلاقية للدعوة ، يعني كون الإنسان بالغاً إلى درجة تؤهله لأن يتحمل أعباء دعوة لها ضريبتها وواجباتها وآلامها وهمومها،
مثل هذا التحمل أيضاً له درجات ولا يستطيع الإنسان(بالطفرة) أن يصل إلى درجة تحمل أعباء الرسالة العالمية الواسعة غير محدود الزمان والمكان لم يستطع أن يصل ذلك بالطفرة ، وإنما يستطيع أن يصل إليه بالتدريج وعبر مرانٍ طويل على تحمل مسؤولية البشرية ، بقي يتحمل المسؤوليات عبر مران طويل ونما خلال المران الطويل حتى استطاع أن يتحمل مسؤولية رسالة لا حد لها ممتدة مع الزمان والمكان ...].

(1/52)


2-وصف أمة موسى - عليه السلام - وأمة عيسى - عليه السلام - بعدم الأهلية لتحمل أعباء الرسالة مقارنة بأمة الإسلام التي تحققت فيها تلك الأهلية فقال ص58-59:[ وإلا فأي مسؤوليات تتحملها أمم الأنبياء السابقين ، الأمم التي انكشف تاريخها أمامنا اليوم ، أمم (موسى) و(عيسى) مثلاً،
نحن بالمقارنة بين أمم (موسى) و(عيسى) ، والمسؤوليات التي تحملتها الأمة الإسلامية حينما نزل الوحي على النبي محمد ص بالرسالة الخاتمة ، بالمقارنة بينهما نكتشف وجود درجة كبيرة في الفارق بينهما في تحمل المسؤوليات وهذه الدرجة الكبيرة في تحمل المسؤولية تعبر عن نحو الإستعداد على مر الزمن،
موسى عليه السلام مات وشعب بني إسرائيل في التيه ، توّجَ حياته وجهاده وتضحياته بأن مات وشعب بني إسرائيل في التيه لأن الله كتب عليهم التيه أربعين سنة ، لأنهم لم يستجيبوا لمتطلبات الرسالة ، لم يستجيبوا أبداً لما تقتضيه رسالة موسى بالنسبة إليهم، حتى خلفهم موسى ع حيارى ومات،
أين هذا من أمة حملت أعباء الرسالة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم].
3-قال كلاماً متفرقاً ص61 حاصله:[ إن الإنسان وصل إلى الحد النهائي من ناحية تحمله لمسؤولية أعباء الدعوة حينما جاء الإسلام ، ولذا لا نجد أي تغيير حقيقي في اتساع التحملات الأخلاقية في أعباء الدعوة منذ جاء الإسلام إلى يومنا ، بمعنى أنه بلغ الذروة حين جاء الإسلام فلم يحتج أن يتغير أو يضاف إليه شئ]

7-فيلسوفهم صدر الدين الشيرازي:

(1/53)


صرح بهذا المعنى في كتابه(الحجة) ص107-108 تحت عنوان(أسباب ختم النبوة):[ إن النفوس والغرائز من زمن آدم عليه السلام وابتداء خلق العالم هي في حالة ترقّ بحسب قابليتها واستعداداتها، وهذا الإرتقاء من حضيض النقص إلى ذروة الكمال، والسمو من مهوى البعد وأرض السفالة إلى بقاع الرفعة وسماء القرب هو من المبدأ المتعال، وذلك من خلال بعث الأنبياء ونزول الملائكة بالكتب والصحف المنزلة عليهم من ملكوت السماء لتعليم الأمم وهدايتها وتخليصها من القيود والتعلقات وتكميل النفوس بأنوار العلوم والمعارف والآيات، وكلما قوي استعدادهم وصفت أذهانهم بالتلطيف والتأديب استعدوا واستحقوا لشريعة جديدة وأحكام أخرى تنسخ ما سبقها من الأحكام وهكذا إلى أن انتهت الشرائع والأديان إلى شريعة لا أكمل منها، ودين لا أتم منه وهو دين الإسلام لقوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ].

المطلب الثاني:مصادمة عقيدة نضج الأمة واستغنائها التي تبنَّاها علماؤهم مع معتقدهم في الإمامة
كما تجلّى للجميع مما تقدم ان الإعتقاد بنضج الأمة وأهليتها للقيام بوظيفة الأنبياء والمتمثلة بحفظ الدين وتبليغه للناس إلى قيام الساعة ، معناه استغنائها عن نبي جديد ، ومن ثم يبطل به كلام مدعي الحاجة إلى النبوة من القاديانية وغيرهم.
ولكن الذي ينبغي ذكره هو أن الجواب بنضج الأمة لا يُبْطِل كلام القاديانية فقط ، بل ويبطل به كلام الشيعة الإمامية أيضاً بشكل مباشر وصريح ، لأن معناه استغنائها عن أي مرشد إلهي معصوم يحفظ لها الدين ويبلغه ، وهو ينافي ما بنى عليه الشيعة معتقدهم في الإمامة بوجوب وجود مرشد إلهي-إمام معصوم- للأمة بعد رحيل نبيها - صلى الله عليه وسلم - لحفظ الدين وتبليغه ، والذي يزيد في تأكيد مصادمة تلك العقيدة مع معتقدهم في الإمامة-بالإضافة لما بيناه- أمران هما:

(1/54)


1-إن آيتهم العظمى جعفر سبحاني عندما نقل هذا الجواب كرد على الشبهة ، أردفه بجواب آخر قال عنه بأنه يكون ملائماً لأصول الشيعة في الإمامة ، حيث قال في مفاهيم القرآن(3/221):[ ثم أن هناك جواباً آخر ربما يكون ملائماً لأصول الشيعة الإمامية في مسألة الإمامة والخلافة] ، بمعنى أن الجواب بنضج الأمة الذي ذكره لا يلائم معتقدهم في الإمامة وهو المطلوب .
2-إن تبنيههم لعقيدة نضج الأمة واستغنائها ، مع تمسكهم في الوقت نفسه بمعتقدهم بحاجة الأمة إلى الوصاية الإلهية المتمثلة بالمرشد الإلهي-الإمام المعصوم- أوقعهم في تناقض صريح مخجل لا يخفى على العقلاء(1) بما يثبت مصادمة الجواب مع معتقدهم في الإمامة.

المطلب الثالث:اعتقادهم بنضج الأمة أوقعهم في تناقض صريح
إن تبني علماء الشيعة لتلك العقيدة أوقعهم في تناقض صريح ، وقد تجلى هذا التناقض حينما أرادوا الإستدلال على معتقدهم بوجوب الإمامة والذي شيدوه على أساس أن الأمة قاصرة غير ناضجة بعد فيجب أن تبقى بعد رحيل نبيها - صلى الله عليه وسلم - تحت الوصاية الإلهية المتمثلة بالإمام المعصوم ، فممن وقعوا في ذلك:

1-آيتهم العظمى محمد باقر الصدر:
فقد كان مندفعاً جدا -إلى حد الإستماتة- لإثبات فلسفتهم في الإمامة مما جعله يصرِّح بعدم نضج الأمة الإسلامية وحاجتها إلى مرشد إلهي معصوم يكون قيِّماً على الدعوة الإسلامية كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأخذ بيدها للمسير في طريق الإسلام ، وذلك في رسالته (بحث حول الولاية) ، فمن أقواله التي صرح فيها بذلك:
__________
(1) وهذا التناقض سنعرضه بجلاء في المطلب التالي.

(1/55)


1-قال ص37:[ والأمة الإسلامية-ككل- لم تكن قد عاشت في ظل عملية التغيير هذه إلا عقداً واحداً من الزمن على أكثر تقدير ، وهذا الزمن لا يكفي عادة في منطق الرسالات العقائدية والدعوات والتغييرات لارتفاع الجيل الذي عاش في كنف الدعوة عشر سنوات فقط إلى درجة من الوعي والموضوعية والتحرر من رواسب الماضي والاستيعاب لمعطيات الدعوة الجديدة ، تؤهله للقيمومة على الرسالة وتحمل مسؤولية الدعوة ]، وحاصل كلامه هذا هو:[ إن الأمة الإسلامية لم تكن بدرجة كافية من الوعي والموضوعية تؤهلها للقيمومة على الرسالة وتحمل مسؤولية الدعوة].

2- قال ص37:[ بل إن منطق الرسالات العقائدية يفرض أن تمر بوصاية عقائدية فترة أطول من الزمن تهيؤها للارتفاع إلى مستوى تلك القيمومة]، ومعنى كلامه هو:[ أن الأمة الإسلامية لم تكن بالمستوى الذي يؤهلها للقيمومة على الدعوة]

3- قال ص37:[وأي افتراض يتجه إلى القول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطط لإسناد قيادة التجربة والقيمومة على الدعوة بعده مباشرة إلى جيل المهاجرين والأنصار ، يحتوي ضمناً اتهام أكبر وأبصر قائد رسالي في تاريخ العمليات التغييرية]، ومعنى كلامه هذا هو:[ إن دعوى إسناد القيمومة على الدعوة إلى جيل المهاجرين والأنصار-الأمة الإسلامية- معناه الطعن بالنبي بسوء التدبير ، لأن أسندها لمن ليس له الأهلية على ذلك أي عدم أهلية الأمة الإسلامية للقيمومة على الدعوة].
ولكن آيتهم العظمى وعقليتهم (الفذة!!!) نسي -بسبب اندفاعه المستميت- ما صرح به في مؤلف آخر بأن الأمة بلغت من النضج ما يؤهلها للقيمومة على الدعوة والمسير لوحدها دون الحاجة إلى الوصاية الإلهية ، فوقع في تناقض صريح مخجل إليك بيانه:

(1/56)


1-صرح هنا ص37 بقوله:[ إن الأمة الإسلامية لم تكن بدرجة كافية من الوعي والموضوعية تؤهلها للقيمومة على الرسالة وتحمل مسؤولية الدعوة] ، وناقضه هناك(1) حين اعترف بنضج أمة الإسلام وأهليتها لتحمل أعباء الدعوة مقارنة بأمة موسى فقال:[ أين هذا من أمة حملت أعباء الرسالة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم].
2-قال هنا ما حاصله ص37:[ إن الأمة الإسلامية لم تكن بالمستوى الذي يؤهلها للقيمومة على الدعوة ... ثم أيده أيضاً ص37 فقال ما حاصله: إن دعوى إسناد القيمومة على الدعوة إلى جيل المهاجرين والأنصار-الأمة الإسلامية- معناه الطعن بالنبي بسوء التدبير ، لأن أسندها لمن ليس له الأهلية على ذلك أي عدم أهلية الأمة الإسلامية للقيمومة على الدعوة] ، ثم نقضهما هناك(2) حيث وصف حال الأمة الإسلامية وما وصلت إليه من الأهلية لتحمل مسؤولية الدعوة فقال في بحثه(النبوة الخاتمة) ص57-58:[إن الإنسان وصل الحد النهائي-الذروة- من ناحية تحمله لمسؤولية أعباء الدعوة حينما جاء الإسلام ... حتى استطاع أن يتحمل مسؤولية رسالة لا حد لها ممتدة مع الزمان والمكان]
فتأمل رحمك الله تعالى كيف وقع رمز من رموزهم والذي يضفون عليه هالة من التقديس والتعظيم بمثل هذا التناقض الفاضح.

2- جعفر سبحاني:
__________
(1) النبوة الخاتمة ص58-59.
(2) نفس المصدر السابقص57-58.

(1/57)


وهو بدوره قد وقع في التناقض الصريح حيث صرح بمقولتين متناقضتين تماماً حين قال في مقام إثباته حاجة الأمة والمجتمع الإسلامي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى إمام معصوم يفسر لها كتاب الله تعالى ويبين مشكله ويكشف أسراره ما نصه:[يجب عليه سبحانه حفاظاً على وحدة الأمة وصيانتها عن الشرود في متاهات الضلال أن يشفع كتابه بميزان آخر ، وهاد يدعم أمره ، ومعلم يوضح لهم أسراره ]، مع أنه صرح بأن المجتمع إذا بلغ النضج الفكري المطلوب لختم النبوة – كحاله بعد رحيل النبي - صلى الله عليه وسلم - - سيكون عند ذلك غنياً عن أي معلم يعلمه معالم دينه ويوضح له ما أشكل من كتاب الله فقال:[ ورب مجتمع بلغ من القيم الفكرية والأخلاقية والاجتماعية ، شأواً بعيداً يحتفظ معه بتراثه الديني واصل إليه، بل يستثمره استثماراً جيداً فهو عند ذاك غني عن كل مروج يروج دينه ، او مبلغ يذكر منسيه او مرب يرشده إلى القيم لأخلاقية ، أو معلم يعلمه معالم دينه ويوضح له ما أشكل من كتابه ]،ففي القول الأول أثبت حاجة المجتمع الإسلامي إلى معصوم يفسر له القرآن ويبين له ما أشكل عليه فيه،بينما في القول الثاني أثبت إستغناءه ونفى حاجته لمن يقوم عنه بتلك المهمة، والعجيب أيضاً أنه ذكر القولين المتناقضين بنفس الكتاب!!!

3-ناصر مكارم الشيرازي:

(1/58)


وهو أيضاً لم يسلم من التناقض حيث قال(1) ص188:[ ولسوف نثبت في بحوثنا التالية وجوب أن يكون في كل عصر وزمان ممثل إلهي نبي أو إمام معصوم]، وقال ص189 تحت عنوان (التكامل المعنوي إلى جانب وجود القادة الإلهيين): [ قبل كل شئ نتوجه إلى الهدف من خلق الإنسان،فهو أساس عالم الخليقة:إن الإنسان يطوي طريقاً طويلاً كثير المنعطفات والعثرات في سيره نحو الله،نحو الكمال المطلق،نحو التكامل المعنوي بجميع أبعاده،من البديهي أنه لا يستطيع أن يقطع هذا الطريق بنجاح بغير هداية قائد معصوم،ولا أن يطويه بغير معلم سماوي،لأنه طريق محفوف بالظلمات وبمخاطر الضلال .... فبناءاً على ذلك (إن وجود الإمام يكمل الهدف من خلق الإنسان) وهذا ما يطلق عليه في كتب العقائد إسم "قاعدة اللطف" ويقصدون بها أن الله الحكيم يمد الإنسان بجميع الأمور اللازمة لكي يصل إلى هدف الخلق،ومن ذلك بعث الأنبياء وتعيين الأئمة المعصومين،وإلا فإن ذلك يؤدي إلى نقض الغرض فتأمل!].
فبعد أن بيَّن حاجة الإنسان إلى مرشد معصوم في مسيرته التكاملية انتهى إلى قول التالي:[ من البديهي أنه لا يستطيع أن يقطع هذا الطريق بنجاح بغير هداية قائد معصوم،ولا أن يطويه بغير معلم سماوي،لأنه طريق محفوف بالظلمات وبمخاطر الضلال ... أن الله الحكيم يمد الإنسان بجميع الأمور اللازمة لكي يصل إلى هدف الخلق،ومن ذلك بعث الأنبياء وتعيين الأئمة المعصومين ]، مع أنه قد قرر هناك بعدم حاجتها لنبي جديد لتمكنها من مواصلة مسيرتها لوحدها بعد رحيل نبيها - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:[لأن قافلة البشرية في هذا العصر قد بلغت في مسيرتها الفكرية وفي وعيها مرحلة تمكنها من إدامة مسيرتها بإتباع الشريعة ...إلى أن بلغت القافلة من مسيرتها إلى الطريق النهائي،كما بلغت القدرة التي تمكنها من مواصلة مسيرتها وحدها ]
__________
(1) وذلك في نفس كتابه (دروس في العقائد الإسلامية).

(1/59)


وهذا تناقض صريح لا يخفى على العقلاء والفاجعة أنه ذكر القولين بنفس الكتاب.

4-مرتضى مطهري:
فقد أدلى بدلوه لنصرة معتقده في الإمامة ، بما جعله يصرح بأن الأمة الإسلامية بحاجة إلى مرجع إلهي يبين الدين ويبلغه للناس فقال:[ لقد جاء الرسول الأكرم بالإسلام إلى الناس ، وهذا الدين بحاجة إلى وجود مرجع إلهي ، يعرِّفه للناس ويبينه لهم على وجهٍ تام لمدة معينة على الأقل ، وبدوره عيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - للأمة مثل هذا المرجع المتخصص ... الإمام-في حقيقته- هو تعبير عن مرجع متخصص في أمور الدين ، وهو خبير حقيقي به بحيث لا يداخل معرفته الخطأ ولا يلابسها الاشتباه] (1).
وحاله لا يختلف عن حال من سبقه فلم يسلم من الوقوع بالتناقض الصريح إليك بيانه:
__________
(1) كتاب (الإمامة) - مرتضى مطهري ص99.

(1/60)


1-إن دعواه هنا حاجة الأمة إلى مرجع إلهي في الدين يبينه للناس يتناقض تماماً مع ما صرح به من استغناء الأمة عن أي مرشد إلهي لقدرتها وأهليتها على القيام بكل وظائف النبي من حفظ الدين والتحريف وتبليغه وبيانه للناس ، حيث أثبت قدرتها على حفظه من التحريف فقال:[ وإن عصر نزول القرآن أي قبل أربعة عشر قرناً كان مقارناً للدور الذي وضعت البشرية فيه طفولتها خلفها ، وتتمكن فيه من المحافظة على مواريثها العلمية والدينية ، ولذا فلم يتسرب التحريف إلى آخر كتاب سماوي مقدس أي القرآن ، وكل المسلمون عامة يحفظون كل آية عند نزولها في صدروهم أو في كتاباتهم بشكل كان لا يتسرب إليها أي نوع من التحريف والتغيير أو الحذف أو الإضافة ، ولذا فلم يحدث التحريف والزوال في الكتاب السماوي ، وهذا سبب من أسباب انتفاء تجديد النبوة](1) ، وأكد قدرتها على بيان الدين فقال:[ ص30 ويتمكن علماء الأمة في عصر الخاتمية الذي هو عصر العلم من تطبيق الكليات مع الظروف والمقتضيات الزمانية والمكانية بمعرفة أصول الإسلام العامة ومعرفة الظروف ، ثم استنباط الحكم الإلهي واستخراجه ، واسم هذه العملية "الاجتهاد" ، وإن علماء الأمة الإسلامية الأكفاء يقومون بكثير من واجبات الأنبياء التبليغيين وبعض واجبات الأنبياء التشريعيين-دون أن يكونوا مشرِّعين- عن طريق الإجتهاد وواجب هداية الأمة الخاص ، ولهذا فقد انتفت الحاجة إلى تجديد النبوة ونزول كتاب سماوي جديد ومجئ نبي جديد إلى الأبد](2).
__________
(1) كتاب (الوحي والنبوة) - مرتضى مطهري ص29.
(2) نفس المصدر السابق ص30.

(1/61)


2-يمكن إبراز التناقض أيضاً عن طريق المقارنة بين قوله:[ أما نحن نعتقد أن الدليل الذي أفضى إلى أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قاد بنفسه إلى أن يعيِّن أشخاصاً بعينهم ، لهم جَنَبَة قدسية يخلفونه من بعده](1)، مع ما قرره هناك من خلال تحليل كلامه وتفكيكه بأن الدليل الذي يقضي ويوجب بعث النبي هو عدم قدرة الأمة على حفظ تراث نبيها مما يؤدي إلى تحريفه كما صرح به بقوله:[ وإن عصر نزول القرآن أي قبل أربعة عشر قرناً كان مقارناً للدور الذي وضعت البشرية فيه طفولتها خلفها ، وتتمكن فيه من المحافظة على مواريثها العلمية والدينية ، ولذا فلم يتسرب التحريف إلى آخر كتاب سماوي مقدس أي القرآن ، وكل المسلمون عامة يحفظون كل آية عند نزولها في صدروهم أو في كتاباتهم بشكل كان لا يتسرب إليها أي نوع من التحريف والتغيير أو الحذف أو الإضافة ، ولذا فلم يحدث التحريف والزوال في الكتاب السماوي ، وهذا سبب من أسباب انتفاء تجديد النبوة](2) ، فلو أردنا أن نطبق نص استدلاله بقياس وجوب البعثة على وجوب الإمامة ، نقول إن الدليل الذي اقتضى عدم الحاجة إلى بعثة الأنبياء وهو استغناء الأمة وقدرتها على حفظ تراثها -كما اعترف بذلك- هو نفسه يقضي بعدم الحاجة إلى تنصيب مرشدين إلهيين-أئمة معصومين- ، وهو تناقض ظاهر بين قوله بحاجة الأمة إلى مرشد إلهي من جهة وتصريحه باستغناء الأمة من جهة أخرى.
5-علامتهم إبراهيم الأميني:
وهو بدوره لم يسلم من الوقوع في التناقض بل شارك باقي علماء الشيعة ومراجعهم في ذلك ، حيث أثبت حاجة الأمة إلى مرشد إلهي معصوم يحفظ لها الدين من التحريف ويبلغه للناس بعد رحيل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ليصل إلى تقرير معتقدهم بوجوب الإمامة ، فمن أقواله في كتابه (الإمامة) ما يلي:
__________
(1) كتاب (الإمامة) - مرتضى مطهري ص98.
(2) كتاب (الوحي والنبوة) - مرتضى مطهري ص29.

(1/62)


1-أثبت إن حفظ الشريعة من التحريف لا يكون إلا بإمام معصوم فقال ص113-114:[إن أحكام السماء إنما أنزلت لهداية الناس ، ولذا ينبغي استمرارها في مأمن عن التحريف حذفاً وإضافة ، فلا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها حتى تكون-وعلى الدوام- في متناول البشرية ... وهذا لا يتحقق إلا بوجود فرد إلهي معصوم من الخطأ منزه عن الذنب والخطيئة والنسيان ... وقال ص122: ولكي تبقى حجة الله قائمة بوجود الشريعة ، وقوانين الدين دون حذف أو إضافة ... فإن من الواجب هنا وجود فرد بين ظهراني البشر ينهض بمسؤولية حفظ الشريعة ويسعى إلى تطبيق شرع السماء في الأرض ... وقال ص113: وعليه تقع مسؤولية حفظ الشريعة والسعي لتنفيذها] ، بمعنى عدم كفاية الأمة لحفظ الشريعة لحصره تحقق الحفظ بالإمام المعصوم.
2-نفى صراحةً وبشدة النظرية القائلة بأن الأمة الإسلامية قادرة على القيام بحفظ الدين وتبليغه للناس(1)، فقال ص114:[ وعلى هذا يتهاوى الافتراض السابق ، لأن كل فرد من أفراد الأمة قابل للخطأ غير معصوم عن الذنب وليس في مأمن عن الغفلة والسهو ، وبالتالي فهم عملياً ليسوا بمنأى عن الوقوع في الخطأ ، وهذا ما يؤدي إلى جر الأحكام الإلهية إلى هاوية التحريف والضلال .. لأنهم ليسوا معصومين].
__________
(1) وقد نقلها بنصها في كتابه (الإمامة) ص113 فقال:[ من الممكن أن نتصور وجود الشريعة واستمرارها بين الناس ... فممن الممكن أن تتوزع أحكام الشريعة علماً وفقهاً على أفراد الأمة ، فيكون كل فريق حافظاً لقسم منها ، فتستمر الشريعة علماً وعملاً لدى أفراد النوع الإنساني ..].

(1/63)


ولكن تقريره هذا يناقض بكل صراحة ما قرره هناك بأن الأمة قادرة على حفظ الدين وتبليغه ، فقارن أخي المسلم بين قوله هنا:[ لأن كل فرد من أفراد الأمة قابل للخطأ غير معصوم عن الذنب وليس في مأمن عن الغفلة والسهو ، وبالتالي فهم عملياً ليسوا بمنأى عن الوقوع في الخطأ ، وهذا ما يؤدي إلى جر الأحكام الإلهية إلى هاوية التحريف والضلال .. لأنهم ليسوا معصومين] ، مع قوله هناك(1):[ يمكن القول بأن المجتمع البشري في عصر البعثة المحمدية كان قد بلغ في التكامل الفكري والرشد العقلي حداً أصبح معه صالحاً لأن يحافظ على المواريث الأنبياء العلمية والدينية ويصونها من خطر الحوادث ، وأن يكون نفسه مبلِّغاً لتلك القيم والمفاهيم المقدسة ، وقد وصل في هذا المجال إلى درجة الاكتفاء الذاتي ، ولهذا لم تبقَ حاجة بعد هذا إلى إرسال الرسل] ، ومع قوله هناك أيضاً(2):[ إن المجتمع البشري في ذلك الزمان كان قد بلغ حداً من حيث العقل والفكر والإمكانات العلمية ، يستطيع معه أن يحافظ على المواريث العلمية والدينية بصورة كاملة ، وينقلها إلى الأجيال اللاحقة بأمانة ودقة،
في مثل هذا العصر بُعِث رسول الله ص من جانب الله تعالى بالرسالة ليضع بين يدي النفوس البشرية المتكاملة المستعدة أسمى المعار ف وأرقاها ... ولقد بقي القرآن الكريم-كما تلاحظونه- وعلى أثر حفظ الحفاظ وكتابة الكتاب في صورته الكاملة دون أي زيادة أو نقصان ، ومن دون أي تغيير أو تحريف ، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة ، وهكذا بقيت الأحكام والقوانين والمقررات الإسلامية في صورة-حديث- مدوَّن مضبوط في بطون الكتب والمؤلفات].
6- مجتبى اللاري:
__________
(1) كتاب (النبوة والنبي)- إبراهيم الأميني ص138.

(2) نفس المصدر السابق ص131-132.

(1/64)


حيث صرح بأن الأمة الإسلامية لم تكن قد بلغت النصج الفكري والثقافي والذي يؤَذِّن برفع الوصاية الإلهية عنها-المتمثلة بالإمام المعصوم- فقال كتابه (أصول العقائد في الإسلام) ج4ص16-17:[ .. أفهل بالإمكان أن نقول بأن الله الذي لم يترك أي شيء من مستلزمات التكامل المادي والجسدي للبشر دون أن يهبه إياه ، قد حرمه من ان يوفر له العامل المهم الذي له الدور الأساسي في رقيه الروحي، وانه بخل ان يجود عليه بهذه النعمة ؟!. إن أمة الإسلام بعد وفاة رسول الله لم تكن بذلك المستوى من الرقي الفكري والثقافي الاسلامي الذي تتمكن معه من الاستمرار في تطورها التكاملي ، إلا في ظلال وصاية الرسول . وأن البرنامج الذي طرحه الإسلام لرشد الإنسان ونموه وتعاليه ، ما لم يندمج ببرنامج الإمامة الإلهية فإنه سيبقى برنامج ناقصاً بل جامداً لا روح فيه ، وسوف لا يتمكن من أن يؤدي دوراً قيماً في تحرير الإنسان وتنمية طاقاته].
وليقارن القراء قوله هنا:[ ان أمة الإسلام بعد وفاة رسول الله لم تكن بذلك المستوى من الرقي الفكري والثقافي الإسلامي الذي تتمكن معه من الاستمرار في تطورها التكاملي، إلا في ظلال وصاية الرسول ]، مع قوله هناك(1)حيث قال: [ حيث ان الإنسان قد وضع أقدامه في مرحلة النضج الفكري وتهيأت الظروف اللازمة لاختتام الرسالة ... أما عندما يصل الإنسان إلى مرحلة من النضج بحيث يستطيع المحافظة على السنن والتعاليم الدينية بعيدة عن التحريف والتغير، ويتمكن من النهوض بنشرها فانه ينتفي حينئذ اعظم الأسباب لتجديد الرسالة ، ولا تبقى حاجة لنبوة جديدة ] ، فهل رأيت أصرح من هذا التناقض بين المقولتين مع أنه ذكرهما بنفس الكتاب.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
__________
(1) قد نقلنا قوله في المطلب الأول من هذا الفصل عندما كان بصدد إثبات عدم حاجة الأمة إلى نبي جديد.

(1/65)


فتأمل كيف وقع كبار علماء الشيعة ومراجعها في مثل هذا التناقض الصريح(1)
__________
(1) ويمكن أن نلمس وقوع مثل هذا التناقض ليس في كلام نفس العالم الواحد فحسب ، بل في كلام عالمين مختلفين حيث ينفي أحدهما ما يثبته الآخر ، ومثاله ما وقع بين علامة الشيعة ابن المطهر الحلي ومحقق كتابه(الألفين) السيد محمد مهدي الخرسان ، حيث قال الحلي في معرض شرحه لكلام فيلسوفهم النصير الطوسي بالحاجة للنبوة في كل وقت حيث قال:[ المسألة السادسة : في وجوب البعثة في كل وقت قال : ودليل الوجوب يعطي العمومية] ، إلا أن الحلي هذَّب هذه العبارة فقال:[ وقال علماء الإمامية : إنه تجب البعثة في كل وقت بحيث لا يجوز خلو زمان من شرع نبي]،فأثبت أن بقاء شرع النبي يغني عن وجود شخص النبي متأولاً كلام الطوسي بأن المقصود منه هو عدم خلو أي زمان من "شرع" النبي وليس من شخصه حتى لا يُتَّهم باعتقاده وجوب استمرار في كل وقت وهو بعينه قول أهل السنة،

إلا أننا في الوقت نفسه نجد إن هذا الكلام لم يَرُق لمحقق كتاب الألفين وهو السيد محمد مهدي الخرسان حيث عبَّر عن شخص النبي بالمصلح الناطق وعن الشرع وهو الكتاب والسنة بالمصلح الصامت ثم صرح بأن المصلح الصامت لا يغني عن وجود المصلح الناطق ، أي لا يمكن الاستغناء بالشرع عن شخص النبي فقال:[ ولو قيل : إن القائم مقامه شريعته الكتاب والسنة لقلنا قد سبق الجواب عن ذلك بأنهما غير كافيين في بيان كل ما يحتاج إليه الناس وما يتولد من شؤون لم يصرحا بها، هذا مع أن دلالتها محل للتنازع والخلاف بين الأمة، وبقول من يؤخذ وعلى رأي من يعتمد على أن الرسول صلى الله عليه وآله مصلح ناطق والكتاب والسنة مصلح صامت ولا يغني الصامت عن الناطق فلا بد من المصلح الناطق في كل زمان لأن الخلق كلهم شرع سواء في العطف واللطف والشفقة والرحمة من الخلاف اللطيف فكيف يخص زمنا وجيلا دون الأزمنة والأجيال الأخرى بعطفه ولطفه وهو اللطيف الرحيم في كل عهد مع كل جيل] ، فناقض بذلك كلام علامتهم الحلي ونسفه من أصله.

(1/66)


الذي يخجل منه كل من أنعم الله عليه بنعمة العقل والفهم ، وحق لكل عاقل أن يعجب من مثل هذا التناقض الذي أخذ يتساقط فيه علماؤهم الواحد تلو الآخر بلا استثناء , وأقولها بيقين واستقراء لا يمكن أن ينجو عالم واحد من علمائهم من السقوط في هذا التناقض كما سنبين سببه في المطلب التالي.

المطلب الرابع:سبب وقوع علماء الشيعة بهذا التناقض الصريح
ولرُبَّ سائلٍ يسأل مستغرباً كيف يقع مثل هؤلاء الأعلام والمراجع العليا في المذهب بمثل هذا التناقض الصريح في هذه المسألة والذي تجلى كالشمس لكل عاقل؟!!!
والجواب هو أنهم أرادوا أن يتبنوا عقيدتين متضادتين تماماً في نفس الوقت فوقعوا في مطبّ الجمع بين النقيضين ، وبيانه هو أنهم أرادوا أن يبطلوا دعوى القاديانية بوجوب بعث نبي جديد بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - فتبنوا عقيدة أن الأمة الإسلامية قد بلغت من النضج الفكري الذي جعلها مؤهلة لحمل الدين والحفاظ عليه بما يجعلها مستغنية عن نبي جديد فهذا من جهة، ومن جهة أخرى أرادوا أن يبطلوا دعوى أهل السنة بعدم حاجة الأمة إلى أمام معصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فتبنوا عقيدة أن الأمة غير مستغنية بل محتاجة إلى مرشد معصوم يحفظ لها الدين ويبينه ، فمع القاديانية قالوا أن الأمة بالغة مستغنية، ومع أهل السنة قالوا بأن الأمة قاصرة غير مستغنية بما يكشف جلياً عن السبب الحقيقي في وقوعهم بهذا التناقض الصريح.

المطلب الخامس:كيفية خروجهم من مأزق التناقض

(1/67)


لكي نعيد الشيعة إلى جادة الصواب من باب النصح في دين الله تعالى ، نقول إن كنتم فعلاً تريدون الخروج من مأزق التناقض الذي أوقعتم أنفسكم فيه ، فيتوجب عليكم أن تتجنبوا الجمع بين عقيدتين متضادتين لا يمكن الجمع بينهما بحال(1)، وتعلنوا تبنيكم وتمسككم بإحداهما ونبذهم وإبطالهم للأخرى ، لكي لا تقعوا في التذبذب الذي ذمه الله تعالى بقوله (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (النساء:143) ، فهم أمام مفترق طريق باختيار إحدى العقيدتين والبراءة من الأخرى(2) ، وإليك أخي المسلم حقيقة الخيارين وما يترتب على كل منهما من نتائج وآثار عقائدية:
الخيار الأول:
أن يوافقوا أهل السنة على معتقدهم ببلوغ الأمة واستغنائها عن أي مرشد معصوم، وعندها سيكسبون المعركة العقائدية مع القاديانية بإثباتهم استغناء الأمة عن نبوة جديدة، إلا أن هذا سيكلفهم ثمناً باهظاً جداً متمثلاً بنقض أهم أصولهم العقائدية ألا وهو الإمامة لأنهم سيعترفون بعدم حاجة الأمة إلى إمام معصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونحن والله نُسَرُّ سروراً عظيماً إذا ما اختاروا هذا القول ونقول مرحباً بالوفاق والاتفاق وبعداً للفرقة والنزاع بين الشيعة وأهل السنة.

الخيار الثاني:
__________
(1) وقد تبين مدى التخبط الذي وقع فيه علماء الشيعة ومراجعهم من جرّاء محاولتهم الجمع بينهما، والذي يخجل منه العقلاء!!!
(2) وهما إما الإعتقاد ببلوغ الأمة واستغنائها عن مرشد إلهي معصوم ، أو بقصور الأمة وحاجتها لهذا المرشد.

(1/68)


أن يبطلوا قول أهل السنة ببلوغ الأمة واستغنائها ليثبتوا حاجتها إلى إمام معصوم، وعندها سيكسبون المعركة العقائدية مع أهل السنة(1)، إلا أنهم سيخسروها مع القاديانية الذين ستظهر غلبتهم عليهم من خلال استخدامهم لنفس أدلة الإمامية التي أثبتوا بها الحاجة إلى إمام معصوم ، ومن ثم لا يمكنهم إبطال قولهم أبداً .

المطلب السادس:الخيار المتوقع للشيعة وما سيترتب عليه
ونتيجة عيش الشيعة في عقدة تاريخية ومعركة عقائدية مع أهل السنة حول قضية الإمامة عمرها مئات السنين واندفاعهم لحسمها لصالحهم بأية طريقة كانت سيتيقن القارئ من اختيارهم المقولة الثانية بعدم استغناء الأمة الإسلامية عن إمام معصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى قيام الساعة ليسلم لهم أصل الإمامة(2)
__________
(1) هذا على التسليم الجدلي بأنهم سيكسبون المعركة العقائدية مع أهل السنة كي نستمر في عرض الإلزام في هذه الدراسة ولا نشتت فكرتها ، وإلا فالحق هو أن هزيمتهم أمام أهل السنة ظاهرة نتيجة لضعف أدلتهم وبطلانها كما سنتعرض لذلك في دراسات منفصلة حول مناقشة أدلتهم العقلية والنقلية نسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمامها وإخراجها.
(2) هذا ما أنا متيقن منه بأنهم سيختاروا القول بعدم استغناء الأمة عن إمام معصوم، وأما إن اختاروا القول الأول باستغناء الأمة عن مرشد معصوم فهذه تحسم المعركة العقائدية مع أهل السنة وتختصر الطريق لأنهم سيعترفون ببطلان أصلهم في الإمامة بعدم حاجة الأمة إلى إمام معصوم وهذا وَقْعُهُ عليهم شديد لذا لا أظنهم سيختاروه.

(1/69)


،غافلين أو متغافلين الخطورة المترتبة على هذا الاختيار والمتمثلة بتقوية دعوى القاديانية باستمرار النبوة ، لأن القاديانيين سيعتمدون على نفس أدلة الشيعة في الإمامة لنشر باطلهم وإعلان كفرهم ، أي أن إمامتهم ستصبح سُلَّماً يرتقيه القاديانيون للهجوم على حصن النبوة ويشككوا بخاتميته ، وفكرة الدراسة هي إبراز هذا الخطر الكامن في الإمامة عن طريق مناظرة تخييلية بين إمامي وقادياني(1) ، تُظْهِر مدى اعتماد القادياني على ما أصله علماء الشيعة من أصول عقلية يثبتوا بها إمامتهم فهي في حقيقتها أصول وأدلة مشتركة بين النظريتين القاديانية والإمامية.
ولذا فسأعلنها بأعلى صوتي صيحة نذير وصرخة تحذير كي أبرئ ذمتي أمام الله تعالى وأمام التاريخ: بأن الإمامة التي يعتقدها الشيعة ستقود إلى نقض عقيدة ختم النبوة(2) ، لأنها ستجعل القاديانيون يتطاولون على عقيدة ختم النبوة وينشروا كفرهم متكئين على ما قرره علماء الشيعة من أدلة عقلية فيها(3) ، لعلها توقض الغافلين والمندفعين من الشيعة في نصرة معتقدهم دون تدبر بعواقبه الوخيمة على أصول الإسلام.
الفصل الرابع
أهم الأصول العقلية التي اعتمدها علماء الشيعة

الفصل الرابع
__________
(1) نقلت فيه قول القادياني بالمعنى وحررت نصه بالهامش.

(2) وحول هذا يقول موسى جار الله في كتابه (الوشيعة):[ ولو احتاجت الأمة إلى الإمام المعصوم ذرة احتياج لما ختم النبوة برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكن محمد خاتم النبيين إلا لزوال الاحتياج ببركة القرآن الكريم ، فدعوى احتياج الناس إلى الإمام المعصوم تنافي حكمة الله في ختم النبوة ، فإن الاحتياج إما لقصور في بيان الكتاب ، وإما لقصور في روح النبوة ، وأما لقصور في التبليغ ، فدعوى عصمة الإمام طعن في أصل الدين].
(3) كما سيتجلى بيان هذا الخطر في الفصول القادمة من هذه الدراسة.

(1/70)


وإليك أهم أصلين اعتمدهما علماء الشيعة في قضية الإمامة والعقائد والتي سنعتمدهما في دراستنا هذه وهما:
الأصل الأول
قالوا بوجوب وجود إمام معصوم يهدي الناس في كل زمان وإلى قيام الساعة، واستدلوا على هذا الأصل بالعقل أصالة، وبالنقل تأييداً واعتضاداً، أي الأساس في استدلالهم والأصل هو العقل وليس النقل، وإليك بيان ذلك من أقوالهم:

1- ذكر الشيخ المفيد في (الارشاد) مبيناً ان العقل يحكم بوجوب وجود معصوم وبهذا الدليل العقلي لن تكون هناك حاجة إلى ذكر الادلة النقلية، فيقول ص347: [ومن الدلايل على ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح من وجود امام معصوم كامل غني عن رعاياه…..وهذا أصل لن يحتاج معه في الامامة الى رواية النصوص وتعداد ما جاء فيها من الاخبار لقيامه في قضية العقول وصحته بثابت الاستدلال].
2- ذكر الطوسي والملقب بشيخ الطائفة في (تلخيص الشافي) ج1 ص141: [اما وجود الامام وصفاته التي يستحقها (كالعصمة وغيرها) فمما لا يحتاج فيها الى النقل بل نعلمها من جهة العقول].
3- ذكر المرتضى في (الشافي) اقوالاً عديدة منها:
أ-قال (1/98):[لان المعلوم لهم اعتقاد وجوب الامامة واوصاف الامام من طريق العقل والاعتماد عليها في جميع ذلك، وان كانوا ربما استدلوا بالسمع استظهاراً وتصرفاً في الادلة].
ب-قال (1/100):[لان التواتر عندنا ليس بطريق الى اثبات عدد الائمة في الجملة ووجودهم في الاعصار بل الطريق الى ذلك العقل وحجته].
ج-قال (1/66-67):[لان العقل الدال على الحاجة الى الرئاسة في الجملة ووجوب اقامة الرؤساء لا يدل بنفس ما دل به على الحاجة في الجملة على صفاتهم المخصوصة (كالعصمة) واحوالهم المعينة بل لا بد في اثبات ذلك من الرجوع الى طريقة اخرى وهي وان كانت من جملة طرق العقل وادلته].
د-قال (1/184): [اما المعرفة بوجود الامام في الجملة وصفاته المخصوصة (أي العصمة وغيرها) فطريقنا فيه العقل وليس نفتقر فيه الى تواتر].

(1/71)


هـ-قال (1/195): [اما وجود الامام وصفاته المخصوصة (العصمة) فليس نحتاج في العلم بها الى خبر بل العقل يدلنا على ذلك].
و-قال (1/128): [فعندنا ان بيان ذلك (أي الامامة) غير محتاج اليه (أي الرسول () لان العقول تدل على وجوب الامامة وعلى صفات الامام وما يحتاج فيه اليه وما تدل العقول عليه ليس يجب بيانه من طريق السمع].
ز- قال (1/274):[ لأنا قد بينا أن المعرفة بوجود امام معصوم حجة في كل زمان لا يفتقر الى التواتر والنقل،بل هو مستفاد بأدلة العقول] .
وخلاصة هذه الأقوال هي أن الشرع ليس طريقاً إلى معرفة وإثبات وجوب وجود معصوم في كل زمان عند الشيعة، بل الطريق هو العقل، لذلك صرحوا بأن الشرع لا يُعتمد عليه في إثبات هذا الأصل، لأنه ثابت عندهم بالعقل سواء ورد به الشرع أم لم يرد.

الأصل الثاني:

إذا تعارض العقل مع النقل يقدم العقل ويؤول النقل إن كان له تأويل سائغ، ويطرح إن لم يكن له تأويل سائغ، ومقصودهم بالعقل أي الدليل العقلي، والنقل أي الدليل النقلي-الكتاب والسنة- وإليك بيان مختصر لهذا الأصل من أقوالهم:
1- يقول شيخ الطائفة الطوسي:[ هذه أخبار آحاد لا ترد لها أدلة العقول الدالة على بطلان التحابط . ولو صحت لتأولناها كما نتأول ظاهر القرآن لتلائم أدلة العقل](1).
__________
(1) الرسائل العشر- الشيخ الطوسي ص 325 .

(1/72)


2- ينقل المجلسي قول الشيخ المفيد وهو:[ وذلك أني لو خليت وظاهر قوله تعالى لموسى عليه السلام :( لا تخف ) وقوله تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم -:( لا يحزنك قولهم ) وما أشبه هذا مما توجه إلى الأنبياء عليهم السلام لقطعت على أنه نهي لهم عن قبيح يستحقون عليه الذم ، لان في ظاهره حقيقة النهي من قوله : ( لا تفعل ) كما أن في ظاهر خلافه ومقابله في الكلام حقيقة الامر إذا قال له : ( افعل ) لكنني عدلت عن الظاهر لدلالة عقلية أوجبت علي العدول ، كما يوجب الدلالة على المرور مع الظاهر عند عدم الدليل الصارف عنه، وهي ما ثبت من عصمة الانبياء عليهم السلام التي ينبئ عن اجتنابهم الآثام](1).
3- يذكر السيد المرتضى في كتابه( تنزيه الانبياء) أقوالاً عديدة منها:
أ- قال ص33 :[ فأما ما يدعى في هذا الباب من الحديث فلا يلتفت اليه لأن الأخبار يجب أن تُبْنى على أدلة العقول ولا تُقْبل في خلاف ما تقتضيه العقول ولهذا لا نقبل أخبار الجبر والتشبيه ونردها أو نتأولها إن كان لها مخرج]
ب- قال ص171 :[ قلنا لا شبهة في أن كل خبر اقتضى ما تنفيه أدلة العقول فهو باطل مردود إلا أن يكون له تأويل سائغ غير متعسف فيجوز أن يكون صحيحاً ومعناه مطابق للأدلة] .
ج- قال ص45 :[ قلنا قد بينا بالأدلة العقلية التي لا يجوز فيها الاحتمال ولا خلاف أيضاً أن الأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم الكذب فما ورد بخلاف ذلك من الأخبار لا يُلْتَفت اليه ويقطع على كذبه إن كان لا يحتمل تأويلاً صحيحاً يليق بأدلة العقل،فإن احتمل تأويلاً مطابقاً تأولنا به ووفقنا بينه وبينها،وكذا نفعل فيما يُروى في الأخبار التي يتضمن ظاهرها الجبر والتشبيه] .
__________
(1) بحار الأنوار ج10 ص419 .

(1/73)


4- قال المقداد السيوري في كتابه(الأنوار الجلالية ) ص155: [والثاني هو المخالف للعقل فنقول:إذا تعارض العقل مع النقل فلا يجوز العمل بهما وإلا لزم الجمع بين النقيضين، ولا ترك العمل بهما وإلا لأرتفع النقيضان، ولا العمل بالنقل وإطراح العقل وإلا لزم إطراح النقل أيضاً لأن العقل أصل النقل لأنه منتهٍ إلى قول الرسول ص الثابت صدقه بالعقل فيكون أصلاً له فلم يبقَ إلا العكس وهو العمل بالعقل، وأما النقل فلا يطرح بل للعلماء في ذلك مذهبان:
أحدهما:أن يتوقف فيه إلى أن يظهر سره أو يفوض علمه إلى الله تعالى.
وثانيهما:أن يُأَول تأويلاً لا ينكره العقل ] .
5- يقول الشيخ لطف الله الصافي:[ فالأصل في الإعتقاد بعصمة النبي والإمام، ووجوب كون الإمام معصوما هو حكم العقل ، والشرع يؤيد العقل في حكمه هذا، وذلك لأن العقل قاطع بوجوب اتصاف النبي والإمام بالعصمة ، والشرع إنما يكون المرجع الأول في كل مورد لو حكم فيه بالإيجاب أو السلب لم يكن حكمه بأيهما مغايرا لحكم العقل.... ففي مسألة عصمة الأنبياء العقل هو المرجع الأول ، ويحكم بوجوب كون النبي معصوما لأدلته ](1).
6- يقول آيتهم العظمى الميرزا جواد التبريزي:[ وحيث أن ظاهر الاية هو ما ذكرنا فلا يصح رفع اليد عن هذا الظاهر الا بقرينة عقلية أو نقلية ](2).
__________
(1) مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي ج1 ص47 .
(2) صراط النجاة ج3 ص447 .

(1/74)


وإليك بيان هذا الأصل بمثال حيث طبقوا مضمونه عملياً في مسألة عصمة الأنبياء إذ أجمع الامامية على الاعتقاد بعصمة الأنبياء من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، عمداً وسهواً، ومن الولادة الى الموت، واستدلوا على هذه العقيدة بالعقل، ولما وجدوا في القرآن آيات تصرح بأخطاء الأنبياء ومعاصيهم وتذكر ذلك بصراحة وببيان واضح، مثل قوله تعالى: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى( (طه: 121-122)، وقوله: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر( (الفتح: من الآية2) وقوله: (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( (القصص: 15-16).
وغيرها كثير من الآيات، فقالوا إما أن نترك الدليل العقلي على عصمتهم المطلقة ونتبع دلالة هذه النصوص، أو أن نتبع الدليل العقلي ونؤول هذه الآيات، وهذا ما فعله السيد المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء والأئمة) فأخذ يتكلف جداً بتأويل هذه الآيات الكثيرة والصريحة ليبقى الدليل العقلي هو المرجع ويدفع المعارض من النصوص وذلك بتأويلها(1)، وممن صرح بذلك المثال على الأصل المذكور من علمائهم:
__________
(1) ذكر السيد حسن بن سيد احمد الاسكندري وهو شيعي في كتابه (رسالة في مسائل الخلاف) ناقلاً لقول محمد بن عبد النبي: [اما ترى ان المفيد والمرتضى أنكرا احاديث الذر والميثاق واخبار الانوار والاشياح وسبق خلق الارواح وكذلك احاديث الطينة واحاديث الاحباط مع موافقتها للآيات، فردوا الاخبار والآيات] لان ظاهرها يخالف قواعدهم العقلية، وهذه الرسالة هي نسخة مخطوطة بدائرة الآثار والتراث برقم (26995).

(1/75)


1- يقول شيخ طائفتهم الطوسي:[ وأما ما يستدل من الظواهر التي يقتضي ظاهرها وقوع المعصية من الانبياء نحو قوله تعالى " وعصى آدم ربه فغوى " فقد بينا الوجه فيه في التفسير واستوفاه المرتضى في التنزيه لا يحتمل ذكر ذلك ههنا . بل نقول : الظواهر تبنى على أدلة العقول ولا تبنى أدلة العقول على الظواهر ، وإذا علمنا بدليل العقل أن القبيح لا يجوز عليهم تأولنا الايات ان كانت لها ظواهر وان كان اكثرها لا ظاهر له على ما بين هناك](1).
2- يقول محققهم الحلي:[ وأما ما تضمنه الكتاب العزيز وكثير من الأخبار من ما ظاهره وقوع المعصية ، فمحمول على ضرب من التأويل ، لئلا تتناقض الأدلة . ولنذكر طرفا من ما نسب إلى أفاضل الأنبياء ليكون الجواب عنه معينا عن ما نسب إلى غيرهم . كقوله تعالى : ( وعصى آدم ربه فغوى ). وقوله في قصة نوح : ( إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق ) . وقوله تعالى مجيبا : ( إنه ليس من أهلك ). وقوله في قصة إبراهيم : ( واغفر لأبي إنه كان من الضالين). وقوله : ( هذا ربي ) تارة عن النجم ، وتارة عن القمر، وتارة عن الشمس . وفي قصة موسى : ( إن هي إلا فتنتك ). وفي قصة عيسى : ( وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) مع علمه بكفرهم ، وأن الكافر لا يغفر له . وفي قصة محمد : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ). ( ووجدك ضالا فهدى ). ( ووضعنا عنك وزرك ). لأن العصيان هو المخالفة وكما يحتمل أن تكون المخالفة في واجب ، يحتمل أن يكون في مندوب ، ومع احتمال كل واحد من الأمرين ، يجب تنزيله على ترك المندوب ، ليسلم الدليل العقلي عن الطعن](2).
__________
(1) الاقتصاد- الشيخ الطوسي ص 162.

(2) المسلك في أصول الدين - المحقق الحلي ص 156-157.

(1/76)


3-يقول إمامهم وسيدهم محسن الأمين العاملي:[ونقول:النبي في اعتقادنا معصوم من الذنوب، فلا يحتاج إلى المغفرة، لذلك احتاج القائلون بعصمته إلى تأويل(ليغفر لك الله) بوجوه من التأويل لأن ظاهر النقل إذا خالف الدليل القطعي وجب تأويله](1).
الفصل الخامس
عرض المناظرة بين القادياني والشيعي

الفصل الخامس

قبل الدخول في المناظرة لا بد من الإشارة أولاً إلى أن كلاً من القاديانيين والشيعة يسعَوْن إلى هدف واحد مشترك وهو "إثبات وجوب وجود مرشد إلهي في كل وقت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى قيام الساعة" وهذا المرشد إما أن يكون نبياً كما عند القاديانيين، أو شخصاً له من الصفات ما للنبي - صلى الله عليه وسلم - فهو شبيه بالنبي كما عند الشيعة مُمَثَّلاً بالإمام المعصوم(2)
__________
(1) الشيعة من الحقائق والأوهام- محسن الأمين العاملي ص83.
(2) فمن أقوال علماء الشيعة التي صرحت بأن صفات الإمام هي نفس صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عبد الحسين دستغيب في كتاب الإمامة من سلسلة أصول الدين(2/6): [ يجب أن يكون الإمام مشابهاً للرسول - صلى الله عليه وسلم - تماماً]، وقال:[ فالنائب لأي شخص يجب أن يكون مماثلاً لذلك الشخص فخليفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يماثل الرسول من حيث العلم والعمل، بحيث لو رآه أي شخص فكأنما رأى الرسول ص]، وقال محمد تقي مصباح اليزدي في كتابه (دروس في العقيدة الإسلامية) ص331: [ الإمام الذي يمتلك خصائص نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - كلها عدا النبوة والرسالة]، ويقول محسن الخرازي في (بداية المعارف الإلهية) جزء1 ص11: [كما انه (أي الإمام) يتصف بصفات النبي أيضاً لكونه خليفة له، فان كان النبي معصوماً فهو أيضاً معصوم…. وهكذا فالإمام يقوم مقام النبي في جميع صفاته عدا كونه نبياً] ويقول أيضاً جزء2 ص40: [فكل ما كان النبي معصوماً عنه كذلك يكون الإمام معصوماً عنه]، ويقول محمد رضا المظفر في (عقائد الإمامية) ص104: [ونعتقد ان الإمام كالنبي يجب ان يكون معصوماً].

(1/77)


.
إذاً فالاتفاق حاصل بينهم على أصل القضية وإنما وقع الخلاف بينهم في فرعها متمثلاً باسم هذا المرشد الإلهي، وهل هو نبي على قول القاديانيين أو إمام على قول الشيعة ... ومن أجل أن نفهم بوضوح أكثر سبب هذا التوافق الجوهري بين أصحاب هاتين العقيدتين ونعرف سرَّه، لا بد لنا أولاً من الوقوف على حقيقتين هامتين هما:
الأولى:

إن كل دليل عقلي يثبت وجوب بعثة الأنبياء على الله تعالى لهداية الخلق قد اقتبسه الشيعة واستخدموه لإثبات معتقدهم على وجوب نصب الأئمة على الله تعالى لتحقيق الغرض نفسه -هداية الخلق-، والشاهد على اقتباسهم هذا الدليل في إثبات معتقدهم هو اعتراف علمائهم الصريح بذلك ومنهم:
1- قال المظفر:[ فالإمامة استمرار للنبوة،والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو نفسه يوجب أيضاً نصب الإمام بعد الرسول]،وقال ص104: [والدليل الذي اقتضانا ان نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقضينا ان نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق](1) .
2- وقال آيتهم العظمى مكارم الشيرازي في كتابه(دروس في العقائد الإسلامية) ص189 تحت عنوان(فلسفة وجود الإمام):[ إن البحوث التي أثبتنا بها ضرورة بعث النبيين تبين كذلك إلى حد كبير ضرورة وجود الإمام بعد النبي]، وقال ص188:[ ولسوف نثبت في بحوثنا التالية وجوب أن يكون في كل عصر وزمان ممثل إلهي نبي أو إمام معصوم] .
__________
(1) عقائد الإمامية لعلامتهم وحجتهم محمد رضا المظفر ص103.

(1/78)


3- قال علامتهم وشيخهم محمد جميل حمود في كتابه(الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية)(1/400):[ وبما أن الغرض من الخلق هو وصول الإنسان إلى كماله اللائق به وهو المعرفة كما قال تعالى(وما خلقت ...) كان اللازم بحكمته ورحمته أن يرسل سبحانه لخلقه أناس مطهرين يرشدونهم إلى عبادة الله تعالى ... من هنا تجب بعثة الأنبياء والأئمة بمناط واحد]، وقال(2/71-72):[ ووجوب اللطف لا يختص بالأنبياء والمرسلين،بل يشمل الأوصياء والأولياء المنصوصين من قبل الله تعالى،لأن مهام هؤلاء كمهام أولئك بمناط واحد لا يختلفون عن بعضهم البعض إلا في تلقي الوحي التشريعي] .
4-نقل السيد المرتضى نص قول القاضي عبدالجبار بأن الشيعة انتهوا بصفات الإمام إلى النبوة حيث قال:[ لكنهم انتهوا بالإمام إلى صفة النبوة وربما زادوا وربما نقصوا ، وهم الذين يوجبون الحاجة إلى الإمام من حيث لا يتم التكليف ولا حال المكلفين إلا به] فأجاب بأنه أشركوا الإمام مع النبي من حيث وجوب وجوده والأدلة على ذلك لا من حيث صفاته فقال:[ فظن بعيد، لأن من أوجب الحاجة إلى الإمام من حيث لا يتم التكليف إلا به لم يجعله نبيا، ولا بلغ به إلى صفة النبوة ، وليس من حيث شارك الإمام النبي في الحاجة إليه من هذا الوجه يكون نبيا] الشافي(1/39) .
5- وقال محسن الخرازي في (بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية) جزء2 ص40:[وكيف كان فالكلام في متعلق العصمة ايضاً واضح بعدما عرفت من وحدة الدليل في باب النبوة والإمامة]،وقال (2/25):[أن النبوة والإمامة كليهما مما يقتضيهما كماله المطلق ورحيميته المطلقة وإلا لزم الخلف في كونه كمالاً مطلقاً كما لا يخفى، وأما بناء على التقريب الكلامي فتقريبه كالتقريب الذي مضى في النبوة ] .

(1/79)


6-قال السيد محمد مهدي الخرسان محقق كتاب الألفين للعلامة الحلي ص125: [ ولو جاز إهمال نصب الإمام مع حسنه بل مع كونه أحسن لجاز إهمال بعثة النبي ، فإن بعثة الأنبياء ما كانت إلا من ناحية الرأفة والرحمة واللطف والعلة واحدة في الجميع ، فكيف يصح استعمالها في النبي وإهمالها في الإمام مع أن الحاجة من البشر واحدة والداعي من قبله عز شأنه واحد] .
7- قال الشيخ محمد حسن آل ياسين ص22:[وهكذا يكون كل ما دل على ضرورة النبوة ووجوبها صالحاً للاستدلال به على وجوب الإمامة](1)، وقال ص23:[ ولذا رأت الشيعة أن الإمامة واجبة وجوب النبوة، ضرورية ضرورتها].
8- يقول علامتهم إبراهيم الأميني تحت عنوان(النبوة العامة):[تنسحب البراهين والأدلة العقلية التي تثبت وجوب النبوة على الله عزوجل على الإمامة في غياب الأنبياء والرسل، فلا بد من وجود فرد معصوم اختاره الله واصطفاه لعباده لإقامة الدين وتطبيق الشريعة في حياة الناس، ومن هنا فإن بحث مسألة النبوة العامة أمر ضروري للتمهيد من أجل بحث الإمامة في ضوء العقل](2).
9-يقول آيتهم وشيخهم محمد باقر الحكيم مثبتاً ضرورة الامامة بالعقل تحت عنوان (دليل قياس الإمامة للنبوة في الضرورة) :[إن جميع الأدلة التي يمكن الاستدلال بها عقلاًً على ضرورة النبوة يمكن الإستدلال بها عقلاً على ضرورة الإمامة، لأن الإمام كالنبي من حيث المسؤوليات والمهمات، وما دام الإمام كذلك فالدليل على ضرورة النبوة عقلاً هو الدليل على ضرورة الإمامة](3).
10-يقول السيد عبدالله شبر :[ والذي عليه الفرقة المحقة والطائفة الحقة أنه يجب على الله تعالى نصب الإمام في كل زمان عقلاً ونقلاً، أما العقل فوجوه:
__________
(1) كتاب (الإمامة) للشيخ محمد حسن آل ياسين.
(2) دراسة عامة في الإمامة لعلامتهم إبراهيم الأميني ص93.
(3) الإمامة وأهل البيت النظرية والإستدلال- السيد محمد باقر الحكيم ص112.

(1/80)


الأول: إن ما ذكر في بيان الاضطرار إلى الرسل فهو بعينه جارٍ في الإضطرار إلى أوصيائهم وخلفائهم، لأن الاحتياج إليهم غير مختص بوقت دون آخر وفي حالة دون أخرى، ولا يكفي بقاء الكتب والشرائع من دون قيِّم لها عالم بها](1).
11-قال العلامة الحلي:[ واعلم : أن كل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الإمامة ، إذ الإمامة خلافة عن النبوة قائمة مقامها ، إلا في تلقي الوحي الإلهي بلا واسطة ، وكما أن تلك واجبة على الله تعالى في الحكمة هكذا هذه](2) .

الثانية:

في مقام الحوار والمناظرة فإن كل دليل استخدمه الشيعة على وجوب استمرار الإمامة سيستخدمه القادياني على وجوب استمرار النبوة،بمعنى أنه سيستخدم نفس أدلة الشيعة ضدهم في المناظرة ليثبت دعواه وليضعهم في موقف حرج لا يحسدون عليه بوجوب اختيار أحد أمرين لا يمكن الجمع بينهما ولا ثالث لهما وهو إما أن يُسَلِّموا للقاديانية بصحة ما ذهبوا إليه وعندها سيخسرون المناظرة لتكون الغلبة للقاديانيين، أو أن يتخلّوا عن أدلتهم ويعلنوا بطلانها،لأن القادياني اعتمدها بنصها وقلبها عليهم.
__________
(1) حق اليقين في معرفة أصول الدين – السيد عبدالله شبر ج1 ص183.
(2) النافع يوم الحشر - العلامة الحلي ص 95.

(1/81)


ففي ضوء هاتين النتيجتين واتفاقهم على أصل القضية(1) سيسير الحوار، ولنعرض بعد هذه الإشارة والتمهيد المناظرة والحوار:

القادياني:
__________
(1) قد يقول البعض أن القادياني متطفل اقتات على نتاج عقول الإمامية التي أنتجت أدلة تثبت معتقدهم في الإمامة ومن ثم اقتبسها واستخدمها في اثبات معتقده في النبوة – وهذا التصور قد يتولّد بسبب سوقي للحوار بهذه الصورة في اعتماد القادياني على أدلة الشيعي – إلا أن الحق بخلافه لأن الشيعة باعتراف علمائهم اعتمدوا على أدلة وجوب الحاجة إلى النبوة التي ساقها علماء الإسلام في كتبهم العقائدية والكلامية،ومن ثم استخدموها لإثبات معتقدهم – كما ذكرنا اعتمادهم باعتراف علمائهم في الحقيقة الأولى – وبالتالي يكون الشيعة هم المتطفلون على غيرهم في اقتباس أدلتهم واستخدامها،أي أن الأصل في الأدلة أنها صيغت للنبوة مما يجعل القاديانية ومعتقدهم الضال هم الأصل في الباب ثم تطفَّل عليها الشيعة واقتبسوها منهم لدعم دعواهم في الإمامة،فالشيعة هم المقتبسون التابعون والقاديانية – مع كفرهم وضلالهم – هم المتبوعون.

(1/82)


ان العقل يحكم بوجوب استمرار النبوة ووجود نبي في كل زمان إلى قيام الساعة (1)
__________
(1) هذا الاستدلال للقادياني يستطيع ان يلزم به الامامي لانه اشترك معه بنفس الاصل وهو الاعتداد والاعتماد على الدليل العقلي سواء وافقه الشرع ام لا، اما اهل السنة فلا يرد عليهم هذا? الالزام لانهم جعلوا المرجع والتحاكم الى الشرع فمهما يقرر العقل فلا يعتد به ما لم يؤيده دليل من الشرع، وعندما تأتي الشريعة بأمر يسقطون الاعتراضات والافتراضات التي يفرضها العقل مثل (كيف وليت ولولا ولِمَ) لانه عاجز عن ادراك الحكمة في كل امر، فيقول ابن القيم حول هذا الموضوع في (مختصر الصواعق المرسلة) ص87:[كما قال بعض اهل الايمان يكفيك من العقل ان يعرفك صدق الرسول ومعاني كلامه ثم يخلي بينك وبينه، وقال آخر: العقل سلطان ولى الرسول ثم عزل نفسه] وقال ص88:[لان العقل قد شهد للشرع والوحي بانه اعلم منه وانه لا نسبة له اليه وان نسبة علومه ومعارفه إلى الوحي اقل من خردلة بالاضافة الى جبل… وقال: ان الشرع مأخوذ عن الله بواسطة الرسولين الملك والبشر بينه وبين عباده، مؤيداً بشهادة الآيات وظهور البراهين على ما يوجبه العقل ويقتضيه تارة ويستحسنه تارة ويجوزه تارة ويضعف عن دركه تارة فلا سبيل له الى الاحاطة به ولابد من التسليم والانقياد لحكمهِ والاذعان والقبول، وهناك تسقط (لِمَ) وتبطل (كيف) وتزول (هلاّ) وتذهب (لو، وليت) في الريح، لان اعتراض المعترض عليد مردود، واقتراح المقترح ما ظن انه اولى منه سفه، وجملة الشريعة مشتملة على انواع الحكمة علماً وعملاً، حتى لو جمعت حِكَم جميع الامم ونُسِبت اليها لم تكن لها اليها نسبة، وهي متضمنة لأعلى المطالب بأقرب الطرق واتم البيان…] لذلك استراح اهل السنة من الصداع وضياع الوقت في مجادلة هؤلاء القاديانيين الكفار، ولم نسترسل معهم ببيان العلة والمناقشة العقلية، بل نقول ان قولكم باطل بقوله تعالى {ما كان محمدٌ أبا احدٌ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} وبقوله - صلى الله عليه وسلم - ((انه سيكون في امتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم انه نبي وانا خاتم النبيين لا نبي بعدي)) ولا نتجاوز هذا النص ونخوض بعقولنا لِمَ ختمت النبوة وكيف وهلاّ، كما فعل الحائرون المضطربون لانه سبحانه {لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون} فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به، وكما قيل:
قَعَدَ النقل سالماً من منافٍ ... واسترحنا من الصداع جميعا

(1/83)


.
الشيعي:
ما دليلك على ان العقل يحكم بوجوب استمرار النبوة؟

القادياني:
... هناك ثلاثة أدلة أُثبت بها وجوب استمرار النبوة ولن تستطيع ردها لأنها مؤيدة بأقوال علمائك الذين يثبتون أصل المعنى نفسه الذي نبني عليه قولنا.

الشيعي:
اذكرها لي.
القادياني:
الدليل الأول

قد ثبت بلا خلاف أن بعثة الأنبياء رحمة من الله تعالى بالعباد لهدايتهم، فقد قال تعالى: { وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين } الأنبياء (107) ، وكذلك ذكر سبحانه تفضله ومَنِّهِ على المؤمنين ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: { لقد منَّ الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولاً من انفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين } آل عمران (164) ، وقال تعالى حاكياً عن موسى - صلى الله عليه وسلم - قوله { واذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء… } المائدة (20).
وعليه يكون بعث الأنبياء لطفاً ورحمة لغرض هداية الناس إلى الحق .. وهذا أمر لم ننفرد به نحن بل وافقنا عليه علماؤكم الذين صرحوا بوجوب بعث الأنبياء، وإليك نص كلام من صرح بذلك:

(1/84)


1-قال علامتهم محمد رضا المظفر:[ ولأجل هذا يعسر على الإنسان المتمدن المثقف،فضلاً عن الوحشي الجاهل،أن يصل بنفسه إلى جميع طرق الخير والصلاح ومعرفة جميع ما ينفعه ويضره في دنياه وآخرته فيما يتعلق بخاصة نفسه أو بمجتمعه ومحيطه مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه ممن هو على شاكلته وتكاشف معهم،ومهما أقام ـ بالاشتراك معهم ـ المؤتمرات والمجالس والاستبشارات، فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمةً لهم ولطفاً بهم { َ رسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } (الجمعة:2)،وينذرهم عما فيه صلاحهم وسعادتهم، وإنما كان اللطف من الله تعالى واجباً ، فلأن اللطف بالعباد من كماله المطلق وهو اللطيف بعباده الجواد الكريم،فإذا كان المحل قابلاً ومستعداً لفيض الجود واللطف فإنه تعالى لا بد أن يفيض لطفه،إذ لا بخل في ساحة رحمته ولا نقص في جوده وكرمه] (1).
2- قال آيتهم العظمى مكارم الشيرازي في كتابه(دروس في العقائد الإسلامية) ص134عن وجوب بعثة الأنبياء:[ فهل الله الذي لا يغفل عن حاجات الانسان الدقيقة هذه يمكن أن يحرم الإنسان من هاد وقائد موثوق به ومعصوم من الخطأ ويأتمر بأوامر الله ووحيه؟ يقول الفيلسوف المعروف بابن سينا في كتابه(الشفاء) المشهور:( لا شك أن حاجة الإنسان إلى إرسال الأنبياء إليهم لبقاء النوع وبلوغ الكمالات أشد ضرورةً من نمو الأهداب والحواجب وتقعر باطن القدم وأمثالها،وذلك لأنه ليس من الممكن أن يوجب الله سبحانه وتعالى تلك الأمور ولا يوجب هذا الأمر؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!
3- قال علامتهم الحلي ص 138:[ اعلم يا ولدي أن وجود النبي لطف عظيم ورحمة تامة].
__________
(1) عقائد الإمامية لعلامتهم وحجتهم محمد رضا المظفر ص86.

(1/85)


فإذا ثبت أن بعثة الأنبياء واجبة لأنها رحمة من الله تعالى ونعمة باعتراف علمائكم فقولكم بختمها وانقطاعها باطل لتضمنه الطعن بالله تعالى(1)
__________
(1) فمن أقوال القاديانية التي تضمنت هذا المعنى، وقد نقلنا معظمها من كتاب (القاديانية والاستعمار الإنكليزي) لمؤلفه عبد الله سلوم السامرائي ما يلي:-
أ- يعتبر القرآن النبوة رحمة، فموسى - عليه السلام - يخاطب شعبه قائلاً {اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا} فاذا كانت النبوة رحمة من الله تعالى وكذلك ثبت ان لا تبديل في سنة الله، فكيف يجوز لأي احد ان يزعم عقلاً او نقلاً عدم مجيء نبي أو رسول عند الحاجة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -…. لا يمكن ان نفهم كيف يظنون ذلك ويقعون في هذا الخطأ مع انهم يعتقدون ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين. [مجلة اخبار الفضل المجلد 120 العدد 133 في 8/5/1934].
ب-وقد زعموا –أي المسلمون- ان خزائن الله قد نفذت وما زعمهم هذا إلا لانهم لم يقدروا الله حق قدره وإلا فاني اقول انه لا يأتي نبي واحد فقط بل يأتي ألوف من الأنبياء [انوار خلافت لميرزا بشير الدين محمود احمد ص62].
ج-ان من نعم الله ان يجيء الأنبياء وان لا تتقطع سلسلتهم وهذا قانون الله لا تستطيعون ان تجابهوه. [الميرزا غلام احمد: من خطاب سيكلوت ص22]. ?
د-نحن –أي القاديانية- نعتقد بأن الله لا يزال يرسل الأنبياء لاصلاح هذه الامة وهدايتها على حسب الضرورة. [مجلة الفضل في 14/مايس/1925].
هـ-مذهبنا ان الدين الذي انقطعت فيه سلسلة النبوة ليس بدين حي، ونقول للاديان الاخرى انها ليست حية لاجل انه لم تبق فيها سلسلة النبوة مثل اليهودية والمسيحية والهندوكية، فاذا كان حال الاسلام كذلك لا يكن هناك فرق بين الاسلام والديانات الاخرى… [محمود احمد بن الميرزا (حقيقة الوحي) ص272].

و-هل يمكن ان يجيء الأنبياء في المستقبل؟ نعم يجيء الأنبياء والى يوم القيامة لانه ما دام الفساد باقي في الدنيا لابد وان يجيء الأنبياء. [الخليفة الثاني: انوار الخلافة ص62].
ز-ان القول بختم النبوة واغلاق بابها يستلزم انقطاع الفيوضات وفيه شؤم ونحس وقسط من منصب النبي، وكذلك تكذيب قول الله {كنتم خير امة} لان اغلاق النبوة لا يتلائم وخير الامة بل الامة بعد انقطاع النبوة تصبح شرامة، وكذلك تنخفض درجة النبي - صلى الله عليه وسلم - من درجة موسى - عليه السلام - لان الله بعث مئات الأنبياء بعد موسى، فكأن الله يكره امة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يتكلم معهم لان المحبة تستلزم المكالمة والمخاطبة. [ميرزا غلام احمد (رسالة ختم النبوة) ص6].

(1/86)


، وبيانه بأن نقول لكم هل تقولون أن سبب ختمها هو لنفاد خزائن الله تعالى من هذه الرحمة فلم يعطها للعباد بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟!
فإن قلتم كلا لم تنفد خزائن الله تعالى من هذه الرحمة بل عنده منها أضعافاً مضاعفة لأن القول بنفاد خزائنه سبحانه كفر بواح مخالف لقوله تعالى:
{ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } (الكهف:109).

فنقول لكم لماذا إذاً خصّها سبحانه ببعض العباد - الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - - وحرم الآخرين منها ممن جاؤوا بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة مع ثبوت حاجة الجميع لهذا اللطف والرحمة؟! في الوقت الذي صرح فيه علماؤكم بأن تخصيص بعض الناس باللطف والرحمة وحرمان الآخرين منها مع حاجة الجميع إليها، يتنافى مع عدل الله تعالى ورحمته بجميع عباده.
الشيعي:
ما هو الدليل على أن علماءنا منعوا تخصيص اللطف والرحمة ببعض المكلفين وحرمان الآخرين منها ؟!

القادياني
إن بطلان تخصيص اللطف والرحمة ببعض المكلفين وحرمان الآخرين منها يعتبر أمراً مُسَلَّماً به عند علمائك حتى أنهم جعلوه من البديهيات العقلية التي اعتمدوها كدليل عقلي لإثبات معتقدهم في الإمامة بوجوب وجود إمام معصوم في كل زمان وإلى قيام الساعة فقالوا بأن عدم وجود هذا الإمام المعصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلزم تخصيص بعض الناس بالرحمة وحرمان الآخرين منها وهذا ينافي عدله ورحمته لجميع عباده في كل عصر ووقت ،فمن أقوال علمائك الذين اعتمدوا على هذه المُسَلَّمة العقلية ما يلي:

(1/87)


1- يذكر علامتهم ابن المطهر الحلي عدة أقوال أثبت فيها هذه المُسَلَّمة واعتمد عليها في الإمامة فمن أقواله(1) :

أ- ص396: [اما بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - فيحتاج الى الامام لانه هو القائم مقامه، واللطف عام لكل الازمان والاشخاص، لانه تعالى عام الفيض والجود والكرم، ولا يخص عنايته تعالى بأمة دون امة ولا بأهل عصر دون عصر].
ب- ص397: [والحكمة والرحمة تقتضيان نصب نائب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل كفعله ويقوم مقامه فيما ذكرناه من الله تعالى وإلا لم يتم الغرض من بعثة النبي لأن رحمته لا تختص بأهل عصر دون عصر].
ج- ص394: [فينبغي ان يكون للامام هذه الكرامة التي للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا لزم تخصيص بعض الامة باللطف الحاصل من النبي دون بعض وهو ترجيح بلا مرجح وهو باطل].
د- ص125-126: [ان هذه المنافع وهذه الشفقة وهو دعاء الرسول بلين وعفوة واستغفاره امر عظيم ورحمة تامة لا يجوز تخصيص البعض بها دون البعض، فيجب ذلك في كل عصر، ويستحيل من الرسول لانه خاتم الانبياء فلا يأتي نبي غيره ولم يحصل البقاء له في الدنيا، فلابد من قائم مقامه متيقن متابعته له في افعاله (ع) وليس ذلك إلا المعصوم فيجب في كل عصر]، قال محقق الكتاب على هذا الكلام:[فلابد من المصلح الناطق في كل زمان لان الخلق كلهم شرع سواء في العطف واللطف والشفقة والرحمة من الخلاق اللطيف فكيف يخص زمناً وجيلاً دون الازمنة والاجيال الاخرى بعطفه ولطفه وهو اللطيف الرحيم في كل عهد ومع كل جيل].
__________
(1) نقلنا أقواله من كتابه حول الإمامة (الألفين) الذي أراد أن يورد فيه ألفي دليل على صحة معتقدهم في الإمامة،بتحقيق السيد محمد مهدي الخرسان.

(1/88)


هـ- ص 416 : السادس : قوله تعالى : ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ) أقول ذكر ذلك مدحا لمن يقتل في سبيل الله أو يموت في سبيل الله وهذا المدح لا يختص بأهل زمان النبي بل هي عامة لكل الأزمان التي فيها إمام فإن هذا لطف عظيم في حق المكلف فلا يختص بأهل زمان دون زمان وأيضا الاجماع من المسلمين على عمومها للأزمان التي فيها إمام وذلك الإمام هو الآمر بالقتال الذي إذا قتل فيه المؤمن كان في سبيل الله ولا يتحقق ذلك إلا مع عصمة الإمام فإن غير المعصوم لا يؤمن على سفك الدماء ولا على قتل النفس .
و- ص 382 :[الثالثة:إن اختلاف الآراء وتضاد الشهوات واستهانة الجهال بالشريعة يقتضي اختلال نظام النوع إذا تقرر ذلك فنقول الآية تقتضي أنه لا بد من نصب رئيس واحد يأمر الكل وينهاهم ويحملهم على ذلك وإلا لزم وقوع أحد الأمرين أما وقوع الهرج والمرج واختلال نظام النوع إذ كل واحد يقول إن أمري هو المعروف ونهيي هو المنكر لأن كل واقعة مهمة فيها حكم وليس كل الأحكام معلومة للكل وجعل الاجتهاد من أي من اتفق مناطا يؤدي إلى وقوع الفتن واختلال نظام النوع ونقض الغرض من التكليف وأما زوال التكليف أو عمومه في أحد ما ذكرنا وهو باطل بالاجماع ولا بد أن يكون ذلك الرئيس لا يجوز عليه الخطأ وأن يعمل منكرا أو يترك معروفا وإلا لاحتاج إلى إمام آخر وتسلسل ووقع الهرج واختلال نظام النوع ولا بد منه في كل زمان لأن تخصيص بعض الناس في بعض الأوقات بالمعصوم دون بعض ترجيح من غير مرجح وذلك هو الإمام فظهر أن الإمام معصوم ويجب في كل زمان]

(1/89)


ز- قال ص 332-333 :[ فنقول : قد ثبت في علم الأصول إن لله تعالى في كل واقعة حكما واحدا وقد ثبت من هذه الآية أنه لا بد من طريق للمكلف إلى العلم بذلك الحكم يجعله الله تعالى وينصبه وذلك الدليل قد بينا أنه إما المعصوم أو غيره مثل الالهام والتواتر والإجماع والله تعالى قادر على أن يفعل ذلك لكن الثاني لم يتحقق في كل مكلف في كل واقعة من أول بعثة الأنبياء إلى آخره فهو خلاف جرى العادة فتعين الأول وإلا لكان الله تعالى مخلا بالواجب وناقضا لغرضه تعالى عن ذلك علوا كبيرا فتعين المعصوم فنقول تخصيصه ببعض الأزمان وببعض المكلفين ترجيح بلا مرجح فلا بد في كل زمان من معصوم واجب العصمة يكون قوله سندا للأحكام الشرعية ودليلا برهانيا قاطعا عليها يفيد العلم وذلك هو الإمام وهو المطلوب] .
ك-قال ص 138:[ اعلم يا ولدي أن وجود النبي لطف عظيم ورحمة تامة لا يعرفها أهل الدنيا ورحمة الله واسعة لا تختص بزمان دون زمان ولا بأهل عصر دون عصر آخر ولا يحصل البقاء السرمدي للبشر في دار الدنيا ، فلا بد من وجود شخص قائم مقامه في كل عصر ولهذا قرن تعالى في : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) طاعته بطاعته فعليك بالتمسك بولاية الأئمة الاثني عشر فإنها الصراط المستقيم والدين القويم، هذه وصيتي إليك والله خليفتي عليك ، ثم تولى عني ماشيا فوددت لو قبضت نفسي ولم تفارقه لكن الحكم لله الواحد القهار .

(1/90)


ل-قال ص 336-337:[ التاسع والعشرون : فائدة الخليفة تكميل قوى العلم والعمل لسائر الخلائق وتكميل كل مستعد على قدر استعداده ولما كانت مراتب الناس في الاستعداد متفاوتة في الكمال والنقصان وجب أن يكون المكمل الموصل كل مستعد إلى أقصى نهاية كماله كاملا في القوتين العملية والعلمية أصلا في الكمال إلى أقصى نهاية الكمال البشري ولا يتحقق ذلك مع غير العصمة فوجب أن يكون معصوما وهذا المعنى الموجب مشترك في كل خليفة لله تعالى في أرضه فيجب عموم الحكم لعموم العلة وهذا مقتضي الحكمة الإلهية والخليفة كما يقال على النبي صلى الله عليه وآله يقال على الإمام عليه السلام ولأن النبي لا يعم في كل عصر وهو ظاهر فلو اختص ذلك بالنبي لاختص باللطف بعض الأمة لكن رحمة الله عامة شاملة للكل وعنايته في حق أهل كل عصر وجب الإمام ].
م-قال ص 450:[ العشرون : قال الله تعالى : ( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا ) اعلم أن هذه الآية تدل على أن الاهلاك للفاسقين بذنوبهم إنما هو بعد أن تجيئهم البينات - أي الأمور المفيدة للعلم والرسل إنما يركبون الحجة بعد تبليغ ما يفيد العلم وهذا عام في كل الأزمان وإلا لمنعت بعض الأمة من اللطف هذا خلف ومع عدم إمام معصوم لا يحصل ما يفيد العلم لأن ظواهر القرآن والأحاديث لا تفيد العلم فلا بد من إمام معصوم في كل الأوقات وهو المطلوب].

(1/91)


ن- ص293-294: [قوله تعالى {واضرب لهم مثلاً اصحاب القرية اذ جاءها المرسلون اذ ارسلنا اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا} الآية، وجه الاستدلال يتوقف على مقدمات، احداها: إن رحمة الله متساوية بل على أمة محمد - عليه السلام - أولى، الثانية:امة محمد - صلى الله عليه وسلم - اشرف من سائر الأمم لقوله تعالى {كنتم خير امة اخرجت للناس}، الثالثة: ان لطف الامامة كلطف النبوة، اذا تقرر ذلك فنقول: لَطَفَ الله في حق الامة الذين كذبوا وانكروا الرسالة عليهم بعد التكذيب، ولا لطف اعظم من طريق مفيد للعلم بطريق الآخرة وتحصيل السعادة الابدية والدلالة على الاحكام الشرعية وحفظها بمعصوم، فهل يتلطف الله بالكفار ولا ينصب لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من بينهم ويخبرهم فمن يفيد قوله اليقين وهم اشرف الامم وعناية الله تعالى بهم اتم، هذا لا يتصور] (1) .
__________
(1) قارن قول الحلي هذا واستدلاله على وجوب وجود معصوم مع استدلال القادياني على وجوب استمرار النبوة حيث قال:[ ان القول بختم النبوة واغلاق بابها يستلزم انقطاع الفيوضات وفيه شؤم ونحس وقسط من منصب النبي وغزّه، وكذلك تكذيب قوله الله {كنتم خير امة} لان اغلاق النبوة لا يتلائم وخير الامة بل الامة بعد انقطاع النبوة تصبح شرامة، وكذلك تنخفض درجة النبي - صلى الله عليه وسلم - من درجة موسى - عليه السلام - لان الله بعث مئات الأنبياء بعد موسى، فكأن الله يكره امة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يتكلم معهم لان المحبة تستلزم المكالمة والمخاطبة. [ميرزا غلام احمد (رسالة ختم النبوة) ص6] عندها ستعرف الشبه الكبير في الاستدلال وانهما دعوتان تنبتان من اصل واحد تخرجان من مشكاة واحدة .

(1/92)


2-ذكر العالم علي بن موسى ين جعفر بن طاووس في كتاب (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف) ص10 [ونعتقد ان رسله – عليهم السلام - معصومون من الخطأ والزلل مأمون منهم وقوع السهو والخطأ بحيث تحصل الثقة بما يقولونه انه منه، ولا يقع شك فيما يذكرونه عنه، وانه ما قبض رسولاً حتى امره ان يوصي الى من يقوم مقامه في أمته وفيما يجب له في حفظ كتابه وشريعته، وان القائم مقامه على صفات نبيه في العصمة، وكلما يجب له يجب للنائب من صفات الكمال ليوثق به في كل ما يتركه او يفعله ويقتدي به فيه وفي سائر الأحوال، لان الله علم ان الخطأ جائز على رعيته فلابد من يقوم مقام نبيه، فلم يكن لهم بدٌ من معصوم يرجعون اليه ويحتج به عليهم ويكون تماماً للاحسان إليهم، وهذا واجب في عدل الله وحكمته وجوده وكرمه ورحمته وهو من تمام التكليف ومن صفات المالك الرحيم اللطيف، وكيف يريد سبحانه منا مثل مراده من صحابة نبيه ويجعل لهم كتاباً ونبياً حافظاً للكتاب والشريعة ومبيناً لهما ويقتصر بنا على الكتاب وحده ... فيقتضي العدل والانصاف أن يكون لنا مع الكتاب المجيد خليفة للنبي يقوم مقامه ويحفظ كتابه وشريعته واحكامه…] وكلامه متضمن للمعنى والعلة التي ذكرناها وهي كيف يخص جيل الصحابة بالرحمة واللطف والنبوة ويحرم باقي المكلفين منها مع حاجة الجميع إليها.
3-قال محسن الخرازي في كتابه(بداية المعارف الإلهية) (1/233):[ في عمومية مقتضى البرهان:إذ برهان اللطف سواء كان بمعناه الفلسفي أو الكلامي، يقتضي لزوم إتمام الحجة على الناس وإرشادهم وتزكيتهم في جميع الأدوار والأمكنة، ولذا نعلم بأن ذلك لا يختص بمناطق الحجاز والشامات والعراق وإيران ونظائرها، إذ التكليف أو الغرض وهو نيل الإنسان إلى كماله اللائق به والسعادة في الدارين، لا يختص بقوم دون قوم بل كلٌ مكلفون ومنذرون].

(1/93)


4-يقول الشيخ محمد اليعقوبي:[ ان لطف الله بعباده دائم ولا يختص بقومٍ دون قوم](1)
وبهذا يتبين أن العلة التي أوجبنا لأجلها استمرار النبوة وهي عدم تخصيص بعض الناس باللطف والرحمة في زمان وحرمان الآخرين في باقي الأزمنة منها مع حاجة الجميع إليها قد أثبتها علماؤكم وبَنَوا عليها استدلالهم بوجوب وجود معصوم في كل زمان فإن كانت هذه العلة صحيحة ومعتبرة عندك فهي دليلنا على وجوب استمرار النبوة، ولن تستطيع ردها لأن علماءكم اعتمدوها في استدلالهم، وإن كانت باطلة فدلالتها على بطلان قولك في الإمامة أولى من دلالتها على بطلان قولي في النبوة، وبهذا تبين لجميع العقلاء أنك لن تستطيع رد الدليل الاول العقلي لأن في رده نقض لقولك بوجوب وجود إمام معصوم(2) ، والآن انتقل معك إلى الدليل الثاني على قولي باستمرار النبوة إلى قيام الساعة.

الدليل الثاني

القادياني:
لقد اعترف علماؤك ايها الامامي بأن العقل والحكمة توجبان وجود نبي في كل عصر، منهم ابن بابويه القمي والمفيد والطوسي والحلي، ولكن معارضة الشرع لهذا الدليل العقلي منعتهم من القول به، وهذا اعتراف صريح منهم بأن العقل يحكم بوجوب وجود نبي في كل زمان.

الشيعي:
أين أثبتوا هذا الوجوب العقلي؟

القادياني:
في مواضع متعددة وبألفاظ صريحة إليك بيانها:

1-ذكر ابن بابويه في (إكمال الدين واتمام النعمة) أقوال عديدة منها:-
__________
(1) شكوى القرآن- الشيخ محمد اليعقوبي ص73.
(2) كما ذكرت سابقاً بأن موقف الإمامي ضعيف جداً أمام القادياني لأنه إما أن يُسَلِّم له بصحة دعوته أو يعترف ببطلان الأدلة التي اعتمدها القادياني وهذا يتضمن الاعتراف ببطلان أدلته هو على الإمامة ليقدم خدمةً كبيرةً لأهل السنة في مجال الحوار العقائدي حول الإمامة.

(1/94)


أ-قال ص4: [ومن زعم ان الدنيا تخلو ساعة من إمام لزمه ان يصحح مذهب البراهمة في ابطالهم الرسالة، ولولا ان القرآن نزل بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم الانبياء لوجب كون رسول في كل وقت، فلما صح ذلك ارتفع معنى الرسول بعده].
ب-قال ص664: [ثم انه عز وجل قطع بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - الرسل وجعل لنا هداة من أهل بيته…..ولولا ذلك ما كانت الحكمة توجب إلا بعثة الرسل (ع) الى انقطاع التكليف عنا].
ج-قال ص660: [وبعد فلولا الكتاب المنزل وما خبرنا الله تعالى على لسان نبينا المرسل - صلى الله عليه وسلم - وما اجتمعت عليه الأمة من النقل
عنه - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الموافق للكتاب انه لا نبي بعده لكان الواجب اللازم في الحكمة انه لا يجوز ان تخلو العباد من رسول منذر ما دام التكليف لازماً لهم وان تكون الرسل متواترة إليهم…..فعلل العباد مع التكليف لا تنزاح إلا برسول منذر مبعوث إليهم يقيم اودهم ويخبرهم بمصالح أمورهم ديناً ودنيا وينصف مظلومهم من ظالمهم ويأخذ حق ضعيفهم من قويهم، وحجة لا تلزمهم إلا بذلك، فلما اخبر الله تعالى انه قد ختم رسله وأنبياءه بمحمد - صلى الله عليه وسلم - سلمنا لذلك وايقنا انه لا رسول بعده، لابد لنا ممن يقوم مقامه وتلزمنا حجة الله تعالى به وتنزاح علتنا].

(1/95)


د-ان ابن بابويه الملقب بالصدوق في معرض رده على المعتزلة ونقض قولهم وشبهتهم، تحاكم معهم الى العقل الذي يعتمده المعتزلة ويقدموه على النقل، فذكر لهم ما نحن بصدده، وهو لماذا لم يبعث الله تعالى نبياً في كل مكان وزمان الى قيام الساعة؟!! فان العقل يستحقه ويحكم بوجوبه لحاجة الخلق إليه، ليلقم المعتزلة حجراً، فقال ص63 بنفس الكتاب: [ونقلب هذا الكلام على المعتزلة فيُقال لهم لِمَ لَمْ يبعث الله عز وجل بأضعاف من بعث من الأنبياء؟!! ولِمَ يبعث الله عز وجل في كل قرية نبياً وفي كل عصر ودهر نبياً او انبياء إلى ان تقوم الساعة…؟!!]. وكأن لسان حاله يقول للمعتزلة يا من جعلتم العقل حاكماً ومرجعاً عند النزاع، وتوجبوا على الله تعالى ان يفعل ما يحكم به العقل ويستحسنه، فها هو العقل يحكم بوجوب بعثة الانبياء في كل مكان وزمان الى قيام الساعة، فلماذا لم يفعله الله تعالى؟! وفي كلامه هذا اثبات ما نحن بصدده، وهو ان العقل يحكم بوجوب وجود نبي في كل زمان الى قيام الساعة، وقد أثبته صراحة في كلامه هذا.

(1/96)


هـ- يؤكد الصدوق ايضاً اعتبار حكم العقل وان الله تعالى لا يأتي إلا بما يوافق ما تقرره العقول ويضرب لهذا مقال، وهو ان العقل يحكم بالحاجة إلى بعثة الأنبياء، ولو علم الله تعالى ان العقل يحكم بعدم الحاجة إلى الأنبياء لم يبعثهم ليطابق فعله تعالى بذلك ما تقرره العقول، فيقول في (اكمال الدين) ص4: [وذلك لان الله تعالى تقدس ذكره لا يدعوا الى سبب إلا بعد ان يصوّر في العقل حقائقه، واذا لم يصور ذلك لم تتسق الدعوة ولم تثبت الحجة، وذلك ان الأشياء تألف اشكالها وتنبوا عن اضدادها، فلو كان في العقل إنكار الرسل لما بعث الله عز وجل نبياً قط، مثال ذلك الطبيب يعالج المريض بما يوافق طباعه ولو عالجه بدواء يخالف طباعه أدى ذلك إلى تلفه، فثبت ان الله احكم الحاكمين لا يدعوا إلى سبب إلا وله في العقول صورة ثابتة]. وحاصل كلامه ان العقول تحكم بوجوب بعثة الأنبياء والحاجة إليها، وهذا يثبت قولنا ويؤكده.
2-ان الشيخ المفيد قد أيَّد ما ذكرناه بأن العقل لا يمنع من بعثة الأنبياء بعد
نبينا - صلى الله عليه وسلم - بل الذي يمنع من ذلك هو الشرع، فقال في (اوائل المقالات) باب (القول في الإيحاء إلى الائمة وظهور الأعلام عليهم والمعجزات) ص80-81: [والاتفاق على انه من يزعم ان احداً بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - يُوحى اليه فقد اخطأ وكفر ولحصول العلم بذلك من دين النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما ان العقل لم يمنع من بعثة نبي بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - ونسخ شرعه منا نسخ ما قبله من شرائع الأنبياء وإنما منع ذلك الإجماع والعلم بأنه خلاف دين الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جهة اليقين وما يقارب الاضطرار والامامية جميعاً على ما ذكرت ليس بينها فيه على ما وصفت خلاف]. وهذا اعتراف منه أن العقل لا يمنع من بعثة الأنبياء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يؤيد ما أثبتناه من حكم العقل باستمرار النبوة.

(1/97)


3-صرح علامتهم وفيلسوفهم النصير الطوسي في كتابه تجريد الاعتقاد بأن البعثة واجبة في كل وقت فقال:[ المسألة السادسة : في وجوب البعثة في كل وقت قال : ودليل الوجوب يعطي العمومية] وهذا تأييد ما بعده تأييد لقولي بوجوب النبوة في كل وقت من علامتكم ثم جاء بعده علامتكم الحلي ليشرح لنا كلام الطوسي بتعثر وغموض ليخرج منه مؤيداً قوله ليمدنا بسلاح قوي لا يمكنك الانفكاك عنه فقال:[ وقال علماء الإمامية : إنه تجب البعثة في كل وقت .. واستدل المصنف رحمه الله على وجوب البعثة في كل وقت بأن دليل الوجوب يعطي العمومية ، أي دليل وجوب البعثة يعطي عمومية الوجوب في كل وقت ، لأن في بعثته زجرا عن القبائح وحثا على الطاعة فتكون لطفا .. فتكون واجبة في كل وقت ] (1).
فإذا ثبت باعتراف علمائك أن الدليل العقلي يحكم بوجوب وجود نبي في كل عصر، فأنا ألزمك بهذا الدليل العقلي الذي جعلته معتبراً عندك بل ومرجعاً عند الاختلاف حيث قدمته على النقل وأولت النقل ليوافقه إن كان له تأويل سائغ وأما إن لم يكن لهذا النقل تأويل سائغ طرحته ليبقى الدليل العقلي هو المعتبر وفيه الحجة (2).

الشيعي:
أنا لا ألتزم بهذا الدليل العقلي بل أمنعه بالشرع -كما منعه علماؤنا- الذين صرحوا بختم النبوة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعدم استمرارها في قوله تعالى:
{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } (الأحزاب:40)
القادياني:
__________
(1) ينظر (كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد) ص381 لابن المطهر الحلي.
(2) كما تبين لنا في الأصلين الأول والثاني من الفصل السابق

(1/98)


ما دمت قد وافقتني على أن العقل يحكم بوجوب استمرار النبوة، فلا تهمني معارضة هذا النص له، لأن النص يمكن تأويله كما قررتم أنتم في أصولكم بأنه اذا تعارض العقل مع النقل يقدم العقل ويؤول النقل (1).

الشيعي:
وما هو تأويلك لقوله تعالى {…وخاتم النبيين}.

القادياني:
بالطبع ليس المراد ما تفهمه أنت وغيرك من هذه الآية، بل المقصود بـ(خاتم النبيين) أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو خاتم الأنبياء أي طابعهم، فكل نبي يظهر الآن بعده تكون نبوته مطبوعاً عليها بخاتم تصديقه(2)- صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) انظر الأصل الثاني في الفصل الرابع من هذه الدراسة.
(2) انظر المسألة القاديانية للمودودي ص4-5، بل وممكن أن الآية بتأويل آخر فيقول بأن الاية تشير إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء التشريعيين فلا يأتي بعده نبي بشريعة جديدة وهذا لا يتنافى مع دعوتنا بنبوة القادياني نبوة تبليغية!!! بناءا على ما ذكره بعض علماء الشيعة من تعريف للنبي التشريعي والتبليغي.

(1/99)


ولا يمكنك أيها الإمامي أن ترد تأويلي أو تمنعني عنه، وذلك لأنك قد أَوّلت أخطاء الأنبياء في القرآن، فليس تأويلك لهذه الأخطاء في القرآن مع صراحتها لتوافق ما قرره عقلك أولى وأصح من تأويلي لهذا النص ليتوافق مع ما قرره عقلي (من وجوب استمرار النبوة) مع العلم أني أوّلت آية واحدة، وأنت أوّلت آيات كثيرة من القرآن كانت أكثر صراحة(1)مما أولته أنا، فثبت قولي إذ لا يمكن التفريق بين التأويلين إلا بمحض الهوى والتحكم الذي يتنزه عنه العقلاء والمنصفون.

الدليل الثالث
القادياني:
قبل ذكر نص الدليل لا بد من بيان قضية مهمة جداً سبقت الإشارة إليها وهي أن الاتفاق حاصل بيننا وبينكم على الحاجة إلى مرشد إلهي بعد النبي وأن وجوده واجب على الله تعالى لهداية الخلق، وعدمه يتنافى مع عدل الله تعالى ورحمته، أي أن هناك تطابقاً تاماً بين النظريتين دون أدنى فرق بينهما (2).
__________
(1) وذلك لان الآيات قد صرحت بأخطاء الأنبياء وطلبهم المغفرة من الله تعالى على تلك الذنوب وان الله قد غفر لهم وعفا عنهم وتجاوز عنهم، ومن تتبعها وجدها تقرب عشرين آية او تزيد، فالقادياني لم يؤول سوى آية واحدة فقط، في حين كان تأويل الشيعي لأكثر من عشرين آية، ولمزيد من الاطلاع على تأويل الشيعة لتلك الآيات ينظر كتاب (تنزيه الأنبياء والائمة) للسيد المرتضى.
(2) ما عدا الفرق في تسمية هذا المرشد هل هو نبي أو إمام، وهذا سيتلاشى عندما يتعرض القادياني لهذا الاختلاف بينهم، ليثبت أن حقيقة هذا المرشد متفق عليها حتى من حيث صفاته وماهيته وليبقى الخلاف لفظياً فقط مع الاتفاق حتى على صفاته فترقب الحوار حول هذه النقطة فإنه ممتع.

(1/100)


وخير مثال يظهر به هذا التوافق والتطابق على وجود المرشد الإلهي هو أن آيتكم العظمى مكارم الشيرازي ساق العديد من الأدلة التي أثبت من خلالها الحاجة إلى ممثل إلهي مستخدماً هذا التعبير "ممثل إلهي" ليشمل كلاً من النبي والإمام، بمعنى أن الأدلة تصلح لإثبات الحاجة إلى نبي وإلى إمام فقال:[ ولسوف نثبت في بحوثنا التالية وجوب أن يكون في كل عصر وزمان ممثل إلهي نبي أو إمام معصوم] (1)، فانظر كيف رفع الخلاف بيننا وأزاله بلفظة ذكية شاملة لقولنا وقولكم على السواء سعياً منه للوحدة والاتفاق ونبذاً للفرقة والخلاف، فعبَّر بالممثل الإلهي ليبقيه عاماً ويبقي الباب مفتوحاً يستخدمه كل من يدَّعي الحاجة إلى النبوة والحاجة إلى الإمامة.
ومعنى هذا أن كل دليل ساقه علماؤك لدعم نظريتهم يصلح لإثبات قولي في النبوة، وهذه الحقيقة العلمية هي منطلقي في هذا الدليل لإثبات صحة قولي بالحاجة إلى المرشد الإلهي- نبي أو شبيه النبي – من خلال نصوص علمائك التي صرحوا بها بوجوب وجود هذا المرشد الإلهي وإن عدمه يتنافى مع عدل الله تعالى ورحمته، فممن قال بذلك:
__________
(1) دروس في العقائد الإسلامية لمكارم الشيرازي ص188، وممن استخدم لفظاً عاماً ينطبق على النبي والإمام علامتهم إبراهيم الأميني في كتابه(دراسة عامة في الإمامة) فقال ص93:[تنسحب البراهين والأدلة العقلية التي تثبت وجوب النبوة على الله عزوجل على الإمامة في غياب الأنبياء والرسل، فلا بد من وجود فرد معصوم اختاره الله واصطفاه لعباده لإقامة الدين وتطبيق الشريعة في حياة الناس، ومن هنا فإن بحث مسألة النبوة العامة أمر ضروري للتمهيد من أجل بحث الإمامة في ضوء العقل]، فعبر بلفظ "فرد معصوم" ليصح إطلاقه على النبي والإمام حتى يحقق التوافق والوحدة بينهما.

(1/101)


1-قال محمد تقي مصباح اليزدي ص331: [ إن ختم النبوة إنما يكون موافقاً للحكمة الإلهية فيما لو اقترن بتعيين الإمام المعصوم، الإمام الذي يمتلك خصائص نبي الإسلام ص كلها عدا النبوة والرسالة،وبذلك تثبت ضرورة وجود الإمام] (1) وقال بنفس الكتاب ص333:[ وضحنا في الدرس السابق أن ختم النبوة بدون نصب الإمام المعصوم وتعيينه مخالف للحكمة الإلهية،وأن إكمال الدين الإسلامي العالمي والخالد مرتبط بتعيين الخلفاء الصالحين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بحيث يكونوا متوفرين على كل مناصب النبي الإلهية سوى النبوة والرسالة]،فقد أثبت بأن حرمان الناس من مرشد إلهي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يتنافى مع عدل الله تعالى وهذا قولنا بعينه.
__________
(1) دروس في العقيدة الإسلامية لمحمد تقي مصباح اليزدي ص134.

(1/102)


2-قال مكارم الشيرازي ص134:[ فهل الله الذي لا يغفل عن حاجات الإنسان الدقيقة هذه يمكن أن يحرم الإنسان من هاد وقائد موثوق به ومعصوم من الخطأ ويأتمر بأوامر الله ووحيه] (1)، وقال في نفس الكتاب ص189(التكامل المعنوي إلى جانب وجود القادة الإلهيين):[ قبل كل شئ نتوجه إلى الهدف من خلق الإنسان،فهو أساس عالم الخليقة:إن الإنسان يطوي طريقاً طويلاً كثير المنعطفات والعثرات في سيره نحو الله،نحو الكمال المطلق،نحو التكامل المعنوي بجميع أبعاده،من البديهي أنه لا يستطيع أن يقطع هذا الطريق بنجاح بغير هداية قائد معصوم،ولا أن يطويه بغير معلم سماوي،لأنه طريق محفوف بالظلمات وبمخاطر الضلال .... وهذا ما يطلق عليه في كتب العقائد إسم "قاعدة اللطف" ويقصدون بها أن الله الحكيم يمد الإنسان بجميع الأمور اللازمة لكي يصل إلى هدف الخلق،ومن ذلك بعث الأنبياء وتعيين الأئمة المعصومين،وإلا فإن ذلك يؤدي إلى نقض الغرض فتأمل!]،فقد صرح بأن عدم المرشد الإلهي- عبر عنه بالأنبياء والأئمة – يتنافى مع حكمة الله تعالى في هداية الخلق.
3-قال السيد مجتبى اللاري: [ إن الأمة في حركتها إلى الكمال تحتاج إلى زعيم ما، وهي حاجة فطرية طبيعية ... أفهل بالإمكان أن نقول بأن الله الذي لم يترك أي شيء من مستلزمات التكامل المادي والجسدي للبشر دون أن يهبه إياه، قد حرمه من أن يوفر له العامل المهم الذي له الدور الأساسي في رقيه الروحي ، وانه بخل ان يجود عليه] (2) ،فاعترف بأن حرمان الناس من المرشد الإلهي معناه بخل الله تعالى وهو باطل.
__________
(1) دروس في العقائد الإسلامية ص134.
(2) أصول عقائد الإسلام للسيد مجتبى اللاري .

(1/103)


4-قال فيلسوفهم الشيرازي في كتابه (الحجة) ص153 تحت عنوان(ترك البشر دون إمام يلزم النقص من الله): [لما ثبت أن نظام الدين والدنيا لا يصلح إلا بوجود إمام يقتدي به الناس ويأتمون به ويتعلمون منه سبيل هداهم وتقواهم، وان حاجتهم إليه في كل زمان أعظم وأهم من حاجتهم إلى الغذاء والكسوة، وما يجري مجراها من المنافع والضرورات، فوجب من العناية الربانية أن لا يترك الأرض ولا يدع الخلق من غير إمام، وإلا لزم أحد الأمور الثلاثة:إما الجهل وعدم العلم، أو النقص وعدم القدرة على خلقه، أو البخل والضنة بوجوده، وجميع هذه الوجوه محالة على الله فهو أجل وأعظم من أن تعتريه أحد هذه الأمور]، فأثبت أن عدم هذا المرشد محال على الله تعالى لأنه يتضمن الطعن به سبحانه .
5- قال الشيخ محمد حسن آل ياسين:[ لأن وجود النبوة دون الإمامة وجود منقطع الآخِر، وذلك يناقض جوهر الإسلام القائم على استمرار الرسالة إلى يوم القيامة، فالنبوة بداية الحياة والإمامة استمرار لتلك الحياة] (1)، وقال ص23:[ ولو جاز لنا أن نقول بالنبوة دون الإمامة لجاز لنا أن نقول بأن الرسالة محدودة النظر لم تُقَدِّر لنفسها عمراً بعد حياة رسولها، ولم تحتط لأهدافها بوصي يستمر في العمل والإمداد .... إن الإمامة في واقعها إتمام لمعنى النبوة، ولا يستقيم وجود النبي العملي بدونها].
__________
(1) كتاب(الإمامة) ص22 للشيخ محمد حسن آل ياسين.

(1/104)


6-لقد أثبتم لهذا المرشد الذي أوجبتم وجوده في كل زمان إلى قيام الساعة معرفة أخبار السماء صباحاً مساءاً، ومعلوم أن تلك المعرفة- على فرض احتمال تحققها- تكون إما عن طريق وحي ظاهر وهو الملك- وهو ما اختص به الأنبياء والرسل- أو باطن وهو الإلقاء في القلب، ورغم أن مقتضى نفيكم لاستمرار النبوة يلزمكم بإثبات الطريق الثاني في تحقق المعرفة إلا أنكم- ويا للعجب- أثبتم له الوحي الظاهر وهو تكليم الملك للإمام (1)، وهذا هو عين معنى الوحي الذي ينزل على الأنبياء، بل أنكم لم تثبتوا هذا فحسب وإنما جعلتم منع الله تعالى لهذا الوحي منافٍ لرحمته ولطفه بعباده، فمن رواياتكم التي أثبتم بها هذا المعنى ما يلي:

أ-ذكر الكليني في (الكافي) ج1 ص261 الحديث (3): [عن جماعة بن سعد الخثعمي انه قال: كان المفضل عند ابي عبد الله (ع) فقال له المفضل: جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ قال: لا، الله اكرم وارحم وارأف بعباده من ان يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً].
__________
(1) فقد روى الكليني عدة روايات تثبت تكليم الملك للإمام سنتطرق إليها بتفصيل منها عن حمران بن أعين قال : قال أبو جعفر عليه السلام إن عليا عليه السلام كان محدثا ، فخرجت إلى أصحابي فقلت : جئتكم بعجيبة ، فقالوا : وما هي ؟ فقلت : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول، كان علي عليه السلام محدثا فقالوا : ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه ، فرجعت إليه فقلت : إني حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا : ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه؟ فقال لي:يحدثه ملك ...الكافي(1/270) .

(1/105)


ب-ذكر أيضاً ص262 الحديث (6): [عن ابي حمزة قال: سمعت ابا جعفر (ع) يقول: لا والله لا يكون عالم (العالم الذي افترض الله طاعته) جاهل ابداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء، ثم قال: الله اجل واعز وأكرم ان يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه، ثم قال: لا يحجب ذلك عنه] .
ولكون انقطاع الوحي ينافي رحمة الله ولطفه بعباده قلنا بوجوب استمرار وجود النبي الذي هو الوجهة الأرضية لهذا الوحي السماوي باتفاق جميع أهل الأديان والمذاهب بلا استثناء، وعليه تكون جميع هذه النصوص والمقدمات العقلية التي وضعتموها لتثبتوا بها وجوب وجود إمام معصوم دعامةً لي أستدل بها عليك بوجوب استمرار النبوة، بل انكم ساعدتمونا مساعدة كبيرة على دعوتنا من خلال الاعتماد على أدلتكم، فنحن إذاً مشتركون معكم بالادلة وأن دعوتينا متطابقتان من حيث المضمون حتى أنهما تكادان أن تكونا دعوة واحدة، فدعوا الخصام والجدال وهلمّوا معنا ووافقونا على قولنا، بتغيير نتيجة مقدماتكم من وجوب وجود إمام معصوم، إلى وجوب وجود نبي- وهو الأقرب إلى المنطق والعقل ومقتضى الأدلة- ومرحباً بالوفاق والاتفاق، ولنستريح من الردود والجدال والخصام فيما بيننا.

الفصل السادس
محاولة التفريق بين النبي والإمام ودحضها

الفصل السادس

الشيعي:
صحيح أننا متفقون على المقدمات والأدلة العقلية كما تبين من خلال سوقك لها، إلا أن هذا لا ينفي كون الخلاف بيننا جوهرياًًًً وأساسياً، حيث أننا أثبتنا من خلال تلك المقدمات وجوب وجود إمام معصوم ولم نثبت بها وجوب وجود نبي، والفرق بين الامام والنبي كالفرق بين السماء والأرض، فالفرق بين دعوتنا ودعوتكم كالفرق بين الإيمان والكفر.

القادياني:
جوابي على تفريقك من وجهين هما:

الوجه الأول:

(1/106)


لن أُفَنِّد هنا في هذا الوجه ادعاءك هذا حول وجود فرق بين النبي والإمام، بل أنني لو سلمت جدلاً(1) بصحة قولك بأن هناك خلافاً حقيقياً وجوهرياً بين نبينا وإمامكم فهذا قد ينفعك في تبرئة الشيعة من القول باستمرار النبوة(2) الذي نعتقده، إلا أنه لا ينفعك بتاتاً في موضوع مناظرتنا والذي ينصب حول إثبات أن كلتا دعوتينا تشعان من مشكاة واحدة وتنهلان من عين واحدة مما يعكس عجزك عن إبطال أدلتي الثلاثة التي سقتها لك والتي اعتمدت فيها على تقرير علمائك واستدلالهم العقلي، وعليه يكون لجوئك إلى هذا التفريق المزعوم وإدارة الحوار نحو هذه الوجهة تهرباً صريحاً من المواجهة ومقابلة الدليل بالدليل، وتغطية فضفاضة لعجزك عن الجواب، وهذا بحد ذاته نصر كبير لي عليك أيها الشيعي بإظهارك العجز والانقطاع عن مواجهة أدلتي ونقضها(3)
__________
(1) وهذا تسليم جدلي لمجاراة الإمامي في الحوار وإلا فالحق هو بعدم وجود فرق حقيقي بين نبي القاديانية وإمام الشيعة كما سيتبين بعد قليل من سير الحوار.
(2) وهذا ينجيكم من اعتقاد الكفر والخروج من دائرة الإسلام الذي يوصم به كل من يعتقد بنبوة شخص بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن هذا لا علاقة له بموضوع دراستنا لا من قريب ولا من بعيد إذ موضوعها هو عجز الشيعي عن مواجهة أدلة القادياني ونقضها ومن ثم تكون الغلبة للقادياني عليه إذا ما جمعهم حوار ومناظرة علمية .
(3) وهذا يوضح ويؤكد بأن الامامي لا يستطيع ان يمنع القادياني من دعوته ولا يستطيع ان ينقضها برد ادلته لانها نفس ادلة الامامي على اهل السنة، فاذا ردها ليبطل قول القادياني، يكون بذلك قد نقض أدلته التي يحتج بها على أهل السنة، فليختر الامامي بين أن يوافق القادياني أو أن يوافق اهل السنة، ونصيحتي له هي ان يترك هذه النظرية من الأساس (أي نظرية الامام المعصوم) لأنها جلبت الشر على عقيدة ختم النبوة، وأن يعود لأخذ العقيدة الصافية من كتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بعيداً عن الاوهام والافتراضات التي وضعتها عقول حائرة مضطربة (الله اعلم بنيات أصحابها) جلبت الشر على هذا الاصل العظيم من دين الاسلام وهو ختم النبوة بنبينا - صلى الله عليه وسلم -.

(1/107)


.
الوجه الثاني:
في هذا الوجه سأتجاوز التسليم الجدلي الذي سقته في الوجه الأول من هذا الجواب لأنقض أصل ادعائك، فأقول: أن دعواك بوجود فرق حقيقي بين النبي والإمام باطلة ليس لها أدنى رصيد من الواقع، لأن جميع أخباركم ومروياتكم تثبت إثباتاً قاطعاً أن لا خلاف بين إمامكم والنبي من حيث الصفات والمزايا، بل والصلاحيات أيضاً، وإليك هذه العجالة ببعض صفات الإمام عندكم مما يجعله في مصاف الأنبياء بل فوقهم في الرتبة، وقد اخترتها من أصح الكتب عندكم ألا وهو الكافي للكليني فمن هذه الصفات ما يلي:

أولها: أن الإمام يعلم الغيب ويعلم ما كان وما يكون وأن علمه بها يفوق علم بعض الأنبياء لها

1-ذكر ص260-261 الحديث (1): [عن سيف التمار قال: كنا مع ابي عبد اله (ع) جماعة من الشيعة في الحجر، فقال: علينا عين؟ فلتفتنا يمنة ويسرة فلم نرَ احداً، فقلنا: ليس علينا عين، فقال: ورب الكعبة ورب البنيّة –ثلاث مرات- لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما اني اعلم منهما ولأنبئتهما بما ليس في ايدهما، لان موسى والخضر (ع) اعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراثة]. وفي هذا الحديث دلالة واضحة على ان العلم الذي عند الأئمة يفوق العلم الذي عند الانبياء السابقين، فهل بعد هذا يأتينا من يقول أن هناك فرقاً بين الأئمة والأنبياء..؟!!.. اللهم إلا في تفوق الأئمة وعلو كعبهم على الأنبياء بالعلم!!!
2-ذكر ص261 الحديث (2): [عدة من اصحابنا منهم عبد الاعلى وابو عبيدة وعبد الله ابن بش الخثعمي سمعوا ابا عبد الله (ع) يقول: اني لأعلم ما في السموات وما في الارض واعلم ما في الجنة واعلم ما في النار، واعلم ما كان وما يكون، قال: ثم مكث هنيئة فرأى ان ذلك كبر على من سمعه منه، فقال، علمت ذلك من كتاب الله عز وجل، ان الله عز وجل يقول: فيه تبيان كل شيء].

(1/108)


3-ذكر ص285 الحديث (7): [يا ابا محمد (الكاظم يخاطب ابا بصير) ان الامام لا يخفى عليه كلام احد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بامام].
4-ذكر ص258 الحديث (1): [عن ابي بصير قال: قال ابو عبد الله (ع): أي امام لا يعلم ما يصيبه والى ما يصير، فليس ذلك بحجة لله على خلقه].
5-ذكر ص258 الحديث (3): [عن ابي عبد الله (ع) قال: اذا اراد الامام ان يعلم شيئاً اعلمه الله ذلك].
6-ذكر ص20: [ثم سكت ساعة ثم قال (أي ابو عبد الله (ع)) : ان عندنا علم ما كان وما هو كائن الى ان تقوم الساعة، قال جعلت فداك هذا والله هو العلم، قال: انه العلم وليس بذاك قال: قلت جعلت فداك فأي شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار الامر بعد الامر والشيءَ بعد الشيءَ الى يوم القيامة].
7-ذكر ص261 الحديث (3): [عن جماعة بن سعد الخثعمي انه قال: كان المفضل عند ابي عبد الله (ع) فقال له المفضل: جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ قال: لا الله اكرم وارحم وارأف بعباده من ان يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً].
8-ذكر ص262 الحديث (6) [عن ابي حمزة قال: سمعت ابا جعفر (ع) يقول: لا والله لا يكون عالم (أي العالم الذي افترض الله طاعته) جاهل ابداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء، ثم قال: الله اجل واعز واكرم من ان يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وارضه، ثم قال: لا يحجب ذلك عنه].

ثانياً: أن الإمام معصوم من الذنوب عمداً وسهواً

1-ذكر ص202-203 الحديث (19: [عن الرضا (ع) قال: … وان العبد اذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك واودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم الهاماً، فلم يعي بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيد موفق مسدد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده].

(1/109)


2-ذكر ص204: [عن ابي عبد الله (ع) قال: ….معصوماً من الزلات مصوناً عن الفواحش كلها].
3-ذكر ص200 الحديث (1): [عن الرضا (ع) قال:….الامام المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم].
4-قال محمد رضا المظفر في (عقائد الامامية) ص104: [ونعتقد ان الامام كالنبي يجب ان يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة الى الموت عمداً وسهواً، كما يجب ان يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان، لان الائمة حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي والدليل الذي اقتضانا ان نعتقد بعصمة الانبياء هو نفسه يقتضينا ان نعتقد بعصمة الائمة فلا فرق].

ثالثاًً: أن الله تعالى فرض طاعته على العباد

1-ذكر ص186 الحديث (2): [عن ابي الصباح قال: اشهد اني سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: اشهد ان علياً امام فرض الله طاعته وان الحسن امام فرض الله طاعته وان الحسين امام فرض الله طاعته وان علي بن الحسين امام فرض الله طاعته وان محمداً بن علي امام فرض الله طاعته].
2-ذكر ص186 الحديث (5): [عن ابي الحسن العطار قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: أُشْرِكَ بين الاوصياء والرسل في الطاعة].
3-ذكر ص187 الحديث (11): [عن ابي سلمة عن ابي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: نحن الذين فرض الله طاعتنا الا يَسَع الناس إلا معرفتنا ولا يُعذر الناس بجهالتنا].

رابعاًً: عارفه مؤمن ومنكره كافر

1-ذكر ص180 الحديث (1): [عن ابي حمزة قال: قال لي ابو جعفر (ع): انما يعبد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فانما يعبده هكذا ضلالاً، قلت: جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله - صلى الله عليه وسلم - وموالاة علي (ع) والائتمام به وائمة الهدى (ع) والبراءة الى الله عز وجل من عدوهم، هكذا يعرف الله عز وجل].

(1/110)


2-ذكر ص181 الحديث (5): [عن ذريح قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن الائمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان امير المؤمنين (ع) اماماً ثم كان الحسن (ع) اماماً ثم كان الحسين (ع) اماماً ثم كان علي بن الحسين اماماً، ثم كان محمد بن علي اماماً، من انكر ذلك كان كمن انكر معرفة الله تعالى ومعرفة رسوله - صلى الله عليه وسلم -].
3-ذكر ص187 الحديث (11): [عن ابي سلمة عن ابي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: نحن الذين فرض الله طاعتنا لا يسع الناس إلا معرفتنا ولا يعذر الناس بجهالتنا من عرفنا كان مؤمناً، ومن انكرنا كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان منالاً حتى يرجع الى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة، فان يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء].
4-ذكر ص203 الحديث (2): [قال ابو عبد الله (ع) عن الامام:….. ولا يقبل الله اعمال العباد إلا بمعرفته].
5-ذكر ص184 الحديث (9): [ان امير المؤنين (ع) قال:…. ونحن الاعراف يعرّفنا الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار إلا من انكرنا وانكرناه].
6-ذكر ص184 الحديث (8): [عن ابي جعفر (ع) قال:…. وكذلك والله يا ابا محمد من اصبح من هذه الامة لا امام له من الله عز وجل ظاهر عادل اصبح ضالاً تائهاً وان مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق].
فهذه أهم صفات الإمام التي تجعل الفرق بين النبي والإمام لفظياً، إذ لو أردنا أن نُعَرِّف النبي ونذكر أوصافه لما جئنا بأكثر من هذه الصفات لتبطل بذلك دعواك بالفرق بين النبي والإمام، فإن كنت تملك دليلاً مقنعاً يثبت الفرق فأتِ به أمام جميع المسلمين { قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } (الأنبياء:61) .

الشيعي:

(1/111)


هناك فرق جوهري بين النبي والإمام وهو أن النبي ينزل عليه الوحي من الله تعالى وهذا الفرق الجوهري قد تجاهلته تماماً لتلبس على المسلمين بعدم الفرق بين دعوتينا، وها هو علم الهدى السيد المرتضى يذكر كلمة الفصل بالفرق الجوهري بين النبي والإمام فقال:[والنبي لم يكن عندنا نبيا لاختصاصه بالصفات التي يشرك فيها الإمام (1) بل لاختصاصه بالأداء عن الله تعالى بغير واسطة ، أو بواسطة هو الملك ، وهذه مزية بينة] (2)، وبوجود هذا الفرق الجوهري ألا وهو الوحي بواسطة الملك تبطل دعواك.

القادياني:
إليك الجواب عما أوردته وقد قسمته إلى قسمين:

القسم الأول

قد يتصور القارئ أنك حسمت الحوار لصالحك بإيرادك لهذا الفرق بين النبي والإمام، إلا أن الأمر بخلافه تماماً، إذ حتى هذا الأمر- وهو الوحي وتكليم الملك – ثابت عندكم للإمام صراحةً أو ضمناً.
ولكن قبل أن نثبت ذلك من مصادر مذهبك ومروياته، لا بد من تنبيه القارئ إلى نقطة غاية في الأهمية بل هي أهم نقاط الحوار على الإطلاق وهي أن سعي الشيعة وأنت منهم واستماتتكم لإيجاد فرق بين النبي والإمام- مما قد يولِّد عند المسلمين تعاطفاً وتجاوباً معكم – ليس مردُّه حرصكم على أصل النبوة وصيانته من أن يُصاب بخدش في قدسيته، كما قد يتوهم الجميع بحكم أن هذا هو ما ينصرف إليه ذهن المسلم على حد سواء بحكم البداهة وثوابت الشرع والتعقل التي تحسم الخيرية للأنبياء وتوجب فضلهم على باقي البشر.. بل المراد به أمر آخر سيأسف له ويندهش به جميع المسلمين .. وحتى أعود بالموضوع إلى سياق الحوار وطابعه المناظراتي، أتوجه إليك ومن خلالك إلى جميع الشيعة بالسؤال التالي:
__________
(1) ويقصد بالصفات المشتركة عندهم بين النبي والإمام هي العصمة والأفضلية وغيرها.
(2) الشافي في الامامة للشريف المرتضى ج1 ص39 .

(1/112)


هل هذه المحاولة للتفريق بين النبي والإمام التي أوردها الشيعة هي لتنزيه مرتبة النبوة من أن يصلها ويرتقي إليها إمام الشيعة المعصوم، بمعنى أن غرضكم منها هو حماية مرتبة النبوة وشرفها وقدسيتها من أن تعطى للإمام المعصوم؟
ربما قد يجيب العقل عندكم ابتداءاً بـ" نعم " لقد أوردوا هذه المحاولة للتفريق بين النبي والإمام من أجل تنزيه مرتبة النبوة، ولكن جوابكم لن يكون كذلك .. بل سيكون الجواب هو أن إيرادنا لهذا الفرق أردنا به إثبات العكس من ذلك تماماً؟!! فبعد تأمل مروياتكم ونصوص علمائكم حول مرتبة الإمام وفضله، سنجد أنكم أوردتم هذا الفرق لأجل صيانة مرتبة الإمام وشرفها من أن تهبط من رفعتها وشموخها وشرفها وتنحدر إلى مرتبة النبوة وهذه الحقيقة يقف عليها من اطلع على معتقدكم في الإمامة.
وقبل أن تتهمني بافتراء هذا الأمر عليكم وتطالبني بدليل على ما أقوله أقَدِّم لك هذه الحقيقة من مروياتكم ونصوص علمائكم وكما يلي:

أولاً:تصريحكم بأن مرتبة الإمامة أعلى وأسمى من مرتبة النبوة

وهذه قد صرح بها علماؤك بكل جرأة وتطاول فممن قال بذلك:
1-يقول آيتهم العظمى ناصر مكارم الشيرازي عند تفسيره للآية(124) من سورة البقرة في تفسيره (الامثل):[يتبين من الآية الكريمة ان منزلة الامامة الممنوحة لابراهيم بعد كل هذه الاختبارات تفوق منزلة النبوة والرسالة….. فمنزلة الامامة أسمى مما ذكر بل أسمى من النبوة والرسالة]،وقال في (نفحات القرآن) جزء9 ص19: [ما هو هذا المقام الذي ناله ابراهيم في آخر عمره بعد نيله مقام النبوة والرسالة وبعد ذلك الجهاد الطويل؟ من المسلم به انه كان أسمى وأرفع منهما جميعاً]، وقال ايضاً ص17: [كما يعير القرآن أهمية خاصة للإمامة ويعتبرها آخر مرحلة من مسيرة تكامل الإنسان] وقال ايضاً جزء7 ص81: [على أية حال أنه (مقام الإمامة) مقام يفوق النبوة].

(1/113)


2-يقول آيتهم العظمى السيد كاظم الحائري في (الإمامة وقيادة المجتمع) ص26: [ان الذي يبدو من الروايات أن مقام الإمامة فوق المقامات الأخرى – ما عدا مقام الربوبية قطعاً- التي يمكن ان يصل إليها الإنسان…. وقال ص28: وكذا قوله - عليه السلام - "ان الله اتخذه خليلاً قبل ان يتخذ اماماً" يدل في ظاهره على تفوق مقام الإمامة على مقام (العبودية، النبوة، الرسالة، الخلة)…. وقال ص29: فمقام الإمامة اذن فوق مقام النبوة].
3-يقول كمال الحيدري في (العصمة) ص17: [ومن خلال هذه الشواهد يتضح لنا ان مقام الإمامة يختلف عن النبوة والرسالة بل هي أسمى منهما وارفع] ونسبه الى الطباطبائي في الميزان جزء1 ص267.
4-قال هادي الطهراني في (ودائع النبوة) ص114: [الامامة اجل من النبوة فانها مرتبة ثالثة شرفه الله تعالى بها بعد النبوة والخلة] / نقلاً عن اصول مذهب الشيعة للقفازي ص656.
5-ذكر ابن بابويه في (إكمال الدين) ص617-618: [والنبوة والرسالة من الله جل جلاله سنن والإمامة فريضة، والسنن تنقطع ويجوز تركها في حالات، والفرائض لا تزول ولا تنقطع بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -….. فالرسالة والنبوة سنن والإمامة فرض].
6-ذكر الحلي في (الالفين) ص3:[الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص لإ مكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام، وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص ].

(1/114)


7-يقول آيتهم وشيخهم الذي يُعَدُّ من أبرز شخصياتهم السياسية محمد باقر الحكيم :[ أن الإمامة هي مرتبة عالية أعلى من درجة النبوة .. وعندما تكون الإمامة أعلى درجةً من النبوة، فلا بد أن تجتمع فيها أبعاد النبوة ومسؤولياتها بأعلى درجاتها، بل يمكن أن نقول بأن الإمامة تمثل تطوراً وسمواً في حركة النبوة(1) .. ورود التصريح به في روايات أهل البيت عليهم السلام من أن الإمامة أعلى درجة من النبوة](2).

ثانياً:تصريحكم بأن الأئمة أفضل من الأنبياء

وهذا أيضاً قد صرح به علماؤكم وكما يلي:

1-ذكر الشيخ المفيد في (اوائل المقالات) باب (القول في المفاضلة بين الائمة والانبياء ص85: [قد قطع قوم من اهل الامامة بفضل الأئمة (ع) من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر من تقدم من الرسل والانبياء سوى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، واوجب فريق منهم الفضل على جميع الرسل والانبياء سوى اولي العزم].
2-ذكر العلامة السيد نعمة الله الجزائري في (الانوار النعمانية ج1 ص20-21: [إعلم أنه لا خلاف بين اصحابنا رضوان الله عليهم في اشرفية نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر الانبياء عليهم السلام للأخبار المتواترة، وانما الخلاف بينهم في افضلية امير المؤمنين والائمة الطاهرين عليهم السلام على الانبياء ما عدا جدهم - صلى الله عليه وسلم -، فذهب جماعة الى انهم افضل باقي الانبياء ما خلا اولي العزم فانهم افضل من الائمة عليهم السلام، وبعضهم الى المساواة، واكثر المتأخرين الى افضلية الائمة عليهم السلام على اولي العزم وغيرهم وهو الصواب….].
__________
(1) وكلام الحكيم هذا فيه تصريح بأنهم ينزهون مرتبة الإمامة من أن تنحدر من علوها وسموها الى مرتبة النبوة لأنها تمثل سمواً وارتقاءاً عن مرتبة النبوة كما صرح بذلك.
(2) الإمامة وأهل البيت النظرية والاستدلال- للسيد محمد باقر الحكيم ص 22-25 .

(1/115)


3-ذكر محدثكم الحر العاملي في كتابه(الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي) ج1 ص403 باباً يثبت هذا التفضيل وهو الباب رقم(101) بعنوان (ان النبي والائمة الاثنى عشري ع أفضل من سائر المخلوقات من الانبياء والاوصياء السابقين والملائكة وغيرهم ، وان الانبياء أفضل من الملائكة )، وذكر روايتين ترجحان عنوان الباب.
4-ذكر ابن بابويه في (عيون اخبار الرضا) ج1 ص262 فصلاً بعنوان (افضلية النبي والائمة على جميع الملائكة والانبياء عليهم السلام).
5-قال السيد أمير محمد كاظم القزويني في كتابه(الشيعة في عقائدهم وأحكامهم) ص66:[ فإنك تجد أن علياً ع كان جامعاً لجميع هذه الصفات المتفرقة في هؤلاء الأنبياء عليهم السلام من أولي العزم، وأنه عليه السلام أفضل منهم]، وقال ص73 تحت عنوان(الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أفضل من الأنبياء عليهم السلام بنص القرآن):[وأما تفضيل الشيعة لأئمتهم على الأنبياء عليهم السلام إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... لذا وجب أن يكونوا أفضل منهم] .
6-يقول آيتهم العظمى الميرزا جواد التبريزي تحت عنوان(التفضيل بين الأئمة والأنبياء) حول سؤال وجه إليه:[س:هل هناك تفضيل بين الأئمة عليهم السلام والأنبياء باستثناء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ وإذا كان فما هو الدليل على ذلك؟ ج: بسمه تعالى: أئمتنا أفضل من الأنبياء ما عدا الرسول - صلى الله عليه وسلم - والله العالم] (1).
7-وختمها الخميني في (الحكومة الاسلامية) ص47 بقوله: [وان من ضروريات مذهبنا ان لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل].

ثالثاًً:المَلَك الذي ينزل على الأئمة دون الأنبياء هو أعظم من جبريل
__________
(1) الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية للميرزا جواد التبريزي ص179.

(1/116)


لقد حاولتم أن تدعموا عقيدتكم في تفضيل الأئمة على الأنبياء وتُرَسِّخوها في قلوب الشيعة بطريق آخر متمثل بإيرادكم لروايات مفادها أن هناك مَلَكاً يدعى "الروح" كان مع الأئمة يسددهم ويخبرهم بأخبار السماء، ولهذا الملك ميزتان كل واحدة منهما تدل بصراحة على تفضيل الأئمة على الأنبياء هما:
أ- أنه أعظم من جبريل:
فبما أنكم تعتقدون بتفضيل الأئمة على الأنبياء، فيجب أن يكون الملك النازل عليهم أعظم من الملك النازل على الأنبياء لتُرَسِّخوا بذلك وتؤصلوا معتقدكم ذاك في التفضيل.
ب-أن هذا الملك لم يكن مع الأنبياء بل فقط مع الأئمة:
أي أن ما عند الأئمة أفضل مما عند الأنبياء لأن هذا الملك وهو الروح كان مع الأئمة فقط ولم يكن مع الأنبياء كما نصت عليه الرواية الرابعة التالية بقوله: [لم يكن مع أحد ممن مضى ، غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة يسددهم]، فهو غير موجود مع الأنبياء السابقين لتستيقن بأنكم تنزهون مرتبة الإمامة من أن تنحدر من عزها ورفعتها إلى مرتبة النبوة.

وإليك نص الروايات من أصح كتبكم ألا وهو الكافي للكليني ج1ص273:

1-عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان " قال : خلق من خلق الله عزوجل أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الائمة من بعده .
2-عن أسباط بن سالم قال : سأله رجل من أهل هيت - وأنا حاضر - عن قول الله عزوجل : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " فقال : منذ أنزل الله عزوجل ذلك الروح على محمد ، صلى الله عليه وآله ما صعد إلى السماء وإنه لفينا .

(1/117)


3-عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة ، وهو من الملكوت.
4-عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، لم يكن مع أحد ممن مضى ، غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة يسددهم ، وليس كل ما طلب وجد .

رابعاًً:تصريحكم بأن الأنبياء مع علو منزلتهم مأمورون باعتقاد إمامة الأئمة الاثنى عشر.
وقد ذكرتم لذلك عدة روايات صريحة ذكرها خاتمة محدثيكم محمد باقر المجلسي في كتابه (بحار الأنوار) ج26 ص 280-282 منها:
1- ابن يزيد عن ابن محبوب عن محمد ابن الفضيل عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الانبياء ، ولن يبعث الله نبيا إلا بنبوة محمد ووصية على صلوات الله عليهما.
2- أحمد بن محمد عن العباس عن ابن المغيرة عن أبي حفص عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول: يا علي ما بعث الله نبيا إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعا أو كارها.
3- الحسن بن علي بن النعمان عن يحيى بن أبي زكريا عن أبيه و محمد بن سماعة عن فيض ابن أبي شيبة عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على ولاية علي وأخذ عهد النبيين بولاية علي .
4- أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن ابن عميرة عن الحضرمي عن حذيفة بن اسيد قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما تكاملت النبوة لنبي في الاظلة حتى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومثلوا له فأقروا بطاعتهم وولايتهم .

(1/118)


5- السندي بن محمد عن يونس بن يعقوب عن عبد الاعلى قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ما نبئ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وبفضلنا على من سوانا .
6- محمد بن عيسى عن محمد بن سليمان عن يونس بن يعقوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ما من نبي نبئ ولا من رسول ارسل إلا بولايتنا و تفضيلنا على من سوانا .
7- ابن يزيد عن يحيى بن المبارك عن ابن جبلة عن حميد بن شعيب عن جابر قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبيا قط إلا بها.
8- محمد بن أحمد عن ابن يزيد عن ابن محبوب عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : " يوفون بالنذر " قال : يوفون بالنذر الذي اخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا.
9- أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن داود العجلي عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إن الله تبارك وتعالى أخذ الميثاق على أولي العزم أني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي وأن المهدي أنتصر به لديني.
فإمامة الأئمة إذاً عندكم من ضروريات الأديان السماوية التي لم يبعث نبي إلا بالدعوة إليها بل أن الأنبياء جميعهم كانوا مأمورين بالإيمان بإمامة علي وأولاده التي لا تدانيها النبوة في الفضل والشرف ولا تصل إلى عشر معشارها بل ولا إلى قطرة من بحارها.

خامساًً: بأن الأنبياء ما نالوا الفضل والرفعة من جهة نبوتهم واصطفائهم من الله تعالى بل من جهة إقرارهم بإمامة الأئمة والخضوع لهم.
وإليك روايتان تذكران هذا المعنى هما:

(1/119)


1- ذكر شيخهم المفيد في كتابه (الاختصاص) ص250 :[ابن سنان ، عن المفضل بن عمر قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : إن الله تبارك و تعالى توحد بملكه فعرف عباده نفسه ، ثم فوض إليهم أمره وأباح لهم جنته فمن أراد الله أن يطهر قلبه من الجن والإنس عرفه ولايتنا ومن أراد أن يطمس على قلبه امسك عنه معرفتنا . ثم قال يا مفضل والله ما استوجب آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه إلا بولاية علي عليه السلام ، وما كلم الله موسى تكليما " إلا بولاية علي عليه السلام ، ولا أقام الله عيسى ابن مريم آية للعالمين إلا بالخضوع لعلي عليه السلام ، ثم قال : أجمل الأمر ما استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية لنا].
2-ذكر المجلسي في (بحار الأنوار) ج26ص282:[ عن حبة العرني قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات وعلى أهل الارض أقر بها من أقر وأنكرها من أنكر ، أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها].
فانظر إلى هذه المرتبة الخيالية للإمامة التي بفضل انحناء الأنبياء لها وخضوع أعناقهم أمامها نالوا ما نالوا من المراتب، لأن النبوة التي أنعم الله بها عليهم وبكل بساطة لا قيمة لها بدون إمامة الأئمة حتى أن نبي الله تعالى يونس عليه السلام لما أبى الإقرار بها وأنكرها- ظناً منه بأن النبوة أعلى منها بالشرف والأهمية – حبسه الله تعالى في بطن الحوت عقوبةً له ولم يخرجه منها إلا بعد خضوعه لها واعترافه بفضلها على نبوته المسكينة الخاضعة !!!

(1/120)


فهذه خمس مجموعات صرح بها علماؤك بتفضيل مرتبة الإمامة على النبوة وأنهم لن يرضوا أبداً بأن يهبطوا بمرتبة الإمامة إلى مرتبة النبوة لأن في هذا حطّاً من قدرها ورفعتها، وقد أوردتها ليعلم كل عقلاء العالم والمنصفين بأنكم لم تفرقوا بين النبي والإمام في هذه المناظرة وأمثالها في الكتب والحوارات إلا لأجل صيانة مرتبة الإمام وشرفها من أن تهبط من رفعتها وشموخها وشرفها وتنحدر إلى مرتبة النبوة، وبالإضافة لما تقدم من اثباتات صريحة من نصوص علمائك أسوق إليك تصريحاً ذهبياً يثبت هذه الحقيقة التي باتت واضحة وهو لخاتمة محدثيكم محمد باقر المجلسي الذي صرح بالسبب الحقيقي وراء عدم إثبات النبوة لأئمتهم فقال في (بحار الأنوار) (26/82):[وبالجملة لا بد لنا من الاذعان بعدم كونهم عليهم السلام أنبياء ...]، وهذا ليس تنزيهاً لمرتبة النبوة بل خوفاً من هبوط مرتبة الأئمة إلى مرتبة الأنبياء فقال في تتمة الكلام:[ وبالجملة لا بد لنا من الاذعان بعدم كونهم عليهم السلام أنبياء وبأنهم أشرف وأفضل من غير نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الأنبياء والأوصياء]، حتى أنه أورد باباً في كتابه المذكور (26/267) بعنوان(تفضيلهم عليهم السلام على الأنبياء وعلى جميع الخلق).

(1/121)


وبهذه النصوص الصريحة انكشف النقاب عن معتقد الشيعة في الأئمة والذي تجلى فيه للجميع حطِّهم من قدر النبوة وشرف مرتبتها (1)
__________
(1) وهكذا حصل التآمر من علماء الشيعة على مرتبة النبوة بالإجهاز عليها، وبالفعل قاموا بذبحها وسلخها عن شرفها وفضلها بمرأى ومسمع من جميع المسلمين في العالم، غير مكترثين لهذا الأصل العظيم الشريف عند الله تعالى حتى عدها سبحانه من أعظم النِعَم على العباد وذلك حين بيَّن لنا سبحانه العباد الذين أنعم الله بنعمه وفضله عليهم ذاكراً في مقدمتهم الأنبياء لأنهم فازوا بوسام النبوة والسبق في القرب من الله تعالى حيث قال(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69)، ويقول السيد أبو الحسن الندوي في كتابه (صورتان متضادتان) حول خطر إمامة الشيعة على أصل النبوة ص97-98: [يحسن بنا الى تلقي نظرة على معتقدات فرقة الاثنا عشرية ومبادئها التي ننقلها ملتقطة من كتابهم اصول الكافي، هذه الفرقة ترى ان خليفة الرسول والخليفة الامام ايضاً قد تم تعيينهم من عند الله، وهم كالنبي معصومون ومفترضوا الطاعة، وان منزلتهم تساوي منزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفوق منزلة الانتبياء الاخرين، ان حجة الله لا تقوم على خلقة بدون امام، وان هذا لا يتم ما لا يعلم به، ان الدنيا لا تقوم من دون امام ان معرفة الائمة شرط للأيمان، وان طاعة الائمة واجبة كطاعة الرسل، ان الائمة لهم الخيار في تحليل الاشياء وتحريمها وانهم معصومون مثل الانبياء، ان المؤمن بالائمة المعصومين من اهل الجنة وان كان ظالماً وفاسقاً وفاجراً، ان درجة الائمة كدرجة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وارفع من جميع الخلق ومن جميع الانبياء عليهم الصلاة والسلام، لقد كان الائمة يتمتعون بعلم ما كان وما يكون، تعرض اعمال العباد على الائمة في ليلهم ونهارهم، ان الملائكة تتردد الى الائمة ليل نهار، وفي ليلة كل جمعة يكرمون بالمعراج، وعلى الائمة ينزل كتاب من عند الله كل عام في ليلة القدر، الموت يكون في سلطتهم، وانهم يملكون الدنيا والآخرة، فيعطون من شاؤوا ما شاؤوا، ولقد استنبط المحققون من غير المسلمين نفس هذا المفهوم من تصور الامامة المذكور، فهذا البطريق هوجيش يقول (ان الشيعة انما يخلعون على الائمة صفات الله) ومحقق آخر ايوانو يقول (ان استمرار ضوء الامامة في العالم بصفة دائمة انما يمنح النبوة مكانة جانبية)… وينقل كلام ولي الله الدهلوي ص103 قائلاً: (ان بطلان الامامية يعرف من لفظ الامام، فان الامام عندهم هو المعصوم المفترض الطاعة، الموصى اليه وحياً باطنياً (بل انه وحي ظاهر بتكليم الملك كما اثبتنا ذلك) وهذا هو معنى النبي فمذهبهم? يستلزم انكار النبوة)]، نعم إن اعتقاد قضية الإمامة بمفهومها الشيعي يعطي النبوة مكانة جانبية ونستطيع أن نلمس هذا من خلال واقع تعامل الشيعة مع شخص نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ أنها تؤثر على مكانته - صلى الله عليه وسلم - في قلوب المسلمين من خلال تقليلها لمحبته - صلى الله عليه وسلم - عما أوجبه له دين الإسلام حيث قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم في صحيحه(1/49): [ عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ]، وروى البخاري (7/218): [ حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد انه سمع جده عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إليَّ من كل شئ إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم له لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر فانه الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر]، وهذا المعنى تضمنه قوله تعالى(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ )(الأحزاب: من الآية6)، ويؤكد السيد أبو الحسن الندوي ما أثبته الشرع من وجوب تفرد النبي - صلى الله عليه وسلم - بمحبة لا مشارك ولا مزاحم ولا مساوٍ له فيها مهما كان إيمانه وتقواه فقال في كتابه (صورتان متضادتان) ص96-97: [أما الشرط الرابع الذي كنا قد اشترطناه للنبوة الدائمة والامة الخالدة هو ان تكون شخصية الرسول هي مركز الهداية ومحور العلاقة القلبية والتفويض العقلي للأمة، وان يكون النبي هو مصدر التشريع والمستحق لأن يُطاع ويُمتثل امره، لا يشاركه في ذلك احد من أفراد أمته… الى ان قال ص104: اما شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يكفينا ان نتصل بها اتصالاً قانونياً فحسب بل المطلوب منا ان نرتبط بها ارتباطاً روحياً وعاطفياً، ونحبه حباً خالصاً عميقاً يفوق كل الحب للمال والنفس والأهل والاولاد ولا تشارك في ذلك أي شخصية بعد ذات الله تعالى، وإن كان من كبار الاولياء أو من الرجال الكاملين أو فرداً عظيماً من افراد اهل البيت.
... ان النبي - صلى الله عليه وسلم - شمس مشرقة للعالم كله، وكل من عداه سواء كان من الصحابة الكرام أم المجددين أو مؤسسي الحكومات والممالك أو قادة الثورات، فهو ذرة تستنير بنور هذه الشمس المشرقة وتُنير، وهو تراب يتحول الى اكسيد، وحديد "حجر الفلاسفة"وهو أحق وأجدر بالوصف الذي جاء في بيتين عربيين قديمين:
ألا ان وادي الجذع أضحى ترابه ... ... في المسك كافوراً وأعواده رَنْدا
وما ذاك إلا ان هنداً عشيةً ... ... تمشَّت وجرّت في جوانبه بُرْدا
فهذه المحبة التي أوجبها الشرع لنبينا - صلى الله عليه وسلم - ، إلا أنها لم تصفو ولم تسلم للشيعة – بسبب عقيدة الإمامة- كما أمر بها الشرع وكما هي موجودة عند أهل السنة لأنهم جعلوا له مساوٍ في الصفات، ومن ثم يكون مساوٍ له في الحب وهم الأئمة المعصومين، وليس هذا افتراءاً عليهم بل هو واقع يلمسه كل من عاش بين أظهرهم، فهاهو وهو ممن عاش في بلادهم وطاف بها مثبتاً ذلك حيث يقول في كتابه(صورتان متضادتان) ص105-106: [ولكن هذه المعتقدات عن الامامة والأئمة لا تعارض الاعجاب والحب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فحسب بل انها تضادّه وتتصادم معه، فكانت النتيجة الطبيعية والنفسية ان الشيعة لم يتمكنوا من تأليف كتاب قوي مؤثر في السيرة النبوية ولا ان شعراءهم النابغين وقفوا الى نظم نبويات قوية مؤثرة، ومدائح نبوية تتجلى فيها العاطفة القلبية في المديح الشعري للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتتدفق فيه القريحة الوقّادة، كما نرى ذلك في شعر المراثي ومناقب اهل البيت وتصوير ما حدث في كربلاء باسلوب ساحر وشاعرية بليغة، ولا نبغ فيهم شاعر للمديح يضاهي شعراء الهند الذين علا كعبهم في شعر المديح، دع عنك شعراء الفارسية في المديح النبوي مثل القدسي والجافي وهذا ما يقتضيه القياس، وهي قضية معلومة، ومن المناسب في هذه المناسبة ان انقل ما قلته في رحلتي الى ايران في كتاب "من نهر كابل الى نهر اليرموك": اننا شعرنا في كل مجتمع ينتمي الى الطريقة الامامية ان الصلة العاطفية والحماس الداخلي في حب اهل البيت وتعظيم الأئمة الذين كانوا أئمة الهدى ومصابيح الدُجى- ولا يشك في ذلك مسلم- كاد يشغل كل فراغ في النفس والعاطفة والعقل والضمير ويُخشى أن يكون قد أخذ الشيء الكثير من حق النبوة التي هي مصدر كل خير وسعادة ومن شخصية الرسول الأعظم الذي نال به أهل البيت الشرف، واستحقوا الحب والتعظيم، وأنه نما وازدهر على حساب? الصلة العميقة التي يجب أن تكون بين المسلم ونبيه - صلى الله عليه وسلم - وقد ظهر ذلك الاثر في الشعر الذي قاله شعراء ايران في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيما قالوا في حق أهل البيت، وخاصة في مناقب امير المؤمنين علي بن ابي طالب، وسيدنا حسين بن علي، فيفوق الثاني الاول في قوة العاطفة والتعبير عن القلب، والقدرة الشعرية وفيض الخاطر وتدفق القريحة لمسنا هذا الفرق في الشعر الذي قاله شعراء أردو في الهند من اخواننا الجعفريين، والشعر الذي قالوه في المديح النبوي ولمسناه في الشعر الفارسي، ورأينا هذا الفرق في الكتب التي أُلِّفت في السيرة النبوية وفي مناقب أهل البيت كمّاً وكيفاً، ورأيناه في الفرق الواسع بين العناية بالمشاهد والعناية بالمساجد، وبين الشوق الى السفر الى النجف وكربلاء و"العتبات العاليات" والسفر الى الحرمين الشريفين]، وأنا بسبب عيشي بين أظهرهم وقفت على ما ذكره الندوي بل أكثر من ذلك ويمكن بيان ذلك من خلال مظهرين هما:
المظهر الأول:
لا نجدهم يذكرون في محاضراتهم ومؤلفاتهم وخطبهم إلا أئمتهم المعصومين وفضائلهم وعلو منزلتهم والتجريح بأعدائهم، واذا أرادوا أن يذكروا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون ذكره ثانوياً، وهذا موجود عند عوامهم ومثقفيهم ، فكل من عاش بين أظهرهم سيرى ذلك واضحاً جلياً، فيرى الفرق بين اهتمامهم بوفاة الحسين ووفاة علي - رضي الله عنه - وعدم اهتمامهم بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تعتبر أعظم مصيبة حلت بأمة الاسلام إلى قيام الساعة، وكذلك صرفهم النذور والطعام ثواباً للحسين - رضي الله عنه - (بزعمهم) وعدم فعل نصف ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى ان المتأمل لحالهم يشعر أنهم لا يحبون علي - رضي الله عنه - لانه ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتلميذه وزوج ابنته، بل يحبون النبي - صلى الله عليه وسلم - لانه ابن عم علي - رضي الله عنه - أي الاصل هو حب علي - رضي الله عنه -، ويشعر من خلال دراسة كتبهم ورواياتهم بأن الغرض الرئيسي من بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنزال القرآن هو لبيان فضل أهل البيت وثواب من يطيعهم وعقوبة من يعصيهم، وهذا ظاهر لمن قرأ اصول الكافي-وهو أهم وأوثق كتب الحديث عندهم- وأسباب نزول الآيات وتفسيرها من قبل الائمة، لذلك رووا عن علي - رضي الله عنه - انه قال: [نزل القرآن ثلاثاً: ثلث فينا وفي عدونا وثلث سنن وامثال وثلث فرائض واحكام] وعن ابي جعفر (ع) قوله:[نزل القرآن اربعة ارباع: ربع فينا وربع في عدونا، وربع سنن وامثال، وربع فرائض واحكام] انظر الكافي للكليني (2/627-628).
المظهر الثاني:
يتمثل بالفرق بين اهتمامهم بقراءة القرآن وبين القراءة على استشهاد الإمام الحسين - رضي الله عنه - في شهر محرم وغيره، من خلال تقديمهم للعشرات بل المئات من أصحاب الأصوات الجميلة المؤثرة التي تنوح وتلطم، في حين لم يقدموا لنا صوتاً واحداً جميلاً يتغنى بالقرآن كي يحببه إلى قلوب المسلمين- ولذا تراهم يتوجهون إلى القراء السعوديين والمصريين إن احتاجوا لذلك-، بل أني أجزم من خلال معايشتي لهم بأن صاحب الصوت الجميل لو توجه للقرآن لما وجد قبولاً ونجاحاً في الأوساط الشيعية من خلال الإقبال على أشرطته، بخلاف مالو توجه للنياحة واللطم فسرعان ما يحقق نجاحاً كبيراً، بما يدل دلالة قاطعة على توجههم إلى القراءة على استشهاد الإمام الحسين - رضي الله عنه -، وعزوفهم وإعراضهم عن قراءة القرآن وتشجيع المسلمين على قراءته.
فهذه أهم المظاهر التي تتجلى فيها ضعف العاطفة والمحبة لشخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب قضية الإمامة التي ظهر خطرها عليها، فلو لم يكن في الإمامة إلا هذا الخطر على ركن النبوة – والمتمثل بتقليلها لمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عما أوجبه الشرع له – لكان حريٌّ بالمسلم أن يتنكَّر لها ويرفضها بشدة كي تصفو له محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - دون مشارك فيها أو قادح يقللها، فكيف إذا انضاف إليها ما تقدم من خطر الحطّ من شرف النبوة وقدرها، وخطر نسفها لختم النبوة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فالخطب عندها أدهى وأمرّ.

(1/122)


بما يجعلهم في قفص الإتهام الشرعي بتهمة هدمهم لركن النبوة من خلال حطِّهم من قدرها وشرفها، وهذه التهمة ثابتة في حقهم حتى مع التسليم بصحة التفريق المذكور- بثبوت صفة الوحي للنبي دون الإمام – فلن تعفيهم محاولتهم تلك من التهمة الثابتة عليهم بنصوص علمائهم.

القسم الثاني
بعد أن أعرضنا في القسم الأول عن تمحيص دعوى التفريق التي ذكرتموها باختصاص النبي بصفة الوحي وتكليم الملك دون الإمام، آن لنا أن نثبت بطلانها من خلال سوقنا لمرويات ونصوص علمائكم التي أثبتت هذه الصفة للإمام صراحةً أو ضمناً وكما يلي:

أولاً:أن الملك يُحَدِّث الإمام ويكلمه
فمن رواياتكم التي أثبتت هذا والتي نقلناها من أصح الكتب عندكم وهو الكافي للكليني (1):
1- عن محمد بن مسلم قال ذكر المحدث عند أبي عبد الله عليه السلام فقال : إنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص فقلت له : جعلت فداك كيف يعلم أنه كلام الملك ؟ قال : إنه يعطي السكينة والوقار حتى يعلم أنه كلام ملك .
2- عن حمران بن أعين قال : قال أبو جعفر عليه السلام إن عليا عليه السلام كان محدثا ، فخرجت إلى أصحابي فقلت : جئتكم بعجيبة ، فقالوا : وما هي؟ فقلت : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ، كان علي عليه السلام محدثا فقالوا : ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه ، فرجعت إليه فقلت: إني حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا : ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه ؟ ، فقال لي : يحدثه ملك.
3-عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام ... قلت : الامام ما منزلته ؟ قال : يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك.
__________
(1) ينظر أصول الكافي الجزء الأول حيث وردت الرواية الأولى والثانية ص270، بينما وردت الرواية الثالثة ص176 والخامسة ص264.

(1/123)


4-عن بريد العجلي قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرسول والنبي والمحدث ، قال : والمحدث الذي يسمع كلام الملائكة وينقر في اذنه وينكت في قلبه(1).
5- عن ابي عبد الله (ع) انه قال: ان علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقرٌ في الاسماع، فقال اما الغابر فما تقدم من علمنا، واما المزبور فما يأتينا، واما النكت في القلوب فالهام، واما النقر في الاسماع فأمر الملك].
وهذه الروايات متضمنة لمعنى الوحي لأن نزول الملك وتكليمه للإمام لا يكون من تلقاء نفسه وإنما بأمرٍ من الله تعالى كما قال تعالى على لسان الملائكة { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } (مريم:64).

ثانياً:أن الملك الذي يكلم الإمام هو جبريل عليه السلام

وهذا يثبت صفة الوحي للإمام بوضوح أقوى من سابقه لأن ملك الوحي هو جبريل عليه السلام وهو أمين السماء، وقد أثبت الشيعة أنه هو الملك الذي يكلم الإمام ويسمع الإمام كلامه وحديثه،فمن نصوصكم في ذلك:

1-لقد اعترف آيتكم العظمى جعفر سبحاني بأن الملك الذي يكلم الإمام في الروايات هو جبريل عليه السلام حيث قال في مفاهيم القرآن(4/390): [ الظاهر أن المراد من الملك في هاتيك الروايات هو جبرئيل].
2-يقول فيلسوفهم صدر الدين الشيرازي في كتابه (الحجة) بأن جبريل هو روح القدس وذلك ص91:[ جبرائيل هو المسمى بروح القدس]، ثم أثبت بأن الإمام يسمع كلام الله تعالى بواسطة روح القدس أي بواسطة جبريل فقال ص93: [ قوله"والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص" أي يسمع كلام الله بواسطة الروح القدسي سماعاً في اليقظة لكن بصورة الألفاظ، ولا يرى الواسطة متمثلة متشخصة لا في اليقظة ولا في النوم أيضاً]
__________
(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج26 ص74.

(1/124)


3-نستطيع أن نتيقن بأنه جبريل لأنه نفس الملك الذي كان يُكَلِّم الأنبياء والمرسلين كان يكلم الإمام، لأن الروايات أثبتت أنه نفس الملك لا غيره وهو جبريل عليه السلام.
4-هناك روايات عديدة تثبت أن جبريل عليه السلام كان ينزل على الإمام ويكلمه أكثر من مرة وفي أكثر من حادثة،فمنها:

أ- عن حمران بن أعين قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك بلغني أن الله تبارك وتعالى قد ناجى عليا عليه السلام قال : أجل قد كان بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبرئيل(1).
ب-عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : إنا نقول : إن عليا لينكت في قلبه أو يوقر في صدره ، فقال : إن عليا كان محدثا ، قال : فلما أكثرت عليه قال : إن عليا كان يوم بني قريظة وبني النظير كان جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يحدثانه(2).
ج-عن رفاعة بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يملي على علي عليه السلام صحيفة فلما بلغ نصفها وضع رسول الله رأسه في حجر علي عليه السلام ثم كتب علي عليه السلام حتى امتلات الصحيفة ، فلما رفع رسول الله رأسه قال : من أملى عليك يا علي ؟ فقال : أنت يا رسول الله ، قال : بل أملى عليك جبرئيل(3).
د- عن ابن سدير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام ودعا بدفتر ، فأملى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله بطنه واغمي عليه ، فأملى عليه جبرئيل ظهره ، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : من أملى عليك هذا يا علي ؟ فقال : أنت يارسول الله ، فقال : أنا أمليت عليك بطنه وجبرئيل أملى عليك ظهره ، وكان قرآنا يملي عليه(4).
__________
(1) بحار الأنوار للمجلسي ج39ص157.
(2) بحار الأنوار للمجلسي ج40 ص140-141.
(3) بحار الأنوار للمجلسي ج39 ص152.
(3) بحار الأنوار للمجلسي ج39 ص152.

(1/125)


والرواية الأخيرة تصرح بأن الذي أملاه جبريل على علي رضي الله عنه كان قرآناً فهل يوجد أصرح من ذلك على أن الوحي حاصل للإمام.
ثالثاً:مفهوم النبوة والوحي متحقق في الإمام ولم ينفَ عنه إلا اسمها

وهذا ثابت وبكل صراحة في الرواية الثابتة في نهج البلاغة وهذا نصها: [ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به . ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما . أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله، فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة ؟ فقال هذا الشيطان أيس من عبادته . إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك لعلى خير](1)، ويمكن إثبات ذلك من وجهين:

الأول:
وهو المتعلق بقوله[إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى]، فهي تثبت بأن الإمام يسمع ويرى الوحي كالنبي - صلى الله عليه وسلم - حذو القذة بالقذة دون أدنى فرق بينهما، وهذا يبطل زعمك بأن الوحي هو الفارق بين النبي والإمام لأنه متحقق في الإمام بنص الرواية، وإليك اعتراف علمائك عند شرحهم لهذه العبارة:
__________
(1) نهج البلاغة - خطب الامام علي - رضي الله عنه - ج2 ص 157-158 خطبة 234.

(1/126)


1-يقول ابن ميثم البحراني:[وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال:كان علي عليه السلام يرى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت]، وقال في نفس الصفحة:[ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - حين سأله عن ذلك (انك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي) فإنه شهد له في ذلك بالوصول إلى مقام سماع الوحي وكلام الملك وصوت الشيطان وسائر ما يراه - صلى الله عليه وسلم - ويسمعه](1)، فهو يصرح بوصول الإمام إلى مقام يسمع فيه كلام الوحي والملك والشيطان، ولم يحصر السماع في ذلك بل زاد عليه وأطلقه بكل ما يراه ويسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أدنى فرق، فأين الفرق بالله عليكم يا منصفين؟!!!
2-يقول حبيب الله الهاشمي الخوئي:[ما أشار إليه بقوله(انك تسمع ما أسمع وترى ما أرى) ظاهر هذا الكلام يفيد أن الإمام يسمع صوت الملك ويعاينه كالرسول](2).
3-يقول الحسيني الشيرازي:[ثم قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعلي عليه السلام (أنك تسمع ما أسمع) من صوت الوحي ورنة الشيطان وما أشبه،(وترى ما أرى) من صورة الملائكة والشيطان](3) (3/224).

الثاني:
__________
(1) المصباح (الشرح الكبير) ميثم البحراني(4/318).
(2) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة – للميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي(12/42-43).
(3) توضيح نهج البلاغة- للسيد محمد الحسيني الشيرازي(3/244).

(1/127)


بالإضافة لما تقدم من نص الرواية وتصريح العلماء، فإن الذي يؤكد أن مفهوم النبوة متحقق في الإمام هو النفي الوارد في الرواية بقوله(إلا أنك لست بنبي) وهذا يؤكد أن الوصف المتقدم ينطبق على مفهوم النبوة تماماً مما اضطره لنفي الإسم عنه بعد ثبوت الوصف له، فيقول حبيب الله الخوئي حول النفي الوارد:[ ولما كان ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - (أنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى) موهماً للمساوات بينه عليه السلام وبينه - صلى الله عليه وسلم - استدرك ذلك بقوله(إلا أنك لست بنبي)](1)، ويقول الموسوي:[ثم لما أشار إلى أن الإمام يسمع كما يسمع النبي ويرى مثلما يرى، ولما كان يخشى أن يظن أحد بتساويهما نفى عنه النبوة](2).
بمعنى أدقّ أن نفي النبوة عن الإمام ليس من جهة عدم اتصافه بالنبوة وعدم تحقق مفهومها فيه، بل من جهة أخرى وهي كونه - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين فلا يجوز أن يطلق اسم النبي على أحد بعده(3)، وإلا فوصف النبوة متحقق في علي رضي الله عنه بنص الرواية وتصريح العلماء من سماعه ورؤيته للوحي وكلام الملك.
وهكذا تبين لنا من خلال الوجهين أن مفهوم النبوة متحقق في الإمام بنص الرواية ولم ينفِ عنه إلا اسم النبوة دون حقيقتها لتستيقن بأن الخلاف بيننا لفظي فقط مع الاتفاق على الحقيقة والمفهوم.

رابعاً: إن الاتصال بالسماء لم ينقطع بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه ثابت للأئمة
__________
(1) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (12/42).
(2) شرح نهج البلاغة- للسيد عباس علي الموسوي(3/348).
(3) ولذا ينقل حبيب الله الخوئي في شرحه السابق للنهج(12/43) قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - :[ وقال - صلى الله عليه وسلم - لولا أني خاتم النبيين لكنت شريكاً في النبوة]، وقال البحراني في شرحه(4/318) ناقلاً نفس الحديث:[ وقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - لولا أني خاتم النبيين لكنت شريكاً في النبوة].

(1/128)


وهذا قد صرح به عالمكم محسن الخرازي معتمداً على ما ورد عندكم من روايات، وذلك حين أورد اعتراضاً على ختم النبوة بأن فيه حرماناً البشر من رحمة الاتصال بالملأ الأعلى، فقال إن هذا الاتصال ثابت للأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقطع حيث قال في كتابه(بداية المعارف الإلهية) (1/281):[ ومنها أن لازم ختم النبوة هو قطع ارتباط الأمة مع المبدأ الأعلى، وفيه أن الارتباط بالمبدأ الأعلى لا ينحصر في النبوة إذ الارتباط بواسطة الأئمة (ع) ميسور وممكن بل واجب، إذ الإمامة غير منقطعة إلى يوم القيامة، والإمام محدث والملائكة تتنزل إليهم وتخبرهم بما يكون في السنة من التقدير والقضاء والحوادث وبأعمال العباد وغير ذلك، لتواتر الروايات الدالة على ذلك، من جملتها ما روي عن الباقر عليه السلام :(إن أوصياء محمد عليه وعليهم السلام محدثون) أصول الكافي(1/270) ].
فهو يثبت الوحي للأئمة بكل صراحة، لأنه نفى حصول انقطاع الاتصال بالسماء بعد رحيل النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤكداً استمراره وثبوته للأئمة، وبما أن الاتصال الذي كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في السماء هو الوحي فهو إذاً بعينه ثابت للأئمة ولم ينقطع بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - .

خامساً: أن الأئمة يعلمون أخبار السماء صباحاً ومساءاً عن طريق الملك

(1/129)


لقد صرحتم بأن الإمام يعرف أخبار السماء صباحاً ومساءً وهذا إما أن يكون عن طريق وحي ظاهر وهو الملك أو باطن وهو الإلقاء في القلب ولكنكم قد اثبتم له الوحي الظاهر وهو تكليم الملك للإمام(1) وهذا هو معنى الوحي الذي ينزل على الانبياء، ولكنكم لم تثبتوا هذا للامام فحسب، بل جعلتم منع الله تعالى لهذا الوحي (وهو إخبار الامام بأخبار السماء والارض صباحاً ومساءً عن طريق الملَك) عن الامام منافٍ لرحمته ولطفه بعباده، وبالتالي يكون القول بانقطاع الوحي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ينافي رحمة الله تعالى بعباده ولطفه بهم، فمن رواياتكم التي أثبتم فيها نفس المعنى الذي نقول به ما يلي:-
أ-ذكر الكليني في (الكافي) ج1 ص261 الحديث (3): [عن جماعة بن سعد الخثعمي انه قال: كان المفضل عند ابي عبد الله (ع) فقال له المفضل: جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ قال: لا، الله اكرم وارحم وارأف بعباده من ان يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً].
ب-ذكر ايضاً ص262 الحديث (6): [عن ابي حمزة قال: سمعت ابا جعفر (ع) يقول: لا والله لا يكون عالم (العالم الذي افترض الله طاعته) جاهل ابداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء، ثم قال: الله اجل واعز وأكرم ان يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وارضه، ثم قال: لا يحجب ذلك عنه].
وهذا هو بعينه الذي أثبته الخرازي، إذ أثبت أن الاتصال بالسماء عن طريق الملائكة حاصل للأئمة وهذا بلا شك هو مفهوم الوحي.

سادساً: إن روح القدس الذي به تحمل النبوة ينتقل من النبي إلى الإمام
__________
(1) فقد روى الكليني عدة روايات تثبت تكليم الملك للإمام ذكرناها في النقطة الأولى في هذا القسم .

(1/130)


وقد أثبتم هذه الروح أي روح القدس في رواياتكم والتي ميزتموها عن باقي الأرواح بأنها لا تسهو ولا تلهو وبها يعلم النبي والإمام أنباء الغيب من تحت عرش الرحمن إلى ما تحت الثرى كما- عبر عنه شارح الكافي عند تعليقه على الرواية الثانية الآتية - وهناك مزية أخرى لروح القدس وهي أن النبوة تحمل بها فبروح القدس تُحمل النبوة- حيث صرح بذلك في الرواية الثالثة- والفاجعة التي سيُصاب بها القارئ حين يعلم أن هذه الروح التي تحمل بها النبوة قد انتقلت إلى الإمام كما ورد في الرواية الثالثة بقوله:[ وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار إلى الامام]، بمعنى أن الإمام سيحمل النبوة عن طريق روح القدس التي انتقلت إليه فكيف تزعمون بأنكم لم تثبتوا النبوة للإمام، ومن الروايات حول "روح القدس" هذه ما رواه الكليني في الكافي ج1ص271-272:
1- عن جابر الجعفي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا جابر إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف وهو قول الله عزوجل : " وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون اولئك المقربون " فالسابقون هم رسل الله عليهم السلام وخاصة الله من خلقه ، جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الاشياء ، وأيدهم بروح الايمان فبه خافوا الله عزوجل وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله ، وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عزوجل وكرهوا معصيته ، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيؤون ، وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الايمان فبه خافوا الله ، وجعل فيهم روح القوة فبه قدروا على طاعة الله ، وجعل فيهم روح الشهوه فبه اشتهوا طاعة الله ، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيؤون .

(1/131)


2 - عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن علم العالم ، فقال لي : يا جابر إن في الانبياء والاوصياء خمسة أرواح : روح القدس وروح الايمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ، ثم قال : يا جابر إن هذه الاربعة أرواح يصيبها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب .
3 - عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن علم الامام بما في أقطار الارض وهو في بيته مرخى عليه ستره ، فقال : يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي صلى الله عليه وآله خمسة أرواح : روح الحياة فبه دب ودرج ، وروح القوة فبه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال ، وروح الايمان فبه آمن وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار إلى الامام ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو والاربعة الارواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو ، وروح القدس كان يرى به(1).

سابعاً: مفهوم العصمة يتضمن إثبات الوحي وهي متحققة في الإمام

إن مفهوم العصمة متضمن معنى الوحي من خلال إخباره وتصويبه للمعصوم، فيذكر الدكتور عبد الهادي الحسني في كتاب (العصمة) ص71: [أي ان الائمة يوحى اليهم وإلا كيف تكون العصمة؟! أما قال الله عز وجل وهو يخبر عن عصمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكونها بالوحي {والنجم اذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى} وهذه هي العصمة، ثم قال بعدها مبيناً علتها (وسببها) {ان هو إلا وحي يوحى} عن طريق جبريل (ع) الذي اخبر عنه بقوله تعالى بعدها {علمه شديد القوى} النجم (1-5)].

ثامناً: لم تثبتوا نزول الوحي فقط على الإمام بل زدتم عليه
__________
(1) قال محقق الكتاب:[يعنى ما غاب عنه في اقطار الارض وما في عنان السماء وبالجملة ما دون العرش إلى ما تحت الثرى] .

(1/132)


فقد أثبتم للأئمة نزول ملك هو أعظم من جبريل عليه السلام أي لم تكتفوا بنزول جبريل على الإمام لأن هذا في نظركم شئ مشترك بينهم وبين الأنبياء، وبما أنكم تعتقدون علو منزلة أئمتكم على منزلة الأنبياء وأنها أعظم منها، فلا بد أن تضيفوا إليهم تَنَزُّل ملائكة أعظم من جبريل لتؤصلوا وتجَذِّروا معتقدكم بالتفضيل أي إن الأنبياء كان ينزل عليهم جبريل فإن أئمتنا – مع نزول جبريل عليهم (1)–ينزل عليهم ملك هو أعظم من جبريل ولم يكن مع من مضى من الأنبياء(2)، وهذا الملك يدعى الروح وهو أعظم من جبريل وميكائيل فمن الروايات التي أثبتت ذلك والتي وردت في كتاب الكافي للكليني ج1ص273 ما يلي:
1 - عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان " قال : خلق من خلق الله عزوجل أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الائمة من بعده .
2 - عن أسباط بن سالم قال : سأله رجل من أهل هيت - وأنا حاضر - عن قول الله عزوجل : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " فقال : منذ أنزل الله عزوجل ذلك الروح على محمد ، صلى الله عليه وآله ما صعد إلى السماء وإنه لفينا .
3 - عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة ، وهو من الملكوت .
__________
(1) كما أثبتنا ذلك من نزول جبريل عليه السلام على أئمتهم.
(2) بدليل العبارة التي وردت في نفس الحديث الذي سنذكره وهي قوله:[ لم يكن مع أحد ممن مضى، غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة يسددهم].

(1/133)


4 - عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، لم يكن مع أحد ممن مضى ، غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة يسددهم ، وليس كل ما طلب وجد .
وانظر بعين البصيرة لهذه العبارة عن هذا الملك الذي هو أعظم من جبريل وميكائيل حيث قال عنه:[ لم يكن مع أحد ممن مضى ، غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة يسددهم]، فهو غير موجود مع الأنبياء السابقين لتستيقن بأنكم تنزهون مرتبة الإمامة من أن تنحدر من عزها ورفعتها إلى مرتبة النبوة.

تاسعاً: مفهوم النبوة التبليغية وتعريفها ينطبق تماماً على إمامكم المعصوم

بعدما تبين لنا بما تقدم أنكم تثبتون الوحي للإمام المتمثل بتكليم جبريل له وإملائه عليه قرآناً وإخباره له بأخبار السماء صباحاً مساءاً(1)، بما يجعله في مصاف الأنبياء لتحقق مفهوم النبوة فيه، دون أدنى فرق معقول، وهذا التحقق يتأكد أكثر من خلال طرحكم مفهومين للنبوة وهما النبوة التشريعية والتبليغية على ما صرح به آيتكم العظمى جعفر سبحاني(2) والذي عرفهما بقوله:
__________
(1) قال علامتهم محمد جميل حمود مثبتاً الوحي للإمام بالإضافة لما تقدم في كتابه (الفوائد البهية)(2/102):[ فنزول جبرائيل عليه السلام والملائكة المقربين على نبينا محمد وعترته الطاهرة ... وعليه فوساطة جبريل أو روح القدس في علمهم في هذه النشأة]، وقال عن الوحي الذي ينزل على الرسل وأولي العزم(2/107):[ وهذا القسم من الوحي يشمل العترة الطاهرة أيضاً لقوله تعالى( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الانبياء:73).

(2) وذلك في كتابه(مفاهيم القرآن)جزء3 ص217-218.

(1/134)


1- النبوة التشريعية: هي أن يبعث النبي بشريعة جديدة وكتاب جديد، وهذه قد انحصرت في خمسة ذكرت أسماؤهم في القرآن الكريم.
2- النبوة التبليغية: هي أن يبعث النبي لغاية الدعوة والإرشاد إلى أحكام وقوانين سنّها الله تعالى على لسان نبيه المتقدم، وهم الأكثرية من الأنبياء حيث بعثوا لترويج الدين الذي جاء به أولي العزم الخمسة.
ولو تأملنا التعريفين بتجرد وإنصاف نستطيع أن ننفي عن الإمام النبوة التشريعية لأنه لم يأتِ بشريعة جديدة غير شريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - - وهذا لم تتفردوا به لأننا مثلكم لم نقل أن القادياني جاء بشريعة جديدة - إلا أن النبوة التبليغية متحققة فيه تماماً بمفهومها الذي ذكرتموه ولا يمكنكم إيجاد فرق ظاهر ومقنع بينهما، وهذا التحقق يظهر بأمور منها:

الأول:
النبي التبليغي ينزل عليه الوحي وهذا متحقق في الإمام.

الثاني:

(1/135)


إن وظيفة النبي هي بعينها وظيفة الإمام، وهي بيانه للشريعة وحفظها من التحريف لكي تصل إلى جميع المكلفين كاملة ناصعة، حيث قال جعفر سبحاني عن وظيفة النبي التبليغي وتعريفه:[ بأنه الذي يقوم بنشر الشريعة وجلائها وتجديدها لكي لا تندرس ويتم إبلاغها من السلف إلى الخلف باسلوب صحيح](1)، وفي الوقت نفسه أثبتم هذا للإمام، حيث يقول مرتضاهم الملقب بعلم الهدى:[ لأن أصحابنا قد ذكروا وجوه الحاجة إليه في ذلك . فمنها تأكيد العلوم وإزالة الشبهات. ومنها أن يبين ذلك ويفصله، وينبه على مشكله وغامضه . ومنها كونه من وراء الناقلين ليأمن المكلفون من أن يكون شئ من الشرع لم يصل إليهم](2)، وقال أيضاً:[ فيجب أن يكون من وراء ما ينقل إلينا بعد وفاته صلى الله عليه وآله من شريعته معصوم يتلافى ما يجري في الشريعة من زلل وترك الواجب] ، وقال أيضاً ناقلاً اعتراض القاضي عبدالجبار المعتزلي حيث قال:[ قال صاحب الكتاب: " فعند ذلك يقال لهم : إن شريعة النبي صلى الله عليه وآله وإن كان لا بد من أن تكون محفوظة فمن أين أنها لا تحصل محفوظة إلا بالإمام المعصوم؟]، فأجاب عنه بقوله:[ فقد بينا أن الحافظ ليس يخلو من أن يكون الأمة أو الإمام ، وأبطلنا أن تكون الأمة هي الحافظة فلا بد من ثبوت الحفظ للإمام وإلا وجب أن تكون الشريعة مهملة](3)، فانظر لهذا التطابق بين النبي التبليغي والإمام، حيث تحقق فيه مفهوم النبوة التبليغية تماماً دون أدنى فرق إلا اطلاق الاسم.

ثالثاً:
إن بعض أعلامكم حين أرادوا أن يفرِّقوا بين النبي- بمفهوميه التشريعي والتبليغي- والإمام، أوردوا تفرد النبي بالوحي التشريعي والنبوة التشريعية كفرق ظاهر وحد فاصل يميز النبي عن الإمام، فمن هؤلاء:
__________
(1) وذلك في كتابه(مفاهيم القرآن)جزء3 ص218.
(2) الشافي في الامامة ج1 - الشريف المرتضى ص75-76.
(3) الشافي في الامامة ج1 - الشريف المرتضى ص180-181.

(1/136)


أ-يقول علامتكم محمد جميل حمود:[ ووجوب اللطف لا يختص بالأنبياء والمرسلين،بل يشمل الأوصياء والأولياء المنصوصين من قبل الله تعالى،لأن مهام هؤلاء كمهام أولئك بمناط واحد لا يختلفون عن بعضهم البعض إلا في تلقي الوحي التشريعي](1)، وقال في نفس الكتاب (2/97):[ فمما لا ريب فيه عند الإمامية،ان الإمام- كالنبي- قائم مقامه في جميع شؤونه إلا تلقي الوحي التشريعي]
ب-يقول فيلسوفكم الشيرازي:[لكن النبوة ختمت بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أي نبوة الرسالة والتشريع، وبقيت الإمامة التي هي باطن النبوة إلى يوم القيامة](2)، وقال في نفس الكتاب ص97:[فإن هذه الأحوال السنية ... مما يقع فيه الاشتراك بين الأنبياء والرسل والمحدثين من هذه الأمة، بل أن الأرض ما خلت عن النبوة الباطنية إلا نبوة التشريع وإطلاق الإسم].
إلا أنهم غفلوا عن ان محاولة التفريق التي أوردوها غير تامة، لأنها تصح للتفريق بين النبي التشريعي فقط والإمام، ولكنها في الوقت نفسه تثبت الشراكة والتشابه التام- التطابق- بين النبي التبليغي والإمام في انتفاء الوحي التشريعي عنهما، وهذا منتهى الإفلاس والتخبط بأن توردوا ما تظنوه يخدمكم للتفريق، وهو في حقيقته ضدكم لتضمّنه التطابق والتشريك بين النبي والإمام، فمحاولتكم هذه قد انقلبت عليكم وهذا يظهر من وجهين:

1-أنها أثبتت التطابق التام بين النبي التبليغي والإمام، من خلال إفلاسكم من إيراد فرق صحيح بينهما.
__________
(1) الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية- العلامة محمد جميل حمود (2/71-72).
(2) كتاب الحجة- صدر الدين الشيرازي ص133.

(1/137)


2-إن نفي الوحي التشريعي عن الإمام لم تتفردوا به، فنحن أيضاً لم نثبت الوحي التشريعي لنبينا غلام أحمد القادياني(1)، بمعنى أن محاولتكم هذه جاءت لتؤكد التطابق بيننا وليس التفريق!!! فمرحباً بالوفاق والاتفاق والتطابق بين نبينا التبليغي وإمامكم المعصوم.

عاشراً: علماء الشيعة صرحوا بأن الإمام يجب أن يتصف بصفات النبي

فقد صرحتم بوجوب اتصاف الإمام بصفات النبي لأنه نائب عنه فيجب أن يكون مماثلاً له تماماً- أي نسخة طبق الأصل – فممن صرح بذلك من علمائكم:
__________
(1) فينقل آية الشيعة محققهم جعفر سبحاني بأن القادياني لم يأتِ بشريعة جديدة بل نبوته تابعة لنبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وذلك في كتابه (المذاهب الإسلامية) تحت عنوان(عقيدته في الرسول وشريعته) ص366:[ إنه ادعى النبوة والرسالة على النحو الذي بيناه، ومع ذلك ادعى ان رسالته مؤيدة للإسلام لا ناسخة لشريعته، يقول: أما ما يطلب الله منكم من ناحية العقائد، هو أن تعتقدوا أن الله واحد لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله وهو خاتم الأنبياء وأفضلهم أجمعين فلا نبي بعده إلا من خلع عليه رداء المحمدية على وجه التبعية لأن الخادم لا يغاير مخدومه، ولا الفرع بمنفصل عن أصله]، ثم بيّن بأن نبوته التي ادعاها تنطبق تماماً تعريف النبي التبليغي المذكور فقال ص362-363: [ إن دعوته تمت باسم الإسلام، وأنها دعوة إصلاحية يبغي وراءها نفض كثبان الجهل والخرافة عن وجه الدين .. إن دعوته قائمة على إصلاح العالم والدعوة إلى الإسلام وتجديده .. أنه قد أرسل لإصلاح الخلق ليقيم هذا الدين في القلوب من جديد].

(1/138)


1- قال عبد الحسين دستغيب في كتاب الامامة من سلسلة اصول الدين(2/6): [ يجب أن يكون الإمام مشابهاً للرسول - صلى الله عليه وسلم - تماماً]،وقال:[ فالنائب لأي شخص يجب أن يكون مماثلاً لذلك الشخص فخليفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يماثل الرسول من حيث العلم والعمل، بحيث لو رآه أي شخص فكأنما رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم -].
2-قال محمد تقي مصباح اليزدي ص331:[ الإمام الذي يمتلك خصائص نبي الإسلام ص كلها عدا النبوة والرسالة].
3-قال محسن الخرازي في (بداية المعارف الالهية) جزء1 ص11: [كما انه (أي الامام) يتصف بصفات النبي ايضاً لكونه خليفة له، فان كان النبي معصوماً فهو ايضاً معصوم…. وهكذا فالامام يقوم مقام النبي في جميع صفاته عدا كونه نبياً] ويقول ايضاً جزء2 ص40: [فكل ما كان النبي معصوماً عنه كذلك يكون الامام معصوماً عنه]،وقال(2/44):[ أن مقتضى كون الإمام قائماً مقام النبي في جميع شؤونه إلا تلقي الوحي، هو تخلقه بأخلاقه واتصافه بصفاته، إذ بدون ذلك لا يتم الإستخلاف والنيابة ومعه لا يتم اللطف، وهو نقض للغرض، ومخالف لمقتضى عنايته الأولى ورحيميته ] .
4- محمد رضا المظفر في (عقائد الامامية) ص104: [ونعتقد ان الامام كالنبي يجب ان يكون معصوماً].
5-قال عالمكم وأبرز أعلام المذهب علي بن موسى ين جعفر بن طاووس في كتاب (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف) ص10 [وان القائم مقامه على صفات نبيه في العصمة، وكلما يجب له يجب للنائب من صفات الكمال] .
فأنتم توجبون أن يتصف الإمام بصفات النبي فكيف تقول لم نشركهم بالصفات.

الحادي عشر: تصريح علمائكم بأهلية الأئمة لمنصب النبوة لولا عقيدة ختم النبوة
فقد صرح علماء الشيعة بأن أئمتكم مستحقون لمنصب النبوة مؤهلون له والعقل يجوز نبوتهم إلا أن الشرع الذي صرح بختم النبوة منعهم من إطلاق اسم النبي عليهم، فممن صرح بذلك:

(1/139)


1- المفيد في (اوائل المقالات) ص49-50 باب (القول في الفرق بين الرسل والانبياء): [وانما منع الشرع من تسمية أئمتنا بالنبوة دون ان يكون العقل مانعاً من ذلك] أي لولا الشرع لأطلقوا على أئمتهم لفظة النبي لان العقل يجوزه.
2- قال هبة الدين الشهرستاني في(أوائل المقالات)ص178:[وما يدريك أن لو كانت النبوة باقية مستمرة لكانت النبوة في هؤلاء متسلسلة فما قصروا عنها إلا لمانع في الحكمة الالهية العامة لا لقصور في استعداد هؤلاء خاصة ، والله أعلم بحقائق الامور.
3-قال السيد أمير محمد كاظم القزويني في كتابه(الشيعة في عقائدهم وأحكامهم) ص73 حول استحقاق الأئمة للنبوة والمانع منه هو ختم النبوة:[ولا يرد عليه بأنه إذا كانت مرتبة الإمامة فوق مرتبة النبوة كان افتراق الإمامة عنها منافياً لهذا القول لأنه مردود باستحقاق المرتبة العالية وهي الإمامة متفرع على استحقاق المرتبة التي هي دونها أي النبوة وهذا الاستحقاق ثابت في الأئمة من البيت النبوي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان المانع عنها هو مرتبة ختم النبوة الثابتة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -] .

الثاني عشر:تصريح فيلسوفكم الشيرازي بأن الإمامة هي نبوة باطنية وأنهما حقيقة واحدة

فقد اعترف صدر الدين الشيرازي في كتابه(الحجة) بأن الإمامة نبوة باطنية وهي متفقة في حقيقتها مع النبوة، فمن أقواله:
1- صرح بأن الإمامة هي باطن النبوة فقال ص133:[ لكن النبوة ختمت بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أي نبوة الرسالة والتشريع، وبقيت الإمامة التي هي باطن النبوة إلى يوم القيامة]، وقال ص97:[فإن هذه الأحوال السنية ... مما يقع فيه الاشتراك بين الأنبياء والرسل والمحدثين من هذه الأمة، بل أن الأرض ما خلت عن النبوة الباطنية إلا نبوة التشريع وإطلاق الإسم].

(1/140)


2- قال ص51:[ فيجب أن لا تنقطع الإمامة التي هي والنبوة حقيقة واحدة بالذات متغايرة بالإعتبار عن ذريته، بل لا بد أن لا ينقطع معنى النبوة وما يجري مجراه عن وجه الأرض أبداً كما توضح سابقاً].

الثالث عشر: آخر قاصمة للظهر صرح بها المجلسي بأن عقولهم لم تستطع الوقوف على فرق مقنع بين النبي والإمام

فمسكين مجلسيُّكُم هذا رغم أنه خاتمة محدثي الشيعة وألف كتاب (بحار الأنوار) والذي طبع مؤخراً فبلغت مجلداته (110) مجلد لتتصور سعة علمه واطلاعه على المذهب بمروياته ونصوص علمائه، بعد أن أجهد نفسه ليجد فرقاً حقيقياً مقنعاً- وليس فرقاً لفظياً أو شكلياً – بين النبي وإمامهم المعصوم عجز عن ذلك لأن أوصافهم متطابقة تماماً – كما نقلنا قدراً منها آنفاً – فبعد أن غاص في بحار روايات الشيعة ونصوص علمائهم والتي بلغت (110) أبحر- أي بعدد مجلدات كتابه – والجهد المضني الذي بذله كتب لنا تقريره النهائي واعترافه الخطير الذي يعد بمثابة كلمة الفصل وصفعة قوية لكل من يزعم وجود فرق حقيقي بين النبي وإمام الشيعة، بأن عقولهم لم تصل إلى فرق بيِّن ظاهر بين النبي والإمام(1)
__________
(1) والذي يدل على هذه الحقيقة- بعدم وجود فرق حقيقي بين النبي وإمام الشيعة- بالإضافة لما تقدم هو أن شيخهم الكليني الملقب عندهم بثقة الإسلام لما حاول أن ينفي عنهم النبوة لم يجد دليلاً قوياً ومقنعاً يدعم به نفي النبوة عنهم بعدما أثبتوا له كل صفات الأنبياء بل تزيد، مما جعله ينفي عنهم النبوة بكل برود وسلبية لعدم قناعته بهذا النفي ويتجلى هذا البرود من خلال عنوان الباب الذي ساقه لنفي النبوة عنهم حيث عنونه بقوله(باب في ان الائمة بمن يشبهون ممن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوة)، فانظر إلى هذا التساهل والبرود في التعبير تجاه من يدعي النبوة في الأئمة وهو كراهية قول ذلك فيهم، إذ المفروض أن يكون العنوان (كفر أو لعن من يقول ذلك فيهم) وليس الكراهة بما يثبت عدم قناعته بوجود فرق مقنع ولذا لمَّح به من خلال العنوان- على العكس من المجلسي الذي صرح بذلك-
وبقي هنا سؤال نذكر القراء به متعلق بقول الكليني بكراهية القول فيهم بالنبوة والسؤال هو:
ماذا يقصد الكليني بهذه الكراهة بقوله(وكراهية القول فيهم بالنبوة) فهل هي كراهة لتنزيه مرتبة النبوة من ان يرتقي إليها الإمام، أم هي لتنزيه مرتبة الامام من ان تنحدر من شموخها وعليائها ورفعتها فتهبط لكي تساوي مرتبة النبي التي هي أدنى بكثير من مرتبة الإمام؟!!!
وقد بينا أن جواب هذا السؤال هو أن هذه الكراهة لتنزيه مرتبة الإمام من أن تهبط لمرتبة النبوة فراجعه في هذا الفصل.

(1/141)


واستغرب أيضاً لعدم وجود جهة وعلة مقنعة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا جهة واحدة وهي أن الشرع قال لا أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين،فقال:[ وبالجملة لا بد لنا من الاذعان بعدم كونهم عليهم السلام أنبياء وبأنهم أشرف وأفضل من غير نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الانبياء والاوصياء ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الانبياء ، ولا يصل عقولنا إلى فرق بيِّن بين النبوة والامامة ، وما دلت عليه الاخبار فقد عرفته(1)، والله تعالى يعلم حقائق أحوالهم صلوات الله عليهم أجمعين](2).
وهكذا أكملت ثلاثة عشر وجهاً أبطلت فيها محاولتك للتفريق بين النبي والإمام بفارق الوحي، وكل واحد من هذه الوجوه كافٍ لوحده على أن يجعل محاولة التفريق هباءاً منثوراً، فكيف لو اجتمعت جميعها، وبنقضي لمحاولتك أكون قد وصلت إلى نهاية المناظرة والحوار والتي سأخرج منها بثلاث نتائج تمثل خلاصة الحوار وهي:

النتيجة الأولى
لا يمكنك الرد على أدلتي وتفنيدها لأنها نفس الأدلة العقلية التي استدل بها علماؤك ليثبتوا صحة معتقدكم في الإمامة، فأنتم بين أمرين أحلاهما مر، فاختاروا إما أن تنقادوا لدعوتنا نحن القاديانيون بمقتضى ما انتهى إليه الحوار والمناظرة، أو أن تتخلوا عن أدلتكم العقلية التي ساقها علماؤكم وأساطينكم وعندها وجب عليكم اعتناق عقيدة أخرى غير عقيدتكم التي ظهر ضعفها وهشاشتها.
النتيجة الثانية
__________
(1) فقال عن الأخبار التي ذكرت الفرق بين النبي والإمام قبل هذا الكلام بقليل:[ بيان : استنباط الفرق بين النبي والامام من تلك الاخبار لا يخلو من إشكال وكذا الجمع بينها مشكل جدا].
(2) بحار الأنوار للمجلسي ج26ص82، وكرر نفس الكلام بنصه في كتابه(مرآة العقول) الذي شرح به كتاب الكافي للكليني وذلك في ج2ص290.

(1/142)


تبين لك ولجميع المسلمين مدى التطابق التام بين عقيدتنا في النبوة وعقيدتكم في الإمامة فهما يخرجان من مشكاة واحدة ويمثلان وجهين لعملة واحدة، فقد تطابقت نظريتينا تمام المطابقة من حيث الأدلة لأنها نفس الأدلة العقلية، ومن حيث صفات المرشد الإلهي- نبينا وإمامكم المعصوم – لأنها نفس الصفات وقد تجلى هذا بوضوح من خلال عجزك عن إيجاد فرق حقيقي بينهما من خلال المناظرة، وحقيقة التطابق هذه خافية على كثير من المسلمين إلا أن الحوار الذي دار بيننا قد أظهرها بكل وضوح ليعلم الجميع حقيقة معتقدكم في الإمامة لأن ظاهرها برئ وأما باطنها فقد وقفت على ما فيه من أنها تدعوا إلى وجوب استمرار النبوة ولكن تحت غطاء الإمامة أي فقط رفعتم لفظ النبي ووضعتم بدلاً عنه لفظة الإمام وما عدا هذا الخلاف اللفظي فلا يوجد فرق يذكر.

النتيجة الثالثة
ظهر بصورة قطعية وبالنصوص الصريحة أنكم معاشر الشيعة قد تنقصتم وحططتم من قدر مرتبة النبوة وشرفها، لأنكم نزهتم الإمام من أن يهبط وينحدر من رفعة مرتبة الإمامة وشموخها وعليائها إلى مرتبة النبوة الأدنى، وهذا ما ترفعنا عنه نحن ولم نجرؤ عليه..
الخاتمة

وفي ختام هذه الدراسة أتمنى أن أكون قد وفِّقت لبيان الخطر الذي تخفيه نظرية الإمام المعصوم لدى الشيعة على أصل النبوة وخاتميته بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رزقنا الله شفاعته،لأن حقيقتها تدور بين احتمالين لا ثالث لهما:

الاحتمال الأول:
أن واضعها كان غرضه الأول هو القول باستمرار النبوة ولكنه بخبث وخفاء غلَّفها بلفظ الإمام المعصوم لتنطلي على الجهلة وتلقى القبول بين الناس، وليسلم من هجمة علماء المسلمين عليه بدعوى أنه لم يصرح باستمرار النبوة،بما يجعلها في مصاف العقائد الهدامة التي تهدف للقضاء على الإسلام عن طريق التشكيك بعقائده وأصوله ومسلماته، فاتحاً الباب على مصراعيه لمن يستطيع أن يغرف من هذا الأصل بخفاء ..

الاحتمال الثاني:

(1/143)


أن واضعها لم يكن غرضه القول باستمرار النبوة،بل هي مجرد نظرية استحسنها بعقله فاعتقدها ثم أخذ يسوق لها من الأدلة ما يثبت به صحتها، فغرضه كان منصبّاً على إثباتها والدفاع عنها، وهذا الاندفاع جعله لا يتنبَّه ولا يتدبر عواقبها والنتائج الخطيرة التي ستفرزها والتي من أبرزها وأخطرها هي تهديد عقيدة ختم النبوة لأنها ستكون سلاحاً يستخدمه مدعو استمرار النبوة وجسراً يعبرون عليه لنشر باطلهم بين المسلمين كما تبين في هذه الدراسة، وهذا سيجعله في مصاف الفرق الهدامة أيضاً التي تهدف للقضاء على الإسلام عن طريق التشكيك بعقائده وأصوله ومسلماته(1)
__________
(1) ومن الطريف أن أنقل ما قاله آيتهم العظمى جعفر سبحاني في كتابه (المذاهب الإسلامية) الذي يدعي فيه التطابق بين دعوة القاديانية والبابية البهائية من وجهين الأول أن كلاً منهما تهدفان إلى إنكار ختم الرسالة، والثاني أن كلاً منهما مدعومتان من قبل الاستعمار فقال ص367-368:[ وبما أن الدعوة القاديانية كانت بمقربة من الدعوة البابية والبهائية، وكلتا الدعوتين تهدفان إلى إنكار ختم الرسالة والنبوة وتأويل قوله سبحانه(وخاتم النبيين) بزينة النبيين، يبعث الاطمئنان على أن الديانتين أو المسلكين كانا مؤيدين من قبل الاستعمار، فالبابية وليدة الاستعمار الروسي، والقاديانية وليدة حماية الاستعمار الانجليزي]، فما هو يا ترى موقف الامريكان واليهود من فرقة الشيعة الامامية وخصوصاً في العراق بعد احتلالهم لهذا البلد المسلم أليس هو التطابق مع موقف الانكليز والروس من القاديانية والبابية؟!!! وخير جواب عن غفلته عن التطابق بينهم وبين القاديانية –الذي بينته هذه الدراسة- هو قول نبينا فيما يرويه ابن حبان في صحيحه(31/73):[ عن أبى هريرة قال? قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه]، ويعلق ابن منظور في (لسان العرب)(15/174) على الحديث بقوله:[ ضربه مثلا لمن يرى الصغير من عيوب الناس ويعيرهم به وفيه من العيوب ما نسبته إليه كنسبة الجذع إلى القذاة]. – يحتاج إعادة صياغة فقط ضروري.

(1/144)


.
فعلى كلا الاحتمالين هي خطر حقيقي على الإسلام وأهله، وأسأل الله تعالى أن يتنبه المسلمون للخطر الكامن فيها فيحذرها من لا يعتقدها ويتأملها الذي يعتقدها لعله يقلل من اندفاعه في الدفاع عنها ويتدبرها من جديد بعد وقوفه على هذا الخطر الكامن فيها بتهديدها لركن النبوة وخاتميته.
وأخيراً أسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذه الدراسة التي دافعت فيها وذِدْتُ بها عن شرف النبوة وخاتميتها المقدسة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رزقنا الله تعالى شفاعته وحشرنا معه برحمة أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مصادر الدراسة
1. الاختصاص- الشيخ المفيد-الناشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية.
2. الإرشاد للشيخ المفيد –مؤسسة الأعلمي للمطبوعات–الطبعة الثالثة 1979.
3.أصول العقائد في الإسلام -السيد مجتبى اللاري–مركز نشر الثقافة الإسلامية في العالم – قم – الطبعة السادسة 1424هـ.
4.الأصول من الكافي تأليف ثقة الإسلام أبى جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي - صححه وعلق عليه على اكبر الغفاري - الناشر دار الكتب الإسلامية مرتضى آخوندى تهران- بازار سلطاني- الطبعة الثالثة (1388).
5.الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد شيخ الطائفة الفقيه الاكبر أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي 385 - 460 منشورات مكتبة جامع چهلستون - طهران
6.الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام العلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف المطهرمكتبة الألفين الكويت – الطبعة الأولى 1405 ه‍ - 1985 م‍ مكتبة الألفين : بنيد القار – الكويت
7.الإمامة- الشيخ محمد حسن آل ياسين -منشورات المكتب العالمي-بيروت
8.الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية- آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي- دار الصديقة الشهيدة- الطبعة الثانية 1382هـ-إيران – قم.

(1/145)


9.الأنوار الجلالية-المقداد السيوري-الطبعة الأولى 1420هـ- مؤسسة الطبع التابعة للآستانة الرضوية المقدسة
10.الأنوار النعمانية - السيد نعمة الجزائري - مطبعة شركت بنجاب - تبريز – ايران.
11.أوائل المقالات تأليف الامام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم ابي عبد الله، العكبري، البغدادي (336 - 413 ه‍) دار المفيد طباعة - نشر - بيروت. لبنان الطبعة الثانية 1414 هجرية - 1993 ميلادية.
12.بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي - مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان - الطبعة الثانية المصححة 1403 ه‍ - 1983 م.
13. بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية-محسن الخرازي-مؤسسة النشر الإسلامي-الطبعة الحادية عشرة
14. بداية المعرفة في علم الكلام-الشيخ حسن مكي العاملي-دار المغرب -بغداد
16.التبيان في تفسير القرآن –محمد بن الحسن الطوسي المتوفي سنة 460هـ -مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي- الطبعة الأولى 1409هـ
17.تفسير القران العظيم الامام الحافظ عماد الدين ، أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشى الدمشقي المتوفى سنة 774 ه‍ دار المعرفة بيروت - لبنان 1992 م - 1412 هـ.
17.تلخيص الشافي للطوسي – مطبعة الآداب في النجف – الطبعة الثاني 1963.
18.تنزيه الانبياء تصنيف ابى القاسم على بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى " المتوفى سنة 436 ه‍ " دار الاضواء الطبعة الثانية 1409 ه‍. - 1989 م.
19.توضيح نهج البلاغة- للسيد محمد الحسيني الشيرازي- طهران- دار تراث الشيعة
20.الحكومة الإسلامية- الخميني- تعليق محمد أحمد الخطيب- دارعمان للنشر- الطبعة الأولى 1988م.
21.دراسة عامة في الإمامة-للعلامة الشيخ إبراهيم الأميني-مؤسسة أنصاريان 1996م
22. دروس في العقائد الإسلامية-مكارم الشيرازي-مدرسة الإمام علي بن أبي طالب 1419هـ

(1/146)


23. دروس في العقيدة الإسلامية-محمد تقي مصباح اليزدي
24.رسائل الشريف المرتضى * تأليف: الشريف المرتضى * تقديم: السيد أحمد الحسيني * إعداد: السيد مهدي الرجائي * نشر: دار القرآن الكريم - قم * طبع: مطبعة سيد الشهداء - قم * التاريخ: 1405 ه‍ .
25.الرسائل العشر - شيخ الطائفة الطوسي - تحقيق واعظ زاده الخراساني - الناشر جامعة المدرسين - قم 1404هـ.
26.رسائل المحقق الكركي - المجموعة الأولى * المؤلف: المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي * تحقيق: الشيخ محمد الحسون * الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم * الطبع: مطبعة الخيام قم * الطبعة: الأولى * التاريخ: 1409 ه‍ ق.
27.رسالة في مسائل الخلاف للسيد حسن بن سيد احمد الاسكندري- مخطوطة
سلسلة أصول الدين-عبدالحسين دستغيب-مؤسسة دار الكتاب الجزائري-الطبعة الثانية1425هـ
28.الشافي في الإمامة - الشريف المرتضى قدس سره - الناشر : مؤسسة الصادق - طهران * الطبعة : الثانية تاريخ النشر : 1410 ه‍ . ق
29.الشافي في شرح أصول الكافي- عبدالحسين المظفر – مطبعة الغري الحديثة- النجف
30.شرح نهج البلاغة- السيد علي عباس الموسوي- بيروت- دار الرسول- الطبعة الأولى 1418هـ
31.الشيعة في عقائدهم وأحكامهم-أمير محمد الكاظمي القزويني-الطبعة الأولى-الكويت
32.صراط النجاة استفتاءات لآية الله العظمى الخوئي (قدس سره) مع تعليقة وملحق لاية الله العظمى التبريزي (دام ظله الوارف) الطبعة: الاولى في الجمهورية الإسلامية الايرانية جمادي الاول 1416 ه‍ .
33.صورتان متضادتان لابي الحسن الندوي – طبعة سنة 1985.
34.الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف تأليف العالم العابد الزاهد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى ابن طاوس الحلي المتوفى سنة 664 ه‍ - مطبعة الخيام - قم 1399 ه‍
35.العصمة – الدكتور عبد الهادي الحسفي – دار المرتضى للطباعة والنشر – الطبعة الاولى 1997. 
(1/147)
36.عقائد الامامية – محمد رضا المظفر – دار الزهراء للطباعة والنشر – بيروت لبنان – الطبعة الثالثة.

37.عيون أخبار الرضا للشيخ الاقدم والمحدث الاكبر أبي جعفر الصدوق محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى قده المتوفى سنه 381 صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الاعلمي الجزء الاول منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان - الطبعة الاولى 1404هـ.
38.الفصول المهمة في أصول الائمة - محمد بن الحسن الحر العاملي تحقيق واشراف : محمد بن محمد الحسين القائيني الناشر : لمؤسسة معارف إسلامي امام رضا ( ع ) تاريخ النشر : الاولى - 1418 ه‍ . ق . ( 1376ه‍ . ش)
39.الفصول المهمة في تأليف الأمة المؤلف: العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي الناشر: قسم الإعلام الخارجي المؤسسة البعثة الطبعة: الأولى.
40.الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية-للعلامة الشيخ محمد جميل حمود-دار الفقه للطباعة والنشر-الطبعة الأولى 1425هـ
41.القادياني والقاديانية لابي الحسن الندوي – الدار السعودية للنشر – الطبعة الثالثة 1967.
42.القاديانية والاستعمار الانكليزي – عبد الله سلوم السامرائي – دار الرشيد للنشر 1981.
43.كتاب الحجة-صدر الدين الشيرازي-مؤسسة التاريخ العربي-الطبعة الأولى 2004م
44.كشف الأسرار- الخميني- دار عمان – الطبعة الثالثة 1988م.
45.كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد * مؤلف : علامة المحقق الخواجه نصير الدين طوسي * ناشر : انتشارات شكورى ، پاساژ قدس ، * الطبعة الرابعة1373هـ
46.كمال الدين وتمام النعمة المؤلف : الشيخ الجليل الاقدم الصدوق الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - ايران التاريخ : محرم الحرام 1405
47.المجموعة الكاملة لمؤلفات محمد باقر الصدر- المجلد 11- دار التعارف للمطبوعات- بيروت – لبنان- سنة الطبع 1990م.
48.مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم – دار الندوة الجديدة 1984. 
(1/148)
49.مرآة العقول-محمد باقر المجلسي-دار الكتب الإسلامية-طهران-بازار سلطاني
50.المذاهب الإسلامية- جعفر سبحاني – مؤسسة الصادق-الطبعة الأولى1423هـ.
51.المراجعات - السيد عبدالحسين شرف الدين - تحقيق حسين الراضي - الناشر الجمعية الإسلامية - الطبعة الثانية 1982م.
52.المسألة القاديانية لابي الاعلى المودودي.
53.المسلك في أصول الدين وتليه الرسالة الماتعية كلاهما تأليف نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد المحقق الحلي (ره ) 602 - 676 ه‍ تحقيق رضا الأستادي الناشر : مجمع البحوث الإسلامية ، إيران - مشهد الطبعة : الأولى 1414 ق - 1373 ش
54.المصباح(الشرح الكبير)- ميثم البحراني- طهران – الطبعة الثانية 1404هـ
55.مفاهيم القرآن-جعفر سبحاني-مؤسسة الإمام الصادق-الطبعة الرابعة 1413هـ
56. الملل والنحل-جعفر سبحاني-الطبعة الثانية 1408هـ-مركز مديريت حوزة علمية-قم
57.منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة- الميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي- طهران – المكتبة الإسلامية- الطبعة الرابعة 1405هـ
58.موقف الامة الإسلامية من القاديانية لنخبة من علماء باكستان – مجلس تحفظ ختم النبوة.
59.النبوة والأنبياء في ضوء القرآن-أبو الحسن الندوي-مكتبة وهبة-الطبعة الثانية 1965م
60.النكت الاعتقادية- الشيخ المفيد-الطبعة الثانية 1993م-دار المفيد-بيروت
61.نور البراهين في أخبار السادة الطاهرين تأليف المحدث السيد نعمة الله الموسوي الجزائري تحقيق السيد الرجائي ـ طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامي ـ الطبعة الاولى التاريخ 1417 ه‍ . ق .
62.وسائل الشيعة - الحر العاملي - الطبعة الإسلامية - تحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي - الناشر دار احياء التراث العربي – بيروت.
63.وسائل الشيعة - الحر العاملي - تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لأحياء التراث - الطبعة الثانية 1404هـ، المطبعة قم مهر.
64.الشيعة بين الحقائق والأوهام-السيد محسن الأمين العاملي-الغدير للطباعة والنشر-الطبعة الأولى 2001م.
65.شكوى القرآن- الشيخ محمد اليعقوبي- مركز الإمام المهدي للدراسات والتوزيع- سنة الطبع 2003م.
66.الإمامة وأهل البيت- السيد محمد باقر الحكيم- المركز الإسلامي المعاصر- الطبعة الاولى 2003م.
77. حق اليقين في معرفة أصول الدين – السيد عبدالله شبر- مؤسسة أنوار الهدى- الطبعة الثالثة 2005هـ