شيعة واشنطن هزموا شيعة طهران في الجولة الاولى ..
افتتح وزير الدفاع في حكومة علاوي المؤقتة، حازم الشعلان، معركة الصدام مع التنظيمات والمرجعيات الشيعية ذات الولاءات والامتدادات الايرانية، وهي معركة لها دلالات أبرز وجوهها ان الحركة الشيعية السياسية المتعاونة مع الاحتلال، والمنخرطة في تشكيلاته الحكومية والامنية والعسكرية، هي في مأزق حرج، وتمر في مرحلة صعبة للغاية، منخورة من الداخل، ومخترقة من الخارج، تتقاذف الاهواء والمصالح اطرافها، وتفتقر الي رؤية وطنية تجمعها، لانها التزمت الطائفية منهاجاً لها لتسويق بضاعة بائرة، وتخلي قادتها وزعماؤها عن قضية العراق الاولي المتمثلة في مواجهة الاحتلال الاجنبي، واعادة السيادة والاستقلال اليه.
وعندما يتصدي الشعلان وهو شيعي، لاصحاب اللائحة الشيعية الانتخابية التي اشرفت علي تنظيمها مرجعية النجف، واتهامهم بالعمالة لإيران وتلقي التوجيهات والتمويل منها، فان ذلك يعطي مؤشرات لا تقبل الشك، بان المعركة قد انفتحت بين شيعة واشنطن، وهم فريق كبير يحظي بدعم واسع من الادارة الامريكية والشعلان واحد منهم، الذي نقل من مقر اقامته الدائمة في لندن بطائرة امريكية خاصة برفقة عبدالمجيد الخوئي الي الناصرية في جنوب العراق خلال حرب آذار (مارس) 2003، لينطلق منها علي ظهر دبابة امريكية الي الديوانية وينصب محافظاً لها، مفترقاً عن رفيقه الخوئي الذي نقل الي النجف ليلقي حتفه فيها، وبين شيعة طهران وهم جمع من المنظمات والجماعات التي ظهرت في ايران وارتبطت باجهزتها كالمجلس الاعلي وحزب الدعوة باجنحته الثلاثة او الاربعة، ومنظمة العمل الاسلامي، والهيئات والجمعيات الصغيرة التي تحظي بمساندة المرجعية الشيعية في النجف التي يقودها الثلاثي غير العراقي، آيات الله علي السيستاني وبشير النجفي واسحق فياض، وثلاثتهم ما زالوا يحتفظون بجنسياتهم وجوازات سفرهم الاجنبية.
وبالتاكيد فان كفة شيعة واشنطن ستكون الارجح في حسم المعركة المقبلة، علي الصعيد الانتخابي، وهزيمة شيعة طهران، لما يملكه قادة وانصار الفريق الاول من نفوذ ومراكز قوة ووزارات ووظائف حساسة سلمت لهم ومستشارين امريكان يوجهونهم، في الوقت الذي انحسر الفريق الثاني سياسياً وفكريا واجتماعيا لتأييد فصائله واحزابه وقياداته للاحتلال، والدخول في مزايدات مفضوحة مع شيعة واشنطن في التنديد بالمقاومة الوطنية العراقية، وفشلها في ايجاد قاعدة شعبية لها، الامر الذي دفعها للتقرب من السيد السيستاني واستغلال مرجعيته طائفيا، والتعاون مع الامريكان الغزاة، صدقاً ام ادعاء، او علي طريقة (التقية) وهي منهج شيعي تقليدي يقوم علي مبدأ (اظهر خلاف ما تبطن) الذي أبطله المرحوم الخميني في فتوي أصدرها في نيسان (ابريل) 1979 ولكن لم يتم الالتزام بها كما يبدو.
ولعل سر نجاح شيعة واشنطن المتوقع في الحاق الهزيمة بشيعة طهران، لا يكمن بالدعم الامريكي المتزايد لهم فقط، وانما بالتكتيك الذي استخدموه في الاستقطاب الحزبي والاغراء المالي والوظيفي، اضافة الي ما أبدوه من مواقف حادة ضد ايران، واعتبارها الخطر الاوحد علي العراق والتنديد بتدخلاتها، والتنبيه من أطماعها التاريخية القديمة والجديدة، والظهور تحت غطاء العلمانية والليبرالية والديمقراطية، كل ذلك ادي الي عزل شيعة طهران الذين ارتكبوا اخطاء سياسية قاتلة منذ عودتهم الي العراق، وأول خطأ لهم كان في معاونتهم للاحتلال ومشاركتهم في تشكيلاته وتأييدهم لسياساته واجراءاته، مما نزع عنهم الشعارات التي كانوا يرفعونها خلال معارضتهم للنظام السابق، في الحرية والتحرر والدفاع عن المستضعفين ومحاربة الاستكبار والاستعمار، فاذا بهم جزء من هذا الاستكبار وادوات بيد الاستعمار، في طلاق غريب مع ثوابت التراث الشيعي وتأريخه في مناهضة الاحتلال الاجنبي.
اما الخطأ الثاني الفادح الذي وقع فيه شيعة طهران فتمثل في تواطؤهم المكشوف للاجهاز علي تيار الصدر الذي قاده الزعيم الشاب مقتدي الصدر، ولعل من المفارقات التي سيكتب عنها المؤرخون، ذلك الاصطفاف المثير للدهشة الذي ابداه قادة التنظيمات والمرجعيات الشيعية مع الاحتلال وحكومته المؤقتة في ضرب التيار الصدري، بهذه القسوة والشراسة، وقذف ضريح الامام علي (كرم الله وجهه) بوابل من الصواريخ والهاونات دون ان ينتج رد فعل يتناسب مع حجم الهجوم الامريكي والحكومي الذي تعرض له هذا التيار الشعبي ومراقد الائمة، والغريب في الامر ان شيعة طهران انساقوا وراء ادعاءات وترويجات شيعة واشنطن في شتم الصدريين والتجريح بزعيمهم بصورة مبتذلة، وبالغوا في نسج مؤامرة اتهموا فيها تيار الصدر بانه خليط من اتباع النظام السابق رغم ان الوقائع اظهرت ان الفقراء والمعدمين والعمال والكسبة والجنود المسرحين ورجال الدين الشباب، هم العمود الفقري لهذا التيار الذي اكتسح الشارع الشيعي في العراق، من خلال الاهداف الوطنية التي نادي بها، وفي مقدمتها المطالبة بتحرير العراق وانهاء الاحتلال وترك العراقيين يعبرون عن اراداتهم وخياراتهم السياسية.
وبعد ان انتهت معركة الصدر بنتائجها المأساوية، توهم شيعة طهران بان مشاركتهم فيها ستعود عليهم بالفائدة، ولا بد للامريكان ان يمنحوهم الثمن الذي يستحقونه، دون ان يدركوا ان الاحتلال الاجنبي له مصالحه اولاً وثانياً وعاشراً، ولا يعير اهتماماً للأدوات التي يستخدمها في تنفيذ مآربه وغاياته، خصوصاً اذا كانت تلك الأدوات مزدوجة الولاء والارتباطات. ومما فاقم في خسارات شيعة طهران في هذه المرحلة، انهم تطابقوا في مواقفهم مع شيعة واشنطن، في محاربة المقاومة العراقية والتصدي لها، ولم يعد سراً ان المجلس الاعلي وحزب الدعوة وفيلق بدر قدموا مجندين ومقاتلين شاركوا قوات الاحتلال في حملاتها ضد الفلوجة والرمادي وديالي والموصل والبصرة والحلة، ضمن صفوف وحدات ما يسمي بـ(الحرس الوطني) وقد اعترف قائد عسكري في وزارة الدفاع هو اللواء مظهر المولي، بان القوات الامريكية دربت وأهلت قوات خاصة الحقتها بالحرس الوطني ، من خارج ملاكاته الرسمية، ولم يفصح عن طبيعتها والجهات التي رشحت افرادها، لان حقيقة ارتباطاتها بالاحزاب الشيعية والكردية باتت معروفة علي نطاق واسع في العراق.
وصار واضحاً منذ الان، ان الانتخابات المقررة الشهر المقبل، ستكسر ظهر شيعة طهران الذين قدموا قائمة طائفية سافرة من 228 مرشحاً لخوضها، علي عكس شيعة واشنطن الذين كانوا اذكي منهم سياسياً علي الاقل، فادرجوا في لائحتهم الانتخابية التي يرأسها اياد علاوي، أنصارا لهم، علمانيين ويساريين سابقين وبعثيين معتزلين وبعض السنة المغمورين، وعقدوا تفاهمات انتخابية سرية مع كتلة الرئيس المؤقت غازي الياور وتجمع عدنان الباجه جي وجماعة مالك دوهان الحسن والحزب الشيوعي العراقي ومجموعة نصير الجادرجي وربما مع الحزب الاسلامي، ومنظمات اخري مشابهة، لعزل شيعة طهران ومحاصرتهم وتحجيم نفوذهم في الانتخابات المقبلة، وعندما يعلن حازم الشعلان بعالي الصوت ان حسين الشهرستاني ممثل السيستاني في اللائحة الشيعية المنافسة عميل ايراني متهماً السلطات الايرانية بانها ساهمت في اختيار اعضاء اللائحة، فانه انطلق بمهاجمة الطرف الاخر وبهذه اللغة المباشرة وغير المألوفة من مسؤول ووزير، لدغدغة مشاعر الجمهور الشيعي في العراق، واغلبيته الساحقة من العرب، وتحذيره من مخططات شيعة طهران الذين ما زالوا يتمسكون بالمفاهيم التي تناهض العروبة والإسلام الصحيح، لذلك سعي الي الربط بين الاطماع الكسروية والشعوبية الايرانية القديمة، ضد العراق والعرب، وبين ما يجري الان من اتصالات وتعاون بين ايران الحالية التي يقودها المحافظون المتشددون والمتحفزون لتفتيت العراق العربي، بالتنسيق مع ابناء جلدتهم وقومهم ومناصريهم ومريديهم ممن وفدوا علي العراق في فترات سابقة من القرنين الماضيين، واستوطنوا فيه وتمتعوا بخيراته وموارده وتبوأوا مكانة ومنزلة وحظوة بين العراقيين الذين استقبلوهم بكرم واحتضنوهم بمودة، لكن اولاد واحفاد اولئك المهاجرين لم يحفظوا العهد وخانوا الوفادة، وظل العرق الدساس ينعش دماءهم، ويغذي احقادهم الدفينة، فارتبطوا بالشاهنشاهية في سنوات مجدها، وتحولوا الي الخمينية عند ظهورها. وليس دفاعاً عن الشعلان الذي جلدناه في اكثر من مناسبة وفي هذا المكان بالذات من القدس العربي الا ان كلامه عن شيعة طهران فيه صواب وصحة، رغم دوافعه الانتخابية الانتفاعية باعتبار ان لائحة السيستاني تستهدفه شخصياً وسياسياً وطائفياً، لانه واحد من المحسوبين علي شيعــة واشنطن.
وفي الختام لا بد من تأكيد حقيقة باتت جلية هي: ان ابرز المستفيدين من العراك بين شيعة طهران وشيعة واشنطن، هم الشيعة العرب الاصلاء الذي عمد الفريقان الامريكي والايراني الي تغييب رجالاتهم ورموزهم ونخبهم ومصادرة خياراتهم والحديث باسمهم زورا، وهذا واضح من نظرة سريعة علي اسماء مرشحي قائمتي السيستاني وعلاوي، اللتين خلتا من اسماء شخصيات شيعية وطنية لامعة ومعروفة، وهذا يعني ان الشيعة العرب في العراق باكثريتهم الغالبة تمسكوا بالوطن والعروبة والهوية القومية، ورفضوا ان يكونوا جزءاً من شيعة طهران او أنصارا لشيعة واشنطن، والمستقبل لهؤلاء بالتأكيد، هكذا يقول منطق التأريخ ومساراته، وليس للموالي الجدد من عابري الحدود، والقادمين علي ظهور الدبابات والناقلات الامريكية.
ينشر موقع البصرة هذا المقال لاهميته في تسليط الضوء على علاقة الجلبي بايران وحزب الله ، خصوصا رعاية خميني له ! ولعل من اهم ما يبرزه هو ان الجلبي كان ومازال صلة الوصل بين المحافظين الجدد الامريكيين والمحافظين (اي غلاة رجال الدين) الايرانيين ، فهو على صلة حميمة بالطرفين ، وربما تقدم هذه الحقيقة جوابا واضحا عن الغاز اللقاء بين متطرفي امريكا الصهاينة ومتطرفي ايران ضد العراق !
_____________________
2004/12/28