العراقيون يدهشون العالم مرتين ..
ظهرت نتائج الانتخابات العراقية أخيراً ولم تكن مفاجئة للكثير من العراقيين، لكنهم هم أنفسهم وفي حالة غير قابلة للتفسير أدهشوا العالم مرتين: مرة حين تحدوا كل المخاطر وذهبوا الى صناديق الاقتراع بنسبة تجاوزت الستين في المئة، ومرة حين انتخبوا القتلة والفاسدين أنفسهم، في الوقت الذي كان الجميع يطالب بالتغيير!
كيف يمكن ان نفسر هذه الظاهرة النفسية الجماعية؟ قد يفسر ذلك فوز النائب حنان الفتلاوي عن مدينة الحلة بعدد من الأصوات يفوق التسعين الفاً، وهي صاحبة التصريح الشهير «سبعة ضد سبعة»، أي سبعة من الشيعة مقابل سبعة من السنة.
لم تكن الطائفية في العراق طيلة تاريخه بشعة ومقيتة مثلما هي اليوم، فهل الطائفية وحدها ما أعاد إنتاج هذه المجموعة من القادة، ام ان هناك قضايا أخرى خارجة عن الإرادة الشعبية العراقية؟
لندع التأثيرات الخارجية جانباً الآن ولنتحدث عن نسبة المقترعين التي تجاوزت الستين في المئة، وهي أعلى نسبة بعد التغيير مقارنة بالدورتين الانتخابيتين السابقتين، الأولى التي أجريت أثناء وبعد الحرب الأهلية، والثانية التي أجريت في 2010.
هل تنطبق نظرية «الضحية تحن الى جلادها» في مثل هذه الحالة على الشعب العراقي الذي ندعي ان شريحة كبيرة منه مصابة بأمراض نفسية ثاوية؟ ما هو التفسير المنطقي لشعب يختار نوابه الذين أذلوه وهجروه وجوّعوه مرة أخرى؟ هل هو الخوف من الحرب الأهلية التي يبشر بها القادة ليل نهار بمناسبة او من دونها، شيعة وسنة على السواء؟
كان يفترض بهذا الشعب بدلاً من الذهاب الى صناديق الاقتراع بهذه الكثافة ان يعلن العصيان ويرفض الانتخابات جملة وتفصيلاً بعد إعلان مجلس النواب تأجيل إقرار الموازنة الى ما بعد الانتخابات. هذه القضية وحدها تكفي لطرد جميع النواب وعدم انتخابهم عقاباً لهم.
نعود الى ارتهان الإرادة، حكومة وأحزاباً وشعباً، لنجدها كلها مرتهنة الى دول الجوار وغير دول الجوار الى درجة تغيب معها الهوية العراقية وتطمس نهائياً تحت شعارات دينية وطائفية وقومية رخيصة وضيقة وربما مرضية.
من دون خوف او خجل تصطف هذه الأحزاب او تلك الى هذا المعسكر او الى من يناصبه العداء طائفياً للحصول على الدعم بالمال والسلاح والإعلام وحتى التدريب. ولا ينجو من هذه العلة حتى المواطن العادي الذي يميل طائفياً الى هذه الدولة او تلك لتسكين مخاوفه المتوهمة، وفي أحسن الأحوال الموافقة على إقامة الأقاليم الطائفية والقومية في كل المدن العراقية.
إن أخطر المشكلات التي تنتظر العراق تتمثل في الأجيال الشابة التي ولدت في فترة الحصار وما بعده. فهذه الأجيال التي عانت الجوع والحرمان من التعليم والتهميش والتشرد هي اليوم قوة غاشمة وغير واعية تستخدمها الأحزاب الدينية كقاعدة متينة لتمرير مشاريعها السياسية بالمال والوعود بالمستقبل الزاهر مع غطاء ديني مذهبي مهلهل هو اقرب الى الخرافة منه الى اي شيء آخر.
فمن هذا الجيل تتشكل الميليشات والجماعات المسلحة والعصابات الخارجة عن القانون او العاملة بقوة المال المسروق من موازنة الدولة، وهي تنفذ أجندات داخلية وخارجية أمام أنظار الجميع. وليس غريباً ان الكثير من أبناء هذا الجيل منخرطون في أجهزة الجيش والشرطة الاتحادية!
الخطأ في العراق أصبح هو القاعدة ومن يتصرف بعقل يوصف بالجنون. والفساد أيضاً أصبح بصمة على المواطن العراقي!
* شاعر وكاتب عراقي - الحياة.