هذه هي الميليشيات الشيعية العراقية .. وهكذا نشأت ..
بعد انهيار الجيش العراقي أمام مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية داعش في 12 حزيران/ يونيو، استنجد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأميركا.
موقف واشنطن كان واضحا أمام استغاثة المالكي: الجيش الأميركي ليس قوة للإيجار، وأميركا ليست دركي العالم. داعش ولد في المناطق السنية بسبب السياسات الطائفية للحكومة، والحل هو تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل أي تدخل أميركي ضد داعش.
تأخر رئيس الوزراء العراقي في الاستجابة. وتابع المقاتلون الجوالون اكتساحهم للمدن والمحافظات. لجأ المالكي إلى المليشيات الشيعية. "كان يريدها أن تقتلع داعش في المناطق السنية، وكان هذا مستحيلا"، يقول المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي لموقع قناة "الحرة".
ويضيف أن "الجيوش المتهمة بالسعي لفرض هيمنة طائفة على أخرى لن تنجح. وهذا ما حدث. نال داعش المزيد من الدعم بسبب اللون المذهبي لجيوش الميليشيات وتجاوزاتها ضد السنة".
وبالفعل، لم تمر سوى أسابيع حتى أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا صادما اتهمت فيه الفصائل الشيعية المسلحة (مجلة فورين بوليسي الأميركية أحصت 50 ميليشيا) بخطف عشرات المدنيين السنة وإعدامهم.
فمن تكون أبرز هذه الميليشيات:
جيش المختار
هو فصيل تابع لحزب الله فرع العراق، ويقوده واثق البطاط الذي يعترف بأن تنظيمه امتداد لحزب الله اللبناني، ويرفع مثله رايات صفراء لكن بشعارات مختلفة.
لا يخفي البطاط ولاءه المطلق للمرشد الإيراني علي خامنئي، ويقول إنه سيقاتل إلى جانب إيران إذا ما دخلت في حرب مع العراق على اعتبار أن خامنئي "معصوم من الخطأ".
وتدفع هذه الميليشيا المسلحة منذ تأسيسها في مطلع يونيو/حزيران 2010 نحو الانتقام من أعضاء حزب البعث المحظور ومن يصفهم بـ"النواصب والوهابيين".
في 2013 تبنى "جيش المختار" قصفا صاروخيا استهدف مخافر حدودية سعودية انطلاقا من صحراء السماوة جنوبي غربي العراق، ردا على "تدخلات المملكة في شؤون العراق"، حسب قول البطاط.
حركة حزب الله في العراق
هو فصيل مسلح أكثر من كونه حزبا ببرنامج ومشروع سياسي. انشقت الحركة من حزب الله العراقي.
تستفيد هذه الميليشيا من كون أمينها العام حسن الساري وزيرا سابقا في حكومة المالكي وعضوا في مجلس النواب.
يقول معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني دفع حزب الله اللبناني لتدريب الكثير من الفصائل الشيعية المقاتلة في 2003 من أجل التصدي للقوات الأميركية في 2003.
اتهمت الولايات المتحدة أحد قادة هذه الميليشيا بالقيام بأعمال القتل والإرهاب وجرائم أخرى، بينما يؤكد آخرون أن أعضاء هذه الميليشيا يقومون باغتيالات اغتيالات ضد البعثيين الشيعة في الجنوب وشيوخ العشائر الرافضين للهيمنة الإيرانية في العراق.
أصدرت الحركة مجلة نصف شهرية اسمها "الأمل" وصحيفة يومية اسمها "البينة" رئيس تحريرها عيسى السيد جعفر، الذي يقال إنه هو الزعيم الحقيقي للحركة. عمل هذا الأخير مستشارا للمالكي. وتتميز الجريدة بالتوجه الطائفي الحاد، ولها موقع على الإنترنت باسم "الغالبون ".
لواء أبو الفضل العباس
كتائب مسلحة حديثة التأسيس، كان وراء ظهورها المرجع الشيعي العراقي قاسم الطائي إبان اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد في 2011 لمساعدة الطائفة العلوية (شيعة) ضد السنة.

المرجع الشيعي العراقي قاسم الطائي
تضم هذه الميليشيا، التي يقودها اليوم الشيخ علاء الكعبي، مقاتلين عراقيين ينتمي أغلبهم إلى "عصائب أهل الحق" و"حزب الله العراقي" و"التيار الصدري".
يؤكد الشيخ علاء الكعبي أن مهامه في سورية هو الدفاع عن مرقد السيدة زينب بدمشق وحمايته. وسحب "لواء أبو الفضل العباس" معظم مسلحيه من الأراضي السورية بعد اجتياح داعش لشمال العراق.
ويشارك اليوم مع قوات عراقية في معاركها ضد المتشددين السنة، وقد نسبت له تجاوزات كثيرة منها قتل "الوهابيين" في المناطق السنية وبث فيديوهات عمليات القتل على يوتيوب.
يقول المحلل السياسي هشام الهاشمي إن "وحشية داعش غطت على فظاعات الميليشيات الشيعية"، مضيفا أن "خطورتها تتجلى في تغلغلها داخل أجهزة الدولة".
ويشير إلى أن بعض هذه الفصائل المسلحة "تتوفر على حصانة من قبل الدولة. يحملون أسلحة الدولة والأوراق الرسمية للدولة ويمارسون الاغتيالات باسم الدولة أيضا".
فيلق بدر
أسسه عالم الدين الشيعي محمد باقر الحكيم (اغتيل في العام 2003) في العاصمة طهران عام 1981. كانت هذه الميليشيا منضوية تحت لواء المجلس الأعلى الإسلامي العراقي.
كان فيلق بدر يشن عمليات عسكرية ضد نظام صدام حسين بتحريض من طهران. والزعيم الحالي لهذه الميليشيا هو هادي العامري، الذي تولى وزارة النقل في حكومة المالكي.
يضم، حسب صحيفة واشنطن بوست ، ما بين 12 إلى 13 مقاتل غالبيتهم من أجهزة الأمن العراقي ويتولون مناصب في وزارة الدفاع والاستخبارات.
بعد انتخابات 2010، انشق العامري -الذي يقود فيلق بدر منذ العام 2002- عن المجلس الإسلامي الأعلى وعزز تحالفاته مع المالكي.

وزير النقل السابق هادي العامري
في 2011 أبدت وسائل إعلام أميركية صدمتها لوجود العامري في الوفد العراقي المرافق للمالكي إلى واشنطن بسبب "دوره كقائد سابق في الحرس الثوري الإيراني".
وتتهم واشنطن المؤسسة العسكرية الإيرانية بالوقوف وراء هجوم أبراج "الخبر" بالسعودية عام 1996، والذي أدى إلى مقتل 19 عسكريا أميركا.
وبعد هجوم داعش في يونيو/ حزيران الماضي على شمال العراق، كلف المالكي القيادي العامري بالإشراف المباشر على العمليات العسكرية في محافظة ديالى ضد المتشددين السنة.
ويؤكد تقرير لفورين بوليسي أن فيلق بدر قام بإنشاء ميليشيا "قوات شهداء باقر الصدر" للدفاع عن نظام الأسد في سورية. ويضيف أن قيادتها تتمتع بنفوذ كبير وهي جزء من حكومة المالكي، وتسعى إلى وضع قادتها في مراكز حكومية بارزة.
جيش المهدي
تأسس لقتال القوات الأميركية في العراق في 2003، ويتزعمه القيادي الديني الشيعي مقتدى الصدر.
يعتقد المنتسبون لجيش المهدي أن اسم الميليشيا مستوحى من الجيش الذي سيشكله الإمام "المهدي" بعد ظهوره وهو الإمام الثاني عشر لدى الشيعة. ويستلهمون أفكار عالم الدين محمد صادق الصدر الذي اغتاله حزب البعث العراقي عام 1999.
ويقدر الموقع الإخباري الأميركي دايلي بيست تعداد عناصر جيش المهدي بحوالي 60 ألفا.
وقد أكدت واشنطن بوست تورط جيش المهدي وقيادته بأعمال القتل والتهجير الطائفي القسري لسنة بغداد وديالى، وأن أعمال القتل المروعة، التي حدثت بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006 كانت بمشاركة من عناصر ومجاميع من جيش المهدي وبأوامر مباشرة من مقتدى الصدر نفسه.

الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر
وقد اعترف الصدر بوجود عناصر في جيش المهدي "مجرمة وفاسدة"، وتبرأ من كل عنصر يتورط في قتل العراقيين الأبرياء.
في يونيو/حزيران الماضي، خرج الصدر مرة أخرى من عزلته بتصريحات غير متوقعة أكد فيها أن جيش المهدي عاد من جديد باسم "سرايا السلام". وفي استعراض عسكري ببغداد حمل مقاتلوه أسلحة ثقيلة وصواريخ "مقتدى واحد"، يعتقد أنه تلقاها من طهران.
ويلخص الصدر مهام "سرايا السلام" في تولي مهام حماية "المراقد المقدسة" من هجمات داعش.
واتهمت صحيفة ذا تايمز البريطانية في حزيران/ يونيو الماضي الميليشيا بممارسة الانتقام على أساس الهوية لكل من يحمل اسم "عمر". وذكرت الصحيفة أن مشرحة واحدة في بغداد استقبلت في يوم واحد 41 شخصا يحملون اسم "عمر".
عصائب أهل الحق
أشد الميليشيات الشيعية ارتباطا بإيران، إذ تؤكد تقارير غربية أنها تعمل تحت الرعاية الكاملة لقائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني.
في 2004 كانت هذه الميليشيا تابعة لجيش المهدي وسميت آنذاك "المجاميع الخاصة". وقد تولى قيادة هذا الفصيل منذ تأسيسه قيس الخزعلي، أحد المقربين من مقتدى الصدر، مع عبد الهادي الدراجي وأكرم الكعبي.
سطع نجم "العصائب" في عام 2007 بعد انشقاق القيادي في التيار الصدري قيس الخزعلي، ولحق به آلاف المقاتلين. وتحولت العلاقة بين الصدر والخزعلي إلى ما يشبه العداء. لم يخف الصدر قليلا من أوجاع جرحه واتهم العصائب بـ"ارتكاب جرائم طائفية"، وطالب "إيران بوقف التمويل عنها".
في نفس العام اعتقل الخزعلي على خلفية اختطاف وقتل خمسة أميركيين بمدينة كربلاء(جنوب)، وأطلقت الحكومة العراقية سراحه عام 2010 بعد صفقة مثيرة للجدل انتهت بإفراج "العصائب" عن رهينة بريطاني.
اتهمت منظمة العفو الدولية "عصائب أهل الحق" بالضلوع في أعمال عنف طائفية منها إعدام مواطنين سنة مؤخرا في مدينة بعقوبة مركز ديالى، وتعليق جثثهم بأعمدة الكهرباء لترهيب الناس.

القيادي في التيار الصدري قيس الخزعلي
بعد رفض واشنطن الدخول في الساحة العراقية بدون مصالحة وطنية حقيقة، لجأ المالكي إلى مقاتلي "عصائب أهل الحق" لمقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية.
وتقول هيومن رايتس ووتش إن كتائب هذه الميليشيا ارتكبت انتهاكات بحق السنة في ديالى ومناطق حزام بغداد، وأعدمت العديد منهم دون محاكمة، وهاجمت دور عبادتهم.
المحلل الأمني العراقي جبار الساعدي يقول إن "سبب التجاوزات التي ارتكبها عصائب أهل الحق وميليشيات أخرى هو داعش"، مضيفا أن "العامل النفسي لدى الشيعة لعب دورا سلبيا وأدى إلى انتقام بعضهم من السنة بطريقة غير مقبولة".
بيد أنه يشدد على أن ما ارتكبته هذه الفصائل المسلحة من "تجاوزات فردية وغير منضبطة لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بالمجازر البشعة التي يرتكبها داعش يوميا في العراق". - محمد أسعدي - الحرة.