من هرب أو تمارض لا يحق له الفتوى والقيادة ..
أفخر كوني من المسلمين العراقيين غير الطائفيين، كما أفخر بانتمائي إلى العالم العربي... وهدفي العراق الديموقراطي الموحد، والدين الإسلامي المعتدل، والحفاظ والدفاع عن مكونات العراق الدينية والعرقية والاجتماعية، ولكني أرفض التأليه والتقديس إلى رجال الدين والسياسة والحكم.
ينادي الواجب الوطني العراقي، ومن ثم الواجب الإسلامي (الشيعي) جميع الشرفاء أن لا يسكتوا عن الغموض الحاصل في مسألة قيادة الطائفة الشيعية، ونظرتها إلى الاحتلال الأجنبي، الكافر والبغيض، والذي هتك الأعراض، وقتل الناس، ونشر المخدرات والرذيلة والفساد، وضيّع مستقبل العراقيين، ونهب الثروات، وجعل العراق بلدا من القرون الوسطى.
لا قدسية لأحد... لا أوامر لأحد... ولا تقدير إلى المتخاذلين والهاربين من أرض المعركة، فجميع القوانين والدساتير تعاقب القائد عندما يهرب من أرض المعركة، وجميع النواميس لا تريد بل ترفض الأب أو الأخ أو قائد القبيلة أو رجل الدين عندما يهرب عند المواجهة، وعندما يمد اليد إلى العدو والغازي والمغتصب، فنحن ليس في أزمة الرجال الشجعان، أو رجال الدين، أو الحكماء، فالعراق فيه من رجال الدين المجتهدين يغطون كل دول العالم، وفي العراق الحكماء، والعباقرة، والقادة سواء في السياسة أو الدين أو الاقتصاد أو المجتمع، فلا داعي لنشر نغمة (التأليه) إلى الأفراد ومهما كان نوعهم، ولا داعي لتقديس الأفراد وخصوصاً رجال الدين، فهؤلاء بشر مثلنا نحترمهم على قدر أفعالهم وتفاعلهم مع قضايا الوطن والأمة، ويجب أن ينتهي دورهم خصوصا عندما يتقاعسون في إدارة المرحلة وفي قيادة الطائفة، نعم نحو احترامهم ولكن ليس بالضرورة أطلاقا تطبيق أقوالهم التي تخدم المحتل على حساب ابن الوطن البريء، لذا نناشدهم أن يفسحوا المجال للآخرين الذين لديهم الاستعداد أن يكونوا في مقدمة الجماهير الغاضبة ضد المحتل، ولديهم الاستعداد أن يحملوا الرشاش، ولديهم الاستعداد أن يرفضوا أموال قارون من أجل كرامة الوطن والمقدسات، ولديهم الاستعداد للنزف حتى الموت ولن يغادر هؤلاء أرض المعركة أو الأماكن المقدسة!!!.
أين كانوا هؤلاء
أين كان آية اللة السيد علي السيستاني، وآية الله بشير النجفي الأفغاني، وآية الله إسحاق فياض الباكستاني، وآية الله محمد سعيد الأصفهاني، وكانت النجف الأشرف ومدن العراق تحترق بفعل طائرات وصواريخ ودبابات الاحتلال؟
فالأول تمارض وهرب أو هُرّب بطريقة ما خارج العراق صوب لندن أو الكويت أو المنطقة الخضراء.. لا ندري!!.
والثاني والثالث والرابع هربوا صوب ألمانيا والكويت ولبنان، ولم يُسمع منهم أو عنهم أي أثر طيلة الفترة التي كان عنصر الحق المتمثل بالسيد مقتدى الصدر وجيش المهدي وتيار الصدر والشرفاء من أبناء العراق، يقاتلون عنصر الشر واللاشرعية والاستهتار المتمثل بقوات الاحتلال وحكومة (فيشي علاوي) المعيّنة من قبل قوات الاحتلال.
لا يحق لهؤلاء أبدا أن يتكلموا باسم الأحرار الذين يرفضون التواجد الأميركي في العراق، ولا يحق لهؤلاء التكلم باسم العراق الموحد الحر، والذي هو ليس ضيعة إلى بوش أو رامسفيلد أو لجواد الشهرستاني، بل هو العراق الذي أذاق الإنجليز درسا لازالوا يتذكرونه.. ما الفائدة من مرجع يهرول من أول رصاصة، وما فائدة رجل دين يترك الجمع من أول محنة، فالحياة ليس مجرد تنظيرات وطبع للفتاوي والتفاسير، وليس تنظيرا عبر مكبرات الصوت في المساجد، بل هي مواقف يسجلها التاريخ عند الصعاب...إذن لسنا بحاجة إلى هؤلاء الذي تركوا أهلنا ومقدساتنا وهربوا،،، فهناك الله المعين والشرفاء الأبطال صمدوا وفازوا وسيصمدون بعون الله!.
لذا بأي حق يصدر هؤلاء الأربعة فتوى (عدم جواز مقاتلة القوات الأجنبية في العراق).. ومن أعطاهم رخصة الكلام باسم العراق والعراقيين.. كذلك من خولهم أن يجعلوا شيعة العراق أضحوكة بين الشعوب والأمم؟
هل نسي هؤلاء (الأربعة) والذين ليس بينهم عربيا، أن المقاومة ضد الاحتلال شرعية و حسب جميع الأديان والدساتير الدولية، وهي حق وهبه الله لجميع الكائنات الحية وفي مقدمتها الإنسان أن يدافعوا عن كياناتهم... هل سمعوا وقرأوا ذلك؟
إذن بأي حق يقرر هؤلاء تعطيل الحق الإلهي الممنوح للإنسان وغيره من الكائنات؟
يبدو لم يسمعوا بذلك لذا هم قرروا الفتوى وتم توزيعها على وسائل الإعلام اليوم، و نشرتها وكالة (أسوشتدبريس) والتي تقول ((المرجعيات الشيعية في النجف تفتي على عدم قتال القوات الأجنبية في العراق)).. كما نشرتها وسائل الإعلام العالمية والعربية الأخرى، وولدت هذه الفتوى نتيجة اجتماع في منزل السيد علي السيستاني الذي وصل بموكب تحرسه الطائرات الأميركية من الجو، عندما انطلق من البصرة صب النجف الأشرف أخيرا (ويبدو هي عملية رد جميل بشأن الحراسة!!!).
نعتبر هذه الفتوى نقطة سوداء في التاريخ العراقي الشيعي، مثلما سجلنا عملية التمارض والهروب نقطة سوداء هي الأخرى في التاريخ الشيعي والعراقي، فالفتوى المشار لها لن تفد العراق ومستقبل العراق وتاريخ العراق، بل هي إعطاء الضوء الأخضر لقوات الاحتلال أن يقتلوا ويبطشوا بالعراقيين؟
و نستطيع أن نسميها فتوى (لبساط الأحمر) إلى قوات الاحتلال، والى السفير نغروبونتي تحديدا، والى الرئيس الأميركي (بوش) في حملته الانتخابية الحرجة، وما هذه الفتوى إلا خرطوما من الأوكسجين منحها هؤلاء الأربعة للرئيس الأميركي في واشنطن، ولقوات الاحتلال في العراق والتي تكبدت أفدح الخسائر نتيجة المواجهات التي حصلت في النجف والمدن العراقية الأخرى، فالفتوى من وجهة نظرنا تكريم لقوات الاحتلال، ومن ثم إهانة للعراقيين ولتضحياتهم ولتاريخهم المشرف في المواجهات الأخيرة والسابقة عبر التاريخ، ولكن التاريخ العراقي لن يرحم هؤلاء أطلاقا!!..
ومن وجهة نظرنا الأخرى.. إن هذه الفتوى ما هي إلا مؤشر على نهاية السيد علي السيستاني، كون الأميركان سيأخذوا منه ما يريدون، وبضغط من الموظفين في مكاتبه، والذين قسم منهم تخادم و يتخادم مع قوات الاحتلال مقابل اتفاقيات جانبية مذهلة، ويبدو هناك المزيد من الفتاوى (لهمبرغرية الجاهزة) وعند استنفاذ ما يردون منه سوف يقتلونه هم وليس غيرهم، ومن ثم سينصبون أحد الثلاثة الذين على ما يبدو انصهروا بنفس القالب وبنفس المختبر وبنفس التوجه.
باول يفضح السيستاني....!
نرى من الأسباب التي عجّلت بعودة السيد علي السيستاني هي ليس مسألة الحرص على العراقيين، أو مسألة الخوف على النجف، فمن أخرجه ضمن مسبقا أن البنك الهائل وهو (الصحن الحيدري) سيكون بخير وهذا ما يهم صقور المرجعيّة والذي جميعهن من التيار الفارسي داخل المرجعيّة، فهو خرج وكان على علم أن القوات الأميركية ستهجم على النجف كي تصفي تيار الصدر ومقتدى الصدر العربي شخصيا، ولكنه عاد بنصائح بريطانية، خصوصا عندما تحول جيش المهدي والسيد مقتدى الصدر إلى صخرة تكسرت عندها قرون الثور الأميركي والثوير المنصّب في العراق، وتحول مقتدى الصدر إلى أسطورة وبطل وطني وشعبي، ومن أرعب البريطانيين وجعلهم يعجلوا برجوع السيد السيستاني هو عندما قرر جيش المهدي أن يحرق البصرة وآبارها، وستكون ليلة جهنم على البريطانيين في الصرة، لو تم الدخول للصحن الحيدري الشريف أو حتى الاقتراب منه أو المساس بمقتدى الصدر، لهذا جاء السيد السيستاني إلى البصرة تحديدا وبات فيها، فأراد هو وبضغط من الموظفين في مكاتبه، والذين يخضعون إلى سلطة (جواد الشهرستاني) أن يسير الموكب من البصرة إلى النجف ويُنقل حيا على التلفزيون، كي يشاهد العالم حجم التأييد للسيستاني ولمرجعيته، ومن ثم يرسلون بذلك أشارة إلى السيد مقتدى الصدر والأميركان والى التيارات السياسية العراقية، ومن جانب آخر أعطي الإيعاز إلى الإعلام المُشترى من قبل الحكومة والاحتلال وفي مقدمته قناة (العربية) لتسوقوها على أنها عودة من الاستشفاء، وعودة لحل الأزمة، وعودة من أجل العراق، ولكن وزير الخارجية الأميركي (كولن باول) كشف السر وقال ((أن تدخل آية الله اليسيستاني يعود إلى الضغط التي مارسته القوات الأميركية، ونجاحه يعود للقوات الأميركية)) و الآن...لا ندري ماذا يقول الذين واجبهم تأليه الأفراد، وإضفاء القدسية على البشر بعد أن شاهدوا وسمعوا، هل بقي مجال إلى هؤلاء كي يتلاعبوا بالكلمات والألفاظ والوصفات وقصاصات الورق !!!؟.
ويقول كولن باول (لن نسمح للقوى المناوئة بإعاقة أو كسب الانتخابات في العراق) وكان يعني تيار الصدر، و التصريح بمثابة تدخل مباشر في المستقبل العراقي، وكذلك بمستقبل الانتخابات القادمة، ونرجوا الاحتفاظ بهذا التصريح لحين الانتخابات (إن حصلت!!)، ومن ثم هي أشارة واضحة للسيد السيستاني، والى التيارات التي تريد القضاء على مقتدى الصدر وتيار الصدر، وهي بمثابة القول (خرج الصدر وأتباعه من المواجهات بسلام، ولكن لن يسلموا من نتيجة الفشل في الانتخابات القادمة).
نظرة مختصرة جدا لما وراء الأحداث!!!
أن خروج السيد السيستاني ورفاقه الذين يدورون في فلك تيار المرجعيّة الفارسية، وبتلك الوضعية المريبة والتي شغلت العالم ولازالت تشغل الشارع العراقي، ومن ثم عودتهم (الباراشوتية) وبالطريقة التي رأيناها حيث الطائرات الأميركية من الجو، وقوات حكومة علاوي المعيّنة من قبل قوات الاحتلال في الأرض، والدبابات الأميركية في جميع المفترقات التي مر بها الموكب الاستعراضي، والرصاص الذي حصد المتضاهرين من العراقيين وجميعهم من الأبرياء والبسطاء، لهي عملية تثير عشرات الأسئلة.
ولكن يبدو القضية لها أبعاد أخرى.....
نحن نعلم أن الإدارة الأميركية في واشنطن، وقوات الاحتلال في العراق لا يباليان بتشكيكنا في نوايا السيستاني وغيره بل هي تريد ذلك، علما أن من وضعنا في خانة المشككين هي تصرفات السيستاني وموظفيه وهم الذين يتحملون المسؤولية، ولكن الأهم أن عودة السيد السيستاني وبالطريقة الاستعراضية التي تمت هي عودة غايتها خطف شعبية السيد مقتدى الصدر، كون الأخير أصبح بطلا قوميا ورمزا ثوريا، ومن ثم الغاية هي تقزيم السيد مقتدى الصدر دعائيا على أساس أنه البطل والمنتصر في قضية النجف وغيرها، وهنا يستطيع الأميركان تليين وتمييع الشيعة في العراق بواسطة السيد السيستاني الذي تهادن جدا مع قوات الاحتلال، حتى وصل الأمر أخيرا إلى إصدار فتوى جماعية (السيستاني+ 3 مراجع كبار) تمنع وتحرم القتال ضد القوات الأجنبية، وهذا من الأهداف التي خطّط لها الأميركان ونجحوا.
أما الهدف الثاني فهم يريدون إحداث معارك وحالات تحرش ومن ثم ضرب التيار الصدري بجماعة السيستاني، أي الاقتتال فيما بينهم، فالأول مرجع أعلى ورعى اتفاق النجف (الهش)، والثاني قائد لتيار أصبح متجذرا في المجتمع العراقي.. وفي كلا الحالتين الأميركان وحكومة علاوي هما الرابحان.
ما العمل إذن؟
يجب على جميع الأحرار في العراق، والذين يرفضون تأليه البشر، وتقديس الإنسان الانتباه إلى مؤامرة كبرى، وقادمة على الأبواب وستحرق السواد الشيعي العراقي خاصة، والتيار العراقي الحر عامة، فالحكمة هو العمل على الوحدة وتجسير الفجوات فورا بين جماعة السيستاني وتيار الصدر، ومن ثم جميع التيارات الشيعية والوطنية، وليس بالضرورة أن يكون ذلك بعلم المراجع، وعلى هذه التيارات دراسة المجزرة التي حدثت في مسجد الكوفة (أسبابها وتوقيتها ومغزاها) وفي الشوارع ضد المسيرات السلمية والتي راح ضحيتها المئات من الأبرياء وتحديدا من التيار الصدري وجماعة السيستاني!.
فالرد الإستراتيجي هو الوحدة والتفاهم بين التيارين، وهذا الرد لن يكلف الذخيرة ولا الدماء ولا الأموال ولا تدمير للبنى التحتية، وسيحرج الأميركان كثيرا ويجبرهم على التفكير بطرق أخرى يجب أن يكون الشعب العراقي منتبه لها.
وسوف يُكرر ثوار وأحرار العراق والشيعة لسنا بحاجة إلى مراجع (طاروا على بساط الريح) من أول رصاصة!! فالله أكرمنا بمراجع شجعان ونحن بانتظارهم ليجلسوا ويقودوا المرجعية كما قادها الأجداد قبيل وأثناء ثورة العشرين المجيدة، وكانوا في مقدمة الثوار ولن يهربوا من المعركة!!!.
______________________________
كاتب وسياسي عراقي
28/8/2004
شبكة البصرة
الاحد 13 رجب 1425 / 29 آب 2004