معركة النجف .. مرجعيات مشبوهة تقدم الطائفة على الوطن ..
هل انتهت معركة النجف، بل لماذا بدأت مثل هذه المعركة اصلا، وما الاهداف التي سعى كل طرف من اطرافها لتحقيقه؟ هي اسئلة كثيرة تطرحها تداعيات اكثر من ثلاثة اسابيع من المعارك التي دارت بين ميليشيات مقتدى الصدر من جهة وقوات الاحتلال وعملائها من جهة اخرى.
في البداية لابد من الاعتراف بحقيقة واضحة وضوح الشمس, وهي ان المقاتلين الذين انضووا تحت مسمى " جيش المهدي" في العراق، هم من فقراء الشعب الذين تكمن مصلحتهم في معاداة الاحتلال وتحرير الوطن ، ولذلك فليس من الضروري ان يكونوا جميعهم مؤمنين بالافكار التي يطرحها ما بات يسميه الاعلام المشبوه "التيار الصدري" وهذا الكلام يبدو واضحا تماما عندما نعرف ان اعدادا كبيرة من عناصر هذه الميليشيات رفضت التعامل مع التعليمات التي اصدرها مقتدى الصدر، واستمرت في خنادق المواجهة مع قوات الاحتلال وعملائها في العراق. وهو ما دق ناقوس الخطر الحقيقي في اوساط قوات الاحتلال وجماعة الصدر على حد سواء ، الذين شعروا ان الامور لم تعد في متناول ايديهم ، وان ما يجري على الارض سيحرم قادة هذه الجماعة من تحقيق اي مكسب سياسي في ظل الاحتلال ويظل السؤال قائما ، ماالذي دفع جماعة الصدر للدخول في هذه المواجهة ، وفي مدينة النجف الاشرف تحديدا .
ولتحديد اجابة غير متسرعة وغير انفعالية ، لابد من معرفة الخيارات التي يتحرك على اساسها مقتدى الصدر وجماعته .
ان المرجعية الدينية التي ينطوي مقتدى الصدر تحت عباءتها هي مرجعية كاظم الحائري ، وهو رجل دين مايزال يقيم في مدينة قم الايرانية ، وهذا الرجل لن يخرج باي حال من الاحوال عن الرغبة السياسية والدينية للنظام الايراني واطماعه في الارض العراقية ، لذلك فان مقتدى الصدر ليس اكثر من " بيدق " يحركه الايرانيون ضمن مصالحهم الامنية والاستراتيجية في العراق ، ومثل هذا الكلام ينسف بوضوح اقوال الكثير من المحللين السياسيين الذين ينظرون الى السيد الصدر على انه يمثل الشيعة العرب ، او يقود التيار العربي في الشارع الشيعي في العراق ، فالمعركة في بعض جوانبها هي معركة النفوذ على الحوزة العلمية في مدينة النجف الاشرف .
واذا كان السيد الصدر في بداية المواجهة ، قد حاول مع جماعته ، الايحاء بان المعركة هي مع الاحتلال لتحرير النجف كمقدمة لتحرير العراق ، فقد تبين انها محاولة ساذجة ومكشوفة ، كان هدفها استقطاب المزيد من المقاتلين وتوسيع دائرة مؤيديه ، وهو شعار يستقطب اليوم جماعات كثيرة ومتفاوتة من المجتمع العراقي . الا ان المفاجأة كانت في تبدل صيغة الخطاب الصدري ، حيث تحولت شعاراته الى دفاع عن المذهب ودفاع عن المرجعية ، وتحولت الى معركة للاستحواذ على مفاتيح الصحن الحيدري الشريف، مما يؤكد جنوح قادة هذا التيار الى تحقيق مصالح مكتسبه لجماعتهم ، تم اهمالها وعدم التعامل بها من قبل قوات الاحتلال ، اى بصورة اخرى فان بعض قادة هذا التيار يسعون للحصول على مكاسب سياسية من كعكعة ماتزال بيد الاحتلال وتحت سيطرته . وهذا ما يفسر بشكل جلي المعارضة الشعبية الواسعة من المقاتين الذين اتخذوا من جيش المهدي مظلة لهم لقيادة التيار الصدري .
فصائل المقاومة العراقية الباسلة ، وفي المقدمة منها حزب البعث العربي الاشتراكي ، اكدت في الكثير من بياناتها ومواقفها ان مقاومة الاحتلال والتصدي لمشروعه الاستعماري في العراق ، لايمكن ان تكون تحت مظلة طائفية ، ولا يمكن ان يتم استثمار هذه المقاومة البطولية للشعب العراقي المجاهد من اجل الحصول على حصة لهذا الطرف او ذاك في افرازات الاحتلال السياسية ،لان المقاومة الوطنية هي التي تسعى الى تحرير الوطن والحفاظ على وحدته وعروبته ،وكنس الاحتلال وتدمير مشروعه الاستعماري العدواني ، ومثل هذه الشعارات كانت وماتزال غائبة تماما عن خطاب جماعة مقتدى الصدر الذين يسعون فقط لايجاد موقع لهم في الساحة السياسية التي تحظى بمباركة الاحتلال .
الدور الخطير في معركة النجف الاخيرة ، هو ذلك الدور الذي مارسه السيستاني ، فاذا كان الرجل غادر النجف مع بداية الازمة ،تحت حجة العلاج في لندن ، ليفسح المجال للقوات الاميركية وعملائها من قوات الشرطة والحرس العراقي للقضاء على ظاهرة الصدر ، فان عودته للمدينة المقدسة بعد ثلاثة اسابيع قد حققت للاحتلال ما كان يريده ، وقدم لحكومة الاحتلال العميلة في العراق ما عجزت عن تحقيقه طوال الاسابيع الثلاثة من المواجهة .
السيستاني الذي استغل مرجعيته لخدمة الاحتلال ومشاريعه في العراق ،وابتعد كثيرا عن استغلال هذه المرجعية بما يخدم اهداف الوطن والشعب والامة ، هو الان ومرجعيته التي حرمت مقاتلة قوات الغزو الاميركية ، في دائرة الاتهام الوطني ، وهو الذي يساوم الان على وحدة العراق وعروبته ، من خلال تعاطيه مع مشروع الاحتلال وحكومته العميلة .
المسكوت عنه في يوميات معركة النجف الاشرف في اسابيعها الثلاثة ، هو حجم الجرائم التي قامت بها قوات الاحتلال الغاشم في مدن الفلوجة وسامراء والموصل وبعقوبة ،حيث استغلت انشغال الاعلام العربي في معركة " وهمية " تدور في النجف لتخوض حربا حقيقية بكل ما تملك من اسلحة الموت والدمار المحرمة دوليا ضد هذه المدن الباسلة ومقاومة اهلها الشجعان ، وهي جرائم لن يغفرها الشعب العراقي للاحتلال وعملائه الاقزام المأجورين .
معركة النجف ، مع كل الاحترام والتقدير للمقاتلين الابطال في تلك المدينه الباسلة ، هي معركة رسمها الاحتلال وادارها ، وسحب اليها مقتدى الصدر وجماعته الذين هم حديثوالعهد بالعمل السياسي ، ولم يقرأوا خطوط اللعبة الاميركية جيدا ، ما اوقعهم في الشرك الاميركي ، الذي انهى المعركة حسب رغبته وتوقيته وما يخدم مصالحه ، وهي امور حققها للاحتلال الارباك الذي سيطر على اداء جماعة الصدر ، وغياب الخطاب السياسي الوطني عن شعارات المعركة التي وجدوا انفسهم في اتونها .
لايستطيع احد ان ينكر ان مقتدى الصدر بات يقود اليوم تيارا مهما في الشارع العراقي ، وما يغفر لقادة هذا التيار اخطاءهم ويزيل الاسئلة التي تدور من حولهم ،هو اعلان انضمامهم الحقيقي لفصائل المقاومة العراقية المعنية بالدفاع عن العراق ، كل العراق ، باعراقه ومذاهبه جميعا ، وان يتجاوزوا في خطابهم السياسي حدود المذهب الى حدود الوطن ، وحدود الطائفة الى حدود الامة ، وهو درس نتمنى ان يكون جماعة الصدر قد استوعبوه تماما .
_____________________________________
دورية البعث
شبكة البصرة
الثلاثاء 22 رجب 1425 / 7 أيلول 2004