Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

دلالات معارك النجف ..

الكاتب : د. عماد ملحس

انجلى غبار معارك النجف عن مئات القتلى والجرحى ، وعن دمار كبير طاول حتى المواقع المقدسة ، بفعل القصف الجوي والبريّ الأمريكي الكثيف ، المركّز والعشوائي . وخاض مقاتلو جيش المهدي معارك ضارية ضد قوات الاحتلال وأعوانها ، انتهت - مؤقّتاً - باتفاق يغلب عليه طابع الهدنة، داخل الصف الشيعي ، بين السيد مقتدى الصدر والمرجعية الشيعية الأولى  

معارك النجف ، اختصرت المشهد العراقي الراهن ، وركّزت الضوء على أهم سماته وتناقضاته ، والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية

اولاً:  عجزت القوة الأمريكية العسكرية الهائلة ، عن القضاء على مجموعات جيش المهدي محدودة العدد والعدّة والخبرة ، والتي يغلب عليها طابع التطوع وضعف الاحتراف ، وذلك بعد ثلاثة اسابيع من استخدام ارقى وافتك انواع الاسلحة في العالم ، مثلما فشلت في مواجهة حرب العصابات الاستنزافية التي تشنها قوى المقاومة العراقية منذ اكثر من عام ونصف ، في جميع انحاء العراق. مما يعني عدم قدرة المحتل على فرض ارادته ، ودخوله في نفق مظلم لا تعرف نهايته ، مع تنامي ارادة المقاومة لدى الشعب العراقي ، والتصاعد المستمر في الخسائر البشرية والمادية لقوى الغزو وأعوانها

ثانياً : عجزت الحكومة المؤقتة التي عينها الاحتلال عن اثبات استقلالها عنه ، وعن اقناع الشعب العراقي والعالم بحرية قرارها ، وعن قدرتها على معالجة الاوضاع الامنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة ، حيث لجأت فور تعيينها الى سياسة التهديد والهجوم بالاعتماد على القوة العسكرية للمحتل . وكان واضحا ان قرار المجابهة في النجف ، كما كان في الفلوجة ، قرار امريكي صرف ، وان قوات " الحرس الوطني " والشرطة هي في خدمة هذا القرار ، واداة طيعة بيد الاحتلال . ولم يكن متوقعا بالطبع ان تتخذ الحكومة المؤقتة غير هذا المنحى ، حيث انها ليست اكثر من اداة مؤقتة يستخدمها الاحتلاللتسويق المسوّغات التي طرحها لاحقا لخوض الحرب ضد العراق ومنها (تحرير الشعب العراقي) وتحقيق الديموقراطية المنشودة ، وذلك بعد ان سقطت الذرائع الاساسية لشن العدوان وافتضح امرها بوصفها مجرد اكاذيب ودسائس لا أساس لها

ثالثاً : اثبتت معارك النجف زيادة حدة التناقض بين التيار الشيعي المهادن لقوى الغزو والاحتلال وأعوانها ، الذي يدعو الى ازالة الاحتلال عن طريق المشاركة في العملية السياسية ، والتفاوض والحلول السلمية ، بما يعنيه ذلك من اعتراف بالامر الواقع واعتراف بالحكومة المؤقتة وافرازاتها ، وبين التيار المعارض لهذا التوجه ، ايا تكن مصالحه وأهدافه . فلقد عقد السيد الصدر اتفاقا عاماً مع المرجعية الشيعية وليس مع الحكومة المؤقتة ، دون تقديم تنازلات جوهرية كحلّ جيش المهدي ، او الاعتراف بالحكومة المؤقتة ، او الانضمام الى العملية السياسية الدائرة ، او المشاركة في - المؤتمر الوطني -

ورغم الهدنة الهشة التي اعقبت اتفاقية النجف وحتى الان ، فانه لم يثبت خروج قوات المهدي من المدينة ، ولم يعرف تماما حجم الاسلحة التي سلّمت ، ولا مدى سيطرة الشرطة على جميع انحاء النجف . وذلك في ظل تواصل الهجوم العسكري الامريكي على مدينة الصدر في بغداد ، وعلى قوات المهدي في البصرة ، ومحاولة التفاوض لاخماد هذه الانتفاضة . وقد تجلّى التناقض داخل الصف الشيعي بتضارب التصريحات التي صدرت عن المرجعية ومكتبها من جهة وعن الصدر والناطقين باسمه من جهة ثانية ، بعد البدء بتطبيق الاتفاقية . وانتهى الامر بأن أبقت المرجعية الباب مفتوحا مواربة فيما يتعلق بامكانية اللجوء الى العمل العسكري في وقت لاحق ، اذا ما فشلت الجهود باقناع المحتل بالانسحاب من العراق سلميا ! وهذا الموقف الاخير للمرجعية ينسجم مع التوجهات الايرانية بصدد معالجة الوضع في العراق ، مع تجاهل حقيقة انه لم تتم ازالة اي احتلال في العالم عن طريق التفاهم او العمل السياسي فحسب ، بل تمّ ذلك دائما عبر القوة المسلحة والثورة الشعبية وارغام المحتل على الانسحاب عندما يصبح الاحتلال عبئا ثقيلا عليه ، لا يوازي حجم المنافع التي يجنيها من ورائه ، والأدلة التاريخية على ذلك اكثر من ان تحصى

رابعاً: اثبتت معارك النجف ، عدم قدرة القوى المسلّحة العلنية وشبه العلنية على الدخول في معارك مواجهة مع قوات الاحتلال وأعوانها ، نظرا للفارق الكبير في موازين القوى العسكرية ، وبسبب غزارة النيران التي تطلقها هذه القوات ، مما أدى في النهاية الى القبول بما تم الاتفاق عليه ،  هذا اذا استبعدنا الرأي القائل بان جلّ ما يطمح اليه الصدر هو تحسين موقعه في العملية السياسية الجارية . وبات واضحاً ومؤكدا ان اسلوب المقاومة العراقية ذات الطابع السري ، والتي تخوض حرب عصابات واستنزاف مستمرة ومرهقة للعدو وبأقل الخسائر الممكنة في صفوفها ، هو الاسلوب الذي يجب ان يتبع في جميع انحاءالعراق في المرحلة الراهنة على الاقل ، الى ان يختل ميزان القوى لمصلحة المقاومة ، فتصبح قادرة على تعبئة قوى شعبية اكبر لخوض معارك مواجهة اكبر ، بحيث يمكن تحرير مناطق بأسرها في مراحل لاحقة .. وعليه ، فان على قوى المقاومة العراقية ان توحد صفوفها ، وان توجد اطارا سياسيا وتنظيميا لعملها ، يحميها من دسائس العدو ومحاولاته المستمرة للنيل من سمعتها وشعبيتها ، عن طريق خلط الاوراق ، وعدم التمييز بين المقاومة والأعمال المسيئة التي يشجع المحتل حدوثها بصورة او اخرى ، لدق اسفين بين المقاومة وجماهيرها .. العدو المحتل في العراق واعوانه يعيشون حالة من التمزق والتخبط وانعدام الرؤية ، ولعل فضيحة الاعلان عن اعتقال السيد عزت الدوري ثم التراجع عن ذلك ، يمثل نموذجا واضحا لهذه الحالة ، اما المقاومة فهي في تصاعد مستمر ، وضرباتها الاخيرة المركزة ضد القوى العسكرية المعادية أساسا ، دليل على قدرتها ونجاحها وفاعليتها

_____________________________________

شبكة البصرة

الثلاثاء 22 رجب 1425 / 7 أيلول 2004