المصير الغامض للعرب السنة في العراق ..
إذا ما تكررت عملية خلط الأوراق بين المجاميع الوطنية العراقية ذات المطالب الواضحة، وبين التنظيمات الإرهابية، فإن الأزمة السياسية ستولد من جديد في مواجهة حكومة العبادي.
العربد. ماجد السامرائي [نشر في 2014\09\22]
مهما يقال في الحشد العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة اليوم للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية بسبب غموض الأهداف الاستراتيجية النهائية لهذه الحرب، يبقى العرب السنة في العراق هم وقود هذه الحرب تكراراً لتجربة “الصحوات” عام 2006 التي أنشأها الجنرال الأميركي باتريوس، حيث انتهى المئات منهم، بعد إنجازهم مهمة طرد تنظيم القاعدة من الأنبار إما إلى التصفيات الجسدية، أو الإهمال من قبل حكومة نوري المالكي فقاد اليأس الكثير منهم للارتماء مجدداً في أحضان التنظيم الإرهابي المتطرف القادم من سوريا، بعد دوره المعروف في تلبية المتطلبات اللوجستية لتصفية الثورة الشعبية هناك إلى جانب المليشيات القادمة من لبنان والعراق، وصعود نجم هذا التنظيم الإرهابي إثر دخوله وانتصاره على الجيش العراقي الذي دربه الجنرالات الأميركان وتم صرف أكثر من 25 مليار دولار على بنائه.
أميركا تعود اليوم إلى العراق وفق استراتيجية “القيادة والإدارة الميدانية” دون وجود جنود يمكن التضحية بأرواحهم مثلما حصل في سنوات الاحتلال، مع مراعاة التنسيق مع طهران التي فرضت على واشنطن الأمر الواقع في هيمنتها على العراق وسوريا خصوصاً في الأيام الأخيرة، مما دفع الرئيس الإيراني روحاني للتصريح “بأنه لولا إيران لسقط العراق وسقط إقليم كردستان”، مع أن حقائق الأرض تقول بأن ثلث العراق ما زال بيد تنظيم الدولة الإسلامية. مما دفع إدارة أوباما للتصريح بأن هناك تنسيقاً أميركياً إيرانياً في مشروع الحرب على “داعش” في العراق، بعد انزعاج طهران من عدم دعوتها لاجتماعي جدة وباريس.
الوجه الأخطر في هذه الحرب الجديدة ليس مهمة القضاء على هذا التنظيم المتطرف الذي يسعى الجميع لإنجازها ليس في العراق وسوريا، وإنما في أنحاء المعمورة لمخاطره على الأمن الانساني، لكن المشكلة الأكبر في العراق هي في النظام السياسي وإدارته الطائفية وتهميشه للعرب السنة، مما أوصل البلد إلى حالة التفكك والانهيار خصوصاً خلال السنوات الثماني الماضية، ومجيء حكومة العبادي بقرار أميركي إيراني ووفق ظرف من الدعم لم يتحقق لحكومة في الأرض عربياً واقليمياً ودولياً بسبب الحرب الجديدة المنطلقة من العراق. ولكن أزمة العراق السياسية المتعلقة بالحكم، وعلاقة السلطة بالعرب السنة ستشكل الهاجس الأكبر المعوق لتحقيق الانتصار على الإرهاب بجميع أنواعه. ذلك إن قضية إزالة الظلم المتحقق ضدهم ما زالت غامضة، خاصة في مسائل العفو عن المعتقلين وقانون اجتثاث البعث والتوازن السياسي المرفوضة من قبل بعض أطراف التحالف الشيعي الحاكم، وعدم مبالاة الزعماء السنة من الذين جددوا مناصبهم الحكومية والبرلمانية لمصالحهم الذاتية.
لقد استجدت ظروف ميدانية بعد العاشر من يونيو 2014 حولت قوى الحراك الشعبي إلى فصائل مسلحة في المحافظات الست في مواجهة قوات المالكي. وهناك حقائق كشفتها التقارير المصورة تشير إلى عمليات قتل ممنهج ضد أبناء العرب السنة في الأقضية والنواحي التي دخلتها قوات الميليشيات المسلحة أخيراً لسد فراغ داعش، مما يثير الرعب في نفوس أبناء السنة، وخشيتهم على مصيرهم المجهول في بلدهم، ولعل البعض منهم يقول اليوم “عاملونا كأقلية كغيرنا رغم إننا لسنا كذلك لكي يتم إنصافنا”، وإذا ما تكررت عملية خلط الأوراق بين المجاميع الوطنية العراقية ذات المطالب السياسية الواضحة، وبين التنظيمات الإرهابية، فإن الأزمة السياسية ستولد من جديد في مواجهة حكومة العبادي، كما أن قضية إزالة الإرهاب في العراق مشكوك فيها. ولابدّ للعبادي وفريقه الحكومي عدم الاكتفاء بالتمنيات والوعود العامة، وتنفيذ برنامج إنقاذ وطني سياسي، إلى جانب شغلهم في الجانب العسكري مع الأميركان في تشكيل “الحرس الوطني” الذي هناك خشية من أن تتحول مشاريعه إلى صفقات شبيهة بالصحوات التي كان لها أمراء حرب في قيادتها واستخدام المساكين وقوداً لها في لعبة يحذر منها كثر من أن تكون “قتال السنة بالسنة”.
فالحلول السياسية لا تلغي الحرب العالمية الجديدة بل تقوي مفاعيلها. ونصيحتنا للعبادي ألا يأخذه الغرور بما حصل عليه من دعم أميركي أسطوري، فالأميركان لا يقدّمون ذلك من أجل عيونه وعيون السياسيين العراقيين الذين يعرفهم الأميركان جيداً، وغالبيتهم كان مشاركاً في الفشل الذي أزاح المالكي. ولعل الخطوة الأولى هي في دعوة قيادات الحراك الشعبي للحوار، وهم عراقيون وطنيون وليسوا إرهابيين والتعرف المباشر على مطالبهم وتلبية الممكن منها، ولا بأس أن يقوم بهذا الدور إياد علاوي ومنحه صلاحيات واضحة من قبل الكتلة الشيعية القائدة ورئيس الحكومة، وألا يقتصر دوره على العلاقات العامة الذي يحتفظ به منذ سنوات ولا يحتاج منصبا رئاسيا ليؤديه، بل أن يكون دوره حامل المطافئ للحرائق إلى جانب المسؤولين الوطنيين الآخرين.
لا يوجد وطني عراقي يريد لهذا البلد أن يكون فريسة للإرهاب بكل صنوفه، ولكن لابدّ ألا يعلو صوت البندقية على صوت الرحمة والعدل والمساواة وتحريم الطائفية وإنصاف المظلومين، فالعراقيون تدبّغت جلودهم بحروق الحروب، وفاضت أرواحهم بالظلم ويخافون من المقبل الغامض، ومن حق العرب السنة الخوف على مصيرهم المجهول.
كاتب عراقي