البداء
البداء ..
الكاتب : أحمد بن عبدالله البغدادي ..
البداء
إن عقيدة البداء من العقائد التي يقول بها الشيعة الامامية الاثنى عشرية ، وعندهم ان القائل بالبداء معظم لله تعالى.
قال الكليني : " 1 - مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَجَّالِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ثَعْلَبَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) قَالَ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِثْلِ الْبَدَاءِ " اهـ.[1]
وفيه ايضا : " 3 - عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَ غَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ قَالَ فَقَالَ وَ هَلْ يُمْحَى إِلَّا مَا كَانَ ثَابِتاً وَ هَلْ يُثْبَتُ إِلَّا مَا لَمْ يَكُنْ " اهـ.[2]
وفيه ايضا : " 4 - عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً حَتَّى يَاخُذَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ خِصَالٍ الْإِقْرَارَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَ خَلْعَ الْأَنْدَادِ وَ أَنَّ اللَّهَ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ وَ يُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ " اهـ.[3]
وتوجد غير هذه الروايات عند الرافضة في منزلة البداء والحث على الاعتقاد به.
ومن باب التبيين للامر على حقيقته ، فينبغي ان انقل كلام علماء الرافضة في معنى البداء لغة ، واصطلاحا لكي نتعامل معهم بعدل وانصاف.
قال جعفر السبحاني : " إن البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء. قال الراغب في ( مفرداته ) : " بدا الشئ بدوءا وبداءا : ظهر ظهورا بينا، قال تعالى : * ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون * وبدا لهم سيئات ما كسبوا ) * ". والبداء بهذا المعنى لا يطلق على الله سبحانه بتاتا. لاستلزامه حدوث علمه تعالى بشئ بعد جهله به، ولا يظن بمسلم عارف بالكتاب والسنة أن يطلق البداء بهذا المعنى على الله سبحانه " اهـ.[4]
وقال المفيد : " وأقول : في معنى البداء ما يقول المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الاغناء، والأمراض بعد الاعفاء، والإماتة بعد الإحياء، وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال " اهـ.[5]
وقال الطوسي : " وأما البداء فحقيقته في اللغة هو " الظهور " ولذلك يقال : " بدا لنا سور المدينة " و " بدا لنا وجه الرأي " وقال الله تعالى : ( وبدا لهم سيئات ما عملوا ) و ( بدا لهم سيئات ما كسبوا ) ويراد بذلك كله : " ظهر ". وقد يستعمل ذلك في العلم بالشئ بعد أن لم يكن حاصلا، وكذلك في الظن. فأما إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه، ومنه ما لا يجوز : فأما ما يجوز من ذلك، فهو ما أفاد النسخ بعينه، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين عليهما السلام من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى، دون ما لا يجوز عليه، من حصول العلم بعد أن لم يكن، ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى والتشبيه هو أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا لهم، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا لهم، أطلق على ذلك لفظ البداء " اهـ.[6]
فنلاحظ ان الامامية لا يجيزون اطلاق البداء على الله تعالى بمعنى ظهور ما كان خافيا من العلم ، ولكن هناك نص في كتاب القران والعقيدة لمسلم الحلي قد ذكر فيه ان المعنى المحذور للبداء قد جاء به تصريح السيد الشريف المرتضى ، ثم ذكر الحلي انه مذهب مهجور عند الامامية ، حيث قال :" قال الشيخ أعلى الله مقامه في العدة - في بحث النسخ - : وأما البداء فحقيقته في اللغة هو الظهور، ولذلك يقال : بدا سور المدينة، وبدا لنا وجه الرأي، وقال الله تعالى : * ( وبدا لهم سيئات ما كسبوا ) * و * ( بدا لهم سيئات ما عملوا ) * ويراد بكل ذلك ظهر، وقد يستعمل ذلك في العلم بالشئ بعد أن لم يكن حاصلا، وكذلك في الظن، فأما إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه، ومنه ما لا يجوز، فأما ما يجوز من ذلك، فهو ما أفاد النسخ بعينه، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين - يعني الباقر والصادق ( عليهما السلام ) - من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى، دون ما لا يجوز عليه، من حصول العلم بعد أن لم يكن، ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى، والتشبيه هو أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا لهم، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا لهم، أطلق على ذلك لفظ البداء. وذكر سيدنا الأجل المرتضى ( قدس سره ) وجها آخر في ذلك، وهو أنه قال : يمكن حمل ذلك على حقيقته، بأن يقال : بدا له تعالى، بمعنى أنه ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهرا له، وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لأن قبل وجود الأمر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين، وإنما يعلم أنه يأمر وينهى في المستقبل. فأما كونه آمرا وناهيا، فلا يصح أن يعلمه إلا إذا وجد الأمر والنهي، وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى : * ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ) * بأن نحمله على أن المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا، لأن قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا، وإنما نعلم ذلك بعد حصوله، فكذلك القول في البداء، وهذا وجه حسن جدا، انتهى موضع الحاجة من الكلام. وأنت ترى أن هذا الكلام صريح كل الصراحة في أن البداء في نظر السيد المرتضى ( قدس سره ) ليس هو المراد من النسخ، كما أن الشيخ نفسه جعله مقابلا للمعنى المذكور للنسخ المعروف فيه، لكن فيه : أنه يرى أنه تعالى غير عالم بالأشياء قبل الوقوع، كما ترى صريحه وتصريحه، وهو مذهب مهجور عند أصحابنا الإمامية، وهو بما قال أعرف، وتحقيق الحق في ذلك يطلب من موسوعات الكتب الكلامية " اهـ.[7]
فيلزم الامامية الاعتراف بان المعنى المحذور للبداء قد صدر من بعض متقدميهم ، او ان يصرحوا بأن مسلم الحلي قد اخطأ في فهم كلام السيد الشريف المرتضى ، وكم كنت اود لو ينقل لنا السيد مسلم الحلي من القائل ان الله تعالى غير عالم بالاشياء قبل الوقوع ، وذلك لانه قد صرح بعد نقله تصريح الشريف المرتضى بأن الله تعالى غير عالم بالاشياء قبل وقوعها بأنه مذهب مهجور عند الامامية.
فأقول ان اشكال اهل السنة على الامامية في موضوع البداء مجمل ، ومفصل ، فالمجمل يتعلق بما صدر من بعض علماء الامامية ، وقد صرح مسلم الحلي ان الشريف المرتضى قد صرح بالمعنى المحظور وهو العلم بالاشياء قبل الوقوع ، ثم عد هذا من المذهب المهجور كما نقلنا.
واما الرد المفصل فيتعلق بما جاء في روايات الامامية ، وما صرح به علماؤهم.
مما لا شك فيه ان البداء علم يظهره الله تعالى لعباده ، وهذا العلم يكون بتثبيت شيء ، او محوه.
قال الكليني : " عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَ غَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ قَالَ فَقَالَ وَ هَلْ يُمْحَى إِلَّا مَا كَانَ ثَابِتاً وَ هَلْ يُثْبَتُ إِلَّا مَا لَمْ يَكُنْ " اهـ.[8]
فالمحو يكون لشيء ثابت ، والتثبيت يكون لشيء غير موجود ، ولقد وردت رواية عند الامامية في البداء تتعلق بامامة موسى الكاظم ، قال الكليني : " 1 - عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ ( عليه السلام ) بَعْدَ مَا مَضَى ابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَ إِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ كَأَنَّهُمَا أَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى وَ إِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ( عليه السلام ) وَ إِنَّ قِصَّتَهُمَا كَقِصَّتِهِمَا إِذْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُرْجَى بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ فَقَالَ نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ بَدَا لِلَّهِ فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) مَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ لَهُ كَمَا بَدَا لَهُ فِي مُوسَى بَعْدَ مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ مَا كَشَفَ بِهِ عَنْ حَالِهِ وَ هُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَ إِنْ كَرِهَ الْمُبْطِلُونَ وَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَ مَعَهُ آلَةُ الْإِمَامَةِ " اهـ.[9]
ووردت عند الطوسي في الغيبة ، حيث قال : " 84 - فروى سعد بن عبد الله الأشعري، قال حدثني أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام وقت وفاة ابنه أبي جعفر، وقد كان أشار إليه ودل عليه وإني لأفكر في نفسي وأقول هذه قصة [ أبي ] إبراهيم عليه السلام وقصة إسماعيل فأقبل علي أبو الحسن عليه السلام وقال: نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي جعفر وصير مكانه أبا محمد كما بدا له في إسماعيل بعدما دل عليه أبو عبد الله عليه السلام ونصبه وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، أبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده ما تحتاجونه إليه، ومعه آلة الإمامة والحمد لله " اهـ.[10]
فهذه الروايات دالة على ان امامة اسماعيل بن جعفر الصادق بطلت امامته بالبداء ، وثبتت لموسى الكاظم ، ومن المعلوم ان البداء هو تغيير شيء موجود عند الله تعالى ، بجعل غيره ، فيلزم من هذا ان امامة اسماعيل كانت مكتوبة عند الله تعالى ، فغيرها ربنا تعالى ، وجعل بدلا منه موسى الكاظم ، فاذا قال الامامية ان البداء في امامة موسى الكاظم يتعلق بظهوره للناس بعد ان كانوا يعتقدون بامامة اسماعيل ، قلنا لهم ان هذا باطل من عدة وجوه :
اولا : ان الامامية يقولون ان البداء نسخ في التكوين ، قال محسن الامين : "
البداء الذي تقول به الشيعة إظهار إخفاء لا ظهور بعد خفاء وهو نسخ في التكوين نظير النسخ في التشريع الذي يقول به جميع المسلمين فكما ان النسخ في الاحكام لا يتحقق إلا فيما ظاهره الدوام ثم ينسخ وإلا لكان توقيتا فالبداء يكون فيما ظاهره الوقوع ثم يظهر خلافه ولو قال قائل إن البداء ظهور بعد خفاء فالشيعة منه براء " اهـ.[11]
فالبداء يتعلق بفعل الله تعالى بتغيير شيء موجود ، فيلزم من هذا ان امامة اسماعيل بن جعفر كانت موجودة ، ثم نسخها الله تعالى ، وجعل بدلا منه اخاه موسى بن جعفر ، وحدث هذا الشيء فيما يتعلق بامامة الحسن العسكري.
ثانيا : ان امامة الحسن العسكري لم تكن ظاهرة للناس كما قال بعض الامامية ومنهم المازندراني ، حيث قال : " قوله ( بدا لله في أبي محمد ) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها « بدا الله » والبداء بالفتح والمد ظهور الشيء بعد الخفاء وهو على الله عز وجل غير جائز والمراد به القضاء والحكم وقد يطلق عليه كما صرح به صاحب النهاية فالمعنى قضى الله جل شأنه في أبي محمد بعد موت أبي جعفر بما لم يكن معروفا لأبي محمد عند الخلق وهو الإمامة والخلافة " اهـ.[12]
فالنص على امامة الحسن العسكري لم يكن موجودا في الامة الى عصر الامام علي الهادي ، وفي هذا بطلان لما يدعيه الامامية من روايات في تسمية الائمة منذ عصر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ومنها حديث اللوح ، وغيره.
ثالثا : ان الامام الصادق قد اشار الى امامة اسماعيل ابنه فلما مات قال بالبداء فرجع بعض اصحابه عن امامته واتهموه بالكذب ، قال النوبختي : " وأما الفرقة الأخرى من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام فنزلت إلى القول بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فلم تزل ثابتة على إمامته أيام حياته غير نفر منهم يسير فإنهم لما أشار جعفر بن محمد إلى إمامة ابنه اسماعيل ثم مات اسماعيل في حياة أبيه رجعوا عن إمامة جعفر وقالوا كذبنا ولم يكن إماما لأن الإمام لا يكذب ولا يقول ما لا يكون وحكموا على جعفر أنه قال أن الله عز وجل بدا له في إمامة اسماعيل فأنكروا البداء والمشيئة من الله وقالوا هذا باطل لا يجوز ومالوا إلى مقالة البترية ومقالة سليمان بن جرير....." اهـ.[13]
رابعا : لقد ورد في كتب الامامية ان الامام الصادق قد سأل الله تعالى الامامة لولده اسماعيل ، قال المجلسي : " 41 - كتاب زيد النرسي: عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما بدا لله بداء أعظم من بداء بدا له في إسماعيل ابني.
42 – ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إني ناجيت الله ونازلته في إسماعيل ابني أن يكون من بعدي فأبى ربي إلا أن يكون موسى ابني.
43 - ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن شيطانا قد ولع بابني إسماعيل يتصور في صورته ليفتن به الناس وإنه لا يتصور في صورة نبي ولا وصي نبي، فمن قال لك من الناس: إن إسماعيل ابني حي لم يمت، فإنما ذلك الشيطان تمثل له في صورة إسماعيل، ما زلت أبتهل إلى الله عزوجل في إسماعيل ابني أن يحييه لي ويكون القيم من بعدي فأبى ربي ذلك " اهـ.[14]
وفي بصائر الدرجات : " (11) حدثنا احمد بن محمد عن على بن الحكم عن أبيه عن ابن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته وطلبت وقضيت إليه أن يجعل هذا الأمر إلى إسماعيل فأبى الله إلا أن يجعله لأبي الحسن موسى ع " اهـ.[15]
فلو كان هناك نص على امامة موسى بن جعفر ، فكيف يطلب الامام الصادق الامامة لابنه اسماعيل ؟ !.
قال الكليني : " عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عِلْمَيْنِ عِلْماً أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَلَائِكَتَهُ وَ أَنْبِيَاءَهُ وَ رُسُلَهُ فَمَا أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ وَ أَنْبِيَاءَهُ فَقَدْ عَلِمْنَاهُ وَ عِلْماً اسْتَاثَرَ بِهِ فَإِذَا بَدَا لِلَّهِ فِي شَيْ ءٍ مِنْهُ أَعْلَمَنَا ذَلِكَ وَ عَرَضَ عَلَى الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِنَا.
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ جَمِيعاً عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) مِثْلَهُ " اهـ.[16]
هل توقف البداء لله تعالى في عصر الغيبة ، ام ان البداء مستمر ؟ ، اذا كان البداء مستمرا فهل هو علم ام لا ؟ ، فاذا قال الامامية انه علم ، فهل يبين الامام الثاني عشر هذا العلم ام انه يكتمه ؟ ! ، فاذا كان مبينا لهذا العلم فليثبت لنا الامامية الدليل على تبيينه ، وان لم يكن مبينا لهذا العلم ، فما هو حكم كاتم العلم ؟ !.
{ ورود لفظ بدا لله تعالى عند اهل السنة }
قال الامام البخاري " 3464 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ، - أَوْ قَالَ: البَقَرُ.............. " اهـ.[17]
وفي لفظ الامام مسلم : " 10 - (2964) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى....................... " اهـ.[18]
قال الحافظ ابن حجر : " قَوْلُهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ بن أَبِي طَلْحَةَ صَرَّحَ بِهِ شَيْبَانُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ قَوْلُهُ بَدَا لِلَّهِ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ فَأَرَادَ إِظْهَارَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَافِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ عَنْ هَمَّامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَلَعَلَّ التَّغْيِيرَ فِيهِ مِنَ الرُّوَاةِ مَعَ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ أَيْضًا نَظَرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُرِيدًا وَالْمَعْنَى أَظْهَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ وَقِيلَ مَعْنَى أَرَادَ قَضَى وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ ضَبَطْنَاهُ عَلَى مُتْقِنِي شُيُوخِنَا بِالْهَمْزِ أَيِ ابْتَدَأَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ كَثِيرٌ مِنَ الشُّيُوخِ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهُوَ خَطَأٌ انْتَهَى وَسَبَقَ إِلَى التَّخْطِئَةِ أَيْضًا الْخَطَّابِيُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ مُوَجَّهٌ كَمَا تَرَى وَأَوْلَى مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ قَضَى اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ وَأَمَّا الْبَدْءُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ تَغَيُّرُ الْأَمْرِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَلَا " اهـ.[19]
وقال الامام ابن الاثير : " وَفِي حَدِيثِ الْأَقْرَعِ والأبرص والأعمى «بَدَا الله عَزَّ وجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهم» أَيْ قَضَى بِذَلِكَ، وهو مَعْنى البَداء ها هنا، لِأَنَّ الْقَضَاءَ سَابِقٌ. والبَدَاء اسْتِصْواب شَيْءٍ عُلم بعدَ أَنْ لَمْ يُعْلَم، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ جَائِزٍ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «السُّلْطَانُ ذُو عُدْوان وذٌو بُدْوَان» أَيْ لَا يَزَالُ يَبْدُو لَهُ رأيٌ جَدِيدٌ " اهـ.[20]
1 - الكافي – باب البداء ج 1 ص 147 ، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – صحيح – ج 2 ص 123.
2 - الكافي – باب البداء ج 1 ص 147 – 148 ، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – حسن – ج 2 ص 137.
3 - الكافي – باب البداء ج 1 ص 148 ، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – حسن – ج 2 ص 137.
4 - الإلهيات - الشيخ جعفر السبحاني - ص 565 – 566.
5 - أوائل المقالات - المفيد - ص 80.
6 - عدة الأصول - الطوسي - ج 2 ص 495.
7 - القرآن والعقيدة - السيد مسلم الحلي - ص 125 – 126.
8 - الكافي – باب البداء – ج 1 ص 147 ، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – حسن – ج 2 ص 137.
9 - الكافي – الكليني - ج 1 ص 327.
10 - الغيبة - الطوسي – ص 82 – 83.
11 - أعيان الشيعة - محسن الأمين - ج 1 ص 42.
12 - شرح أصول الكافي - محمد صالح المازندراني - ج 6 ص 222.
13 - فرق الشيعة - النوبختي - ص 63 – 64.
14 - بحار الأنوار- للمجلسي - ج 47 ص269.
15 - بصائر الدرجات – محمد بن الحسن الصفار - ص492.
16 - الكافي – باب البداء ج 1 ص 255 ، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – ضعيف بسنده الأول صحيح بسنده الثاني – ج 3 ص 108.
17 - صحيح البخاري - حَدِيثُ أَبْرَصَ، وَأَعْمَى، وَأَقْرَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ – ج 4 ص 171.
18 - صحيح مسلم - كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ – ج 4 ص 2275.
19 - فتح الباري – احمد بن علي بن حجر - ج 6 ص 502.
20 - النهاية في غريب الحديث – مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير – ج 1 ص 109.
جميع العقائد الإمامية متشابهة الأدلة
د. طه الدليمي
لم نجد للإمامية عقيدة انفردوا بها تقوم على آية قرآنية محكمة صريحة المعنى قطعية الدلالة قط. وإنما اتبعوا في وضع عقائدهم متشابهات الأدلة. وقد ناقشنا هذا الأمر وتبين لنا واضحاً فيما سبق من عرضنا لتلك العقائد ، أهمها وأعظمها (الإمامة والعصمة) ، فما دونها يقاس عليها. والعقائد التي انفردوا بها كثيرة ، ولا أرى حاجة لمتابعتها واحدة واحدة. ولكن لا بأس في أن نتناول –على وجه الاختصار- مثالين آخرين فقط نختم بهما هما : عقيدة (البداء) وعقيدة (الرجعة) لنرى كيف أنهم ساروا فيهما على النسق نفسه من اتباع الظن أو المتشابه دون القطعي أو المحكم. وقس على ذلك بقية الاعتقادات.
البـداء
دليل البداء
أقوى ما احتجوا به قوله تعالى : }يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ{ (الرعد/39).
نقض هذه العقيدة
والآية في نسخ الأحكام الشرعية ، لا في تغيير الأخبار الاعتقادية.
والأحكام الشرعية يجوز عليها المحو والتغيير. كما قال تعالى: }مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا{ (البقرة/106).
ومن ذلك نسخ إباحة الخمر بقوله تعالى: } إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأْنصَابُ وَالأْزْلاَمُ رِجْسٌ
مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ (المائدة/9). بعد قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ{ (النساء/43).
ومنه نسخ التوجه إلى بيت المقدس في الصلاة بالأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام. فهذه هي الأحكام المعرضة للنسخ. وعنده (أم الكتاب) وهو المحكم الذي لم ينسخ. وإليه نرجع ما نسخ. لأن المنسوخ أحد أفراد المتشابه كما قال تعالى: }مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ{ (آل عمران/7).
فالقول بالبداء - أي جواز أن يطرأ المحو والتغيير على ما أخبر الله به فيقع على غير ما أخبر أو وعد. فيمحو ما يشاء من الأخبار والوعود ويثبت ما يشاء - باطل، بل كفر لأنه لا يليق بصادقي المخلوقين. فكيف بالله اصدق القائلين؟! وإخلاف الوعد من صفة المنافقين. فكيف يوصم به رب العالمين؟ أليس هو القائل:
}إن الله لا يخلف الميعاد{ (آل عمران/9).
والقائل: }وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ (الأنعام/115).
والقائل: }ما يبدل القول لدي{ (ق/29).
والقائل: }يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ{ (البقرة/255).
والقائل: }عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ{ (الحشر/22).
فكيف يخبر فيكذب؟! ويعد فيخلف؟! }سبحانه وتعالى عما يقولون علواً عظيماً{.
إن القول بأن هذه الآية تدل على البداء. لا فرق بينه وبين قول المجوس: إن قوله تعالى: }وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ { (الزخرف:84). يدل على وجود إلهين اثنين. لأن كليهما استدلال على شيء معلوم فساده من الدين والقرآن علماً ضرورياً لا يجهله أحد من المسلمين عالماً كان أم جاهلاً.
والاستدلال بهذه الكيفية ليس أكثر من لعب بكتاب الله، واستهزاء بآياته. يجب أن
يتنزه عنه كل من عنده ذرة من إيمان بهذا الكتاب.
ولعل سائلاً يسأل: ما الذي يدفع الإنسان إلى النزول إلى هذا المستوى الهابط من الأقوال والاستدلال؟! والجواب هو الاضطرار أمام الإحراجات الاعتقادية التي واجهت الإمامية أكثر من مرة في تاريخهم.
فقد كانوا في البدء يقولون: إن الإمام يجب أن يكون أكبر أخوته : فقالوا بـ(إمامة) إسماعيل بن جعفر لأنه كبير أخوته. فإذا به يموت في حياة أبيه!
فماذا يفعلون؟! انقسموا إلى عدة فرق –كما مر بنا- وقد كان الكيسانية الذين يؤمنون بـ(إمامة) محمد بن الحنفية يقولون بمبدأ (البداء) الذي اخترعه لهم المختار بن أبي عبيد الثقفي تخلصاً من إحراجات كانت تواجهه حين يقع الأمر على غير ما يخبرهم به. فما كان من الإمامية إلا أن استلفوا هذا المبدأ من الكيسانية خروجاً من المأزق الذي أوقعهم فيه القدر، لينتقلوا بـ(الإمامة) إلى عبد الله الأفطح أخي إسماعيل الثاني. لكن عبد الله وقبل أن يفيقوا من هذه الصدمة يموت بعد سبعين يوماً من وفاة أبيه دونما ولد! فكان مأزقاً آخر لا يقل عن الأول! فاستعملوا الوسيلة نفسها (البداء) لينتقلوا بـ(الإمامة) وللمرة الثالثة: إلى أخيه الأصغر موسى بن جعفر!
وتكرر المأزق مع الحسن العسكري وأخيه محمد. وأعيدت المسرحية بكل تفاصيلها! كان محمد بن علي الهادي أكبر أخوته. فقال الإمامية بـ(إمامته) لكنه-مع الأسف- مات في حياة أبيه. فانتقلوا بـ(الإمامة) بواسطة (البداء) إلى أخيه الثاني الحسن العسكري. ويموت الحسن دون ولد فينقل بعضهم (الإمامة) إلى أخيه الأصغر جعفر. ومنهم من فعل كما فعل الفطحية من قبل مع عبد الله الأفطح. إذ ادعوا له ولداً سموه (محمداً). وقالوا بغيبته و(إمامته). فقالوا: إن للحسن ولداً واسمه محمد وقد غاب!
يروي الكليني بسنده عن أبي الحسن (أي علي الهادي) أنه قال: (بدا لله في أبي محمد (أي الحسن العسكري) بعد أبي جعفر (أي أخيه الأكبر محمد) ما لم يكن يعرف له كما بدا لله في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وإن كره المبطلون) ([1]).
ثم عظموا هذا المعتقد ونسبوه (للأئمة) حتى يقبل دون نكير أو نقاش. روى الكليني بإسناده عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (ما عظم الله بمثل البداء) ([2]).
وعن أبي جعفر (ع) أنه قـال : (إذا حدثنـاكم الحديث فجاء على ما حدثناكم به
فقولوا صدق الله. وإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا: صدق الله تؤجروا مرتين) ([3]).
تأمل قوله: (فجاء على خلاف ما حدثناكم به) أي كذب الله-سبحانه- في إخباره وحديثه! تعالى الله عما يقولون علوا عظيماً! أبمثل هذا يعظم الله! وتعظيماً لا مثيل له!!
أبالكفر به ونسبة الكذب إليه يعظم الرب جل وعلا!!
ثم ما هي الفائدة المترتبة على هذا المعتقد الخطير غير محاولة التخلص من الإحراجات ! ولكن بما هو أشد منها؟! أي من أجل أن لا يتبين كذب الكذاب في خبره ينسب الخبر والكذب إلى الله! وعلى كل حال قولوا: (صدق الله! تؤجروا مرتين). والأجر مرتين ما هو إلا رشوة مقدمة للعقل كي لا يعترض أو يفكر بل يقر …ويجمد. ويقال بعد هذا: إن أصول الدين تثبت بالعقل! فأي عقل هذا الذي يثبت مثل هذا؟! (نعوذ بالله من سبات العقول).
إن العقيدة ليست مخارج وأنفاقاً للتخلص من الإحراجات والمآزق! وبأي ثمن!
([1]) أصول الكافي1 /327.
([2]) أيضاً 1 /146.
([3]) أيضاً1 /"369