وجوب أتباع مذهب الإمامية
وجوب أتباع مذهب الإمامية
قال الرافضي: ((الوجه الخامس: في بيان وجوب اتباع مذهب الإمامية أنهم لم يذهبوا إلى التعصب في غير الحق، بخلاف غيرهم، فقد ذكر الغزالي والماوردي، وهما إمامان للشافعية، أن تسطيح القبور هي المشروع، لكن لما جعلته الرافضة شعارا لهم عدلنا عنه إلى التسنيم، وذكر الزمخشري، وكان من أئمة الحنفية، في تفسير قوله تعالى: {ُهوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلاَئِكَتَهُ} (1) أنه يجوز بمقتضى هذه الآية أن يُصلَّى على آحاد المسلمين، لكن لما اتخذت الرافضة ذلك في أئمتهم منعناه. وقال مصنف ((الهداية)) من الحنفية: إن المشروع التختم في اليمين، ولكن لما اتخذته الرافضة جعلنا التختم في اليسار، وأمثال ذلك كثير فانظر إلى من يغيّر الشريعة ويبدِّل الأحكام التي ورد بها النص عن النبي (ويذهب إلى ضد الصواب معاندة لقوم معينين، فهل يجوز اتّباعه والمصير إلى أقواله؟))
والجواب من طريقتين: أحدهما: أن هذا الذي ذكره هوبالرافضة ألصق.
والثاني: أن أئمة السنة براء من هذا.
__________
(1) الآية 43 من سورة الأحزاب.
أما الطريق الأول فيقال: لا نعلم طائفة أعظم تعصبا في الباطل من الرافضة، حتى إنهم دون سائر الطوائف عُرف منهم شهادة الزور لموافقهم على مخالفهم، وليس في التعصب أعظم من الكذب، وحتى أنهم في التعصب جعلوا للبنت جميع الميراث، ليقولوا: إن فاطمة رضى الله عنها ورثت رسول الله (دون عمه العباس (، وحتى أن فيهم من حرَّم لحم الجمل لأن عائشة قاتلت على جمل، فخالفوا كتاب الله وسنة رسوله (وإجماع الصحابة والقرابة لأمر لا يناسب ذلك، فإن ذلك الجمل الذي ركبته عائشة رضى الله عنها مات، ولوفرض أنه حيّ فركوب الكفّار على الجمال لا يوجب تحريمها، وما زال الكفّار يركبون جمالا ويغنمها المسلمون منهم، ولحمها حلال لهم، فأي شيء في ركوب عائشة للجمل مما يوجب تحريم لحمه؟ وغاية ما يفرضون أن بعض من يجعلونه كافرا ركب جملا، مع أنهم كاذبون مفترون فيما يرمون به أم المؤمنين رضى الله عنها.
ومن تعصبهم أنهم لا يذكرون اسم ((العشرة)) بل يقولون تسعة وواحد، وإذا بنوا أعمدة أوغيرها لا يجعلونها عشرة، وهم يتحرُّون ذلك في كثير من أمورهم.
ومن تعصبهم أنهم إذا وجدوا مسمّى بعليّ أوجعفر أوالحسن أوالحسين بادروا إلى إكرامه، مع أنه قد يكون فاسقا، وقد يكون في الباطن سنياً، فإن أهل السنة يسمُّون بهذه الأسماء. كل هذا من التعصب والجهل، ومن تعصبهم وجهلهم أنهم يُبغضون بني أمية كلهم لكون بعضهم كان ممن يبغض عليًّا.
وقد كان في بني أمية قوم صالحون ماتوا قبل الفتنة، وكان بنوأمية اكثر القبائل عمَّالا للنبي (، فإنه لما فتح مكة استعمل عليها عتّاب ابن أسيد بن أبي العاصي بن أمية، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، وأخويه أَبان بن سعيد وسعيد بن سعيد على أعمال أُخر، واستعمل أبا سفيان بن حرب بن أمية على نجران أوابنه يزيد، ومات وهوعليها، وصاهر نبي الله (ببناته الثلاث لبني أمية،،فزوّج أكبر بناته زينب بأبي العاص بن الربيع بن أمية بن عبد شمس، وحمد صهره لما أراد عليٌّ أن يتزوج ببنت أبي جهل، فذكر صهراً له من بني أمية بن عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته، وقال: ((حدثني فصدقني، ووعدني فوفَّى لي)). وزوَّج ابنتيه لعثمان بن عفان، واحدة بعد واحدة، وقال: ((لوكانت عندنا ثالثة لزوجناها عثمان)).
وكذلك من جهلهم وتعصبهم أنهم يبغضون أهل الشام، لكونهم كان فيهم أولا من يبغض عليًّا. ومعلوم أن مكة كان فيها كفّار ومؤمنون، وكذلك المدينة كان فيها مؤمنون ومنافقون، والشام في هذه الأعصار لم يبق فيه من يتظاهر ببغض عليّ، ولكن لفرط جهلهم يسحبون ذيل البغض. وكذلك من جهلهم أنهم يذمون من ينتفع بشيء من آثار بني أمية، كالشرب من نهر يزيد، ويزيد لم يحفره ولكن وسَّعه، وكالصلاة في جامع بناه بنوأمية. ومن المعلوم أن النبي (كان يصلِّي إلى الكعبة التي بناها المشركون، وكان يسكن في المساكن التي بنوها، وكان يشرب من ماء الآبار التي حفروها، ويلبس من الثياب التي نسجوها، ويعامل بالدراهم التي ضربوها. فإذا كان ينتفع بمساكنهم وملابسهم، والمياه التي أنبطوها، والمساجد التي بنوها، فكيف بأهل القبلة؟!
فلوفرض أن يزيد كان حافراً وحفر نهرا، لم يكره الشرب منه بإجماع المسلمين، ولكن لفرط تعصبهم كرهوا ما يضاف إلى من يبغضونه.
ولقد حدثني ثقة أنه كان لرجل منهم كلب فدعاه آخر منهم: بكير، فقال صاحب الكلب: أتسمي كلبي بأسماء أصحاب النار؟ فاقتتلا على ذلك حتى جرى بينهما دم. فهل يكون أجهل من هؤلاء؟!
وأما الطريق الثاني في الجواب فنقول: الذي عليه أئمة الإسلام إن كان مشروعاً لم يُترك لمجرد فعل أهل البدع: لا الرافضة ولا غيرهم. وأصول الأئمة كلهم توافق هذا، منها مسألة التسطيح الذي ذكرها، فإن مذهب أبي حنيفة وأحمد أن تسنيم القبور أفضل، كما ثبت في الصحيح أن قبر النبي (كان مسنَّماً، ولأن ذلك أبعد عن مشابهة أبنية الدنيا، وأمنع عن القعود على القبور. والشافعي يستحب التسطيح لما رُوى من الأمر بتسوية القبور، فرأى أن التسوية هي التسطيح. ثم إن بعض أصحابه قال: إن هذا شعار الرافضة فيُكره ذلك، فخالفه جمهور الأصحاب وقالوا: بل هوالمستحب وإن فعلته الرافضة.
وكذلك الجهر بالبسملة هومذهب الرافضة، وبعض الناس تكلَّم في الشافعي بسببها، وبسبب القنوت، ونسبه إلى قول الرافضة والقدرية، لأن المعروف في العراق إن الجهر كان من شعار الرافضة، وأن القنوت في الفجر كان من شعار القدرية الرافضة، حتى أن سفيان الثوري وغيره من الأئمة يذكرون في عقائدهم ترك الجهر بالبسملة، لأنه كان عندهم من شعار الرافضة، كما يذكرون المسح على الخفين لأن تركه كان من شعار الرافضة، ومع هذا فالشافعي لما رأى أن هذا هوالسنة كان ذلك مذهبه وإن وافق قول الرافضة.
وكذلك إحرام أهل العراق من العقيق يستحب عنده، وإن كان ذلك مذهب الرافضة، ونظائر هذا كثيرة.