الإسلام السياسي السعودي الشيعي ..
على الرغم من أن تاريخ التشيع في الجزيرة العربية يعود إلى القرن الإسلامي الأول، إلا أن الإسلام السياسي الشيعي في المملكة العربية السعودية لم يتبلور إلا أواسط سبعينات القرن الماضي «1975»، حيث تم تشكيل أول حركة سياسية إصلاحية ذات جذور إسلامية، تدرجت في العمل بشكل مرحلي بدأ من المطالبة بحقوق الشيعة والاعتراف بهويتهم المذهبية والتوعية الثقافية النهضوية، ومرورا بمناهضة التمييز الطائفي الذي يتعرضون إليه لتتم مساواتهم مع نظرائهم في الوطن، ومن ثم المطالبة بحزمة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ذات الطابع الوطني، مع شركائهم الإصلاحيين في الوطن.
ويشكل السكان الشيعة في المملكة البالغ عددهم قرابة 2 مليون، ما بين10 - 15 بالمائة من إجمالي عدد السكان في العربية السعودية [1] ، ويعيش معظمهم في المنطقة الشرقية، التي يهيمنون عليها ديموغرافياّ حيث توجد اكبر حقول النفط ومصافي تكرير النفط الغنية. واتجه عدد منهم للإقامة في الدمام عاصمة المنطقة الشرقية وأكبر مدنها، أما الغالبية الساحقة منهم فتعيش في الأرياف والقرى ضمن واحتين كبيرتين، القطيف والاحساء[2] ، كما توجد تجمعات شيعية في مكة والمدينة إضافة إلى أتباع المذهب الاسماعيلي[3] في منطقة نجران النائية على الحدود اليمنية.
ويقدر بعض المواطنين الشيعة في السعودية أن عدد سكان المنطقة الشرقية يفوق نصف المليون نسمة، في حين يقدر البعض ان عدد الشيعة في السعودية يقدر بثلاثة ملايين ونصف المليون. ونظرا لغياب الإحصاءات الدقيقة والحديثة عن عدد الشيعة الحقيقي في السعودية هناك تضارب في التقديرات.
ومنذ القرن الرابع عشر وحتى مطلع القرن العشرين، وقع الشيعة في الجزيرة العربية فعليا تحت هيمنة خارجية مستمرة باستثناء ثلاثة أرباع القرن السادس عشر أبان التواجد البرتغالي بالمنطقة، ما يعني بطبيعة الحال الوقوع باستمرار تحت هيمنة سنية دخيلة[4] . ظل معها التشيع مع ذلك القوة الروحية السائدة.
في العام 1913 استولى ابن سعود على المنطقة الشرقية منتزعا السلطة من حكامها العثمانيين، ليضم المنطقة إلى ما سيعرف لاحقا بالمملكة العربية السعودية. وبدافع من رغبات اقتصادية وسياسية بالدرجة الأساس اعتمد ابن سعود في تقوية سلطته وبشكل كبير على «الإخوان» المتشددين الدينيين المتحمسين والمقاتلين القبليين [5] ، وجوهر عقيدة «الإخوان» كان الدعوة للجهاد، خاصة ضد الكفار والمرتدين، والذين من ضمنهم وأبرزهم الشيعة، ولقد مارس «الإخوان» ضغوطا كبيرة على الملك القادم، عبد العزيز، للعمل على إجبار الشيعة على تغيير عقائدهم الدينية بالقوة أو قتلهم، وكان رفض عبد العزيز هذا واحدا من أسباب ثورة «الإخوان» عليه في 1926 والتي سحقها ابن سعود في نهاية الأمر. ومع ذلك اتجه الإخوان لأخذ زمام المبادرة بأيديهم والشروع بقتل الشيعة بأعداد كبيرة وإن لم تكن أرقامها متوفرة.
ومنذ تأسيسها في عام 1932 سعت المملكة بكل السبل لتهدئة قلق الأقلية الشيعية، وبتشجيع من الحكام الجدد تدفق على المنطقة الشرقية الآلاف من المستوطنين السُنة وأصحاب المطامح التجارية من نجد والقصيم، وساعد ذلك في قيام مدن ومراكز تجارية جديدة نادرا ما أفادت الشيعة. وقوض هذا التدفق التجارة القديمة ومنظومة الزراعة التي حافظت تقليديا وباستمرار على الاقتصاد والمجتمع المحلي. والأهم من ذلك هو تجاهل المستوطنين السنة والتجار الزائرين لرجال الأعمال المحليين الشيعة، مقتصرين بدلا عن ذلك في تبادلهم التجاري على نظرائهم العقائديين من المنطقة الوسطى والغربية[6] .
وكانت الأقلية الشيعية في السعودية هدفا للتحريض الطائفي منذ تأسيس المملكة عام 1932. وتعد معضلة التمييز الطائفي من اكبر المشاكل التي يعاني منها الشيعة في المملكة، لذلك ظل الشيعة، وعلى مدى تاريخ البلاد، مهمشين وغير فاعلين، إلى أن حفزت أحداث 1979 في الجارة إيران الزعماء الشيعة في السعودية واستجابة لمشاعر الاضطهاد الديني لتحريك الشباب تحت شعار التحدي المباشر للنظام، لتنطلق بذلك الشرارة الأولى للعصيان المدني الشامل. في مرحلة استمرت أقل من عقد من الزمان، ونتيجة للرد الشرس للدولة ظلت أحداثها باقية في وجدان الذاكرة الجماعية[7] .
ويغلب على المواطنين الشيعة في السعودية الاتجاه التقليدي المحافظ، في حين ان أصحاب الميول السياسية والاهتمام بالشأن العام لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة جدا من مجموع الشيعة في المملكة، ولذلك صار التركيز بصورة اكبر على كل ما يرتبط بحماية عقائدهم وحفظ هويتهم المذهبية، تبلور ذلك في محافظة رجال الدين وأنصارهم باستمرار على مؤسسات دينية مهمة، كالمساجد والحسينيات، [8] وحتى مجيء الحكم السعودي واظب الشيعة على إقامة شعائر عاشوراء السنوية بحرية عبر مواكب العزاء العامة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين، وعلى غرار ذلك وحتى منتصف القرن العشرين كانوا يتابعون دراساتهم الدينية في الحوزات المحلية تحت إشراف رجال الدين الكبار وبدعم من أموال الخمس المحلية[9] . ونظرا لقلة المنشغلين بالشأن السياسي، لم يجر التركيز كثيرا على الجوانب ذات البعد السياسي والوطني إلا في الثلاثة العقود الأخيرة. وظلت الروابط بالمجتمعات الشيعية في الخارج من خلال السفر كطلاب علوم دينية وكعلماء يتطلعون لمواصلة دراساتهم الدينية. وبالنظر لمدى الروابط القائمة مع العراق كان يطلق على الحوزة القطيفية بالنجف الصغرى حتى الأربعينات[10] .
في الوقت الراهن لا يتبع الشيعة الإمامية في السعودية، مرجعية دينية واحدة؛ فمنهم من يقلد آية الله علي السيستاني في العراق، ومنهم من يقلد آية الله صادق الشيرازي في ُقم، ومنهم من يقلد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، ومنهم من يقلد آية الله محمد تقي المدرسي في كربلاء، أو غيرهم من فقهاء الشيعة.
وتتسم العلاقة بين الشيعة والسلطة في المملكة في معظم الاوقات بالقطيعة والتوجس، بل هي في حالة توتر دائم. وقد شهدت العلاقة المتبادلة في العقود الثلاثة والنصف الماضية، رغم الجهود التي بذلت مؤخرا لترميمها، شد وتصعيد بين الطرفين بسبب مجموعة من الاحداث، كان أبرزها ثلاثة:
1 - الانتفاضة الأولى «انتفاضة محرم عام 1400هـ»، حيث قام الشيعة المقيمون في المنطقة الشرقية بانتفاضة في شهر محرم الحرام عام 1979م، بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران. والانتفاضة هي عبارة مجموعة مواجهات حدثت بين أبناء محافظة القطيف وقراها والاحساء وبين قوات الحرس الوطني السعودي، بدأت الأحداث في اليوم السادس من محرم الموافق25 نوفمبر وانتهت في اليوم العاشر من محرم الموافق29 نوفمبر، وانتهت الانتفاضة بقتل أكثر من 20 متظاهر وبقمع المطالبات التي برزت آنذاك ومن ثم إعادة السيطرة على المنطقة. وكانت هذه الأحداث متزامنة مع حادثة جهيمان الشهيرة «الحرم المكي».
2 - أحداث البقيع عام2009م، وهي عبارة عن مواجهات حدثت بين20 و24 فبراير، في المدينة المنورة بين متظاهرين شيعة وقوات الأمن السعودية ومن بينهم رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمام مقبرة البقيع، بسبب تصوير احد رجال الهيئة للزائرات الشيعيات. وفسر هذا الحدث، على انه نتيجة للاحتقان الذي يعيشه الشيعية، بسبب ما يتعرضون له من حرمان وتهميش وتضييق أثناء ممارستهم الدينية، خصوصا الطقوس المرتبطة بزيارة رموزهم الدينية.
3 - الانتفاضة الثانية، التي شهدتها المنطقة الشرقية بعد اندلاع ثورات الربيع العربي2011م ولازالت ارهاصاتها قائمة حتى اللحظة الراهنة. وقد بدأت مجموعة من الاحتجاجات المتفرقة في المنطقة الشرقية يوم الخميس3 مارس/آذار، متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي، وبخاصة الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية اللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك، وكذلك الثورة البحرينية التي لم يتمكن البحرينيون من إسقاط النظام بسبب تدخل درع الجزيرة. وقاد هذه الاحتجاجات مجموعة من الشبان السعوديين الشيعة للمطالبة بإطلاق السجناء التسعة المنسيون وبإجراءات إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.
تلك المحطات الثلاث، التي صاحبها قتل لبعض المحتجين واعتقال ومداهمات لمنازل بعض الناشطين مضافا الى حظرهم عن السفر، كرست حالة الخصومة السياسية بين النظام والشيعة، كما زادت من درجة التوتر والقلق المتبادل، وخلفت جوا طائفيا مقيتا أصبح الشيعة هم الطرف الأكثر تضررا منه.
[1] - لا يوجد هنالك أرقام يمكن التعويل عليها فيما يتعلق بالأقليات، ووفقا للإحصاء الحكومي للسكان في 2004، بلغ إجمالي عدد السعوديين 22.670. 000 بينهم 16.529. 302 مواطن. وهناك بين 10 إلى 15 بالمائة من الشيعة الإمامية «الاثنى عشرية»، وهم غالبية الشيعة ويعتقدون باثني عشر إماما، وأن مرشدهم الروحي الأعلى وسليل النبي، احتجب عن الأنظار في القرن التاسع. لمعرفة لمحة عن الجدل الشيعي السني، راجع تقرير مجموعة الأزمات الدولية بالشرق الأوسط وشمال شرق أفريقيا رقم 37 «فهم الإسلاميين»2 مارس 2005، الصفحات 18 - 19.
[2] - القطيف: اسم لمدينة متوسطة الحجم، وهي واحة تضم العديد من القرى الصغيرة، تقع على بعد40 كيلومتر تقريبا شمال الدمام، محاطة بالبلدات والقرى الأصغر، والأكبر منها بكثير واحة الأحساء وتبعد 125 كيلومتر جنوبا عن القطيف، وبالإضافة إلى العشرات من القرى التي يغلب عليها الشيعة والتي تحيط بواحة النحيل هذه، في الأحساء كذلك مدينتين كبريين هما الهفوف والمبرز، ويضمان خليطا من السنة والشيعة.
[3] - الإسماعيلية أو «السبعية»: يعتقدون بإسماعيل «الابن الأكبر للإمام السادس جعفر» باعتباره الإمام السابع، وأن سلالة الأئمة مستمرة من خلاله إلى وقتنا الحاضر؛ والإمام الذي يعود إليه القطاع الأكبر من الإسماعيلية الآن هو الآغا خان، وهو الإمام الـ 49 من سلالة النبي محمد. تقرير مجموعة الأزمات الدولية “فهم الإسلاميين» 2 مارس 2005، الصفحات 18 - 19.
[4] - جوان كول، البعد الروحي والحرب المقدسة «نيويورك، 2001».
[5] - لا يجب الخلط بين «الإخوان» و«جماعة الإخوان المسلمين» التي ظهرت في مصر 1928. وبالرغم من ذلك حظيت جماعة الإخوان المسلمين بشعبية في العربية السعودية في فترة ما بعد الستينات. أما «الإخوان» الأوائل فكانوا قوات قبلية تابعة للملك عبد العزيز.
[6] - تقرير الشرق الأوسط رقم «45»، المسألة الشيعية في العربية السعودية، 19 سبتمبر 2005م
[7] - المصدر السابق
[8] - أقيمت الحسينيات أساسا لإحياء مناسبة عاشوراء، يوم استشهاد الإمام الحسين. تطور الوضع مع الزمن في العربية السعودية، حتى صارت الحسينيات مراكز اجتماعية ثقافية والأنشطة الدينية.
[9] - واحة الأحساء تضم الآن الحوزة العلمية؛ وهناك حوزة جديدة افتتحت في القطيف 1996 وانتقلت مؤخرا إلى مبنى جديد. وقال وجهاء لمجموعة الأزمات «حتى مع علم السلطات بذلك، إلا أنهم يتسمون بموقف غير ايجابي بهذا الاتجاه»، رسائل مجموعة الأزمات المتبادلة عبر البريد الالكتروني، 25 أغسطس 2005.
[10] - انظر «المدينة» 8 أكتوبر 2004.
- تيار الاصلاح الوطني نموذجا
دعوة الشيخ حسن بن علي البدر شيعة المنطقة الشرقية في السعودية للقتال ضد قوات الملك عبد العزيز عند دخولها القطيف وانضمامها للمملكة عام1331هـ - 8مايو1913م، تعكس اهتماما بالشأن العام لدى بعض رجالات الدين الشيعة في المملكة منذ القدم. لكن لا يمكن وصف هذه الحالة، ان صحت، ونظرائها بسيادة حالة ثابتة من العمل السياسي للجماعات الاسلامية الشيعية منذ تلك الفترة، ومن ثم يمكن أن يطلق عليها حالة عمل سياسي منظم وواضح، كما هو عليه الحال في الوضع الراهن.
لكن بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران بقيادة الخميني التي أطاحت بالشاه عام 1979م، وانتفاضة المنطقة الشرقية الأولى في السعودية1980م، التي أعقبت الثورة الإيرانية مباشرة، برزت حركات الإسلام السياسي الشيعية المنظمة في السعودية بشكل واضح، وتحديدا في المنطقة الشرقية.. ففي ظل وجود نشاط سياسي منتظم منذ ما يقارب الأربعة عقود من الزمن، صار بالإمكان الزعم بوجود حركات سياسية شيعية في المملكة، وإن لم يجر الاعتراف بها رسميا.
منذ عام1970م وحتى عام 2013م، عاشت جماعات الإسلام السياسي الشيعية مراحل مختلفة ومارست أدوارا متعددة، كما تبنت أهدافا سعت إلى تحقيقها عبر وسائل عدة، نتيجة للظروف والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي مر بها العالم عامة والمملكة العربية السعودية خاصة. ويمكن حصر الحركات السياسية الشيعية التي نشأت في المنطقة الشرقية خلال الأربعة العقود الماضية «1971م - 3013م» إلى الاتجاهات التالية:
أولا: - تيار الإصلاح الوطني
يعد هذا التيار في الوقت الراهن من أبرز الجماعات السياسية الإصلاحية الشيعية في المملكة، ويعتبر الشيخ حسن الصفار من أبرز رموزه ومؤسسيه. ويسمى هذا التيار تارة ب«التيار الشيرازي» وأخرى ب«تيار الصفار» نسبة للشيخ الصفار، خصوصا بعد بروز عدة توجهات «الصادقيون، المدرسيون، الصفاريون» من رحم التيار الشيرازي العام، وذلك بعد رحيل الأب الروحي والمؤسس الأول للتيار الشيرازي، السيد محمد مهدي الشيرازي. وقد مر تيار الإصلاح الوطني منذ نشأته حتى اللحظة الراهنة بمراحل مختلفة، نظرا للمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية، كما شهد طوال تاريخه تغييرات هامة في بنيته الفكرية ومواقفه السياسية، انعكست على شكل أنشطة ومبادرات وبرامج عديدة، متعلقة بالطائفة والوطن والأمة، في الداخل السعودي وخارجه.
ولغرض التعرف على ماهية هذا التيار، والوقوف على ابرز المحطات التاريخية التي مر بها، والتغييرات التي حدثت في منظومته الفكرية والسياسية، يمكن تقسيم الاطوار التي مر بها طوال تاريخه إلى أربع مراحل أساسية:
أ - المرحلة التأسيسية
بدأت هذه المرحلة عام1971م - 1979، وذلك بعد اللقاء الذي تم بين ابرز قادة ومؤسسي هذا التيار في المملكة «حسن الصفار، توفيق السيف، فوزي السيف، محمود السيف»، آنذاك بالمرجع الراحل السيد محمد مهدي الشيرازي وأبن أخته المرجع الحالي السيد محمد تقي المدرسي في الكويت، بعد هجرتهما من العراق خشية اعتقالهما وإعدامهما من قبل النظام ألبعثي آنذاك، وعلى إثر ذلك أقاما حوزة علمية تحت مسمى«مدرسة الرسول الأعظم» بمساعدة بعض التجار الكويتيين، وتلامذتهم الذين خرجوا من العراق.
بانضمام الشيخ الصفار وأبناء الحاج محمد تقي السيف «توفيق، فوزي، محمود» إلى التيار الشيرازي والمشاركة في برامجه المتنوعة وغير التقليدية، سواء في مدرسة الرسول أو من خلال «حركة الطلائع الرساليين» «وهي حركة إقليمية تأسست في العراق عام1968م، بمباركة الشيرازي، وانبثق منها لاحقا منظمة الثورة الإسلامية في السعودية، والجبهة الإسلامية في البحرين، ومنظمة العمل الإسلامي في العراق». وقد تم استقطاب العديد من الشباب من مختلف بلدان الخليج الذين انخرطوا في تلك التشكيلات، وعلى اثر ذلك برز على السطح ما بات يعرف على نطاق واسع اليوم ب«التيار الشيرازي» المنتشر في دول عديدة.
عملية استقطاب الشبان الخليجين الجدد خصوصا السعوديين الشيعة وضمهم إلى التيار الشيرازي، كان نتيجة جهود من التواصل مع الشباب بذلها كلا من أبناء محمد تقي السيف إلى جانب الصفار، الذي كان يتردد بين سلطنة عمان والكويت عام 1973م وأسس مكتبة «الرسول الأعظم» ومجلة «الوعي» في عمان بمعية شبان عمانيين.
وتعتبر عودة الشيخ الصفار وزملائه للقطيف عام 1976م، هي البداية الفعلية لتشكل التيار الشيرازي في المملكة وداخل القطيف وصولا إلى الاحساء، وذلك من خلال الأنشطة الدينية والثقافية والاجتماعية، التي كان يمارسها تلامذة الشيرازي الجدد العائدين من الكويت، بعد تشبعهم بالأفكار الحركية والنهضوية المستقاة من مدرسة الشيرازي وتجربته الثرية، مضافا إلى أدبيات بعض الحركات الاسلامية القديمة كجماعة الأخوان مثلا. وكانت الأجواء في منطقة القطيف، مهيأة تماما لصعود تيار جديد، فالتنظيمات القومية تفككت، والحزب الشيوعي ليس لديه ما يكفي من القوة أو التأثير أو حتى التنظيم الجيد، والتيار التقليدي خارج حسابات النشاط التنظيمي والحزبي تماما.
بدأ التيار الشيرازي في تهيئة الأرضية الاجتماعية لتقبل التغيير عبر مشروع يقوده مرجع مغمور لأغلبية الشيعة في السعودية، وكانت المساجد والحسينيات هي ساحة «الصراع الشرعية» بين التيار التقليدي الذي يتبع مدرسة النجف التاريخية بزعامة آية الله أبو القاسم الخوئي... وبين التيار الشيرازي، وجاء الشيرازيون بأشكال مختلفة من الأنشطة كإحياء الاحتفالات والمحاضرات العامة، وكانت الكتب والأشرطة السمعية التي تحمل أفكار الشيرازي والمدرسي تهرب من الكويت عبر إخفائها في سيارات شباب الحركة، وعندما تصل توزع على الشباب في المنطقة[1] .
في مرحلة التأسيس حرص الصفار بعد أن اتخذ من «مسجد الفتح» في حي السويكة بالقطيف، منصة لنشر الوعي الحركي والسياسي، حرص على تعزيز التيار الشيرازي وتثبيت وجوده، من خلال الأنشطة المتعددة ورفده بالكوادر والأعضاء الجدد الفاعلين. كما قام زملاء الصفار، لتدعيم هذا التوجه الجديد بالعديد من الأنشطة لعل أبرزها تشكيل اطر متعددة وبأسماء مختلفة تظم الشباب وأخرى تظم الشابات في كل مدينة وقرية من محافظة القطيف، لتكون تلك المجاميع الشبابية بمثابة النواة والرافعة الأساس للتيار الجديد في تلك المناطق. وكانت هذه المجاميع الجديدة تحظى بعناية مركزة من التثقيف والتوعية، لتكون قادرة على القيام بمناشط مختلفة من شأنها تعزيز وجود هذا التيار الجديد.
ومنذ بداية نشاط هذا التيار في منتصف السبعينيات، إذ لم يكن حينها أي اسم لتنظيم سياسي ديني معلن معروف، وإنما كان هناك نزاع حاد قام بين «التقليدية الدينية» السائدة التي يقود زمامها عدد من رجال الدين في المنطقة، وبين التيار الديني المتجدد، الذي انتمى إليه عدد من رجال الدين الشباب، حيث جاء هذا التيار بمقولات ودعوات تبدو غريبة على الخط التقليدي، الذي لم يكن يتعدى اهتمامه نطاق أداء العبادات كالصلاة والصوم والحج والخمس، ولا يملك الواحد من هذا التيار اتجاها فكريًا، أو نشاطًا اجتماعيًا يتجاوز نطاق عقود الزواج والطلاق وتوزيع الحقوق الشرعية والمواريث، بيد أن التيار الآخر جاء بعدد من الطروحات الإضافية والجديدة على المجتمع تعتمد التثقيف واعتماد وسائل حديثة في بث الوعي كالمحاضرات العامة والاحتفالات وعقد الاجتماعات وتنظيم الهيئات. ولم يتوقف التيار الجديد «أو التجديدي» عن انتقاد التيار التقليدي، واصفًا اهتماماته بالجزئية والسطحية والقشرية، معتبرًا إياه بأنه «رجعي» يشوّه الصورة الزاهية والوجه الحضاري للدين الإسلامي، مما أدّى إلى حدوث حالة من الصدام والصراع في المجتمع، وتمظهر في الصورة أو الصيغة الثقافية الفكرية خصوصًا في البدايات[2] .
ولقد اتسمت هذه المرحلة بالصدام مع أفكار وطروحات التيار التقليدي المحافظ، ونشر الأفكار والمفاهيم النهضوية والتجديدية، وتقديم الدين بقالب جديد في صورته الحركية التي لم تعهده الساحة الشيعية في السعودية طوال تاريخها الغابر. وكان مؤسسي التيار الشيرازي الأوائل في السعودية يعملون تحت مظلة «حركة الطلائع الرساليين». وقبيل الثورة الاسلامية في إيران ساهم كوادر الحركة بمعية بعض قادة الحراك الإيرانيين كالشهيد محمد ألمنتظري «ابن آية الله حسين منتظري، الذي كان يفترض أن يخلف آية الله الخميني بعد وفاته»، في العمل على إنجاح الثورة في إيران، ومن ثم إيصال صوتها للعالم. ولقد سخر الشيرازي الكثير من جهده ووقته في الكويت إلى جانب كوادر الحركة في هذا السبيل. لعل محاضرات الشيرازي المخصصة لدعم الثورة الإيرانية، التي قدمها في الكويت تكشف جانبا من هذا الاهتمام، بل أن بعض المتابعين إلى رؤاه وأفكاره حول الثورة الفتية كانوا يعتبرونه أحد أبرز المنظرين لها.
ونظرا للعلاقة المميزة بين الخميني والشيرازي، طلب الخميني من الشيرازي مغادرة الكويت والمجيء إلى إيران بعد انتصار الثورة مباشرة. ولعب كوادر حركة الطلائع الرساليين دورا كبيرا في تأسيس العديد من المناشط الرسمية وشبه الرسمية وكذلك الإشراف على بعضها في إيران، بعد انتصار الثورة. كان هذا الاهتمام يستهدف في المقام الأول إيصال صوت الثورة للعالم وديمومة بقائها والحفاظ عليها وحمايتها. وفي نفس الوقت يعكس مدى حالة الانسجام السياسي والفكري بين جماعة الشيرازي وجماعة الخميني. وكان الشيرازي يعد نفسه شريكا أساسيا في صناعة الثورة في إيران وحمايتها وإيصال أفكارها النهضوية البناءة في العالم، عبر تلامذته ورجالات حركته وأنشطته المتعددة. المقولة الشهيرة التي تتردد على نطاق واسع «إذا كان الخميني قد فجر الثورة فأن الشيرازي هو الذي أوصل صوتها للعالم»، تعكس مدى العلاقة المتينة وانسجامها بين الجماعتين آنذاك.
18 / 5 / 2013م - 9:35 م
[1] الابراهيم، بدر،، والصادق، محمد1994، ك الشيعي في السعودية: تسييس المذهب ومذهبة السياسة"، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2013م.
[2] العيد، سلمان، "الحركة الشيعية في السعودية.. من الثورة إلى الإصلاح 1980 ـ 1994، مسار الأخبار، 2010م.
- تيار الاصلاح الوطني نموذجا
ب - المرحلة الثورية
وقد بدأت من عام 1979م - 1987م، أي مع انتصار الثورة الاسلامية في إيران واندلاع الانتفاضة الأولى في المنطقة الشرقية في السعودية، ومغادرة الشيرازي الكويت التي عاش فيها تسع سنين ثم هاجر إلى إيران «1390هـ - 1399 هـ»، بعد إصرار من العلماء والمراجع الكبار، وفي مقدمهم الخميني. وقد استقر في مدينة قم المقدسة أكثر من عقدين من الزمن إلى أن اختاره الله يوم الاثنين 2 شوال عام 1422هـ «17 ديسمبر عام 2001م»، عن عمر ناهز الخامسة والسبعين عاما.
بيد أن انتصار الثورة في إيران، والآثار التي ترتبت على الانتفاضة، واتخاذ الحركة إيران كمنصة جديدة، أضاف للعمل الحركي مناشط وفتح أمام قادة الحركة وكوادرها آفاقا جيدة من العمل لم يعهدوها من قبل. من بين إرهاصات انتصار الثورة الإسلامية في إيران، إنها استطاعت أن تحرك الشارع الشيعي في المنطقة الشرقية باتجاه الإسلام التجديدي، لذلك خرج العشرات من الشيعة في تظاهرات حملت شعارات تنتقد الحكومة، وتدعو لإسلام أو تدين سياسي غير تقليدي، وكان ذلك بمثابة تطوّر في حالة الصراع الذي انتقل من صراع مع رجال الدين التقليديين إلى صراع سياسي مع السلطة السياسية، معتمدًا في ذلك على العناصر التي تبنت الدعوة للتجديد في الدين، وفي تطور لاحق خرج العشرات منهم إلى الخارج، وتحديدًا إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بهدف تعميق المفاهيم التجديدية، والإطلاع عن قرب على مبادئ الثورة في إيران.
ورغم المحاولات التي قامت بها السلطة الحاكمة لإنهاء هذا الوضع الجديد، الذي أعقب انطلاق التظاهرات المعادية لها عام 1400هـ، إلاّ أن فئات التيار السياسي «دعاة التجديد في الدين» لم يتعرضوا لخطر الزوال، بل لوحظ خلال حقبة الثمانينيات زيادة حركة المنشورات والشعارات الحائطية التي تدعو لمزيد من التصعيد ضد السلطة، وذلك لأن الحركة السياسية بمسماها ونشاطها الجديد تمكنت من إيجاد قاعدة جماهيرية في المجتمع، فكانت تمارس إعادة ترتيب الأوراق بعد كل حملة اعتقالات تنفذها السلطة، مستفيدة من وجودها في الخارج مروجة لمجموعة مقولات من قبيل الدعوة للصمود والاستقامة في مقاومة الظلم، وتحدِّي الإجراءات الأمنية وما إلى ذلك، فكانت تكسب بعض الجولات في هذا الصراع وتزيد من العناصر المدفوعة بالحماس الديني القادم من إيران وثورتها الإسلامية، ومن التيار الإسلامي بشكل عام.
ومع تنامي الصراع السياسي مع الحكومة إلاّ أن الصراع في المجتمع، ومع رجال الدين التقليديين لم يتوقف، بل تنامى وأخذ بعدًا متطورًا، حيث قام بعض من التقليديين بإعلان الولاء للحكومة، والتبرء من سلوك كل من انتمى للتيار الإسلامي الثوري أو شارك في أي من أنشطته، من قبيل التظاهرات أو توزيع المنشورات، أو الهجرة إلى إيران، ولكن الحركة السياسية بعناصرها في الداخل والخارج استطاعت أن تقف صامدة أمام هذه الضغوط، تمارس دور الحشد لكسب المزيد من العناصر ودعوتهم إلى الهجرة إلى الخارج، وإخضاعهم لبرامج ثقافية تعبوية، مما زاد من حجم النشاط في الداخل والخارج واتساع رقعته. وهكذا استمرت الأوضاع بين الحركة والسلطة فالأولى تصدر المنشورات والدراسات والنشرات المعادية، والثانية تقوم بحملات الاعتقالات وتشديد الأجواء الأمنية، والتي بلغت ذروتها حينما ألقت القبض على أكثر من 300 مواطن شيعي، من عناصر ومؤيدي الحركة [1] .
وتختلف الروايات حول مسألة التحريض على الانتفاضة وإشعالها، فهناك من يتحدث عن اتخاذ المجلس القيادي لحركة الطلائع الرساليين في الكويت قرارا بهذا الشأن في اجتماع ضم: زعيم الحركة محمد تقي المدرسي، هادي المدرسي، كاظم الشوشتري، عباس المدرسي، صادق ألعبادي، قاسم الاسدي. استشير الصفار ثم ابلغ بقرار الحركة لتنفيذه من خلال الخطب التثويرية في ليالي محرم. لكن الصفار ينفي هذه الرواية، ويقول إنه لم يحصل اجتماع من هذا القبيل، وان ما حدث أنه كان مع توفيق السيف في الحج الذي سبق محرم من ذلك العام، وهناك التقيا بالسيد علي خامنئي والشيخ هاشمي رفسنجاني، ودار حديث عام معهما حول الثورة في إيران وانه لا بد للشعوب من أن تتحرك، وكذلك كان لقاء بالسيد محمد تقي المدرسي والسيد مرتضى القزويني «وهو الخطيب العراقي المنتمي إلى حركة الطلائع، الذي سيخطب في ليالي محرم 1400هـ في مدن محافظة القطيف.
عاد الصفار وتوفيق السيف من الحج ولديهما قناعة بعد التشاور مع المدرسي بأنه حان الوقت لإرسال مجموعة من الشباب إلى إيران للدراسة هناك، أما داخل القطيف فمنتهى ما كان يفكران فيه في ذلك الوقت هو الخروج في مسيرات عزاء، ومهما تختلف الروايات، تظل الحقيقة في أن الحماسة كانت متصاعدة بعد انتصار الثورة الإيرانية واحتلال السفارة الأمريكية في طهران، وأن الثورة في إيران أثرت في كوادر الشيرازيين وفي المجتمع بصفة عامة، وأن خطب الصفار والقزويني في محرم كان فيها تجييش وتعبئة للجماهير بشكل واضح[2] .
وساهمت تلك الخطب في اندلاع الانتفاضة، وكان لسقوط، وقامن الشهداء والجرحى بعد الصدام مع قوات النظام، أثرا بالغا على كوادر العمل الرسالي والمجتمع الشيعي في المنطقة الشرقية، ترجم في رفع شعارات سياسية تعبر عن حالة الغضب على النظام، والتأثر بالثورة الاسلامية إلى جانب دعوتها إلى توحيد الصف بين أفراد المجتمع السعودي. كما طالب المتظاهرون بالإفراج عن مئات المعتقلين الذين تم اعتقالهم على خلفية التظاهرات، ورفع التمييز الطائفي، واحترام الحريات الدينية وغيرها من المطالب.
فعشية السادس من شهر محرم 1400 الموافق 25 نوفمبر 1979، وخلال ذكرى عاشوراء خرج المواطنون الشيعة احتجاجًا على الحظر الرسمي بممارسة الشعائر، وقد قرر المحتجون إحياء مراسم عاشوراء بصورة علنية والتي أخذت منحاً سياسياً، فيما تدخّل الحرس الوطني الذي يرأسه الملك عبد الله سابقًا. وفي السابع من محرم «26 نوفمبر»، أحيى الشيعة مواكب العزاء التقليدية والتي نتجت عنها مسيرات في أنحاء المنطقة شارك فيها حوالي سبعين ألفاً والتي ما لبثت أن تحولت إلى مصادمات عنيفة مع قوات الأمن المرابطة في المنطقة. وعندما تدخلت الشرطة وجنود من الحرس الوطني لتفرقة التجمعات المشاركة في مواكب عاشوراء في القطيف في 28 نوفمبر، قرر الشيعة المقاومة وسادت حالة من الهياج والتي ما لبثت أن انتشرت في أجزاء أخرى من القطيف والأحساء. وتم نشر عشرين ألفًا من قوات الحرس الوطني في المنطقة لإخماد الانتفاضة التي استمرّت لخمسة أيام رغم محاولات وجهاء الشيعة والشرطة لوقفها. ولكن وحسب شبكة راصد الإخبارية عندما فتح الحرس الوطني النار على الجموع في القطيف، تظاهر الشيعة في الشوارع في رد فعل غاضب، وإصرار على إيصال صوت مظالمهم ومطالبهم. وفي التاسع والعاشر من محرم، تم تطويق منطقة القطيف وانتشرت الأخبار عن سقوط قتلى. قامت شرطة مكافحة الشغب بإطلاق الغاز المسيل للدموع، وقام الحرس الوطني بقتل 20 شخصاً وجرح أكثر من 100. واعتقل 600 شخص تقريباً. وقد تم إطلاق الرصاص على المتظاهرين، بحسب شبكة راصد[3] .
ولقد أحدثت الانتفاضة في المنطقة الشرقية هزة كبيرة في وجدان المجتمع الشيعي، وعلى أثرها تم اجتذاب عناصر جديدة إلى الحركة، وكتعبير عن توسع قاعدة التيار الشيرازي في المملكة ودخوله في مرحلة جديدة بعد الثورة الإيرانية والانتفاضة الأولى تم تشكيل«منظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية» بعد هجرة قادة التيار الشيرازي في السعودية إلى إيران. وأصبحت ساحة إيران كمنصة جديدة لبداية نشاط ثوري وواسع ومتنوع.
وشرعت المنظمة، التي اصبح الشيخ اشعارات المرحلةي إصدار البيانات السياسية المعارضة للنظام السعودي، كما تم إصدار مجلة دورية بمسمى المنظمة يتصدر غلافها صورة سلاح معلق على الكعبة، كتعبير عن الحالة الثورية. وكانت الدعوة إلى الثورة هي ابرز شعارات المرحلة «الثورة في كل مكان» إلى جانب ضرورة التغيير الجذري والشامل. وأصبح في تلك الفترة العمل الحركي أكثر تنظيما وتنوعا، فقد تم التركيز على نشر الوعي الديني والتثقيف العام، والعمل الإعلامي من خلال مجلة الثورة الاسلامية وإصدارا البيانات وخطب قادة الحركة الأم، مضافا إلى العمل التنظيمي، من خلال تكوين خلايا في الداخل السعودي.
وخلال حقبة الثمانينيات، وهي الحقبة التي نشأت فيها الحركة، وذاع صيتها، برزت جملة من المصطلحات، انتشرت بين أبناء المجتمع، بعضها كان جديدًا، وبعضها كان محدودًا بفئات معينة من المتعلّمين أو الحركيين. وكلا النوعين من المصطلحات كانت الحركة الإسلامية الشيعية قد ساهمت في نشرها أو إيجادها أو تسليط الضوء عليها. إذ يتداخل فيها الأبعاد الروحية والأخلاقية والسياسية.
خلال تلك الفترة ظهر مصطلح «الثورة» الذي كان معروفًا يتداوله فقط ناقلو تجارب التيار القومي وانتصاراته في كل من مصر والعراق وسوريا وليبيا، ولا تعني الثورة سوى انقلاب لينفذه الجيش أو الحزب «أو هما معًا» ضد حكم ملكي أو استعماري، ليقيم محلّه نظامًا جمهوريًا، أو ينفذ عملية تصحيح في نمط الحكم الانقلابي القائم، على غرار ما قام به ستالين في الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي السابق، لكن هذا المصطلح أخذ بعدًا آخر، ونموذجًا مغايرًا لكافة النماذج الأخرى، فالثورة هنا «وفي حقبة الثمانينيات» تعني التظاهرات والاضطرابات وإسقاط الحكومات بوسائل التمرد الشعبي والعصيان المدني والثورة الجماهيرية، والنموذج في ذلك هو الثورة الإيرانية.
لقد أخذ مصطلح «الثورة» مكانًا واسعًا ضمن أدبيات الحركة الشيعية المعارضة، يكفي أن أسمها هو «منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية»، وكان يجري هذا المصطلح في العديد من الدراسات والكتب التي صدرت حينها منها كتاب «الحسين ومسؤولية الثورة» لمؤلفه حسن الصفار، وكتاب «البعث الإسلامي» لمؤلفه محمد تقي المدرسي «وهو أستاذ وموجه الشيخ حسن الصفار في تلك الحقبة» الذي يؤكد أن الثورة مصطلح إسلامي صميم، وإن خيار الثورة على الحكومات هو وأن لم يأت في النصوص الإسلامية بالنص، لكنه جاء بالمعنى، وأن هناك إمكانية لتكرار تجربة الثورة الإيرانية في أي مكان في العالم، وتؤكد طروحات وأحاديث قادة الحركة بأن الثورة هي التغيير الجذري لمجمل الأفكار والقيم التي يرتكز عليها النظام السياسي.
وتبعًا لمصطلح «الثورة» الذي بات يتداول في كل محافل وأدبيات ولقاءات عناصر الحركة، حتى أن مجلة الحركة كانت تحمل اسم «الثورة الإسلامية»، ظهرت مصطلحات ثانوية تابعة لمصطلح الثورة مثل الحركة والقيادة والتنظيم والعمل السري والعمل الجماهيري، فضلاً عن المصطلحات الأخلاقية الأخرى، والتي وإن كانت موجودة في الموروث الثقافي الديني، إلا إنها في العصر الثوري أخذت وضعًا مغايرًا مثل الجهاد والتضحية والإيثار وتحمل المسؤولية... الخ.
وهناك مصطلحات تمت إعادة صياغتها بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي لها، فالحرية التي كانت في وقت ما لا تعني سوى التحلل الأخلاقي والخروج على عادات المجتمع، باتت في العصر الثوري تعني حرية الرأي وحرية الصحافة وحرية التجمع والإضراب.. والجهاد الذي لم يكن يعني سوى ما قام به الرسول وأصحابه، لكنه هنا بات يعني معارضة الحكومات المستبدة والظالمة، والعمل على إسقاطها.
وجاءت الحركة بمجموعة مصطلحات خاصة بها هي الوجه الأخر لمصطلح الثورة والجهاد ورفض الظلم، أبرز تلك المصطلحات هو مصطلح «رسالي» وهو صاحب الرسالة وهي رسالة التغيير والعمل من أجل الأمة، وظهرت تبعًا لذلك مجموعة مقولات كالعمل الرسالي، والفرد الرسالي، والخط الرسالي، والفكر الرسالي، وكلها جاءت مع بروز الحركة المعارضة في البلاد، وهذا يعتبر من أهم أساسيات فكرة الحركة، إذ أن هناك صفات خاصة للإنسان أو الفرد الرسالي، تختلف بالطبع عن صفات أي فرد عادي، تبعًا لاختلاف «الثقافة الرسالية» عن الثقافة العامة، أو أي نوع من الثقافة، لأن هذه الثقافة تعبر عن سمات خاصة للخط الرسالي.
يذكر في هذا الصدد أن هناك كتابًا هاما يحمل اسم «الثقافة الرسالية» لمؤلفه محمد تقي المدرسي ـ وإن لم ينشر بإسمه ـ يحظى بأهمية لدى أفراد الحركة، حيث يتم تدريسه لبعض الأفراد مع بداية الانتماء، ثم يعطى إليه كي يقرأه متفردًا، ثم يتباحث في أفكاره مع بعض زملائه، بل يمكن القول أن جميع أفراد الحركة قرأوا هذا الكتاب أكثر من مرة"[4] .
21 / 5 / 2013م - 11:50 ص
[1] العيد، سلمان، "الحركة الشيعية في السعودية.. من الثورة إلى الإصلاح 1980 ـ 1994، مسار الأخبار، 2010م.
[2] الابراهيم، بدر، والصادق، محمد«الحراك الشيعي في السعودية: تسييس المذهب ومذهبة السياسة» الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2013م.
[3] ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
[4] العيد، سلمان، "الحركة الشيعية في السعودية.. من الثورة إلى الإصلاح 1980 ـ 1994، مسار الأخبار، 2010م.
شبكة راصد الإخبارية.