الشيعة في سلطنة عُمان ..
على الرغم من أن الوجود الشيعي في سلطنة عمان ذو تاريخ طويل, إلا أنه لم يحظ باهتمام المؤرخين, ومن ثم فإن الشخص الذي يريد أن يبحث في تاريخ شيعة عمان عليه أن يقوم بالرجوع إلى الكثير من المصادر للوصول إلى المعلومات الصحيحة والدقيقة, لأن تاريخ عمان قد دون على المذاهب الأخرى غير المذهب الشيعي, وقد اهتم هؤلاء المؤرخون في الغالب بتاريخ الأسر الحاكمة وزعمائهم المدنيين الذين كانوا في بعض الأحيان أصحاب سلطة سياسية, ولهذا أهمل تاريخ الشيعة في هذه البلاد كأقلية دينية, ولم يرد لهم أي ذكر, ويجب الاعتراف بأن الشيعة لم يتركوا تاريخاً مكتوباً يمكن الاستناد إليه, لكن على أي حال, وردت إشارات مختصرة في كتب تاريخ عمان وبعض الكتب الأجنبية يمكن الاستفادة منها كمصادر في الوقت الحاضر.
وقد جاء في الكتاب الذي أصدرته وزارة الثقافة والتراث الوطني العماني: يوجد كثير من الشيعة بين سكان المدن الساحلية وبين تجار المدن العمانية, وتعرف جماعة من هذه الطائفة بالخوجيين واللواتيين.
وترجع جذور هذه الجماعة إلى الشيعة الذين جاءوا من منطقة حيدر آباد بالهند, وقد عاشوا منذ عدة أجيال في منطقة مطرح, ويعيش معظم أفراد هذه الجماعة في مدن منعزلة ومناطق خاصة بهم داخل منطقة مطرح ولهم مسجد خاص بهم يقع إلى جوار الساحل, ويلاحظ في هذا الكتاب أن المعلومات الخاصة بالشيعة قليلة, وأنه قد تحدث عن شيعة مطرح واللواتية فقط.
توزيع الشيعة في عمان:
ينقسم الشيعة في عمان إلى ثلاث جماعات كبيرة يمكن تناولها كالآتي:
أ-الشيعة اللواتية:
تتسم هذه الجماعة بتعدادها الكبير, وهم من أثرى طبقات المجتمع العماني, ويتولون الكثير من المناصب الحكومية, كما أن كبار التجار من اللواتية أيضاً, وهناك روايات عديدة حول أصلهم ونسبهم فيرى البعض أنهم عمانيون نزحوا إلى الهند على إثر صدامهم مع سائر المذاهب الأخرى وبعد أن أقاموا فترة طويلة في الهند عادوا إلى عمان مرة ثانية, بينما يرى فريق آخر, أن أجداد هذه الجماعة قد جاءوا إلى مسقط منذ ما يقرب من 50 عاماً كتجار من الهند وسكنوا في هذه المدينة.
ويرجع البعض أصل ونسب اللواتية في عمان إلى هجرة الشيعة من حيدر آباد بالهند مع سائر الهنود الآخرين أثناء الاستعمار البريطاني وقد رحل بعضهم إلى مسقط بجوازات سفر بريطانية, وقد كون هؤلاء الشيعة فيما بينهم مجتمعاً خاصاً منفصلاً عن الآخرين وأنشأوا قلعة في منطقة مطرح ونظراً لأن الخوجيين كانوا ملمين باللغة البريطانية ومبادئ التجارة الحديثة فقد أحرزوا تقدماً سريعاً وسيطروا على جزء مهم من أسواق مسقط وعمان.
كذلك أيضاً شق عدد منهم طريقه لتولي أعمال إدارية في بلاط السلطان قابوس, ومن الواضح أن الوضع المالي الذي تتميز به هذه الجماعة هو الذي هيأ لها هذه الإمكانية, ونتيجة لترددهم على أهليهم في الهند وزيارتهم للعتبات المقدسة في العراق والأماكن الدينية في إيران, اتسعت مداركهم ووقفوا على قضايا العالم والأوضاع الراهنة, وتكونت منهم طبقة مثقفة فاعلة, وقد أدى صغر المجتمع العماني وقرب اللواتية من البلاط والأسرة الملكية في مسقط إلى وجود علاقة خاصة بين الطرفين, وقد أثبتت التطورات الاجتماعية والسياسية ومن بينها الحرب الداخلية بين السلطة القائمة والإمامة المذهبية الدينية أن كلا الطرفين قد قام بمساندة الآخر, وربما كان السبب الرئيسي وراء مساندة اللواتية للسطان هو كسب تأييد السلطان في مواجهة الصراعات القبلية والدينية.
ب-الشيعة البحرينيون:
على مدى التاريخ تعرض كثير من المناطق لظلم وجور السلاطين والحكام وخاصة الخلفاء العباسيين, الأمر الذي أدى إلى اضطرار الشيعة في منطقة الخليج (الفارسي) إلى الهجرة من المناطق الشمالية إلى المناطق الجنوبية.
وقد تمت هذه الهجرة في الغالب من مناطق البحرين والإحساء والقطيف وخوزستان والبصرة, وانتشر الشيعة في مناطق بعيدة عن ظلم الحكام, ومن المؤكد أن الشيعة قد فطنوا إلى اختيار المناطق الساحلية بحيث لا تصل إليهم أيدي الظالمين, ويستطيعون في الوقت نفسه تدبير شؤون حياتهم عن طريق التجارة البحرية وصيد الأسماك والزراعة, ومن أهم الأماكن التي استوعبت عدداً كبيراً من هؤلاء المهاجرين سواحل قطر والإمارات وسواحل الباطنة في عمان, ويتحدث كتاب "سيرة السادة البوسعيديين" –الذي دوّن فيه ابن زريق تاريخ عمان- عن الشيعة البحرينيين المقيمين في منطقة خليج (فارس) فيقول: توجه الإمام سلطان بن أحمد بن سعيد بالجيش نحو البحرين وفتحها, ثم عين ابنه سالم بن سلطان والياً عليها, ولأن سالماً كان صغير السن في ذلك الوقت, فإن سلطان بن أحمد قد جعل الشيخ محمد بن خلف البحريني الشيعي إلى جانب ابنه وولاه الإمارة, لكن جماعة عتوب التي كانت تكن حقداً دفيناً للشيعة نقضت العهد, وحاصروا سالماً وأنصاره في قلعة عراد واشترطوا أن يخرج الشيخ محمد البحريني وأتباعه من البحرين, حتى يفكوا الحصار, وخرج الشيخ محمد وسالم من البحرين وقصدوا عمان.
ومع أن البحرينيين يمثلون أقل الجماعات الشيعية في عمان, ولكنهم نظراً لشهرة تجارهم فإنهم يتمتعون بمكانة طيبة مثل الشيعة اللواتية.
وقد جاء في كتاب تاريخ عمان, أن أول سفير لعمان في الولايات المتحدة كان من الشيعة البحرينيين.
ج-الشيعة العجم:
وهم مجموعة من الشيعة وفدوا من إيران إلى هذه البلاد, ويطلق على هؤلاء الأفراد بصفة عامة العجم حيث ترجع جذورهم إلى أصول إيرانية.
ومن المؤكد أن قرب السواحل الإيرانية والعمانية قد سهل الهجرة المتبادلة بين كلا البلدين.
والعجم الذين يعيشون في منطقة عمان وسواحل الخليج (الفارسي) الجنوبية هم أهل حضارة وثقافات عدة, ومعظم الشيعة الذين يقيمون في عمان هم من مناطق اللور وبندر عباس واوندورودون وبعضهم من منطقة البلوش, جدير بالذكر أن الهجرة العجمية إلى عمان كانت مرتبطة بعلاقات البلدين في ذلك الوقت فكانت تتأرجح بين الكثرة والقلة تبعاً لتذبذب العلاقات, ويعيش الشيعة العجم في عمان في مناطق مسقط عاصمة البلاد, ومطرح وضواحيها, وفي مناطق الباطنة, وقليل منهم يعيش في مسندم ومدينة صور الساحلية.
ويقال إن السبب في هجرة الشيعة العجم إلى عمان يرجع إلى عدم اهتمام النظام البهلوي بالمناطق المحرومة في إيران وخاصة الجنوب, إلى جانب سياسة الخدمة العسكرية الإجبارية.
والشيعة العجم لهم الآن مساجدهم الخاصة بهم والمؤسسات الخيرية مثل صناديق ربما القرض الحسن ومساعدة الأيتام وأبناء السبيل وإدارة الأوقاف الجعفرية, وقد أصبحوا الآن أحد أهم قبائل الشيعة في عمان ومنهم مسؤولون يتولون المناصب الحكومة.
الوضع الاقتصادي للشيعة في عمان:
على الرغم من قلة عدد الشيعة في عمان إلا أنهم يأتون على رأس الهرم الاقتصادي في هذه البلاد, فكثير منهم يمتلك مشروعات صناعية وتجارية واقتصادية كبيرة, ويساهم الشيعة في كثير من المشروعات القومية العملاقة, ويعد اختيار وزير التجارة والصناعة من بين الشيعة دليلاً على أهمية دورهم في اقتصاد البلاد.
ويعد الشيعة إحدى القوى الفاعلة والمؤثرة في المجتمع العماني, ويتمتع زعماء المجتمع الشيعي بنفوذ كبير في سوق العمل والاقتصاد والصناعة.
وفي بداية عقد السبعينات لم يكن هناك أي أثر للحضارة أو النظام المدني في عمان, وكانت كل شؤون المواطنين العادية تتم بموجب إذن كتابي من السلطان في ذلك الوقت (السلطان سعيد) فكان التدخين والصيد والرماية وصيد الأسماك بل والسباحة كلها أمور تتم بموجب إذن.
كان السفر إلى الخارج ممنوعاً, ولم يكن المواطنون يحملون أي أوراق هوية أو جواز سفر, ولم يكن مسموحاً لأحد دخول البلاد إلا بإذن من السلطان, ولم يكن هناك شيء يعرف بالإدارات الثقافية أو الصحية, ولم تكن هناك وسائل مواصلات أو اتصالات.
لكن بعد وفاة السلطان سعيد ظهر نوع من الحرية المحدودة, وأصبح مسموحاً إلى حد ما للشعب بأن يحتك بالتطورات التي طرأت على الساحة الدولية.
أما عمان اليوم فتمتلك بنية تحتية حديثة, ومع أنها لا زالت محتفظة بهويتها القديمة فإن السلطان قابوس قاد البلاد نحو مسيرة الدولة الحديثة العصرية فيقول: إنني يوم توليت الحكم وعدت بأن أؤسس دولة حديثة لكنني أعتقد أن هذا الأمر سيتحقق رويداً رويداً, مستوى تعليم الشعب.
يمكن القول أن الشيعة في عمان مثقفون حريصون على المشاركة في كافة شؤون المجتمع, وعلى الرغم من تعداد الشيعة المحدود والذي يبلغ 100 ألف إلا أن هناك عدداً لا بأس به من الشباب سافر إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وكثير من الدول الأوروبية لاستكمال دراستهم, وتسود علاقات الود والإخاء بين الشيعة وبين باقي المذاهب الأخرى فالكل يعيش في سلام وأمان وحرية.
_____________________________
المصدر: مختارات إيرانية – العدد 44 مارس 2004