اسيوشيتد برس: انحياز واشنطن للمالكي يهدف لمنع تحوّل الشيعة إلى "شركة إيرانية"
اسيوشيتد برس: انحياز واشنطن للمالكي يهدف لمنع تحوّل الشيعة إلى "شركة إيرانية"
العراق في طريقه الى التفكك، والولايات المتحدة صامتة لا تحرك ساكنا بل حتى انها في رأي العراقيين تشجع على ذلك. خلال الشهر الحالي وقع حدث مهم في العراق لم تذكره وسائل الإعلام بالتفصيل باستثناء البعض منها.
فلقد أرسل رئيس الوزراء نوري المالكي قوة تضم طائرات مروحية الى غرب العراق لاعتقال رافع العيساوي وزير المالية السابق وعضو بارز آخر من السنّة المعارضين له، الا ان العيساوي – الذي يحميه مسلحون من عشيرة ابو ريشة – تملص من الاعتقال. جاء هذا الاجراء، الذي كان مفاجئا لواشنطن، على اعقاب محادثة هاتفية اجراها المالكي مع وزير الخارجية الاميركي جون كيري.
ولو كانت المواجهة قد حصلت لكانت النتائج كارثية ولكانت قد وفرت شرارة لبدء حرب أهلية. مع ذلك، فان اجراءات المالكي هذه تمثل مسمارا آخرا في نعش العراق الموحد. حيث سبق ان اتهم المالكي -المسلم الشيعي- نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي – المسلم السني- بالإرهاب مما اضطره الى اللجوء الى خارج العراق عام 2011 ، ثم جرت محاكمته غيابيا والحكم عليه بالإعدام.
لقد زادت سياسات المالكي كثيرا من حدة التوترات في المناطق السنية، فخرجت تظاهرات في العديد من المحافظات ذات الاغلبية السنية الهدف منها محاكاة تظاهرات الربيع العربي. فكانت هذه التظاهرات احد الأسباب التي دعت المالكي الى استهداف العيساوي، فلقد كان يريد احتواء المعارضة قبل انتشارها.
أسلوب المواجهة الدكتاتوري للمالكي قد تسبب أيضاً في نفور الكرد الذين نجحوا -بعكس السنة- في جعل الدستور يقر بإقليمهم الفيدرالي وبحكومته. إنهم يديرون إقليما مستقلا بقواتهم الدفاعية الخاصة بهم . ومع ذلك، فقد تحولت العلاقة بين بغداد و اربيل الى علاقة متوترة جدا لأن الحكومة المركزية جعلت التعاون بينهما صعبا إن لم يكن مستحيلا.
ظاهريا، تبدو بغداد غاضبة من محاولات الكرد عقد صفقات مستقلة مع شركات النفط الأجنبية. لكن في صميم سياسة المالكي هناك عدم ارتياح من التطورات الجارية في سوريا. اقتناعا منه بأن الرئيس بشار الأسد في طريقه الى مغادرة السلطة، فان المالكي يخشى من عبور موجة عارمة من المقاتلين السنة الى داخل العراق واشعال حرب أهلية ظلت تهدد بالاندلاع منذ الاحتلال الاميركي. انه يعتقد بان الكرد قد اسسوا إقليمهم وان استقلالهم لا يعدو كونه مسألة وقت. من هنا فان اهتمامه الأول هو ترسيخ سلطته في المحافظات الشيعية وفي بغداد.
لذا فان التوجهات الدكتاتورية للمالكي والتي تتزايد يوما بعد يوم تؤكد ان البلاد ستنقسم على أسس طائفية وعرقية، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة بالاضافة الى انه ليس مواتيا للاستقرار في المنطقة، اذ ان العراق لن يستسلم لتدخلات دول الجوار الجشعة في اغلب الأحوال.
لقد حرضت واشنطن على هذه العملية من خلال اللعب مع المالكي، ففي كل مرة تشارك فيها الولايات المتحدة المالكي، فانه يشعر بجرأة أكثر ويركب المخاطر. لم تحاول واشنطن احتواءه.
فمثلا، لنأخذ علاقة الولايات المتحدة مع حكومة إقليم كردستان. الكرد يشتكون من ان واشنطن تنحاز الى جانب بغداد على حسابهم، فمن صفقات النفط الى التبادل البسيط في التعليم، يبدو أن واشنطن قد تحجرت بشأن تجاوز المالكي. تفسير ذلك هو عدم اهتمام اميركا بمشاكل العراق العميقة. لكن التفسير الوحيد الممكن هو أن الولايات المتحدة تنظر الى دعم المالكي باعتباره محاولة أخيرة لاحتواء الشيعة في العراق ومنعهم من ان يصبحوا شركة فرعية مملوكة بالكامل لايران التي تمارس قدرا كبيرا من النفوذ في المحافظات الشيعية، ومن المرجح ان تعزز قبضتها في العراق مع تصاعد التوترات الطائفية خاصة اذا ما انهارت سوريا.
وما يزيد الأمور سوءا هو غياب الرئيس جلال طالباني الذي تعرض الى ازمة في كانون اول الماضي و يعالج حاليا في ألمانيا. وبما يحمل طالباني من دهاء فقد كان واجبه الأساسي الإشراف الناضج على كل الاطراف المتنازعة في بغداد، و قد خلق مرضه فراغا خطيرا ومن غير المحتمل ان يحل أحد محله على المدى القريب إذ ليس هناك اي ذكر لهذا الموضوع داخل حكومة اقليم كردستان.
وربما يكون العراق متجها الى التفكك. الا ان الوسيلة لمنع ذلك لا تتمثل بتعزيز قبضة الشخص المسؤول عن تنافر وتباعد الاطراف، بل ان الحل لهذه المشكلة هو المزيد من تطوير الهياكل الفيدرالية، وجعل بغداد مقاطعة فيدرالية ونقل السلطات للمحافظات.
ثم ضرورة تخصيص حصة لكل من يريد البقاء داخل هذه الفيدرالية. الوسيلة الوحيدة لجعل البلاد متماسكة هي اللامركزية مع وعود بتقسيم عادل للايرادات النفطية.
لكن المرة التالية التي سيلجأ فيها المالكي -سواء بدعم حقيقي او وهمي من الولايات المتحدة- الى استخدام القوة ضد معارضيه، فلن تكون العواقب هادئة كما حصل في قضية العيساوي.
عن: اسيوشيتد بريس - ترجمة المدى