الأزمة العراقية ومستقبل العلاقات الإيرانية
الأزمة العراقية ومستقبل العلاقات الإيرانية
يلقي الكاتب الضوء على المواقف الإيرانية من قضية العراق وحيادها المزعوم من الحرب الأمريكية, والدور الذي لعبته إيران في إسقاط الحكم العراقي واستمالتها للمعارضة العراقية.......................المحرّر - الراصد.
من الطبيعي أن تكون إيران معنية بأي تطور عسكري أو سياسي في العراق شأنها في ذلك شأن باقي دول المنطقة. لاسيما دول الجوار الجغرافي, وذلك أمام العديد من الاعتبارات من بينها: ما يتعلق بمستقبل المنطقة بعد الحرب الأمريكية على العراق, هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية, تشير التناقضات التي تعوق حدوث تقارب حقيقي بين إيران والعراق إلى قوة أثر العامل الأمريكي في رسم مسار العلاقات المتعثرة بينهما بعد حرب الخليج الأولى, كما تكشف عن تداخل الاعتبارات الجغرافية والتاريخية في تشكيل وتحديد طبيعة التفاعلات الجيوبوليوتيكية بين الجانبين.
ومن ناحية ثالثة, فإنه ومنذ وصول الرئيس محمد خاتمي إلى السلطة في إيران عام 1997, بدا وكأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تسير نحو التحسن, فشروط اللقاء بينهما تضاعف وجودها, ولكن نظراً لأن هذه العلاقات تدخل ضمن دائرة الصراع الداخلي بين المحافظين والإصلاحيين, فإن المحاولات التقاربية التي أبداها الإصلاحيون سرعان ما تم إجهاضها.
ومن ناحية رابعة, فإنه مع وجود عدة تيارات تؤكد أن إيران هي الحلقة المقبلة في مسلسل إعادة تشكيل العالم الذي تقوده الولايات المتحدة, وأن احتلال أمريكا للعراق يعني زيادة الطوق على النظام الإيراني الذي لا تخفي الإدارة الأمريكية رغبتها في سقوطه, فإن السؤال الأساسي فيما يتعلق بإيران هو معرفة ما إذا كانت الحرب الأمريكية ضد العراق بإمكانها أن تغير التوازنات الداخلية, وتعطي دعما لجناح على حساب جناح آخر, أم أنها ستذهب إلى حد تشكيل خطر فعلى على النظام الإيراني برمته.
في إطار هذه الاعتبارات وغيرها -والتي لاتخفى على صانعي القرار في النظام الإيراني - جاءت توجهات الإدارة الإيرانية للأزمة العراقية الحالية, الأمر الذي يدفع إلى أهمية تناول هذه الإدارة, وبيان تأثيرها على مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية, وهو ما يمكن تناوله وفق الأبعاد والمحاور التالية:
المحور الأول: محددات الإدارة الإيرانية للأزمة العراقية:
في توجهاتها لإدارة الأزمة العراقية وفي تحديد السياسات والآليات التي اعتمدت في هذه الإدارة, انطلقت إيران من عدة محددات أو اعتبارات أساسية وهي:
أولاً: محددات نابعة من علاقاتها بالعراق:
إن العلاقات الإيرانية-العراقية شأنها شأن الكثير من العلاقات الثنائية في المناطق الحيوية, ذات الطبيعة الساخنة أو المتوترة, محكومة بقاعدة عدم التعاون والتطور أو النزاع والتصادم, وإذا توافرت الإرادة السياسية لدى الطرفين في العمل على خلاف هذه القاعدة فسرعان ما تعود الأمور إلى ما كانت عليه, بسبب أحداث وتطورات سياسية ربما تكون كبرى عند أحد الطرفين, لتعيد ضبط إيقاع علاقاتهما الثنائية في سياق هذه القاعدة.
وفي هذا الإطار لم تشهد العلاقات الإيرانية-العراقية أي تطور أو تحسن منذ قيام الدولة العراقية الحديثة (1932) باستثناء فترة قصيرة أثناء الحكم الملكي في العراق والتي أعقبت توقيع الطرفين على اتفاقية عام 1937 والتي رسمت الحدود المائية بينهما في منطقة شط العرب, وكذلك وجود نوع من التفاهم بينهما حول مسألة تشكيل مجلس التعاون الخليجي في منتصف السبعينيات وبعد التوقيع على اتفاقية الجزائر. إلا أن قيام الثورة الإسلامية, قوض هذا التفاهم ودفع بعلاقاتهما الثنائية إلى حرب طاحنة بين عامي 1980 و 1988.
وجاءت حرب الخليج الثانية عام 1991 لتضيف تعقيدا آخر وملفات جديدة إلى علاقاتهما, فتداعيات هذه الحرب كان لها العديد من الانعكاسات على هذه العلاقات, من ابرزها الخلاف حول الطائرات العراقية التي تم نقلها إلى إيران لحمايتها وانقاذها من الهجوم الأمريكي, وكذلك اتهام بغداد لطهران بتورطها في الأحداث الداخلية العراقية التي تحركت على شكل انتفاضة شعبية في مارس عام 1991.
وفي ظل هذه الخلفيات الصراعية فإن طهران لا تنظر بثقة أو اطمئنان إلى صدام حسين وإنما تتعامل معه على قاعدة الشك والريبة, فهو في نظرها الذي وقع اتفاقية الجزائر عام 1975 ثم عاد ليلغيها عام 1980 ويعلن الحرب على إيران, أما العراق فتحركه مخاوف من طموحات إيرانية في القوة والنفوذ لما وراء الحدود في منطقة الخليج بصورة عامة وفي العراق بشكل خاص. ولذلك لا يتوقع المراقبون أن يلتقي الطرفان على خيار استراتيجي في العمل على تسوية وتصفية ملفات علاقاتهما الثنائية.
أما ما يثار بين الحين والآخر عن الإعراب المتبادل عن الرغبة والاستعداد لتطبيع العلاقات المشتركة بين الجانبين وتبادل الزيارات والاجتماعات واللقاءات, فهي مجرد وسائل مرحلية في إدارة عامة لملفات عالقة وأزمة مستديمة على أمل حدوث تطور جذري في الدولتين قد يساعد في حدوث اختراق حقيقي لتلك الملفات.
وفي هذا الإطار يمكن القول بأن إيران لا يهمها في التهديدات الأمريكية ضد العراق إسقاط نظام الرئيس صدام حسين أو تشكيل عراق ضعيف البنية, وإنما الذي يهمها بالدرجة الأولى هو ألا يكون المشروع الأمريكي الراهن لضرب العراق مرحلة أولية, ما إن تنتهي حتى ينطلق إلى إيران لإقصاء نظامها السياسي أيضاً و لتحجيمه, وفك ارتباطه مع الحلقات الفاعلة في الصراع العربي الإسرائيلي وخاصة على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية.
ثانيا: محددات نابعة من علاقاتها بالولايات المتحدة:
إذا كان البعد الأيديولوجي قد هيمن على السياسية الخارجية الإيرانية في بداية الثورة وفي ظل وجود آية االله الخميني, فإن الرئيس هاشمي رافسنجاني (1989-1997) قد تبنى سياسة براجماتية أكثر واقعية في حكم إيران خلال سنوات حربها مع العراق, وخفف من تأثير البعد الأيديولوجي في هذه السياسة, وعندما جاء الرئيس خاتمي للحكم عام 1997 تبنى الاتجاه الإصلاحي وألمح إلى الرغبة في التقارب مع الولايات المتحدة, وحاولت الإدارة الأمريكية في عهد كلنتون تطبيع العلاقات مع إيران رغم القيود التي فرضتها عام 1995 على شركات النفط الأمريكية الكبرى من الاستثمار في قطاعات النفط الخام والغاز الطبيعي الإيرانية.
وخلال فترة التسعينيات وحتى أحداث سبتمبر, يمكن القول بأن الولايات المتحدة قد مرت في علاقاتها مع إيران بثلاث مراحل أساسية اعتمدت في كل منها على سياسيات وآليات مختلفة للتعامل مع إيران, وذلك على النحو التالي:
1. مرحلة ما عرف باسم السياسات العمياء ضد إيران (1991 – 1993).
فقد حاولت الولايات المتحدة في هذه الفترة أن تحبط كل مساعي إيران السلمية حتى تعزلها, واستمرت في تصنيف إيران في المحافل الدولية والإقليمية بأنها دولة توسعية تتبنى الأصولية الإسلامية وحذرت من نفوذ إيران واختراقها لدول الجوار الجغرافي, والإدعاء بأن إيران تسعى من أجل تصنيع قنابل نووية لتسيطر على المنطقة, وأنه ينبغي على دول المنطقة أن تعمل على الحد من النفوذ الإيراني.
2. مرحلة الاحتواء المنظم لإيران (1993 – 1996):
فمع اكتشاف مصادر ضخمة للنفط في آسيا الوسطى, وتزايد أهمية الدور الإيراني باعتباره البوابة المهمة للمنطقة, فقد ازدادت رغبة الولايات المتحدة في عرقلة نفوذ جغرافية إيران السياسية, وذلك عن طريق عدد من الإجراءات منها: اقرار قانون احتواء إيران والذي عرف باسم (قانون داماتو) عام 1996, (رغبة منها في حرمان إيران من المشاركة في مشاريع الطاقة ومنع مرورها عبر أراضيها) والضغط على روسيا وغيرها من الدول التي لها علاقات مع إيران لمنعها من تطوير علاقاتها وخاصة ما يتعلق منها بالتسلح النووي.
3. مرحلة الاحتواء المتخبط (1997 –2001).
وبدأت هذه المرحلة مع انتخاب السيد محمد خاتمي لرئاسة إيران. وأصبحت معارضة الولايات المتحدة لإيران بلا حجة مؤثرة, وخاصة مع التحركات الإيجابية للسيد خاتمي (حيث قام بتوجيه عدة رسائل ودية إلى الشعب الأمريكي وطرح فكرة حوار الحضارات, وأعلن عن تبني سياسة خارجية هادفة إلى إزالة التوترات الإقليمية) وبجانب هذه التحركات ظهرت حركة جديدة في المحافل الاقتصادية والسياسية في أوربا تدعو إلى تحسين العلاقات مع إيران.
ولكن في مقابل هذه التحركات ظل هناك عاملان أساسيان وقفا عائقاً أمام تحرك إيران في المنطقة, هما: أن الولايات المتحدة ترغب في أن يكون لها الدور الأول في منطقة الشرق الأوسط وهو ما يتعارض مع الأهداف الإستراتيجية الإيرانية. وكذلك سعي الولايات المتحدة من أجل حرمان إيران من استغلال موقعها الاستراتيجي, وذلك عن طريق وضع المعوقات أمام إيران في أهم مصادر دخلها القومي وهو البترول في مراحل استخراجه وانتاجه وبيعه, وكذلك حرمان إيران من التقنية المتقدمة في استخراجه وانتاجه وخطوط نقل الطاقة.
ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001, والموقف الإيراني المعلن منها والدور الإيراني في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان, فكانت هذه الأحداث بمثابة فرصة مناسبة لتطبيع العلاقات الأمريكية الإيرانية, وفتح باب الحوار أمام تفعيلها, إلا أن أمريكا لم تكن راغبة في فتح باب الحوار كما اعتقد الساسة في إيران, لكنها كانت في حاجة إلى تأمين وضعها العسكري في الحرب ضد طالبان, فما كان لها إلا أن تلجأ لإيران وروسيا وباكستان كقوى إقليمية أكثر إدراكا للوضع الأفغاني, هذا بجانب وجود أقلية شيعية في أفغانستان والعلاقة الوثيقة بين تحالف الشمال وإيران, فكانت هذه الأمور عوامل أدت للتحالف المؤقت بين أعداء الأمس.
إلا أنه ومع تزايد الاتهامات الإسرائيلية لإيران انتهزت الإدارة الأمريكية الفرصة, واتهمت إيران بايواء مجموعة من أعضاء القاعدة الفارين من أفغانستان, كما أعربت عن قلقها من محاولات إيران الانتهاء من تطوير صاورخ " شهاب 3 " الذي يصل مداه إلى 1300 كلم وكذلك القول بأن إيران اشترت " صواريخ ستنجر " الأمريكية الصنع من أفغانستان عام 1994.
هذا بالإضافة إلى أن أمريكا تراقب بحذر البرنامج النووي الإيراني, وتغلق على إيران شتى طرق التعاون مع أي قوى نووية خاصة روسيا والصين وكوريا الشمالية حتى لا يكتمل البرنامج النووي, إضافة إلى رغبة أمريكا في فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إيران حتى تقلل من قوتها الإقليمية وتحد من معارضتها الوجود الأمريكي في المنطقة.
وأمام هذه التوجيهات تتعدد التفسيرات داخل إيران حول الأهداف الحقيقية للإدارة الأمريكية من هذه الاتهامات للسياسة الإيرانية. فهنالك من يجزم بجدية واشنطن في توجيه ضربة عسكرية إلى إيران قد تستهدف مفاعل بوشهر النووي ويدعو على ضوء ترجيح هذا الاحتمال إلى تعبئة قوى الداخل وإنهاء المنازعات السياسية بين التيارات المتنافسة, مع الاستمرار في الوقت ذاته في اعتماد سياسة إزالة التوتر في حركة الدبلوماسية الإيرانية, فيما ترى بعض أوساط النخبة السياسية أن التهديدات والتحذيرات الأمريكية المتواصلة تستهدف في المقام الأول تحييد الدور الإيراني ومنعه من التأثير في مخططات واشنطن لإعادة رسم الخارطة السياسية في المنطقة.
وهنا يرى عدد من المراقبين أن رحلة العودة للعلاقات الإيرانية- الأمريكية الطبيعية قد تكون قد بدأت بالفعل من خلال التحول النوعي الذي طرأ على القراءة الأمريكية الجديدة للتحولات الإيرانية. إلا أن هذه الرحلة أمامها معوقات كثيرة لابد أن يستعد لها الطرفان قبل أن تفاجئهم عوامل التحول المتسارعة في الاستراتيجيات والسياسات الإقليمية والدولية.
وعلى الجانب الآخر, يرى البعض أن مسألة العلاقة بين البلدين ليست مشكلة إيرانية بقدر ما هي مشكلة أمريكية, فما زالت مراكز أمريكية داخلية وبعض نواب الكونجرس الموالين لإسرائيل تقف عقبة أمام تحسين العلاقات مع إيران وبالنظر إلى الخسائر التي تتكبدها إيران خاصة على المستويات الإقليمية سواء في الخليج أو آسيا الوسطى من جراء الحصار الأمريكي. يمكن للنظام الإيراني أن يكون أكثر مرونة في عودة العلاقات خاصة وأن إيران في مجال علاقاتها مع بريطانيا أثبتت أنها قادرة على إزالة العقبات التي تواجه هذه العلاقات كلما استلزمت المصلحة ذلك.
ثالثا: محددات نابعة من علاقاتها الإقليمية:
تعاني إيران في تفاعلاتها الإقليمية من العديد من مصادر التوتر, هذه المصادر تنعكس بدرجة كبيرة على قدرتها على إدارتها للأزمات التي تواجهها, ومن بينها الأزمة العراقية الراهنة, ومن مظاهر هذه التوترات:
1. التوتر على الجبهة الشمالية: حيث تجد إيران نفسها وقد جاورتها عدة دول تحيط ببحر قزوين, وتلك الدول اختلفت أوضاعها وحساباتها, والنفوذ الأمريكي والإسرائيلي يتوغل فيها على نحو يقلق إيران, وقد اضطرت طهران للتدخل في عدة مناسبات دفاعا عن أمنها ومصالحها الوطنية, فوقفت إلى جوار أرمينيا في صراعها ضد أذربيجان (رغم أن الأخيرة ذات أغلبية مسلمة وشيعية) خوفا من تنامي نفوذ أذربيجان وسعيها لاحتواء القومية الأذرية في إيران, وبسبب العلاقات الأذربيجانية الأمريكية الوثيقة التي تقلق إيران.
2. التوتر على الجبهة الغربية: حيث توجد تركيا ، وارتباطاتها القوية بالولايات المتحدة وإسرائيل ، ووجود قناعة إيرانية بأن الولايات المتحدة تدعم تعاوناً استراتيجياً بين مثلث يضم تركيا وإسرائيل وأذربيجان ، يعمل على منع مد أنابيب النفط والغاز من بحر قزوين إلى العالم الخارجي عبر إيران ، والهدف من ذلك هو الضغط على طهران وعزلها عن الترتيبات المستقبلية في القوقاز وقزوين وآسيا الوسطى لإحكام الحصار حولها.
3. التوتر على الجبهة الجنوبية: وينبع القلق من الأساطيل الغربية والقواعد الأمريكية في المنطقة ، وخاصة أنه من الجنوب يصدر النفط إلى مختلف أنحاء العالم، وهو سبب كاف لتمسك الأمريكيين بالبقاء في المنطقة, وفي ظل العلاقات غير الودية القائمة بين الجانبين ، فإن إيران تشعر بمزيد من القلق من هذا الوجود.
فإذا أضيف إلى ذلك وجود أمريكي كثيف في العراق ، فإن الجبهة الغربية لإيران ستصبح الأكثر سخونة والأشد خطراً ، خصوصاً مع وجود حدود مشتركة بين البلدين بطول 1630 كيلو مترا ، ونظراً لأن الولايات المتحدة لها طموحات أخرى تتجاوز إسقاط نظام صدام حسين.
رابعاً: محددات نابعة من رؤيتها لأمنها ومصالحها القومية:
فاعتبارات الأمن والمصالح القومية تشكل في المرحلة الراهنة جوهر التحركات الإيرانية ، وعن ذلك يقول مصطفى تاج زاده أحد مهندسي حركة الإصلاحيين في إيران:" من حيث المصالح القومية ليس في صالحنا بأي وجه من الأوجه انتصار أمريكا.. ذلك أن انتصار أمريكا في العراق يعنى محاصرة الجمهورية الإسلامية وتطويقها بالكامل من قبل أمريكا ، حتى إن لم تحدث هذه المحاصرة وكان الهجوم في مكان آخر وعلى بلد آخر لا يجاورنا من قريب ولا بعيد ، علينا أن نرفض ذلك ،لأننا استراتيجياً نرفض الحرب لاعتقادنا بوجوب حل مشكلات عالم اليوم عبر الحوار والطرق السلمية ، وكذلك لاعتقادنا أن تدخل أمريكا أمر غير مشروع. إلا أن هذا لا يعني عدم التقدم لحل الكثير من مشاكلنا مع أمريكا ".
ومن جانبه قال حميد رضا آصفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية:" أنه في حالة اندلاع حرب تقودها الولايات المتحدة على العراق فإن إيران ستبحث عن أمنها ومصالحها القومية ، وستسعى لتجنب أي تقسيم لأراضي جارتها التي تضم جماعات متباينة عرقياً ودينياً وستدرأ أي تدفق للاجئين عبر حدودها ".
وفي إطار هذه الرؤى كان طبيعياً أن تراعي إيران في إدارتها للأزمة العراقية حسابات المكاسب والخسائر المحتملة ، فمن بين المكاسب التي قد تجنيها إيران من هزيمة العراق: الإطاحة بنظام صدام -عدوها اللدود- والتخلص من برامج الأسلحة التي قد تكون لديه ، وكذلك القضاء على بضعة آلاف من مقاتلي جماعة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة المقيمين في العراق.
ولكن في مقابل هذه المكاسب فإن نصرا أمريكياً سيثير مخاوف إيران من خطر التطويق الذي أثاره بالفعل النشاط الأمريكي في أفغانستان على حدودها الشرقية ، ووجود قواعد جديدة لها في وسط آسيا ، هذا إلى جانب استمرار الوجود الأمريكي لفترات طويلة في دول الخليج العربية ، كما أنه إذا كان الغزو سريعا وحقق نجاحاً يؤدي إلى حكومة مستقرة في بغداد فإن إيران ستواجه عدة مخاطر:
- اقتصادية (حيث ستواجه منافسا قويا على الاستثمارات الغربية في قطاع الطاقة لديها).
- ودينية (حيث ستفقد مدينة قم الإيرانية الدينية سيطرتها المؤقتة كمركز للشيعة مع عودة كبار رجال الدين الإيرانيين والعراقيين المنفيين إلى مدن عراقية مثل النجف وكربلاء).
- وسياسية (حيث سيحفز أي تحول ديمقراطي في العراق سرعة المطالبة بإصلاح النظام السياسي القائم في إيران).
- وسكانية (حيث ستجد إيران نفسها في مواجهة موجات من اللاجئين العراقيين).
- وأمنية (حيث قد تتعرض إيران لموجة من صواريخ الغاز السام التي قد يطلقها حاكم العراق كضربة أخيرة للانتقام من أعدائه ، إذا ما انحرف الهجوم الأمريكي على العراق عن طريقه المرسوم ، كما أن تعرض العراق لحرب أهلية تهدد الشيعة ، و وجود طلب للمساعدة سيفرض أزمة على إيران ذات الأغلبية الشيعية).
إن إيران يمكن أن تلعب دورا فاعلاً في عراق ما بعد الحرب ، فوزنها الإقليمي إلى جانب نفوذها لدى شيعة العراق قد يساعد في تحقيق استقرار العراق بعد الإطاحة بصدام.
يضاف إلى ذلك القناعة الإيرانية بأن الولايات المتحدة في حربها ضد العراق إنما تحاول تغيير الجغرافيا السياسية في منطقة الخليج ، كما تحاول أيضاً إضعاف القوى الإقليمية فيها، لذا تشعر إيران باستهداف مباشر وأنها ستكون الهدف التالي إذا حققت أمريكا أهدافها في العراق ، ومجيء نظام عراقي موال للولايات المتحدة يمكن أن يسهل للأخيرة مهمة العمل من أجل إسقاط النظام الإيراني خاصة وأن هناك أصواتاً علنية تطالب الإدارة الأمريكية بالعمل على إسقاط النظام الإسلامي ولو بالقوة ، كما أشارت عدة مصادر إلى أن الجيش الأمريكي سيذهب إلى العراق ليبقى هناك مدة طويلة من أجل القضاء على " بؤر التطرف " المساندة أو التي توفر مأوى للإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ولا شك أن المقصود بذلك هو إيران.
كما أن الإدارة الأمريكية قد شكلت لجنة خماسية لتحديد الاستراتيجية الأمريكية الواجب اتباعها في بعض المناطق ومنها منطقة الخليج العربي. وقد قدمت هذه اللجنة عدة توصيات من بينها العمل على منع إيران من الحصول على أسلحه دمار شامل وضرورة إسقاط حكومة الثورة الإسلامية وإيجاد حكومة حليفة للولايات المتحدة.
كما أن إيران تتخوف من إقدام الولايات المتحدة على ضرب مفاعل بوشهر لاسيما في ضوء النوايا الأمريكية للعمل على منع إيران من حيازة سلاح نووي, وتثور المخاوف من تعرض المفاعل للدمار وادعاء أن ذلك تم بطريق الخطأ. وتنبع تلك المخاوف من وجود القوات العسكرية الأمريكية على مقربة من الأراضي الإيرانية حال توجيه ضربة للعراق, وهذه القوات قد تضطر إلى التقدم في المياه الدولية وربما دخول المياه الإقليمية الإيرانية للقيام بعملياتها, الأمر الذي يعني أن النجاح في السيطرة على الأراضي العراقية يسهل على الولايات المتحدة ضرب المفاعل النووي الإيراني.
ومن جانب آخر. وفي إطار حسابات الأمن القومي الإيراني فإن المواقف الإيرانية من العدوان الأمريكي على العراق ترتبط ارتباطا قويا بالمصالح الإيرانية في الخليج, ومجمل الرؤى الخاصة بالعلاقات الإقليمية, حيث يتعارض هذا الغزو مع سعي إيران لدعم وجودها ونفوذها في إقليم الخليج, عبر نزع أسباب التوتر مع العراق وتقوية العلاقات مع دول الخليج, وعبر الحد من النفوذ الأمريكي, وخاصة وضع إيران ضمن دول محور الشر مع العراق وكوريا الشمالية.
فإيران تدرك أن الغزو سيؤسس وجوداً عسكرياً أمريكياً في العراق, وسيكون كذلك مقدمه لترتيبات إقليمية تسمح لإسرائيل بالوجود في العراق بالقرب منها, ومن ثم فإن معادلة العلاقات الإقليمية في الخليج سوف تشهد اختراقا إسرائيليا غير مسبوق في ظل رعاية وحماية أمريكية لهذا الاختراق.
وأمام هذه المحددات وتلك الاعتبارات يمكن القول أن معالم الموقف الإيراني في إدارته للأزمة العراقية تتركز حول: الرفض المطلق لأي غزو أمريكي للعراق أو التدخل في شئونه الداخلية من ناحية, ومن ناحية ثانية تجنب أي مواجهة مع العراق, والالتزام بدرجة عالية من ضبط النفس للحيلولة دون التورط في أي مواجهة سياسية أو إعلامية مع العراق, رغم الاتهامات الشديدة التي يطلقها بعض المسؤولين العراقيين من وقت لآخر (من ذلك قول نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان بأن الأطماع الإيرانية في المنطقة لا تقل عن الأطماع الأمريكية والبريطانية كما اتهم الإيرانيين بأنهم حلفاء للصهاينة), ومن ناحية ثالثة التنسيق مع دول مجلس التعاون في الموقف من الأزمة, ثم الحرص على تجنب المواجهة مع أمريكا من خلال اتباع سياسية الحياد الإيجابي, بالالتزام بموقف سياسي معارض لضرب العراق وموقف عسكري غير منحاز لأي طرف من الأطراف المتصارعة.
المحور الثاني: آليات الإدارة الإيرانية للأزمة العراقية:
وأمام هذه التوجهات فقد تعددت الوسائل والسياسات التي اعتمدت عليها إيران في إدارتها للأزمة العراقية, وفي إطار هذه الوسائل وتلك السياسات يمكن التمييز بين:
أولا: سياسة الحياد الإيجابي:
فالسياسة الإيرانية إزاء الأزمة العراقية تتجاذبها ثلاثة اتجاهات.
الأول: يدعو إلى التعاون مع المخطط الأمريكي للإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين عبر تقديم دعم سياسي ولوجستى لقوى المعارضة العراقية وميليشياتها المسلحة بما يكفل للإيرانيين حصتهم في اللعبة الدائرة على الأرض العراقية.
الثاني: يرفض أي شكل من أشكال التعاون مع المخططات الأمريكية على مستقبل العراق ويرى أن مصداقية الجمهورية الإسلامية في العالم الإسلامي ستتأثر سلبا فيما لو حدث ذلك, ومن وجهة نظر أصحاب هذا الرأي فإن المخطط الأمريكي لا يقتصر على العراق وإنما يهدف إلى إعادة رسم خارطة المنطقة بما يعزز الوجود الأمريكي فيها ويحفظ أمن الكيان الصهيوني.
الثالث: يدعو إلى أن تتخذ إيران موقفا حياديا مما يجرى على مسرح الحدث العراقي عند انطلاق الحملات الأمريكية المرتقبة كما فعلت عند اندلاع حرب عام 1991.
وقد ترجمت سياسة الحياد الإيجابي في أفغانستان إلى دخول إيران في اللعبة عبر مساندتها للتحالف الشمالي, واشتراكها في إسقاط نظام طالبان, حتى أن بعض عناصر الحرس الثوري كانت مع قوات التحالف في أثناء دخولها إلى كابول, وقد قنن السيد علي خامنئى مرشد الثورة مفهوم الحياد الإيجابي, حيث أعلن في أصفهان في 30/10/2001, أننا نشجب الإرهاب, بكل أشكاله ونعارض الحملة الأمريكية على أفغانستان ونرفض الدخول في أي تحالف تقوده أمريكا.
وبمقتضى هذه السياسة فان إيران قد أدانت الحرب وفكرة تغيير الأنظمة بالقوة. وقررت ألا تعترض طريق القوات الأمريكية ولا تعرقل عملياتها, ولا تشارك في أي أنشطة عسكرية ضد العراق.
ثانيا: التنسيق مع المعارضة العراقية:
من بين الأهداف التي تسعى إليها القيادة الإيرانية في إدارتها للأزمة العراقية, أن تلعب دوراً جوهريا في اتخاذ أي قرار يخص عراق ما بعد صدام, وان تعزز مكانتها في المنطقة وتعمق علاقاتها مع أوربا, وإذا تحققت لها هذه الأهداف فإنها ستقوي علاقاتها مع دول صديقة للولايات المتحدة, يمكن أن تدافع عن موقفها إذا قرر الصقور بالإدارة الأمريكية استهدافها بعد نهاية الحرب على العراق, وحتى تحقق هذا الهدف, وبما أنها لا تملك ما تقدمه للولايات المتحدة أكثر من الوعد بأنها لن تسبب شيئا من المتاعب, فإنها حاولت تعزيز موقفها عن طريق تقوية علاقاتها بالمعارضة العراقية, واتجهت إلى التنسيق مع عدد من فصائل المعارضة العراقية, وقد أخذ هذا التنسيق عددا من المظاهر الأساسية.
1- اللقاءات والمشاورات: فهناك تحرك إيراني باتجاه المعارضة العراقية استعدادا لمواجهة ما وصفه مساعد وزير الأمن (محمد شفيعي) بمرحلة تطبيق سيناريو في العراق شبيه بما تنفذه الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان الآن, وهذا التحرك الإيراني بدأ بعد زيارة وزير الخارجية البريطاني إلى طهران ثم زيارة شفيعي (المكلف بملف العراق في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني) إلى لندن, واجتماعه بشخصيات عراقية معارضة وتركزت محاورها على ضرورة تشكيل جبهة موسعة من ممثلي كافة فصائل المعارضة العراقية بغية تشكيل حكومة انتقالية للحيلولة دون مجيىء الولايات المتحدة ببديل مرتبط بها في مرحلة تغيير القيادة في العراق.
2- المشاركة في المؤتمر عقدته المعارضة العراقية بلندن في يناير 2003, حيث كانت إيران القوة الوحيدة الحاضرة بجانب الولايات المتحدة وساعد على بروز الدور الإيراني انعدام النفوذ العربي على المعارضة العراقية ككل من ناحية, وباعتبارها راعية المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق الذي ستكون لمساهمته أهمية خاصة في إضفاء الشرعية على الحكومة الانتقالية من ناحية أخرى.
والعلاقة بين إيران والمجلس الأعلى تبدو طبيعية خاصة وأن المجلس يعلن أنه يمثل الشيعة الذين يشكلون نحو 50% من سكان العراق ويؤكد أن المقصود بتحركاته في شمال العراق,هو ضمان أتاحة الفرصة لوجهة نظر شيعة العراق بشأن ما قد تشهده البلاد متى ما تمت الإطاحة بحكومة صدام البعثية, إضافة إلى ضمان عدم تجاهل مصالح إيران في الترتيبات المحتملة.
3-الدعم العسكري, فقد قامت إيران بالإشراف على تدريب قوات من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (المعروفة باسم لواء بدر) الذي يخطط حاليا لنشر قوات ربما تصل إلى 5000 جندي بشمال العراق, وتشير التقديرات الإيرانية إلى أن قوام " لواء بدر " يتراوح بين 5 آلاف و 30 آلف مقاتل. وهذه القوات مهما كانت أعداد أفرادها وجاهزيتهم, وقد لا تشكل قوة عسكرية حاسمة في الحملة التي تتـزعهما الولايات المتحدة للسيطرة على العراق, إلا أنها يمكن أن تثير حالة من القلق, وتمثل تحديا تواجهه القوات الأمريكية وهي تسعى للإطاحة بنظام صدام حسين. (يقول أسد الله آثاري ماريان, مستشار بوزارة الدفاع الإيرانية, مشيرا إلى تحركات قوات بدر في العراق: " يجب عليهم الذهاب إلى هناك, وإذا لم يشاركوا في الإطاحة بصدام حسين فانهم سيكونون خاسرين). وقد تسببت الأنباء المتعلقة بنشر قوات بدر في شمال العراق في تجدد التحذيرات التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية, من أنها ستعارض أي وجود تدعمه إيران في العراق وأن نشر قوات بدر سيمثل تطورا خطراً للغاية وسببا لزعزعة الاستقرار.
4-تنظيم اجتماع المعارضة الشيعية العراقية في طهران 6/3/2003 تحت شعار " ترتيب البيت الشيعي العراقي" بحضور نحو 250 ممثلا عن عدد من التنظيمات الشيعية العراقية, أبرزها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية.
وإذا كان هناك من يرى أن الحكومة الإيرانية لا تقف وراء المؤتمر, وأن الإعلام الإيراني الرسمي لم يهتم بالمؤتمر ولم يبرزه فإنه يمكن القول بأن الحكومة الإيرانية لو لم تكن راضية عن المؤتمر ومرحبة بنتائجه لحالت دون عقده, فإيران أرادت من خلال المؤتمر, أن تبعث إلى واشنطن برسالة مفادها إن ورقة الشيعة لا ينبغي تجاهلها, وأنها من الأوراق المؤثرة التي تسيطر عليها إيران.
وفي مقابل هذه التحركات, وبما يعكس جانبا من عدم الوضوح في السياسة الإيرانية, أعلنت إيران (12/12/2002) أنها لن تسمح لأي قوة بما فيها فصائل المعارضة العراقية باستخدام أراضيها لشن هجوم على بغداد, وقال الناطق باسم الحكومة الإيرانية عبد الله رمضان زاده لن نسمح لأحد باستخدام الأراضي الإيرانية ضد أي من الدول المجاورة لأغراض عسكرية.
كما أعلن الناطق باسم الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفى أن بلاده لن تلعب أي دور في المحادثات الجارية على أراضيها بين زعماء المعارضة العراقية, كذلك نفت إيران أن تكون استضافتها لعدد من قيادات المعارضة العراقية تغيرا في موقفها من الأزمة العراقية, وقال علي رضا معبري نائب وزير الخارجية الإيراني (10/12/2002) أن موقف طهران الرافض لأي تدخل عسكري في العراق لم يتغير. و وصف زيارة المعارضين العراقيين للعاصمة الإيرانية بأنها ليست شيئا جديداً.
كما أنه ومع أن إيران ظلت تستضيف فصائل المعارضة العراقية, إلا أنها تركت الأبواب مفتوحة للاتصالات المباشرة مع العاصمة العراقية بغداد, بدعوى إقناع صدام بالالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي تفاديا للحرب.
ثالثاً: التصريحات:
فقد تعددت التصريحات الصادرة عن المسؤولين الإيرانيين على مختلف المستويات حول الموقف من العراق, ومن الولايات المتحدة والتي تكشف -في جانب منها-عن أبعاد الإدارة الإيرانية للأزمة العراقية,ومن أهم هذه التصريحات:
1-تصريحات المرشد العام السيد علي خامنئي:
قال (9/1/2003) إن الدول الإسلامية لن تترك الولايات المتحدة " تلتهم بهذه السهولة العراق وآباره النفطية " و أضاف أن الحرب الأمريكية المحتملة على العراق تهدف إلى الاستيلاء على آبار النفط والهيمنة على المنطقة والدفاع عن إسرائيل وفرض الرقابة على إيران, واتهم الولايات المتحدة بمحاولة إشعال التوترات الداخلية في إيران, مؤكدا أن طهران لن " تستسلم في مواجهة هذه الحرب النفسية ".
وقال في (31/1/2003) رداً على إدراج إيران ضمن ما عرف باسم
" محور الشر: " إن لهجة بوش هي لهجة رجل متعطش للدماء يتهم دول وشعوب العالم بأسره بأنها شيطانية ويهددها في حين أن الأمريكيين هم الذين دعموا خلال هذه الأعوام الماضية الأنظمة المعادية للشعوب وباعوا أسلحة فتاكة ونهبوا ثروات الشعوب". وأضاف أن " الجمهورية الإسلامية في إيران تفتخر بأن تكون هدفا لغيظ وحقد الشيطان الأكبر في العالم". وقال أن واشنطن تدعم علنا " النظام الصهيوني الظالم وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني, وأثبتت مجددا أن الاتفاقات والمجموعات الدولية ما هي إلا وسائل تستعملها من أجل الوصول إلى أهدافها.
2-تصريحات الرئيس الإيراني محمد خاتمي:
شكك الرئيس خاتمي في (11/10/2002) في حقيقة الخطر العراقي, وقال " يتحدثون عن تدخل قوات أجنبية وهجوم على العراق بحجة القيام بحملة ضد الديكتاتورية وتدمير أسلحة للدمار الشامل ". وتساءل: " هل بغداد هي النظام الاستبدادي الوحيد وهل هناك تهديد حقيقي بان يستخدم العراق أسلحة كيمائية أو أسلحة الدمار الشامل ", و أضاف " لماذا إذاً دعموا العراق عندما غزا بلادنا؟ وأي قوى زودته بأسلحة كيميائية استخدمها ضدنا وضد شعبه؟
3- تصريحات رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني:
- اعتبر رفسنجاني أن الوجود العسكري الأمريكي المتزايد في المنطقة يهدد استقرارها و أمنها, وقال أن تدخل الولايات المتحدة في شؤون المنطقة سيسمح " للنظام الصهيوني بتحويل انتباه الرأي العام العالمي عن المجازر وعمليات القمع التي يرتكبها بحق الفلسطينيين".
4- تصريحات وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي:
قال خرازي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في (16/9/2002) أن بلاده تريد أن ينفذ العراق قرارات مجلس الأمن الدولي ويوافق على إعادة مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة للسماح برفع العقوبات التي فرضت عليه بسبب اجتياح قواته للكويت عام 1990, و أكد معارضة بلاده لأي إجراء منفرد أو تدخل عسكري في العراق مطالبا بدور للأمم المتحدة في هذا الشأن, كما دعا إلى أن يترك مستقبل العراق السياسي للشعب العراقي وحده.
-قال في (5/1/2003) أن السياسة الأمريكية غير محصورة في هذا البلد و إنما تسعى إلى تغيير العديد من الأنظمة في المنطقة لإفساح المجال أمام إسرائيل لتوسيع هيمنتها, و أضاف انه يتعين على كل دول المنطقة منع الولايات المتحدة من شن هجوم عسكري على العراق ومحاولة حل الأزمة عبر وسائل دبلوماسية.
-اتهم خرازي الرئيس الأمريكي في (29/1/2003) بالعمل على نشر أجواء من التوتر في الشرق الأوسط والتدخل في شؤون طهران الداخلية, بعد تصريحاته بأن طهران تسعى لتطوير أسلحة دمار شامل وتدعم الإرهاب, واعتبر أن الاتهامات الموجهة لإيران التي وردت في خطاب بوش لا أساس لها من الصحة, وأعلن خرازي أن ما قاله بوش عن الشعب الإيراني يشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة أخرى, وهو أمر ندينه, وأن تصريحاته تثبت أن الولايات المتحدة ماضية في سياستها الخاطئة, بسعيها لنشر أجواء من التوتر الأمني داخل الولايات المتحدة وخارجها, وخصوصاً في الشرق الأوسط, معتبراً أن واشنطن تريد بهذه الطريقة ضمان هيمنتها العالمية, وأكد أنه حيال الأزمة العراقية فإننا حياديون, لكن هذا لا يعني أننا غير مبالين, مشيراً إلى أن طهران تنتهج سياسة حياد نشط بشأن هذا الملف.
-أعلن خرازي في (7/2/2003) أن الحرب مع العراق ستكون لها آثار في إيران, وإيران مستعدة لاستقبال اللاجئين العراقيين والسماح لهم بالإقامة مؤقتاً على الحدود مع العراق, وقد عرضت إيران, أثناء الحملة العسكرية على أفغانستان الجارة الشرقية لإيران بالمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ المتعلقة بالجنود الأمريكيين, وأكد على أن إيران تقف ضد الحرب, ولن تنحاز إلى أي من الطرفين.
-أعرب عن قلق بلاده حيال أي حرب تستهدف العراق وحذر من انعكاسها على إيران, حيث يرى أن الخطر من احتمالات استعمال أسلحة كيماوية يمتد أثرها لإيران يظل قائماً ويتوجس منه الإيرانيون خيفة, كما أن أي حرب تشن على العراق من شأنها أن تفرز أعداداً من اللاجئين الذين يفرون من جحيمها وستكون إيران من أقرب الوجهات بالنسبة لهم.
5-تصريحات وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني:
-أكد شمخاني (29/10/2002) على أن " القوى الشعبية والقوات المسلحة في حالة استعداد تام والقدرات العسكرية الهائلة سترد على أي عدوان أجنبي " وقال إن " الاستقرار الداخلي في البلاد والصورة التي كونها العالم وخاصة أوربا عن إيران أفهمت بالتأكيد الولايات المتحدة بأن جمهورية إيران الإسلامية ليست أفغانستان ولا العراق ".
6-تصريحات الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حسن روحاني:
-أكد روحاني في (15/1/2003) أن بلاده تدعم الولايات المتحدة في سعيها لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية وليس لتغيير نظام الرئيس صدام حسين, وقال " إذا كان هدف الأمريكيين نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق فإن جميع بلدان المنطقة تؤيد ذلك, ولكن إذا كانوا يريدون تغيير النظام فإن ذلك يخالف شرعية الأمم المتحدة وجميع بلدان المنطقة ترفض ذلك ", وأضاف: أن على العراق أن يمتثل لقرارات الأمم المتحدة, لكنه شدد على ضرورة منح المزيد من الوقت لمفتشي الأسلحة الدوليين لكي يتمكنوا من إنجاز مهمتهم, وأشار إلى أن قلق إيران ودول المنطقة بشأن الهجوم الأمريكي نابع من الخوف من " تعرض الأبرياء للمجازر وتدفق اللاجئين وزعزعة الأمن في البلدان المجاورة للعراق, وسيطرة الولايات المتحدة على منابع النفط العراقي وتنصيب سلطة تعمل لحساب الأمريكيين في العراق ".
7-أعلن نائب وزير الداخلية الإيراني لشؤون اللاجئين في (26/1/2003) أن بلاده مستعدة لتوفير المأوى لنحو 200 ألف لاجئ عراقي كحد أقصى موزعين على عشر مخيمات بدلا من 19 مخيماً كانت إيران تخطط لها سابقاً, وأوضح أن المخيمات التي يستوعب كل منها 20 ألف لاجئ ستقام عند الخط الفاصل بين الحدود الإيرانية العراقية, وفي القسم الجنوبي منها بالتحديد, حيث يتوقع أن يكون عدد النازحين المتدفقين منها أكبر.
وقال إن النازحين العراقيين لن يعبروا الحدود وسيقيمون في مخيمات داخل الأراضي العراقية تديرها منظمات معونة دولية, وأشار إلى أن وزارة الداخلية الإيرانية تجري مباحثات مع المسؤولين العراقيين لمساعدتهم على تمركز اللاجئين داخل العراق نفسه, وقال " اقترحنا إرسال بعثات إلى المناطق الغربية والجنوبية من العراق لإيجاد أماكن يتم إنشاء مخيمات للاجئين فيها تقع ضمن مسؤولية العراقيين أنفسهم ".
رابعاً: سياسة سد الذرائع:
والتي في إطارها كان قرار إيران بالقبول بدولة إسرائيل بجانب دولة فلسطينية وليدة, حيث يرى البعض أن التعديل في الموقف الإيراني من إسرائيل لا يخرج عن كونه تكتيكاً مؤقتاً يرتبط بتصاعد وتيرة التهديدات الأمريكية ضد العراق وتصميم الإدارة الأمريكية على إحداث التغيير والتعديل المطلوبين في خريطة الشرق الأوسط, وبالتالي رغبة الإيرانيين في النجاة من يد التعديل والتغيير الأمريكي مع التمسك بسياسة المواجهة من جديد مع إسرائيل.
خامساً: التلويح باستخدام سلاح النفط:
فقد لوحت إيران في (4/2/2003) باستخدام سلاح النفط في مواجهة التهديدات الأمريكية المتصاعدة ضد الجمهورية الإسلامية, وحذرت الخارجية الإيرانية من أن هجوماً أمريكياً على الأراضي الإيرانية سيكون خطأ كبيراً لا يمكن إصلاحه, كما حذر الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني من أن أي هجوم امريكي محتمل على إيران سيتسبب في " أزمة طاقة خطرة في العالم وسيتجاوز سعر برميل النفط الخمسين دولاراً ".
سادساً: الاتفاقات الأمنية:
تسعى القيادة الإيرانية إلى استكمال مسلسل الاتفاقات الأمنية مع دول المنطقة ضمن تحركها لتأمين نفسها في مواجهة التهديدات الأمريكية حتى تضمن موقفاً محايداً من هذه الدول على أقل تقدير, فلا تقدم أي تسهيلات للولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها إذا ما فكرت في ضربها.
فالاتفاقات الأمنية التي عقدتها إيران مع كل من السعودية والبحرين وعُمان وقطر والكويت ولبنان والعراق والأردن وتركيا وباكستان وأفغانستان تؤكد على أن إيران تعطي أمنها القومي الأولوية في هذه المرحلة, بغض النظر عن مبادئها الثورية, أو تعهداتها للحركات الثورية في المنطقة, وتشير إلى خط تحركها السياسي والعسكري وحجمه.
سابعاً: طرح مبادرة لتجنيب العراق الحرب المحتملة:
فقد أعلنت إيران في (4/3/2003) رفضها للمبادرة الإماراتية الداعية لتنحي الرئيس صدام حسين عن السلطة, واقترحت في المقابل إجراء استفتاء في العراق ومصالحة وطنية بين النظام الحالي والمعارضة برعاية الأمم المتحدة لتجنب حرب ضد هذا البلد, وقال وزير الخارجية الإيراني إن الشعب العراقي يجب أن يختار ممثليه الحقيقيين في استفتاء بإشراف الأمم المتحدة, ودعا القادة العراقيين لتبني مبادرة المصالحة الوطنية والسماح بمشاركة العراقيين المعارضين في الحكم.
وأعلن أن خطة من هذا النوع تمثل الحل الوحيد لتغيير الحكم سلمياً في العراق وتفادي حرب في المنطقة, وأضاف " لم نبحث بعد في هذه الخطة مع دول أخرى إذ لا يجوز لأي خطة مفروضة من الخارج أن تحدد النظام المقبل في العراق ", وأعرب عن أمله في أن يدرس القادة العراقيون الخطة التي تقترحها بلاده ويتخذوا المبادرة بأنفسهم.
المحور الثالث: رد الفعل الأمريكي:
يمكن التمييز في إطار رد الفعل الأمريكي على السياسات والتوجهات الإيرانية في إدارتها للأزمة العراقية بين عدد من الأبعاد الأساسية:
أولاً: التصريحات: فقد تعددت التصريحات الصادرة عن المسؤولين الأمريكيين حول إيران وموقفها من الأزمة العراقية وكيفية التعامل مع إدارتها للأزمة ومن بين هذه التصريحات:
-اتهم وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد في (4/2/2003) إيران بالسماح لعدد من أعضاء تنظيم القاعدة وحركة طالبان بعبور حدودها مع أفغانستان هرباً من الملاحقة الأمريكية, كما اتهمها بتسليح عناصر داخل أفغانستان, وقال إن الولايات المتحدة تلقت تقارير مفادها أن إيران تسهم بشكل مباشر في زعزعة الاستقرار في أفغانستان, لكنه رفض الكشف عما إذا كانت واشنطن ستعمل على إغلاق الحدود الأفغانية الإيرانية أم لا.
وأضاف: " لا يساورني أدنى شك في أن الحدود الوعرة بين إيران وأفغانستان قد استخدمت من قبل القاعدة وطالبان للدخول إلى إيران طلباً للملاذ, وأن الإيرانيين لم يفعلوا ما فعلته الحكومة الباكستانية وهو نشر قوات على طول الحدود ومنع الإرهابيين من الهرب من أفغانستان إلى بلادهم ".
-تصريح وزير الخارجية الأمريكي " كولن باول " في (9/3/2003): " نكتشف فجأة أن إيران قطعت أشواطاً في برنامجها النووي أكثر مما كان الجميع يعتقد, واعتبر أن ذلك يظهر لنا كيف أن دولة عازمة على تطوير أسلحة نووية يمكنها أن تبقي عملية تطوير هذا البرنامج طي الكتمان بعيداً عن أعين المفتشين والخارج ".
-تصريح مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس في (9/3/2003): " لايفاجئنا بتاتاً أن إيران تحاول امتلاك أسلحة نووية وتخصيب اليورانيوم " وأضافت " تم الترويج له على أنه برنامج سلمي, لكننا كنا منذ فترة طويلة من الأصوات الوحيدة التي شددت على أن الإيرانيين يطرحون مشكلة ".
ثانياً: محاولة اكتساب إيران (التطمينات والضمانات):
فقد حاولت الإدارة الأمريكية إرسال عدة رسائل لإيران, لتطمينها ومحاولة اكتسابها إلى صفها في الأزمة العراقية, وخلاصة هذه التطمينات أن إيران ليست مستهدفة في الحرب المحتملة, وأن مصالحها في العراق وأمنها القومي لن يمسا بأي سوء ومن ثم فليس هناك ما يبرر القلق أو التوجس في طهران, وقد استقبلت هذه الرسائل وغيرها بحذر في إيران, كما أثارت جدلاً واسعاً حولها, وذلك لعدة اعتبارات منها:
-أن الشكوك متجذرة بين البلدين على نحو أقنع القيادة الإيرانية بأن هدف هذه الرسائل هو تهدئة مسرح العمليات, كي يحقق الأمريكون أهدافهم في العراق دون معوقات.
-أن تجربة أفغانستان أكدت للإيرانيين أن واشنطن تريد استخدام الورقة الإيرانية, وليست مستعدة لأن تقيم مع طهران علاقة تعاون مشترك, فإيران برغم الدور الذي قدمته لإنجاح الحملة العسكرية ضد نظام طالبان, إلا أن الإدارة الأمريكية أدرجتها في النهاية ضمن ما سمي محور الشر.
وفي نفس الإطار نظر كثير من المراقبين إلى مشاركة أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي في مؤتمر الفصائل الشيعية بطهران, على أنه رسالة صريحة عكست رغبة واشنطن في إبلاغ طهران بعدم وجود توجه إمريكي لإبعاد القوى المعارضة المرتبطة بإيران من التركيبة المستقبلية للنظام في العراق بعد إطاحة صدام حسين, والتأكيد على أن واشنطن قامت بإعادة النظر في سياستها حيال طهران بعد زيارة محمد رضا خاتمي, نائب رئيس البرلمان الإيراني, إلى روما ولقائه رئيس الوزراء الإيطالي سليفيو برلسكوني, وكذلك قيام واشنطن بمنح المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق برئاسة آية الله محمد باقر الحكيم أكثر التنظيمات الشيعية ولاء لإيران, دوراً في التشكيلة المستقبلية للحكم العراقي.
وفي مواجهة هذه المؤشرات تم إعلان عن أن إيران وافقت بشكل مبدئي على مجموعة من الطلبات الأمريكية التي نقلت إليها عبر دولة أوروبية, وأبرزها مساعدة الجنود الأمريكيين الذين يضلون طريقهم في الوصول إلى مواقعهم والسماح لفرق الإنقاذ الجوية بإجلاء الطيارين وحطام الطائرات في حالة سقوطها داخل الأراضي العراقية, وذلك مقابل ضمانات بعدم تعرضها لأي تهديد خلال الحرب أو بعدها, ومساعدتها على إقامة مخيمات داخل الأراضي العراقية على غرار ما فعلته خلال الحرب الأفغانية لإيواء اللاجئين العراقيين.
كما تلقت إيران تأكيدات بأن الولايات المتحدة تنظر إلى منظمة مجاهدي خلق بنفس المنظار الذي تنظر به إلى النظام العراقي, وأن مصير زعيم المنظمة مسعود رجوي وأنصاره لن يكون مختلفاً عن مصير النظام العراقي, وأن مواقع ومعسكرات مجاهدي خلق ستكون ضمن الأهداف العسكرية للهجمات الأمريكية فور انطلاق الحرب.
ثالثاً: السياسات المضادة:
رغم التطمينات التي حاولت الولايات المتحدة تقديمها لإيران, فإنها سعت في الوقت نفسه إلى تبني عدد من السياسات المضادة, والتي من شأنها, من وجهة النظر الأمريكية, الحد من التحركات الإيرانية حيث بدأت بتسريب أنباء عن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران, والحديث عن اقتراب إيران من إنتاج أسلحة نووية تهدد جيرانها, ومن هنا فقد نظر إلى زيارة رئيس وكالة الطاقة الذرية إلى طهران أواخر فبراير 2003, على أنها تشكل بداية الالتفاف نحو إيران, وخطوة على طريق تدمير أسلحة الدمار الشامل التي يعتقد أنها تمتلكها.
كما تم الترويج لفكرة أن الحشود الأمريكية الضخمة التي تتدفق إلى المنطقة لا يمكن أن تكون من أجل هزيمة النظام العراقي المنهك المدمر, وإنما من أجل نزع جميع أسلحة الدمار الشامل الإيرانية والسورية والباكستانية, كما أن احتلال الولايات المتحدة للعراق سيجعل إيران بين فكي الكماشة, قوات أمريكية في أفغانستان وحاملات طائرات وقوات في العراق والخليج, وحائط عسكري تركي صلب في الشمال.
كما تزايد التحرك الأمريكي باتجاه تطبيق " مبدأ التطويق " كمبدأ بديل لمبدأ "الاحتواء المزدوج" في التعامل مع إيران, ويهدف هذا المبدأ إلى تضييق الباب الأفغاني وامتداداته الآسيوية أمام إيران, وتقييد إيران بحزام من القواعد العسكرية والمدارات العربية الأمريكية, وكبح محاولات تطبيع العلاقات العربية الإيرانية وتحديداً مع الدول الخليجية.
وكذلك حصر التأثير الأيديولوجي والسياسي في الداخل الإيراني, وذلك من خلال الدعوات الأمريكية المطالبة بتفكيك علاقة طهران بكل من حزب الله (لبنان) وحركتي " حماس " و " الجهاد الإسلامي " (فلسطين) وحزب الوحدة (أفغانستان) فضلا عن الاعتراض الأمريكي على أي دور إيراني في العراق, سواء على مستوى المشاركة في صياغة مستقبله السياسي, أو على مستوى العلاقة مع فصائل المعارضة وأحزابها, وخاصة مع " المجلس الأعلى " ذي الخاصية الشيعية, والعمل على تحجيم العلاقات الإيرانية الروسية والإيرانية الأوروبية.
هذا بالاضافة إلى التصدي لأي تطور في العلاقات الإيرانية مع العراق, لأن احتمال تفعيل العلاقات الإيرانية العراقية وإزالة رواسب حرب الخليج الأولى يجعل من العراق حلقة الوصل الجغرافي بين سوريا وإيران ولبنان وفلسطين, مما يعني خلق واقع " جيو استراتيجي " يعيد مفهوم " الجبهة الشرقية " بعمق إسلامي يتجاوز الجغرافيا العربية.
المحور الرابع: مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية:
في إطار المحاور السابقة (المحددات, والسياسات, وردود الفعل) يكون التساؤل المهم هو, كيف سيكون مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية؟
وفي إطار الإجابة على هذا السؤال يمكن القول بأن حدود المواجهة بين إيران والولايات المتحدة لا تعني حتمية الاصطدام المباشر, وخاصة في ظل توافر العديد من البدائل غير المباشرة التي يمكن من خلالها للولايات المتحدة إدارة الصراع مع إيران, وكذلك لغياب الإجماع الأمريكي الداخلي, وافتقاد الولايات المتحدة للحلفاء المناسبين لإدارة الصراع المباشر, لتبني إيران لسياسة تفويت الفرصة على الأمريكيين, هذا بالاضافة إلى تعدد التحديات الأمريكية الخارجية الأكثر إلحاحاً من التحدي الإيراني.
ومن هنا فليس من السهل تصور إمكان نشوب حرب شاملة ومباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في ظل العديد من نقاط القوة التي تميز الجانب الإيراني ومن أبرزها:
- عسكرياً: امتلاك إيران لقوات الحزب الثوري التي تناهز نصف مليون مقاتل, فضلاً عن جيش نظامي يزيد تعداده على 800 ألف جندي, كما تمتلك إيران صواريخ بعيدة المدى من طراز "شاهين3" التي يمكنها الوصول إلى قلب إسرائيل.
- استراتيجياً: فموقع إيران الجغرافي يعطيها مزايا استراتيجية عديدة, فهي تشغل رقعة برية واسعة وبالتالي فإن إمكانية تدمير الأهداف الاستراتيجية ستواجه صعوبة للانتشار الكبير لهذه الأهداف, كما أنها قادرة على غلق مضيق هرمز وإيقاف حركة ناقلات البترول عبره.
- تنظيمياً: فهي ليست كأفغانستان أو حتى العراق, حيث يصعب تكوين تحالفات معادية للنظام الحاكم على غرار التحالفات الأفغانية, كما أن أجهزة الدولة ومؤسساتها تسيطر على الوضع الداخلي تماماً, في وجود حكومة قوية لديها قدرة كبيرة على تعبئة الجماهير وشحنها معنوياً.
وأمام هذه الاعتبارات وغيرها فإن سيناريو الحرب الأمريكية الإيرانية المباشرة غير مكتمل العناصر, على الأقل في المرحلة الراهنة, ولذلك ستشهد المرحلة القادمة, تزايد الاعتماد الأمريكي على أشكال أخرى من وسائل إدارة الصراع مع إيران ومن ذلك:
-التشدد في تطبيق " مبدأ التطويق ".
-فرض ضغوط مكثفة على إيران من أجل السماح باستخدام أراضيها منطلقاً لعمليات أمنية هادفة لملاحقة عناصر مشتبه بانتمائهم إلى " القاعدة " أو " طالبان " واشتراط تسليمهم للسطات الأمريكية, أو المشاركة في التحقيق معهم إذا ثبت تورطهم في شبكة " الإرهاب ".
-الضغط على طرفي الواقع المذهبي والعرقي في إقليمي سيستان وبلوشستان الإيرانيين, حيث يوجد الإيرانيون السنة, بدعوى أن أفراداً من " القاعدة " و "طالبان " فروا إلى هذه المناطق, وأن بعض التيارات السنية الإيرانية (تنظيم الفرقان المحظور) مرتبطة بتنظيم " القاعدة " وهذا يستوجب تشدداً أمنياً إيرانياً.
-إثارة الحساسيات الناشئة عن الخلافات العرقية والمذهبية في المجتمع الإيراني.
وفي المقابل هذه التوجهات الأمريكية, يمكن القول إن قدرة الإدارة الإيرانية على مواجهة التحديات التي تفرضها هذه التوجهات, تتوقف بدرجة كبيرة على نجاحها في التعامل مع الأزمة العراقية, وتعظيم المكاسب التي يمكن الحصول عليها من هذه الأزمة هذه من ناحية, ومن ناحية ثانية مدى قدرة إيران على الحد من الضغوط والتوترات الداخلية واحتواء الانقسامات التي تبرز بين الحين والآخر بين التيارات السياسية والفكرية الإيرانية, ومن ناحية ثالثة مدى نجاح إيران في تسويق نفسها كقوة إقليمية قوية وقادرة على ضبط وإدارة الصراعات الإقليمية بكفاءة وفاعلية.
______________________________
المصدر: مختارات إيرانية العدد 33 إبريل 2003