هل تكرر إيران تجربة "حزب الله" في العراق
هل تكرر إيران تجربة "حزب الله" في العراق
هل من حكومة عراقية تستطيع انتزاع جيش المهدي من قبضة إيران عن طريق إزالة المظالم التي يعاني منها الشباب المسحوق من شيعة العراق؟
بعد النهاية السلمية للمواجهة العسكرية في النجف في الشهر الماضي، اعتقد الكثير من العراقيين والأمريكيين على حد سواء بان النزاع بين الحكومة المؤقتة في العراق ورجل الدين الشاب مقتدى الصدر قد تمت تسويته وان رجال الصدر سوف يعودون إلى حياتهم الطبيعية لكن القتال الذي اندلع في مدينة الصدر ببغداد الأسبوع الماضي أظهر بعد ذلك الاعتقاد عن الواقع.
فقد أظهرت الأنباء أن اتباع الصدر قد عادوا إلى مدنهم الأصلية ليواصلوا القتال ليفرقوا.وهكذا انكشفت نقطة الضعف في اتفاقية سلام النجف وفي السماح للمحاربين بالاحتفاظ بأسلحتهم مما أثار التساؤلات حول الدور الذي يمكن لرجال ميليشيا الصدر أن يلعبون في المستقبل.
يرى البعض أن جماعة الصدر سوف تنخرط في حرب عصابات وتتحول بذلك إلى تهديد دائم لاستقرار أية حكومة يمكن أن تقوم في بغداد. ببنما يرى آخرون أن تمرد الصدر جزء من استراتيجية تسعى إلى أن تضمن له مكانا بارزا على طاولة المفاوضات ما يمهد الطريق أمام المليشيا لكي تتحول إلى حزب سياسي اعتيادي. لكن مما يثير الاستغراب أن الاهتمام لم ينصرف إلى إمكانية ثالثة مقلقة جدا وهي تحويل جيش المهدي إلى نسخة ثانية من حزب الله اللبناني.
يحتل حزب الله اليوم مكانا فريدا في نوعه في عالم الإرهاب لأنه قد وجه لنفسه طريقة فريدة في الجمع ما بين الانضباط السياسي والقتالية، وقد نشأ حزب الله غداة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1998 وقد كان الهدف الرسمي للحزب هو إقامة جمهورية إسلامية.
لكنه سرعان ما أدرك أن حملة دينية لتحرض على الإرهاب سوف تخفق في تحقيق أية غاية سياسية في لبنان البلد المتعدد الديانات والمذاهب.
وهكذا تكفل حزب الله بتبني مظالم الشيعة في لبنان الذين كانوا يعانون من تمييز مجحف على يد مسيحيي البلاد وسنتها رغم كونهم يشكلون حوالي نصف عدد السكان.
دعا الحزب إلى الاعتراف بالمصالح الشيعية وشرع في تقديم الخدمات الاجتماعية المهمة مثل تقديم الطعام اليومي للمحتاجين وأقام المدارس والعيادات الطبية للفقراء.
وفي نفس الأثناء كان الحزب يشن حملة محسوبة ودقيقة في العنف والإرهاب ضد إسرائيل تراوحت نشاطاتها بين عصابات في جنوب لبنان إلى هجمات على المؤسسات الدينية في أماكن بعيدة مثل الأرجنتين في مطلع تسعينات القرن الماضي كانت شعبية حزب الله قد بلغت حدا شجعه على خوض الميدان السياسي فقام بشن حملة ضد الفساد الحكومي ضمنت له الفوز بأكبر كتلة قطاعية من مقاعد البرلمان اللبناني عام 1992 والحق يقال بأن حزب الله يعتبر اليوم الحزب الأكثر نجاحا في المنظومة السياسية اللبنانية.
السؤال الان ما هي علاقة ما تقدم بما يجري في العراق؟ أن تأمل "نموذج حزب الله" لم يعد مجرد موضوع أكاديمي، فعلينا أن نأخذ بنظر الاعتبار أن كلا من حزب الله وجيش المهدي مرتبطان بنفس الراعي الأجنبي وهو: إيران فقد كانت إيران هي التي أرسلت في عام 1982 ألفين من رجال حرسها الجمهوري لجلب عقول الشيعة اللبنانيين وكسب أفئدتهم.
كما أن قرار دخول حزب الله الانتخابات اللبنانية لم يتخذ في بيروت، أنها تم التوصل إليه في اجتماع عقد بين قيادي الحزب وعدد من رجال الذين البارزين في طهران، يقابل ذلك أن إيران قد قامت بإرسال السلاح لرجال السيد مقتدى الصدر، كما يعتقد بأن العملاء الإيرانيين هم الذين يقومون بتنظيم مليشيا المهدي في مدينة الصدر وتدريب عناصرها.
لا نحتاج إلى كثير من التفكير لكي ندرك أن إقناع السيد الصدر بتبني نموذج حزب الله الذي يجمع ما بين الرصاصة وصندوق الاقتراع سيصب في مصلحة إيران فيعد عقود من الصراع الدامي، تتطلع إيران اليوم إلى إقامة علاقات جوار طيبة مع العراق الجديد، كما أنها ترغب في أن ترى إخوانها في المذهب الشيعي ممن عانوا من التهميش وسوء المعاملة تحت نظام صدام حسين وقد أصبحوا أصحاب لكلمة نافذة في الحكومة القادمة.
وفي الوقت نفسه فإن إيران لا تملك الموارد ولا الرغبة السياسية اللازمتين لشن حرب باهظة بالنيابة عنها ضد كل من قوات التحالف أو الفصائل الكردية في العراق. يضاف إلى ذلك أن في العراق، كما في لبنان لا مجال لتحقيق انتصار عسكري حاسم للسيد الصدر بالنظر للطبيعة والعرفية والمذهبية المتعددة في البلاد.
إن تحول جيش المهدي إلى حزب الله عراقي سوف يعالج الاعتبارات المذكورة أنفا. فدخول السيد مقتدى الصدر في تركيبة الحكومة العراقية سوف يضمن مشاركة القطاعات الراديكالية والمسحوقة من شيعة العراق.
ومن جانب آخر، سوف يقدم استمرار جناح مسلح للجماعة الأداة اللازمة لإيران لكن تستخدمها في إثارة الأزمات كلما بدا لها أن قليلا من الاضطراب وعدم الاستقرار ضروري لضبط الأمور في العراق أو التحويل أنظار الغرب عما يجري في طهران من محاولات لتطوير البرنامج النووي.
فما الذي ينبغي للحكومة الأمريكية ولرعايتها الأمريكيين فعله إزاء هذا الموقف؟ ليس هناك من سبيل لحرمان السيد الصدر من الحصول على موقع على طاولة المفاوضات فبغض النظر عما إذا كان السيد الصدر يروق للطرف الآخر أم لا، فأنه قد أفلح في اجتذاب جمهور واسع من الاتباع إلا أن مما يثير قلق رئيس الوزراء اياد علاوي ومخاوفه هو وجود ميليشيا على غرار حزب الله اللبناني كجزء من حكومته فهذا الأمر لن يقف عند حدود تهديد الحكومة المقبلة بالابتزاز والتأكل من الداخل، إنما سيتعداه إلى إضعاف جبهة الشيعة المعتدلين الملتفين حول آية الله على السستاني الذي ابد استعداد للعب حول القواعد الديمقراطية.
وهكذا فإن علاوي سوف يصر على التفكيك الكامل والحقيقي ميليشيا الصدر قبل التفكير بأية مشاركة رسمية للصدر في الحكومة.
كما ينبغي تجنب أي اتفاق يتيح للصدر مجالا لالتقاط الأنفاس وإعادة تجميع ميليشيا وتسجلها كما كان الأمر عليه في اتفاق النجف، لقد وجه اللوم إلى السيد علاوي الأسبوع الماضي لرفضه خطة كان من شأنها تخفيف الهجمات الحكومية على المسلمين في مدينة الصدر مقابل وعود غامضة بنزع السلاح تقدم من جانب السيد مقتدى الصدر لكن علاوي كان في الواقع على حق.
على المدة البعيد لا بد للحكومة التي تريد أن تضع حدا لظهور القوى الدمياغوجية من أن تتعامل بجدية مع المظالم التي يعاني منها الشباب في المناطق الشيعية المدنية فانخرط هؤلاء الشباب في جيش المهدي لا يعود إلى اقتناعهم برؤية السيد مقتدى الصدر بقدر ما هو ناجم عما يشعرون من إحباط إزاء رؤية مستقبلية مظلمة لا يلمحون من خلالها إلا البطالة والتهميش السياسي واستمرار التمييز ضدهم.
وهنا يبدو أن لا سبيل إلى حمل أولئك الشباب على إلغاء السلاح إلا من خلال اقتناعهم بوجود حياة افضل بانتظارهم.
_________________________
العرب اليوم 13/ 9/ 2004م