من شبهات الحَداثيين حول الإسلام - د. سامي عطا حسن ..
من شبهات الحَداثيين حول الإسلام
شــاع في عصرنا اصطلاح "العقلانيين" وصفاً لأصحاب المناهج المنحرفة عن المنهج الصحيح لـفهم الدين، وتفسير نصوصه، واستخلاص النتائج منها...ولا نجد في كتاب الله ولا فـي سنة رسوله - صلـى الله عليـه وسلم - أن إنساناً ضل بسبب عقله، وإنما نجد أن الضالين هم الـذيــن لا يعقـلـون ولا يتدبـرون، ولا يتفكرون، ولا ينظرون، وأن المهتدين هم أصحاب العقول وأولو الألباب:[ أولئك الـذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ][الزمر: 18]. والإنسان يضل بـهــــــواه لا بعقله، ولذلك كان السلف يسمون المعتزلة وأمثالهم أهل الأهواء لا العقلانيين...ويثير العقلانيون - أهل الأهواء - من علمانيين وحداثيين وذيولهم، شبهات عديدة تنم عن جهلهم بالشريعة الغراء، وحقدهم الدفين.. ومن هذه الشبهات:
1- شهادة المرأة:- فهم يرون أن الإسلام يقف عائقاً أمام تساوي الرجل والمرأة في الشهادة، واعتبروا أن " قضية الشهادة هذه منافية لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وأنها مظهر آخر من مظاهر الدونية للمرأة في الشريعة الإسلامية"...
وللرد على مزاعمهم نؤكد على أن التمييز في الشهادة بين الرجل والمرأة ليست مطلقة بل هي تختلف من حالة إلى أخرى، فهناك حالة تكون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، وهناك حالات تكون شهادتها مساوية تماما لشهادة الرجل، وحالات تُقبل فيها شهادة المرأة ولا يؤخذ فيها بشهادة الرجل، وتفصيلها كالتالي:
أ- الشهادة التي لا تقبل فيها شهادة المرأة مطلقاً وهي شهادة القصاص والحدود، ذلك لأن هذه القضايا تثير عاطفة المرأة، ولا تقوى على تحملها.
ب - شهادة المبايعة والمداينة وهي التي يُطلب فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين بناء على قوله تعالى: (يٰأَيُّهَا الذين آمنوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فأكتبوه وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بالعدل وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ألله فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الذي عَلَيْهِ الحق وَلْيَتَّقِ ألله رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الذي عَلَيْهِ الحق سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالعدل واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهداء أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى... الآية ) ( البقرة: 282)
قال الشيخ الشعراوي: ولماذا قال الحق: " شهيدين " ولم يقل " شاهدان "؟ لأن مطلق شاهد قد يكون زوراً، لذلك جاء الحق بصيغة المبالغة. كأنه شاهد عرفه الناس بعدالة الشهادة حتى صار شهيداً. إنه إنسان تكررت منه الشهادة العادلة واستأمنه الناس على ذلك، وهذا دليل على أنه شهيد. وإن لم يكن هناك شهيدان من الرجال فالحق يحدد لنا { فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهداء } [البقرة: 282]. إن الحق سبحانه وتعالى قد طلب منا على قدر طاقتنا أي من نرضى نحن عنهم، وعلل الحق مجيء المرأتين في مقابل رجل بما يلي: { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى } [البقرة: 282] لأن الشهادة هي احتكاك بمجتمع لتشهد فيه وتعرف ما يحدث. والمرأة بعيدة عن كل ذلك غالباً. أن الأصل في المرأة ألا علاقة لها بمثل هذه الأعمال، وليس لها شأن بهذه العمليات، فإذا ما اضطرت الأمور إلى شهادة المرأة فلتكن الشهادة لرجل وامرأتين لأن الأصل في فكر المرأة أنه غير مشغول بالمجتمع الاقتصادي الذي يحيط بها، فقد تضل أو تنسى إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، وتتدارس كلتاهما هذا الموقف، لأنه ليس من واجب المرأة الاحتكاك بجمهرة الناس وبخاصة ما يتصل بالأعمال.
ت - شهادة اللِّعان: - وتتساوى فيها شهادة الرجل وشهادة المرأة، وهي الحالة التي يحصل فيها اتهام بالخيانة الزوجية، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)) ( النور: 6-9). قال ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: ( وعين له في الدعاء خصوص اللعنة ; لأنه إن كان كاذبا فقد عرض بامرأته للعنة الناس ونبذ الأزواج إياها، فناسب أن يكون جزاؤه اللعنة.واللعنة واللعن: الإبعاد بتحقير. وعين لها في الخامسة الدعاء بغضب الله عليها إن صدق زوجها ; لأنها أغضبت زوجها بفعلها، فناسب أن يكون جزاؤها على ذلك غضب ربها عليها كما أغضبت بعلها)
ث - شهادة الولادة، وإحقاق النسب للمولود، والرضاعة: - وهي شهادات تنفرد فيها المرأة دون الرجل، كما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد روي عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب. فجاءت امرأة وقالت: "لقد أرضعتكما " فسأل عقبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كيف وقد قيل ؟ ففارقها عقبة، فنكحت زوجاً غيره ".
يتبين لنا مما سبق أن وجوب وجود امرأتين في الشهادة مع رجل واحد، هو أمر خاص في المداينة والمعاملات المادية فقط دون سائر أنواع الشهادات، مما ينفي وجود تمييز في الحقوق بين الرجل والمرأة، ومما ينفي المساس بكرامة المرأة، بل جُلَّ ما في الأمر أن الدين الحنيف يهدف إلى توفير الضمانات في الشهادة، وزيادة الاستيثاق لإيصال الحق إلى أصحابه. فالموقف هنا موقف احتياط ومبالغة في الضمان... فالشهادة لا تتخذ من الذّكورة والأنوثة معياراً لها، بل تعتمد على البينة، أما الإشهاد الذي تقصده الآية القرآنية (.. واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهداء أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى... الآية ) ( البقرة: 282) فهو خاص بالمعاملات المالية، وهذا الأمر يحتاج من الشاهد أن يكون مختلطا بالمجتمع، والمرأة في الغالب ليس لها علاقة بمثل هذه المعاملات، لذلك فهي معرضة للنسيان لعدم انشغال ذهنها بها، وانصراف اهتمامها إلى تدبير شئون بيتها، وقد جعل الإسلام شهادة المرأتين تقوم مقام شهادة رجل واحد في مثل هذه القضايا من باب التخفيف على المرأة لا من باب الانتقاص من قدرها..
2 --- مسألة الحجاب:
لا يفتأ العلمانيُّون يرسِّخون في أذهان الناس أنَّ الفكر العلماني هو الفكر المتقدم والمتنامي، المواكب للحضارة، والساعي للرُّقي والنماء والنهضة ! وليس من شكٍّ أنَّ الدعاوى ما لم تقم عليها الدلائل والحجج لتثبتها، تكون أقوالاً هُلاميَّة كالسراب يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً !
والدعاوى مالم يُقيموا عليها....... بيناتٍ أصحابُها أدعياءُ..
إن العلمانيين يرون في انتشار ظاهرة الحجاب هزيمة لهم وإفشال لمخطط استهدافهم للمرأة المسلمة الذي حرصوا عليه من البداية.
ويقول العلمانيون المعارضون للحجاب أيضًا: إن الحجاب كان من عادات العرب في الجاهلية؛ لأنَّ العرب طُبِعوا على حماية الشّرف، ووأدوا البنات خوفًا من العار، فألزموا النساء بالحجاب تعصبًا لعاداتهم القبلية التي جاء الإسلام بذمِّها وإبطالها، فالالتزام بالحجاب رجعية وتخلُّف عن ركب الحضارة والتقدم... وإذا كانت النساء المسلمات راضياتٍ بلباسهن، فما الذي يضير العلمانيين في ذلك؟! وإذا كنَّ يلبسن الحجاب ولا يتأفَّفن منه فما الذي حشر العلمانيين في قضية فردية شخصية كهذه؟! ومن العجب أن تسمع منهم الدعوةَ إلى الحرية الشخصية وتقديسها، فلا يجوز أن يمسَّها أحد، ثم هم يتدخَّلون في حرية غيرهم في ارتداء ما شاء من الثياب... ألا يدل ذلك على كذبهم ونفاقهم ؟!! ثم إنَّ التخلف له أسبابه، والتقدم له أسبابه، وإقحام شريعة الستر والأخلاق في هذا الأمر خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على متخلّف عن مستوى الفكر والنظر، ومنذ متى كان التقدُّم والحضارة متعلقينِ بلباس الإنسان؟!
إنَّ الحضارة والتقدم والتطور كان نتيجة أبحاث توصَّل إليها الإنسان بعقله وإعمال فكره، ولم تكن بثوبه ومظهره. ومن أسباب الرفض العلماني للحجاب، أنه إهانة للمرأة وحجاب للعقل، ونسوا أننا أمة فيها عشرات الملايين من الرجال (غير المحجبين) ومع ذلك فهم معدومي القيمة بين الأمم، فلا الحجاب إهانة للمرأة، ولا عدم ارتداء الحجاب دليل على أن هناك حرية وعقل...
وحجج العلمانيين في هذا الصدد كثيرة، ولكنها واهية وغير منطقية وغير عقلانية، ويمكن تفنيدها بسهولة، وهي حجج تنطلق أساسًا من قاعدة الفكر العلماني الرافض للدين، وللأسس والقواعد التي يقوم عليها الدين الإسلامي.... إن كثيرًا من المفكرين العرب ينكرون الحجاب كفريضة إسلامية من منطلق علمانيتهم، والذين يعيشون هذا الهاجس أصبح لديهم عقدة متأصلة ومتشعبة ضد الإسلام، على كافة المستويات الفكرية والثقافية والاجتماعية وحتى السياسية والاقتصادية، لدرجة أنهم يؤيدون ما يفعله علمانيو الغرب ضد المحجبات المسلمات هناك، رغم أن الأمر في هذه الحالة إنما هو مسألة حرية شخصية في اختيار الزي، لا أكثر ولا أقل.
ويعبر الشاعر العلوي( النصيري ) العلماني أدونيس عن رأيه بمنتهى الصراحة - كبقية القطيع – فقال: ( أنا ضد الحجاب؛ لأن إنسانية الإنسان هي أن يُمَزَّق الحجاب )...وهذا رأي مبني على ثقافة مريضة ومتطرفة، وغير عقلانية، وغير رشيدة، فهو الذي عليه أن يمزِّق حجاب الأنانية، وحجاب الحقد وحجاب العداء للإسلام. وما يقوله أدونيس وأمثاله إنما هو ضد العلمانية، ولو فهموا العلمانية حقًّا لكان عليهم أن يحترموا حرية المرأة المحجبة، وإرادتها في التعبير عن نفسها وعن هويتها.؟ ,ومنذ أيام استقبل في أحد المطارات الخليجية بحفاوة بالغة، وصرح بالتصريح التالي في مهد الإسلام دون أن يرمش له جفن: ( يحب أن يتحول الإسلام إلى دين فردي، لا دين جماعي، أودين دولة، دون ذلك يستحيل التقدم، الإسلام اليوم لا عقل فيه، الإسلام بلا ثقافة، والالحاد خطوة أساسية في التحول الاجتماعي والثقافي والإنساني.؟؟؟) ولم يجد من ينجس حذاءه بوجهه، ووجه من استقبله ؟؟!!
3 - المرأة ناقصة عقل ودين !؟
يحاول أعداء الإسلام ومن لف لفهم قديما وحديثا الطعن على الإسلام من خلال نصوص يحاولون طيّ أعناقها وليّ زمامها , وإفراغها من محتواها , بل ويتعاملون مع هذه النصوص بمنطق ( ولا تقربوا الصلاة ) ولا يكملون الآية حتى يستقيم المعنى وتتضح الصورة. مستغلين في ذلك ذيوع الجهل بالشريعة الذي استشرى في الأُمَّة..
ومن مزاعمهم: أن الإسلام قد أهان المرأة وحقر من شأنها, مستشهدين في ذلك بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - (النساء ناقصات عقل ودين..) فيقفون عند هذه الجملة من الحديث ولا يكملون الحديث إلى نهايته، ولو أنهم أكملوه لاتضح لهم المعنى، ولاستقام لهم الفهم.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ. قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى أَضْحًى , أَوْ فِطْرٍ , إِلَىَ الْمُصَلَّى , فصلى ثُمَّ انْصَرَفَ , فقام فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ. فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ , تَصَدَّقُوا , ثم انصرف فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ , تَصَدَّقْنَ، فإني أراَكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ , وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ. فقلن له: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن بلى. قال: فذاك نقصان عقلها , أو ليست إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم ؟ قلن بلى. قال: فذاك من نقصان دينها...الحديث ). أخرجه البُخَارِي 1/83( رقم: 304)
وقدد سئل فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله عن معنى أن النساء ناقصات عقل ودين.؟ فقال - رحمه الله -: ما هو العقل أولاً ؟.
العقل من العقال، بمعنى أن تمسك الشيء وتربطه، فلا تعمل كل ما تريد. فالعقل يعني أن تمنع نوازعك من الانفلات، ولا تعمل إلا المطلوب فقط.
إذن فالعقل جاء لعرض الآراء، واختيار الرأي الأفضل. والمرأة تتميز بالعاطفة، وهذا يفسد الرأي ولأن عاطفة المرأة أقوى، فإنها تحكم على الأشياء متأثرة بعاطفتها الطبيعية، وبذلك فالنساء ناقصات عقل، لأن عاطفتهن أزيد، فنحن نجد الأب عندما يقسو على الولد ليحمله على منهج تربوي، فإن الأم تهرع لتمنعه بحكم طبيعتها. وأكبر دليل على عاطفة الأم تحملها لمتاعب الحمل والولادة والسهر على رعاية طفلها، ولا يمكن لرجل أن يتحمل ما تتحمله الأم، ونحن جميعاً نشهد بذلك. أما ناقصات دين: فمعنى ذلك أنها تعفى من أشياء لا يعفى منها الرجل أبداً
فالرجل لا يعفى من الصلاة، وهي تعفى منها في فترات شهرية.. والرجل لا يعفى من الصيام بينما هي تعفى كذلك عدة أيام في الشهر. وهذا تقدير من الله سبحانه وتعالى لمهمتها وطبيعتها. وليس لنقص فيها
وكلمة ( ناقصات عقل ودين ) إنَّما جاءت مرة واحدة، وفي مجال إثارة الانتباه والتمهيد اللطيف لعظة خاصة بالنساء، ولم تجئ قطُّ مستقلة بصيغة تقريرية، سواء أمام النساء أم أمام الرجال..
"ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء، ونقص دينها في كل شيء، وإنَّما بيَّن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ نقصان دينها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس.
وقد أثبت التاريخ أنَّ بعض الإناث قد فُقن الذكور أحيانًا في القدرات العقلية.... وقَبِل علماء الحديث رواية المرأة، فلا فرقَ في رواية الحديث بين رجل وامرأة طالما كانت عدلاً، فها هي أم المؤمنين عائشة سادت النساء والرِّجال بكثرة روايتها عن رسول الله، وبغزارة عِلْمها؛ "قال الحافظ الذهبي: لم يؤثر عن امرأة أنَّها كذبت في حديث، وقال الشوكاني: لم ينقل عن أحد من العلماء أنَّه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سُنَّة قد تلقتها الأُمَّة بالقبول من امرأة واحدة من الصَّحابة !
فالحديث لا يعدوا كونه توصيفا لطبيعة المرأة فهو يمدحها برقة العاطفة وفيضان المشاعر..
بل نقل القرآنُ عن النساء ما يُفيد رجاحة عقلهن؛ كقوله - تعالى - عن ابنة شُعيب وهي تُحدِّث أباها عن موسى - عليه السَّلام -: ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) [القصص: 26]، وهي لم ترَ موسى من قبلُ، فدل ذلك على رجاحة عقلها وصدق فراستها.
ومن ذلك رجاحة عقل أم سلمة - رضي الله عنها - ففي صلح الحديبية "لما فَرَغَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – من عقد المعاهدة مع قريش، قال للمسلمين: (قوموا، فانحروا، ثم احلقوا) وقالها ثلاثًا، فلم يقُم أحد، فغضب الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ودخل على أم سلمة - رضي الله عنها -، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا رسول الله، أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدًا كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ، وتدعو حالقك فيحلق لك، فقام الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وخرج فلم يكلم أحدًا حتى نحر بدنه، ودعا حالقه فحلق له، فلمَّا رأى الناسُ ذلك قاموا فنحروا إبلهم، وجعل بعضهم يحلق لبعض، حتى كاد بعضُهم يقتل بعضًا غمًّا".. [رواه البخاري، (2731)].
والتاريخ يزخر بنُسوة اشتهر عنهن رجاحة العقل والحكمة والفهم والعلم.. وغير هؤلاء الكثير ممن كانت لهن صفحات مُضيئة في تاريخ الإسلام، واشتهرن برجاحة العقل والفهم العميق؛ مِمَّا يشهد لما تقدم من استبعاد احتمال أن يكون مقصد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يكون نقصان عقل المرأة هو نقص في القدرات العقلية بوجهٍ عام، أو أنها فاقدة الأهلية من الناحية العقلية...
فقد كرمها الإسلام، وأكَّد إنسانيَّتها، وأهليتها للتكليف، والمسؤولية والجزاء ودخول الجنة، واعتبرها إنسانًا كريمًا له كل ما للرجل من حقوق إنسانية؛ فهن شقائق الرجال، وفرعان من شجرة واحدة، وأخوان ولدهما أب واحد هو آدم، وأم واحدة هي حواء.. فهما متساويان في أصل النشأة، ومتساويان في الخصائص الإنسانية العامة، ومتساويان في التكاليف والمسؤولية، ومتساويان في الجزاء والمصير...
4- حد السرقة:
السرقة في اللغة: أخذ المال على وجه الخفاء.. وقد اتفق الفقهاء المسلمون على أنها: هي أخذ مال منقول، مُتَقَوَّم، مملوك للغير، خفية من حِرزِهِ، ويبلغ نصابا..
كما أجمع فقهاء الشريعة الاسلامية على أن عقوبة السارق هي قطع اليد اليمنى من مفصل الكف. ( المغني: 9: 97 ) ويستدلون لذلك بقوله تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ) ( المائدة: 38 ) روى مسلم ( رقم: 1316) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا ".
وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها – أيضاً -: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟! )، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: ( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688).
ويرى مدعو حقوق الانسان أنها لا تتفق مع ما وصلت إليه الانسانية والمدنية في عصرنا الحاضر كما أنها تعد عقوبة موسومة بالقسوة، إذ تذهب معظم النظم المعاصرة إلى معاقبة السارق بالسجن أو الغرامة، أو السجن مع الأشغال الشاقة.
ومن المعلوم أن عقوبة الحبس أخفقت في محاربة الجريمة على العموم والسرقة على وجه الخصوص.. والعلة في ذلك أن عقوبة الحبس لا تخلق في نفس السارق العوامل النفسية التي تصرفه عن جريمة السرقة. لأن عقوبة الحبس لا تحول بين السارق والكسب عن طريق العمل أو السرقة إلا مدة الحبس،بل قد يتعلم في السجن مهارات لم يكن يعرفها، فيخرج لصا محترفا ؟! فإذا خرج من محبسه استطاع أن يعمل ويكسب عن طريق الحلال والحرام على السواء، واستطاع أن يخدع الناس وأن يظهر أمامهم بمظهر الشريف، فيأمنوا جانبه، ويتعاونوا معه. أما العقوبة في التشريع الاسلامي فإنها تعمل على خلق العوامل النفسية في نفس السارق التي تصرفه عن جريمة السرقة، وذلك أن السارق حينما يفكر في السرقة إنما يفكر في أن يزيد كسبه من كسب غيره، وهو لا يكتفي بثمرة عمله، فيطمع في ثمرة عمل غيره، فالدافع الذي يدفع إلى السرقة ويرجع إلى هذه الاعتبارات هو زيادة الكسب أو زيادة الثراء، وقد حاربت الشريعة هذا الدافع في نفس الانسان بتقرير عقوبة القطع، لأن عقوبة قطع اليد يؤدي إلى نقص الكسب، إذ تعد اليد أهم وسيلة للكسب، ونقص الكسب يؤدي إلى نقص الثراء.. وهذا يؤدي إلى نقص القدرة على الإنفاق وعلى الظهور، ويدعو إلى شدة الكدح وكثرة العمل، والتخوف الشديد على المستقبل، فالشريعة الاسلامية بتقريرها عقوبة القطع دفعت العوامل النفسية التي تدعو لارتكاب الجريمة بعوامل نفسية مضادة تصرف عن جريمة السرقة،، فإذا تغلبت العوامل النفسية الداعية وارتكب الانسان الجريمة مرة أخرى.. كان في العقوبة والمرارة التي تصيبه منها ما يغلب العوامل النفسية الصارفة، فلا يعود للجريمة مرة أخرى.( عبد القادر عودة: التشريع الجنائي الاسلامي، 1: 652 ). كما أنها قد تكون رادعا لغيره فتقل السرقات أو تختفي، وذلك بأن الحدود زاجر، فلا يجرؤ أحد على الحصول على أموال الناس من غير وجه مشروع..
والسرقة من شروطها أن تكون خفية، وتَخَفِّي السارق من شأنه أن يجعله بعيدا عن عن العيون وعن المراقبة، ويصعب الانتباه له، والتصدي له، بخلاف المنتهب، والغاصب، والمختلس !
وطبيعة عمل السارق تجعله بعيد المنال لا تكاد تطوله يد المجتمع ! ومن هنا تضمن حد السرقة وسْمَهُ بعلامة بيِّنة، لا يملك معها حيلة في الإخفاء أو التمويه. إنها بمثابة تحذير بأنه سارق، مع فارق أن الصورة والاسم قد ينساهما الناس، أما اليد المقطوعة، ومن موضع محدد، وبطريقة معينة، فهي علامة دائمة تلازم صاحبها، وتدمغه بالعار، وتفضحه أمام الأعين، وتنبه له الغافل، ولا يملك دفع عارها إلا أن يتوب. وشأن السارق أن يتعرض لمقاومة متى أحس الناس به، وسوف يحاول الإفلات مستخدما كل وسيلة تمكنة من ذلك، ولو أنه أيقن مسبقا أنه لن يستطيع الإفلات متى تنبه له أحد ما أقدم على السرقة !
وقطع يده اليمنى تعطيل لأداة رئيسية من أدوات الجريمة، وفقد اليد اليمنى هو في الحقيقة تجريد من سلاح العدوان والمقاومة، إذا انضاف إليه ما يُحدث قطعها من تنبيه وتحذير، فقد عدت معاودة السرقة من المقطوع شبه مستحيلة.. لا سبيل أمام سارق قطع إلا أن يتوب. ( فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ) ( المائدة: 29).
كم عدد أجهزة الرقابة على الأموال العامة، وكم عدد العاملين بها، وكم تتكلف الدولة التي يعملون لحسابها أجورا لهم ونفقات عليهم.. ؟! ومن الواضح أنها تتزايد في عصرنا، لأن الدولة في العصر الحديث تتدخل في النشاط الاقتصادي للمجتمع بصورة أو أخرى، لا يشذ عن ذلك نظام شرقي أو غربي.. لذلك تجد في بلد واحد جهازا للمحاسبات، وآخر للرقابة على المال العام، ونيابة إدارية، ورقابة إدارية، وآخر للكسب غير المشروع، وإذا سألنا عن سر وجود هذه الأجهزة جميعها، وجدنا أنها كلها بديل من جهاز الاسلام لحماية المال خاصا كان أو عاما، ونعني به حد السرقة.
إن قطع يد واحدة بحقها من هؤلاء الذين تقوم هذه الأجهزة لمراقبتهم، وقلما تفلح في إثبات شيء عليهم، كفيل بأن يختصر من حجم جرائمهم، واختصار حجم الجريمة يعني في الوقت نفسه اختصار حجم هذه الأجهزة التي تزداد تضخما ويزداد أثرها ضعفا.
إن جرائم الاختلاس، والرشاوى، واستغلال النفوذ، والكسب غير المشروع، تجد طريقا للاختفاء فور تطبيق حد السرقة، تقطع فيه يد آثمة، ولا يستطيع أن يعوضها مال اختلس، أو كسب غير حلال.. أما عقوبات المال في المجتمعات ذات القوانين الوضعية، فهي من اليسر بحيث لا تحقق ردعا، لأن آثارها جميعها يمكن تعويضها بمزيد من الجريمة، مع تحفُّظ أكثر، واحتياط أشد. واحتيال على القانون بفتح الثغرات أو الالتفاف عليها بالشفاعات والرشاوى وما إليها.. إن جميع المغامرين في جرائم المال سيكفون فورا متى رأوا يداً واحدة قد قُطعت، وفقدت صاحبها إلى الأبد، وبقي له وصْمَتُها الفاضحة وذكراها المؤلمة ! وما عدا ذلك فهو مما يهون ويُنسى... ترى هل يتنبه الناس إلى مثل هذه المعاني ليدركوا معنى تطبيق الحدود، وكيف أن إقامة حد بأرض خير لأهله من مطر أربعين صباحا. كما ورد في الحديث..
وهكذا سنجد أن هذه الشبهات يتناولها - من لا يفقه الشرع، ولا يلم بتفاصيله - ونظر لها من زاوية واحدة من القضية مُغفِلًا بقية الزوايا، والتي بها تتكامل الرؤية وتتضح... تماما كما زعم د. محمد عابد الجابري وغيره من العلمانيين ( بلا استثناء إذ كلهم تقريبا تحدث في هذه الشبهات وبين جهله أمثال: محمد شحرور، وطيب تيزيني، وصادق جلال العظم السوريين، وأركون وسيد يسن الجزائريان، ونصر حامد أبو زيد، وسيد القمني، والعشماوي، وحسن حنفي من المصريين، ومحمد عابد الجابري المغربي، وهشام جعيط، ويوسف الصديق، وعبد الحميد الشرفي من تونس.. وشاكر النابلسي من فلسطين ؟؟ !! وبعض ذيول الذيول الذين يتساءلون هل الاصلاح ممكن في العالم الاسلامي ؟؟ )، إلا أنه – أي الجابري - يتميز عنهم بأنه يجيد فَنَّ " المُراوغة " في التنصل من أحكام الإسلام، ونقدها، فيتظاهر بتقدير النص الشرعي، والأحكام المستنبطة منه، ثم يتنصل من ذلك، بأن يجعل ما يراه عقله من " مصالح " هو الأصل الذي ينبغي أن تُحاكم إليه النصوص الشرعية، ولو كانت آيات محكمة من القرآن !! وبهذا يضمن الوصول لمبتغاه دون إثارة المسلمين.
5 - ميراث المرأة في نظر الجابري:
وإليك مثالاً لهذه الطريقة الماكرة، التي اتبعها الجابري للتنصل مما يراه متعارضًا مع " المساواة في الميراث " في زعمه، ثم قس عليه الأمثلة الأخرى لكل حكم شرعي لا يوافق أهواء الجابري ؛ لتعلم طريقته المُراوِغَة، وأن التظاهر بالتقديس للنص الشرعي، مجرد " جواز مرور " لتسهيل مهمة الهدم دون ضجيج.. والإسلام جعل نصيب الأنثى نصف نصيب الذَّكر في الإرث، وهذا حكم ثابت بنص القرآن – لبعض الحالات كما هو معلوم -، فماذا فعل الجابري ليتخلص من هذا الحكم الذي يسبب له حرجًا أمام "أساتذته في الغرب "... قال: " لنأخذ مثلا نصيب البنت من الإرث في الإسلام، وهو الثلث، كما يتبين من قوله تعالى: ( للذكر مثل حظ الأنثيين )، كيف نقرأ هذا الحكم قراءة تجعله معاصرًا لنفسه، ومعاصرًا لنا في نفس الوقت ؟
والقرآن لا يبين الاعتبارات التي تبرر هذا التمييز، وإذن فلابد من إعمال العقل بالرجوع إلى المقاصد، وأسباب النزول، ومعهود العرب. والواقع أن المجتمع العربي في الجاهلية وزمن النبوة كان مجتمعاً قبلياً رعوياً، والعلاقة بين القبائل الرعوية هي علاقة نزاع حول المراعي. والزواج في مثل هذا المجتمع إذا تم بتزويج البنت لشخص من غير قبيلتها، كان يثير مشاكل تتعلق بالإرث في حال وفاة أبيها. ذلك أنه إذا كان لها أن تأخذ نصيباً مما ترك، ماشية كان، أو مجرد الحق في المرعى المشترك، فإن هذا النصيب سيؤول إلى قبيلة زوجها على حساب قبيلة أبيها، مما قد يتسبب في منازعات وحروب. ومن أجل تلافي مثل هذه النزاعات عمدت بعض القبائل في الجاهلية إلى عدم توريث البنت بالمرة، بينما منحتها قبائل أخرى الثلث أو أقل..؟! وإذا أضفنا إلى ذلك محدودية المال المتداول في المجتمع القبلي، سَهُلَ علينا إدراك كيف أن توريث البنت قد يؤدي إلى الإخلال بالتوازن الاقتصادي بين القبائل، خصوصاً مع تعدد الزوجات، وكان معمولاً به بكثرة... ولاشك أن الإسلام قد راعى هذه الوضعية ونظر إلى وجه المصلحة، وهو تجنب النزاع والفتنة، فقرر نوعاً من الحل الوسط يناسب المرحلة الجديدة التي دشنها قيام الدولة المحمدية في المدينة، فجعل نصيب البنت نصف نصيب الولد، وجعل نفقة المرأة على الرجل " زوجةً كانت أو أُمًّا ". أما اليوم..!! وقد قَلَّ تعدد الزوجات، وصارت علاقات المصاهرة تبتعد أكثر فأكثر عن الاعتبارات القبلية خصوصاً في المدن، وأكثر من ذلك أصبحت المرأة تشتغل، وتكسب مالاً، وتشارك في النفقة على البيت والأولاد.... الخ، وبالتالي خَفَّ المانع الذي كان يبرر عدم إعمال القاعدة الكلية، أعني المساواة بين المرأة والرجل، فإن الجزئي في هذه الحالة، لا أقول يجب أن يُعَطَّل، بل أقول يجب أن يُنظر إليه كاستثناء يُعمل به في أحوال، ويُعلق في أحوال ؛ لأن مجتمعاتنا تجتاز في الوقت الراهن مرحلة تَحَوُّل: يتعايش فيها الجديد مع القديم، وضعية المدينة مع وضعية البادية والأرياف.(الجابري: التراث والحداثة ": 54 – 56 ) أما حجة الجابري بأن المرأة تعمل وتنفق على بيتها كالزوج وتشاركه في الأعباء فلهذا انتفى الحكم التاريخي لهذه الآية، هذا القول مرفوض شرعاً حتى لو اتفق الزوجين على كتابة شرط عمل المرأة في العقد صح العقد ( أي عقد الزواج ) وبطل الشرط ... فالإسلام حين وضع تشريعاته بوجوب النفقة على الرجل لا المرأة، وضع ضوابط تضمن تنفيذ ذلك، بل وضع الإسلام ما هو أكبر من ذلك، فقد نظم الإسلام باب النفقة على الرجل على كل من يلزمه نفقته، حتى ينتهي إلى النفقة على الحيوان في بيته، فنجد قول الفقهاء: (من ملك بهيمة، لزمه القيام بعلفها، ولا يجوز أن يحمل عليها ما لا تطيق، لأنه إضرار بها، فمنع منه، كترك الإنفاق. ولا يحلب منها، إلا ما فضل عن ولدها، لأنه غذاء للولد، فلم يملك منعه منه. فإن امتنع من الإنفاق عليها، أجبر على بيعها، فإن أبى اكتريت، وأنفق عليها، فإن أمكن وإلا بيعت)، وكل هذه الإجراءات عند إخلال صاحب الحيوان بها، يقوم القاضي عندئذ بإجباره، بل أمر الإسلام جيران من لا ينفق على الحيوانات التي في بيته، أن يقوم بإبلاغ ذلك للقاضي، فهذا عن حق الحيوان في النفقة، فما بالنا بالوسائل التي وضعها الإسلام لإجبار الرجل على الإنفاق على المرأة وهو حقها المشروع، فادعاء أن الزمن تغير والناس لا تعطي البنات حقها، ولا تنفق عليهن، فهو كلام ينتج عن مخالفة الشرع، وليس عن الالتزام به. والتشريع الإسلامي وضعه رب العالمين الذي خلق الرجل والمرأة، وهو العليم الخبير بما يصلح شأنهم من تشريعات، وليس لله مصلحة في تمييز الرجل على المرأة، أو المرأة على الرجل.والإسلام هو الرسالة الخاتمة، والشريعة الربانيـة الشاملة لجوانب الحياة، ومن جوانب هذا الشمول نظام الميراث الذي يُحَدَدُ فيه الورثة، ويحدد فيه نصيب كل منهم، لذا فإن الأنثى التي تمثل نصف المجتمع وهي الأم، والزوجة، والبنت، والأخت، قد أخذت حقها من الميراث في مواقعها المختلفة، أُمّاً أو بنتا أو زوجة أو أختا أو جدةً، وهناك أحوال عديدة تتساوى فيها المرأة مع الرجل في الميراث لا سيما إذا كانـت درجة الصلة بالميت واحدة، كما أن هناك حالات تتساوى فيها المرأة مع الرجل مع اختلاف درجة القرابة.. وفي حالات أخرى نجد أن نصيب الأنثى يفوق نصيب الذكر بل نجدها في حالات ترث، والذكر لا يرث..ومع ذلك لا يتركز الهجوم إلا على نصيب الأنثى في الاسلام.. ففي اليهودية مثلا الأنثى مظلومة، ومن جوانب ظلمهما ما يأتي: 1- نصت التوراة عندهم على أن الميراث يكون لمرتبة واحدة، ولا ينتقـل إلى المرتبة التالية إلا إذا انعدمت المرتبة التي قبلها ومن ذلك: ( وأوصي بني إسرائيل أن أي رجل يموت من غير أن يخلف أبناء تنقلون ملكه إلى ابنته، وإن لم تكن له ابنه تعطون ملكها لإخوته، وإن لم يكن له إخوة تعطون ملكه لأعمامه، وإن لم يكن له فأعطوا ملكه لأقرب أقربائه من عشيرته فيرثه، ولتكن هذه فريضة قضاء بني إسرائيل كما أمر الرب موسى ) ( التوراة، سفر التثنية، (15-21) فالبنت لا ترث إذا كان هنالك ابن، وهذا ظلم واضح للبنات، كما أنه ظلم لجميع النساء سواها، فإذا وجد الابن لا ترث البنت،ولا الأم، ولا الزوجة، ولا الأخوات من أي جهة كُنَّ.
2 - لا ترث البنت إذا تزوجت من خارج سبط أبيهـا، حتى لا تنتقل تركة الآباء وأملاكهم إلى غير أقاربهم، ففي سفر العدد (..... ليتزوجن من حَسُنَ في أعينهن من سبط آبائهن فلا يتحول ميراث بني إسرائيل من سبط إلى آخر ) ( التوراة، سفر العدد، 2-13).وإذا حرمت البنت حرم من سواها من الإناث...كما أنه ظلم للجدات، وللأخوات، وللزوجة، حيث إنهن لا يرثن بوجود الابن، أو البنت، أو وجود الأقارب من الذكور.
3 - إذا مات الزوج فلا ميراث للزوجة، وإذا ماتت الزوجة فكل ما تملكه لزوجها وحده لا يشاركه في تركتها أحد من أقاربها ولا أولادها، وقد نصت المادة 337 من الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية للإسرائيليين لمسعود شمعون على أن: "كل ما تملكـه الزوجة يؤول بوفاتها ميراثاً شرعياً إلى زوجها وحده، لا يشاركه فيه أقاربها ولا أولادها سواءً أكانـوا منه أم من رجل آخر"، وهذا ظلم واضح للزوجة؛ كما أن هذا التشريع ظَلَمَ غير الزوجة من النساء؛ إذ انفرد الزوج بالميراث وحرمت البنت، والأم، والأخت.
4 - أولاد الأخت يتقدمون على الأخـت فيرثون ولا ترث، وهذا ظلم واضح للمرأة إذ أن ابن الأخت يحجب الأخت مع أنها أقرب إلى الميت منه، بل هي وساطته إلى الميت.
وإذا أخذنا القانون الفرنسي كأنموذج لأنظمة الميراث الغربية وهو يمثل أشهر الأنظمة الغربية في العصر الحديث، نجد أنه قد ظلم المرأة في جوانب عديدة: فلم يورث الأم في حالة وجود الأولاد أو أولادهم ذكوراً وإناثا، ولم يورث الجدات. وجعل التوريث على درجات، فكل درجة تحجب التي بعدهـا، وفي هذا حصر للميراث في درجة واحدة وحجب لبقية الورثة، فإذا ورثت البنت لم ترث الأم ولا الأخوات من أي جهة كُنّْ. كما ساوى القانون الفرنسي بين الذكـور والإناث في الدرجة الواحـدة، كالأبناء والبنات والإخوة والأخوات والأب والأم، وهذا فيه هضم لجانب الذكر، إذ إنَّ الأعباء التي يتحملها الذكر أكثر. وَوَرَّثوا الأولاد ولو كانـوا من زنـا، وهذا هضم لحقوق الأقارب الحقيقيين، فالابن من الزنا يمنع الأبوين والإخوة والأخوات وسائر الأقارب من الميراث. ولا يرث الزوج ولا الزوجة إلا إذا لم يوجد أحد من الورثة السابقين، وهذا يجعل الزوجين لا يرثان إلا في حالات نادرة جداً. ومع ذلك غض الجابري وبقية جوقة العلمانيين والحداثيين أعينهم عن الظلم الواقع على المرأة في شتى القوانين والأديان غير الاسلام، وأثاروا الشبهات فقط حول أهلية المرأة في الاسلام، واتخذوا من التمايز في الميراث بين الذكر والأنثى- في بعض الحالات - سبيلا إلى ذلك، فهم يعترضون ويجادلون في أمور لم يدرسوها أصلا، ويحاولون الظهور بمظهر المفكر المجدد المتنور، ثم أطلقوا حكمهم أن الاسلام ظلم المرأة في الميراث.. وعند سؤالهم من أين فهمتم ذلك..؟ يقولون من قوله تعالى: ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين..) ( النساء: 11 ).. وفي الحقيقة هم لا يفقهون أن توريث الأنثى على النصف من الرجل ليس موقفاً عاماً، ولا قاعدةً مطردة في توريث الإسلام لكل الذكور وكل الإناث. فالقرآن لم يقل: ( يوصيكم الله في الوارثين والوارثات للذكر مثل حظ الأنثيين )، إنما قال: ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين..)( النساء: 11 ) أي أن هذا التمايز ليس قاعدة مُطَّردة في كل حالات الميراث، وإنما هو في حالات خاصة، بل محدودة من بين حالات الميراث.. وهناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابلة أربع حالات فقط محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل. وباستقراء حالات ومسائل الميراث – كما جاءت في علم الفرائض (المواريث ) – نجد: أولا - أن هناك أربع حالات فقط ترث فيها الأنثى نصف الذكر: والحكمة في هذا التفاوت: هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى مع أولادهما، بينما الأنثـى الوارثة أخت الذكر، إعالتها مع أولادها فريضة على الذكر المقترن بها.. وهي غير مكلفة بأية نفقة، وتفصيل ذلك فيما يلي:
أ - الأبناء والبنات: إن صلة القرابة بالأب أو الأم واحدة في الأبناء والبنات، وليس هناك فرق بينهم إلا الذكورة أو الأنوثة، وكذلك أبناء الابن وبنات الابن وإن نزلوا، فلو ترك شخص ابناً و بنتاً فإن الابن يأخذ حصتيـن والبنت تأخذ حصة واحدة، فالابن سيتزوج، ويدفع مهراً ويؤسس بيتاً، ويُلزَم بالنفقة على نفسه وزوجته وأولاده، أما البنت فإنها إذا تزوجت سيُدفع لها مهر، ويؤسس لها بيت، ويُنفق عليها، وهي مكفولةٌ النفقة بنتاً وزوجةً وأماً، ولا يُلقى عليها من الأعباء ما يُلقى على الرجال من الجهاد والديات وغيرها، فظهرت الحكمة جلية في هذا التفريق.
ب - الآباء والأمهات: صلة الأب أو الأم بالميت واحدة، لكن الأب في حالات كثيرة تُلقى عليه أعباء مالية أكثر من الأم، وهذا يرجح جانبه، فيأخذ أكثر من الأم، مع أنه يمكن أن يكون نصيبه مساوياً لها في بعض الحالات وتتحدد حالات الأبوين في الصور التالية:
§ عند عدم الولد: فالأب إذا لم يكن للميت أبناء أو أبناء أبناء وإن نزلوا، فهو الأحق بأن يقوم مقامـه، فترث الأم الثلث ويرث الأب الباقي وهو ضعف نصيـب الأم؛ لأن الأب في هذه الحالـة أولى رجل ذكـر، وعليه أعباء الإنفاق المذكورة، فيـرجح بذلك على الأم.. قال تعالى: ]فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ[[11:النساء].
§ عند وجود الفرع الوارث المذكر: يكون نصيب الأب مساوياً لنصيب الأم، قال تعالى: ]وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ[[11: النساء] وهذه الحالة يكون الأب فيها مساوياً للأم في القرابة بالنسبة للميت، وجانب الرحمة والمواساة متحقق في الاثنين، ولا يترجح الأب عليها بأن يقوم مقام ابنه؛ لأن الميت له ابن هو الأحق بالقيام مقام أبيه، والابن مقبل على الحياة، والأب مدبر عنها، فحاجة الابن أكثر من حاجة الأب.
§ عند وجود الفرع الوارث المؤنث: إذا وجد للميت فرع وارث مؤنث، يكون لكل واحد من أبويه السدس، لكن الأب لأنه أولى رجل ذكر في هذه الحالة يضاف له التعصيب. فقد يزيد عن الأم ليصل إلى الضعف، وقد لا يصل إلى ذلك، وقد يتساوى مع الأم، قال تعالى: ]وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ[[11: النساء] والحكمـة في ذلك أن الأب والأم يتساويان في هذه الحالة في القرابة والمواساة والرعاية، ورُجِّح جانب الأب؛ لأنه يخلف الميت ويقوم مقامه، وعليـه أعباء مالية زائدة عن الأم.
ت - الإخوة والأخـوات: الأخوة والأخوات لأبوين أو لأب يتساوون في القرابة والمواساة والدرجة والجهة، ولذا فإنهم يرثون الميت بالتعصيب، للذكر مثل حظ الأنثيين، إذا لم يكن هناك أب أو ابن أو ابن ابن وإن نزل، قال تعالى: ]وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ[[176: النساء] وفي هذه الحالة يتضح سبب كون ميراث الأخ الشقيق ضعف الأخت الشقيقة، وأن ميراث الأخ لأب ضعف الأخت لأب، حيث إن صلة القرابة بالميت واحدة، والرعاية والمواساة كذلك، لكن الذكر هنا ترجح جانبه بأن قام مقام أخيه، وخلفه، وأعباء الإنفاق والمتطلبات المالية جعلته يأخذ ضعف أخته، أما الأخ لأم فلأنه لا يخلف أخاه لأمه، حيث لا يرتبط به عن طريق الذكورة، فيستوي مع الأخت لأم، ولا يأخذ ضعفها، قال تعالى ) وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَـاء فِي الثُّلُثِ ) [12: النساء] فالتساوي حاصل بين الإخوة والأخوات لأم.
ث - الأزواج والزوجات: نصيب الزوج نصف ما تركته الزوجة إن لم يكن لها ولد، والربع إن كان لها ولد، أما الزوجة فنصيبها الربع إن لم يكن للزوج ولد، والثمن إن كان له ولد، قال تعالى: ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ. ( [12: النساء]، والحكمة في ذلك واضحة أن الزوجة إذا ماتت يتضرر الزوج، وهو بحاجة إلى زوجة أخرى، يدفع لها مهراً، ويتكلف بأعباء جديدة، أما الزوجة إذا مات زوجها فهي تتضرر لكنها إذا تزوجت يُدفع لها مهر، ويؤسس لها بيت، وإن لم تتزوج فهي مكفولة النفقة، فافترقا.
ثانيا - وهناك حالات ترث فيها الأنثى مثل الذكر تماما: - فإذا ترك الميت أولاداً وأباً وأماً، ورث كل من أبويه سدس التركة، دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم، وذلك عملاً بقوله تعالى: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما السُّدُسُ) [ النساء: 11]... وكذلك لو مات رجل وترك: أخا لأم، وأختا لأم، وعما، فترث الأخت مثل الأخ تماما، فللأخ والأخت الثلث يشتركان فيه بالسوية، لا فضل لأحدهما على الآخر، فنصيب الأخ لأم: سهم واحد، ونصيب الأخت لأم سهم واحد، ونصيب العم هو الباقي: أربعة أسهم. قال تعالى: ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث.)( النساء: 12 ).. وهناك حالة أخرى ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما: إذا مات وترك أبا وابنا: فيكون توزيعها كالتالي: نصيب الأب: السدس... ونصيب الأم: السدس ونصيب الابن: الباقي = 4أسداس. فانظر كيف أخذت المرأة مثل الرجل تماما في حالة وجود الابن.. قال تعالى: ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد.. ) ( النساء: 11) وهذا نص واضح يساوي بين الاخوة لأم والأخت لأم عند الانفراد، كما يساوى بينهم إذا اجتمعوا أو تعددوا؛ لأن الشركة تعني المساواة، فلا تنطبق عليهم قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين. ثالثا - هناك حالات ترث فيها الأنثى أكثر من الذكر..؟ كما لو مات الذكر وترك: بنتاً وأماً وأباً... فيكون نصيب البنت النصف لانفرادها ويساوي: 3 أسهم. ونصيب الأم: السدس لوجود الفرع الوارث، ويساوي: سهما واحدا. ونصيب الأب: السدس + الباقي لوجود الفرع الوارث الأنثى = 1+1 = 2 ( سهمان ).. فالبنت وهي أنثى أحذت أكثر من الأب وهو ذكر.
وكذلك لو ترك زوجة وبنتا وأخا... فيكون نصيب الزوجة: الثمن لوجود الفرع الوارث = 1 والبنت: النصف لانفرادها = 4. والأخ: الباقي تعصيبا = 3. فقد أخذت البنت وهي أنثى أكثر من الأخ وهو ذكر...؟... وإذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها، فإن ابنتها ترث النصف، ويرث والدها الذي هو زوج المتوفاة، الربع، أي إن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر... رابعا - وهناك حالات ترث فيها الأنثى ولا يرث نظيرها من الذكور: فإذا اجتمع الأخ لأب مع الأخت الشقيقة، فتحجب الأخ لأب، وابن الأخ الشقيق أو لأب، والعم، وابن العم، وغيرهم، وهذا احترام للمرأة وصيانة لحقها، ولن تجد مثل هذه الأصول والتطبيقـات في شريعة غير شريعة الإسلام... وهناك حالات كثيرة يكون نصيب المرأة فيها متقدماً على الرجل. تلك هي ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث في علم الفرائض ( المواريث )، حددتها فلسفة الإسلام في التوريث،والتي لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة،كما يحسب الكثير من الذين لا يعلمون.
ومما سلف يتبين لنا ما يلي:
1 ---حقوق الأنثى في الشريعة الاسلامية مصونة، لا يُنتقص منها، فتجري أحكام الميراث بين الذكر والأنثى بعدالة تامة، حيث تساوي الأنثى الذكر في أصل الميراث، فلا يرث الابن إلا وترث البنت، ولا يرث الأب إلا وترث الأم، ولا يرث الأخ إلا وترث الأخت وهكذا في سائر الورثة.
2 - أحكام الميراث تنطبق على الذكر والأنثى، فلا يرث الذكر إلا إذا تحققت فيه شروط الميراث وأسبابه وانتفت موانعه، كذلك الأنثى لا بد أن تتوافر فيها الشروط والأسباب وتنتفـي الموانعِ، ليتحقق لها الميراث، وكذلك سائر الأحكام تطبق على الطرفين في توازن دقيق وعدالة تامة.
3 - هناك حالات كثيرة يترجح فيها جانب الأنثى على الذكر، كأن ترث بالفرض، وهناك حالات يترجح فيها جانب وارث على آخر بسبب الأنثى، فيرث التعصيب أولى رجل ذكر، وقد يتساوى اثنان من العصبات في الدرجة والجهة، كالأخ الشقيق والأخ لأب، فيحجب الأخ الشقيق الأخ لأب، بسبب ارتباطه بالميت عن طريق الأم.
4 - قد تـرث الأنثى أكثر من الذكر في أحوال عديدة، وذلك إذا كانت صلة قرابتها بالميت أقوى منه كالبنت والأخ، والبنت والزوج، أو أكثر حاجة للمال منه كالبنت والأب. وإذا ورث الذكر أكثـر من الأنثى فـي بعض الأحوال فذلك لِحِكَمٍ وأسباب عديدة كأن يكون أكثر حاجة للمال منها، كالابن والأم، أو لأن أعباءه المالية أكثر، كالابن والبنت، فالابن مكلف بالإنفاق ودفع المهر وتأسيس البيت والغرامات والدِّيات، والبنت غير مكلفة بذلك