موقف علماء الحنفية من عقيدة الشيعة في القرآن الكريم ومصحف فاطمة
الكاتب : عبدالرحمن محمد شاه ..
موقف علماء الحنفية من عقيدة الرافضة في القرآن الكريم
وفيه تمهيد وثلاثة فصول:
تمهيد: مجمل اعتقاد أهل السنة في القرآن الكريم.
الفصل الأول: موقف علماء الحنفية من عقيدة الرافضة في نصوص القرآن الكريم.
الفصل الثاني: موقف علماء الحنفية من عقيدة الرافضة في معاني القرآن الكريم.
الفصل الثالث: مصحف فاطمة عند الرافضة وعقيدتهم فيه، وموقف علماء الحنفية منه.
تمهيد: مجمل اعتقاد أهل السنة في القرآن الكريم.
فإن القرآن الكريم هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم، وهو مصدر العز والكرامة والتمكين، وهو الهداية للبشرية جمعاء إنسهم وجنهم، كيف لا وهو كلام رب العالمين وخالق السماوات والأرضين، أنزله الله بواسطة أمين السماء إلى أمين الأرض، ووعد بالحفاظ عليه من كيد الكائدين وتحريف المحرفين وعبث العابثين، فقال أ: ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [الحجر: ٩] .
ولذا فإن المسلمين أولوه اهتمامهم البالغ وعنايتهم الفائقة وأنزلوه المنزلة اللائقة به بحيث لم يحظ أي كتاب سماوي بمثل ما حظي به القرآن الكريم.
وسأشير في هذا المقام باختصار إلى مجمل اعتقاد أهل السنة تجاه هذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
ويتجلى ذلك في النقاط التالية:
أولاً: معنى القرآن الكريم.
ثانياً: مكانة القرآن الكريم الجليلة ومنزلته العظيمة.
ثالثاً: إبراز نماذج من جهود المسلمين في خدمة هذا الكتاب العزيز.
وإلى بيان هذه النقاط بإيجاز:
أولاً: معنى القرآن لغة واصطلاحاً:
سبق وأن عرّفنا أن القرآن مشتق من القراءة أي مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا([1]) وهو بمعنى التلاوة والبيان، فهو متلو ومقروء على الألسنة.
وقيل إنه مصدر من القراءة، أو القرء بالهمز ودون الهمز(القري)، بمعنى الجمع، يقال: (قرأت الشيء قرآناً: جمعته وضممت بعضه إلى بعض...)([2]).
وسمي القرآن (قرآناً)؛ لأنه يجمع السور والآيات فيضم بعضها إلى بعضها، وقيل: لأنه جمع العلوم كلها من الأمر والنهي والوعد والوعيد، والقصص،وقيل لأنه جمع ثمرة الكتب المنزلة كلها([3]).
وتقدم أنه لا منافاة بين المعنيين؛ فإن القرآن الكريم كلام الله متلو ومقروء بالألسنة، ومضمومة آياته وسوره بعضها إلى بعض، وهو يحوي ثمرات الكتب السماوية المنزلة، كما أنه جامع للعلوم المتنوعة المختلفة([4]).
أما في الاصطلاح فتقدم أن عبارات أهل العلم في ذلك متنوعة من باب التنوع في العبارات والتفنّن في الدلالات، وملخصها: أن القرآن هو كتاب الله ﻷ وكلامه سبحانه بألفاظه وحروفه ومعانيه، أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة جبريل عليه السلام، منه بدأ وإليه يعود، الموجود بين دفتي المصحف والمنقول إلينا نقلاً متواترا من غير زيادة ولا نقصان([5]).
ثانياً: مكانة القرآن الكريم الجليلة ومنزلته العظيمة:
فإن القرآن الكريم هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم ونوره المبين والذكر الحكيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء ولا يملّه الأتقياء، لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي ثماره، من علِم علمَه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل وأُجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، ومن تركه قصمه الله وحشره يوم القيامة أعمى، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، ومن تعرض له بطعن أذلّه الله.
وبالجملة فإن فضائله جمة ومناقبه غزيرة لا تكاد تحصى ولا تعد، ولكني سأشير إلى بعض منها:
أ/ إنه كلام رب العالمين، فهي صفة من صفاته العليا، ففضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وكفى بذلك فضلا وشرفا، وقد دلت على ذلك نصوص الشرع وإجماع أهل العلم([6]).
وأكتفي بذكر دليل واحد على ذلك، قال الله تعالى: ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭼ [التوبة: ٦] فالآية صريحة في أن القرآن كلام الله بحيث لا تحتاج إلى أدنى تأمل([7]).
كما أجمع أهل العلم أيضاً في سائر الأقطار والأمصار على أن القول بخلق القرآن كفر؛ وذلك لأن صفاته تعالى غير مخلوقة، ومن صفاته صفة الكلام والتي منها القرآن الكريم.
وقد استدل أهل العلم على تقرير هذا الأصل بأدلة من الكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين وأدلة من العقل والفطرة([8]) ولا يسع هذا المقام لذكرها، وأذكر منها (ما أخبر الله تعالى في كتابه عن زعيم هؤلاء -أي القائلين بخلق القرآن- الأكبر وإمامهم الأكفر الذي ادعى أنه مخلوق، وهو الوحيد واسمه الوليد بن المغيرة، فأخبر الله عن الكافر دعواه فيه، ثم أنكر عليه دعواه وردها عليه، ووعده النار أن ادّعى أن قولَ الله قولُ البشر...قال الله تعالى: ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ [المدثر: ١١] إلى قوله: ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭥ ﭦ ﭧ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭶ ﭷ ﭼ [المدثر: 22- ٢٦] يعني أنه ليس بقول البشر كما ادّعى الوليد، ولكنه قول الله ﻷ )([9]).
ب/ ومما يدل على عظم مكانة القرآن الكريم هو أن الله ﻷ تولى حفظه بنفسه الكريمة فقال تعالى: ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [الحجر: ٩].
قال الإمام الطبري رحمه الله: في تفسير هذه الآية: (أي: وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه)([10]).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل)([11]).
وهذا بخلاف الكتب المتقدمة فإن الله ﻷ لم يتولّ حفظها وإنما استحفظها الربانيين والأحبار فوقع فيها التحريف والتبديل ([12]) وكفى بذلك فضلا وشرفا للقرآن الكريم.
ج/ إنها معجزة خالدة بليغة تحدى الله بها العرب فعجزوا أن يأتوا بمثلها أو بشيء منها، فكان التحدي أولاً بأن يأتوا بكتاب مثله، كما قال أ: ﭽﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭼ [الإسراء: ٨٨] فلما عجزوا عن ذلك تحداهم بأن يأتوا بعشر سور منه، فقال: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ [هود: ١٣]، فعجزوا أيضاً، فتحداهم الله ﻷ ثالثاً بأن يأتوا ولو بسورة منه، فقال أ: ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ [البقرة: ٢٣] فعجزوا أيضاً([13]).
قال ابن كثير رحمه الله: ( فأخبر الله في هذه الآيات الكريمات خبرا جازما أن هذا القرآن لا يُعارَض بمثله أبد الآبدين ودهر الداهرين، وكذلك وقع الأمر، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن، وأنى يتأتى ذلك لأحد والقرآن كلام الله خالق كل شيء، وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين، ومن تدبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنونا ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ومن جهة المعنى)([14]).
د/ ومما يدل على عظيم مكانة القرآن أنه أول مصدر التلقي للمسلمين، قال الله تعالى: ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ [الأنعام: ٣٨].
وقال ﻷ: ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ [الإسراء: ٩].
وقال: ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ [المائدة: ١٥].
وقال : ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ [المائدة: ١٦].
وقال ﻷ: ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭼ [الأعراف: ٣].
وغير ذلك من الآيات التي تنصّ على مصدرية القرآن ومرجعيته الدائمة في أمور الحياة والآخرة كما تربط الفوز والسعادة فيهما على التمسك والأخذ به.
و/ ومن فضائل القرآن الكريم: الحصول على الأجر الجزيل والثواب العظيم لصاحبه، كيف لا، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وقد تضافرت النصوص على ذلك ومنها:
* قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)([15]) .
* وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه)([16]).
* وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة)([17]).
* وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ، ورتِّل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)([18]).
وغير ذلك من النصوص الكثيرة التي تدل على شرف القرآن الكريم وعظيم منزلته عند الله تعالى([19]).
ولأجل هذه الفضائل العظيمة فقد كان للعناية بالقرآن الكريم وعلومه أكبر الحظ وأوفر النصيب لدى المسلمين، فقاموا بجهود جبارة ومساعي مشكورة تجاهه، وهذا ما سيكون الحديث عنه في الفقرة التالية.
ثالثاً: إبراز نماذج من جهود المسلمين في خدمة هذا الكتاب العزيز.
لقد حظي القرآن الكريم بعظيم العناية وكبير الجهد من المسلمين في الحفاظ عليه وعلى التضلع من علومه المباركة بحيث لم يحظ أي كتاب سماوي أو أرضي بمثل هذه العناية والاهتمام مصداقا لقول الله ﻷ: ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [الحجر: ٩].
ومن حفظ الله لكتابه العزيز إنزاله بواسطة أمين السماء إلى أمين الأرض الذي عرف بأمانته حتى قبل بعثته وشهد بذلك أعداءه قبل مواليه، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يبذل كل ما في وسعه ويصرف كل اهتمامه بهذا الكتاب العظيم، فكان يتابع جبريل عليه السلام حين يلقي الوحي عليه وحين يعارضه القرآن، وفي السنة التي انتقل فيها إلى الرفيق الأعلى عارضة مرتين([20]).
وكان من عظيم عناية النبي صلى الله عليه وآله وسلم به أنه كان يتابع جبريل عليه السلام بكل دقة حين إلقائه القرآن عليه، وفي بعض الأحيان كان ينتهي من قراءته قبل انتهاء جبريل عليه السلام منه، وذلك حرصاً منه على حفظ القرآن الكريم وخوفاً من انفلاته ونسيانه، إلى أن خاطبه الله بقوله: ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭼ [القيامة: 16- ١٩] وسلاّه بقوله: ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ [الأعلى: 6- ٧]([21]).
ومن شديد عنايته صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن الكريم أيضاً أنه أمر بكتابته واتخذ لذلك كُتاباً من أمناء الأرض وهم الصحابة ش بما فيهم الخلفاء الراشدون الأربعة ومعاوية ابن أبي سفيان ش، فكان إذا نزلت عليه آية أو سورة أرشدهم إلى كتابتها مع ذكر موضعها في القرآن الكريم، وكانوا يمتثلون أمره فيكتبون ذلك بحسب ما تيسر لهم من أدوات الكتابة آنذاك([22]).
وكان من عظيم عنايته صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الكتاب أيضاً أنه كان يحفظّه الصحابة ويعلّمه إياهم، فكثر منهم حفاظ القرآن الكريم كل بحسب ما تيسر له، فضمن ذلك حفظ القرآن في الصدور وكتابته في السطور.
أما اهتمام الصحابة ش بالقرآن الكريم فكان امتدادا لما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويتجلى هذا الاهتمام في أمور عديدة، ومنها:
تلقيهم القرآن الكريم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشافهة لفظا ومعنى، وجهدهم الجهيد في حفظه وفهمه والعمل به، وبسبب ذلك فقد كان من الصحابة حفاظ كثيرون وفقهاء ومفسرون([23]).
ولشدة حرصهم على القرآن الكريم فإنهم لم يكتفوا بحفظه في الصدور بل أضافوا إلى ذلك كتابته في السطور بحسب ما تيسر لهم من أدوات الكتابة آنذاك.
وقد كان جمع الصديق وذي النورين للقرآن الكريم أصرح دليل على عظيم عنايتهم وشديد اهتمامهم بالقرآن الكريم، فجمعه الصديق بعد أن كان مفرّقاً في أدوات الكتابة وصدور الرجال؛ حرصاً منه على حمايته وخوفاً عليه من ضياعه وانفلاته، وذلك حين استحرّ القتل بالقراء في بعض المعارك والحروب([24]).
أما عثمان رضي الله عنه فإنه جمعهم على مصحف واحد وذلك بعد أن اشتد الخلاف بين الناس في القراءات بسبب تفرق الصحابة في البلدان، فكان البعض منهم يصوّب قراءته ويخطّئ قراءة الآخر بسبب اختلاف لهجاتهم، فأشار بعض الصحابة ش على عثمان رضي الله عنه بجمع الناس على قراءة واحدة خوفا من التفرق والتشتت، ففعل رضي الله عنه ذلك، وبه ارتفع الخلاف والتنازع، واجتمع الناس على مصحف واحد وهو المصحف الأم وهو ما سمي بمصحف عثمان ط([25]).
وكل هذا يؤكّد لنا أنهم كانوا يسهرون على القرآن الكريم وعلى حمايته من أي شيء يكّدر صفوه ويحطّ من شأنه.
ولم يكتف الصحابة ش بمجرد حفظ القرآن وتلاوته بل تعلموا تفسيره وفهموا مراده وتضلّعوا من علومه، ولذلك فقد برع منهم كثيرون في هذا الجانب كعبد الله بن عباس -حبر الأمة وترجمان القرآن-، وكذلك علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وآخرون ش ([26]).
كما كانوا رضوان الله عليهم حريصين على إقراء الناس وتعليمهم تفسيره ومراده، ولذلك فقد تخرج على أيديهم أئمة جهابذة من التابعين في حفظ القرآن وتفسيره([27]).
وهكذا تخرّج على أيدي هؤلاء الأئمة من التابعين أئمة أعلام في تفسير القرآن الكريم وتوضيح مراده والذب عن حرمته ومكانته، وهكذا استمرت هذه السلسلة المباركة وإلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها([28]).
هذا وقد اهتم العلماء -إضافة إلى ما تقدم- بعلوم القرآن الكريم([29])وتوضيح غريبه([30]) وعلوم قراءته([31]) فأنشأت لذلك حلقات ومدارس وألفت فيها العديد من المؤلفات القيمة والكتب الذهبية.
وبالجملة: فإن اهتمام الأمة بالقرآن الكريم فوق التصور والوصف؛ حيث أصبحت الأمور الدقيقة منه مخدومة بمؤلفات غزيرة نافعة، فأصبحت هنالك مؤلفات في (أقسام القرآن، وأمثال القرآن، وبدائع القرآن، ورسم القرآن، وما أشبهها مما يدهشك تصوره -بَلْه الاطلاع عليه-، ومما يملأ خزائن كاملة من أعظم المكتبات في العالم، ثم لا يزال المؤلفون إلى عصرنا هذا يزيدون، وعلوم القرآن ومؤلفاته تنمو وتزدهر وتزيد، بينما الزمان يفنى والعالم يبيد! أليس هذا إعجازا آخر للقرآن يريك إلى أيّ حدٍّ بلغ علماء الإسلام في خدمة التنزيل؟! ويريك أنه كتاب لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي معارفه)([32]).
ولا ينسى المنصف ما تقوم به المملكة العربية السعودية -حرسها الله من كل مكروه- من خدمات عظيمة وجهود جبارة تجاه هذا الكتاب الكريم، والتي تتمثل في مدارس وجمعيات ومسابقات لتحفيظ القرآن الكريم، كما أنشأت في بعض جامعاتها كليات خاصة لدراسة علومه وفنونه ومنها كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وتتمثل كذلك في إنشاء مجمع الملك فهد يرحمه الله لطباعة المصحف الشريف، حيث يقوم المجمع تحت إشراف لجنة من كبار العلماء والمتخصصين في علوم القرآن والقراءات، وتحت مراقبة فنيين مهرة لضمان خروج المصحف سالماً من أي خطأ أو زلل، ومن ثم تتولى توزيعه في جميع أقطار المعمورة، كما يقوم المجمع أيضا بترجمة معانيه إلى لغات كثيرة لتعم الاستفادة وينتشر الخير...إلى غير ذلك من الخدمات الجليلة التي يتولاها هذا الصرح الشامخ تحت رعاية كريمة من رجال هذه الدولة المباركة([33]).
فهذه هي النظرة العابرة لبعض جهود المسلمين تجاه هذا الكتاب العظيم والتي يستحيل معها ما زعمته الرافضة الزنادقة من وقوع الزيادة والنقصان فيه، وهذا ما سيكون الحديث حوله في الفصل القادم بإذن الله تعالى.
الفصل الأول
موقف علماء الحنفية من عقيدة الرافضة
في نصوص القرآن الكريم.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: إجماع الرافضة على القول بتحريف القرآن الكريم،
وموقف علماء الحنفية منه.
المبحث الثاني: أنواع التحريف المزعوم
عند الرافضة في القرآن الكريم،
وموقف علماء الحنفية منها.
المبحث الأول
إجماع الرافضة على القول بتحريف القرآن الكريم، وموقف علماء الحنفية منه.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: إجماع الرافضة على القول بتحريف القرآن الكريم.
المطلب الثاني: موقف علماء الحنفية من إجماع الرافضة على القول بتحريف القرآن الكريم.
مدخل:
القول بتحريف القرآن الكريم هو من لوازم عقيدة الإمامة والطعن في الصحابة ش حيث إن الصحابة في نظر الرافضة غصبوا آل محمد حقهم في الإمامة ولذلك طعنوا فيهم بأقبح أنواع الطعون، والطعن فيهم أدى بهم إلى الطعن في القرآن الكريم لأنهم حملته ونقلته؛ إذ الطعن في الناقل طعن في المنقول، ولذلك جاء ترتيب هذا الباب إثر باب الإمامة والصحابة.
وفي نظري القاصر فإن جذور عقيدة التحريف ترجع إلى مقالات عبد الله ابن سبأ حيث ورد في رسالة (الإرجاء) للحسن بن محمد بن الحنفية / ما يشير إلى أن السبئيين قد بدأوا في إشاعة مثل هذه المقالات فكانوا يقولون: هُدينا لوحي ضلّ عنه الناس، وأن نبيّ الله كتم تسعة أعشار القرآن)([34]).
وذكر الجوزجاني([35]) في كتابه الشهير (أحوال الرجال) أن ابن سبأ زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند عليّ)([36]).
فيظهر من النص الأول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلّغ كامل القرآن إلى جميع الناس –والعياذ بالله- لأنه كتم تسعة أعشاره.
بينما النص الثاني يبين لنا مصير ذلك القرآن الكامل فيقول بأنه كان عند علي ط، وهذا النص يذكّر القارئ بتلك الروايات التي تداولتها كتب الرافضة من أن القرآن الكامل كان عند علي ط، ولكن الصحابة لم يقبلوا منه ذلك، فأبقاه عنده ثم توارثه الأئمة من أولاده إلى أن صار بيد الإمام الثاني عشر الموهوم.
وسنعرض في هذا المبحث هذه العقيدة عند الرافضة، مع بيان رد علماء الحنفية عليهم فيها.
المطلب الأول: إجماع الرافضة على القول بتحريف القرآن الكريم.
إن من أبرز أصول الرافضة الاعتقادية زعمهم أن القرآن الكريم الموجود المتداول بين المسلمين ليس هو القرآن الذي أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بل هو محرف ومبدل، ومزاد فيه ومحذوف منه شيء كثير.
وقد نسب هؤلاء الزنادقة هذا العمل الشنيع إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذبا وزورا، بناء على زعمهم الكاذب أن أولئك قد غصبوا آل محمد حقهم في الإمامة، فقالوا عنهم إنهم حذفوا كل الآيات التي نزلت في فضائل آل البيت وحقوقهم، والآيات التي نزلت في مثالب الصحابة بأسمائهم وأعيانهم، وآيات أخر كثيرة حذفوها وأسقطوها من القرآن الكريم، بل وحذفوا بعض السور بأكملها كسورة الولاية وسورة النورين المزعومتين، حتى لم يبق من القرآن إلا ثلثه، وزعموا أنهم زادوا في القرآن ما ليس منه.
وزعموا في مقابل ذلك أن القرآن الذي أنزله الله تعالى، والذي سلّمه من التحريف والتبديل هو موجود عند إمامهم الغائب الموهوم الذي لا وجود له، وأن ذلك القرآن جمعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلال ستة أشهر، وجاء به بعد أن جمعه إلى الصحابة ش فلم يقبلوه منه، لأن فيه ما يفضحهم ويهتك أستارهم، فقال لهم علي رضي الله عنه لن تروه بعد يومكم هذا إلى أن يخرج قائم آل محمد، فبقي مخفياً عنده، ولم يظهره بعد ذلك حتى في وقت خلافته وقوته وشوكته، وقد توارثه الأئمة من آل محمد إلى أن بقي عند الإمام الثاني عشر الموهوم -كما زعموا- إلى غير ذلك من الأكاذيب التي شحنوا بها كتبهم وسودوا بها أوراقهم.
وقد صبغوا هذه الأكاذيب بصبغة العصمة والقداسة، وذلك بنسبتها إلى الأئمة الذين يعتقدون عصمتهم وهم منهم براء، فرووا هذه الأكاذيب على ألسنتهم كذباً وزوراً ليلبسوا بها على عقول البلهاء والغفلة وضعاف الإيمان.
وهي محاولة ظاهرة كالشمس في رائعة النهار لهدم دين الإسلام، ونصرة دين المجوس الذي أطفأه الله بأنوار الإسلام على أيدي خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين،ﭽﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ [الصف: ٨].
فهذه هي عقيدة الرافضة في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهم مجمعون على هذه العقيدة قديما وحديثا، ولم يخرج عن هذا الإجماع إلا أفراد على عدد الأصابع تظاهروا بإنكار التحريف تقيةً ونفاقاً جرياً على عادتهم وطريقتهم، وسيأتي إثبات ذلك في الصفحات القادمة بإذن الله تعالى.
وأبدأ الآن بذكر رواياتهم وأقوالهم التي توضح هذه الحقيقة وتثبتها، وسأكتفي بذكر أسماء بعضهم على سبيل التمثيل لا الحصر، فمنهم:
* سليم بن قيس الهلالي، وهو من أكابر العلماء عندهم، وكتابه هو العمدة في إثبات عقائدهم بل هو أبجدهم، وهو سر من أسرار آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن لم يكن عنده هذا الكتاب فهو محروم من خير كثير([37]) -كما صرحوا بذلك-، وأكتفي بذكر روايتين من هذا الكتاب:
الرواية الأولى: ما رواه بسنده عن سلمان الفارسي رضي الله عنه مما دار بين علي والشيخين ومن معهما من الصحابة ش من أمر الخلافة، في خبر طويل فيه:
(فلما رأى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته، وأقبل على القرآن يؤلفه...فلما جمعه كله وكتب تنزيله وتأويله والناسخ والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع، فبعث إليه علي عليه السلام إني لمشغول، وقد آليتُ على نفسي يميناً ألاّ أرتدي رداءً إلا للصلاة حتى أؤلّف القرآن وأجمعه، فسكتوا عنه أياماً فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، فنادى عليٌّ بأعلى صوته: أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولاً بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله آية إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمني تأويلها،
ثم قال لهم علي: لئلا تقولوا غداً إنا كنا عن هذا غافلين...فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه)([38]).
الرواية الثانية: وهي أصرح من الأولى، ومما جاء في هذه الرواية ما نسبه إلى طلحة من محادثاته مع علي ب، حيث قال طلحة لعلي:(يا أبا الحسن شيء أريد أن أسألك عنه، رأيتك خرجت بثوب مختوم، فقلتَ: أيها الناس إني لم أزل مشغولاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغسله وتكفينه ودفنه، ثم شغلتُ بكتاب الله حتى جمعته لم يسقط منه حرف، فلم أر ذلك الذي كتبتَ وألّفتَ، ورأيتُ عمر بعث إليك حين استخلف أن ابعث به إليّ فأبيتَ أن تفعل فدعا عمر الناس، فإذا شهد رجلان على آية قرآن كتبها، وما لم يشهد عليه غير رجل واحد رماه ولم يكتبه، وقد قال عمر -وأنا أسمع-: قد قتل يوم اليمامة رجال كانوا يقرءون قرآنا لا يقرؤه غيرهم فذهب، وقد جاءت شاة إلى صحيفة وكُتّاب عمر يكتبون فأكلتها وذهب ما فيها، والكاتب يومئذ عثمان فما تقولون؟ وسمعتُ عمر وأصحابه الذين ألّفوا وكتبوا على عهد عمر وعلى عهد عثمان: إن الأحزاب تعدل سورة البقرة، والنور ستون ومائة، والحجرات ستون آية، والحجر تسعون ومائة آية، فما هذا؟ وما الذي يمنعك يرحمك الله أن تخرج ما ألّفت للناس، وقد شهدتُ عثمان حين أخذ ما ألّف عمر فجمع له الكُتّاب، وحمل الناس على قراءة واحدة، ومزق مصحف أُبيّ وابن مسعود وأحرقهما بالنار، فما هذا؟ فقال أمير المؤمنينعليه السلام يا طلحة، إن كل آية أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وآله عندي بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله، وكل حلال وحرام، أو حدّ، أو حكم شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عندي حتى أرش الخدش...)([39]).
فهاتان الروايتان تفيدان بأن القرآن الكريم قد اعتراه التحريف وقد حذف منه شيء كثير، وأن القرآن السالم من التحريف بقي عند علي رضي الله عنه .
ومنهم:
* الفضل بن شاذان النيسابوري([40]) فقد صرّح بعقيدة التحريف فقال مبوّباً: (ذكر ما ذهب من القرآن) واستدل لذلك بما ظن أنه يؤيد هذه العقيدة الفاسدة، كالاستدلال ببعض الأخبار التي ثبتت عن طريق أهل السنة مما يدل على وقوع النسخ لبعض تلك الآيات من القرآن الكريم، والأخبار التي ليست في شيء مما ذهب إليه، وأخبار أخرى موضوعة.
وزعم أنه ألزم أهل السنة بالتحريف فقال: (ثم رويتم أن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كانا وضعا صحيفة فيها القرآن ليكتباها فجاءت شاة فأكلت الصحيفة التي فيها القرآن، فذهب من القرآن جميع ما كان في تلك الصحيفة)([41]).
وكذب هذا الزنديق أيضاً على أهل السنة بأنهم رووا أن سورة البينة كانت مثل سورة البقرة قبل أن يعتريها التحريف والحذف لما فيها من أسماء المنافقين -يقصد بذلك الصحابة-([42]).
ومنهم:
* محمد بن الحسن الصفّار، فقد عقد في كتابه بابا أسماه: (باب في الأئمة أن عندهم جميع القرآن الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ساق تحته أخبار كثيرة صريحة في وقوع التحريف في القرآن الكريم، ومن تلك الأخبار:
ما رواه بسنده عن أبي جعفر أنه قال: (ما يستطيع أحد أن يدّعي أنه جمع القرآن كله غير الأوصياء).
وروى أيضا بسنده عن سالم بن أبي سلمة قال: (قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤه الناس، فقال أبو عبد الله : مَهْ مَهْ، كُفَّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام فقرأ كتاب الله على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه عليٌّ عليه السلام...)([43]).
ومنهم:
* أبو نصر محمد بن مسعود العياشي([44])، فهو أيضاً من الذين أكثروا روايات التحريف في مؤلفاتهم، فقد ملأ كتابه التفسير بتلك الروايات المنسوبة إلى أئمتهم، والتي تصرح بتحريف القرآن، ومن ذلك:
ما رواه بسنده عن أبي عبد الله قال: (لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين)([45]).
وما رواه بسنده عن إبراهيم بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فألقيت، وإنما الاسم الواحد منه في وجوه لا يحصى، يعرف ذلك الوصاة).
وروى أيضاً بسنده عن أبي جعفر قال: (لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجى، ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن).
إلى غير ذلك من الأخبار التي هي صريحة في وقوع التحريف في القرآن([46]).
ومنهم:
* علي بن إبراهيم القمي شيخ الكليني، وقد أكثر في تفسيره من روايات التحريف، فشحنه بالروايات الصريحة الدالة على تحريف القرآن، كما صرح بنفسه بتحريف القرآن في مواضع عديدة، فقد قال في مقدمة تفسيره: (فالقرآن منه ناسخ ومنه منسوخ...ومنه حرف مكان حرف، ومنه على خلاف ما أنزل الله...) ثم شرع في تفصيل ذلك بذكر الأمثلة([47]).
ومنهم:
* محمد بن يعقوب الكليني، وهو من أكابر هؤلاء الزنادقة الذين تولوا كبر هذه الجريمة الشنعاء، فملأ كتابه الكافي -الذي هو أصح الكتب عندهم على الإطلاق- بروايات كثيرة صريحة دالة على تحريف القرآن الكريم بحيث لا تقبل أي تأويل، وسأورد بعض النماذج من كتابه، نظراً لمكانته العظيمة في قلوب الرافضة، ومن تلك النماذج:
ما رواه بسنده تحت باب (أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام، وأنهم يعلمون علمه كله) عن جابر قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (ما ادّعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده)([48]).
ومقصوده من هذه الرواية أن القرآن الذي جمعه الصحابة هو محرف؛ لأن القرآن الكامل ليس إلا عند علي رضي الله عنه وأولاده.
ومن الروايات التي رواها الكليني أيضاً ما رواه بسنده تحت باب(نكت من التنزيل في الولاية) عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: (نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله وسلم هكذا: (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله (في علي) بغياً...)([49]).
فكلمة (في علي) هي من وضع الرافضة وتحريفهم لكلام الله ﻷ؛ لأن الآية كما هي في المصحف العثماني: ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﭼ [البقرة: 90].
ومنها ما رواه بسنده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد عليه السلام سبعة عشر ألف آية)([50]).
والمعلوم أن عدد آيات القرآن هو: ستة آلاف ومائتان وبضعة وستون آية، فأين ذهب الباقي؟!
والذي تفيده هذه الرواية أن المدون في المصحف هو ثلث القرآن فقط!!
وغير ذلك من الروايات التي ملأ بها هذه الضال كتابه الذي يزعمون أنه أصح الكتب عندهم([51]).
ومنهم:
* أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي، فقد نص على وقوع التحريف في القرآن الكريم، حيث زعم أن أبا بكر وعثمان ب إنما قصدا من جمعهما للقرآن الكريم إسقاط الآيات التي تنصّ على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى لا يفسد عليهم أمرهم، وقد عدّ جمعهما للقرآن بدعة منهما حيث قال: (ومن بدعة أبي بكر أنه لما أراد أن يجمع ما تهيأ له من القرآن، صرخ مناديه في المدينة من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به، ثم قال: لا نقبل من أحد منه شيئاً إلا بشاهدي عدل، وإنما أراد هذا الحال لئلا يقبلوا ما ألفه أمير المؤمنين عليه السلام؛ إذ كان ألّف في ذلك الوقت جميع القرآن بتمامه وكماله، من ابتدائه إلى خاتمته على نسق تنزيله، فلم يقبل منه ذلك خوفاً أن يظهر فيه ما يفسد عليهم أمرهم، فلذلك قالوا: لا نقبل القرآن من أحد إلا بشاهدي عدل...)([52]).
وقال في حق عثمان رضي الله عنه وما قام به من جمعه للقرآن: (ومن بدع عثمان: أنه جمع ما كان عند الناس من صحف القرآن فلم يترك عند أحد صحيفة فيها شيء من القرآن إلا أخذها منه...ثم عمد إلى الصحف فألف منها هذا المصحف الذي في أيدي الناس...فقد قصد إلى إبطال بعض كتاب الله، وتعطيل بعض شريعته، ومن قصد إلى ذلك فقد حق عليه قوله تعالى: ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﭼ [البقرة: ٨٥] إلى آخر ما شطح به هذا الضال من الهراء والبهتان([53]).
ومنهم:
* أبو عبد الله محمد بن النعمان، الملقب بالمفيد، فقد صرح بوقوع التحريف في القرآن الكريم، وادعى استفاضة الأخبار على ذلك، حيث قال في كتابه (أوائل المقالات) في باب(القول في تأليف القرآن وما ذكر قوم من الزيادة فيه والنقصان) (أقول: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان، فأما القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخأأأخير المتقدم، ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني لم يرتب بما ذكرناه، وأما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع من وقوعه...)([54]).
وقال في موضع آخر: (واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا منه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله...)([55]).
ومنهم:
أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي، وهو أيضاً من أكابر الذين نصّوا على التحريف، فقد أورد في كتابه (الاحتجاج) روايات كثيرة صريحة لإثبات ذلك، ومن تلك الروايات:
ما رواه أنه (لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما فتحه أبو بكر خرج أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر فقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علي عليه السلام وانصرف..)([56]).
وزعم هذا الأفّاك أيضاً أنه (جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين وقال له: لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم، ومن ذلك أنه تعالى شهّر هفوات الأنبياء وزلاّتهم كما في قوله: ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ [طه: ١٢١]، وكنى عن أسماء المجرمين ولم يظهرها كما في قوله: ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ [الفرقان: ٢٩-30]،
فمن هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء؟
فأجابه علي عليه السلام بقوله: إن الكناية عن أصحاب الجرائم العظيمة من المنافقين في القرآن ليس من فعله تعالى، وإن ذلك من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين، واعتاضوا الدنيا من الآخرة، وقد بين الله قصص المغيرين بقوله: ﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ( ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ) [البقرة: ٧٩] إلى آخر ما افتراه هذا الأفاك الكذاب([57]).
ومما نسبه هذا الأفاك إلى علي رضي الله عنه قوله في جوابه على اعتراض أحد الزنادقة قوله: (ولو شرحتُ لك كلّ ما أسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء)([58]).
إلى غير ذلك من الأقوال الصريحة التي تجلي لنا موقف هذا الرافضي على أنه من القائلين بالتحريف.
ومنهم:
* الفيض الكاشاني، فقد صرح بوقوع التحريف في القرآن الكريم، ونقل أخبارا كثيرة دالة على ذلك من كتب أسلافه، حتى جعل عنوان إحدى مقدمات تفسيره حيث قال: (المقدمة السادسة في نبذ مما جاء في القرآن وتحريفه وزيادته ونقصه وتأويل ذلك)، ثم أورد تحت هذا العنوان روايات كثيرة في ذلك، ثم قال معلقاً على تلك الأخبار:
(أقول: المستفاد من مجمع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله، بل منه ما هو خلاف ما أنزله الله ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم علي في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد صلى الله عليهم غير مرة، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله...)([59]).
ومنهم:
* محمد بن الحسن الحرّ العاملي، فقد أورد في كتابه وسائل الشيعة أخبارا صريحة على وقوع التحريف والتبديل في القرآن الكريم من غير أن يتعرض لها بشيء من النقد، وذلك دليل على تقبله وتسليمه لتلك الروايات([60]).
ومنهم:
* محمد باقر المجلسي، وهو من أكابر الذين بذلوا كل ما في وسعهم لإثبات هذا القول وإظهاره، فقد ملأ كتبه بروايات التحريف المنسوبة إلى الأئمة، وصرح هو بنفسه بتحريف القرآن، بل شنع على من قال بخلافه، فنجده في كتابه (بحار الأنوار) نقل خبرا طويلاً ونسبه إلى علي ط، ومما جاء فيه:
(ومنه -أي من القرآن- ما هو باق، ومنه ما هو محرف عن جهته، ومنه ما هو على خلاف تنزيله).
وكذلك ذكر الخبر المنسوب إلى علي رضي الله عنه في احتجاجه على الزنديق، ومما فيه: (ولم يكَنِّ عن أسماء الأنبياء تجبّرا وتعزرا، بل تعريفا لأهل الاستبصار أن الكناية عن أسماء ذوي الجرائم العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى، وأنها من فعل المغيرين والمبدلين والذين جعلوا القرآن عضين...)([61]).
وفي كتابه (مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول) صحح الخبر الذي رواه الكليني في الكافي بسنده عن عبد الله قال: (إن القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله سبعة عشر ألف آية)([62])، فقال معلّقاً على هذا الخبر:
(فالخبر صحيح، ولا يخفى أن هذا الخبر وكثيرا من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنىً، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة، فكيف يثبتونها بالخبر)([63]).
وكذلك أورد في كتابه (تذكرة الأئمة) سورة النورين، وسورة الولاية -المزعومتين عندهم- وبعض الآيات التي زعموا أنها حذفت من القرآن الكريم([64]).
فهذا بعض ما ذكره هذا الرافضي الذي يلقبونه بشيخ الإسلام، وهو أحرى بأن يلقب بشيخ الضلال والعميان.
ومنهم:
* نعمة الله الموسوي الجزائري، فهو أيضاً من أكابر القائلين بتحريف القرآن الكريم فقد صرح بذلك في كتابه (الأنوار النعمانية) كما ذكر أن الأخبار متواترة في ذلك وأنهم مجمعون على صحتها.
فقال بعد أن أظهر إنكاره لتواتر القراءات: (الثالث: أن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادةً وإعراباً، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها).
إلى أن قال: (الخامس: أنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين بوصيته صلى الله عليه وآله، فبقي بعد موته ستة أشهر مشغولاً بجمعه، فلما جمعه كما أنزل أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فردوه...وقد أرسل عمر زمن تخلفه إلى علي بأن يبعث له القرآن الأصلي الذي ألّفه، وكان عليه السلام يعلم أنه طلبه لأجل أن يحرقه كقرآن ابن مسعود، أو يخفيه عنده حتى يقول الناس إن القرآن هو هذا الكتاب الذي كتبه عثمان لا غير، فلم يبعث له إليه، وهو الآن موجود عند مولانا المهدي مع الكتب السماوية ومواريث الأنبياء، ولما جلس أمير المؤمنين على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا؛ لِما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه...)([65]).
ومنهم:
* حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، فهو من أكابر الذين رفعوا راية القول بتحريف القرآن من المتأخرين، وأظهر ذلك بكل جرأة ووقاحة، وبيّن أن ذلك هو قول الرافضة جميعهم كما يشهد بذلك كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب).
وقد استفرغ في كتابه هذا جهده ووسعه لإثبات هذا القول المشين، واستدل على ذلك بكل ما أملاه عليه هوى نفسه وزبالة عقله من شبه وخيالات.
كما أنه نقل في هذا الكتاب أقوال من تقدمه من أسلافه، وادعى أنه وردت عن الأئمة ما يزيد على ألفي رواية صريحة على وقوع التحريف في القرآن([66]).
وقد حاول الرافضة إخفاء هذا الكتاب عن الساحة لأنه يكشف ما هم عليه من التقية والنفاق وعداء لكتاب الله تعالى؛ ومن حاول المساس بهذا الكتاب العظيم ونال من مكانته فإنه بعيد عن الإسلام وإن تسمى به، وأنه يجب كشف عواره ليعرف المسلمون عداوته؛ لأنه يحارب الإسلام في أصله العظيم وركنه الركين، وقد أراد الله ذلك ففضحهم وهتك أستارهم، وذلك بظهور هذا الكتاب على الساحة.
ونظراً لأهمية هذا الكتاب في نفوس الرافضة وعظيم مكانة مؤلفه في أوساطهم، فإني سأقدم تقريرا موجزا عن هذا الكتاب ليعرف القارئ مدى الضلال والطغيان عندهم في حق كتاب الله ﻷ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
قسم هذا المفتري كتابه (فصل الخطاب) إلى ثلاث مقدمات وبابين:
ففي المقدمة الأولى: تحدث عن الأخبار التي رواها أسلافه في جمع القرآن وجامعيه([67]).
وفي المقدمة الثانية: ذكر أقسام التحريف الممكن حصوله في القرآن وما لا يمكن حصوله فيه، فذكر أن التحريف الممكن حصوله في القرآن كالآتي:
نقصان السورة، ونقصان الآية، وزيادة الكلمة وتبديلها، وزيادة الحرف ونقصانه، وتبديله، وتبديل الحركات بعضها ببعض، والترتيب بين السور والآيات، وبين الكلمات، وحدود السور والآيات، فزعم أن هذه الأنواع من التحريف يمكن حصولها في القرآن الكريم ([68]).
وفي المقدمة الثالثة: وضح موقف علمائهم المتقدمين والمتأخرين من القرآن من حيث تحريفه وعدمه، وذكر أن لهم في ذلك قولين:
ثم ذكر بعض أسماء القائلين بالتحريف ونقل أقوالهم الصريحة في ذلك، وصرح بأنه لم يخالف في ذلك من المتقدمين إلا أربعة أشخاص، وهم: الصدوق، والمرتضى، والطوسي، وأبو علي الطبرسي، فقال: (ومن جميع ما ذكرنا ونقلنا بتتبعي القاصر يمكن دعوى الشهرة العظيمة بين المتقدمين وانحصار المخالف فيهم بأشخاص معيّنين...)([69]).
وسيأتي أن موقف هؤلاء الأربعة مبني على مصالح لهم، كما قال نعمة الله الجزائري بعد أن أشار إلى موقفهم هذا: (والظاهر أن هذا القول إنما صدر عنهم لأجل مصالح كثيرة، منها: سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف بها)([70]).
قلت: ومما يؤيد هذا القول أنه ورد عن هؤلاء ما يفيد موافقتهم لسائر علمائهم القائلين بالتحريف([71]).
وإضافة إلى ذلك فإن كثيرا من علمائهم المتأخرين نقدوا أقوال هؤلاء الأربعة الذين تظاهروا بإنكار التحريف([72]).
وأما الباب الأول فقد ذكر فيه النوري ما تخيّل إليه من الشبه على إثبات التحريف في القرآن الكريم([73]).
وأما الباب الثاني فقد استعرض فيه أدلة القائلين بعدم التحريف وزعم أنه فندها([74]).
فهذا هو ملخص ما اشتمل عليه هذا الكتاب الذي قصد به مؤلفه تدمير كتاب الله ﻷ والنيل من قدسيته وعظيم مكانته.
فهؤلاء بعض من قال بتحريف القرآن من الرافضة من المتقدمين والمتأخرين، وتركت ذكر كثير من القائلين بالتحريف خشية الإطالة والإطناب.
وأما المعاصرون من الرافضة فموقف كثير منهم مبني على التقية، بينما البعض الآخر تغافل عن الموضوع وأغمض عينه عن ذكر هذه المسألة نهائياً؛ حتى لا تنكشف عورتهم أمام المسلمين([75]).
ولكن يأبى الله إلا أن يفضح من تلاعب بكتابه ونال من قداسته وعظيم مكانته، فأظهر موقفهم القائل بالتحريف على لسان بعضهم شعروا بذلك أو لم يشعروا، وقد حق عليهم قول الله تعالى في وصف المنافقين: ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ [البقرة: ٩].
فهذا إمامهم وزعيمهم روح الله الخميني مدعي الوحدة والإصلاح ينقل في مؤلفاته روايات التحريف والنيل من القرآن الكريم ولم يحرك لنقدها وإنكارها ساكنا، وسكوته يدل على تقبله لتلك الروايات، بل وليس ذلك فحسب؛ بل إنه اعتمد ووقّع على ما يسمونه بدعاء صنمي قريش وفيه تصريح بوقوع التحريف والتبديل في كتاب الله تعالى([76]).
ومن الروايات التي ذكرها الخميني في بعض مؤلفاته رواية الكليني بسنده عن أبي جعفر أنه قال: (ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء).
وعن جابر الجعفي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده عليهم السلام)([77]).
هذا هو موقف زعيمهم الذي يدعو إلى الوحدة بين المسلمين وتوحيد صفوفهم تجاه القرآن الكريم، فماذا يقول المنصفون والمتحررون من سلاسل التقليد الأعمى والتعصب المذهبي من الشيعة حول هذه النظرية!!
وبعد: فهذه هي عقيدة الرافضة قديما وحديثا حول كتاب الله ﻷ الذي قال الله عنه: ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ [فصلت:42].
فهم مجمعون قديما وحديثا على أن القرآن الكريم محرف مبدل، وأن ذلك من ضروريات دينهم ولوازم مذهبهم([78]).
ولا عبرة بعد ذلك بقول من يتظاهر منهم بخلافه؛ لأنه نابع عن عقيدة الكذب الذي هو تسعة أعشار دينهم.
وبعد أن ذكرت مذهبهم وعقيدتهم هذه، أذكر موقف علماء الحنفية من تلك العقيدة الفاسدة السخيفة في المطلب القادم بإذن الله تعالى.
المطلب الثاني: موقف علماء الحنفية من إجماع الرافضة
على القول بتحريف القرآن الكريم.
تقدم الكلام في المطلب الماضي على إثبات إجماع الرافضة على القول بتحريف القرآن الكريم، والإشارة إلى حقيقة قول من تظاهر منهم بإنكار تلك العقيدة، وتبيّن أن إنكارهم مبني على التقية التي هي أكبر جزء دينهم، وفي هذا المطلب أذكر موقف علماء الحنفية من تلك العقيدة الخطيرة التي تعد أخطر محاولة للنيل من كتاب الله الذي هو مصدر المسلمين وعزهم وشرفهم.
حيث قام علماء الحنفية بالرد على هذه العقيدة الكفرية من جميع جوانبها، وقلعوها من جذورها وأساسها، ولذا فإني ألخص موقفهم هذا في سبعة وجوه، وهي:
الوجه الأول: إثباتهم لإجماع الرافضة على القول بتحريف القرآن، وإبانتهم لحقيقة من تظاهر منهم بإنكار هذه العقيدة.
الوجه الثاني: بيانهم للأسباب التي جعلت الرافضة تقول بتحريف القرآن الكريم.
الوجه الثالث: بيانهم للأمور التي تترتب على هذه العقيدة الخطيرة.
الوجه الرابع: جوابهم على أبرز شبهات الرافضة على هذه العقيدة الفاسدة.
الوجه الخامس: نقضهم لهذه العقيدة الخبيثة بآيات من كتاب الله العزيز.
الوجه السادس: نقضهم لهذه العقيدة بإجماع المسلمين.
الوجه السابع: إبرازهم لجهود الصحابة ش والتي يستحيل معها وقوع التحريف بأيّ نوع كان.
الوجه الثامن: تكفيرهم للرافضة بسبب هذه العقيدة المشينة.
وإلى بيان هذه الوجوه في الصفحات القادمة:
بيان الوجه الأول:
لقد بيّن علماء الحنفية أن الرافضة مجمعون على القول بتحريف القرآن الكريم، وأن من تظاهر منهم بخلاف ذلك فإن قوله محمول على التقية والتلبيس والخداع، وفيما يلي ذكر نماذج من تلك الأقوال:
* قال الشيخ شمس الدين ابن كمال باشاه / في رسالته المسمّاة (بيان الفرق الضالة) ما نصّه: (وكل الإمامية قالوا إنّ القرآن بُدّل، ولا يثقون بآياته)([79]).
* وقال الشيخ ميرزا مخدوم الحسني الحنفي رحمه الله: (ومن هفواتهم -أي الرافضة- المحنثة أنهم ذكروا في كتب حديثهم وكلامهم: أن عثمان رضي الله عنه نقّص عن آيات القرآن...).
ثم مثّل الشيخ على ذلك بنماذج من كتبهم([80]) يأتي ذكرها في محلّها.
* وقال الشيخ عبد العزيز الدهلوي رحمه الله:(قالت الاثنا عشرية من الإمامية: إن القرآن الموجود اليوم في أيدي المسلمين ليس كله كلام الله، بل زاد الناس فيه بعض الألفاظ، وليس هو كلام الله الذي نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبقي إلى حين توفي، بل أسقطوا منه -أي الصحابة- كثيرا من السور والآيات)، ثم استشهد الشيخ على إثبات هذا الأمر بروايات من كتب الرافضة ([81]).
وقال في رسالته(سعادة الدارين في شرح حديث الثقلين) في معرض حديثه عن دعوى الرافضة تمسكهم بحديث الثقلين، ما نصّه: (أما الكتاب وهو القرآن، فإنه ساقط الاعتبار عند الشيعة بالكلية لا يصلح التمسك به كالتوراة([82]) والإنجيل([83])؛ لكثرة وقوع التحريف فيه بزعمهم، وكثير من أحكامه منسوخة، وكثير من الآيات والسور الناسخة للأحكام والمخصصة للعموميات أسقطت، والذي بقي منه مبدل الألفاظ، وبعضه زائد، والبعض نقص منه)([84]).
* وقال أبو الثناء الألوسي رحمه الله: (وزعمت الشيعة أن عثمان بل أبا بكر وعمر أيضا ش حرفوه وأسقطوا كثيرا من آياته وسوره...فالقرآن الذي بأيدي المسلمين اليوم شرقا وغربا، وهو لكرة الإسلام ودائرة الأحكام مركزا وقطبا أشد تحريفا عند هؤلاء من التوراة والإنجيل وأضعف تأليفا منهما وأجمع للأباطيل...)([85]).
* وقال حفيده أبو المعالي الألوسي / في معرض رده على دعوى الرافضة -أنهم أخذوا دينهم من الكتاب والسنة وأقوال العترة-، ما نص كلامه: (كذبوا والله في ذلك، فإن الكتاب الكريم محرف بزعمهم، قد أسقط نحو ثلثه، كما صرحت بذلك كتبهم فلا يعبأون به، ولا يعرجون عليه، ولا يقيمون له وزناً، وأنه مخلوق لا ينزهونه، هذا شأن الكتاب لديهم)([86]).
* وقال الشيخ منظور نعماني / بعد أن ذكر نقولا من كتب الرافضة الدالة على التحريف: (هناك ثلاث نقاط هامة يمكن أن نستخلصها من روايات التحريف عند الرافضة، وهي نقاط هامة يجب أن نضعها في اعتبارنا حين نفكر في هذه القضية.
1/ الروايات الخاصة بالتحريف والحذف والإضافة في القرآن الكريم، وهي أقوال الأئمة المعصومين والروايات المتواترة -بزعمهم-، وطبقاً لبيان محدثهم النوري الطبرسي فهي تزيد على ألفي رواية([87])، وطبقاً لبيان علامتهم المجلسي لا يقل عددها عن عدد الروايات الخاصة بمسألة الإمامة التي هي أساس المذهب الشيعي([88]).