Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

النبراس في توجيه خبر ابن عباس

النبراس في توجيه خبر ابن عباس

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الصادق الأمين ،وعلى آله وصحبه حماة الدين ،وعلى كلّ من منافح عن الكتاب المبين ، أما بعد: 


فإنَّ القرآن الكريم في شرعنا هو أصل الأصول,ومصدر النقول، والطعن فيه طعن في ديننا بالكليّة,وإنكار لمعجزة خير البريّة.


وقد تولى الله  حفظه بنفسه, فقال تعالى في الكتاب المكنون ( نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )الحجر: 9 . 


يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطيُّ- - في تفسيره أضواء البيان:

«بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي نزل القرآن العظيم, وأنه حافظ له من أن يزاد فيه أو ينقص أو يتغير منه شيء أو يبدل, وبين هذا المعنى في مواضع أخر, كقوله تعالى:  ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت:41-42، وقوله: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) القيامة:16-17 ». [ أضواء البيان ( 2/255)].


وقد تعامت عيون أهل الكفر والضلال عن قبول الحق والإذعان له، ولم يروا في نور الوحي إلا قيداً لشهواتهم ،وحداًّ من رفاهيتهم ، وهدماً لسلطانهم ،وإذهاباً لصيتهم وتيقنوا أنهم ولن يستطيعوا الوقوف في وجه النور المبين ، وتنزيل رب العالمين،ولم يجدوا لهم مسلكاً إلا بالطعن في مصداقيته ،ورمي الشبهات،وتزييف الأقاويل،وخلْق الأباطيل ، علَّهم أن يصرفوا الناس عنه.


وحاولوا إطفاء نور الله نعالى، والتشكيك في مصداقية الوحي ، والانبراء لمعارضته،وأنّى لهم ذلك (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الإسراء: 88.


ودعاةُ الباطل في كل زمان ومكان- وإن اختلفت مسمّياتهم، وتنوّعت طرائقهم - تشابهت قلوبهم ، واتحدت أهدافهم، أُشربتْ قلوبُهم كرهَ الحق وبغض الصدق،والصدًّعنه.


ومن ديدن – هؤلاء- الأعداء التمسك بالنصوص والنقول التي يتخيلون فيها تأييداً لمذهبهم،وترجيحاً لقولهم،لايهمم الصحة والضعف،والمعنى والدلالة،فزعموا- سلفاً وخلفاً –إثبات تحريف وتناقض القرآن من أخبار وآثار في كتب علماء الإسلام.


والرافضة لهم سبق قولٍ في دعاوي تحريف القرآن والطعن في قراءاته وجمعه، والمتتبع يلحظ –ذلك- في نصوصهم وكتاباتهم، من أمثال(علىّ بن إبراهيم القُمِّي من علمائهم في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجري)، ومحمد بن محمد النعمان –الملقب بالمفيد(ت413هـ) وأبي جعفر محمد بن الحسن بن على الطُّوسي (ت460 هـ) ،ومحمد بن باقر المجلسي(ت1111هـ)،ونعمة الله الجزائري(ت1112هـ)وهو القائل: «ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة؛فإنهم بعد النبي  وآله قد غيَّروا وبدَّلوا في الدين ماهو أعظم من هذا؛ كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته وحذف مافيه من مدائح آل الرسول، والأئمة الطاهرين، وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم» ( ).


والمنصّرون والمستشرقون والمستغربون – المتقدمون والمتأخرون – ساروا على منهاجهم،فأخذوا يردِّدون سفساف الأقاويل،وزيف الأباطيل .


ومن ذلك: ماروي عن ابن عباس  أن قوله ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) النور:27 (تَسْتَأْنِسُوا )خطأٌ أو وهمٌ من الكاتب وأنه قرأ (تستأذنوا).


وعند البحث والنظر في الكتب نجد أنَّ هذا الأثر أخرجه ابن أبي حاتم،وابن الأنباري في كتاب المصاحف، وابن جرير الطبري في تفسيره،والحاكـم في المستدرك مستدركه،وسعيد بن منصور في سننه، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس من طرق عديدة ،وغيرهم كثير؛بل قلَّ عدم ذكر الأثر في كتب التفسير المعتبرة عند ورود آية النّور.


وقد تعددت رؤى علماء الإسلام حول الأثر،وتباينت أقوالهم في تخريجه وتوجيهه، والكلُّ مجمعون على – أن َّهذا الأثر،وأمثاله-ليست باباً للطعن في القرآن،وهذايُلحظ في كتب المفسرين المتقدمين،بينما حرص المتأخرون على التعريج على معناه وأداً لشبهات الطاعنين،وقطعاً لدابر المشكِّكين.


وقد جمعتُ ما تيسر من هذه التوجيهات في هذه الورقات،وقسّمت الآراء على أقسام يتضح من خلالها الحكم؛فأقول ومستعيناً بالله،معتمدا عليـــه:


أولا: الحكم على الأثر:

قال ابن جرير الطبريُّ – - في جامع البيان :

«حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، بمثله. غير أنه قال: إنما هي حتى تستأذنوا، ولكنها سقط من الكاتب.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا معاذ بن سليمان، عن جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس( حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) قال: أخطأ الكاتب، وكان ابن عباس يقرأ (حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا) وكان يقرؤها على قراءة أُبيّ بن كعب.


حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش أنه كان يقرؤها: "حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا" قال سفيان: وبلغني أن ابن عباس كان يقرؤها: (حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا) وقال: إنها خطأ من الكاتب.


حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) قال: الاستئناس: الاستئذان.


حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قال: في مصحف ابن مسعود: "حَتَّى تُسَلِّمُوا على أهْلِها وَتَسْتَأْذِنُوا".


قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: "يأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تُسَلِّمُوا عَلى أهْلِها وتَسْتَأْذِنوا" قال: وإنما تستأنسوا وهم من الكتاب ». [جامع البيان(19/46)]


وقال البيهقيُّ – - في شعب الإيمان :

«أخبرنا أبو علي الروذباري قال : أنا إسماعيل بن محمد الصفار قال : نا عباس ابن محمد الدوري قال : نا قبيصة بن عقبة قال : نا سفيان ،و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : نا أبو علي الحافظ قال : نا عبدان الأهوازي قال : نا عمرو بن محمد الناقد قال : نا محمد بن يوسف قال : نا سفيان عن شعبة عن جعفر ابن إياس و هو أبو بشر عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز و جل ( لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) قال : أخطأ الكاتب حتى تستأنسوا إنما هي تستأذنوا و تسلموا لفظ حديث الروذباري و روى عن شعبة كما أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان قال : أنا أبو سهل بن زياد القطان قال : نا يعقوب ابن إسحاق المخرمي قال : نا أبو عمر الحوضي قال : نا شعبة عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في : هذه الآية چ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا : إنما هي (حتى تستأذنوا) و لكن سقط من الكاتب»ثم حكم البيهقي على الأثر بقوله:

«وهذا الذي رواه شعبة واختلف عليه في إسناده، ورواه أبو بشر واختلف عليه في إسناده من أخبار الآحاد،ورواية إبراهيم عن ابن مسعود منقطعة،والقراءة العامة ثبت نقلها بالتواتر فهي أولى، ويحتمل أن تكون ذلك القراءة الأولى ثم صارت القراءة إلى ما عليه العامة ونحن لا نزعم أن شيئا مما وقع عليه الإجماع أو نقل متواتراً أنه خطأ وكيف يجوز أن يقال ذلك وله وجه يصح وإليه ذهبت العامة». [شعب الإيمان(6/437-438)]


وقال الحافظُ ابنُ حجر – - في الفتح:

«وحكى الطحاوي أنَّ الاستئناس في لغة اليمن الاستئذان وجاء عن ابن عباس إنكار ذلك ، فأخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح أن ابن عباس كان يقرأ( حتى تستأذنوا ) ويقول : أخطأ الكاتب، وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب ، ومن طريق مغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : في مصحف ابن مسعود (حتى تستأذنوا )، وأخرج سعيد بن منصور من طريق مغيرة عن إبراهيم في مصحف عبد الله ( حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا ) وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في أحكام القرآن عن ابن عباس واستشكله ، وكذا طعن في صحته جماعة ممن بعده»

[فتح الباري(11/8)] 

وفي تفسير ابن كثير مانصُّه:


«وهكذا رواه هُشَيم، عن أبي بشر -وهو جعفر بن إياس -به. وروى معاذ بن سليمان، عن جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس، بمثله، وزاد: وكان ابن عباس يقرأ: (حَتَّى تَسْتَأذنُوا وَتُسَلِّمُوا)، وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب ،وهذا غريب جدًّا عن ابن عباس» [تفسير ابن كثير(6/38)] 


وفي المحرر الوجيز لابن عطيًّة:

«والقراءة ب يستأذنوا ضعيفة وإطلاق الخطأ والوهم على الكتاب في لفظ أجمع الصحابة عليه لا يصح عن ابن عباس والأشبه أن يقرأ تستأذنوا على التفسير وظاهر ما حكى الطبري أنها قراءة برواية ولكن قد روي عن ابن عباس أنه قال ( تستأنسوا ) معناه تستأذنوا، ومما ينفي هذا القول عن ابن عباس أن ( تستأنسوا ) متمكنة في المعنى بينة الوجه في كلام العرب وقد قال عمر للنبي  استأنس يا رسول الله وعمر واقف على باب الغرفة الحديث المشهور، وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به فكيف يخطئ ابن عباس  أصحاب الرسول في مثل هذا»[المحرر الوجيز (4/212)]


ويقول القاضي أبو بكر بن العربي:

« وليس فيه خطأ من كاتب ، ولا يجوز أن ينسب الخطأ إلى كتاب تولى الله حفظه وأجمعت الأمة على صحته ; فلا يلتفت إلى راوي ذلك عن ابن عباس»[أحكام القرآن (6/46)]

ورأى بعض العلماء بأنَّه خبر مدسوسٌ موضوعٌ،كما في قول أبي حيَّان – - في البحر المحيط: 

«وقد روي عن ابن عباس أنه قال (تَسْتَأْنِسُوا ) معناه تستأذنوا ، ومن روى عن ابن عباس أن قوله (تَسْتَأْنِسُوا ) خطأ أو وهم من الكاتب وأنه قرأ حتى تستأذنوا فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين ، وابن عباس بريء من هذا القول، و(تَسْتَأْنِسُوا )متمكنة في المعنى بنية الوجه في كلام العرب. وقد قال عمر للنبيّ  أستأنس يا رسول الله وعمر وأقف على باب الغرفة الحديث المشهور».[البحر المحيط (6/410)]


وقال ابنُ عادل –  –في اللباب:

«وفسره ابنُ عباس : ( حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا ) وليست قراءة ، وما ينقل عنه أنه قال :

(تَسْتَأنِسُوا ) خطأ من الكاتب ، إنما هو ( تَسْتَأْذِنُوا ) فشيء مفترى عليه ،وضعفه بعضهم بأن هذا يقتضي الطعن في القرآن الذي نقل بالتواتر ، ويقتضي صحة القرآن الذي لم ينقل بالتواتر ، وفتح هذين البابين يطرق الشك إلى كل القرآن وإنه باطل».[اللباب في تفسير الكتاب (14/342)]


ويقول الفخر الرازي:

«واعلم أن هذا القول من ابن عباس فيه نظر لأنه يقتضي الطعن في القرآن الذي نقل بالتواتر ويقتضي صحة القرآن الذي لم ينقل بالتواتر وفتح هذين البابين يطرق الشك إلى كل القرآن وأنه باطل».[مفاتيح الغيب (23/171)].


وممن ذهب إلى هذا القول ابن عطية في المحرر الوجيز، والقرطبي في الجامع، الزمخشري في الكشاف،والنيسابوري في غرائب القرآن. 

وقد أورد ابن بطَّال – - في شرح على صحيح البخاري مانصُّه:

« قال قتادة وإبراهيم ومجاهد في قوله تعالى : (حتى تستأنسوا ) قالوا : حتى تستأذنوا وتسلموا ، وقال سعيد بن جبير : الاستئناس : الاستئذان ، وهو فيما أحسب من خطأ الكاتب ، وروى أيوب عنه عن ابن عباس : إنما هو حتى تستأذنوا ، سقط من الكاتب . قال إسماعيل بن إسحاق : قوله : ( من خطأ الكاتب ) هو قول سعيد بن جبير أشبه منه بقوله ابن عباس ، لأن هذا مما لا يجوز أن يقوله أحد ، إذ كان القرآن محفوظًا قد حفظه الله من أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ».[شرح صحيح البخاري لابن بطَّال (9/10)].


وهناك من العلماء من صحح الحديث ففي مستدرك الحاكم مانصُّه:

«حدثنا أبو علي الحافظ أنبأ عبدان الأهوازي ثنا عمرو بن محمد الناقد ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن شعبة عن جعفر بن إياس عن مجاهد عن ابن عباس  : في قوله تعالى : ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا ) قال : أخطأ الكاتب حتى تستأذنوا .هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه .تعليق الذهبي قي التلخيص : على شرط البخاري ومسلم».[ المستدرك على الصحيحين (2/430)].


وحكم ابن حجر على الأثر بصحته كما في قوله:

«والبيهقي في الشعب بسند صحيح أن ابن عباس ( كان يقرأ حتى تستأذنوا ) ويقول : أخطأ الكاتب . وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب»[ فتح الباري(11/8)].


وقد أجاب عن هذه المسألة العلامة الألوسي – – في روح المعاني بقوله:

«وأنت تعلم أن تصحيح الحاكم لا يعول عليه عند أئمة الحديث لكن للخبر المذكور طرق كثيرة وكتاب الأحاديث المختارة للضياء كتاب معتبر فقد قال السخاوي في فتح المغيث في تقسيم أهل المسانيد: ومنهم من يقتصر على الصالح للحجة كالضياء في مختارته، والسيوطي يعد ما عد في ديباجة جمع الجوامع الكتب الخمسة وهي صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح ابن حيان والمستدرك والمختارة للضياء قال وجميع ما في هذه الكتب الخمسة صحيح .


ونقل الحافظ ابن رجب في طبقات الحنابلة عن بعض الأئمة أنه قال : كتاب المختارة خير من صحيح الحاكم فوجود هذا الخبر هناك مع ما ذكر من تعدد طرقه يبعد ما قاله أبو حيان... »ثم أوضح موقفه من الأثر بقوله:

«ويشجع على هذا الإنكار اعتقاد جلالة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وثبوت الإجماع على تواتر خلاف ما يقتضيه ظاهر كلامه فتأمل» [ روح المعاني(18/-133-134)]، ويقول الشيخ الزرقانيُّ :

«إذا سلمنا للحاكم أن هذا الخبر صحيح عن ابن عباس فإننا نرده برغم دعوى هذه الصحة لأنه معارض للقاطع المتواتر وهو قراءة تستأنسوا والقاعدة أن معارض القاطع ساقط وأن الرواية متى خالفت رسم المصحف فهي شاذة لا يلتفت إليها ولا يعول عليها» [ مناهل العرفان(1/269)].


ولاشكَّ أنَّهُ لابدَّ من جمع لطرق الأثر المتفرعة،ودراسة الأسانيد،وأقوال علماء الجرح والتعديل للخروج بحكم أكثر وضوحاً من النصوص السابقة المنقولة.

وعنـد الحكم بصحة سند الحديث كيف يخّرج قول أبي حيّان :

«ومن روى عن ابن عباس أن قوله (تَسْتَأْنِسُوا ) خطأ أو وهم من الكاتب وأنه قرأ حتى تستأذنوا فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين ، وابن عباس بريء من هذا القول»

يجيب عن هذا السؤال الألوسي بقوله:

«...وسيأتي في تفسير هذه السورة إن شاء الله تعالى بعضها- أيضا- بأن الروايات ضعيفة ومعارضة بروايات أخر عن ابن عباس- أيضا- وغيره وهذا دون طعن أبي حيان»[ روح المعاني(18/133)].


قال الباحثُ: وأما ما ذكره ابن عادل الحنبلي في اللباب، والسمين الحلبي في الدر المصون،والزُّرقاني في مناهل العرفان من أنًّ (تستأذنوا) ليست بقراءة،ففيه نظر.


وإن أرادوا ليست (تستأذنوا) قراءة متواترة فلا خلاف في ذلك ،أو أنها قراءة تفسيرية كما ذهب إليه البعض،فهو من النظر بمكان ،وأما إن أرادوا عدم ثبوت قرآنيَّها؛فلا يوافقون عليه؟


فهي قراءة شاذة مروية عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس  مذكورة في مدوَّنات كتب القراءات الشواذ كما في محتسب ابن جني،ومختصر شواذ القراءات لابن خالويه،وشواذ القراءات للكرماني وغيرها، وعليها رسم مصحف ابن مسعود.

قال ابن جرير الطبريُّ 

«حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قال: في مصحف ابن مسعود: (حَتَّى تُسَلِّمُوا على أهْلِها وَتَسْتَأْذِنُوا) ».[ جامع البيان(3/343)].


ثانياً: تخريج معنى الأثر:

وللعلماء القائلين أو المسلِّمين بصحة الأثر آراء في توجيه الأثر،وما ينبغي أن يحمل عليه من معنى.


• فالبيقهيُّ وهومن أخرجه في كتابه شعب الإيمان يوجه الأثر بقوله:

«ويحتمل أن تكون ذلك القراءة الأولى ثم صارت القراءة إلى ما عليه العامة». [شعب الإيمان(6/437-438)] .


وفي فتح الباري: «وقال البيهقي : يحتمل أن يكون ذلك كان في القراءة الأولى ثم نسخت تلاوته ، يعني ولم يطلع ابن عباس على ذلك». [الفتح(17/445)].وممن ذهب إلى القول به العلامة الشنقيطيُّ،حيث قال:

« ولا يمكن أن يصح عن ابن عباس، وإن صح سنده عنه بعض أهل العلم. ولو فرضنا صحته فهو من القراءات التي نسخت وتركت، ولعل القارئ بها لم يطلع على ذلك، لأن جميع الصحابة  أجمعوا على كتابة تستأنسوا في جميع نسخ المصحف العثماني، وعلى تلاوتها بلفظ: تستأنسوا، ومضى على ذلك إجماع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في مصاحفهم وتلاوتهم من غير نكير. والقرآن العظيم تولى الله تعالى حفظه من التبديل والتغيير» [أضواء البيان (5/493)].


وسبقت الإشارة إلى أنَّ ابن عباس قرأ على أبي بن كعب  ،فحريُّ أن يكون بناها على قراءته التي تلقاها عن أبيّ بن كعب.


وذهب محمد بن عبد الله بن أشته ت(360هـ) في كتاب المصاحف إلى أنَّ كلام ابن عباس محمول الاختيار ففي كتاب الإتقان للإمام السيوطي مانصُّه:

« وقد أجاب ابن أشته عن هذه الآثار كلها بأن المراد أخطئوا في الاختيار،وما هو الأولى لجمع الناس عليه من الأحرف السبعة. لا أن الذي كتب خطأ خارج عن القرآن» وإياه أختار السيوطي، حيث يقول:

« وأما ابن الأنباري فإنه جنح إلى تضعيف الروايات ومعارضتها بروايات أخر عن ابن عباس وغيره بثبوت هذه الأحرف في القراءة والجواب الأول أولى وأقعد ».[الإتقان (2/329)]


وللعلامة الألوسي اعتراض على هذا الرأي والتوجيه، حيث يقول:

« وأجاب ابن أشته عن جميع ذلك: بأن المراد الخطأ في الإختيار وترك ما هو الأولى بحسب ظنه رضي الله تعالى عنه لجميع الناس عليه من الأحرف السبعة لأن الذي كتب خطأ خارج عن القرآن ،واختار الجلال السيوطي هذا الجواب وقال : هو أولى وأقعد من جواب ابن الأنباري، ولا يخفى عليك أن حمل كلام ابن عباس على ذلك لا يخلو عن بعد لما أن ما ذكر خلاف ظاهر كلامه، وأيضا ظَنّ ابن عباس أولوية ما أجمع سائر الصحابة رضي الله تعالى عنهم على خلافه مما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم في العرضة الأخيرة بعيد »[ روح المعاني(18/134)].. 


وأختم بُحَيثي بكلام جامع للقاضي محمَّد بن الطيب الباقلاّني -- في كتابه الانتصار حيث يقول:

«فأمَّا تعلُّقُهم بما رواه أبو عبيدٍ وغيرُه من النَقلة عن كثيرٍ من السلف من

قراءة كلمات وحروفٍ زائدة على ما بين الدفَتين ، ونقصان حروفي وتقديمِ

كلمةٍ على كلمة ، وقولهم : إن هذه الروايات إذا كانت من روايتكم وجبَ أن تكونَ حجّةً عليكم ولازمةً لكمَ .....وقَدْ رُوِيَ من هذه القراءات شيء كثير رواه أبو عُبَيدٍ القاسمِ بنِ سلامِ في كتابهِ المترجم ب "فضائل القرآن" عن رجالِه وغيرِه روايةً غيرَ ثابتةٍ عن أبي عُبيدٍ على ما ذُكر ولا عندَ غيرِه ، فمن ذلك ما رُوي أن عمرَ بنَ الخطابِ كان يقرأ : (غيرِ المغضوبِ عليهم وغيرِ الضالين) ، ومنه ما رُوي عن عبدِ اللّه بن الزبيرِ أنه كان يقرأ : (صِراط مَن أنعمتَ عليهم).... وأن ابن عباسٍ كان يقرأ : (حتى تُسلّموا على أهلها وتستأذنوا)....فلا يجبُ الاعتداد بمثل هذهِ القراءاتِ على وجه.وقلنا أيضاً : إننا نعلمُ إجماعَ الأمةِ وسائرَ من رُويت عنهم هذه الرواياتُ من طريقٍ يوجب العلمَ تسليمَهم بمصحف عثمانَ والرضا به والإقرارَ بصحةما فيه ، وأنه هو الذي أنزلهُ اللّهُ على ما أنزلهُ ورتّبه ، فيجبُ إن صحت هذه القراءات عنهم أن يكونوا بأسرِهم قد رَجعوا عنها وأذعنوا بصحة مصحف عثمان ، فلا أقل من أن تكونَ الرواية لرجوعهم إلى مصحفِ عثمانَ أشهر من جميعِ هذه الرواياتِ عنهم ، فلا يجب الإحفال بها مع معارضة ما هو أقوى وأثبتُ منها.وقلنا أيضا : إنّه لا يجوزُ للشيعةِ التعلقُ بالنقصانِ من كتاب اللّه تعالى أوالزيادةِ فيه بهذه الأخبار ، لأنّها عندهم أخبارُ قوم كَذَبة ضُلالٍ كُفّار ، لا يؤمَن عليهم وضعُ الكذبَ والزيادةَ والنقصانَ في كتابِ الله ، هذا لو تواتر الخبرُ عنهم بهذه القراءات ، فكيف وهي في أدْوَن طبقاتِ أخبارِ الآحاد ِ الواهيةِ الضعيفة ،ومما يجبُ أن يُعتمدَ أيضاً عليهِ في إبطالِ كونِ هذه القراءاتِ كلها من كتاب ِالله الواجبِ قراءتُه ورسمُه بين الدفتين ، إجماعُ المسلمينَ اليومَ وقبلَ اليوم وبعدَ موتِ من رُويت هذه القراءاتُ عنه على أنها ليست من كلامِ الله الذي يجب رسمُه بين اللوحين ، والإجماعُ قاضٍ على الخلافِ المتقدم وقاطع لحُكمِه ، ومحرم للقولِ به لما قد بيَّنَّاه في كتابِ الإجماع من كتاب (أصول ِالفقه) ، بما يغني الناظرَ فيه ، فوجب بذلك إبطالُ جميعِ هذه القراءات.


وقد يُحتملُ أن يكونَ جميعَ هذه القراءاتِ قد كانت منزَلةً على ما رويت عن هذه الجماعة ثم نُسخت الزيادةُ على ما في مصحفنا والنقصانُ منه وإبدالُ الحرفِ بغيره ، والكلمةِ بغيرها ، ونُهي القومُ عن إثباتها وتلاوتها ، فظن كلُ من كان لُقن شيئا منها أنه باقيَ الرسمِ غيرَ منسوخٍ وعلمَ ذلكَ عثمانُ والجماعةُ ونهوهم عنه ، ثم علم أصحابُ هذه القراءاتِ صحة ما دعاهم إليه عثمانُ من إزالة هذه القراءات ونسخِها ، وأن الحجة لم تقم بها ، ولم يتيقن من وجه يوجبُ العلمَ أن رسول الله -  - قرأ بها فرجعوا عند التأملِ والتنبيهِ إلى قولهِ وأذعنوا بصحة مصحفه.ويحتملُ أن يكون جميعَ ما سُمع منهم أو أكثرَه أو وجد مُثبَتا في مصحفٍ لهم إنما قرأوه وأثبتوه على وجه التفسيرِ والتذكير لهم أو الإخبار لمن يسمعُ القراءة بأن هذا هو المراد بها ، نحو قوله : (وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) ، (وهي صلاةُ العصر) ، وقوله : (فإن فَاءوا "فيهن") وأمثالُ ذلك فقدر من سمعَهم يقولون ذلك أو رآه مثبتا في مصحفهم ، أنهم إنما قالوه وأثبتوه على أنه قرآن منزل ، ولم يكن الأمرُ عندهم كذلك ولا قصدوا لكَتبه بمصاحفهم وجعلها إماما ومدرسةً للناس ، وكانوا لا يثبتون فيها إلا ما ثبت أنه قرآن ، دون غيره.وإذا احتملَ أمرُ هذه القراءاتِ جميعَ هذه الوجوهِ كان القطعُ على أنهامن كلامِ الله تعالى الذي يجبُ إثباته وقراءته جهلاً وتفريطا ممن صار إليهِ ولاسيما مع العلمِ بحصولِ إجماعِ الأمةِ على مصحف عثمانَ رضوان الله عليه .وإذا كان ذلكَ كذلكَ بأنَ بهذه الجملةِ سقوطُ كل ما يتعلقون به من هذه الرواياتِ وأن العملَ في هذا البابِ على ما نقله المسلمون ، خلَفٌ عن سلَف على وجه تقومُ به الحجة ، وينقطعُ العذرُ عن عثمانَ والجماعةِ وأن عليا وغيرهُ من الصحابةِ كانوا لا يقرؤون إلا هذه القراءة ولا يرجعون إلا إليها .ولا يُحكَمون غيرَ هذا المصحف فيما نزلَ بهم ، وبالله التوفيق».[ الانتصار (1/421-427). ملتقى أهل الحديث

قالوا: روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها} إن الكتاب أخطأ، إنما هو {تستأذنوا} فهذا يدل على أن القرآن دخله بعض التحريف والتبديل بسبب الكتابة.

والجواب:

1- أن هذا القول غير صحيح في نسبته إلى ابن عباس وهو مدسوس عليه، دسه الملاحدة والزنادقة، قال أبو حيان ما نصه: إن من روى عن ابن عباس أنه قال ذلك فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين، وابن عباس بريء من ذلك القول. وقال الزمخشري في تفسيره: وعن ابن عباس وسعيد بن جبير: إنما هو حتى تستأذنوا فأخطأ الكاتب، ولا يعول على هذه الرواية. وقال القرطبي في تفسيره بعد ذكر هذا عن ابن عباس أو سعيد ابن جبير وهذا غير صحيح عن ابن عباس وغيره، فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان فهي التي لا يجوز خلافها، وإطلاق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس: وقد قال عز وجل: {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}، وقد روى هذا الخبر عن ابن عباس ابن جرير، ولا يخلو إسناده من مدلس أو مضعف، ورواه الحاكم وصححه، وتصحيح الحاكم غير معتبر عند أئمة الحديث، وقد تعقبه الإمام الذهبي في نحو مائة حديث موضوع ذكرها في كتابه المستدرك فضلا عن الضعيف والواهي.

2- يؤيد رد هذه الرواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه ورد عنه تفسير {تَسْتَأْنِسُوا} بقوله: وتستأذنوا من يملك الإذن من أصحابها، فثبوت هذا التفسير عنه يرد ما ألصق به، وقد روى هذا التفسير عنه ابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن جرير وابن مردويه ولعل الراوي عن ابن عباس وهم حيث فهم من تفسير الاستئناس بالاستئذان أنه الصواب، فروى الخبر على ما ظن وهو واهم.

ويردها أيضا إجماع القراء السبعة على لفظ {تستأنسوا} ومن المستبعد جدّا أن يقرأ ابن عباس بقراءة يكون الإجماع على خلافها، ولاسيما وهو ممن أخذ القراءة عن زيد بن ثابت وهو عمدة الذين جمعوا القرآن في المصاحف بأمر عثمان رضي الله عنه، وما نقل عن ابن عباس وأبي أنهما كانا يقرءان {تستأذنوا} فمحمول على أنها قراءة تفسير وتوضيح، وأيضا فالقراءة المتواترة الثابتة {تَسْتَأْنِسُوا} متمكنة في باب الإعجاز من القراءة المزعومة {تستأذنوا}. فالاستئذان ينصرف إلى الاستئذان بالقول، وأما الاستئناس فيشمل القول وغيره من الأفعال التي تؤذن بالقدوم كالتسبيح والتحميد والتنحنح وما شابه ذلك، هذا إلى ما تشير إليه القراءة المتواترة من أن يكون الاستئذان يقصد به الأنس وإزالة الوحشة، وعدم إيلام المستأذن عليه، ولا هكذا لفظ {تستأذنوا} فقد يكون الاستئذان مصحوبا بالخشونة، أو الإيحاش أو الإيلام، إلى غير ذلك من الأسرار والمعاني النبيلة التي تظهر لمن يمعن النظر في القرآن.

3- إن صحت الرواية فيمكن أن تحمل على الخطأ في الاختيار من الكاتب ويكون ذلك على حسب ظن ابن عباس لا بحسب الواقع ونفس الأمر، قال ابن أشتة في كتاب (المصاحف): مراد ابن عباس الخطأ في الاختيار وترك ما هو أولى القراءتين بحسب ظنه. وتكون قراءة ابن عباس مما ترك بسبب جمع الناس على حرف واحد، وهو حرف قريش، فإنهم التزموا جمع ما ثبت بالتواتر دون ما روي آحادا وما ثبت نسخه.

4- إن هذه الرواية على فرض صحتها رواية آحادية، والآحادي لا يعارض القطعي الثابت بالتواتر، ولا يثبت بها قرآن، ولاسيما وقد خالفت رسم المصحف، فما بالك وهي ضعيفة ومعارضة بروايات أخرى عن ابن عباس كما بينا!