Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

السكران في ذمة الصاحي

سلسلة ربحت الصحابة ولم أخسر آل البيت (10) ..

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

المقدمة

"ربِ اشرح لي صدري ويسر لي أمري يفقهوا قولي"

    
     سلمان الفارسي رضي الله عنه ترك دين آباءه المجوس وعبادة النار وتنقل بين البلدان بحثاً عن الحقيقة، فوجدها في إتباع دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
     يوم أرحل أخبروا من أعنيهم من الناس بأنني جاهدتُ كثيراً أن يصحوا من سكرتهم لأريهم ما كان يدور من حولهم.
    لأن الصاحي صاحي، فهو مطالب أن يلتفت إلى السكران، فهو في ذمته يقدم له النصح تفيقه من سكرته كي يعرف ما يدور من حوله، وإلا الندم كان من نصيب الإثنين، فالصاحي يعتب عليه لأنه ترك السكران في سكرته، ومغّيب عن الحقائق، وأيضاً استمرار السكران في سكرته حتى النهاية خسارة له وندم.
     لذلك قالت العرب: "السكران في ذمة الصاحي"
     في ذهنك تعتبر نفسك الأفضل في العالم، ولا ترى أحداً أفضل منك داخل عقلك، وهذه حقيقة كل إنسان حتى لو استحيى أن يعلنها، لذا يسعى للحصول على أفضل الأشياء. فبالأمس أنا كنت من عوامكم، سكران مغيب عن الحقائق، واليوم أنا ناصحكم الصاحي.
     قالوا - وأنا أقولها: أن للحقيقة دائماً روايتين على الأقل، رواية صادقة، وأخرى يجب أن تصدق عند البعض، وإن كانت كاذبة أو أدلتها ضعيفة.
     فهل يليق بالعاقل أن يحتاط لبدنه ويذهب إلى أمهر الأطباء مهما كلفه من أموال، ويحتاط لسيارته ويذهب إلى أمهر ميكانيكي لصيانتها، وكذلك لو أراد أن يبني بيتاً لسأل عن ذلك أمهر المهندسين والعمال، ثم يتهاون في أمر دينه؟!
     إذاً لا تخف من أن تعلن أنك كنت مخطئاً يوماً ما إذا توصلت إلى الحقيقة مهما كان الموقف محرجاً أو صعباً، فلا تتبنى أبداً رأياً يخالف الحق.
     فإذا كنت تحترم عقلك فيجب أن تجتهد في البحث عن الحقيقة حتى تعثر عليها وتختارها وتكون بالفعل أنت الأفضل. فقط فكر وراقب ثم قرر الإختيار..
 

أبو خليفة على القضيبي
                                                                    8 / 5 / 2023م

الاستغاثة والتوسل بالموتى
تساؤلات مشروعة !!

     لو اشتكى الإنسان من عقله كما يشكي من منظره، لسعى بكل قوته إلى تحسينه، فبتحسين الإنسان لعقله تتحسن أموره كلها وأهمها العقيدة.
     أما أن عليه اختيار الكلمات المناسبة بحجة أنه لا داعي أن يكذب، وصف بالدجل.
     قال تعالى: (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر: 14].
     الآية واضحة وضوح الشمس لا تحتاج إلى فلسلفة وتأويل لمعرفة معناها.
     إنها تدل على عدم مشروعية الاستغاثة ودعاء غير الله، لأنهم عاجزون سواء أصناماً أو أموات.
     ومن زعم أن أهل البيت شهداء، والشهيد حي يرزق، فمادام أنه حي إذاً فهو يسمع، ومادام أنه يسمع فإنه يستجيب.
     نقول له أن الله سبحانه وتعالى قال في الآية السابقة: (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ...) وقال: (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ..).
     أي لو فرضنا أن من تدعونهم يسمعون كما تعتقدون فإنهم أيضاً لا يستجيبون دعائكم.
     فالله عزوجل قطع في هذه الآية بالحجة على من يعتقد ذلك، كل السبل من مزاعم وأعذار. ووصفها الله عزوجل بالشرك، حيث قال عزوجل: "وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ".
     أضف إلى ذلك ما روي من طرق الشيعة عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: أفضل ما توسل به المتوسلون: الايمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة، وإقامة الصلاة فإنها الملة، وايتاء الزكاة فإنها من فرائض الله، وصوم شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله، وحج البيت فإنه ميقات للدين ومدحضة للذنب، وصلة الرحم فإنه مثراة للمال ومنسأة للأجل، وصدقة السر فإنها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنائع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهوان. (نهج البلاغة - ومن خطبة له عليه السلام في أركان الدين الإسلام)
     فذكر رضي الله عنه كل ما يُتوسل به، ولم يذكر منها التوسل به رضي الله عنه أو ببقية الأئمة!!

 

من أين جاءت الشهادة الثالثة في الأذان عند الشيعة؟

     العبد إن لم يتبع الحق والهدى، اتبع هواه، ومن أضراره فساد الرأي والوقوع في التناقض. ومخالفة أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال تعالى: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ) [النساء: 135].
     الشهادة الثالثة هي إضافة عند الشيعة لشهادتي كل من الأذان والإقامة وصيغتها: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله أشهد أنه علياً ولي الله - أو أشهد أن علياً وأولاده المعصومين حجج الله.
   فرغم أن هذه الشهادة لم ترد ذكرها في الأذان، إلا أنهم مصرون على ذكرها في الأذان والاقامة.
   روى الصدوق عن الإمام الصادق أنه قال: أنه " حكى لهما الاذان فقال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله. – أنظر: (من لا يحضره الفقيه، ج1 ص 290)
   وذكر قول علياً ولي الله في الأذان والاقامة عند الشيعة لا لكونه رضي الله عنه ولي من أولياء الله الصالحين. وإنما يقصدون كاعتقاد شيعي أنه الإمام والخليفة الأول بعد رسول صل الله عليه وآله وسلم وأن الصحابة اغتصبوها منه ومن بعده يأتي أولاده وهم المعصومون عندهم.
   قالوا أنهم يذكرونها في الأذان والاقامة من باب الاستحباب لا أنها جزء من الأذان والإقامة.
   نقول: كان الأولى أن يذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من باب الاستحباب. فهل نحن نحب علياً أكثر من محبة محمد صلى الله عليه وآله وسلم له؟
   وهذا آية الله العظمى السيد محسن الطبطبائي الحكيم في کتابه (مستمسك العروة الوثقى" ج5 ص545 – طبعة إحياء التراث – بيروت) يصر على أن الشهادة الثالثة معدودة من شعائر الإيمان ورمز التشيع.
   وأما الشيخ الصدوق وهو ثقة عند الشيعة وفي كتابه (من لا يحضره الفقيه" ج1 ص 290)، يذكر كلاماً خطيراً. يقول: والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا وزادوا في الاذان " محمد وآل محمد خير البرية " مرتين وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله " أشهد أن عليا ولي الله " مرتين ومنهم من روى بدل ذلك " أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا " مرتين ولا شك في أن عليا ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقا وأن محمدا وآله صلوات الله عليهم خير البرية ولكن ليس ذلك في أصل الاذان.

 
   وقد ذهب الطّوسي في كتابه "النِّهاية"، وهو من أكابر علماء الإمامية إلى القول: وأمَّا ما روى من شواذ الأخبار من قول: أشهد أنّ علياً وليّ الله، وأنّ محمداً خير البريّة، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً – (أنظر: النهاية، ج1، ص293).
   وقال أيضاً: أمَّا قول: أشهد أنَّ عليّاً وليّ الله، وأنَّ محمّداً خير البريَّة، على ما ورد من شواذ الأخبار، فليس بمعمولٍ عليه في الأذان والإقامة، ولو فعله الإنسان يأثم. (أنظر: المبسوط، ج1، ص999).
   وقال الشّهيد الأوّل وهو أيضاً من كبار علماء الشيعة: أمّا الشّهادة لعليّ بالولاية، وأنَّ محمداً وآله خير البريّة، فهما من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان، وقطع في النّهاية بتخطئة قائله. (انظر: الدّروس، ج1، ص162).
     وقال الشّهيد الثّاني: لا يجوز اعتقاد شرعيّة غير ذلك (الفصول) في الأذان والإقامة، كالتشهّد بالولاية لعليّ، وأنّ محمداً وآله خير البريّة، أو خير البشر، وإن كان الواقع كذلك، فما كلّ واقع حقاً يجوز إدخاله في العبادات الموظّفة شرعاً، المحدّدة من الله، فيكون إدخال ذلك فيها بدعةً وتشريعاً، كما لو زاد في الصَّلاة ركعةً أو تشهّداً، أو نحو ذلك من العبادات، ولو فعل هذه الزّيادة أو إحداها بنيَّة أنّه منها، أثم في اعتقاده. (انظر: الرّوضة البهيّة، ج1 ص573).
     وقال المحقِّق الأردبيليّ بعد أن نقل قول الصدوق المتقدِّم: ينبغي اتّباعه؛ لأنه الحق. (أنظر: مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، ج2 ص181).
   وقال جعفر كاشف الغطاء: ليس من الأذان قول: أشهد أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّ محمّداً وآله خير البريَّة، وأنَّ عليّاً أمير المؤمنين حقاً مرَّتين، لأنَّه من وضع المفوّضة لعنهم الله، على ما قاله الصّدوق. (أنظر: كشف الغطاء، ج1 ص275).
     وغيرهم من علماء الشيعة الإمامية.

 

معنى "حيّ على خير العمل" في الأذان عند الشيعة

     الإنسان كلما تقدم في العمر ازداد نضجاً، وأما العواطف فإنها نشطة ومتحركة ومتغيرة حسب المواقف. لذا حُذرنا من نِحكم العواطف عند اصدار الأحكام، حتى لا يصبح الغلط احتمالاً أكيداً !!.
     فهل الشيعة البسطاء العامة يعرفون أن "حيّ على خير العمل"، في الأذان لها معنيين؟
     لعل الأغلب يعرف أنها تعني الصلاة نفسها. وهذا هو التعريف الظاهري، وأما التعريف الباطني (الخاص)، لا يصرح به إلا مراجعهم وهو يعني الدعوة إلى ولاية أهل البيت رضي الله عنهم. وأن هذه كانت من فصول الأذان في الأصل، وموجوده في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن عمر رضي الله عنه هو من قام بحذفها من الأذان، لأن تكرار هذا النداء في الأذان سيدفع الناس إلى السؤال عن خير العمل حتى يبادروا إليه ويلتزموا به وهو ولاية أهل البيت رضي الله عنهم التي تعنى الإمامة لهم بعد النبي صلى اللہ علیہ وآله وسلم.
     أقول: لو كانت بالفعل موجودة في زمن النبي صلی اللہ علیہ وآله وسلم وكانت تعنى الصلاة نفسها، لما استطاع عمر رضي الله عنه حذفها من الأذان لأن بالفعل الصلاة من خير الأعمال !!
     أو لو كانت تعني أنها الولاية، لصرح بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صراحةً وقال: حيّ على ولاية علي وأهل البيت، أو حيّ على ولاية علي وأهل البيت خير العمل. ولم يجعلها مبهمة ولغزاً.
وفي هذه الحالة لو حذفها عمر رضي الله عنه، لكان للتاريخ كلام آخر.
     نعم قد يذهب البعض إلى ورود ذلك في بعض كتب أهل السنة، ولكن ذلك لا يصح سنداً عند التحقيق، ولا يُعد عندهم من فصول الأذان.

 

الوضوء عند الشيعة

     قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ"- المائدة: 6.
     جاءت هنا مسألتان وقراءتان (وأرجلَكم) بالفتحة على حرف اللام و(وأرجلِكم) بالكسرة تحت حرف اللام.
     فقيل هل الرِجل هنا تتبع الرأس وتمسح لأنها قرأت مجرورة بالكسرة أو تغسل مع الوجه واليدين لأنها جاءت بالفتحة على حرف اللام؟
    الخلاف هنا أن الشيعة يقولون الرجل تمسح لقراءة الآية على ظاهرها.
والقول الصحيح أنها تغسل.
     الدليل الأول: أن القراءتان ثابتتان والآية إذا جاءت وفيها أمرين مختلفين ومتضادين تعامل معاملة الآيتين، إذاً تمسح وتغسل.
     وهذا إلا إذا لم يكن هناك أدلة أخرى تؤيد أحد القولين، فينظر في المسألة.      فوجدنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طوال حياته لم يثبت عنه ولا مرة واحدة على الأقل أنه مسح، باستثناء على الخف في حضره وسفره.
     ولو كان جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم. بل كل من ذكر صفة وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل السنة والشيعة أنه كان يغسل قدميه في الوضوء. وقد جاء من طرق الإمامية عن علي رضي الله عنه انه قال: اما بعد إلى أن قال ثم الوضوء فإنه من تمام الصلاة اغسل كفيك ثلاث مرات وتمضمض ثلاث مرات واستنشق ثلاث مرات واغسل وجهك ثلاث مرات ثم يدك اليمنى ثلاث مرات إلى المرفق ثم يدك الشمال ثلاث مرات إلى المرفق ثم امسح رأسك ثم اغسل رجلك اليمنى ثلاث مرات ثم اغسل رجلك اليسرى ثلاث مرات. – (أنظر جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي 2/ 280).
     وقد جاء أيضاً في أهم كتب الإمامية عن الصادق عليه السلام قال: إذا نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثم اغسل اليسار وإن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك. – (أنظر: الكافي، للكليني، 3/ 35، الاستبصار، للطوسي، 1/ 74، تهذيب الأحكام، للطوسي، 1/99، وسائل الشيعة، للحر العاملي، 1/452، جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي، 2/314).
     الدليل الثاني: في لغة العرب المسح يمكن أن يطلق والمراد به المسح على الخفين، لأنه يوجد غسل القدمين ويوجد مسح الخفين. ولكن الشيعة ينكرون المسح على الخفين حتى لا يوافقوا من قال من أهل السنة بجواز حمل الآية على غسل القدمين وكذلك المسح على الخفين، فأنكروا مسألة المسح على الخفين من الأصل حتى تكون الآية محمولة فقط على مسح الرجلين المكشوفتين وليس على الأمرين (أي الغسل والمسح) كما يذهب عليه رأي مخالفيهم.
     ثم أنهم وقد خالفوا هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة رحمهم الله في غسل القدمين وأصروا على المسح، ووجدوا أن أكثر أعضاء الجسم عرضة للأوساخ هي القدمين، ولا تزول هذه الأوساخ إلا بالغسل، والآية حسب نظرهم تأمر بالمسح لا الغسل، فلو كان المسح يجزي أو يفي بالنظافة والطهارة لما احتاجوا إلى غسل الرجلين قبل البدء في الوضوء. فاضطروا إلى إحداث بدعة غسل أرجلهم قبل الشروع في الوضوء.
     الدليل الأخير: ما جاء في غسل الوجه ثم اليد ثم مسح الرأس ثم الرجلين في الآية من أجل بيان ترتيب غسل الأعضاء وليس بيان وجود غسلتين ومسحتين، لذا فغسل الرجلين معطوف على الوجه واليدين، فمن الأمور المقررة عند النحاة الجر بالمجاورة، واستدلوا على هذا بما ينقل عن العرب قولَهم: "هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ"، فالأصل أن يُقال: "خربٌ" لأنه صفة للجحر لا الضب، ولكنه أخذ حركة الضب وهي الكسرة بسبب المجاورة، هذا ما يذكره النحاة أن الجار يتبع المجرور.
     حتى وإن جاز ذلك لغةً كما مر بنا في المقدمة، فحمل وأرجلكم على الغسل هو الأرجح.
     وبعد كل ما مر فالشيعة أمام أمرين، إما قَبول كل الأدلة السابقة سواء العقلية منها أو النقلية، أو البحث عن حل آخر يخرجهم من إصرارهم على مسألة مسح القدمين بدل غسلها في الوضوء. أم أن هي مخالفة وحسب؟

 

كم أذان عند الشيعة؟

     بما أن الأصل هو إجماع المسلمين على أن عدد الصلوات في اليوم والليلة هو 5 مرات، فعلية يكون عدد الأذان أيضاً 5 مرات، هذا إذا استثنينا مسألة الجمع في حال الضرورة كما بيّنا سابقاً.
     وحيث أن الأصل عند الشيعة اليوم هو الجمع، فعدد الأذان أصبح عندهم 3.     فهل يجوز أخذ الأجرة على عمل لم يقم به صاحبه؟ ولعل من المناسب من باب الإنصاف أن تقوم وزارات الأوقاف بخفض رواتب المؤذنين الشيعة بنسة 20 % عن رواتب مؤذني أهل السنة الذين يؤذنون 5 مرات في اليوم والليلة، أو يزيدون رواتب الذين يؤذنون 5 مرات.

 

الجمع بين الصلوات

     الشرع سهل على المسافر أمر الصيام، ويسر على من فقد الطهارة بالتيمم عند عدم وجود الماء، وأجاز للمضطر أكل الميتة في مكان لا يوجد به إلا ما هو حرام أكله أو شربه بالقدر الذي يبقيه على قيد الحياة مع اليقين أن هذا الفعل لا يضره، وذلك مخافة الهلاك بسبب الجوع، بمعنى أنه لا يوجد شيئاً يدفع الضر إلا هذا الشيء الحرام.
     وكذلك الأمر في شأن الصلوات، حيث أجاز الشرع الجمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس لم فعل ذلك قال: أراد أن لا يحرج أمته.
     إذاً الأصل في الصلوات التفريق، ولو كان الأمر خلاف ذلك لما ورد هذا الحديث أصلاً، وهذا يدل على أن صلواته صلى الله عليه وآله وسلم هو الفصل لا الجمع، وقد جاء هذ الحديث لبيان رفع أي مشقة تواجه المكلف، وهذا خلاف ما يفعله الشيعة، وإلا لبينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حينه.
     وقد جاء عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من طرق الشيعة ما يدل على هذا، حيث قال: َصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ - حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِضِ الْعَنْزِ - وصَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْوٍ مِنَ النَّهَارِ - حِينَ يُسَارُ فِيهَا فَرْسَخَانِ - وصَلُّوا بِهِمُ الْمَغْرِبَ حِينَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ - ويَدْفَعُ الْحَاجُّ إِلَى مِنًى - وصَلُّوا بِهِمُ الْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ - وصَلُّوا بِهِمُ الْغَدَاةَ والرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْه صَاحِبِه. – (نهج البلاغة، من كتاب له عليه السلام إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة).
     وفي هذا دلالة واضحة على الأوقات الخمسة للصلوات، حيث ذكر وقت صلاة الظهر، ثم ذكر وقت صلاة العصر ثم ذكر وقت صلاة المغرب، ثم ذكر وقت صلاة العشاء. إلخ
     ولم يذكر رضي الله عنه في كتابة هذا الجمع بين الصلوات، وهذا يعني أن الأصل هو الفصل بين الأوقات مع جواز الجمع إذا توفرت الأسباب. وهذا خلاف ما يفعله الشيعة الآن من جعل الجمع هو الأصل.
     وجاء أيضاً في وجوب خمس صلوات في خمس مواقيت من طرق الشيعة، عن الإمام الصادق رحمه الله أنه قال: لما أهبط آدم من الجنة ظهرت به شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدمه فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر به فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له ما يبكيك يا آدم؟ فقال من هذه الشامة التي ظهرت بي قال قم يا آدم فصل فهذا وقت الصلاة الأولى، فقام فصلى، فانحطت الشامة إلى عنقه، فجاءه في الصلاة الثانية فقال قم فصل يا آدم فهذا وقت الصلاة الثانية فقام فصلى فانحطت الشامة إلى سرته فجاءه في الصلاة الثالثة فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الثالثة فقام فصلى فانحطت الشامة إلى ركبتيه فجاءه في الصلاة الرابعة فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الرابعة فقام فصلى فانحطت الشامة إلى قدميه فجاءه في الصلاة الخامسة فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الخامسة فقام فصلى فخرج منها فحمد الله وأثنى عليه فقال جبرئيل عليه السلام يا آدم مثل ولدك في هذه الصلوات كمثلك في هذه الشامة من صلى من ولدك في كل يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة – (من لا يحضره الفقيه، لابن بابوية القمي، باب: علة وجوب إتيان الصلوات في خمس مواقيت).
     وكذلك جاء عن الحسن بن علي عليه السلام قال جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أخبرني عن الله لأي شئ وقت هذه الخمس الصلوات في خمس مواقيت على أمتك في ساعات الليل والنهار؟. الحديث. (أنظر بحار الأنوار، للمجلسي، 79 / 253).
     إذاً نفهم من هذه الأدلة أن هناك اتفاق على أن الأصل هو الفصل بين الصلوات، وأن الأوقات خمسة، وأن الجمع هو الاستثناء، أما الخلاف فهو جعل الجمع هو الأصل على الاطلاق دون عذر واتخاذها عادة كما يفعل الشيعة والتي تميزهم عن غيرهم وهذا ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا من جاء بعده.
     ومن الطرائف أن الشيعة يصرون على صحة حديث رد الشمس لعلي رضي الله عنه ليصلي العصر، والذي جاء فيه قوله رضي الله عنه: أنشدكم بالله، هل فيكم من ردّت عليه الشمس غيري؟ حين نام رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل رأسه في حجري حتّى غابت الشمس، فانتبه فقال: يا علي صلّيت العصر؟ قلت: اللّهمّ لا، فقال: اللّهمّ ارددها عليه – رسائل في حديث رد الشمس، للمحمودي، 104. فهذا الحديث الذي يؤمن به الشيعة هو حجة عليهم لأنه يدل على أن علي رضي الله عنه لم يكن يجمع في الأصل لأن الجمع لم يكن هو الأصل، لذلك صلى الظهر في وقته، لذا قال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حسب ما جاء في الحديث: هل صليت العصر؟ ولم يقول له هل صليت الظهر والعصر؟ !! ولو كان فعل الشيعة كما نراه اليوم الجمع هو نفس فعل علي رضي الله عنه لما إحتاج أن يسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصلاً، لأنه صل وجمع وإنتهى..

وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة

     التكتف في الصلاة أو القبض، هو وضع اليد اليمين على الشمال بالصلاة، وهذا ما يرون أهل السنة فعله في الصلاة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:  إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة (رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني). ولما روي في صحيح مسلم:.. وكان صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى».
     وفي هذه الأحاديث دلالة على فعل الأنبياء له.
     أما الشيعة فرغم أنه قد جاء من طرقهم ما يجيز التكتف في الصلاة، إلا أنهم ذهبوا إلى حرمته وبطلان الصلاة به.
     فعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال: لا بأس أن بني إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين – (تفسير العياشي، للعياشي، 2/36).
     وفي هذه الرواية دليل على وجوب مخالفة اليهود الذين يدخلون في الصلاة كسالى ومتماوتين.
    وكلمة متماوتين في الرواية يقصد مثل الأموات والإمام يقصد بها أن إسدال اليدين في الصلاة يشبه الإنسان الميت، أي لا تكونوا وأنتم تصلون كسالى وكأنكم أموات مثل بني إسرائيل.
     ولكن كعادة الشيعة في حمل كل ما يوافق أهل السنة على التقية، قالوا: الظاهر أن نفي البأس في الخبر المذكور خرج مخرج التقية. (أنظر: الحدائق الناضرة، ليوسف البحراني، 9/16)
     وقد نقل عن بعض علماء الشيعة أن تركه مستحبا وعن بعضهم أن فعله مكروها. (أنظر: الحدائق الناضرة، ليوسف البحراني، 9/10)
     أما ما يروى عن الإمام مالك رحمه الله في إسدال اليدين فهو مخالف لما جاء في كتابه "الموطأ" في باب "وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة" حيث ذكر فيه بعض الروايات، ومنها:
     عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري، أنه قال: من كلام النبوة (إذا لم تستحي فافعل ما شئت) ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة (يضع اليمنى على اليسرى) وتعجيل الفطر. والاستيناء بالسحور.
    عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد، أنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
     فكيف ينقل عنه بجواز التكتف ثم ينسب إليه أنه كان لا يرى التكتف في الصلاة؟!!، ولكن الصحيح هو أنه قيل أن مالك رحمه الله ضُرب لما رفض القضاء فلم يستطع وضع يديه على صدره في الصلاة فأسدلهما للألم فظنّ بعض من رآه أنها السنة ونقلها عنه كما رآه، لذا نجد قلة من أهل السنة من يسدل في الصلاة تقليداً لفعل من ظن عن الإمام مالك بالاسدال في الصلاة، دون التحقق في سبب أصل إسداله.

 

قول "آمين" في الصلاة

     يرى أهل السنة والجماعة أن قول كلمة "آمين" في الصلاة بعد قراءة الفاتحة ليست جزء منها، أو آية منها، بل ولا آية من القرآن، وإنما هو دعاء لله عزوجل بأن يستجيب لنا لقولنا: 0ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰ⁠طَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰ⁠طَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ).
     وهذا امتثال لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال "إذا أمن الإمام، فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه"وقال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين. (رواة البخاري ومسلم)
     وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " إن اليهود قوم حسد، وإنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدونا على السلام، وعلى آمين" (أخرجه ابن خزيمة في صحيحه)
     أما فقهاء الشيعة فقد اتفقوا على القول بحرمته وبطلان الصلاة به، رغم ما جاء من طرقهم عن ابن أبي عمير عن جميل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين قال ما أحسنها واخفض الصوت بها.
     ولكن كما ذكرنا سابقاً أن الشيعة يحملون كل رواياتهم وأقوالهم التي توافق أهل السنة على التقية، حيث قال شيخهم الطوسي في الرواية السابقة: لو صح هذا الخبر لكان محمولا على التقية (تهذيب الأحكام، للطوسي، 2 /75).

 

المرور بين يدي المصلى
(المرور أمام المصلي)

     لا أعتقد أن هناك من يخالفني من أهل السنة أو الشيعة على المشهد المتكرر أثناء وقت الصلاة للشيعة.
     فالمرور بين يدي المصلي دون أن يمنعه المصلي، أو ينبه من قبل الشيعة الموجودين في المسجد أصبح من المشاهد المتكررة أثناء جميع الصلوات، بل أصبحت من الأمور العادية واللامبالاة لديهم.
     وهذا الذي يفعله الشيعة مخالف لهدي الأئمة، وفي ذلك روايات عدة، منها:
     عن ابن أبي يعفور قال سئلت ابا عبد الله عليه السلام عن الرجل هل يقطع صلاته شئ مما يمر بين يديه فقال لا يقطع صلاة المؤمن شئ مما يمر به ولكن
ادرأوا ما استطعتم.
     وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل أيقطع صلاته شئ مما يمر بين يديه فقال لا يقطع صلاة المسلم شئ ولكن ادرأ ما استطعت.
     وعن علي عليه السلام انه سئل عن المرور بين يدي المصلى فقال لا يقطع الصلاة شئ ولا تدع من يمر بين يديك وان قاتلته.
     وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يقطع الصلاة شئ ولكن استتروا بشيء فإن كان بين يديك قدر ذراع رافعا من الأرض فقد استترت.
     وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه وآله ذراعا وكان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين يديه.(أنظر: جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي، 5/ 542).

 

الالتفات في الصلاة

     الالتفات في الصلاة مكروه، سواء التفت المصلي برأسه أو بعينه إلا لحاجة.
     ولكن المُشاهَد في صلاة الشيعي أنه كثير الالتفات بعذر أو من غير عذر، حتى أصبح عادة ملفته تميزه بذلك.
     وقد ورد من طرق الإمامية عن الأئمة ما يعارض هذه الفعل، من ذلك:
     عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلَّب وجهك عن القبلة فيفسد صلاتك، فإنّ اللَّه تعالى قال لنبيّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم في الفريضة (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره). واخشع بصرك ولا ترفعه إلى السّماء ولكن حذاء وجهك في موضع سجودك.
     وعن أبي ذرّ قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم: لا يزال اللَّه مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه.
     وعن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه فلا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات فإذا التفت ثلاث مرات أعرض عنه.
     وعن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان فإياكم والالتفات في الصلاة فان الله مقبل على العبد إذا قام في الصلاة فإذا التفت قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم عمن تلتفت ثلاثة فإذا التفت الرابعة أعرض الله عنه.
     وعن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال: قال علي عليه السلام للمصلي ثلاث خصال ملائكة حافين من قدميه إلى أعنان السماء والبر ينتثر عليه من رأسه إلى قدمه وملك عن يمينه وعن يساره فان التفت قال الرب تبارك وتعالى إلى خير مني تلتفت يا بن آدم؟ لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل. (أنظر: وسائل الشيعة، للحر العاملي، 4/289)

 

السجود على التربة الحسينية

     التربة أو التربة الحسينية هي عبارة عن طين مجفف بالشمس من أرض كربلاء يسجد عليها الشيعة في صلاتهم.
     لا أنكر أنني كنت ممن يستنكرون على من لا يرى السجود على التربة، فقد كنت من الساجدين عليها في صلواتي بحجة أن الرسول صلى الله علیہ وآله وسلم قد صلى على التراب.
     وقد جاء في كتب الفريقين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أعطيت خمسا، لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي. وذكر منها وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل.
     وقد جاء من طرق الشيعة مشروعية السجود على البساط والخمرة، فعن الصادق وقد سئل عن الصلاة على البساط والشعر والطناف، فقال: " لا تسجد عليه وإن قمت عليهسجدت على الأرض فلا بأس وإن بسطت عليه الحصير وسجدت على الحصير فلا بأس ".
     وعنه أيضاً: "كان أبي يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة، ويسجد عليها فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد عليها ".
     وقال: السجود على الأرض فريضة وعلى الخمرة سنة.
     وعن داود الصرمي قال: سألت علي الهادي: هل يجوز السجود على القطن والكتان من غير تقية؟ فقال: جائز.
     وعن الباقر: لا بأس أن تسجد وبين كفيك وبين الأرض ثوبك.
     والروايات كثيرة. انظر (وسائل الشيعة، للحر العاملي (أبواب ما يسجد عليه).
     وإذا قيل بعد كل ما مر أننا نضع التربة لأنه لا يجوز السجود إلا على التراب، فنقول فيجب عليك إذاً أن تضع اليدين على التراب وكذلك الركبتين، بل ويلزمك أيضاً نزع الفرش والسجاجيد الموجودة في المساجد لتكون الركبتين على التراب، وكذا الجوارب يجب أن تنزع وتضع القدمين على التراب. وإذاً لا داع حتى لفرش كربلاء حتى تكون الأعضاء السبعة على التراب في حال السجود في الصلاة.
     فلم إذاً تُخص الجبهة دون غيرها بالتربة ونحن مأمورون بالسجود على سبعة أعظم وليس فقط واحده وهي الجبهة.
     وقد جاء في كتب الشيعة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم. (أنظر بحار الأنوار، للمجلسي، 18 / 194)
     وقال أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم: "أمرت ان اسجد على سبعة أطراف: الجبهة واليدين والركبتين والقدمين". – (مستدرك الوسائل، للنوري الطبرسي، 4/ 455).
     فالسجود ليس على الجبهة فقط، فأي عضو من الأعضاء السبعة المذكورة إذا لم تصيب الأرض فلا تصح الصلاة.
     وإذا وضع المصلي أعضائه على الأرض دون جبهته فلا تصح صلاته، وكذا لو سجد وجعل جبهته وركبتيه على الأرض وجعل إحدى يديه معلقة في الهواء فإن صلاته لا تصح، والكلام هنا عن غير العاجز، وكذا لو سجد المصلي وجعل إحدى رجليه معلقة في الهواء بدون سبب فلا تصح صلاته وهكذا.
     إذاً السجود على هذه الأعظم مطلوب وليس فقط الجبهة. وتخصيص الجبهة لا معنى له، فيجب السجود على السبعة الأعظم ومنها الوجه ويشمل الجبهة والأنف.
     وأما تخصيص تربه معينه للسجود عليها في الصلاة وحمل المصلي لها في كل مكان لم يكن من هدي النبي صلى الله علیه وآله وسلم ولا من جاء بعده.
     ثم اعلم أن مسألة القول بأفضلية تربة الإمام الحسين رضي الله عنه على سائر تراب الأرض قد تطور عند الشيعة مع مرور الزمن من استحباب السجود عليها إلى الوجوب، ثم إلى التبرك والتمسح بها، ثم إلى بيعها بقصد الاستشفاء، وذلك بأكل قدر الحمصة منها إلى غيرها من أمور مسطورة في كتبهم ومشهورة عندهم.
     وليس من المستبعد أن يأتي يوم لا يتيمّم فيه الشيعي إذا فقد الماء سوى بتراب أرض كربلاء، بحجة أن ما سواها أراضي غير طاهرة، لذا تراهم لا يصلون على الأرض في أي مكان ويصرون على وضع التربة إذا صلوا عليها بحجة احتمال نجاستها.  
     ولا ادري لماذا إذاً لا يفرشون مساجدهم في كل مكان بتراب كربلاء إن كان كل ما سواها غير طاهر!؟
     وأخيراً كيف نفهم ونفرق بين من قال أن الدم نجس حتى لو كان دم المعصوم عند الشيعة، وبين القول بطهارة تراب قبر الحسين رضي الله عنه المختلط بدمه كما يعتقد البعض؟
     والطريف أن من قالوا بطهارة الدم، نراهم يغسلون أنفسهم وثيابهم إذا لامستها الدماء. أليس هذا تناقض!؟
     وكذلك هل يعقل مع كل هذه الأطنان التي أخذت من تراب قبر الحسين رضي الله عنه ومحيطه عبر كل هذه القرون، والتراب لازال على وضعه إلى اليوم دون نقصان حقيقي!!؟
    تساؤلات كثيرة تبحث عن إجابات.

 

التسليم في الصلاة يميناً وشمالاً

     أورد الشيعة الإمامية من طرقهم عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا كنت في الصف فسلم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك لأن عن يسارك من يسلم عليك وإذا كنت إماما فسلم تسليمة وأنت مستقبل القبلة.
     وعنه أيضاً قال إن كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك وإن كنت مع إمام فتسليمتين وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة.
     وعنه أيضاً قال: الامام يسلم واحدة ومن وراه يسلم اثنتين فإن لم يكن عن شماله أحد يسلم واحدة.
     وعن علي بن جعفر قال: رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمدا بني جعفر عليه السلام يسلمون في الصلاة عن اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم
ورحمة الله.
أنظر هذه الروايات في: وسائل الشيعة، للحر العاملي (باب كيفية تسليم الإمام والمأموم والمنفرد ومن يستحب قصده بالسلام).
     رغم الروايات التي ذكرناها والمسطرة في كتب الشيعة الإمامية عن الأئمة المعصومين عندهم، والتي تبين مشروعية تسليم المصلي عن يمينه وعن شماله، إلا أننا لم نشاهد قط احد من الشيعة يفعل ذلك وهم الذين يدعون متابعة الأئمة رحمهم الله.

صلاة التراويح من طرق الشيعة

     عدة روايات تنتهي أسانيدها إلى أئمتهم تنص على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلى صلاة التراويح. منها:
     عن أبي جعفر عليه السلام قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ايها الناس إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور.
     وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة وأنا أزيد فزيدوا... (تهذيب الأحكام، للطوسي، بَابُ فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَالصَّلَاةِ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى النَّوَافِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ)
     وهذا نص صريح في جواز الزيادة في رمضان بل وهذا الإمام جعفر الصادق نفسه يدعو إلى الزيادة ويمارسها شخصياً.
     وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزيد في صلاته فيي شهر رمضان إذا صلى العتمة صلى بعدها، يقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم ثم يخرج أيضاً فيجيئون ويقومون خلفه فيدخل ويدعهم مراراً، قال: وقال لا تصل بعد العتمة في غير شهر رمضان.
    وعن محمد بن يحيى قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسُئل هل يُزاد في شهر رمضان في صلاة النوافل؟ فقال: نعم، قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بعد العتمة في مصلاه فيُكثر، وكان الناس يجتمعون خلفه ليصلّوا بصلاته، فإذا كثروا خلفه تركهم ودخل منزله، فإذا تفرق الناس عاد إلى مصلاه فصلى كما كان يُصلّي، فإذا كثر الناس خلفه تركهم ودخل منزله، وكان يفعل ذلك مراراً.. (تهذيب الأحكام، للطوسي، 3/61)
     وفي هذا دلالة صريحة على جواز الزيادة في صلاة النوافل وأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاها جماعة بالمسلمين لكنه لما رأى حرصهم وتجمعهم عليها خشى أن تفرض عليهم.
     وأما عند أهل السنة فإنها ليست فرض ولا يؤثم المسلم إذا لم يعملها، لأن صلاة التراويح في رمضان سنة وليست واجبه على العباد.
     فإذا لم يصلي المسلم التراويح فلا يؤثم لتركها، ولكن يكون قد فوت على نفسه الأجر والثواب.
     والنبي صلى الله علیه وآله وسلم عندما ترك صلاتها في المسجد في الليلة الثالثة أو الرابعة لا لأنها لا تصلى، بل خوفاً من أن يظن المسلمين أنها فرض فيعجزوا عنها، كما ثبت ذلك عنه صلى الله علیه وآله وسلم في الأحاديث الصحيحة.
     أما تصرف عمر رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جمع المسلمين الصلاة التراويح خلف إمام واحد في المسجد، لأنه رأى كل رجل كان يصليها لحاله فأراد أن يُعيدهم ليصلوها كما كانوا يصلونها جماعه خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عهده، وهم على يقين أنها ليست فرض، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم انقطع الوحي فانتفى الخوف من فرضية صلاة التراويح فجمعهم عمر رضي الله عنه وفعل سنة الخلفاء الراشدين كما جاء في الحديث: عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ - أخرجه أحمد،  (17145)، وأبو داود (4607)، وابن أبي عاصم في «السنة» (32) و(57) و(1040) وغيرهم.
     وأيضاً للمسلم أن يصليها منفرداً في بيته، أو مع الجماعة في المسجد، وسواء صلاها شهر رمضان كاملة أو منقطعاً أو لم يصليها بتاتاً.

 

لبس الثوب القصير وإطلاق اللحية

     عند الشيعة من يلبس الثوب القصير ويطلق اللحية من أهل السنة يكون محل للسخرية !!!
     ولا يدرون أن في كتبهم نصوص لأئمتهم من أهل البيت رضي الله عنهم، بأن لبس الثوب القصير وإطلاق اللحية هو ما يجب أن يكون عليه المظهر الخارجي للرجل المسلم.
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عليا عليه السلام اشترى ثلاثة أثواب بدينار القميص إلى فوق الكعب والإزار إلى نصف الساق. ثم قال: ولكن لا يقدرون أن يلبسوا هذا اليوم ولو فعلناه لقالوا: مجنون، وقالوا: مرائي.
     وعن أبي جعفر قال: ما جاوز الكعبين ففي النار.
     وعن أبي الحسن عليه السلام: إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وآله: "وثيابك فطهر" وكانت ثيابه طاهرة وإنما أمره بالتشمير. (أنظر هذه الروايات في: الكافي، للكليني، باب: تشمير الثياب)
     وثم قول أخير، أن لباس المهدي المنتظر عند الشيعة هو الثوب القصير.
فعن أبي عبد الله عليه السلام: الله تعالى يقول: "وثيابك فطهر" قال: وثيابك ارفعها ولا تجرها، وإذا قام قائمنا كان هذا اللباس.
     وكذلك لحية المهدي فهي لا شك وفقاً لما جاءت في روايات آباءه وأجداده، حيث ورد من طرق الشيعة الحث على إعفاء اللحى، من ذلك:
     عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حفوا الشوارب واعفوا اللحى ولا تشبهوا باليهود.
     وقال صلى الله عليه وآله: إن المجوس جزوا لحاهم، ووفروا شواربهم وإنا نحن نجز الشوارب، ونعفي اللحى، وهي الفطرة.
     وعن الصادق عليه السلام: انزل الله على إبراهيم الحنيفية وهي عشرة أشياء:.. وذكر منها وإعفاء اللحى. (أنظر: وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب عدم جواز حلق اللحية واستحباب توفيرها قدر قبضة أو نحوها).

 

الإمامة

     في مكان ما داخل عالمنا الواقعي هناك عالم خيالي بدأت فكرته منذ أكثر من 14 قرناً يسعى أصحابه القلة وبشتى السبل الرواج إلى ما هم آمنوا به، وإلزام أصحاب العالم الواقعي بالإيمان به، وإلاّ يكونون كفاراً ويدخلون النار. وذلك هو الإيمان بالإمامة حيث يرى الشيعة أن الإيمان بولاية الأئمة أصل من أصول الدين، ولا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، شأنها في ذلك شأن باقي الأركان، وقد وضعوا على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة أنهم قالوا: بني الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، والحج إلى البيت، وولاية علي بن أبي طالب – (الكافي، للكليني، 2/18).
     بل إنهم جعلوها أعظم هذه الأركان، فزعموا أن الله عزوجل قد أوصى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة أكثر من أي شيء آخر. فعن الصادق قال: عرج بالنبي إلى السماء مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا وقد أوصى الله عزوجل فيها النبي بالولاية لعلي والأئمة أكثر مما أوصاه بالفرائض – (علل الشرائع، للصدوق، 149).
     وعليها جعلوا مدار قبول الأعمال من العباد يوم القيامة، فنسبوا إلى الصادق قوله: إن أول ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جل جلاله عن الصلوات المفروضات، وعن الزكاة المفروضة، وعن الصيام المفروض، وعن الحج المفروض، وعن ولايتنا أهل البيت، فإن أقر بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجه، وإن لم يقر بولايتنا بين يدي الله جل جلاله لم يقبل الله منه شيئًا من أعماله – (أمالي الصدوق، 154).
     ونسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله: التاركون ولاية علي خارجون عن الإسلام – (المحاسن، للبرقي، 89).
     وإلى الصادق قوله: الجاحد لولاية علي كعابد وثن – (بصائر الدرجات، للصفار، 105).
     لذا حكى المفيد إجماع الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال، مستحق للخلود في النار – (بحار الأنوار، للمجلسي، 8/366).
وغيرها من الروايات والأقوال..
    وأصحاب العالم الواقعي سؤالهم واقعي وصريح: ما الفائدة من التمسك بالإمامة بالمفهوم الشيعي في عصرنا؟
     تاريخياً وسياسياً قد مضى زمن الإمامة، وماذا يفيد المسلمين الاستمرارية بالدعوة إلى هذا الأمر الذي لا يرجع إليهم بشيء في حياتهم المعاصرة.
     فأما دينياً ففي الأصل لم يوجد نص صريح في القرآن الكريم ذكر لنا فيه أسماء أهل البيت رضى الله عنهم وأنهم الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
     قال لي أحدهم: أصبح إقناع أنفسنا على أن هناك نص صريح يثبت الإمامة أصعب بكثير، بل مستحيل من إقناع غيرنا، لأننا لا نملك آية صريحة من القرآن الكريم على قولنا. وكل ما نملكه فرضية عقلية وهو أنه لا يمكن أن يموت النبي صلى الله علیه وآله وسلم ويترك الأمة دون إمام معصوم من بعده، ومنصوصاً عليه من عند الله، أمر به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون وصياً عليهم من بعده، وآيات من القرآن الكريم لم يذكر فيها اسم الإمام صريحاً، فقط فسرها علمائنا بأنها تعني الإمامة وروايات لأهل البيت أيضاً عجز علمائنا عن إثبات صحتها. وبقيت أقوال علمائنا المتضاربة حول هذه الإمامة التي اصبحت حجة علينا وليس على مخالفينا.. إنتهى.
     لذا تقولوا الأقاويل حول من اعطوهم صفة الإمامة بالمعجزات والكرامات لإعطاء شيئاً من القدسية لهم، وجعل أتباعهم التمسك بآخر خيط عن هذه الإمامة، وانها بالفعل وصية من الله عزوجل.
     ولو كانت الإمامة منصب إلهي، وفيها نص قرآني، ويلزم من الجميع الإيمان بها، ما كان لعلي رضي الله عنه أن يقول عندما استخلف بعد عثمان رضي الله عنه: "والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها" كما جاء في نهج البلاغة.
     ومعنى حملتموني عليها أي أرغمتموني عليها!.
     ولنضرب مثال على ذلك، لو أن نبياً من الأنبياء قال لقومه كما قال علي رضي الله عنه أنه ما كانت له في النبوة رغبة ولكن أنتم يا قومي من دعوتموني إليها وحملتموني عليها، فهل يؤمن به ويتبعه الناس.. !!.
     إذاً نفهم من قول علي رضي الله عنه أنه ليس هناك نص من الله على هذه الإمامة.
     وإذا تجولنا في صفحات التاريخ  نجد أن الشيعة يقرون بأن أول من ذهب إلى القول بالوصية هو يهودي من صنعاء يدعى عبدالله بن سبأ.
     يقول النوبختي (310 هـ): وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد اللّه بن سبأ كان يهوديا فاسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في اسلامه بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو اوّل من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية – (فرق الشيعة، للنوبختي، 22).
     لذا ذهب بعض علماء الشيعة إلى أن النصوص الواردة في الإمامة بزعمهم ليست صريحة. يقول الشريف المرتضى (436 ه): وأما النص الخفي: فهو الذي ليس في صريحة لفظه النص بالإمامة، وإنما ذلك في فحواه ومعناه، كخبر الغدير، وخبر تبوك– رسائل الشريف المرتضى، 1/ 339. وقال في موضع آخر: فأما نحن فلا نعلم ثبوته والمراد به إلا استدلالا كقوله صلى الله عليه وآله (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)(من كنت مولاه فعلي مولاه) وهذا الضرب من النص هو الذي يسميه أصحابنا النص الخفي – (الشافي في الامامة، ج 2/ 67).
     وكان الشيعة الأوائل ينظرون إلى الأئمة على أنهم علماء أبرار، لا أكثر، يقول الكشي (ت: 460 ه): عن أبي العباس البقباق، قال: تدارء ابن أبي يعفور ومعلى بن خنيس، فقال ابن أبي يعفور: الأوصياء علماء أبرار أتقياء، وقال ابن خنيس: الأوصياء أنبياء، قال: فدخلا على أبي عبد الله عليه السلام قال: فلما استقر مجلسهما، قال: فبداهما أبو عبد الله عليه السلام فقال: يا أبا عبد الله أبرأ ممن قال أنا أنبياء – (اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، ج 2/ 515).
     ولم يكونوا يعتقدون بعصمتهم، وأكد على ذلك عالمهم الشهيد الثاني (965 ه): إن كثيرا منهم ما كانوا يعتقدون عصمتهم لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون أنهم علماء أبرار، يعرف ذلك من تتبع سيرهم وأحاديثهم وفي كتاب أبي عمرو الكشي رحمه الله جملة مطلعة على ذلك، مع أن المعلوم من سيرتهم عليهم السلام مع هؤلاء أنهم كانوا حاكمين بإيمانهم بل عدالتهم – (حقائق الإيمان، للشهيد الثاني، 151).
     ويقول محمد بن علي الإسترآبادي (1028 ه): اعلم أنّ الظاهر أنّ كثيرا من القدماء سيما القمّيّين منهم والغضائري كانوا يعتقدون للأئمّة عليهم السّلام منزلة خاصّة من الرفعة والجلالة ومرتبة معيّنة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما كانوا يجوّزون التعدّي عنها، وكانوا يعدّون التعدّي ارتفاعا وغلوّا على حسب معتقدهم، حتّى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلّوا، بل ربما جعلوا مطلق التفويض إليهم، أو التفويض الذي اختلف فيه، أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم، أو الإغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص وإظهار كثير قدرة لهم وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعا أو مورثا للتهمة به، سيما بجهة أنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين - بهم مدلّسين – (منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، لمحمد بن علي الإسترآبادي، 1/ 128).
     ويقول أحمد الكاتب (شيعي معاصر): أن الشيعة لم يكونوا يعرفون نظرية الإمامة الإلهية القائمة على العصمة والنص، حيث كانوا يؤمنون فقط بأولوية وأحقية أهل البيت بالحكم والخلافة من الأمويين. وعندما اختلف الشيعة في القرن الثاني الهجري، بين عباسيين، وطالبيين، وعلويين وكيسانيين وحسنيين وحسينيين وإسماعيليين، وموسويين، نشأ فريق يؤمن بحق خط معين منهم هو الخط العلوي الحسيني الموسوي، بالإمامة والخلافة الى يوم القيامة ولكن هذه النظرية وصلت الى طريق مسدود، مع وفاة الامام الحسن العسكري، سنة 260 للهجرة، دون خلف يرثه في الإمامة.. فاضطر الشيعة إلى تأليف نظرية "النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي الغائب وتطويرها من بعد ذلك الى "نظرية ولاية الفقيه" (تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، لأحمد الكاتب، 235، بتصرف يسير).
     وهكذا نرى الشيعة الذين بدأوا بالقول: أنّ الإمامة منصب إلهي كالنّبوّة، فكما أنّ الله سبحانه يختار من يشاء من عباده للنّبوّة والرّسالة ويؤيّده بالمعجزة التي هي كنصّ من الله عليه.. فكذلك يختار للإمامة من يشاء ويأمر نبيّه بالنّصّ عليه وأن ينصبه إمامًا للنّاس من بعده – (أصل الشّيعة وأصولها، لمحمد حسين آل كاشف الغطاء، 58).
     إنتهى بهم الأمر إلى القول بنظرية "ولاية الفقيه" وهي ولاية الفقيه عن الإمام المنتظر في قيادة الأمة وإقامة حكم الله، وهذا الولي ينتخب بالشورى، الأمر الذي أعاد الشيعة إلى تبني نظرية الشورى التي كان عليها المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي عليه أهل السنة.
     وكل ما مر يدل على أن نظرية الإمامة بأي شكل من الأشكال، سواء بصورتها الأولى أو ما إنتهت إليه من "ولاية الفقيه الشيعي" أو "شورى الفقهاء الشيعة" أثبتت فشلها، ولعل خير شاهد على ذلك ما نراه من مشاهد التخلف والظلم والعوز الذي وصل إلى حد البحث عن الطعام في المزابل في إيران والعراق، ثم يريدون تصدير تجربتهم هذه بكل فشلها إلى العالم، وشيعة الدول الأخرى يريدون نسخ هذه التجربة في دولهم ظناً أن بتطبيقها سيتحقق لهم جمهورية العدل الإلهي في ظل الحاكم الجعفري الذي يمنّيهم بجمهورية هي أشبه بجمهورية أفلاطون.
 
والكلام في الباب يطول وما ذكرناه فيه كفاية..

حديث غدير خم

     رواية غدير خم هي أصل من أصول الشيعة في إثبات معتقد الإمامة، وعليها المعول الأول في بناء هذا الركن، حيث وضعوا في فضائل يومه عشرات الروايات، وجعلوه عيداً من أعظم أعيادهم، واستحبوا صومه.. إلى غير ذلك من فضائل وأعمال.
     و"خم" غدير يقع على عشرة فراسخ من المدينة وعلى أربعة أميال من الجحفة، ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عنده في حق علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.. وغيره من ألفاظ قريبة وردت من طرق يشد بعضها بعضاً.
     بالمفهوم السني كلمة المولاة في الحديث تعنى المحبة والنصرة - أي من كان يتوجه إلي بالمحبة والنصرة. فهذا علي فليتوجه إليه بالمحبة والنصرة.
    وبالمفهوم السني في: "اللهم وال من والاہ" أي اللهم أحب من أحب علياً وانصر من نصره، وهو صيغة دعاء لمن أحب ونصر علياً بأن الله يحبه وينصره.
     وأما بالمفهوم الشيعي، تعني الموالاة الإمامة والخلافة والحكم والوصي عليه وولي أمره..
    أي من كنت له إماماً وخليفة والحاكم الوصي عليه وولي أمره، فهذا علي له كذلك!!!
     وفي استكمالنا القراءة في صيغة الرواية "اللهم وال من والاه" وبحسب المفهوم الشيعي إذا كانت المولاة تعنى الإمامة، ولا تعني المحبة والنصرة، فهذا يعني "وال من والاه" هو دعاء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله عز وجل يتخذ لنفسه إمام.  إذاً الشيعة الإثني عشرية هم أئمة لله عزوجل، ومثال آخر لمعنى المولاة قوله تعالى:
(إِن تَتُوبَاۤ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَـٰهَرَا عَلَیۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِیلُ وَصَـٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۖ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ ظَهِیرٌ) – التحريم 4. وعلى هذا فكل من ورد ذكره في هذه الآية هو إمام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمفهوم الشيعي.  وهذا لا يقبله لا سني ولا شيعي لأنه كفر بالله عزوجل واعتداء على ذات الله العلية.
     ثم إن معنى الموالاة تحمل على وجوه عدة ومعانٍ مشتركة قد تبلغ الثلاثين، كالرب، العم، ابن العم، الابن، ابن الأخت، المعتِق [بالكسر]، المعتَق [بالفتح]، العبد، المالك، التابع، المنعم عليه، الشريك، الحليف، الصاحب، الجار، النزيل، الصهر، القريب، المنعم، الفقيد، الولي، الأولى بالشيء، السيد غير المالك والمعتق، المحب، الناصر، المتصرف في الأمر، المتولي في الأمر، وغيرها.
     ولا شك أن الكثير من هذه الألفاظ لا تنطبق على حديثنا، ولكن أقربها إلى مدلوله هي لفظة [الموالاة] التي هي ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، وليست الإمارة والخلافة، لذا لم يقل صلى الله عليه وسلم: من كنت واليه فعلي واليه أو قريباً من هذا.
     ولعجز علماء الشيعة الإمامية في إثبات معنى المولاة على إنه يعني الإمامة والخلافة والحكم، إدعوا بأن نص الغدير خفي، وغير صريح.
     يقول النوري الطبرسي: لم يصرح النبي لعلي بالخلافة بعده بلا فصل في يوم غدير خم وأشار إليها بكلام مجمل مشترك بين معانٍ يُحتاج إلى تعيين ما هو المقصود منها إلى قرائن – (فصل الخطاب، للنوري الطبرسي، 205).
      ومثله ما ذكره المرتضى: وأما النص الخفي: فهو الذي ليس في صريحة لفظه النص بالإمامة، وإنما ذلك في فحواه ومعناه، كخبر الغدير، وخبر تبوك – (رسائل الشريف المرتضى، 1/ 339).
 

آية الولاية

     قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِیُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَ ٰ⁠كِعُونَ) [المائدة 55].
     هذه الآية الكريمة تعرف ب (آية الولاية)، وليس لها علاقة بعلي رضي الله عنه كما قيل أنه تصدق بخاتمه وهو راكع، وأيضاً أن عدم تصديق ما قيل لا ينتقص من قدره رضي الله عنه شيئاً.
     فهذه الآية لها علاقة بصفات المؤمنين الذين يجب موالاتهم ومحبتهم ونصرتهم. وبلا منازع علي رضي الله عنه هو أحد هؤلاء الذين يتصف بهذه الصفات التي ذكرها الله عزوجل في الآية وهذه فضيلة له.
     وعن عبد الملك، عن أبي جعفر، قال: سألته عن هذه الآية: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب، قال علي من الذين آمنوا – (جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، 6/ 389).
     وحتى لو فرضنا أن الآية نزلت في علي رضي الله عنه كما قيل، إلاّ أنها لا تعني الإمامة والخلافة بل المحبة والنصرة فقط، لذا اخطأ من جعل كلمة الولاية هنا في الإمامة والخلافة والحكم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالآية تعني (الوَلاية) بالفتح أي المحبة والنصرة، وليس (الوِلاية) بالكسرة والتي تعني الإمامة والحكم. أليس هذا تحريف في المعنى وخلاف سياق الآيات السابقة لها؟
     وقد جاء في كتب الإمامية ما يدل على ذلك.
     يقول المجلسي: في النهاية وغيره الولاية بالفتح المحبة والنصرة، وبالكسر التولية والسلطان – (بحار الأنوار، للمجلسي، 72/ 168، مرآة العقول، للمجلسي، 11/ 2).
 
     ويقول البحراني: اعترض علي القوشجي في شرح التجريد على هذا الاستدلال، بمنع كون الولي بمعنى المتصرف في الدين والدنيا والأحق بذلك على ما هو خاصة الامام، بل الناصر والمولى والمحب، بدلالة ما قبل الآية، وهو قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) وولاية اليهود والنصارى المنهي عن اتخاذها ليست على التصرف والإمامة، بل النصرة والمحبة وما بعدها، وهو قوله تعالى (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون) فان المتولي هاهنا بمعنى المحبة والنصرة دون الإمامة، فيجب أن يحمل ما بينهما أيضا على النصرة لتلائم أجزاء الكلام – (كتاب الأربعين، لسليمان الماحوزي البحراني، 179).
     ويقول عباس القمي: الولاية بالفتح المحبّة والنصرة وبالكسر التولية والسلطان – (سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، 8/604).
     إذاً الآية تتحدث باختصار عن النهي عن موالاة اليهود والنصارى، ووجوب مولاة الله ورسوله والمؤمنين.
     وقد يسئل سائل:  ما هي صفات هؤلاء المؤمنين؟
     أقول: ذكرت الآية صفاتهم وهي أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويركعون لله. والركوع هنا في لغة العرب يعني الخضوع، أي هم خاضعون، والخاضع لا يكون إلا ساجداً، لذا يقول العرب: خر راكعاً أي ساجداً، لأن الركوع دون الخر وتعني الإنحناء.
     وعلى هذا شواهد من القرآن كقوله تعالى: (... وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّ رَاكِعࣰا وَأَنَابَ) [ص ٢٤].
وذكر بعض أهل العلم أنه لا خلاف بين العُلماء أنّ المراد بالركوع ها هنا السّجود، فإن السّجود هو الميل، والرّكوع هو الانحناء. راجع تفسير القرطبي، تفسير قوله تعالى: (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ).

آية التطهير وحديث الكساء والعصمة

     قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) [الأحزاب 28 – 34].
كل الآيات جاءت متناسقة في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
     يا نساء النبي.. يا نساء النبي.. وقرن في بيوتكن.. ولا تبرجن... وأطعن.. إلى أن قال: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ثم قال: واذكرن ما يتلى في بيوتكن، جاء ميم الجمع في كلمة عنكم وفي كلمة ((يطهركم)) في الآية بدل نون النسوة، لأن النساء دخل معهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو رأس أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم - وهذه قاعدة عند العرب، ثم بعد ذلك حينما تحول الخطاب في الآية إلى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تحولت الصيغة مرة ثانية كما كان إلى نون النسوة بدليل كلمة (واذكرن) وكلمة (بيوتكن).
     أما حديث أهل الكساء فعن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله، قال: أنت على مكانك وأنت على خير) – (رواه الترمذي برقم: 3205).
    لتقريب المعنى وعلاقة الحديث بآية التطهير وقول أم سلمة رضي الله عنها، إحدى نساء النبي صلى الله علیه وآله وسلم، عندما قال لها (أنت إلى خير)، وفي لفظ آخر قال صلى الله علیه وآله وسلم: (أنت على مكانك وأنت على خير).
     إليكم هذا المثال: إن لأداء فريضة الحج استعدادات ومنها التطعيم الصحي، فلو أن شخصاً تطّعم فهل يحتاج للتطعيم مرة ثانية؟!! أم أنه يكفيه التطعيم الأول الذي أخذه؟!! بالطبع لا يحتاج، لأنه على خير، بينما يحتاجه الذي لم يأخذه لأنه ليس على خير حتى يأخذه.
     إذاً تفهم من قصة حديث أهل الكساء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أدخل فاطمة وعلى والحسن والحسين رضي الله عنهم تحت كساءه وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، طلب من الله لهم إذهاب الرجس وتطهيرهم، فلو كانت آية التطهير تتضمن إخبار الله بأنه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم، لم يحتاج إلى الطلب والدعاء لهم مره ثانية لقال الله تعالى: إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت وطهركم تطهيرا.
     وأما من قال أن آية التطهير دليل على العصمة إذاً أهل الكساء معصومين!!
     أقول: أن هذا الفهم يلزم الاعتقاد أيضاً بعصمة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنهن نزلت فيهن آية التطهير، ولا يعتقد هذا الاعتقاد الا من فهم آية التطهير، وحديث الكساء فهماً خاطئاً.
     بل أخطأ من قال أن من طهره الله أصبح معصوماً وإماماً منصوصاً من الله بعد النبي صلی اللہ علیہ وآله وسلم لأنه يلزم من ذلك أيضاً أن يعتقد بعصمة وإمامة جميع الصحابة رضي الله عنهم في غزوة بدر.
     يقول الله عزوجل عن جميع أهل بدر وعددهم ثلاثمائة وبضعة عشر: (إِذۡ یُغَشِّیكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةࣰ مِّنۡهُ وَیُنَزِّلُ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ لِّیُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَیُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّیۡطَٰنِ وَلِیَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَیُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ) [الأنفال 11].
     فهل يعني هذا أن كل من طهره الله أصبح إماماً معصوماً؟!!
     ومن المسائل المتعلقة بالموضوع أن عائشة رضي الله عنها ممن روت حديث الكساء وهو في صحيح مسلم، ثم يدعي الشيعة أنها رضي الله عنها تكتم روايات فضائل أهل البيت رضي الله عنهم.
     ومن المسائل الأخرى أن في كتب الشيعة ما يدل على أن الشيعة الأوائل لم يكونوا يعتقدون بعصمة الأئمة.
     نقل بحر العلوم أنه يظهر من جل رواة الشيعة إنهم كانوا يعتقدون أنهم عليهم السلام علماء أبرار افترض الله طاعتهم، مع عدم اعتقادهم العصمة فيهم – (الفوائد الرجالية، لمحمد مهدي بحر العلوم، 3/220).
     وكذلك ورد في كتب الشيعة ما ينافي عصمة الأئمة، كقول علي رضي الله عنه: فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي. (نهج البلاغة، 201).
   وكذلك عدم علمه رضي الله عنه بحكم المذي، فعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المذي، فقال: إن عليا عليه السلام كان رجلا مذاء فاستحيى ان يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله لمكان فاطمة عليها السلام فأمر المقداد أن يسأله وهو جالس فسأله فقال: له النبي صلى الله عليه وآله ليس بشيء – (الاستبصار، للطوسي، 1/91). ولا يتسع المجال هنا لبيان كل ذلك.
 

لماذا يكرهون الصحابة رضي الله عنهم؟

     أليست وقاحة مني أن أعترف بأنني أقول في أشخاص ما ليس فيهم، واتهمهم زوراً وبهتاناً بإدخال اكاذيب من صنعي انتقاماً منهم في قضية ثأر بيني وبينهم،     واعطائها صبغة دينية تقويها أكثر كي يتأثر ويتعاطف معي الكثير ممن هم حولي؟
     واليس اكثر وقاحة ممن علم بكذبتي وعن اعترافي بها، ومع ذلك مازال متعاطف معي، وبل ويروجها؟
     وكل من يبحث، حتى الشيعة العرب أنفسهم ليعرف سبب كره الفرس للعرب، يجد أنه ليس كما يزعم لعداوة الصحابة رضي الله عنهم لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنهم غصبوا حقوقهم فقط.
     بل سببه انتقاماً لإنهيار ما كانوا عليه من قوة قبل الإسلام.
     فإنهيار دولتهم من الأسرة الساسانية، ودينهم الزرادشتية المجوسية ليحل مكانه حكم العرب ودين الإسلام الذي جاء به العرب إلى بلادهم، وتقدم اللغة العربية لغة القرآن على اللغة الفارسية القومية، وتحدثها في اوساطهم من قبل الصحابة العرب جعل لديهم حاله من العقدة النفسية لم يستطيعوا الفرار والخلاص منها إلى يومنا هذا.
     يقول الدكتور بارؤون في كتابه (تاريخ ادبيات إيران" 1 /217): أن من أهم أسباب عداوة أهل ايران لعمر بن الخطاب هو أنه فتح العجم وكسر شوكته غير أنهم أعطوا لعداوته صبغة دينيه مذهبيه وليس هذا من الحقيقة بشيء.
     ويقول ايضاً: ليس عداوة إيران وأهلها لعمر بن الخطاب بأنه غصب حقوق علي وفاطمة بل لأنه فتح ايران وقضى على الاسرة الساسانية.
الخلاصة....
     لا يلام بعد ذلك من قال للعرب الشيعة على أنهم ايرانيون، لأن العربي لا يصدق ما جاء به الفرس من أكاذيب ضد العرب والصحابة رضي الله عنهم، بعد أن اعترف الفرس أنفسهم عن السبب الحقيقي في كرههم للعرب إلا إذا كان يحمل في قلبه كرة للعرب باسم القومية الفارسية. أو أقله أنه إنسان غير منصف.
     ومن يطلع على ادبيات الفرس القديمة يجد بسهولة أسباب هذا الحقد على العرب وقادته، يقول الفردوسي صاحب "الشاهنامه" وهي ملحمة فارسية ضخمة تقع في نحو ستين ألف بيت، من تصنيف أبو قاسم الفردوسي، وتُعتبر أعظم أثر أدبي فارسي في جميع العصور، نظمها الفردوسي للسلطان محمود الغزنوي مصوراً فيها تاريخ الفرس منذ العهود الأسطورية حتى زمن الفتح الإسلامي وسقوط الدولة الساسانية منتصف القرن السابع للميلاد. يقول: كيف نسمح لهذا العربي آكل الجراد الذي يشرب ويستحم بأبوال الإبل أن يأتي إلينا هنا وباسم الفتح يقضي على عرش كسرى؟
     ويقول أيضاً: تف عليك أيها الزمن.
     لذا لا يتردد بعض علماء الشيعة في الاعتراف بذلك كأحمد القبانجي، استمع لقوله في ذلك على هذا الر بط:
https://www.fnoor.com/main/articles.aspx?article_no=8243
     ثم أن الترويج لهذه المسألة من قبل بعض علماء الشيعة في المناسبات وعلى المنابر وفي الكتب والمقالات والفضائيات وغيرها رغم معرفتهم يقيناً بعدم صحتها إنما هو بسبب أن أمثال هذه المسائل مصدر رزق لهم، تماماً كالمتاجرة بدم الإمام الحسين رضي الله عنه والذي يعد عند الشيعة من أربح التجارات وباعترافهم.

 

رزية الخميس

     من حلاوة الدين أن تستند عقيدتك على القرآن والسنة النبوية الصحيحة، لا أن تستند عقيدتك على تأويلات أقوال الرجال. كثر من هم تحدثوا عن ما عرف برزية الخميس.
     وهي حادثة وقعت قبيل وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يوم الخميس، ويسمى الحادثة ابن عباس "رزية الخميس"، أي "مصيبة يوم الخميس".
     وردت رزية الخميس في العديد من المصادر التاريخية عند الشيعة وأهل السنة، الشيعة يقولون أن في هذا اليوم، النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب أن يكتب له وصية. بتنصيب علياً رضي الله عنه خليفة من بعده صلى الله عليه وآله وسلم ومن ثم يرثونه الخلافة أبناءه المعصومين لديهم ولكن عمر رضي الله عنه هو من منع ذلك.
     ولعل أفضل حجة عن يوم رزية الخميس للرد على هذا الإشكال، أنه لم يثبت سنداً فيه قول صحيح يذكر من كتب الشيعة أنفسهم وعلى لسان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أو قول على لسان الائمة المعصومين لديهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن ينصب علي خليفة على المسلمين، بل كل ما جاء في كتبهم تأويلات من علمائهم ليس عليها دليل.
     وقد قيل: إن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما الرجال يعرفون بالحق، فاعرف الحق تعرف أهله.
     ولو أخذنا بتأويلات باطلة دون دليل فيلزم الأخذ في هذه المسألة بتأويل آخر وهو أنه قد كان يراد من كتابة الوصية أن ينصب أبا بكر خليفة على المسلمين.
     ولأنه لم يثبت بالدليل ماذا كان يريد أن يكتب بالضبط وصريحاً، فإن الخبر يكون في علم الله، والبشر لا يعلمون علم الغيب.
     وأيضاً لم يثبت أن عمر هو من منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتابة الوصية.
     ومن يدعي ذلك، فكلامه يخالف قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَ‍‍ا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) ]المائدة – 67].
     وعمر واحد من الناس فكيف يستطيع أن يمنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تبليغ رسالة تنصيب الخلافة كما ادعوا؟!!
     ومن ردود العلماء على رزية الخميس:
     ليس بمقدور أي كائن بعد زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتخيل ما دار في تلك اللحظة تخيلاً واضحاً، مثل أولئك الذين شهدوا تلك الحادثة، ونظروا إلى معاناة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرض الموت، خاصة وأنهم لم تمر عليهم حالة مشابهة من قبل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فاختلفت آراؤهم لعدم سبق العلم بها.
      والتمسك بهذه الحادثة على أن فيها غمزاً وطعناً في الصحابة رضي الله عنهم شيء جديد لم يسبق إليه أحد من قبل، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم مرت عليهم الواقعة مرور الكرام وعلموا أنها لم تتضمن أي شبهة تجاه عدالة الصحابة ومقدار حبهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهل من تأخر عنهم يكون أعلم وأبصر من أولئك الجمع كلهم الذين عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟!.
     لم تصح نسبة القول "أَهَجَر" إلى عمر رضي الله عنه في أي رواية. بل الذي ثبت عنه قوله: "غلب عليه الوجع". فلفظ "أَهَجَر" جاءت في جميع الروايات منسوبة إلى بعض الحاضرين دون تحديد، وجاءت بصيغة الجمع.
     قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقالوا: ما شأنه؟ أهجر! استفهموه". ويرى البعض أن قائله لعله أحد المنافقين الحاضرين، أو صحابي استفسر عن صحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد مقولته عن الكتابة. لأنه ربما اختلط عليه سماع كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لبحَّة في صوته أو غلبة اليبس بالحرارة على لسانه، مثلما يقع في الحميات الحارة، وقد ثبت بإجماع أهل السير أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كانت فيه بحة صوت عارضة له في مرض موته صلى الله عليه وآله وسلم.
     ثم أن الهجر عند الموت معناه معاناة سكرات الموت بخلاف نسبة الهذيان إلى الصحيح غير المعاني من المرض أو الموت. وليس هناك من يعرف على وجه الدقة من كان موجودا في ذلك الموقف قرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم نعلم على وجه العلم لا الحصر غير عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس ويجب ألا يستغرب القارئ من كثرة هذه التعليلات تجاه هذه الكلمة، لأن من قيلت أمامهم هذه الكلمة لم يعنفوا على القائل بل رب العزة سبحانه وتعالى الذي لا يخفى عليه شيء لم يوجه شيئا تجاه خليله وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
     قيل "أَهَجَرَ" فعل ماض والكلمة في هذه الحالة على سبيل الاستفهام الإنكاري بإحضار الكتف والدواة فكأن قائلها قال: كيف تتوقف في امتثال أمره صلى الله عليه وآله وسلم، أتظن أنه صلى الله عليه وآله وسلم كغيره يقول الهذيان في مرضه، امتثل أمره، وأحضره ما طلب فإنه لا يقول إلا الحق.
     وهذا أحسن الأجوبة وأرجحها عند الحافظ ابن حجر والقرطبي في توجيه هذه الكلمة.
     وضبطها بعضهم: "أهُجْراً" بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين.
     والمراد: هذه الحالة راجعة إلى المختلفين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين يديه هجراً ومنكراً من القول جئتم باختلافكم عند رسول الله، وبين يديه هجراً ومنكراً من القولهذا الضبط الثاني والمراد به تثبته الروايات وما جاء فيها من كثرة لغطهم ولغوهم.
     فخلاصة القول أن "أهجر" أو "أهجراً" كان القول منه سلباً للهجر لا إثباته، وإنكاراً أيضاً على المختلفين بين يديه وإنكاراً منه على من توقف في امتثال أمره، وما أحدثوه بحضرته من لغط ولغو. ولو كان غير ذلك لوجد من ينكر على قائلها، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولنقل إلينا، ولم ينقل! مما يؤكد أن قائل "أهجر" قصد بها سلب الهجر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا إثباته.
     وقد جاء في كتب الإمامية ما يؤكد هذا الأمر.
     فعن ابن عباس، قال: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده أصحابه...فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبكيان ويصطرخان وهما يقولان: أنفسنا لنفسك الفداء، ووجوهنا لوجهك الوقاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من هذان يا علي؟ قال: هذان ابناك الحسن والحسين. فعانقهما وقبلهما، وكان الحسن عليه السلام أشد بكاء، فقال له: كف يا حسن، فقد شققت على رسول الله.. الرواية - الأمالي - الشيخ الصدوق 735، (انظر ايضاً: روضة الواعظين، للفتال النيسابوري، 74، بحار الأنوار، للمجلسي، 22 /509).
     وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: حضر علي بن الحسين عليهما السلام الموت، فقال: يا محمد، أي ليلة هذه؟ قال: ليلة كذا وكذا. قال: وكم مضى من الشهر؟ قال: كذا وكذا. قال: وكم بقي؟ قال: كذا وكذا. قال: إنها الليلة التي وعدتها. قال: ودعا بوضوء فقال إن فيه لفأرة. فقال بعض القوم: إنه ليهجر (دلائل الإمامة، للطبري (الشيعي)، 208، أنظر أيضاً: فرج المهموم، لابن طاووس 228، بحار الأنوار، للمجلسي، 46 /43).
   ويؤيد صحة رأى عمر، وأن الكتاب لم يكن على سبيل الوجوب، ما جاء في نفس الحديث من وصيته بثلاث قال: "اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال الراوي: فنسيتها".
     فهذا يدل على أنه لم يكن أمراً متحتماً، لأنه لو كان مما أمر بتبليغه، لم يكن الذي أراد أن يكتبه يتركه لوقوع اختلافهم، ولعاقب الله عز وجل من حال بينه وبين تبليغه، ولبلغه لهم لفظاً، كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك.
     وقد عاش عليه الصلاة والسلام بعد هذه المقالة أياماً. فكيف يظن بعمر رضي الله عنه أنه يرفض طلباً يسيراً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي طوال مرافقته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبخل بشيء؟.
     القول أن في قول عمر: "حسبنا كتاب الله" دعوى منه للاكتفاء به عن بيان السنة، دعوى لا دليل عليها، لأنه رضى الله عنه قال ما قاله لما قام عنده من القرينة، على أن الذى أراد صلى الله عليه وآله وسلم كتابته مما يستغنى عنه، بما في كتاب الله عز وجل لقوله تعالى: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)... [الأنعام: 38] وكما في قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ) [المائدة:3].التي نزلت قبل هذه الواقعة بثلاثة أشهر. وقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت: 51]. حيث لا تقع واقعة إلى يوم القيامة، إلا وفى الكتاب أو السنة بيانها نصاً أو دلالة وفى تكلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه من شدة وجعه كتابة الوصية مشقة عليه، ومن هنا رأى عمر رضي الله عنه الاقتصار على ما سبق بيانه إياه نصاً أو دلالة تخفيفاً عليه صلى الله عليه وآله وسلم، ولئلا ينسد باب الاجتهاد على أهل العلم والاستنباط، وإلحاق الفروع بالأصول، وقد كان سبق قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر. وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم وكَّل بعض الأحكام إلى اجتهاد العلماء، وجعل لهم الأجر على الاجتهاد، فرأى عمر رضى الله عنه الصواب تركهم على هذه الجملة، لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد، مع التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفى تركه عليه الصلاة والسلام الإنكار على عمر رضي الله عنه دليل على استصوابه. فدل ذلك على أن عمر رضي الله عنه ملهم ومحدَّث. وإعراض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كتابة الوصية لتؤكد ذلك. وقد أعجز الله أبا جهل وأبا لهب عن أن يمنعوا النبي من شيء من التبليغ فكيف ينجح عمر رضي الله عنه.
     ثم أعلم أن الروايات في كون القرآن حجة، كثيرة من طرق الإمامية عن الأئمة رحمهم الله، وهذه بعضها:
     عن علي عليه السلام قال: كفى بالجنة ثوابا ونوالا. وكفى بالنار عقابا ووبالا. وكفى بالله منتقما ونصيرا. وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما – (نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - 1 /142).
      وقال عليه السلام: والذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحق وأكرم أهل بيته ما من شئ تطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو إفلات دابة من صاحبها أو ضالة أو آبق إلا وهو في القرآن، فمن أراد ذلك فليسألني عنه – (الكافي، للكليني، 2/624).
      وعن الباقر عليه السلام قال: إِن الله لم يدع شيئاً تحتاج إِليه الاُمة إِلى يوم القيامة إِلاّ أَنزله في كتابه وبيَّنه لرسوله وجعل لكُلِّ شيء حدّاً وجعل عليه دليلا يدل عليه – (بصائر الدرجات، للصفار، 26).
     أما ارتفاع أصواتهم في حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الحجرات: 2]. فليس في الروايات دليل صريح يدل على أن ذلك كان على صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا من عمر رضي الله عنه ولا من غيره. ولو صدر هذا منهم لنزل الوحي بالتوبيخ واللوم من الله.
     فالصحابة رفعوا أصواتهم على بعضهم بسبب اختلافهم في الاستفسار وفي المقصود من طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكتابة لهم خاصة وأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمي لا يعرف الكتابة، فلما طال نقاشهم فيما بينهم، نهرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الخلاف فقط وذلك من قبيل قلة الصبر العارضة للمريض، فإنه يضيق صدره إذا وقعت منازعة في حضوره.
     وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: قوموا عني، بصيغة الجمع دليل أن الحكم شمل كل من كان في البيت، وفي هذا رد على من زعم أن عمر رضي الله عنه هو صاحب هذه المقولة التي أغضبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
     إن كان ما ورد عن عمر والصحابة رضي الله عنهم مطعن، فما جواب من قال أن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم كان في كثير من الأوقات يعارض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يمتثل أمره؟
     منها ما كان منه في هذه الواقعة، فإنه رضي الله عنه كان حاضراً في هذه الحادثة وكذلك أهل البيت، فلماذا لم يذهب أو يذهب أحدً منهم ويأتي بالدواة والقلم حين رفض الآخرين؟.
     القول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد الوصية لعلي رضي الله عنه طعن ونسبة للتخليط والوهم له، إذ كيف يختار خليفته ثم لا يوليه شيئا من مهامه أيام مرضه، والعادة أن الملك اذا عجز عن ادارة شؤون الحكم فوضها لولي العهد من بعده، وهذا الذي حصل بتوليته للصديق رضي الله عنه أمر الصلاة التي هي من أخص خصائص الإمام.
     وذهب الكثير من العلماء المحققين أن النبي صلى الله عليهسلم  أراد أن ينص على استخلاف أبي بكر رضي الله عنه ثم ترك ذلك اعتماداً على ما علمه من تقدير الله تعالى، واستذلوا بما جاء عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الرحمن بن أبي بكر ائتني بكتف أو لوح حتى اكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال أبي الله والمؤمنون ان يختلف عليك يا أبا بكر.
   وجاء عن علي رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه مالا يضل أمته من بعده فخشيت أن تفوتني نفسه قال قلت انى أحفظ وأعي قال أوصى بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم – (مسند أحمد، للإمام أحمد بن حنبل، 1 /90)

 

أرض فدك

     أرض فدك كانت أرض مزروعة قريبة من خيبر استولى عليها طائفة من اليهودسكنوها وبعد الصلح مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حرب خيبر وانتصار المسلمين فيها، أصبحت ملك خاص للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة.
     أما في القراءات الشيعية فأن أرض فدك بعد أن حصل عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهبها لابنته فاطمة رضي الله عنها، وبقيت عندها إلى أن توفي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم وتولي أبي بكر رضي الله عنه للخلافة أخذ أرض فدك من فاطمة رضي الله عنها.
     وبعد الخلفاء الأربعة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم كان البعض في خلفاء بني أمية وبني العباس يأخذها من أبناء فاطمة رضى الله عنها، والبعض الآخر يردها إليهم كعمر بن عبد العزيز والمأمون رحمهما الله.
     أقول: ولم يثبت أن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه عندما تولى الخلافة أنه استردها لنفسه أو لأولاده من فاطمة رضي الله عنهم، وقد أورد شيخهم الصدوق تحت باب "العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين فدك لما ولى الناس": حدثنا علي بن أحمد بن محمد الدقاق قال: حدثني محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم عن أبيه، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له لم لم يأخذ أمير المؤمنين عليه السلام فدك لما ولى الناس ولأي علة تركها؟ فقال: لأن الظالم والمظلوم كانا قدما على الله عز وجل، وأثاب الله المظلوم، وعاقب الظالم. فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوب – (علل الشرائع، للصدوق، 1/154)
     والمقصود بالظالم حسب الرواية هو الصديق رضي الله عنه والمظلوم هي فاطمة رضى الله عنها.
     فكيف جزم واضع هذه الرواية أن علياً رضي الله عنه قد علم بمسألة غيبية وأن الله عزوجل عاقب الصديق رضي الله عنه، أما كان الأحرى بواضع هذه الرواية أن يقول أنهما قدما إلى ربهما وأمرهما له عزوجل؟
     وعلى أي حال حسبنا من كل هذا أن الرواية مكذوبة، وضعفها الشيعة أنفسهم لوجود موسى بن عمران النخعي، فهو مجهول ولم يوثقه أحد!! (خاتمة مستدرك الوسائل، للنوري الطبرسي، 5/44).
     ثم أن أرض فدك هذه لا تخلو من أمرين: إما أنها إرث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضوان الله عليها أو هي هبة وهبها رسول الله لها يوم خيبر لفاطمة.
     فأما كونها إرثاً فبيان ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءت فاطمة رضوان الله عليها لأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه تطلب منه إرثها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فدك وسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر وغيرهما. فقال أبو بكر الصدّيق: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إنّا لا نورّث، ما تركناه صدقة)، وفي رواية عند أحمد (إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث)، وهذا الحديث ورد وصحّ عند الشيعة أيضاً، فقد روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (...وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر)-الكافي، للكليني، 1/34).
     وإذا كانت فدك هبة وهدية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضوان الله عليها كما يروي ذلك الكاشاني (تفسير الصافي، 3/186)، فهذا يتعارض مع نظرية العدل بين الأبناء التي نص عليها الإسلام. فكيف يهب صلى الله عليه وآله وسلم السيدة فاطمة فدك دون غيرها من بناته؟!!
    لذا اضطر الشيعة إلى القول بأن رقية وأم كلثوم ليستا من بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أنظر: مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب، 1/138).
     وهذا قول شاد عندهم، فإن جل علماء الشيعة ذهبوا إلى أنهما رضي الله عنهما من بناته صلى الله عليه وآله وسلم (أنظر: الكافي، للكليني، 1/439، بحار الأنوار، للمجلسي، 16/3، 22/202، تهذيب الأحكام، للطوسي، 3/120، الخصال، للصدوق، 441)
     بل ومخالف لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ...) [الأحزاب: 59].
 
     فكلنا يعرف أنّ خيبر كانت في السنة السابعة من الهجرة بينما توفيت زينب بنت رسول الله في الثامنة من الهجرة، وتوفيت أم كلثوم في التاسعة من الهجرة، فكيف يُتصور أن يُعطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة رضوان الله عليها ويدع أم كلثوم وزينباً؟!! والثابت من الروايات أنّ فاطمة رضوان الله عليها لمّا طالبت أبا بكر بفدك كان طلبها ذاك على اعتبار وراثتها لفدك لا على أنها هبة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولذا فإنّ فدك لم تكن لا إرثاً ولا هبة.
 
 

قصة حادثة كسر الضلع
النسخة الفارسية المجوسية

     قد يستغرب البعض من العنوان ويسأل نفسه، ما هو وجه التشابه بين قصة كسر ضلع فاطمه رضي الله عنها التي روجت لنا وقصة الكسر في النسخة الفارسية المجوسية والتي لم يسمع بها الكثير؟
     ملخص قصة حادثة كسر الضلع كما جاءت في مرويات الشيعة والتي روجت لنا، هو أن علياً رضي الله عنه قد امتنع عن بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله علیه وآله وسلم، فبعث ببعض الصحابة وعلى رأسهم عمر رضي الله عنهم لإحضاره وارغامه على البيعة فتصدت لهم فاطمة رضي الله عنها، فضربوها وكسروا ضلعها واسقطوا جنينها (المحسن)، إلى آخر القصة.
     يقال: أن الاستنساخ هو عملية يتم فيها إنتاج نسخة مطابقة للأصل.
     والتحقق والتحقيق والتمتع بعقلية نقدية ذكية، وتجنب العواطف من أهم الخطوات لمعرفة إن كان الخبر الذي يروج له صحيحاً أو كاذباً، وما هو الغرض منه؟
    وأما بالنسبة للنسخة الفارسية التي استنسخت منها القصة العربية فهي كما وردت في بعض المصادر الفارسية القديمة أن قمبيز أحد حكام الفرس كان جالساً مع زوجته ابنة الملك قورش فذكرت له أنه قتل جميع بيت قورش، فركلها قمبيز في لحظة غضب، ولما كانت حاملاً فقد أجهضت وماتت – (أنظر "تاريخ هيرودوت"، ص 232).
     تساؤلات..

  1.  هل يعقل أن يمتدح علياً أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهما من تأمرا على عرضه كما روج لنا، ويقول في مدحهما: خير هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر وعمر؟ - (الاختصاص، للمفيد، 128).
  2. هل يعقل أن يمدح علياً خلافتهما رضي الله عنهما وهما أعدائه كما روج لنا؟! فقد ورد عند الشيعة قول علي رضي الله عنه: فتولى أبو بكر تلك الأمور وسدد ويسر وقارب واقتصد.. فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا وتولى عمر الامر فكان مرضي السيرة ميمون النقيبة – (بحار الأنوار، للمجلسي، 33/569).
  3. لو كان أهل البيت يكرهون الصحابة رضي الله عنهم أجمعين لما كان هناك بينهم مصاهرات. (راجع كتاب "الأسماء والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة" لأبي معاذ السيد بن أحمد).
  4. لو كان علي رضي الله عنه يكره عمر رضي الله عنه فلماذا یزوج ابنته أم كلثوم لعمر؟ (أنظر: الكافي، للكليني، 6/ 115).
  5. لو كان أهل البيت يكرهون الصحابة رضي الله عنهم فلماذا سموا ابنائهم بأسماء الصحابة؟ (راجع كتاب "الأسماء والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة" لأبي معاذ السيد بن أحمد).
  6. لو كانت هناك عداوة بين الصحابة وأهل البيت رضي الله عنهم، لماذا افتخر جعفر الصادق رحمه الله بنفسه بانتسابه لابي بكر الصديق رضي الله عنه وقال: "ولدني أبو بكر مرتين"، حيث أن نسبه ينتهي إلى أبي بكر الصديق من طريقين، الأول من طرف والدته فاطمة بنت القاسم بن أبي بكر، والآخر من طرف أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر التي هي أم فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق رضي الله عنه. (أنظر: معجم رجال الحديث، للخوئي، 14/ 45).
  7. هل يعقل كما يروج لنا أن علياً رضي الله عنه يعلم الغيب ومع ذلك لم يعلم أن الصحابة آتون إلى بيته وتضرب زوجته ويقتل جنينها كما روج لنا؟!!
  8. كيف يرضى علي الكرار رضي الله عنه أن تضرب زوجته، وهو المعروف لدى المسلمين وكفار قريش بالشجاعة؟ أليس هذا طعناً فيه؟
  9. كيف تقوم فاطمه رضي الله عنها لفتح الباب ولم يفتحه أحد الرجال من أهلها كعلي رضي الله عنه؟
  10. لم يثبت من طرق أهل السنة أن فاطمة رضي الله عنها كانت حامل في تلك الفترة أصلاً، حتى يكون حجة عليهم، بل حتى بعض علماء الشيعة كالمفيد قال: وفي الشيعة من يذكر: أن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها أسقطت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ولداً ذكراً، كان سماه رسول الله عليه السلام محسناً. إ. هـ، وقول المفيد (وفي الشيعة من يذكر) يدل على عدم وجود اجماع على صحة القصة.
  11. كيف تضرب فاطمة رضي الله عنها والرجال ساكتون. أين نخوة العرب؟
  12. إن كانت فاطمة قد أسقطت جنينها "المحسن" كما يروج له نتيجة الاعتداء والضرب، فلماذا لم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن "المحسن" هو أول أهل بيتي لحوقاً بي؟ وقال فاطمة: إنك أول أهل بيتي لحوقاً بي؟ (أنظر: الأمالي، للصدوق، 692، بحار الأنوار، للمجلسي، 43/ 51).


 

القرآن الكريم محرّف

     الصحابة رضي الله عنهم هم من جمعوا القرآن، ومن أهم أسباب جمع سور القرآن في مصحف واحد هو معركة اليمامة وتسمى "معركة القراء" لكثرة موت القراء فيها، والتي توفى فيها عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم، فخاف أبوبكر الصديق رضي الله عنه أن يضيع القرآن الذي كان يحفظه الصحابة رضوان الله عنهم، وهو الأمر الذي دفع عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى الذهاب لأبي بكر الصديق رضى الله عنه وطلب الإسراع في جمع القرآن، وقد تردد أبي بكر الصديق كثيراً في الإقدام على هذا الفعل لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يقم بجمع القرآن الكريم في حياته، ولكنه بالفعل أقر على ذلك.
     ومن الاسباب أيضاً اختلاف طريقة قراءة القرآن الكريم من بلد لآخر، فقد كان أهل العراق يقرأون القرآن بقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهي القراءة التي لم يسمع بها أهل الشام، فقد كان أهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب رضي الله عنه، فكانوا يخطئون بعضههم بعضا ظناً منهم أن هذه القراءة خاطئة نظراً لاختلافها.
     وكل من يؤمن بالقرآن الذي بين أيدينا الذي يقرأه كل يوم لا يقبل عقله ولا دينه بإمكان وقوع التحريف فيه، بل يكفر كل من قال بأنه محرف. قال تعالى:  (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ) [الحجر 9]. الآية، والذي تكفل بحفظ هذا القرآن هو الله عزوجل ومن قال غير ذلك فقد كفر.
 
     ولكن الغريب في الأمر أن نجد روايات ونقرأ اقوال وتصريحات في كتب الشيعة بوجود التحريف في القرآن الكريم وأن الصحابة هم المعنيين والمتهمين بالتحريف، ولا نجد من علماء الشيعة بل ومن عوامهم من يقول بتكفير من يعتقد بتحريف القرآن الكريم.
     أما الروايات فهي كثيرة جداً تتجاوز الألفي رواية كما اعترف بذلك علماء الشيعة أنفسهم، ولكن سنقتصر على ذكر بعض أقوال علماء الشيعة في القول بتحريف القرآن:
     يقول الشيخ المفيد: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان – (أوائل المقالات، للمفيد، 91).
     وقال: اتفقت الامامية على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (المصدر السابق، 48).
     وقال: إن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله، وليس فيه شيء من كلام البشر، وهو جمهور المنزل والباقي مما أنزله الله تعالى قرآناً عند المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام لم يضع منه شيء، وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله - أى عثمان - في جملة ما جمع لأسباب دعته إلى ذلك، منها قصوره عن معرفة بعضه، ومنه ما شك فيه، ومنه ما عمد بنفسه، ومنه ما تعمد إخراجه منه، وقد جمع أمير المؤمنين القرآن من أوله إلى آخره وألّفه بحسب ما وجب من تأليفه. (المسائل السروية، للمفيد، 79).
     ويقول الكاشاني في تفسيره بعد أن أورد الكثير من الروايات الدالة على التحريف: المستفاد من مجمع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بل منه ما هو خلاف ما أنزل، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم علي في كثير من المواضع، ومنها غير ذلك، وأنه ليس - أيضاً - على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. (تفسير الصافي، المقدمة السادسة).
     وقال في موضع آخر: كما أن الدواعي كانت متوافرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين، كذلك كانت متوافرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية المغيرين للخلافة؛ لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم، والتغيير فيه إن وقع فإنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن. (المصدر السابق، 1/ 54).
     ويقول المجلسي في معرض شرحه للكافي في رواية هشام بن سالم عن الصادق: (إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبع عشرة ألف آية): الخبر صحيح، ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد على الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن الأخبار في الإمامة، فكيف يثبتونها بالخبر؟!. (مرآة العقول، 12/ 525).
     ويقول نعمة الله الجزائري في أنواره: إنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين بوصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلاً بجمعه، فلما جمعه كما أنزل أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزل، فقال عمر بن الخطاب: لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك، عندنا قرآن كتبه عثمان. فقال لهم علي: لن تروه بعد هذا اليوم، ولا يراه أحد حتى يظهر ولدي المهدي. وفي ذلك القرآن زيادات كثيرة، وهو خال من التحريف. (الأنوار النعمانية، 2/ 360).
     وقال في موضع آخر: ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة؛ فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غيروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا، كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول والأئمة الطاهرين وفضائح المنافقين وإظهار مساوئهم. (المصدر السابق، 1/97).
     ويقول: وأخبارنا متواترة بوقوع التحريف والسقط منه، بحيث لا يسعنا إنكاره، والعجب العجيب من الصدوق وأمين الإسلام الطبرسي والمرتضى في بعض كتبه كيف أنكروه وزعموا أن ما أنزله الله تعالى هو هذا المكتوب، مع ان فيه رد متواتر الأخبار. (شرح الصحيفة السجادية، 43).
     ونقل عنه النوري الطبرسي قوله: إن الأخبار الدالة على التحريف تزيد على ألفي حديث. (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، 251).
     والطهراني في كتابه (محجة العلماء)، تناول مسألة التحريف بتوسع، إذ نقل إجماع الشيعة على القول بهذه المسألة، وذكر أقوالهم.. وخلص إلى القول بإجماع الشيعة على هذه المسألة، بل وكونه من ضروريات مذهبهم. (انظر كتاب: محجة العلماء في الأدلة العقلية، لمحمد هادي الطهراني).
     أما النوري الطبرسي فقد صنف كتاباً مستقلاً في المسألة، قال في مقدمته: هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان، وسميته: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب).
     وغيرهم كثير..
الخلاصة:
     أرادوا الطعن في الصحابة رضي الله عنهم واتهامهم بالتحريف فطعنوا في الله عزوجل وهو الحافظ لكتابه الكريم والذي لا يمكن أن يحرّف أو يبدل في آياته، وهذا من المسلمات عند جميع المسلمين.

 

من قتل الإمام الحسين رضى الله عنه؟

     إن المنصف العادل فقط تهمه الأدلة ليحكم بالعدل.
     كل العالم يعرف أن مسؤولية الغدر والظلم، والقتل الذي وقع على الإمام الحسين رضي الله عنه في كربلاء يتحمله شيعته الذين نادوه ليبايعوه، ثم تركوه ليقتل غدراً دون الدفاع عنه.
     بدليل أقوال أهل البيت رضي الله عنهم، واعتراف علماء الشيعة أنفسهم المسطرة في كتبهم، وأن يزيد بن معاوية ليس له علاقه بمسئولية قتله.
     قال المؤرخ الشيعي حسين بن أحمد البراقي النجفي: قال القزويني: ومما نقم على أهل الكوفة أنهم طعنوا الحسن بن علي عليهما السلام، وقتلوا الحسين عليه السلام بعد أن استدعوه – (تاريخ الكوفة، للبراقي، 133).
     وقال المرجع الشيعي المعروف محسن الأمين: ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفا غدروا به، وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم، فقتلوه – (لواعج الأشجان، للأمين، 60).
     وقد جاء عن أهل البيت ما يفيد ذلك، منه:
عن الحسين رضي الله عنه قال: تبّاً لكم أيتها الجماعة وترحاً وبؤساً لكم حين استصرختمونا ولهين، فأصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم وعدوّنا، فأصبحتم إلباً على أوليائكم، ويداً على أعدائكم من غير عدلً أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، ولا ذنب كان منا إليكم، فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن – (الاحتجاج، للطبرسي، 2/ 300).
     ثم رفع الحسين عليه السلام يده وقال: اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا – (الإرشاد، للمفيد، 2/ 110).
     وقالت زينب بنت أمير المؤمنين رضي الله عنهما لأهل الكوفة: أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر، والخذل ! ! ألا فلا رقأت العبرة  ولا هدأت الزفرة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا  تتخذون إيمانكم دخلا بينكم  هل فيكم إلا الصلف  والعجب، والشنف  والكذب، وملق الإماء وغمز الأعداء  أو كمرعى على دمنة  أو كفضة على ملحودة  ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون، أتبكون أخي؟ ! اجل والله فابكوا فإنكم أحرى بالبكاء فابكوا كثيرا، واضحكوا قليلا، فقد أبليتم بعارها، ومنيتم بشنارها  ولن ترحضوا أبدا  وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة – (الاحتجاج، للطبرسي، 2/ 29).
     وعندما مر الإمام زين العابدين رحمه الله تعالى وقد رأى أهل الكوفة ينحون ويبكون، زجرهم قائلا: "تنوحون وتبكون من أجلنا فمن الذي قتلنا؟" – (اللهوف، لابن طاووس، 86).
     وفي رواية أنه عندما مرَّ على الكوفة وأهلها ينوحون وكان ضعيفاً قد انهكته العلة، فقال بصوت ضعيف: "أتنوحون وتبكون من أجلنا؟ فمن الذي قتلنا؟" – (منتهى الآمال، 1/ 570).
     وفي رواية عنه رحمه الله أنه قال بصوت ضئيل وقد نهكته العله: "إن هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم؟" – (الاحتجاج، للطبرسي، 2/ 29).
     أما موقف يزيد من قتل الحسين رضي الله عنه، فقد ورد في كتب الشيعة براءته من ذلك، فعن علي بن الحسين عليه السلام قال: يا يزيد بلغني أنك تريد قتلي، فإن كنت لا بد قاتلي، فوجه مع هؤلاء النسوة من يؤديهن إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال له يزيد: لا يؤديهن غيرك، لعن الله ابن مرجانة، فوالله ما أمرته بقتل أبيك، ولو كنت متوليا لقتاله ما قتلته، ثم أحسن جائزته وحمله والنساء إلى المدينة – (الاحتجاج، للطبرسي، 2/ 40).
 وفي إرشاد المفيد: ثم أمر (يزيد) بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهن أخوهن علي بن الحسين عليهم السلام، فأفرد لهم دار تتصل بدار يزيد، فأقاموا أياما، ثم ندب يزيد النعمان بن بشير وقال له: تجهز لتخرج بهؤلاء النسوان إلى المدينة. ولما أراد أن يجهزهم، دعا علي بن الحسين عليهما السلام فاستخلاه ثم قال له: لعن الله ابن مرجانة، أم والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت، ولكن الله قضى ما رأيت؟ كاتبني من المدينة وأنه كل حاجة تكون لك. وتقدم بكسوته وكسوة أهله، وأنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا تقدم إليه أن يسير بهم في الليل، ويكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه، فإذا نزلوا تنحى عنهم وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم، وينزل منهم حيث إذا أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم. فسار معهم في جملة النعمان، ولم يزل ينازلهم في الطريق ويرفق بهم - كما وصاه يزيد - ويرعونهم حتى دخلوا المدينة – (الإرشاد، للمفيد، 2/ 122).
     واستمع أيضاً إلى إقرار بعض علماء الشيعة بذلك على هذا الرابط:
https://www.fnoor.com/main/articles.aspx?article_no=26718

 

الممارسات التي تعرف بالشعائر الحسينية

     لم تكن تعرف في عهد أهل البيت رضى الله عنهم ما يعرف اليوم بالشعائر الحسينية. من اللطم على الوجوه، والصدر، والبكاء والويل، وضرب الاجساد بالجنازير، والرؤوس بالسيوف، ولبس السواد، وإقامة المجالس والمآتم، وغير ذلك من الممارسات.
     بينما استحدث ذلك في عهد الدولة البويهية عندما حكموا جزء من بلاد فارس، ثم تطورت هذه المراسم في عهد الدولة الصفوية في حكم الشاه اسماعيل الصفوي، وكان سنياً صفوياً، ولقوميته الفارسية اعتنق التشيع نكاية بالعثمانيين فقط لا أكثر، ولكسب عدد كبير من القوة البشرية لمواجهة العثمانيين آنذاك، الذين كانوا على عداء معه وجعل منها مناسبة لتغذية العداء والفرقة بين السنة والشيعة.
     يقول حسن مغنية: جاء العهد البويهي في القرن الرابع الهجري فتحرر هذا اليوم - أي أن المآتم والحسينيات لم تعرف إلا في هذا اليوم بسبب البويهيين_، وتجلى كما ينبغي حزينا في بغداد والعراق كله وخراسان وما وراء النهر والدنيا كلها، إذ أخذت تتوشح البلاد بالسواد، ويخرج الناس بأتم ما تخرج الفجيعة الحية أهلها الثاكلين، وكذلك الحال في العهد الحمداني في حلب والموصل وما والاهم، أما في العهود الفاطمية فكانت المراسيم الحسينية في عاشوراء تخضع لمراسيم بغداد، وتقتصر على الأصول المبسطة التي تجري الآن في جميع الأقطار الإسلامية والعربية، وخاصة في العراق وإيران والهند وسوريا والحجاز فتقام المآتم والمناحات وتعقد لتسكب العبرات وأصبحت إقامة الشعائر الحسينية مظهراً من مظاهر خدمة الحق وإعلان الحقيقة - آداب المنابر ص 192.
     أي أنه قبل البويهيين والفاطميين ليست مظهراً من مظاهر خدمة الحق وإعلان الحقيقة فجاء هؤلاء - وليس الأئمة المعصومون- فجعلوها مظهراً من مظاهر خدمة الحق.
     يقول موسى الموسوي: كما أن الشيعة كانت تلبس السواد في شهر محرم وصفر حدادا على الحسين، وهذه العادة أخذت بالتوسع في عهد الصراع الأول بين الشيعة والتشيع وعندما أخذت تظهر الشيعة على مسرح الأحداث السياسي والإسلامي كقوة تريد الإطاحة بالخلافة الحاكمة وكان للبويهيين الذين حكموا إيران والعراق باسم حماة الخلافة العباسية دورا بارزا في تنمية الاحتفالات في أيام عاشوراء، ولكن هذه الاحتفالات أخذت طابعا عاما وأصبحت جزءا من الكيان الشيعي عندما استلم السلطة الشاه إسماعيل الصفوي وأدخل إيران في التشيع وخلق فيها تماسكا مذهبيا للوقوف أمام أطماع الخلافة العثمانية المجاورة لإيران كما أشرنا إليه. وكان البلاط الصفوي يعلن الحداد في العشر الأول من محرم من كل عام، ويستقبل الشاه المعزين في يوم عاشوراء، وكانت تقام في البلاط احتفالات خاصة لهذا الغرض تجتمع فيها الجماهير ويحضرها الشاه بنفسه، كما أن الشاه عباس الأول الصفوي الذي دام حكمه خمسين عاما وهو أكبر الملوك الصفويين دهاء وقوة وبطشا كان يلبس السواد في يوم عاشوراء ويلطخ جبينه بالوحل حدادا على الإمام الحسين وكان يتقدم المواكب التي كانت تسير في الشوارع مرددة الأناشيد في مدح الإمام ثم التنديد بقتلته.
ولا ندري على وجه الدقة متى ظهر ضرب السلاسل على الأكتاف في يوم عاشورا وانتشر في أجزاء من المناطق الشيعية مثل إيران والعراق وغيرهما، ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس وشج الرأس حدادا على الحسين في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند وفي إبان الاحتلال الإنجليزي لتلك البلاد وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام الحسين فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس.
وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة، وكان الغرض وراء السياسة الاستعمارية الإنجليزية في تنميتها لهذه العملية البشعة واستغلالها هو إعطاء مبرر معقول للشعب البريطاني وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى وإظهار شعوب تلك البلاد بمظهر المتوحشين الذين يحتاجون إلى قيّم ينقذهم من مهامه الجهل والتوحش، فكانت صور المواكب التي تسير في الشوارع في يوم عاشوراء وفيها الآلاف من الناس يضربون بالسلاسل على ظهورهم ويدمونها وبالقامات والسيوف على رؤوسهم ويشجونها تنشر في الصحف الإنجليزية والأوربية، وكان الساسة الاستعماريون يتذرعون بالواجب الإنساني في استعمار بلاد تلك هي ثقافة شعوبها ولحمل تلك الشعوب على جادة المدنية والتقدم – أنظر كتاب الشيعة والتصحيح، لموسى الموسوي.
     ذكر ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق أن النياحة من عمل الجاهلية – (من لا يحضره الفقيه 4/271).
     وقد روى جمع من العلماء المحققين كالنوري والبروجردي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: صوتان ملعونان يبغضهما الله: إعوال عند مصيبة وصوت عند نغمة يعني النوح والغناء – (بحار الأنوار، للمجلسي، 82/101).
     ومن هذه الروايات أيضا ما جاء في كتاب أمير المؤمنين علي (ع) إلى رفاعة بن شداد: وإياك والنوح على الميت ببلد يكون لك به سلطان – (مستدرك الوسائل 1/144).
     وعن علي عليه السلام قال: ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال فيها الناس حتى تقوم الساعة: الاستسقاء بالنجوم والطعن في الأنساب والنياحة على الموتى – (بحار الأنوار، للمجلسي، 82/101).
     ومنها ما رواه الكليني وغيره عن الصادق أنه قال: لا يصلح الصياح على الميت ولا ينبغي ولكن الناس لا يعرفون – (الكافي، للكليني، 3/226).
     وما رواه الكليني أيضاً عن الصادق أنه قال: لا ينبغي الصياح على الميت ولا بشق الثياب – (الكافي، للكليني، 3/225).
     وروى المجلسي عن علي عليه السلام قال: لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني فغسلته، كفنه رسول الله صلى الله عليه وآله وحنطه، وقال لي: احمله يا علي، فحملته حتى جئت به إلى البقيع، فصلى عليه… فلما رآه منصبا بكى صلى الله عليه وآله فبكى المسلمون لبكائه حتى ارتفعت أصوات الرجال على أصوات النساء، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله أشد النهي وقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك لمصابون وإنا عليك لمحزونون… - (بحار الأنوار، للمجلسي، 82/100).
     فلاحظ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أنكر عليهم أشد الإنكار عند ارتفاع أصواتهم بالبكاء.
    وروى الكليني عن فضل بن ميسر قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فجاءه رجل فشكى إليه مصيبة أصيب بها. فقال له أبو عبد الله: أما إنك إن تصبر تؤجر، وإلا تصبر يمضي عليك قدر الله الذي قدّر عليك وأنت مأزور – (الكافي، للكليني، 3/225).
وعن الصادق جعفر بن محمد (ع) قال: إنّ الصبر والبلاء يستبقان إلى المؤمن، ويأتيه البلاء وهو صبور، وإنّ البلاء والجزع يستبقان إلى الكافر، فيأتيه البلاء هو جزوع – (الذكرى، 71).
     وإدعى الطوسي الملقب عند الشيعة بشيخ الطائفة الإجماع، أي أنه وإلى عصر الطوسي، كان الشيعة مجمعون على تحريم النوح والعويل الذي نسمعه الآن في الحسينيات، والذي يخالف المنهج الصحيح لأئمة آل البيت عليهم السلام.
     وعن الإمام الباقر عليه السلام: أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل، ولطم الوجه والصدر، وجز الشعر من النواصي، ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر، وأخذ في غير طريقه – (الكافي، للكليني، 3/222).
     ومنها قول الصادق عليه السلام: من ضرب يده على فخذه عند المصيبة حبط أجره – (الكافي، للكليني، 3/225).
     ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب – (مستدرك الوسائل، للنوري الطبرسي، 1/144).
     قال الحسين (ع) لأخته زينب عندما لطمت وجهها وأهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشياً عليها:  يا أُخَيَّة اتقي الله وتعزي بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله تعالى، الذي خلق الخلق بقدرته فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني ولي ولكل مسلم برسول الله أسوة، فعزاها بهذا ونحوه ثم قال لها: يا أختاه إني أقسمت عليك فأبرى قسمي، إذا أنا قتلت فلا تشقي عليَّ جيبا، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور – (الملهوف، لابن طاووس، 50).
وفي رواية قال: يا أختاه يا أم كلثوم يا فاطمة يا رباب انظرن إذا قتلت فلا تشققن على جيبا ولا تخمشن وجها – (مقتل الحسين، لعبد الرزاق المقرم، 218).
     وفي رواية: يا أختي إني أقسمت عليك فأبرى قسمي لا تشقي عليَّ جيبا ولا تخمشي عليَّ وجها ولا تدعي عليَّ بالويل إذا أنا هلكت – (مستدرك الوسائل، للنوري الطبرسي، 1/144).
     وروى الصدوق وغيره عن عمر بن أبي المقدام قال: سمعت أبا الحسن وأبا جعفر عليهما السلام يقولان في قول الله عز وجل: (ولا يعصينك في معروف) قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام: إذا أنا مت فلا تخمشي عليَّ وجهاً ولا ترخي عليَّ شعراً ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة. قال: ثم قال: هذا هو المعروف الذي قال الله عز وجل: (ولا يعصينك في معروف) – (معاني الأخبار، للصدوق، 390، وسائل الشيعة، للحر العاملي، 2/915).
وعن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ولا يعصينك في معروف قال:  المعروف أن لا يشققن جيباً ولا يلطمن وجهاً ولا يدعون ويلاً ولا يقمن عند قبر – (تفسير نور الثقلين، للحويزي، 5/308).
     ويقول حسن مغنية: والواقع أنّ ضرب الرؤوس بالخناجر والسيوف وإسالة الدماء ليست من الإسلام في شيء، ولم يرد فيها نص صريح ولكنها عاطفة نبيلة تجيش في نفوس المؤمنين لما أريق من الدماء الزكية على مذابح فاجعة كربلاء – (آداب المنابر، لحسن مغنية، 182).
     أما لبس السواد في عاشوراء، فقد سئل الإمام عن الصلاة في القلنسوة السوداء؟ فقال: لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار – (من لا يحضره الفقيه، للصدوق، 1/162).
     ورووا عن أمير المؤمنين علي فيما علم أصحابه أنه قال: لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون – (من لا يحضره الفقيه، للصدوق، 1/163).
     وأهم من كل ذلك أن على أتباع أهل البيت رضي الله عنهم ان يقتدوا بهم، ويأخذوا بأقوالهم بالنهي عما يمارس اليوم وأن يجعلونه حجة على من جوز ذلك.

 

صيام يوم عاشوراء

     ونحن صغار كانوا يقولون لنا أن سبب صيام أهل السنة يوم عاشوراء من كل عام هو متابعة نهج أسلافهم بني أمية أعداء أهل البيت الذين نذروا إذا قتل الحسين رضي الله عنه، سوف يصومون في يوم مقتله، واتخذ أنصارهم من بعدهم من ذلك اليوم، يوم عاشوراء عيداً لهم بالصيام، واستبدلوه من يوم حزن إلى يوم فرح وعيد، وذلك ليصرفوهم عن إظهار أي من مظاهر الحزن على مصاب الحسين وأهل بيته رضي الله عنهم، ومحبيهم من شيعتهم.
     وقول يتيم آخر كان متداول في ذلك الزمان في بعض المناطق التي كان يسكنها خليط من السنة والشيعة، وخاصة من كبار السن في العاصمة المنامة، اعتقاداً أن سبب صيام أهل السنة في يوم عاشوراء هو تعبيراً منهم لحبهم للحسين وأهل بيته رضي الله عنهم، لأنه قتل عطشاناً ومنع عنه الماء وحتى الأكل فانهم يمتنعون من الأكل والشرب في يوم مقتله بالصيام حتى الغروب مشاركة منهم بطريقتهم في هذا المصاب.
     والحقيقة أن صيام عاشوراء لا علاقة له بمقتل الحسين رضي الله عنه، لا من قريب ولا من بعيد، وسبب صوم النبي صلى الله عليه وسلم ليوم عاشوراء وحث الناس على صومه هو ما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ).
     وكان يحب في أول الأمر موافقة أهل الكتاب، فلما انتشر الإسلام وظهر، أحب مخالفتهم فقال: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع.
     وكان صوم يوم عاشوراء قبل الإسلام مما كان الناس يعرفونه وكانوا يصومونه، وقد جاء الإسلام بتأكيد صيامه، باعتبار أن الصوم عبادة لله، وأن الشرع الإسلامي قد يتوافق مع ما في الشرائع السابقة مما هو مشروع بوجه صحيح. وفي الحديث: عن عائشة رضى الله تعالى عنها: أن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله صلى الله  عليه وآله وسلم بصيامه حتى فرض رمضان، وقال رسول الله: من شاء فليصمه ومن شاء أفطر (صحيح البخاري:1794).
     ولمسلم في صحيحه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصومه فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض شهر رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه.
     قال النووي رحمه الله: اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سنة ليس بواجب واختلفوا في حكمه في أول الإسلام حين شرع صومه قبل صوم رمضان فقال أبو حنيفة: كان واجبا واختلف أصحاب الشافعي فيه على وجهين مشهورين أشهرهما عندهم: أنه لم يزل سنة من حين شرع ولم يكن واجبا قط في هذه الأمة ولكنه كان متأكد الاستحباب فلما نزل صوم رمضان صار مستحبا دون ذلك الاستحباب والثاني: كان واجبا كقول أبي حنيفة.
     ويخطئ من يتهم أهل السنة بفرحهم في هذا اليوم، ويقول العلماء أن صيام عاشوراء كان شكراً عند اليهود على نجاة موسى عليه السلام من فرعون وملئه، وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته بصيامه، وأن قريشا كانت كذلك تصومه اتباعا لما توارثوه عن الأنبياء السابقين كإسماعيل عليه السلام، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يصومه قبل البعثة وبعدها وإلى أن مات، وأنه أمر في آخر حياته بمخالفة اليهود بصوم يوم قبله أو بعده. ولا يقال أن عاشوراء يوم فرح لنجاة موسى عليه السلام، ولا يوم حزن لمقتل الحسين رضي الله عنه، لكن كلما تذكرنا نجاة موسى عليه السلام فرحنا وكلما تذكرنا مقتل الحسين رضي الله عنه حزنا، ولا يجوز أن نحدد يوما لفرح أو سرور دون نص شرعي.
     وقبل هذا كله فإن صيام عاشوراء أسبق بعشرات السنين من واقعة كربلاء التي حدثت سنة 61 للهجرة، فكيف يتهمون أهل السنة بأنهم يصومنه فرحاً بمقتل الحسين رضي الله عنه؟
     وقد ورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي يتهمه الشيعة بالنصب قوله: لحسين رضي الله عنه قُتِل مظلومًا شهِيدًا، وقتَلَتُه ظالمون متعدُّون.. وقال في موضع آخر: من قتل الحسين، أو أعان على قتله، أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا – مجموع فتاوى شيخ الإسلام، 4/487.
     فكيف يأتي بعد ذلك من يتهم أهل السنة بفرحهم يوم مقتله رضي الله عنه؟
والمسألة فيها طول..
     وقد ورد من طرق الإمامية روايات عدة في الحث على صيام يوم عاشوراء، ومن ذلك:
     عن ابي عبد الله عن أبيه عليهما السلام ان عليا عليه السلام قال: صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فانه يكفر ذنوب سنة- (تهذيب الأحكام، للطوسي، 4/299)
     للمزيد (أنظر: وسائل الشيعة، للحر العاملي، 7/ 337 (باب استحباب صوم يوم التاسع والعاشر من المحرم).
     وعن ابي جعفر عليه السلام: قال لزقت السفينة يوم عاشورا على الجودي فامر نوح عليه السلام من معه من الجن والانس ان يصوموا ذلك اليوم وقال أبو جعفر عليه السلام: اتدرون ما هذا اليوم، هذا اليوم الذي تاب الله عزوجل فيه على آدم وحوا عليهما السلام، وهذا اليوم الذى فلق الله فيه البحر لبني اسرائيل فاغرق فرعون ومن معه، وهذا اليوم الذى غلب فيه موسى عليه السلام فرعون، وهذا اليوم الذى ولد فيه إبراهيم عليه السلام، وهذا اليوم الذى تاب الله فيه على قوم يونس عليه السلام، وهذا اليوم الذى ولد فيه عيسى ابن مريم عليه السلام، وهذا اليوم الذى يقوم فيه القائم عليه السلام – (تهذيب الأحكام للطوسي، 4/300).

 

المتعة حرام

     المتعة: هو نكاح منقطع أو مؤقت، وهو أن يتعاقد الرجل مع امرأة لفظياً أن يتزوج بها بأجر معين ووقت معين، بدون ولي ولا شهود ولا إعلان، ولا يشترط أن تكون المتمتَع بها مسلمة.
     ولنكاح المتعة شرطين: تحديد الأجر، وتحديد المدة. وبعد انتهاء المدة المتفق عليها بين الطرفين ينفسخ النكاح تلقائياً ولا يكون هناك طلاق معروف، فليس له سلطان عليها وليس لها سلطان للمطالبة بحقها.
     والمدة ممكن أن تكون ساعة أو أكثر أو اسبوع أو شهر حسب الاتفاق المسبق. هذا هو نكاح المتعة عند الشيعة.
     أما عند أهل السنة فهو حرام، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرمها يوم خبير بعد أن أذن بها فترة في بعض الغزوات مع غير المسلمات.
     ويحتج الشيعة على جوازها بالآية الكريمة: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً).
     أقول: أن هذه الآية إنما هي في النكاح الدائم والمكتمل الأركان. فلو كانت تعني المتعة التي يعنيها الشيعة لما احتاج أن تكون سراً، ولقبله كل رجل شيعي على أخته وابنته أو أي من محارمه، فالحلال لا يعاب، ولا خوف منه، ولا تلحق الفضيحة والعار بمرتكبيه.
     لكن الشيعة يرددون لو كانت المتعة حراماً لماذا أذن بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأساس؟ فيجاب عليهم أن الأحكام إذا تم نسخها فلا يحتج بحكمها السابق، كالتدرج في تحريم الخمر، وتغيير القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام. فلا يقال: لماذا كانت الخمرة مباحة في الأصل، ولماذا كانت القبلة تجاه بيت المقدس؟ وهكذا..
     وقد جاء من طرق الشيعة روايات عدة في تحريم المتعة، منها:
     عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المتعة ولحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر.
     أقول: لا أدري كيف يأخذون بنصف الحديث ويذهبون إلى حرمة أكل الحمر الأهلية ويحلون النصف الآخر وهي المتعة؟ رغم أن النهي جاء عن الإثنين! أو ذهبوا إلى القول أن هذه الرواية وردت عن علي رضي الله عنه تقيةً.
     وسئل جعفر بن محمد عن المتعة فقال: ما يفعله عندنا إلا الفواجر.
وهذا علي بن يقطين وقد سئل موسى الكاظم عن المتعة فقال: وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها.
وعن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله يقول في المتعة: دعوها، أما يستحي أحدكم أن يرى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟
وعن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال: لا تدنس بها نفسك.
     وفي المقابل وضعوا روايات في الحث على المتعة ونسبوها للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وللأئمة رحمهم الله، منها:
     عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال الله عز وجل: إني غفرت للمتمتعين من النساء.
     وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين عليه السلام، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن عليه السلام، ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي ابن أبي طالب عليه السلام، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي.
     وعن محمد بن مسلم قال: قال لي أبو عبد الله: تمتعت؟! قلت لا. قال: لا تخرج من الدنيا حتى تحيي السنة.
     وعن أبي عبد الله قال: ما من رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة ويلعنون متجنبها إلى أن تقوم الساعة.
     وعن الصادق قال: إني أكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأتها.
وغيرها كثير..
     إذن نكرر ونقول على من يجوز المتعة عليه أن يقبلها على محارمه؟، ونطالبه أيضاً بذكر رواية صحيحة عن تمتع أهل البيت أو أن لهم أولاد من المتعة؟
     أما مساوئ المتعة عدم ثبوت التوارث بين الزوجين، وقد جاءت في ذلك روايات عدة، فعن سعيد عن جعفر بن محمد قال: سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث قال ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط.
     وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ولا ميراث بينهما في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل.
     وعن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله: كيف اقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول: أتزوجك متعة... لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما.
     وعن الأحول قال: سألت أبا عبد الله قلت: ما أدنى ما يتزوج الرجل به المتعة؟ قال: كف من بر يقول لها: زوجني نفسك متعة... على أن لا أرثك ولا ترثيني. وغيرها (أنظر: وسائل الشيعة، للحر العاملي – باب: عدم ثبوت الميراث في المتعة للزوج ولا للمرأة) وغيرها من أبواب المتعة.
حتى وإن ذهب البعض إلى أن ولد المتعة يلحق بأبيه وإن شرط عدم لحوقه، فالسؤال كيف يمكن إثبات ذلك وأكثر هذه الزيجات أو كلها تكون بالسر ودون شهود أو توثيق؟
     وسرد مساوئ المتعة كثيرة جداً، ولا يسعنا حصرها هنا، ولمن أراد المزيد فعليه بكتاب الدكتورة شهلا الحائري (المتعة – الزواج المؤقت عند الشيعة (حالة إيران 1978 – 1982م).

 

"التقية"

     التقية في الاسلام هو ثبات القلب على الإيمان واظهار خلافه باللسان فقط، لضرورة مقبولة شرعاً وعقلاً.
     والنفاق عكس ذلك تماماً، وهو ثبات القلب على الباطل واظهار الحق على اللسان فقط.
     فأين هذا من ذاك؟
     والتقية عند الشيعة هي كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا. – أنظر تصحيح اعتقادات الإمامية، للمفيد، 137.
     فالمفيد يعرف التقية بأنها كتمان الاعتقاد خشية الضرر من المخالفين - وهم أهلُ السنة كما هو الغالب في إطلاق هذا اللفظ عندهم - أي هي إظهار مذهب أهل السنة (الذي يرونه باطلاً)، وكتمان مذهب الرافضة الذي يرونه هو الحق.
     يقول ابن بابويه القمي: اعتقادنا في التقية أنها واجبة، من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة " (الاعتقادات، لابن بابوية القمي، 114).
     ورووا عن الصادق رحمه الله أنه قال: لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقًا – (بحار الأنوار، للمجلسي، 75 /412).
     وليس بغريب أن يكون في كل مكان أناس يكذبون، ولكن الغريب أن يكون هناك أناس اتخذوا الكذب عبادة وقربة لله لذا اطلقوا على هذا الكذب إسماً آخر وهو "التقية".
     يعرف المنافقون بأنهم إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا.
     تذكرت وأنا أكتب في هذه المسألة، المثل القائل: "أنا عارف البير وغطاه"، أي أنا عارف بما تؤمنون به وما لا تؤمنون به من خفايا وأسرار، وأنتم تعرفون أنني أعرف.
     فنحن الإثنين على علم بكمية الماء الموجود في البئر، وإن استطعتم خداع من تخالفونهم وإخفاء ذلك، فلن تستطيعوا خداعي وتكذيبي، فنحن من نفس العائلة. !!
     ثم انتبهت إلى أمر مهم، وهو أنني لا استبعد أنه بعد مماتي يؤلف احدهم كتاب ينسبه لي، ويضع بعد نهاية إسمي عبارة "رحمه الله"، وينسب لي أقوال لم أقولها، وأن كل ما ورد في مؤلفاتي كانت أقوال محمولة على التقية لأجل مصلحة مخفية كنت أسعى وراءها. وقد طلب مني أحدهم صراحةً أن أصنف كتاباً أنكر فيه واكذب كل ما ورد في مصنفاتي السابقة لأجل رضاهم عني وقبولهم لي، ودعوني أن أرجع إلى الضلال بعد أن منّ الله عليّ بالهداية وذقت حلاوة التوحيد، أسأل الله أن يثبتني على ما أنا عليه من الحق.
     ولعل من المناسب هنا أن أنبه على ضرورة الرجوع إلى موقع فيصل نور في القسم المخصص لمصنفاتي ومقالاتي وهو على هذا الرابط:
https://www.fnoor.com/main/articles.aspx?article_no=152
     وكل من وقف على كتاب أو مقالة تحمل إسمي وغير موجود على الرابط المذكور فهو منسوب لي وأنا بريء منه.
     وهذه المسائل لا استبعدها كما ذكرت، وكيف استبعدها وهم الذين نسبوا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم؛ كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلّمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة. – (الكافي، للكليني، 2/ 375).
     ومن معاني البهتان هنا التقوّل عليهم بما لم يقولوه والكذب والافتراء على لسان أهل البدع كي يسقطوا أهل الحق من أعين الناس. وللشيعة أفعال في ذلك كما نسب شرف الدين الموسوي في كتابه "المراجعات" مراسلات مكذوبة على شيخ الأزهر سليم البشري.
     فإحدى الأزمات الموجودة في أيدولوجيات الشيعة هي نظرية التقية، لو قال ما قال من أقوال فأنه غير مصدق ولا يوثق بأقواله، لأن ظاهرها الصدق وباطنها الكذب.
     الخلاصة - فبعد هذا العرض في مسألة نظرية التقية التي يؤمن بها الشيعة ويمارسها فإنه بعدها لا يلام من لا يثق بالشيعي، خاصة وأنهم يروون عن الصادق رحمه الله وهو بريء من هذا، أنه قال: إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله. – (الكافي، للكليني، 2/222).
     ولا يغرنكم شعارات الجهال من أمثال "لا شيعية ولا سنية" وشعارات الوطنية "كلنا شركاء في الوطن" وشعار "وحدة وحدة إسلامية" التي يرفعونها وإن كانوا يعيشون معك في بلد واحد..  هي فقط فرصة إن سمحت لهم انقلبوا عليك، بل وقتلوك.
     فقد رووا عن داود بن فرقد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في قتل الناصب؟، قال: حلال الدم لكني اتقي عليك فان قدرت ان تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل، قلت: فما ترى في ماله، قال توه ما قدرت عليه. – (علل الشرائع، للصدوق، 2/601).
     ومصطلح "الناصبي" عند الشيعة يطلق على أهل السنة.

 

التقليد

     هو أن يقلد الشيعي أحد المجتهدين ويعمل بفتاواه وما توصل إليه اجتهاداته، وعوام الشيعة هم من المقلدين.
     وقالوا أن هذا التقليد يكون في الحكم الشرعي الفقهي فقط، أما أصول الدين والعقائد فلا يقلد فيها ويجب على المكلف أن يبحث فيها عن الدليل والبرهان باتفاق جميع مراجع الشيعة - المسائل الإسلامية، لصادق الشيرازي، 87.
     إذا كان في اصول الدين والعقائد لا يقلد وعلى المكلف أن يبحث فيها عن الدليل والبرهان. إذا لماذا يخرج الشيعي من دائرة التشيع الإمامي ويحارب ويكفر، بل يصل إلى حد هدر دمه. ولماذا لا يلتمس له العذر لأنه اجتهد ولم يعثر على البرهان. والكفر هنا أيضاً ينطبق على السني الذي لا يؤمن أصلاً بما هم يؤمنون به.
     ولعل في مصالح التقليد أن يتربى الأجيال على التبعية لغيرهم في كل شيء، وعدم مشاركتهم في شيء وفقدان الثقة بالنفس، وهذا يجعلهم يعيشوا في دائرة الجهل والغلو في الأشخاص والتقليد الأعمى لهم.
     ومن الطرائف التراثية قولهم "ضعها في رأس عالم وأخرج منها سالم".
     قال الصادق رحمه الله: إياكم والتقليد فإنه من قلد في دينيه هلك إن الله تعالى يقول: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله" فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا ولكنهم أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالاً، فقلدوهم في ذلك فعبدوهم وهم لا يشعرون – (تصحيح الاعتقاد، للمفيد، 73).
     التأمل في هذه الرواية للصادق رحمه الله لعل نجد من يقولون أنهم من أتباع أهل البيت رضي الله عنهم، أن أهل السنة هم من يعملون بها، فإذاً أليس أهل السنة هم من يتبعون أهل البيت رضي الله عنهم؟
     ويظهر أن وجوب التقليد أو مصطلح مرجعية اخترعها المتأخرون وقد اعترف الشيعة بذلك.
     يقول شمس الدين: مصطلح تقليد ومصطلح مرجعية هذان المصطلحان وما يرادفهما ويناسبهما غير موجودين في أي نص شرعي، وإنما هما مستحدثان، وليس لهما أساس، وليس لهما من الأخبار والآثار فضلاً عن الكتاب الكريم علماً ولا أثراً. كل ما هو موجود بالنسبة لمادة قلّد خبر ضعيف لا قيمة له.
     ويضيف شمس الدين: هذا المصطلح (مرجع أعلى) لا أساس له إطلاقاً بالشرع، ويضيف: إننا في عهد الشهيد السيد محمد باقر الصدر نحن مجموعة من الناس، وأنا واحد منهم اخترعنا هذا مصطلح مرجع أعلى. وقبل مرحلة الستينات لا يوجد في أدبيات الفكر الإسلامي الشيعي هذا المصطلح على الإطلاق. هذا المصطلح نحن أوجدناه: السيد محمد باقر الحكيم، السيد محمد مهدي الحكيم، السيد محمد بحر العلوم. - المرجعية والتقليد عند الشيعة، لمحمد مهدي شمس الدين.
     وفي هذا دلالة واضحة على أن مسألة التقليد في صورتها الحالية لم تكن موجودة في السابق، وأنها مرت بمراحل من النهي ثم الاستحباب ثم الوجوب ثم وجوب تقليد الأعلم ثم تقليد الولي الفقيه وهكذا.

 

عدم وجود مؤلَّف فقهي للإمام جعفر الصادق رحمه الله

     يعتقد بسطاء الشيعة أن لأئمتهم مصنفات في الفقه والحديث على قرار أئمة أهل السنة كمسند أبي حنيفة، وموطأ الإمام مالك وكتاب الأم للشافعي ومسند ابن حنبل رحمهم الله جميعاً.
     فلا يوجد لدى الشيعة كتاب في الفقه ألفه جعفر الصادق نفسه أو دوّنه له تلامذته وبقي الناس يتداولونه إلى اليوم ويسمي ب (الفقه الجعفري)، وأما ما نسب إليه من فقه إنما كتب بعد وفاته بمئات السنين.
     فمن الحقائق الغائبة عن أذهان عوام الشيعة أن جعفراً الصادق رحمه الله أو أي واحد من أئمتهم الاثني عشر لم يؤلف كتاباً في الفقه ولا كتاباً في الحديث!
     والروايات التي نسبت إليه إنما ظهرت بعد وفاته بزمن طويل حيث توفي الصادق سنة 148 هـ، وأقدم كتاب للرواية على الأبواب الفقهية معتمد لدى الإمامية موجود بين يدينا هو كتاب الكافي للكليني المتوفى عام (329 هـ). أي بعد وفاة الإمام جعفر الصادق ب (180) عاماً، ثم محمد بن علي بن بابويه القمي المتوفى عام (381هـ) في كتابه (من لا يحضره الفقيه). أي بعد جعفر بأكثر من (230) عاماً، ثم محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 هـ، أي بعد 312 سنة.
     وعلى هذا فما يتداوله الشيعة اليوم ليس بفقه جعفر الصادق رحمه الله، وإنما هو فقه هؤلاء وعلى رأسهم شيخ طائفتهم الطوسي، لذا فالأولى أن يسمى بالفقه الطوسي.
     والخلاصة أن أئمة الشيعة لم يتركوا لنا كتاب لا في علوم القرآن ولا في علوم السنة أو الفقه، وما هو موجود اليوم في غالبه منسوب للأئمة رحمهم الله. لذا قال النجاشي عند الكلام عن عبد الله بن النجاشي: الذي ولي الأهواز، وكتب إلى أبي عبد الله عليه السلام يسأله وكتب إليه رسالة عبد الله بن النجاشي المعروفة، ولم ير لأبي عبد الله عليه السلام مصنف غيره (فهرست اسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، النجاشي، 102. وهذا يعني أن بقية الكتب المنسوبة للصادق رحمه الله لا تصح.
     بقيت مسألة وهي كيف يفتي شيخ الأزهر محمود شلتوت رحمه الله بجواز التعبد بالمذهب الجعفري كما يروّجون بين العوام؟
     الجواب يحتاج إلى شيء من التفصيل:
     أولا: قصة الفتوى يحكيها الشيخ محمد حسنين مخلوف رحمه الله  المفتي الأسبق وأحد الذين عاصروا هذه الفتوى، يتحدث فيقول: (بدأت فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة حين كان بمصر رجل شيعي اسمه " محمد القمي " وسعى في تكوين جماعة سماها جماعة التقريب وأصدر مجلة التقريب وكتب فيها بعض الناس وأنا لم أكن موافقا لا على التقريب ولا على المجلة ولذلك لم أكتب في المجلة ولم اجتمع مع جماعة التقريب في مسجد ما، وقد سعى " القمي " لدى شلتوت في أن يقرر تدريس مادة الفقه الشيعي الإمامي في الأزهر أسوة بالمذاهب الأربعة التي تدرس فيه، وأنا حين علمت بهذا السعي كتبت كلمة ضد هذه الفكرة وأنه لا يصح أن يدرس فقه الشيعة في الأزهر، ألا ترون أن الشيعة يجيزون نكاح المتعة ونحن في الفقه نقرر بطلان نكاح المتعة وأنه غير صحيح، وقد أبلغت هذا الرأي لأهل الحل والعقد في مصر إذ ذاك وأصدروا الأمر لشيخ الأزهر بأنه لا يجوز تدريس هذا الفقه ولم ينفذ والحمد لله). نقلا عن (مسألة التقريب للدكتور ناصر القفاري 2: 358).
     ثانيا: ما ذكره الشيخ محمد حسنين مخلوف المفتي الأسبق رحمه الله أكده الشيخ شلتوت نفسه حين سئل عن زواج المتعة  وهو جزء من الفقه الشيعي  فأجاب الشيخ شلتوت بأن أمثال هذا الفقه الذي يبيح زواج المتعة لا يمكن أن يكون شريعة الله.
     ففي " فتاويه " ص (275) يقول عن زواج المتعة: (إن الشريعة التي تبيح للمرأة أن تتزوج في السنة الواحدة أحد عشر رجلا وتبيح للرجل أن يتزوج كل يوم ما تمكن من النساء دون تحميله شيئا من تبعات الزواج؛ إن شريعة تبيح هذا لا يمكن أن تكون هي شريعة الله رب العالمين ولا شريعة الإحصان والإعفاف !!).
     والذي يطالع فتاوى الشيخ شلتوت رحمه الله في ذم البدع والإنكار على المبتدعة وخاصة بدع القبور والأضرحة والغلو يجد كلاماً قوياً فما هو الحال لو اطلع الشيخ على ما هو موجود في أصول الشيعة الإمامية الإثني عشرية من عقائد تخالف ما عليه المسلمين؟!! 
    

الوهّابية

     دين الله كامل والشيء الكامل لا يزاد عليه ولا ينقص منه ولا يستبدل بغيره.
     الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، عالم دين سني حنبلي، والحنبلية هي مدرسة فقهية. ولد في العيينة وسط نجد، عام 1703، وتوفي رحمه الله عام 1792م.
     كان جل دعوته إعادة الناس إلى تحقيق التوحيد ونبذ مظاهر الشرك والبدع التي كانت قد انتشرت آنذاك في أطراف الدولة العثمانية حول ولاية الحجاز وولاية اليمن والربع الخالي، دعاء أصحاب القبور والمستغيثين بها وأصحاب التبرك بالأشخاص والأشجار والبناء على القبور والمتعاملين بالسحر وغيرهم أصحاب مظاهر الشرك والبدع والخرافات والدجل التي تنافي عقيدة التوحيد في دين الإسلام والتي ختمها آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واكمل لنا الدين.
     ولأنه لم تعجب لما دعى الرجوع إليه هذا الرجل من قِبل من كانوا مستفيدين من بقاء الناس على الشرك والخرافات والبدع، حاربوه ونصبوا له العداء، واتهموه كذباً وزوراً بأنه جاء بدين جديد اسمه (الدين الوهابي) لتنفير الناس عنه وعن دعوته.
     وكل ذلك حتى يتجنبه الناس ولا يسمع منه. وكذلك اليوم كل من ينادي بالتوحيد يطلق عليه من قبل أهل البدع ب (الوهابي) نسبة إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مع أن اسمه محمد وليس عبد الوهاب، وأيضاً لم يثبت عنه رحمه الله أنه قال بأنه جاء بدين جديد، ولا حتى من اتهم أنه من أتباعه ادعوا ذلك.
     أما القول المنصف عنه من الغرب، فقد قال "برنارد لويس في كتابه العرب والتاريخ):،... نادى محمد بن عبد الوهاب بالابتعاد عن جميع ما أضيف للعقيدة والعبادات من زيادات باعتبارها بدعا خرافية ردة عن الاسلام الصحيح.
    وقال المؤرخ الفرنسي الشهير السيديو: إن انكلترا وفرنسا حين علمتا بقيام محمد بن عبد الوهاب وبن سعودبانضمام جميع العرب اليهما لأن قيامهما كان لإحياء كلمة الدين خافتا أن ينتبه المسلمون إليهما فينضموا اليها وتذهب عنهم غفلتهم ويعود الاسلام كما كان في أيام عمر رضي الله عنه - فيترتب على ذلك حروب دينية وفتوحات اسلامية ترجع اوروبا منها في خسران عظيم. فحرضنا الدولة العلية على حربهم وهي فوضت ذلك إلى محمد على باشا - (والي مصر).
     وهناك حقيقة يجهلها الكثير من الناس وهي أن خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجدوا دعوة خارجية أباضية في شمال إفريقيا نشأت في القرن الثاني الهجري باسم الوهابية نسبة إلى (عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الأباضي)، ووجدوا فتاوى من علماء المغربالأندلس ممن عاصرها أو جاء بعدها في ذمه وتكفيره، فكانت فرصة لأصحاب المصالح لاستغلال تشابه الإسمين في التلبيس على الناس بأن علماء المسلمين يكفرون الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي حتى ينصرفوا عن دعوته – أنظر: تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية، لمحمد الشويعر.
     ومن المسائل الأخرى أيضاً أن الشيعة يروجون مسألة كراهية الشيخ محمد بن عبدالوهاب لآل البيت رضي الله عنهم ويجهلون أن الشيخ رحمه الله قد سمى ابنه الأكبر علياً وابنته فاطمة واثنين من أبنائه حسناً وحسيناً  - (راجع كتاب الدرر السنية، 12/ 19).
     وأقر كلام شيخ الإسلام رحمه الله في قوله: صلى الله عليه وآله وسلم على الأمة حق لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة مالا يستحق سائر قريش.
 
 

ماذا استفدنا من التشيّع؟

     ماذا استفاد الإسلام من التشيع الذي يدعوا إليه الشيعة بجميع صوره غير الدمار والقتل والنهب، حتى أن من قتل بإسم التشيع أو بسببه أكثر مما قتل بيد الكفار. فبإسم التشيع وحب أهل البيت صنعت المظلومية، ونشر ما نراه اليوم من أقوال وإدعاءات أن أهل السنة نواصب يبغضون أهل البيت رضي الله عنهم، ومن البدع كاللطم والنياحة والبكاء والمآتم، والتكسب من الأضرحة والقبور، والخمس، والسب واللعن والطعن في الصحابة وزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والقول بتحريف القرآن، بل وأعظم من ذلك وهو الشرك بالله عزوجل وأن أهل البيت باستطاعتهم دفع الضر وجلب النفع، حتى نظرية الإمام المنتظر (المهدي) الذي يعتقدون بأنه المخلص للشيعة من الظلم لم يعد ذي فائدة لأنه غائب عن الأنظار خوفاً من الموت لأكثر من 1400 عام. فكيف بخائف يدافع عن المستضعفين؟
     ثم أن التشيع بصورته الحالية لم يكن كما كان في صدر الإسلام، بل السياسة هي اوصلتها إلى ما هو عليه اليوم.
     يقول المرتضى علم الهدى (ت: 436 هـ): ومعلوم أن جمهور أصحابه (أي علي رضي الله عنه) وجلهم كانوا ممن يعتقد إمامة من تقدم عليه عليه السلام، وفيهم من يفضلهم على جميع الأمة – الشافي في الإمامة، للشريف المرتضى،  3/ 114
     ويقول أحمد الوائلي (ت: 2003 م): أود أن ألفت النظر أني خلال مراجعاتي كتب التاريخ لم أر في الفترة التي تمتد من بعد وفاة النبي حتى نهاية خلافة الخلفاء من عمد إلى الشتم من أصحاب الإمام، وإنما هناك من قيم الخلفاء وقيم الإمام وحتى في أشد جمحات عاطفة الولاء لم نجد من يشتم أحدا ممن تقدم الإمام بالخلافة – هوية التشيع، للوائلي،  38
     ويقول عالمهم الملقب الشهيد الثاني (965 هـ): إن كثيرا منهم ما كانوا يعتقدون عصمتهم لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون أنهم علماء أبرار، يعرف ذلك من تتبع سيرهم وأحاديثهم وفي كتاب أبي عمرو الكشي رحمه الله جملة مطلعة على ذلك، مع أن المعلوم من سيرتهم عليهم السلام مع هؤلاء أنهم كانوا حاكمين بإيمانهم بل عدالتهم - حقائق الإيمان، للشهيد الثاني، 151.
     وعلى أي حال لعل سرد مختصر لأفعال الشيعة عبر التاريخ بإسم التشيع يوضح لنا الصورة:

  • في سنة 23 هـ قام أبو لؤلؤة المجوسي بقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا المجوسي رمز من رموز الشيعة لهذا سموه (بابا علاء الدين) و(بابا شجاع الدين) وله مشهد في إيران مزار.
  • وفي سنة 35 هـ قتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه بسبب تأليب عبد الله ابن سبأ الثوار عليه. فقد كان يعتقد ابن سبأ الألوهية في علي والوصية بالخلافة له وغير ذلك.
  • وفي يوم عاشوراء من شهر المحرم سنة 61 هـ قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بسبب تخلي الشيعة عنه وأسلموه لخصومه.
  • وفي سنة 317 هـ وصل أبو الطاهر القرمطي إلى مكة فقتل الحجاج في المسجد الحرام واقتلع الحجر الأسود وأعيد من الأحساء في سنة 339 هـ بشفاعة حاكم مصر العبيدي.
  • وفي سنة 408 هـ ادعى الحاكم بأمر الله العبيدي الفاطمي الألوهية وقد حاول هذا الرافضي نبش قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مرتين. الأولى بعث فيها أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف فهاج عليه الناس ومنعوه من ذلك. والثانية: أرسل هذا الشيعي رسولا إلى المدينة وسكن قرب الحرم وحفر تحت الأرض ليصل إلى القبر فاكتشف الناس أمره فقتلوه.
  • وفي سنة 656 هـ قام نصير الدين الطوسي وابن العلقمي وأدخلوا التتار إلى بلاد الإسلام فقتلوا مليوني مسلم تقريبا.
  • وفي سنة 907 هـ قامت الدولة الصفوية الشيعية بإيران على يد مؤسسها الشاه إسماعيل ابن حيدر الصفوي وقد قتل مليون مسلم تقريبا بسبب رفضهم اعتناق مذهب الشيعة. ولما قدم بغداد أعلن سبه للخلفاء الراشدين وقتل من لم يسلك ديانة الشيعة ونبش قبور كثير من أموات أهل السنة كما فعل بقبر أبي حنيفة رحمه الله.
  • وفي سنة 1218 هـ قدم شيعي من العراق إلى الرياض وأظهر الزهد والتنسك ولما أتيحت له الفرصة صلى في مسجد الطريف بالدرعية خلف الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله فقتله بخنجر في صلاة العصر وهو ساجد.
  • وفي سنة 1399 هـ قامت الدولة الشيعية في إيران على يد الخميني بعد الإطاحة بنظام الشاه. فغدر بأصحابه الذين وقفوا معه وكذلك بأهل السنة وأشعل الحرب مع العراق، وعمل على تصدير ثورته إلى جميع دول العالم.
  • وفي سنة 1405هـ قامت حركة أمل الشيعية بقيادة نبيه بري وموسى الصدر، وبدعم من اللواء السادس الشيعي من الجيش اللبناني، وبتعاون من الدروز الشيعة،بأعمال وحشية وجرائم بشعة وشن الهجوم على مخيمي صبرا وشاتيلا ومخيم برج البراجنة واستمرت المجزرة قرابة الشهر، ليجري على الفلسطينيين فيها من القتل والتعذيب مالم يروه من قبل!!". انظر الفاضح لمذهب الشيعة الإمامية (ص: 110)وماذا تعرف عن «حزب الله» (ص: 3).
  • وفي سنة 1407 هـ يوم الجمعة السادس من ذي الحجة قام الشيعة التابعون لولاية الخميني بالمسيرات والمظاهرات الغوغائية في حرم الله يرددون (الموت لأمريكا الموت لإسرائيل) واحدثوا الفوضى واعمال الشغب فقتل (402) قتيلا واصيب (649) مصابا وكسروا أبواب المتاجر وحطموا السيارات وأشعلوا النار فيها وقد ادانت هذا الحادث(44) دولة.
  • وفي حج عام 1409 هـ مساء اليوم السابع من شهر ذي الحجة قام جماعة من الشيعة بزرع متفجرات مدمرة في مكة المكرمة حول المسجد الحرام ونتج عن ذلك التفجير قتل رجل باكستاني وإصابة (16) شخصا وخسائر مادية فقبض على الجناة وأقيم عليهم حد القتل في سنة 1410 هجرية.
  • وفي هذه السنوات قامت ايران بدعم الحوثي مادياً وعسكريا ًوسياسياً واعلامياً وجعلته يهيمن على الحكومة اليمنية ويخضعها بعد أن قتل بسبب ذلك آلاف اليمنيين.
  • ومن ضمن التاريخ الاسود للشيعة فرض شيعة اليمن الحصار على طلاب العلم في مدينة دماج بما في ذلك الاطفال والنساء والشيوخ وضرب البيوت والمساجد على من فيها من السكان والمصلين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتوسطة ليلا ونهارا ضربا متواصلا. وقد استمر الحصار السابق اكثر من سبعين يوماً والحصار الثاني اكثر من مائة يوم ثم اخيراً اخرج شيعة اليمن أهل صعدة من بلادهم.

والقائمة طويلة..
     أما العراق فحدث ولا حرج وكلنا عاصرنا ماذا حصل، حيث قتلوا مئات الآلاف من أهل السنة وأرجعوا العراق عشرات السنين إلى الوراء، وأصاب الضرر كل من كان يسكن فيها.
     ولم يثبت أن احداً من أئمة أهل البيت دعى من يزعم بمحبتهم لهم بقتل الناس. وإذا كان التشيع لا يعني سوى محبة أهل البيت وموالاتهم فالمسلمين جميعهم يحبونهم ويدعون إلى محبتهم.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
  يا آلَ بيْتِ رسولِ اللّه حُبّكمُ  **  فرضٌ من اللّه في القرآنِ أنزلَهُ
  يكفيكُمُ مِنْ عَظيمِ الفخرِ أنكمُ ** مَنْ لم يُصلِّ عليكم لا صَلاةُ لَهُ
    وأكرر سؤالي: ماذا استفدنا من التشيّع؟

 

أهل البيت
ومشائخ الشيعة صورتان متضادتان

     من يزعجه الحق يجتهد في منعه، ومن كل ما مر يتضح أن هناك منهجان في الفكر الشيعي، أولهما هو أن منهج الأئمة من أهل البيت عند الشيعة هو ذات منهج الصحابة رضي الله عنهم وأهل السنة، والمذهب الآخر هو مذهب وضعه مشائخ الشيعة ونسبوه إلى أهل البيت رحمهم الله، لذا تجد أن كل ما يوجد من أقوال أهل البيت رحمهم الله والتي توافق ما عليه أهل السنة حمله علماء الشيعة على التقية حتى لو كان يخالف الشرع والمنطق والعقل، كما فعل شيخ طائفتهم الطوسي في كتابيه التهذيب والاستبصار.
     حقاً لقد أضاع الطوسي بنهجه هذا المنهج الخير الكثير على الشيعة مما يقربهم إلى سائر طوائف المسلمين، فبدلاً من أن ينتصر لهذه الروايات الصادرة عن أئمة أهل البيت رحمهم الله التي توافق ما عليه أهل السُنة، عمد إلى صرفها بشتى الوسائل بحجة أن هذه الأقوال إنما صدرت عنهم رحمهم الله من باب التقية فقط لأنها توافق ما عليه أهل السنة، رغم أن دوافعه لتصنيفه كتابي التهذيب والاستبصار هو رفع الاختلاف، فكان أن أثار عليه علماء مذهبه بنهجه وتناقضاته هذه، فكانوا بين راد عليه وآخر ملتمس له العذر.
     وخلاصة القول أن المتأمل المنصف من الشيعة فيما أوردناه في كتابنا هذا من مسائل يجد أن من يتبع أئمة أهل البيت في الحقيقة هم أهل السنة، وليس الشيعة.

 

لا فرق بين السنة والشيعة فكلنا إخوان

     سائل شيعي يسأل:
     طالما أن الاثنين ينطقون بالشهادتين، فكلاهما مسلمين وإخوان، إذاً لماذا يكفر ويطعن ويخطئ كل واحد منهما في الآخر؟ فهذا هو الذي نسمعه، فهما حينما يكون هناك حوار بينهما في المسائل المختلف فيها !!!
     أقول للسائل:
     لا مانع أن يعتبر السنة والشيعة إخوان، وأنه لا فرق بينهما طالما ينطقون بالشهادتين، ولكن هل يعتبر هو وغيره من الشيعة أيضاً أن يكون أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم إخوان لهم باعتبارهم رضي الله عنهم مسلمين نطقوا الشهادة؟
     الجواب في آلاف الروايات في مصادر الشيعة في تكفير الصحابة رضي الله عنهم والطعن فيهم، لا يسعنا حصرها جميعاً هنا، وهذه بعضها:
     عن  الباقر عليه السلامارتد الناس الا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد قال: فقيل: فعمار؟ قال: قد كان جاض جيضة ثم رجع - الاختصاص، للمفيد، 10، بحار الأنوار، للمجلسي، 22/ 440، 28/ 239، 64/ 165
     وعنه أيضاًإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قبض صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة: علي، والمقداد، وسلمان، وأبو ذر، فقلت: فعمار؟ فقال: إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شئ فهؤلاء الثلاثة  -بحار الأنوار، للمجلسي، 22/ 333، تفسير العياشي، للعياشي، 1/ 199
     وعن الصادق عليه السلامفي قوله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً [التحريم: 3]) هي حفصة. قال الصادق عليه السلام: كفرت في قوله تعالى: (مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا) وقال الله فيها وفي أختها: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم: 4]) أي زاغت والزيغ الكفر - الصراط المستقيم، لعلي بن يونس العاملي، 3/ 168، بحار الأنوار، للمجلسي، 22/ 246، 31/ 640
ويقول المجلسي في قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً... [التحريم: 10]). لا يخفى على الناقد البصير والفطن الخبير ما في تلك الآيات من التعريض بل التصريح بنفاق عايشة وحفصة وكفرهما - بحار الأنوار، للمجلسي، 22/ 233 

 

هل بالإمكان التقريب بين الشيعة والسنة؟

     لا أحد يطمئن أن يتواجد في مكان لا يحيطه الاستقرار، هذا ما يؤمن به أصحاب العقول الراقية.
     في تراث الشيعة الإمامية مئات الروايات عن أئمه أهل البيت عندهم رحمهم الله توافق ما عليه أحاديث أهل السنة مثل الروايات في التوحيد، وأن الصلوات خمسة وكل صلاة على وقتها - ومنزلة القرآن وصيانته من التحريف، وروايات تصف صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم خيريين وأن العلاقة التي كانت بينهم وبين أهل البيت رحمهم الله تتصف بالمودة والرحمة والمصاهرة المتبادلة، وتسمى أولادهم رحمهم الله بأسماء الصحابة رضي الله عنهم - والثناء على خلافتهم، وذكر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوجة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكل خير... الخ
     بالمقابل وجود روايات بالمئات في تراث الشيعة الإمامية تخالف أحاديث أهل السنة، بل لا يليق حتى أن تنسب إلى أئمه أهل البيت رحمهم الله لأنها تفرق ولا تجمع ولا تقرب، بل تبث الكراهية بين الطرفين.
     ما المعنى والمراد من إصرار علماء ومراجع الإمامية على عدم التمسك بتعليم أتباعهم في الحوزات والمأتم والمساجد بالروايات التي تقرب وتجمع بين الشيعة والسنة؟!
     ثم ما الدليل على أن الروايات المخالفة لأحاديث أهل السنة هي الصحيحة والروايات الموافقة لأحاديث أهل السنة هي الضعيفة والمكذوبة ؟!!
     إذاً أصبح من الواجب وضروري تنقيح التراث من الروايات التي هي السبب في التفرقة مع الإنكار عليها، وجعل الروايات التي تجمع وتقرب مرجعاً مع الإيمان والقناعة التامة أن هذا الاجتهاد هو الصحيح.
     ويبقى شيئان وهما: التقية لأن هذه المسألة تضعف الثقة وحسن النية، لذلك من الضروري العمل من غير تقية وأيضاً النظر في أقوال علماء الامامية على أن كل الروايات التي توافق أحاديث أهل السنة صدرت من الائمة من أهل البيت عندهم رحمهم الله من باب التقية، على أنها لم تكن محمولة على باب التقية.
     لأن لو كانت صدرت منهم رحمهم الله من باب التقية وبهذه الطريقة التي صورت لنا لما حصل للأئمة ما حصل لهم من سجن وقتل وغير ذلك من الأذى كما صور لنا عن أحوالهم، بل لاستخدموا ومارسوا التقية حفاظاً على أنفسهم من الأذى.
     لأن التقية تمارس كي تتقي شر من تخافه، فهل عمل هؤلاء بالتقية؟! وهل اعتقدوا فيها كما جاء في تراث الامامية أنها واجبة ومن تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة.
     ولو كانت كذلك لاستخدمها الحسين رضي الله عنه ولم يقتل، وحتى المهدي المنتظر المذكور في تراث الإمامية لما احتاج إلى الاختباء من الظهور مخافة من وصفوهم بالأعداء، لمارس التقية وحفظ نفسه منهم.
     والشيء الآخر هو استمرارية ما تم تنقيحه والاتفاق عليه بالنشر وتعليم العوام في جميع وسائل الاعلام وعلى مستوى الحوزات والمأتم والمساجد والتلفاز، حتى لو احتاج هذا الاجتهاد إلى سنوات، لا مانع من ذلك، فالعامي تبع لما يأتي به العالم وهو ثقه بالنسبة له، فإذا أوجد منهم دعوة صادقة والاخلاص في العمل لنبذ الخلاف فسينتهي مع مرور الوقت ليبقى الخلاف فقط خلاف فقهي.
     أما الاكتفاء فقط القبول بالتعايش، فاعتقد هذا لا يخدم الاستقرار بالشكل المطلوب لأن ذلك بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد يستغلها العدو في وسط الطرفين.
 
 

الخاتمة

     الأحلام لا تتحقق بالأحلام.
ستكون بخير حينما تتعلم أن تغادر ما يؤذيك. ولأنك إنسان وفضلك الله على سائر المخلوقات بالعقل، فأنت تستحق الأفضل. تقبل نصح الصاحي، ولا تكون مغيّب كالسكران لا تدري ماذا يدور من حولك، فقط غادر بحثاً عن الأفضل، وسوف تشعر بالراحة والسعادة.
 
المؤلف
 
 
 
 

 
فهرس الكتاب
المقدمة
الاستغاثة والتوسل بالموتى.. تساؤلات مشروعة !!
من أين جاءت الشهادة الثالثة في الأذان عند الشيعة؟
معنى "حيّ على خير العمل" في الأذان عند الشيعة
الوضوء عند الشيعة
الجمع بين الصلوات
كم أذان عند الشيعة؟
وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة
قول "آمين" في الصلاة
المرور بين يدي المصلى (المرور أمام المصلي)
الالتفات في الصلاة
السجود على التربة
التسليم في الصلاة يميناً وشمالاً
صلاة التراويح من طرق الشيعة
لبس الثوب القصير وإطلاق اللحية
الإمامة
حديث غدير خم
آية الولاية
آية التطهير وحديث الكساء والعصمة
لماذا يكرهون الصحابة رضي الله عنهم؟
رزية الخميس
أرض فدك
قصة حادثة كسر الضلع (النسخة الفارسية المجوسية)
القرآن الكريم محرّف
من قتل الحسين رضى الله عنه؟
الممارسات التي تعرف بالشعائر الحسينية
صيام يوم عاشوراء
المتعة حرام
التقية
التقليد
عدم وجود مؤلَّف فقهي للإمام جعفر الصادق رحمه الله
الوهّابية
ماذا استفدنا من التشيّع؟
أهل البيت .. ومشائخ الشيعة صورتان متضادتان
لا فرق بين السنة والشيعة فكلنا إخوان
هل بالإمكان التقريب بين الشيعة والسنة؟
الخاتمة