Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

رسالة مفتوحة لمرشد الثورة الإيرانية ..

رسالة مفتوحة لمرشد الثورة الإيرانية


سماحة مرشد الثورة الإيرانية 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
وبعد
هذه رسالة لا تنقصها الصراحة في مفترق طريق بالغ الحساسية تمر به الأمة الإسلامية وتحتاج لتعبره بسلام إلى تكاتف جهود المخلصين من أبنائها جميعا شيعة وسنة. واسمح لي أولا أن أمهد لها بها بتمهيد أراه لازما. فربما تكون هذه المرة الأولى التي أشعر فيها بضرورة أن أفكر في شأن كالملف العراقي انطلاقا من انتمائي المذهبي كمسلم سني في المقام الأول، فمنذ أكثر من خمسة عشر عاما عندما تعرفت إلى المفكر الإسلامي الراحل الدكتور السيد فهمي الشناوي الذي لا شك في أنكم تعرفون العلاقة المتميزة التي ربطته بعدد كبير من قيادات الثورة الإيرانية – وفي مقدمتهم الإمام الخميني شخصيا - وهو ما جعل الإمام يختاره كطبيب ليشرف على علاجه في مرضه الأخير، فمنذ ذلك الحين وأنا على يقين من أن أخوة الإسلام كما تعلمت من الدكتور الشناوي رحمه الله تجمع بيني وبين الشيعة برباط لا يجوز أن توهنه – فضلا عن أن تفصمه – خلافات المذاهب.

وخلال مسيرة متواضعة في العمل العام حرصت على أن أترجم هذه القناعة إلى فعل في حدود تجربتي، وفي مناخ التردي العام الذي تشهده الأمة لم يكن مستغربا أن يصبح الانتماء للمذهب الشيعي في نظر بعض ضيقي الأفق من السنة "تهمة" وأن يعتبر الانتماء للمذهب السني "تهمة" في نظر الفئة المقابلة من الشيعة. وقد كنت أحد الذين ألصقت بهم هذه "التهمة" عمدا على سيبل التشويه من أطراف متعددة في مقدمتهم جهاز أمن سياسي يعرف جيدا المردود السلبي لمثل هذه التصنيفات المنتحلة، وهي في النهاية ضريبة لا يشق على أن أدفعها لقناعتي التامة بموقفي، ما جعلني أحرص في عديد من المواقف المتصلة بالعلاقات بين السنة والشيعة أن أقف حيث يحجم آخرون مراعاة لمشاعر مذهبية سلبية لدى شرائح واسعة من العامة لا يجوز في تقديري إذكاؤها بين أبناء الأمة ولو بالسكوت عليها. 

ولمثل هذه الصغائر "الاتهامية" فوائد تفوق ما تسببه من منغصات صغيرة، إذ تكشف عن درجة الاحتقان المكتوم في العالم العربي إزاء العلاقة بين الشيعة والسنة وبالتبعية العلاقات العربية الإيرانية. وقد أصبحت القضية العراقية مختبرا حقيقيا للعلاقات السياسية والمذهبية على السواء، وهو ما دفعني لتوجيه هذه الرسالة إليكم. 
فمنذ أن توجهت في مايو 2002 ببلاغ للنائب العلام المصري طالبا التحقيق في ما سمي "فضيحة رشاوى صدام النفطية" وأنا أستهدف بناء موقف سياسي مركب من القضية العراقية يهدف – ضمن العديد من المرامي الأخرى – إلى قطع علاقة التلازم الوهمية التي أراد النظام البعثي البائد وبعض ذيوله ترسيخها في الوعي العام بين العروبة والمذهب السني، فلم يكن صدام مخلصا للشعارات العروبية التي رفعها ولا كان يتصرف بناء على قناعة مذهبية أيا كانت. وبطبيعة الحال لم أكن أجهل كسياسي أن زوال النظام العراقي - كخيار انحزت إليه بوضوح متمنيا ألا يتم عبر تدخل أجنبي - سيؤدي بالضرورة لبروز الشيعة كرقم كبير في السياسة العراقية تم تغييبه عمدا لعقود، وبالتالي كنت على قناعة لها – في حدود اجتهادي المتواضع – ما يبررها شرعيا وأخلاقيا وإنسانيا وسياسيا، فمن حق هؤلاء "المختلفين" عني مذهبيا أن يحصلوا على حقوقهم السياسية كاملة غير منقوصة، لا كأثر سلبي لا مفر منه لعملية تغيير النظام أقبله على مضض شأن كثيرين بل كحق أصيل يهمني أن يحصلوا عليه أنصافا لهم.

وبينما تتوالى التحذيرات داخل العراق وخارجه من حرب طائفية محتملة يمكن أن تشتعل في أية لحظة ومع وجود تحذيرات – تبدو غالبا مفتعلة أو مبالغا فيها – من مطامع سياسية إيرانية تسعى لاستخدام شيعة العراق وسيلة لتحقيق أحلام سياسية هي إعادة إنتاج لمقولات "تصدير الثورة" التي أطلقت خلال الحرب العراقية الإيرانية وتعامل معا كثيرون – ومنهم كاتب هذه السطور – بريبة كبيرة مرجحا أن تكون دعايات سياسية عربية رسمية لتبرير مساندة النظام الرسمي العربي للنظام البعثي البائد في حربه الظالمة ضد دولتكم. 

في هذا المناخ وعلى هذه الخلفيات يبدو لي أن بعضا مما طرأ على الموقف الإيراني من الملف العراقي مؤخرا يثير مخاوف مشروعة لدى كثيرين. وفي مقدمة ما يثير المخاوف تصريحات السيد علي أكبر محتشمي الداعية لفتح حدود إيران أمام متطوعين (استشهاديين) وهي تصريحات تضمنت نقدا للمرجعيات الشيعية لموقفها مما يجري في العراق، يضاف إلى ذلك تصريحات الرئيس الإيراني محمد خاتمي عن أن "إيران ليست بحاجة إلى فتح حدودها لأن الاحتلال إذا واصل اعتداءاته فإن العالم الإسلامي برمته سيقوم ضده". 

وبطبيعة الحال لا يملك أحد أن يمنع شعبا تحت الاحتلال من حقه في المقاومة عندما يرى ذلك ضرورة، لكن ما تعنيه هذه التصريحات وشواهد أخرى مماثلة أن العراق لا تعنيكم إلا كمكان توجد فيه مساجد تقدسونها والمساس بها وحده مبرر هذا الغضب رغم أن من أطلقوا هذه التصريحات أكثر مني علما بأن الرسول صلى اله عليه وسلم أخبر في الحديث الصحيح أن المسلم أشد حرمة على الله من الكعبة، ولما كانت حرمة المسلم أكبر فمن المؤكد أن حرمة الدماء التي يمكن أن تسفك نتيجة الانحياز لهذا الاندفاع العاطفي أكثر قدسية عند الله من المراقد والمشاهد التي لا يماري أحد في حقكم في الاعتزاز بها والغضب لما أصابها. 

لكن الأهم أن هذه الأرض التي توجد عليها المشاهد والمراقد يوجد فيها شعب هو الشعب العراقي ووجوده فيها ليس أمرا عارضا فهي ليست "أرضا بلا شعب". والأضرار التي أصابت هذه المساجد التي تقدسونها يصعب فصلها عن سياقها الأشمل وهو أن شخص يدعى مقتدى الصدر ينتمي لأسرة عريقة في تاريخ المرجعية الشيعية في العراق متهم بالضلوع في جريمة قتل راح ضحيتها السيد عبد المجيد الخوئي وهو أيضا نجل واحد من أهم مراجع الشيعة العراقيين ومن المدهش ألا يزعجكم قتل عبد المجيد الخوئي أيا كان رأيكم في موقفه السياسي، فأنا شخصيا التقيته مرات في زياراته للقاهرة وكانت لي اعتراضات على بعض رهاناته السياسية، لكنني لا أقبل أبدا أن أتواطأ على دمه، فلماذا هذا الصمت على دم الخوئي وهذا الصراخ المتشنج غضبا لما لحق بالمراقد؟
وإذا كنتم ترون قضية قتل الخوئي شأنا عراقيا محضا فهل ترون أن المراقد والمزارات الشيعية في العراق شأن "عابر للحدود"؟
وما دلالة هذا التقارب الذي بدا فجأة بين الخطاب الرسمي لبعض المسؤولين الإيرانيين وبين الخطاب السياسي الغوغائي لمقتدى الصدر؟
من المؤكد أن من حقكم أن تنحازوا إلى من تشاءون على الساحة العراقية لكنني أرى من واجبي أن أصدقكم النصح لما سيترتب على هذا التحول في الموقف الإيراني من نتائج على الأرجح ستتجاوز الملف العراقي. وعليه فإنني ألفت النظر لما يلي:
أولا:براءة مقتدى الصدر أو إدانته مما هو منسوب إليه شأن يستقل به قضاء ينبغي أن يضمن للمدعى عليه محاكمة عادلة، لكن الاختباء وراء لافتة "مقاومة الاحتلال" للإفلات من المساءلة عن إصابة حد شرعي ليس أمرا هينا ولا يجوز أن تنظر إليه دولة إسلامية فقط كورقة رابحة في صراع سياسي.
ثانيا: أن قرار اللجوء لخيار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي في العراق هو في المقام الأول قرار عراقي لا يجوز فرضه من الخارج.
ثالثا: أن مراهنة البعض في إيران على استخدام مقتدى الصدر "فزاعة" لمراجع الشيعة في العراق لدفعهم لاتخاذ مواقف أكثر تشددا مراهنة سيدفع العراقيون أولا ثمنها، وأظن أنهم دفعوا طوال أكثر من ثلاثين عاما مضت ما يكفي ثمن طموحات فرد واحد قادهم من محرقة إلى جحيم، ولا مزيد لديهم ليقدموه ثمنا لطموحات أو مطامع أو انخداعا بشعارات بينة الزيف.

رابعا: أن الحديث المتشنج عن المراقد والمزارات الشيعية سينتج آثارا سلبية على المستقبل لكونه يفتح الباب لهواجس نائمة لا أرى أن من الحكمة إيقاظها.
وفي النهاية فإن من واجبي أن أصدقكم القول في شأن يتصل بنظام المرجعية الدينية الشيعية يعد السبب الحقيقي للأزمة لكن البعض يفضل عدم الخوض فيه وهو موضوع "أبناء المراجع" فعبد المجيد الخوئي ومقتدى الصدر كلاهما يمت بقرابة لمرجع كبير، لكن مثل هذه المكانة الدينية بقيت لقرون غير خاضعة للتوريث وهو أمر ساهم بنصيب وافر في إضفاء مهابة كبيرة على المراجع لكون مكانتهم حصيلة جهد ومجاهدة أما "أبناء المراجع" فيحاولون استثمار ما بناه أسلافهم ولعلك تعرف قصة ما أدت إليه وفاة الإمام الخوئي من نزاعات على مؤسسته التي تمول من أموال مقلديه وقد روى لي جانبا منها رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بلبنان الشيخ محمد مهدي شمس الدين شخصيا إذ كان طرفا فيها.

وفي النهاية 
إنني أدعوكم بما لكم في نفوس الشيعة من مكانة مقدرة أن تنحازوا بوضوح إلى حق العراقيين في إدارة شؤون بلادهم دون تدخل سواء كانت لافتته دينية/ مذهبية أو سياسية، وأن تتذكروا أن الثقة لا تأتي من فراغ بل تبنى عبر عمل صبور والساحة العراقية فرصة حقيقية لبناء الثقة بيننا وبينكم آمل ألا تضيعوها، ولا شك لدي في أنكم تقدرون أنكم مسئولون أولا أمام الله ثم أمام التاريخ عن جانب كبير من صورة هذا المستقبل. 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

ممدوح الشيخ - سياسي / كاتب - مصري