المسائلُ الـمَـرْضِيَّةْ في بيانِ اتفاقِ أهلِ السنُّةِ والزَّيدية على سُننِ الصلاةِ
المسائلُ الـمَـرْضِيَّةْ في بيانِ اتفاقِ أهلِ السنُّةِ والزَّيدية على سُننِ الصلاةِ
محمد الصنعاني
بسم الله الرحمن الرحيم
المسائلُ الـمَـرْضِيَّةْ في بيانِ اتفاقِ أهلِ السنُّةِ والزَّيدية على سُننِ الصلاةِ
تأليف المولى العلامة الشهير وبدر المعارف المنير عز الإسلام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله
( نص السؤال ) :
قال السائلُ دامتْ إفادتُه ما لفظه :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله الأكرمين .
أما بعد :
فالمطلوبُ من إفادةِ مولانا السيد العلامة الشهير وبدر المعارف المنير عز الإسلام محمد بن إسماعيل الأمير حفظ الله ببقائه معالم العلوم الدينية ، ورفع به أعلام السنة النبوية ، نقلَ مذاهبِ القائلين من أهل البيت بما أثبتته من السنة العلماءُ الأعلامُ ، من أفعالٍ وأقوالٍ ثبتتْ في الصلاة مثل:
1ـ الرفع
2ـ والضم
3ـ و التورك
4ـ والإشارة في التشهد
5ـ والتوجه بعد تكبيرة الإحرام
6ـ والدعاء
7ـ والتأمين
8ـ والقراءة خلف الإمام .
معزوةً إلى ما نقلت عنه من الكتب ؛ رفعاً لمن اتهم مخالفة فاعلها أهل البيت المطهرين ، وثانياً لمقلديهم باتباع سنة خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله أجمعين . انتهى السؤال
( الجواب ) :
جواب الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله المطهرين .
أقول: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا.
هذا سؤالٌ جليلٌ ، ومطلبٌ نبيلٌ، ولابد من مقدمة بين يدي الجواب بها تكمل إفادةُ الصواب ، وهي في معرفة أهل البيت عليهم السلام الذين أشار إليهم السائل، فمعرفتهم مُقَدَّمَةٌ على إجابةِ المسائل؛ لأن المطلوبَ معرفةُ القائل منهم بما في هذه الثمان المسائل، ولا تتم إلا بعد معرفة أهل البيت منهم، وذلك أن الناس جاهلون بأهل البيت جهلاً عجيباً ، ستعرف حقيقة جهلهم مما سيأتيك من التحقيق.
فاعلم دامتْ إفادَتُكَ وَصَلُحَتْ إرادتُكَ: أن أهل البيت النبوي الذين وردت في فضائلهم أحاديث نبوية يطول تعدادها ولا ينحصر أعدادها، قد عرفها كل عارفٍ ، واغترف من بحرها كل غارفٍ، ووردت بعباراتٍ نَبَويَّةٍ .
تارةً يعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم بـ أهل بيتي ؛ كحديث ( أهل بيتي كسفينة نوح) الحديث أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
وتارةً بلفظ عترتي كحديث ( إني تارك فيكم ثقلين كتابَ الله وعترتي أهل بيتي ) ومنه: (( إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت )) الآية ، وهذا الحديث جاء فيه اللفظان أخرجه مسلم وأحمد وغيرهما
وتارة بلفظ آل محمد وهو أكثرها ، فمنه تعليمه صلى الله عليه وآله وسلم الأمة الصلاة عليه ، وقد سئل : كيف نصلي عليك ؟ قال: ( قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) الحديث. أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ، وحديث ( إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ) وهي أحاديث كثيرة .
إذا عرفت هذا فهذه ثلاثة ألفاظ : آل محمد ، أهل البيت ، عترتي كلها تطلق على شيء واحد ، فهي ألفاظ مترادفة في المقاصد ومتخالفة في المفهوم ، فالمفهومُ مختلفٌ والذي يصدق عليه متحدٌ .
ونظيرها أسماء السيف مثلاً: فإنه يقال له الصارم، والمخذَّم ،والمهند وغيرها، فهي ألفاظ تصدق على شيء واحد هو السيف، ومفهوماتها متغايرة.
وإذا تقرر هذا فلا بد من معرفة من هم آل محمد الذين أرادهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحث على التمسك بهم واعتقاد حبهم وعظمتهم وتوقيرهم وتفضيلهم ؟؟؟
أقوال العلماء في المراد بالآل
فاعلم أن للعلماء في حقيقتهم أربعة أقوال، وقد أشار الإمام المهدي في البحر إلى الاختلاف في حقيقتهم وَذكرَ بعضَ ما نذكره من الأقوال.
فالأول:
أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، وبذلك فسرهم زيد بن أرقم الصحابي، ففي صحيح مسلم:
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً فينا بماءٍ يُدعى خُمَّاً بين مكةَ والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: ( أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول الله عز وجل فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا )، فحث على كتاب الله ورغب فيه، وقال: ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ) ، فقال حُسين بن سَبْرَة: ومن أهل بيته يازيد أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال: إن نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده . قال : ومن هم ؟ قال آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل عباس. قال: أكل هؤلاء حرم عليهم الصدقة ؟ قال: نعم.
القول الثاني:
إن آله صلى الله عليه وسلم هم أزواجه وذريته خاصة، حكاه ابن عبدالبر عن قومٍ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم صلى على محمد وأزواجه وذريته) قالوا: فهذا يفسر حديث ( اللهم صلى على محمد وآله ) ؛فإن آله لفظ مجمل بينه حديث التنصيص على الذرية والأزواج.
القول الثالث:
إن آله صلى الله عليه وسلم أتباعه على دينه إلى يوم القيامة، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم، قلت: وهو مذهب نشوان الحميري مؤلف ( شمس العلوم ) ورسالة ( الحور العين) ، وغير ذلك وأشار إليه بقوله:
آل النبي همُ أتباع ملته |
| من الأعاجم والسودان والعرب |
وقد كنت أجبت عليه من مدة أعوام ونقضت ما أتى به من الإلزام في النظام فقلت:
إن الصلاة من الرحمن واجبة |
| للآل مــن آمنوا بالله والكتب |
القول الرابع:
إن آله صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمته، حكاه القاضي حسين والراغب وغيرهما ويستدل له بحديث: ( آل محمد كل تقي ). أخرجه الطبراني في الأوسط.
القول الخامس:
قلت: وبقي قول خامس وهو أن آله صلى الله عليه وسلم هم الذين جللهم بالكساء ومن تناسل منهم من أولادهم إلى يوم القيامة ،فإنه صلى الله عليه وسلم جلل الأربعة بالكساء وقال: ( اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) ، أخرجه الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة، قالت في بيتي نزلت: (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت )) وفي البيت فاطمةُ وعليٌّ والحسنُ والحسين فجلَّلَهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكساءٍ كان عليه ثم قال: ( هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) وله عدة روايات . وهذا القول وتفسير زيد بن أرقم أقوى الأقوال وأقربها ؛ نهوضاً بالاستدلال.
والقول بأنهم أهل الكساء يصدقُ عليه الأقوالُ الأربعةُ وتتفق عليه الأمة، لأن من قال هم من حرمت عليه الصدقة فقد دخل هؤلاء في تفسيره قطعاً، ومن قال أن آلَه أزواجه وذرياته فقد دخل هؤلاء في تفسيره قطعاً. ومن قال هم أتباع ملته فكذلك، ومن قال هم الأتقياء منهم فكذلك.
وإذا عرفت أن هذا هو المقطوع به المتفق عليه فلنقتصر على جواب السؤال على هذا المقال لا على ما عداه من الأقوال.
انتشار ذرية الآل واختلاف مذاهبهم
فنقول: لا ريبَ أن أهلَ البيتِ هم ذريَّةُ الحَسَنَيْنِ، ولا ريبَ أنَّ الحَسَنَيْنِ لم يبقَ لهم خَلَفٌ إلا ثلاثةٌ من الأولادِ :
1 ـ الحسنُ السبطُ : خلَّفَ ولدين :
1 ـ زيدَ بن الحسن .
2 ـ والحسنَ بن الحسن .
[ أولاد زيد بن الحسن ]
فزيدُ بن الحسنِ انتشرت منه ذريةٌ واسعةٌ، منهم : ملوك طبرستان الداعي الحسن بن زيد بن محمد ، وأخوه محمد بن زيد بن محمد ، ملكوا طبرستان من سنة خمسين ومائتين وانتشر لهم نسل كثير هنالك ، ومنهم من خرج إلى اليمن ، كأبي الفتح الديلمي الذي قتله الصليحي بردمان، وذريته بقرية القابل إلى الآن، يقال لهم بنو الديلمي .
[ أولاد الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ]
وأما أخوه الحسن بن الحسن فإنه انتشر منه الكثير الطيب ؛ فإن أولاد عبدالله بن الحسن بن الحسن خمسة ذكور ملأوا آفاق الدنيا :
1 ـ فمحمد بن عبدالله النفس الزكية له عقب كثير تفرق أولاده إلى السند وكابل وغيرهما.
2 ـ وأما أخوه إبراهيم بن عبدالله فله عشرة ذكور تفرقوا في الأقطار في مصر وغيرها.
3 ـ وأما أخوه إدريس بن عبدالله ففر بنفسه إلى الغرب وتابعه من هنالك وله ذرية واسعة منهم إلى الآن ملوك الغرب وهم الإدريسية.
4 ـ وأما أخوه يحيى بن عبدالله فهو صاحب الديلم وأمره معروف مع الرشيد.
5 ـ وأما أخوه موسى الجون فله ثلاثة أولاد ولهم عقب واسع، وتفرقوا في البلاد وصاروا في كل أرض وتحت كل نجم ولم يبق صقع في الدنيا إلا وفيه أمة منهم.
وهم أعني أولاد الحسن بن الحسن وأخوه زيد بن الحسن قد ملأوا الهند وخراسان والعراقين والروم واليمن وغيرها من البلاد.
[ أولاد الحسين بن علي بن أبي طالب ]
وأما الحسين السبط فأولاده جميعاً من ولده علي بن الحسين زين العابدين، وقد انتشرت منه ذرية طيبة واسعة وتفرقوا في البلاد وملأوا أغوارها والأنجاد، وهم في بلاد العجم والروم وحضرموت فجميع ذرية الباعلوي من أولاده.
ومن الأئمة الأعيان الناصر المعروف بالأطروش إمام كبير بالجبل والديلم ، له مذهب مستقل به وكتب مؤلفة فيه ، وله ذرية واسعة إلى الآن .
إذا عرفت هذا: فذرية الحسنين لا يدخلون تحت عدِّ العادين ولا حصر الحاصرين، ولا يخلو منهم أقليم من أقاليم الدنيا، وهم أعيانُ الناس ونقباءُ الأشراف في كل قطر وفي كل بلدة.
منهم: الموسوية الشريفُ الرضا ، وأخوه المرتضى .
ومنهم : الهارونية .
ومنهم : الإمام المؤيدُ بالله وأخوه أبو طالبٍ.
ثم من بقي على مذهب الزيدية وهم الأقلون.
والأكثرون منهم صارتْ كلُّ طائفةٍ من الطوائفِ منهم في أي قطرٍ من أقطارِ الدنيا ؛ فإنهم في مذاهبهم الدينية على رأي من هم بينهم إلا القليل .
فإن الإدريسية في الغرب مالكية المذهب.
وكل من هو في ديار الروم وغيرها والهند حنفية المذهب ، ومنهم في مصر وغيرها شافعية وحنفية وحنابلة .
وهؤلاء آل با علوي جميعهم شافعية ، وهم أمة كبيرةٌ .
فهؤلاء الذين ذكرناهم وأضعافهم من أهل البيت بلا ريب شرعاً وعقلاً وعرفاً ؛ لأن أهل البيت اسم اتفق علماء الأمة أجمعون بأن أولاد الحسنين أهل البيت، إما بالاستقلال كما هو القول الخامس، أو بدخولهم فيما هو أعم كالأقوال الأربعة ، ودخول أمير المؤمنين في ذريته صلى الله عليه وآله وسلم تغليباً على تفسير الآل بالأزواج والذرية، دخولاً أولياً وأولوياً ، ولا ريب ولا شك ولا مرية في ذلك .
وإذا تقرر ما سردناه، فالقائلُ لمن يرفع يديه ـ مثلاً ـ في تكبيرةِ الإحرامِ (( خالفت أهل البيت )). يقول له من يرفعهما: (( بل أنت بعدم رفعهما خالفت أهل البيت ، بل خالفت الأكثر منهم ، والأوسع علماً، والأجل قدراً، والأعظم قطراً )) .
ولا يخفى أنه ليس أحد القائلين بأصدق ولا أحق ولا أولى من الآخر، بل القائل للرافع يديه خالفت أهل البيت إن أراد جميعهم فهو كاذب قطعاً، وإن أراد بعضهم فليس الحق منحصراً في بعض أهل البيت، وهب أنه منحصرٌ في بعضهم فأين الدليل على تعيين البعض؟!
فإن قلت: إنما يريد القائل من قال خالفت أهل البيت أي الزيدية منهم .
قلت: نعم، لكن هذه الإرادة باطلةٌُ لغةً وشرعاً وعقلاً وعرفاً، فأما أولاً فمسمى أهل البيت كما قررناه أولاد الحسنيين على أقل ما قيل، والزيدية بعضٌ منهم ، ولا يصح عقلاً ، ولا شرعاً ، ولا لغةً ، قصرُ هذا المسمى على بعض أفراده إلا بدليل، وليس إليه من سبيلٍ .
ويلزم أنه يقال لمن اتبع الشافعي من أهل البيت لست من أهل البيت ، ولغيره من الحنبلي والحنفي ، وهذا باطل قطعاً ؛ فإن أهل البيت لفظ ثبت مسماه بالنسب لا بالمذهب ؛ وإلا لزم أن يقال للزيدي من قبيلة همدان أنت من أهل البيت النبوي هذا مما لا يتفوه به لسان ولا يقوله إنسان .
فإن قلت: قد قال صلى الله عليه وآله وسلم لسلمان الفارسي: (( سلمان منا أهل البيت )) .
قلت: هو في قصة لا تتعلق بالنسب ، بل خاصة بأمر خاص ، وذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما حفر الخندق عند قصد الأحزاب لقتاله صلى الله عليه وآله وسلم وكان سلمان أشد من غيره في الحفر ، فأراد فريق الأنصار أن يكون معهم وأراد فريق المهاجرين أن يكون معهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (( سلمان منا أهل البيت )) أي في حفره وعمله أي يعمل معنا.
هذا وما جَعْلُ أهل البيت إلا الزيدية فقط إلا نظير أن يقول القائل: ليس المراد بقوله تعالى: (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم )) الآية، (( يا بني آدم لا يفتنكم الشيطان )) الآية، إلا أهل ذمار أو بني خليل من أهل همدان فإنه لا يقول بهذا من له أدنى مسكة من عقل ومعرفة بالشريعة واللغة ، وهو نظير ما يقال: إن من يتلو قول الله عز وجل: (( فخر عليهم السقف من تحتهم )) أراد من تحتهم أن لا عقل ولا قرآن.
وهنا انتهت المقدمة، وإنما وسعنا فيها بعض توسيع لأنا رأينا أهل ديارنا لا يعدون أهل البيت إلا الزيدية ولا يعرفون غيرهم ، وإن خالف عالم رجلاً من أهل البيت الذين في شرح الأزهار قالوا: خالف أهل البيت. وهذا جهل عجيب بالمسمى بأهل البيت، فإن من ترك رفع يديه عند تكبيرة الإحرام قد خالف أهل البيت جميعاً ووافق الهادي فقط، فإنه لم يخالف من أهل البيت في عدم القول بالرفع غيره كما هو معروف .
والجاهلون يرون من يرفع يديه، فيقولون خالف أهل البيت ، وَهَبْ أن أهل البيت ليسوا إلا الزيدية لا غير فنحن نبين لك في الجواب أن الذي ذكره السائل من المسائل قال به أئمة الزيدية كما تراه .
رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام
ونعودُ إلى جوابِ السؤال، وإبانة مراد السائل فيما قال، وهو أنه يقول: هل قال بهذه المسائل الثمان من أئمة الزيدية بخصوصهم إنسان ؟ أم لم يقل بها منهم أحد ، ولا عمل بها أحد منهم ممن يعتمد ؟
فأقول مرتباً للجواب على ترتيب وقوعها في الصلاة أولاً فأولاً على ترتيب السائل.
فأولها رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام.
والجواب: إنه ذهب إلى رفعهما إمام المذهب الشريف الإمام زيد بن علي عليه السلام ، فإنه قال في المجموع الشريف ( باب التكبير في الصلاة ):
قال أبو خالد: حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام ( أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى إلى فروع أذنيه ) .
وفي المجموع الشريف أيضاً: أنه دخل أبو حنيفة على زيد بن علي وهو بالكوفة فقال له زيد بن علي: ما مفتاح الصلاة، وما افتتاحها، وما استفتاحها ؟ فقال له أبو حنيفة: مفتاح الصلاة الطهور، وافتتاح الصلاة التكبير، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه، واستفتاحها هو: (( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك )) ؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا افتتح الصلاة قال ذلك فأعجب زيداً ذلك منه انتهى بلفظ المجموع .
وإعجاب زيد بكلام أبي حنيفة تصديق منه لما قاله ورواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وبهذا تعرف أن رفع اليدين عند التكبيرة : مذهبُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومذهبُ أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومذهب الحسين السبط شهيد كربلاء عليه السلام، ومذهب العابد الأواه علي بن الحسين زين العابدين، ومذهب الإمام زيد بن علي عليهما السلام.
فأي عذر لزيدي ترك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ؟ فإن هذا ليس بزيدي ؛ إذ الزيديُّ من يتابع زيدَ بن علي عليه السلام في جميع أفعاله وأقواله ، وهذا قد خالف في أعظم العبادات وهي الصلاة في أول عمل فيها فهذا نص في مجموعه الذي أعرض عنه أتباعه ومن يزعم أنه يعتزي إليه ، ولقد صدق والدي قدس الله روحه ونوّر برحمته ضريحه حيث قال:
ويقولونَ همْ زَيْدِيَّةٌ وهمْ عن نهجهِ في مَعْزِلِ
وأما قول من قال إنه يقال زيدي لمن وافق زيد بن علي عليه السلام في مسائل عدوها فلا دليل على شيء مما قالوه .
وفي ( الجامع الكافي ) ـ تأليف الشريف أبي عبدالله محمد بن علي بن عبدالرحمن العلوي في فقه الزيدية ـ جمع فيه مذهب أحمد بن عيسى بن زيد بن علي والقاسم بن إبراهيم الرسي جد سادات الهادوية ، والحمزية ، والقاسمية ، والحسن بن يحيى ومحمد بن منصور، وهو من أجل كتب الزيدية قدراً وأنبلها ذكراً وأكثرها استدلالاً وأوسعها لهم أقوالاً. ولكن الزيدية الذين في الوجود في هذه الأعصار أكثرهم لا يعرفون له اسماً ولا رأوا له حجماً وأضاعوا بجهلهم له علماً جماً من علوم آل محمد وممن عليهم يعتمد، وليتهم عرفوه واعتمدوه، لكان لهم فخراً وأعلى لهم قدراً ورفعهم عند مخالفيهم ذكراً فإنه قال:
( مسألة: صفةُ رفع اليدين في التكبيرة الأولى: قال أحمد يعني ابن عيسى بن زيد والقاسم يعني ابن إبراهيم الرسي والحسن يريد ابن يحيى ومحمد يريد ابن منصور: ومن السنة أن يرفع الرجل يديه في التكبيرة في أول الصلاة .
قال محمد أي ابن منصور : رأيت أحمد يريد ابن عيسى بن زيد يرفعهما إلى دون أذنيه ويستقبل بهما القبلة مفرجة أصابعه.
وقال إسماعيل بن إسحاق: صليت خلف أحمد فكان يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، فكانت بحيال وجهه.
وقال القاسم يريد ابن إبراهيم يرفع يديه إذا كبر حذو منكبيه أو شحمة أذنيه.
وقال الحسن يريد ابن يحيى في رواية ابن صباح : يرفع يديه حذاء أذنيه مفرجة أصابعهما ) . انتهى
فهؤلاء أربعة من كبار أئمة الزيدية ، من أوسعهم علماً وزهداً وورعاً وجهاداً في سبيل الله، صفاتُ كل فردٍ منهم وسيرتُه تحتمل مجلداً، فهذه نصوصهم كما سمعتها يضافون إلى من مضى وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمير المؤمنين ، وولده الحسين ، وولده زين العابدين ، وولده زيد بن علي سلام الله عليهم أجمعين كانوا تسعة هم الناس كل الناس ليس سواهم بناس وإن كانوا كثيراً عديدهم
وفي (البحر الزخار ) ما لفظه: ( مسألة ) : ثم نقل عن زيد بن علي والمؤيد بالله ورواية عن الناصر والإمام يحيى بن حمزة: ( يستحب ـ أي رفع اليدين ـ للافتتاح فقط، لقول علي عليه السلام وعائشة كان يرفع ( الخبرين ) انتهى بلفظه وأقره ولم يجب عليه فهو مذهبه أي الهادي عليه السلام.
ثم راجعنا ( البحر ) وإذا هو قد رد دليل الرفع آخر كلامه ، فليس من القائلين به .
التوجه بعد تكبيرة الإحرام
السؤال الثاني:
قوله : التوجه بعد تكبيرة الإحرام.
الجواب: إن في المجموع الشريف للإمام زيد بن علي عليه السلام : ( قال أبو خالد: حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده :أنه كان إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة، كبر ولم ينتظر ) انتهى ، وإذا كبر عند ذلك فمعلوم يقيناً أنه يستفتح بالتوجه بعدها إذ لا يقوم إلى الصلاة إلا عن قوله قد قامت الصلاة ؛ ففي ( الجامع الكافي ):
( قال القاسم: إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة، فليقم الإمام ) انتهى
وفي مجموع زيد بن علي عليه السلام أنه قال أبو حنيفة مجيباً على زيد بن علي : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا افتتح الصلاة كبّر ، وأقره زيد وأعجب به.
وفي الجامع الكافي في مسألة : قال أحمد أي ابن عيسى بن زيد والحسن أي ابن يحيى ومحمد أي ابن منصور: يبدأ بالتكبير ثم الاستفتاح، ثم القراءة.
قال أحمد: ولا أعرف الاستفتاح قبل التكبير.
وكذلك كان عبدالله بن موسى يبدأ بالتكبير ثم الاستفتاح .
وقال محمد: الاستفتاحُ والتعوُّذُ عندنا بعد التكبير ، وكذلك سمعنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن علي عليه السلام ، وعن غيره من أهل البيت وغيرهم ) انتهى بلفظه.
فعرفت أن تقديم التكبير على التوجه مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم برواية أولاده عنه ، ومذهب أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومذهب الحسين السبط ، ومذهب زين العابدين، ومذهب زيد بن علي عليه السلام .
بل قال صاحب الجامع: إنه مذهب أهل البيت .
وقال أحمد بن عيسى بن زيد : إنه لا يعرف الاستفتاح قبل التكبير .
فإذا عرفت هذا: عرفت أنه لا عذر لزيدي في توجهه قبل التكبير، وإلا فإنه مبتدع لا متبع وأنه يتعين عليه ذلك وإلا فليس بزيدي.
ضم اليدين على الصدر
السؤال الثالث:
قوله: والضمّ ، يريد به ضم اليدين على الصدر
وهو مذهب زيد بن علي ، وأحمد بن عيسى حفيده.
قال في ( البحر ) : ( وقال زيد بن علي وأحمد بن عيسى: إن وضع اليد على اليد بعد التكبيرة مشروع ) ، واستوفى المهدي دليل هذا القول، وكأنه يذهب إليه، وقد عدّ في ( ضوء النهار ) رواياته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عشرين طريقاً.
فإذا كان مذهب زيد بن علي عليه السلام ، تعين على من يدعي أنه زيدي المذهب أن يفعله في صلاته وإلا فليس بزيدي.
الدعاء في الصلاة
السؤال الرابع:
قوله: والدعاء في الصلاة وأنه قد قيل بمنعه
والذي في ( البحر ) : ( قال القاسم ابن عيسى والمنصور بالله والإمام يحيى: ويجوز الدعاء في الصلاة لفعله صلى الله عليه وسلم في الاستعاذة عند الوعيد ، وطلب الخير عند الوعد ، في خبر حذيفة، ولما روي عن علي عليه السلام، وعموم الدعاء على الظلمة فيها وهو توقيف، ويجوز في كل صلاة لنازلة حدثت) . ثم قال : ( خلاف الهادي عليه السلام ) ، فذكره وحده في المسألة .
وقال الإمام يحيى بن حمزة: يدعو بما شاء .
فهو مذهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمير المؤمنين عليه السلام . ولا خلاف فيه لأحد إلا الهادي .
ولذا قال الإمام يحيى : لا نعلم أحداً منع من الدعاء في الصلاة بخير الدنيا والآخرة إلاّ الهادي عليه السلام.
وفي ( الجامع الكافي ) في مسألة ما يقال بين السجدتين :
( قال أحمد ، والحسنُ عليهما السلام : ويقول المصلي بين السجدتين: رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني ) .
وفيه: ( مسألة ما يقال في القنوتِ : قال أحمد أي ابن عيسى: لا بأس أن يناجي الرجل ربه في القنوت فيدعو بما أراد حتى تسمية الرجال ، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمي الرجال بأسمائهم ، فيدعو عليهم في قنوته في صلاة الغداة ، وأطال في الأدعية عليهم في القنوت، ثم ذكر في الدعاء بعد آخر تشهد في الصلاة أنه يقول: ( اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمتُ منه وما لم أعلمْ وأعوذ بك من الشر كله ما علمتُ منه وما لم أعلمْ، اللهم اغفر لي ولوالديَّ وارحمهما كما ربياني صغيراً، واغفر لهما ولمن ولدا ولمن ولدهما في الإسلام وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين منهم والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم )، وإن أحببت أن تزيد على هذا فزد ) انتهى بلفظه .
فهؤلاء أعيان الآل من الزيدية قائلون بالدعاء بخير الدارين في الصلاة ، فاعجب ممن يمنع ذلك، ويقول أنه خلاف مذهب أهل البيت فهذا جاهل بأهل البيت الحي منهم والميت !! ولذا قلت :
أتزعم حب أقوام وتنسى |
| مذاهبهم وتجهل ما تقول |
التأمين
السؤال الخامس:
قوله: والتأمين، أي قوله آمين عقيب قراءة الفاتحة أي هل يقول به أحد من الزيدية ؟
الجواب:
أنه لا يخفى أن التأمين من الدعاء ، وتقدم من قال بجواز الدعاء أو ندبه في الصلاة من أئمة الزيدية فهي [ أي آمين ] من جملته يندب فيها كما يندب الدعاء ، فهؤلاء من الأئمة القائلين بها ، ومن القائلين بها من أئمة الآل: السيد العلامة محمد بن إبراهيم، وأورد فيها خمسة عشر حديثاً، قال: وفي أمالي أحمد بن عيسى المعروف بجامع [ علوم ] آل محمد، وفي مجموع زيد بن علي عن علي عليه السلام ثلاثة أحاديث، وفي الرياض الندية للإمام المهدي محمد بن المطهر عليهم السلام أن رواة التأمينِ جمٌّ غفيرٌ ، قال وهو مذهب زيد بن علي وأحمد بن عيسى.
قلت: وهو في مجموع زيد بن علي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ذكره في القنوت قبل الركوع ، فهو مذهبه ومذهب أولاده زيد بن علي ، وأحمد بن عيسى، ومذهب محمد بن المطهر، ومذهب من عرفت من القائلين بالدعاء في الصلاة.
وإذا كان مذهب زيد بن علي عليهما السلام تعين على من يدعي أنه زيدي أن يؤمن في صلاته عقيب قراءة الفاتحة ليتم صدق النسبة إلى زيد بن علي عليهما السلام ، وإلا فليس بزيدي .
وقد عرفت من هذا أن الذي في ( البحر ) من دعوى إجماع العترة على منع التأمين، دعوى باطلة فلا تغتر بدعاوي الإجماع.
القراءة خلف الإمام
السؤال السادس:
قوله: والقراءة خلف الإمام، أي هل قال به أحد من أئمة الزيدية ؟
الجواب:
إن في ( الجامع الكافي) : ( قال أحمد بن عيسى عليهما السلام فيما روى محمد بن فرات عن محمد عنه: واجب قراءة فاتحة الكتاب خلف من يجهر ومن لا يجهر ).
ذكره في مسألة القراءة خلف الإمام، فهذا من الأولين : أحمد بن عيسى فقيه آل محمد يقول بقراءة الفاتحة خلف الإمام وكفى به قدوة. ثم هو أيضاً مذهب الناصر الأطروش والأدلة على هذا واسعةٌ، لكنا لم نتعرض للأدلة في شيء من المسائل الثمان، لأن السائل إنما سأل: هل في أئمة أهل البيت من يقول بهذه المسائل ؟
الإشارة في التشهد بالمسبحة
السؤال السابع:
قوله: والإشارةُ في التشهد يريد ، بها الإشارة بالإصبع المسبحة عند قوله لا إله إلا الله في التشهد.
الجواب:
فهذه الإشارة، قال المهدي عليه السلام في ( البحر ) : ( ويضع يديه في التشهد على فخذيه فاليسرى مبسوطةً من غير قصدِ ضمٍّ ولا تفريقٍ، وقيل بضمٍّ، وقيل يُفَرِّقُ ـ يريد أصابعهما ـ وأما اليمنى فمبسوطة على ظاهرِ مذهب القاسم والهادي، ويشير بالمسبحة عند قوله ( إلا الله ) لا عند النفي ) ، ثم كرر ذكر الإشارة في ثلاثة محلات، وظاهر كلامه: أنه المذهب للهادي وغيره ولم يذكر فيه خلافاً فيه، وذكرها فقهاء المذهب في هيئة التشهد.
التورك
السؤال الثامن:
قوله: والتورك .
وهو كما في ( البحر) : نصب اليمنى وإخراج اليسرى من تحت باطن اليمنى وإفضاء المقعدة إلى الأرض. وهذه القِعْدةُ في التشهد الأخير هي مذهب الإمام يحيى بن حمزة من أئمة الزيدية ومذهب أتباعه منهم.
خاتمة
وإلى هنا انتهى الجواب عن الثمان المسائل، وبيانُ أنه لا مسألةَ إلا قد قال بها من أئمة الزيدية قائلٌ، بل بيّنا أن فيها ما هو لازمٌ لمن يدعي أنه زيديٌّ الإتيان بها وإلا فإنه ما تابع إمامه الذي انتسب إليه، ولا وافقه فيما الحق فيه لديه، فكيف ينتسب إليه وهو منكرٌ على من أتى بما أقام إمامه الدليل عليه ؟!
فاعجب لمن ينكر على من بهم اقتدى ، وبهدي جدهم وهديهم اهتدى !!!
فانظر بعين الإنصاف من أولى بأن يقال له زيدي: هل الذي رفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وكبر قبل التوجه، وقال آمين عند تمام الفاتحة، ووضع يمنى يديه على اليسرى ؟
أو الذي لم يرفع ، وتوجه قبل تكبيرة الإحرام ، ولم يضع يمناه على يسراه ، ولا قال آمين في الصلاة ، فإن الأول: تابع الإمام زيد ، إمام المذهب في أفعاله وأقواله في أشرف العبادات .
والثاني: خالفه في كل ذلك !!
فمن هو الذي يستحق النسبة إلى زيد ويقال له زيديٌّ، هل المتبع أو المبتدع ؟!!
وَأَعْجَبُ من هذا أن هذا الذي خالف إمامه ، ولم يتبع مرامه ، ولا عرف مذهبه ولا كلامه ، يرمي من تابع إمام المذهب بأنه خالف الزيدية !! فهل بأعجب من هذا أمرٌ سُمِعَ ؟
فأَعْظِمْ بها من فِرْيَةٍ مَنْشَؤُها الجهلُ والعصبيةُ والإعراضُ عن معرفةِ علوم الآل وعن كتبهم التي فيها الشفاءُ من كل داءٍ عُضال، والاكتفاءُ بالأماني بإنه تابع لهم في أفعاله والأقوال، وهو لا يعرف لهم مقالاً ولا يعرف من أوصافهم وأحوالهم حالاً، ولذلك أقول:
لا عذرَ للزيدي في تركهِ |
| للرفع والضم وإحرامه |
والحمد لله على ما وهب وصلاته على سيدنا محمد وسلامه .
انتهى المراد من الجواب، فإن كان صواباً فمن فيض الوهاب، وإن كان خطأً فلقصور المجيب عما به أجاب.
الفهرس
أقوال العلماء في المراد بالآل. 4
انتشار ذرية الآل واختلاف مذاهبهم. 6
رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام. 10
التوجه بعد تكبيرة الإحرام. 12
ضم اليدين على الصدر. 14
الدعاء في الصلاة 14
التأمين.. 16
القراءة خلف الإمام. 17
الإشارة في التشهد بالمسبحة. 17
التورك. 18
خاتمة. 19