Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

العِقدُ الثّمينُ في تَخْرِيجِ أََحَادِيث الوِصَايَة لأَمِيرِ المُؤْمِنِيْنَ

العِقدُ الثّمينُ في تَخْرِيجِ أََحَادِيث الوِصَايَة لأَمِيرِ المُؤْمِنِيْنَ

الـحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آلـه وصحبه ومن والاه ، وبعد فهذا جزء فيه: ( تخريجُ أحاديث الوصاية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) ، قمت بجمع تلك الأحاديث التي فيها ذكر الوصية لأمير المؤمنين الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ، مع تخريجها والحكم عليها بما تقتضيه القواعد الحديثية .

وقد رتبت تلك الأحاديث على طريقة المسانيد فكانت على النحو التالي:

أولاً: مـسند أنس بن مالك رضي الله عنه .

ثانياُ: مـسند بريدة بن الحُصَيب الأسلمي رضي الله عنه .

ثالثاً: مـسند سلمان الفارسـي رضي الله عنه .

رابعاً: مـسند العباس رضي الله عنه .

خامساً: مـسند عبد الله بن العباس رضي الله عنه .

سادساً: مـسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

سابعاً: مـسند علي بن أبـي طالب رضي الله عنه .

ثامناً: مـسند أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.

تاسعاً: مـسند أبـي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

عاشراً: مـسند أم سلمة رضي الله عنها.

الحادي عشر: مرسل عطية العَوفـي.

ولتخريج هذه الأحاديث سبب ، وهو أني لما وقفت على كتاب ( العقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين ) ، المنسوب لمحمد بن علي الشوكاني ، فرأيت الشوكاني قد استدل على إثبات الوصية لأمير المؤمنين بأحاديث موضوعة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان هذا السبب في جمع تلك الأحاديث وتخريجها [1].

وأود أن أنبه هنا أنني تركت بعض طرق تلك الأحاديث لعدم وجود لفظة الوصية فيها ، طلباً للاختصار ، وقد اقتبست عنوان هذا الجزء من ذلك المُؤَلف فسميته بـ: ( العقد الثمين بتخريج أحاديث الوصاية لأمير المؤمنين ) .

والآن دونك تلك الأحاديث والكلام عليها:

أولاً: ( مـسند أنس بن مالك t )

وفـيه حـديثان:

( الحديث الأول )

أخرجه أبو نعيم في: ( حلية الأولياء ) [2]، ومن طريقه الخوارزمي في:

( المناقب ) [3]، وابن عساكر في: ( تاريخـه )[4]، وابن الجوزي في: ( الموضوعات ) [5].

عن إبراهيم بن محمد بن ميمون ، ثنا: علي بن عابس ، عن الحارث بن حصيرة ، عن القاسم بن جندب ، عن أنس ، قال: قال رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا أنس اسكب لي وضوءا ) ، ثم قام فصلى ركعتين ، ثم قال: ( يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين ) ، قال أنس: قلت اللهم اجعله رجلاً من الأنصار ، وكتمته إذ جاء علي ، فقال: ( من هذا يا أنس ؟ ) ، فقلت: علي ، فقام مستبشراً ، فاعتنقه ، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق علي بوجهه ، قال علي: يا رسول الله ، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل ، قال: ( وما يمنعني وأنت تؤدى عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي ).

قال أبو نعيم : ( رواه جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن أنس نحوه ).

أقول: هذا إسـناد ضعيف جداً ، وهو معلول بثلاث علل:

الأولى: القاسم بن جندب ، لم أظفر بـه.

الثانية: علي بن عَابِس ، هو: الأسدي الكوفي ، قال الحافظ ابن حجر: ( ضعيف )[6].

الثالثة: إبراهيم بن محمد بن ميمون ، بيض لـه ابن أبي حاتم [7]، وقال الحافظ الذهبي:

( إبراهيم بن محمد بن ميمون ، من أجلاد الشيعة ، روى عن علي بن عابس خبراً عجيباً ، روى عنه أبو شيبة بن أبي بكر وغيره )[8].

وذكر الحافظ ابن حجر الخبر ، وهو حديث أنس هذا ، ثم قال: ( ونقلت من خط شـيخنا أبي الفضل الحافظ أن هذا الرجل ليس بثقة )[9].

وقول أبي نعيم : ( رواه جابر الجعفي عن أبي الطفيل ، عن أنس نحوه ) ، لم أقف على هذه الروايـة ، وفي إسنادها جابر الجعفي ، والكلام فيه معروف ، قال الحافظ ابن حجر: ( ضـعيفٌ رافضيٌ ) [10].

( الحديث الثانـي )

أخرجه ابن المغازلـي في: ( مناقب علي )[11]، والجورقاني في: ( الأباطيل والمناكير ) [12]، وابن الجوزي في ( الموضوعات ) [13] ، عن سليمان بن أحمد بن يحيى بن عثمان المصري ، قال: حدثنا أبو قضاعة ربيعة بن محمد الطائي ، قال: حدثنا ثوبان بن إبراهيم أخو ذو النون المصري ، قال: حدثنا مالك بن غسان النهشلي ، قال: حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال: انقض كوكب على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

( انظروا إلى هذا الكوكب ، فمن انقض في داره ، فهو الخليفة من بعدي ) ، قال: فنظرنا فإذا هو قد انقض في منـزل علي بن أبي طالب ، فقال جماعة من الناس: قد غوى محمد في حب علي فأنزل الله تعالى : ) وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ( إلى قولـه:

) وَحْيٌ يُوحَى ( ( النجم:1 ـ 4 ).

أقول: حديث باطل ، وفيه أربع علل:

الأولى: مالك بن غسان النهشلي ، قال الحافظ الذهبي: ( لا يُعْرَف ، وقيل هو: مالك بن سليمان )[14].

وقال الحافظ ابن حجر: ( وجزم الحسيني بأن الصواب: أن اسم أبيه سليمان ، وأَمَّا غسان فكنيته هو .

وأَمَّا ابن عدي ، فقال: مالك بن غسان النهشلي ، بصري ، ثم أخرجَ عن أبي يعلى ، عن شيخٍ ، عنه ، حديث: أفطر الحاجم والمحجوم ، وقال: هذا غير محفوظ عن ثابت )[15].

قال الحافظ الذهبي في: ( المغني في الضعفاء ) ( بصريٌ عن ثابت لا يعرف ، وحديثه منكر )[16].

الثانية: ثوبان بن إبراهيم أخو ذو النون المصري .

قال الدارقطني: ( روى عن مالك أحاديث في أسانيدها نظر )[17].

وضعفه الجورقاني كما سيأتي.

وقال الحافظ الذهبي: ( وقلَّ ما روى من الحديث ، ولا كان يُتقِنُه )[18].

أقول: إذا كان لا يتقن الحديث على قلة روايته لـه فمثله لا يحتج بـه .

الثالثة: ربيعة بن محمد ، أبو قُضاعة الطائي ، متهم ، قال الحافظ الذهبي: ( ربيعة بن محمد ، أبو قُضاعة الطائي ، عن ذي النون المصري ،بخبر باطل ).[19]

ثم ذكر الخبر وهو: حديث أنس هذا.

الرابعة: سليمان بن أحمد بن يحيى ، هو: سليمان بن أحمد بن يحيى بن عثمان بن أبي صَلاَيَة ، أبو أيوب الـمَلَطِي.[20]

قال الخطيب البغدادي: ( سليمان الملطي كذّاب ).[21]

وقال ابن حِنْزابة والدارقطني: ( ضعيف ).[22]

قال الحافظ الذهبي: ( كذّبه الدارقطني ).[23]

وقال أيضاً: ( ليس بثقة ).[24]

وفي: ( المغني في الضعفاء ) ، قال: ( لا يوثق به ، وكذّبه الدارقطني ).[25]

قال الجورقاني عن هذا الحديث: ( هذا حديث لا يرجع مـنه إلى صحة ، وليس لهذا الحديث أصل من حديث أنس بن مالك ، ولا من حديث ثابت ، وكل حديث يكون بخلاف السنة فهو متروك ، وقائله مهجور ، وأبو الفضل العطار [26]، وسليمان بن أحمد المصري ، ومالك بن غسان ثلاثتهم مجهولون ، وثوبان هذا كان زاهداً صوفياً لكنه ضعيف في الحديث ، وأبو قضاعة هذا متروك الحديث منكر الحديث )[27].

أقول: سليمان بن أحمد المصري قد سبق أنـه كذابٌ .

وقال ابن الجوزي: ( وهذا هو الحديث المتقدم [28]، إنما سرقه بعض هؤلاء الرواة فَغير إسناده ، ومن تغفيله إياه وضعه على أنس ، فإن أنساً لم يكن بمكة في زمن المعراج ولا حين نزول هذه السورة ، لأن المعراج كان قبل الهجرة بسنة ، وأنس إنما عرف رسول الله بالمدينة … )[29].

ولهذا الحديث شاهدٌ موضوعٌ من حديث ابن عباس رضي الله عنه ، سيأتي في مـسنده .

ثانياً: ( مـسند بريدة بن الحُصَيب الأسلمي رضي الله عنه )

وفيـه حديث واحدٌ:

أخرجه أبـو القاسم البغوي في: ( معجم الصحابة ) [30]، ومن طريقـه الديلمي في: ( مسند الفردوس ) [31]، والحافظ الجورقاني في: ( الأباطيل والمناكير ) [32]، والموفق بن أحمد الخوارزمي في: ( المناقب ) [33] ، والحافظ ابن عساكر في: ( تاريخه ) [34]، وابن الجوزي في: ( الموضوعات ) [35]، ومن طريق البغوي الكنجي في: ( كفاية الطالب ) [36].

عن محمد بن حميد ، نا: علي بن مجاهد ، نا: محمد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

( لكل نبيٍ وصيٌ ، وإنّ علياً وصيي ووارثي ).

أقول: هذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً ، وهو معلول بعلتين:

الأولى: علي بن مجاهد الرازي ، قال الحافظ ابن حجر: ( متروك …وليس في شيوخ أحمد أضـعف منه )[37].

الثانية: محمد بن حميد الرازي ، واهي الحـديث وقد تكلّم فيه بشدة ، وكذَّبه بعضهم، وأمَّا ثناء الإمـام أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبي زرعة، وغيرهم ، فذاك قبل أن ينكشف أمره، ويتبين حاله [38].

فقد نقل عبد الله بن أحمد عن أبيه أنه قال: ( لا يزال بالري علم ما دام محمد بن حميد )، قال عبد الله: قدم علينا محمد بن حميد حيث كان أبي بالعسكر فلمّا خرج قدم أبي وجعل أصحابه يسألونه عنه، فقال لي: ( ما لهؤلاء ) قلت: قدم هاهنا فحدثهم بأحاديث لا يعرفونها، قال: ( لي كتبت عنه؟ )، قلت: نعم، فأريته إياه فقال: ( أمّا حديثه عن ابن المبارك وجرير فصحيح، وأمّا حديثه عن أهل الري فهو أعلم ).

ثم تبيّن له حاله حين أتاه أبوزرعة الرازي، وابن وَارة وشهدا عنده أنه يكذب، في قصة يرويها ابنه، وفيها يقول:

( قال ابن وَارة: يا أبا عبد الله رأيت محمد بن حميد ؟ قال: نعم، قال: كيف رأيت حديثه ؟ قال: إذا حدّث عن العراقين، يأتي بأشياء مستقيمة، وإذا حدّث عن أهل بلده مثل إبراهيم بن المختار وغيره أتى بأشياء لا تعرف لا تدري ما هي، قال: فقال: أبو زرعة وابن وَارة: صَـحّ عندنا أنّه يَكْذِب ) قال: فرأيت أبي بعد ذلك إذا ذُكر ابن حميد نَفَضَ يده.[39]

وكذلك ابن معين أثنى عليه قديماً ، فقد قال عنه: ( ثقةٌ ، ليس به بأس ، رازي ،كيس ).[40]

وقال أيضاً: ( ابن حميد ثقة، وهذه الأحاديث التي يحدّث بها ليس هو من قبله إنّما هو من قبل الشيوخ الذي يحدث به عنهم ).[41]

وتوثيقه هذا كان قـبل أن يتبين له حال ابن حميد، فقد قال أبو حاتم: سألني يحيى بن معين عن ابن حميد من قبل أن يظهر منه ما ظهر، فقال: أي شيء تنقمون عليه ؟ فقلت: يكون في كتابه الشيء فنقول ليس هذا هكذا إنا هو كذا وكذا، فيأخذ القلم فيغيره على ما نقول، قال: بئس هذه الخصلة، قدم علينا بغداد فأخذنا منه كتاب يعقوب القمي، ففرقنا الأوراق بيننا ومعنا أحمد بن حنبل فسمعناه ولم نر إلاّ خيراً.[42]

فظهر أن ثناء الإمام أحمد وابن معين كان قديماً قبل أن ينكشف أمره .

وقد جء من وجه آخر يرويه ابن حميد عن سلمة بن الفضل .

قال الحافظ الذهبي: ( ويروى من وجه آخر عن سلمة الأبرش ، عن محمد بن إسحاق مثله ، وهو منكر من القول ) [43].

وهو ما أخرجه ابن عدي [44]، وابن المغازلـي في: ( مناقب علي ) [45]، عن محمد بن حميد ، ثنا: سلمة ، حدثني: محمد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لكل نبي وصي ، ووارث ، وإنَّ علياً وصيي ووارثي ).

أقـول: في إسناده محمد بن حـميد الرازي ، وقد تقدم ، وسلمة بن الفضل ، ضعيف الحديث قال الحافظ ابن حجر: ( صدوق كثير الخطأ )[46].

وتابع ابن حُمَيد الفِرْيانَاني .

روى ابن الجوزي في: ( الموضوعات ) [47]، قال: أنبأنا زاهر بن طاهر ، قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي ، قال: أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، قال: أنبأنا محمود بن محمد أبو محمد المطوّعي ، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن راذبه ، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن عبد الله الفِرْيانَانِي ، قال: حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إنَّ لكل نبيٍ وصياً ، ووارثاً ، فإنَّ وصيي ووارثي علي بن أبي طالب ).

أقـول: في إسناده أحمد بن عبد الله بن حكيم أبو عبد الرحمن الفِرْيانَانِي ، كان متروك الحديث ، ليس بثقة ، وقال أبو نعيم : ( كان وضاعاً ، مشهوراً بالوضع ) [48].

وسلمة بن الفضل ضعيف كما تقدم.

ثالثاً: ( مـسند سلمان الفارسـي t )

وفيه حديث واحد لـه عدة طرق:

الطريق الأول: أبو سـعيد الخدري ، عن سلمان ـ رضي الله عنهما ـ.

أخرجه الحافظ الطبراني في: ( المعجم الكبير ) [49]، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا: إبراهيم بن الحسن الثعلبي [50]، ثنا: يحيى بن يعلى ، عن ناصح بن عبد الله ، عن سماك بن حرب ، عن أبي سعيد الخدري ، عن سلمان قال: قلت : يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك ؟ فسكت عني ، فلما كان بعد رآني ، فقال: ( يا سلمان ) ، فأسرعت إليه قلت: لبيك ، قال: ( تعلم من وصي موسى ؟ ) ، قلت: نعم ، يوشع بن نون ، قال: ( لـم ؟ ) ، قلت: لأنه كان أعلمهم ، قال: ( فإن وصيي وموضع سري ، وخير من أترك بعدي ، وينجز عدتي ، ويقضي ديني ، علي بن أبي طالب ) .

قال أبو القاسم: ( قولـه: وصيي ، يعني: أنه أوصاه فـي أهله لا بالخلافـة ، وقولـه: خير من أترك بعدي ، يعني: من أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم ).

أقـول: لكن الحديث لم يصح سنده ، فإسناده واهٍ جداً ، ففيه علتان:

الأولى: ناصح بن عبد الله المُحَلِّمِّـي الكوفي ، صاحب سماك بن حرب ، واهي الحـديث [51].

الثانية: يحيى بن يعلى القطواني ، قال الإمام البخاري: ( مضطرب الحديث ، كنيته: أبو زكريا ، ذاهب الحديث ) [52]، وقال أبو حاتم الرازي: ( كوفي ، ليس بالقوي، ضعيف الحديث ) [53].

الطريق الثانـي: أشياخ من قوم جرير بن عبد الحميد ، عن سلمان رضي الله عنه.

أخرجه الخطيب البغدادي في: ( المتفق والمفترق ) [54]، والجورقاني في: ( الأباطيل والمناكير ) [55]، وابن الجوزي في: ( الموضوعات ) [56]، عن أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن محمد الصوري الحافظ ـ لفظاً من أصله ببغداد ـ ، قال: حدثنا أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان الأزدي الحافظ ، أخبرنا: أبو بكر أحمد بن محمد النرسي ، قال: حدثنا محمد بن الحسين الأشناني ، قال: حدثنا إسـماعيل بن موسى السدي ، قال: حدثنا عمر بن سعد ، عن إسماعيل بن زياد ، عن جرير بن عبد الحميد الكندي ، عن أشياخ من قومـه ، قالوا: أتينا سلمان ، فقلنا لـه : مَنْ وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وصيـه ؟ قال: ( وصي وموضع سري ، وخليفتي في أهلي ، وخير من أخلف بعدي علي بن أبي طالب ) .

قال الجورقاني: ( هذا حديث باطل ، لا أصل لـه ، مداره على إسماعيل بن زياد ، عن جرير بن عبد الحميد الكندي ، عن أشياخ من قومه، وإسماعيل قال أبو حاتم محمد بن حبان : هو شيخ دجال ، لا يحل ذكره إلا على سبيل القدح فيه.

وجرير وأشياخ من قومه مجهولون ، وجرير هذا ليس هو بجرير بن عبد الحميد الذي روى عنه سهيل بن أبي صالح ) [57].

فالحديث إذاً في سنده ثلاث علل:

الأولـى: إسماعيل بن زياد ، وهو متروك الحديث ، قال الحافظ ابن حجر في إسماعيل بن زياد : ( متروك ، كذبوه ) [58].

الثانـية: جهالة جرير بن عبد الحميد الكندي ، ذكره الحافظ ابن حجر في:

( لسان الميزان )[59]، ونقل كلام الجورقاني السابق فيه ، وقال الخطيب البغدادي: ( كوفيٌ غير مشهور ، لم أر له ذكراً إلاّ في حديثٍ ) ، ثم ساق هذا الحديث .

الثالثـة: جهالة أشياخ قوم جرير بن عبد الحميد .

لكن بقيت هناك علة أخرى لم يذكرها الجورقاني وهي: جهالة حال عمر بن سعد الراوي عن إسماعيل بن زياد ، ترجم لـه الحافظ ابن حجر في: ( لسان الميزان ) [60]، وهو: مجهول ، قالـه البيهقي.

ولهذا قال الحافظ الذهبي في: ( تلخيص الموضوعات ) عن هذا الحديث إنه روي: ( بسند مظلم ، عن إسماعيل بن زياد ـ وهو كذاب ـ عن جرير الكندي ، عن أشياخ من قومه … )[61].

الطريق الثالث: أبو هريرة ، عن سلمان ـ رضي الله عنهما ـ.

أخرجه العقيلي في: ( الضعفاء ) [62]، ومن طريقه ابن الجوزي:

( الموضوعات )[63]، قال: حدثنا أحمد بن الحسين ، قال: حدثنا محمد بن حميد ، قال: حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن جبير ، عن الحسن بن سفيان ، عن الأصبغ بن سفيان الكلبي ، عن عبد العزيز بن مروان ، عن أبي هريرة ، عن سلمان ، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قلت: يا رسول الله ، إن الله لم يبعث نبياً إلاّ يبين له من يلي من بعده ، فهل بين لك ؟ فقال: ( لا ) ، ثم سألته بعد ذلك ؟ فقال: ( نعم ، علي بن أبى طالب ) .

قال العقيلي: ( حكيم بن جبير واهٍ ، والحسن والأصبغ ؛ مجهولان لا يعرفان إلا في هذا الحديث ).

أقول : حكيم بن جبير على ضعفه لبريء من عهدة هذا الحديث ، فإنَّ في الإسناد من هو أولـى منه ، وهو: ابن حميد، والحمل عليه أوكد كما صنع الحافظ الذهبي ـ كما سيأتي نقل قوله ـ ، وعلى كل فالإسناد ضعيف جداً ، فيه عدة علل:

الأولى والثانية: الحسن بن سفيان ، والأصبغ بن سفيان مجهولان ، كما قال العقيلي[64] .

الثالثة: حكيم بن جبير ، ضعيف الحديث.

الرابعة: عنعنة ابن إسحاق فإنه كان مدلساً.

الخامسة: سلمة بن الفضل ، ضعيف.

السادسة: محمد بن حميد ، واهي الحديث ، وقد سبق الكلام عليه قريباً.

وقد أشار الذهبي إلى علة أخرى بقوله: ( ثم كيف يروي مثل هذا عبد العزيز بن مروان ، وفيه انحراف عن علي رضي الله عنه )[65].

الطريق الرابع: أنس بن مالك ، عن سلمان ـ رضي الله عنهما ـ.

أخرجه القطيعي في زوائده على: ( فضائل الصحابة ) [66]، والأزدي [67]، وابن الجوزي في: ( الموضوعات ) [68]

عن الهيثم بن خلف ، قثنا: محمد بن أبي عمر الدوري [69]، قثنا: شاذان [70]، قثنا: جعفر بن زياد [71] ، عن مطر ، عن أنس ـ يعني: ابن مالك ـ ، قال: قلنا لسلمان: سل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَنْ وصيه ؟ فقال له سلمان: يا رسول الله من وصيك ؟ قال: ( يا سلمان من كان وصي موسى ؟ ) ، قال: يوشع بن نون ، قال: ( فإن وصيي ، ووارثي ، يقضي ديني ، وينجز موعودي ، علي بن أبي طالب ) .

اللفظ للقطيعي.

أقـول: هذا إسناد ضعيف جداً ، فيه أحد المتروكين وهو مطر بن ميمون ، قال الحافظ ابن حجر: ( متروك )[72].

ورواه أيضاً مطر بن ميمون مرة فجعله من مسند أنس ، فقد أخرج ابن عدي في: ( الكامل )[73]، وابن حبان في: ( المجروحين ) [74]، عن عبيد الله بن موسى ، ثنا: مطر الإسكاف ، عن أنس ، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( علي أخي ، وصاحبي ، وابن عمي ، وخير من أترك بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ).

قال: قلت له أين لقيت أنس ؟ قال: بالحديبية .

ولفظ ابن حبان: ( إنَّ أخـي ووزيري ، وخليفتي في أهلي ، وخير من أترك بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب ).

وفي إسناده مطر بن ميمون ، وهو متروك الحديث ، قال الحافظ الذهبي:

( قلت: المتهم بهذا … مطر فإن عبيد الله ثقة ، شيعي ، ولكنه أثم برواية هذا الإفك )[75].

ورواه العقيلي في: ( الضعفاء ) [76]، ومن طريقه ابن عساكر في: ( تاريخه )[77]، قال: حدثني جدي ، نا: عبد العزيز بن الخطاب الكوفي ، نا: علي بن هاشم ، عن مطر بن أبي خالد ، عن أنس ، عن سليمان ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنَّ أخي وخليفتي في أهلي ؛ علي بن أبي طالب ) ، رضي الله عنه .

قال أبو بكر: ( أظن عن أنس ، عن سلمان ـ رضي الله عنهما ـ ).

أي: ( سلمان ) وليس بـ ( سليمان ) بحرف الياء.

وفي الإسـناد مطر بن أبي خالد وقد تقدم ، لكن وقفت على إسناد آخر لا يفرح بـه من غير طريق مطر هذا .

أخرجـه ابن حبان في: ( المجروحين ) [78]، ومن طريقه ابن الجوزي في:

( الموضوعات ) [79]، قال: حدثنا: عبد الله بن محمود بن سليمان ، ثنا: العلاء بن عمران ، عن خالد بن عبيد العتكـي ، عن أنس بن مالك ، عن سلمان ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب u : ( هذا وصيي ، وموضع سري ، وخير من أترك بعدي ).

أقـول: في إسناده خالد بن عبيد العتكـي ، يروي عن أنس بن مالك نسخة موضـوعة ، وقال الحافظ ابن حجر: ( متـروك الحديث مع جلالتـه )[80].

الطريق الخامس: قيس بن ميناء ، عن سلمان رضي الله عنه .

أخرجه العقيلي في: ( الضعفاء )[81]، ومن طريقه ابن الجوزي في:

( الموضوعات ) [82].

قال: حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا: عبد العزيز بن الخطاب ، حدثنا: علي بن هاشم ، عن إسـماعيل ، عن جرير بن شراحيل ، عن قيس بن ميناء ، عن سلمان ، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( وصيي علي بن أبي طالب ) رضي الله عنه .

وهذا إسناد ضعيف جداً ، وهو معلول بثلاث علل:

الأولى: قيس بن ميناء الكوفي ، قال العقيلي: ( كوفي لا يتابع على حديثه ، وكان لـه مذهب سوء ) [83]، لأنه كان من كبار الشيعة ، ذكر ذلك ابن الجوزي [84].

الثانية: جرير بن شراحيل ، قال أبو حاتم الرازي: ( شيخ مجهول ) [85].

الثالثة: إسماعيل ، ولم ينسب هنا في الإسناد ، لكن ذكر ابن الجوزي أنه ابن زياد[86]، وإسـماعيل بن زياد متروك الحديث بل كذبه بعضهم ، وقد تقدم [87].

وأخشى أن يكون جرير بن شراحيل هذا هو: جرير بن عبد الحميد الكندي المتقدم ، فإن الراوي عنه هناك هو إسـماعيل بن زياد ، فربما كان ينسبه مرة إلى ابن شراحبيل ، ومرة إلى ابن عبد الحميد ، وكلاهما مجهولان ، والله أعلم.

والحديث كذَّبه الحافظ الذهبي في: ( ميزان الاعتدال ) ،