Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

العلوي وكتابه (عمر والتشيع) - وحدوية العلماني والديني عند الشيعي

العلوي وكتابه (عمر والتشيع) - وحدوية العلماني والديني عند الشيعي
الدكتور طه حامد الدليمي
 
بسم الله الرحمن الرحيم

 
الإهداء
 
إلى الشيخ الجليل سامي رشيد
 إليك أيها الشيخ ! رشحة من مسك طيبك ، الذي ضمخت به قلمي في الأيام الخالية
 
تلميذك
 
 
المقدمة
 
الحمد لله الذي بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. والصلاة والسلام على من تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وعلى آله أصحابه وأتباعه الذين يؤدون الأمانة، ويبلغون الرسالة ويحملون إلى الأجيال هذا الدين طرياً كما جاء أول مرة بعيداً عن تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين. وسلم تسليماً كثيرا.
وبعد..
فإذا أردت أن تعرف أي أمة أو طائفة، اقرأ عقيدتها، وقلِّب صفحات تاريخها. أما واقعها فيكفيك منه الإشارات. ولكن علتنا في جمهور لا يقرأ، و.. محمور - مهما حمل من أسفار - لا يتعلم إلا بالنخس.
وهكذا قالوا لنا: إن في الشيعة وطنيين.. وفيهم كثيرون يعتزون بعروبتهم، ولا يقبلون المساومة على انتمائهم.
ونحن قوم لا نرضى أن نغمط الناس حقهم، ولسنا في حاجة إلى ذلك. لكننا كما قال حكيمنا: (لست بالخب، ولا الخب يخدعني)؛ فقلنا: أثبتوا لنا ذلك، واضربوا لنا أمثلة تصدِّق ما تقولون. فوالله لئن صدقت النبوءة؛ لنحن أفرح الناس لها، وأسعدهم بها! وسياسة رسولنا صلى الله عليه وسلم قامت على التمييز والتفريق بين أصناف الخصوم، ولم تقم على الجمع والتعميم.
 فضربوا لنا أمثلةً.. بعض العمائم.
 لكن الزمن كان لها بالمرصاد، فما هي إلا جولة أو جولتان حتى تدحرج فريق منها، وتبعثر - يراه الرائح والغادي - على جانبي الطريق. وفريق حين سبرناه تركناه، وولينا منه فراراً !
 ورجعنا من تلك العمائم بـ... خفي حنين!
وكانت الأمثلة الأخرى بعض الأفندية، ممن لا يلبسون العمائم، ولا يؤمنون – كما قيل – بما تحتها. وحين ذهبنا نستبق رجعنا بما هو أدهى.. وأولى أن لا يحكى!
وقرأنا عقيدة الشيعة، فوجدنا فيها شيئاً يسمونه (الإمامة)، وآخر يسمونه (التقليد). وأشياء أخرى يطول عدها. وحين كشفنا الستر عنها، وجدناها سوءات كان عليهم أن يطووها، ولا يحكوها!
 هذا هو التشخيص.. ها هنا العلة!
 أما التاريخ.. التاريخ!!! فله حكاية أخرى، يجب أن تحكى.. ولا تطوى!
وكنت أقول: سأجد ضالتي عند غير المتدينين منهم. وأن هؤلاء أهون من أولئك. والفرق بين الفريقين مؤثر وكبير. وكان يجذبني إليهم ما كنت أسمعه منهم على وسائل الإعلام المرئية، وبعض المقروء الذي يقع بين يدي، بطريقة أو بأخرى. ثم صرت أقرأ أكثر، وأركز في القراءة، وأصغي جيداً إلى ما أسمع من أحاديث. وتغلغلت في البحث والقراءة لبعض العلمانيين من الشيعة، الذين كنت أحسب أن لهم حساً عربياً، وهاجساً وطنياً. فوجدتهم – عند التدقيق والتحقيق – لا يختلفون كثيراً عن سواهم من المتدينين! وما أقوالهم وكتاباتهم في هذا الشأن إلا دعاوى وشعارات، هي - في أحسن أحوالها – أماني وعواطف وانفعالات، سرعان ما تتبخر حين يستيقظ فيهم ذلك العرق النابض بالعقيدة التي تلقوها، والعقدة التي تغذوا وتربوا عليها. حتى وإن بدا لاحقاً أنهم غير ملتزمين بالطقوس والشعائر الدينية اللازمة لها.
 نعم..! قد يختلف المتدين الشيعي عن غير المتدين. لكن هذا الاختلاف غالباً ما يكون بنسبة غير مؤثرة. فكلاهما لا يستطيع تجاوز عتبة النجاح؛ بسبب من تلك العلة المركبة من (الإمامة) و(التقليد)، متى ما تمكنت من قلبه، أو بقيت رواسبها فيه.
 أحد هؤلاء الذين أثاروا اهتمامي حسن العلوي. وهو بعثي قديم، كان السكرتير الصحفي للرئيس صدام حسين، ورئيس تحرير مجلة (ألف باء) الرسمية. ثم انقلب العلوي من بعد وهرب! وكتب عدة كتب منها (الشيعة والدولة القومية) يتهم فيه أهل السنة بالطائفية والاستحواذ على السلطة، والعمالة للانجليز، والتمالؤ معهم على إقصاء الشيعة، الذين دافعوا عن الوطن في ثورة العشرين، ورفضوا أن يضعوا أيديهم بأيدي الانجليز.
ولكن ما إن دار الزمان دورته ، ودخل المحتل الأمريكي العراق، حتى يكون العلوي أول سفير له في سوريا، معيناً من قبل ما سمي بـ(مجلس الحكم) الذي نصبته قوات الاحتلال! ويمدح اللص الخائن أحمد الجلبي على قناة (المستقلة) الفضائية مدحاً جاء فيه أنه ما من أحد أكثر فضلاً على الشيعة منه! لأنه هو الذي أقنع الأمريكان بالإطاحة بصدام، وتسليم مقاليد الحكم للشيعة! ويعجب من تصريح عزيز الحكيم عند تسلمه لرئاسة (مجلس الحكم) الشهرية بأن على العراق أن يؤدي لإيران (100) مليار دولار، تعويضاً لها عن خسائر الحرب؛ لأنه هو الذي ابتدأها – كما يزعم - ويقول: إن هذا التصريح هدم كتابي (الشيعة والدولة القومية)، ويطلب من عزيز الاعتذار عما بدر منه. ويجعل ذلك كافياً في تكفير هذه الغلطة المغلظة! 
 فمن - يا ترى ! – هو الوطني؟ ومن العميل؟!
 وما مقياس التفريق بين هذا وهذا؟!
 تسمع له ، فتحس في كلماته شوباً من العروبة ، وعاطفة تجاه الوطن. ويقول في أثنائه أنه رجل علماني، وأنه لم يسجد لله يوماً قط! فتقول: فلعل ذلك الشوب، وتلك العاطفة من هذه.
 يخلط كلامه أحياناً بمديح للفاروق عمر. بل ذكر أنه ألف كتاباً عنه، ووعد بإخراجه. ورأيت وسمعت على القنوات الفضائية من فرح بصنيعه، وعدّه به من الشيعة المعتدلين.
 وخرج الكتاب. وكان بعنوان (عمر والتشيع ثنائية القطيعة والمشاركة). لكنني ما إن قرأته حتى ترسخ لدي ما كان قد بدأ يثبت من قبل. وتزعزع ما كان قلقاً لا يستقر. ووجدت الرجل – رغم علمانيته، وعدم تدينه - شيعياً قحاً، لا يريد من كتابه سوى حماية الشيعة من الاجتثاث والخطر القادم، إذا ما بقوا على أفكارهم القديمة من المقاطعة والعداء للمحيط السني الذي يكادون يغرقون فيه. ويريد أن يقنع الوسط السني بإمكانية أن يتخلى الشيعة عما هم عليه من القطيعة، ويندمجوا مع المجتمع الذي يعيشون فيه. أما أدلة إثباته، فصفحات من المديح لعمر بن الخطاب، وإنكار على أفكار وبعض رموز القطيعة. وهذا أيضاً هو كل الثمن المدفوع لنا مقابل أن نقتنع ونصدق ونتلقى بالأحضان. هذا وقد فشل فشلاً ذريعاً في تقديم مثال واحد يصلح رمزاً للمشاركة، أو يعثر عليه.
ولقد وجدته شيعياً قحاً، ليس في عقيدته وتحيزه فحسب، وإنما في عقده كذلك، فهو إنسان مصاب بعقدة الاضطهاد والشعور بالمحرومية، وغيرهما من العقد النفسية الشيعية. يدعي أن الشيعة أغلبية محرومة محكومة؛ لهذا هو ينتصر لهم، ويقف في صفهم! قيل للقردة: ضعي هذه الحلية على رأس أجمل صغار الغابة، فذهبت، وأقبلت تحمل صغيرها والحلية على رأسه، وهي تقول: لم أجد أجمل من هذا!
وبينما تجده كتب في بداية الحرب مع إيران كتابه المسمى بـ(دماء على نهر الكرخا) باسم مستعار هو حسن السوداني. يتحدث فيه عن الفرس، وكيف لبسوا التشيع متسترين به على مكائدهم ضد العرب ودينهم الجديد ودولتهم القومية الجديدة. ورجع بأسباب الحرب ودوافع الصراع إلى جذور عرقية قديمة تمتد إلى فجر التاريخ. إذا به في كتابه الجديد (عمر والتشيع) يقول عن الحرب إنها حرب أمريكية ضد الشيعة، خاضها العراق بالنيابة عن أمريكا! ويمجد الخميني ويقارنه بعمر الفاروق بشخصيته وعدالته وتفاصيل حياته!
دعني أفترض هنا أن شخصاً ما لم يقرأ للعلوي إلا كتابه الأول (دماء على نهر الكرخا)، واقتصر في بناء حكمه فيه، وتقييمه له على هذا الكتاب- ماذا ستكون النتيجة؟ ولو افترضنا الفرضية الأخرى، وهي أن هذا الشخص لم يقرأ للعلوي إلا كتابه الأخير (عمر والتشيع)، فماذا ستكون النتيجة؟
لا شك أنه سيخرج بحكمين مختلفين، ونتيجتين متضادتين.
وهكذا هو الشيعي..!
له في كل مقام مقال..! وتختلف المقامات وتتعاكس فيما بينها، فتختلف المقالات وتتعاكس وتنعكس أيضاً؛ طبقاً لاختلاف المقام! إن مبدأ "التقية" يمنحه المرونة المطلوبة، وقابلية العزف على جميع المقامات. فلن تعرف شيعياً من موقف واحد، ولا مجلس واحد، ولا مقال ولا كتاب. ولا لحن ولا أُهزوجة، ولا دبكة عراقية، ولا زردة فارسية.
نعم.. ربما إذا جمعت هذه مع بعضها خرجت بنتيجة. ربما!
هذا حال العلماني المنفلت! فكيف هو إذن حال المتدين الملتزم؟!
في زمن (صدام والقومية العربية وحراس البوابة الشرقية) يكون العزف على (دماء نهر الكرخا). وفي زمن (الأمريكان وإيران والطائفية والشعوبية الفارسية) يختلف العزف، وتتبدل الألحان؛ لأن دماء نهر الكرخا هذه المرة قد فاضت فأغرقت العراق، وصارت تتدفق من مسيل دجلة والفرات!
وفي النهاية تنتصب من خلال الكتاب أو الكاتب أمام ناظريك المنظومة الفكرية والنفسية للإنسان الشيعي كاملة بعقائدها وعقدها، وعاطفتها وهيجانها، ورؤيتها للأشياء والأشخاص، والواقع والتاريخ، وتعلقها بإيران ورجالها، وطريقة تعبيرها: لفاً ودوراناً وإتياناً للبيوت من ظهورها. كما تبين لي أن الوطنية والعروبة لدى هؤلاء مجرد دعوى هائمة، أو عاطفة تائهة عائمة، ليس لها عند الامتحان من حقيقة ولا برهان. كما أنه لا فرق بين شيعي علماني، وآخر متدين، كلاهما سواء عند خط النهاية، وأن العلماني والديني يتوحدان في شخصية الشيعي توحداً تاماً، ويشتبكان في نسيج واحد. هذه الشخصية التي أرى أن أقرب مصطلح يمكن نحته للدلالة عليها هو مصطلح (الشخصية الدينيوية). فكل شيعي يحمل في كيانه الداخلي شخصيتين: واحدة شيعية دينية، وواحدة علمانية دنيوية، يستعمل هذه مرة، وهذه مرة. بهذا نستطيع فهم هذه الازدواجية الشيعية، وكيف تجتمع النقائض العلمانية والدينية هذا الاجتماع في شخصية الشيعي!
ومن تصور غير ذلك فهو واهم مخدوع.
نعم قد يجد أحدنا في الشيعي توجهاً جاداً، ورغبة جياشة في التعايش والمشاركة، لكنه - وإن كان أحياناً ربما يعني ما يقول - لا يصلح شخصياً لتنفيذ ما يتمنى ويدعي. ولا يعول عليه كثيراً ولا قليلاً في مشروع كهذا؛ ما دام يحمل في فكره عقائد الشيعة، وفي نفسه عقدهم، وفي روحه الانتماء إليهم. ولا تجد شيعياً إلا كذلك، حتى يثبت العكس بالأدلة اليقينية. وما مثل الشيعي في رغبته ودعوته للتقارب والتعايش إلا كمثل طبيب يدعو جاداً لمعالجة مرض معد خطير - كالسل مثلاً - ووقاية المجتمع منه، لكنه هو نفسه لا يصلح للمهمة لسبب بسيط  هو أن الطبيب هذا مصاب بالداء نفسه. ومثل هذا يحتاج للحجر والعزل، لا أن نضع أيدينا بيده مهللين، متغافلين عن النفث الذي يخرج من رئتيه، ويلفظ من شفتيه! (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران:118).
أما طريقتي في تناول الكتاب فلا تقوم على نقد الكتاب نفسه، بتتبع عباراته، وبيان مواطن الخلل والعيوب فيه واحدة واحدة. ولست هنا معنياً بذلك، وإن كان كثيراً شائعاً في سطوره وصفحاته. إنما أتخذ من الكتاب وسيلة للتعرف على الكاتب – كمثال لتوحد العلماني بالديني عند الشيعي - وبيان أفكاره الرئيسة، التي تدل على أنه – رغم علمانيته، وعدم تدينه، وتشبثه بأهداب العروبة – شيعي منحاز لشيعيته وشيعته نفسياً وعقلياً وفكرياً. طائفي رغم أنه أجهد نفسه كثيراً في محاولة إخفاء أو مقاومة طائفيته، ولو من خلال تبرقعه بكيل المديح لعمر بن الخطاب، عمر في غنى عنه، ولسنا في حاجة إليه. وهذا هو الشيء الوحيد الذي منحنا إياه بسخاء، مقابل أن يستحصل منا جواز مرور ومستمسك استيطان، ويوهمنا بأن الشيعة ما هم إلا حملان وادعة، لا تبغي إلا العيش بيننا بأمان. وما علينا إذا رأينا سكاكين الجزر في أيديها، وأنياب الذئاب في أفواهها! فهذا من مخلفات عصور القطيعة عند بعض فقهاء الشيعة. وسيعمل جاهداً على اقتلاعها من الجذور. لكننا حين دققنا جيداً وجدنا السكينة مخبأة في حقيبته، ومعها طقم كامل من القواطع والأنياب!
الخميس
  21/6/2007
 
 
الباب الأول
 
 
تمهيد
 
 
الفصل الأول
 
سبب تأليف
العلوي كتابه (عمر والتشيع)
 
يدرك بعض عقلاء الشيعة الخطر المستقبلي المحدق بهم، جراء عزلتهم ومعاداتهم للأغلبية السنية الكاسحة التي يعيشون في وسطها، ويتوجسون منه خيفة. أحد هؤلاء الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأول لـ"حزب الله" اللبناني. صرح قبل أكثر من سنتين، وتحديداً في 7/2/2004 لصحيفة الشرق الأوسط فقال مجيباً على سؤال: أتقول إن هناك خطراً على التشيع من إيران؟:
"نعم، لأنه يمكن أن بعض القوى تريد أن تثبت سلطانها. وأنا مطمئن إلى أنه سيأتي اليوم الذي يهزم فيه الأميركي، وعندها سيكون هناك غضب على كل من سار في مشروعه. وقد تجري انتقامات وتصفيات يذهب ضحيتها شيعة الأقليات، لأن إيران دولة قوية تستطيع أن تحمي نفسها".
ويكاد العلوي يردد نص كلام الطفيلي حين يقول (ص209-210) بعنوان (القطيعة ستحاصر الشيعة العرب): (فعسى أن نلملم شتاتنا لقيام مدرسة لوحدة المشاركة بأساتذتها وأتباعها وإنتاجها الفكري والإعلامي، وبهذا قد نصون وحدة التاريخ العربي ونصون قبل ذلك حياة المنتمين لمدرسة أهل البيت، ونتسامى من حمأة الكراهية والدماء إلى رحاب السلم الأهلي، لاسيما وأهل التشيع هم الأقلية في محيطهم العربي، ومثل ذلك في عالمهم الإسلامي، بدل المواجهة الإعلامية التي طالما تقود في مرحلة تالية أصحابها إلى سكاكين الذبح.
إن دعاة القطيعة لا يقتصر أداؤهم السلبي على مرحلة في التاريخ الإسلامي فحسب، بل أيضاً على قطيعة اجتماعية وسياسية وحياتية بشكل عام مع مجتمعنا العربي.
ومع ارتفاع وتيرة التحريض في خطاب القطيعة ترتفع إجراءات القطيعة العربية لحاملي هوية التشيع، فيصبح الوسط الشيعي هو المقاطَع والمركون في حجر العزلة.
وإذا كانت نظرية القطيعة قد أقامت في إيران إمبراطوريات كبرى، وساهمت في إيجاد وحدة تقوم على التمذهب القومي، فلأن إيران عالم خاص يعيش في شبه قارة، لها عناصر قوة لا تتوفر لأهل التشيع في بلد آخر. وليس لإيران مجال حيوي غير بلاد فارس، فيما المجال الحيوي للشيعة العرب مفتوح على عالم يمتد من ثراء الخليج وينتهي بثراء المحيطات، وسيحول بين أبنائنا وحق الحياة في امتدادهم العربي، قول أبائهم بنظرية القطيعة مما يدفعني إلى التصريح أن نظرية المشاركة لاتقف عند اندماج الإمام علي مع الدولة والمحيط في التاريخ الإسلامي الأول، وإنما تدعو إلى اندماج بشري وقومي وإنساني واندماج المصالح للمنحدرين من سلالات شيعية مع مجتمعهم العربي، ومن دون ذلك فسيكون عبور شيعي عراقي إلى الخليج كعبور الخليجي السني إلى جنوب العراق في هذه الأيام من أواخر عام 2006. وهكذا يتحد الحرص على المصالحة التاريخية بالحرص على الصلح الاجتماعي مع الماضي والحاضر).
ومن بداية الكتاب يفصح عن هذا المقصود، كما في (ص9 و15). ويظل هذا الهاجس يطارده حتى النهاية. ليصل به حد الرعب فيقول (ص221-222): (وكان مما عجل في إصدار هذا الكتاب على سوء صحة كاتبه أن الفضائيات العربية صارت تنقل شهادات لعلماء دين من الشيعة يتنافسون على مسبة عمر بن الخطاب وأبي بكر، وكأنهم بهذا يوفرون (الدليل الشرعي)، والمسوغ الفقهي للانتحاريين الذين يستهدفون المدن والبلدات الشيعية بالسيارات المفخخة (نكالاً) لهم على شتمهم عمر وتشهيرهم بعائشة!!. ألا يعني هذا أن السلم الأهلي في العراق يرتبط بالكتابة التاريخية ابتداء من العصر النبوي وإبطال المناهج والوسائل والمستحدثات التي قدمها الشيخ علي الكركي ومدرسته؟ دون أن نغفل المدرسة الأموية التي سبقت السلطان طهماسب في أسلوب السب وشتم الإمام علي بأكثر من عشرة قرون).
إذن هذا الهاجس هو الدافع الأكبر الذي جعل العلوي يكتب كتابه هذا. يدعو فيه الشيعة إلى الاندماج والمشاركة في المحيط السني. ويحثهم فيه على شاشات القنوات الفضائية. وبدافع من هذا الهاجس تراه يخاطب الملك عبد الله ملك المملكة العربية السعودية قائلاً: "أيها الملك! الشيعة في السعودية يحبونك. وهم يختلفون عن شيعة العراق في علاقتهم بصدام. شيعة العراق تعرضوا للاضطهاد؛ ولذلك كانوا ضد صدام. أما الشيعة في الخليج فغير مضطهدين". إذن ما هذه الضجة التي يثيرها شيعة السعودية بقيادة حسن الصفار؟ ومطالبته برفع الظلم عنهم، وتلويحه وتهديده المبطن - بل والصريح - بما لا يحمد عقباه إذا بقيت الأمور على ما هي عليه؟! أين الحب؟ وعلام هذه الضجة إن لم يكن ثمة دعوى اضطهاد؟! وما هذا الذي يفعله شيعة البحرين والكويت؟
إن الشيعة يعانون من عقدة الاضطهاد والمحرومية. وصاحب هذه العقدة يشعر أنه مضطهد محروم مهما كان منعماً ومتمتعاً بحقوقه كاملة؛ لأنه مريض. ولا ينفع معه الإنصاف والعدل والإكرام والرحمة. ولذلك تجد الشيعة ناقمين على السلطة والمجتمع في جميع أدوار التاريخ، وجميع البلدان التي يتواجدون فيها.
ويخفق العلوي أيما إخفاق حين يبحث عن قدوات ورموز يستشهد بها لمشروعه المعارض للقطيعة، فيأتي (ص210) بمحمد حسين كاشف الغطاء وكتابه (أصل الشيعة وأصولها). ويسميه – مع مهزلة العقل البشري لعلي الوردي وفصول من تاريخ الإسلام لهادي العلوي – (جوازات مرور تخترق جدران القطيعة).
وسيأتي الحديث عن هذه الرموز لاحقاً.
 
 
 
الفصل الثاني
 
رشاوى الكتاب
 
في الكتاب أفكار جيدة، وتقريرات وتحليلات ممتعة، تستهوي القارئ، وتجعله ينساق مع الكاتب في أفكاره الأخرى، بحيث لا أستبعد أن الكثيرين سيمرون بها دون أن تشكل أمام أعينهم إشارة حمراء أو صفراء، تدعوهم للتوقف، أو التريث والحذر على الأقل. لقد نجح العلوي في صنع زوارق ملونة عديدة يحمل بها ما يريد من أفكار خاصة، ويعبر معها إلى الضفة الأخرى.
بعض تلك الأفكار الجيدة عبارة عن مديح لأشخاص من أهل السنة أو يحسبون من حصتهم. فمن أول الكتاب يبرز أمامك اسم (عثمان علي العبيدي) - رحمه الله - ذلك الشاب السني الذي ضحى بنفسه غرقاً من أجل أن ينقذ أشخاصاً من الشيعة أوشكوا على الغرق. موشحاً بلقب (ابن أعظمية النعمان بن ثابت إمام الساحل الشرقي). ومذيلاً بعبارة (... وحسبك أنك حبر هذه السطور).
الكتاب إذن يبث الخدر في الأعصاب، ويفتح شهية القارئ السني لطلب المزيد!
أما (عمر!) عنوان الكتاب، فقد فاز بالنصيب الأوفر من المدح والثناء. مع إنكار لما تواضع عليه المجتمع الشيعي من سبه والطعن فيه: أقاويل تروى، وطقوساً تمثيلية تؤدى. كما أنه يذكر في المقدمات الأولى أنه سمى ابنه الثاني (عمر).
ويقول وهو يتحرك نحو عتبة الباب الأول (ص15): (يدفعني إلى كتاب عن عمر حاجة الأمة إلى "حاد يحدوها لا يتعالى عليها ولا يجلدها وفي الوقت نفسه لا يتملقها أو ينافق . حادٍ يحب قومه و"قبيلته"، ويريد لهم الخير والتقدم، لكنه لا يكره الغير ولا يحتقرهم").
ويقول في الحاشية عند هذا الحد ما يلي: (العبارة بين الهلالين وردت في رسالة إلى المؤلف بعثها الدكتور نعمان السامرائي زعيم الحزب الإسلامي عند تأسيسه عام 1960 والداعية الإسلامي والمفكر الكبير نزيل الرياض حالياً والمؤرخة في 30/1/ 2006).
يبدو أنه وضع في زورقه صيداً سميناً هذه المرة! وما أكثر هذا النوع من الصيد السمين بين جماعتنا! وهذا هو الذي دفعني لتجريد قلمي، وتدبيج كتابي هذا بعد أن قرأت كتابه ذاك، ورأيت فيه ما رأيت من الشباك والأرشية والرشى.
ويختم العلوي عبارته السابقة بقوله: (وإني لأرجو الله أن أكون في صف هذا الحادي الذي ينكر على بعضهم هجاء الأمة وتاريخها ولغتها وعقيدتها، ولا يرى في الأمة خيراً لا في قديمها ولا في حاضرها. يدفعني إلى عمر حاجة الأمة إلى شيء من بعض عمر).
ولقد دفع عن عمر كثيراً من الحكايات والتهم والتصورات التي يرددها حتى بعض أهل السنة مثل: وأده لابنته، وكانت حجته في ذلك قوية موضوعية.
كما يقول (ص36) عن كتابه: (لم نتعرض فيه لخلاف المذاهب وتفضيل مذهب على آخر أو الترويج لمذهب ضد آخر. فمثل هذا الحقل سيكون خاصاً بالمشتغلين في العلوم الدينية والفقهية. ونحن نشتغل بعلوم الفكر العام والسياسة العامة. فإذا اهتزت مشاعرنا لرأي أو لموقف أو لإجراء، فلأن في ذلك قرباً عاطفياً أو إنسانيا أو اجتماعياً لما نبغيه وليس لطابعه المذهبي الخاص).
ومثل هذا الكلام تهتز له قلوب الكثيرين، فتراهم يسلمون له ويوقعون على (شيك) مفتوح.
ويقول (ص37-38) عن عمر والسقيفة: (فكانت دعوة الأنصاري سعد بن عبادة إلى اجتماع السقيفة، هي اللبنة الأولى لاستمرار المشروع المحمدي في غياب صاحبه. ثم جاء دور عمر بن الخطاب ليختطف اللحظة ويحدد أطار المؤسسة الجديدة ورجالها الذين سيتحملون المسؤولية. وقد ضرب عمر ضربته وكأن لم يقل قائلنا اليوم إلا فيه وعنه.
    فتى خبط الدنى والناس طراً          وآلى أن يكونهما فكانا
... إن السقيفة كانت المكان الذي غاب عنه المقدس، فكان بداية الزمان لحياتنا المقدسة بعد أربعة عشر قرناً. وكان عمر قامع الفرقة في ذلك اليوم وحَقَّ له أن يحظى بلقب قفل الأمة.
حركة عمر في السقيفة أنجبت حركة حضارية لأمة كانت تتشكل على الأرض، فصارت حركة خلاف مذهبي يتصاعد مع التصاعد الحضاري للأمة، ومشكلة دينية تقوم على رفضها عقائد وعلى احترامها عقائد. وبالاحتكام إلى المعايير السياسية في نشوء الدول والحضارات، تصبح السقيفة بأعمدتها الأربعة التي أنجبت أربعة خلفاء لم يتكرروا في التاريخ.  قراراً وليس مؤتمراً بأن لا تموت الدولة الناشئة بموت مؤسسها).
ولا شك أن هذا التقرير والتحليل رائع. ومثله في الكتاب كثير. تأمل هذه العبارة مثلاً (ص41-42): (كان عمر يدعم جهاز الولاية بصحابةٍ من الرعيل الأول ومن هم في مدارج الإيمان أعلى درجة من أمير الولاية وبعض قادتها. بعد أن أخفقت تجربته الأولى بتعيين هؤلاء الصحابة ولاةً، كسلمان الفارسي في المدائن، وبلال في بعض ولايات الشام، اكتشف أن الأعلى في درجة الإيمان والأقدم في الإسلام، قد لا يكون هو الأقدر على إدارة الأزمات وتصريفها في فترة التأسيس الأولى للدولة).
ويقول (ص54-55) وما أجمل ما يقول: (وعمر ليس له باطنٌ وظاهر، وليست له سياستان سرية ومُعلنة، وليست له جملتان واحدة لنفسه وأخرى للناس. ليس لعمر مثنيات، وقد أتاحت له عشر سنوات من الخلافة المستقرة تنفيذ البرامج الإسلامية واجبة التنفيذ فأطبقت النظرية على الحياة.
إن مناهج الدعاة قد تغري السامع والقارئ بجاذبية الرواية، وجمال الاستشهاد، مما تزهو به النظرية الإسلامية، فتنسب إلى صحابي وخليفة أو تابع وفقيه، وكأنها حسمت بالاستشهاد النظري، إشكالاً لمستشكل، أو اعتراضاً لناقد. لكنك وأنت في المشاهد العمرية، قد تتوقف عن ترتيب الروايات، وصياغة الاستشهادات وأمامك حركة الناس تتحد بحركة القرآن، فتتيسر الاستجابة من طرفيها...استجابة النظرية للحياة، واستجابة الحياة للنظرية.
وكأنك ترى عقيدة السماء تتمشى فوق أديم الأرض، وتمر مع المارة. أو كأنّ الناس عرجوا إلى السماء معلقين على تعاليمها.
في عصره، اختفى الخلاف الأبدي الذي كان بين أهل الأرض وسكنة السماء!. والأرض تسمو والسماء تدنو أو تتدانى، ليولد ما نسميه الطباق العمري. وشخصيته مكشوفة حيَّ على الصلاة.
لا يكيد والكيد سلوك باطني، ولا يحبُّ في السرِّ ما لا يحبه في العَلَن. إذا ضاق بموقف أو مشهد، فهو لا يكتم ضيقه ولا يصبر على المخالِف.
إن علماء النفس يسمون هذه الشخصية بالانبساطيّة. منبسط النفس مثل الأرض التي خرج منها وعاد إليها لا التواء فيها ولا زوايا ولا يحجبَ الرؤية حاجز من تضاريس النفس. والعين تمتد حتى الأفق، فإذا ارتفعت أخذت من صفاء السماء في نجدٍ والحجاز صفاء النفس والرُوح.
وأخذ من وضوح الصحراء والسماء وضوح العقيدة وتسهيل الحياة للناسِ. عاش جاهلية واضحة، وأسَلَم في وضح النهار، وهاجر في وضح الشمس، وحكم في وضح الشريعة، وغُدرَ به قبل أن يتوضحَ الصُبحُ وكان غادره من أهل العُتمة. فتساءل بعد أن استعاد وَعيه: أعن ملأ منكم؟. فذكروا له اسم الغادر. والحمد لله الذي لم يجعل موته على يد رجلٍ سجد لله ولو سجدة. وعُمر لا تقتله العرب).
وهكذا، وهكذا.
ويأتي أحياناً بأفكار طريفة تستحق التأمل. فها هو (ص61) يقول: (ومن مخطوء الأحكام والتقويمات التاريخية شيوع القول بضعف عثمان، وكأنه لم يخلع ولاة قريش الأقوياء مثل المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص).
وفي (ص64) يقول: (ومما ساعد قريشاً في استرجاع مكانتها إلى جانب العفو النبوي تلك القاعدة الفريدة في الإسلام الذي يجب ما قبله. أي يدفن ماضي المسلم ليس في حفرة بل في جُبٍ عميق وتدفن معه موبقات الفعل والقول وأدوار وصراعات، فقطع النبي على مجتمعه الجديد أية محاولة لتذكير بعضهم بتاريخ بعض.).
نعم لقد قال هذا وأكثر منه! لكنني أتساءل:
هل قال هذا محكوماً بنظريته في الصلح الاجتماعي بناء على الصلح التاريخي، فهو ملزم عند استحضار القاعدة بتطبيقها ولو على بعض جزئياتها؟
سؤال آخر يتفق مع الأول ويكمله: هو يبتغي الوصول إلى غاية بين قوم لا يثقون به ولا بقومه؛ فلا بد من تقديم ثمن مقابل. فهل هذا هو الثمن الذي يريد تقديمه؟
وآخر: ربما يقول الكاتب هذا مستعيناً بعقله الواعي الذي يفرض عليه ما يتناسب من الأقوال مع تلك النظرية، حتى إذا كلّ وتعب، تغلب عقله الباطن فأفاض على قلمه من خزين ذاكرته الشيعية؟ فإن هذه الأقوال الطيبة تنتثر خلالها، وتنتشر في نسيجها أقوال أخرى كثيرة، تعارضها أحياناً، وأحياناً تبطل مفعولها، وتجعلها لاغية، أو ليست أكثر من لغو من اللغو!
أم إنه يصدر القولين في حضور وعيه في الحالتين؟ هذا القول يرضي به القارئ السني، والقول الآخر يرضي به الشيعي، أو يرضي به نفسه التي لا زالت كما هي قبل خمسين أو ستين عاماً شيعية العقدة والعقيدة.
ولنا أن نسأل أيضاً: هل نحن في حاجة إلى مثل هذا المديح؟ وهذه التقريرات؟ وهل يصلح ما بذل لنا منه بسخاء ثمناً لما يراد أخذه منا؟
الشيعة هم أهل الحاجة. وهم أهل القطيعة. فالكرة في ملعبهم. ليتصالحوا مع التاريخ، فيتركوا سب أجدادنا ورموزنا وعظمائنا، ويتصالحوا مع المجتمع صلحاً حقيقياً، مبنياً على أُسس متينة. يقدمون لنا عنه أدلة إثبات ملموسة لمس اليد، لا أطناناً من المديح، يتضاحكون به مع أنفسهم قبل أن يتقدموا ليضحكوا به على الآخرين.
نعم.. لسنا ساذجين إلى هذه الدرجة! كما أننا لسنا الطرف الذي بدأ القطيعة، فلسنا في مشكلة مع التاريخ، ولا التاريخ في مشكلة معنا. المشكلة والتقاطع والقطيعة عند الشيعة؛ فليعزموا على حل مشكلتهم مع أنفسهم أولاً، ومع التاريخ ثانياً، ومع المجتمع ثالثاً. وسيجدوننا عندها جاهزين، بلا مدح ولا قدح.
ثم هل كان هذا المدح وغيره صافياً مجرداً؟ أم يحمل في طياته ما ينبغي أن نتوجس منه خيفة؟
خلاصة ما أريد قوله هو أنني لا أظن شيعياً يمكن أن تحصل منه على دعوة للتقارب، محمولة على كثير من الأفكار الناضجة، والكلمات الطيبة كما يمكن أن تحصل عليه من العلوي في كتابه هذا، أو في موطن آخر، يتحدث فيه عن (السلم الأهلي) و(التقارب الاجتماعي) و(الصلح مع التاريخ)! وكم أتمنى أن تكون هذه الدعوة، وهذه الكلمات سليمة من المنغصات! ولكن – ومع الأسف كله – عندما تواصل قراءة فصول الكتاب، وقبل الوصول إلى النهاية بكثير، تكتشف أن ما تمنيته لم تكن لتدركه. لأن العسل الذي قدم إليك أثبت التحليل الدقيق أن نفثات من السم الزعاف، وذرات من السيانيد القاتل تنتشر خلاله، وتشيع فيه!
فإذا كان هذا حال مثل هذا، فكيف بغيره ممن ليسوا كمثله، ولا يريدون أن يكونوا كذلك، أو يصلوا بأفكارهم وأثمانهم المدفوعة إلى ما قد وصل إليه؟! 
 
 
الباب الثاني
 
العلوي
ونظرية التصالح مع التاريخ
 
 
نظرية التصالح مع التاريخ
الفكرة الأساسية التي بنى الكاتب عليها كتابه، هي فكرة المشاركة من خلال المصالحة الاجتماعية استناداً إلى المصالحة التاريخية . وهو بذلك يجعل (التصالح مع التاريخ) أساساً لذلك الهدف الكبير (التصالح الاجتماعي). فهو يقول (ص9): (والكتاب يروج لنظرية المشاركة في سعيه لرفع الحصار عمن ينحدر الكاتب من أصلابهم، وجداً بعمر وسيراً على طريق السلم الأهلي الذي يبدأ عندي من لحظة التصالح مع التاريخ حتى يسهل لدعاة المشاركة أن يتصافحوا في الحاضر).
ويقول (ص170): (ولهذا فإن وضع مشروع للمصالحة الطائفية إذا أريد له النجاح، سيقتضي أن يبدأ من التاريخ والتصالح معه لترجيح كفة المشاركة على القطيعة حتى تقبل المشاركة في الحاضر).
ويقول (ص210): (وهكذا يتحد الحرص على المصالحة التاريخية بالحرص على الصلح الاجتماعي مع الماضي والحاضر).
 وأنا مع الكاتب في كل هذا. فإن السبب الأكبر في القطيعة الطائفية بين الشيعة ومحيطهم السني هو تكفيرهم لجيل الصحابة وبقية أجيال الأمة، والجهر بشتمهم والتنقص منهم على رؤوس الملأ، وقطيعتهم لتاريخ العرب والإسلام، ونظرتهم إليه على أنه تاريخ أسود، ليس فيه من إشراقة تضيء الدرب، أو مكرمة يرتفع لها الرأس. إلا ما علقوه بمجموعة من الشخصيات، شدوا أحداث التاريخ جميعاً إلى ظلالها. وعدة أحداث، أداروا أجيالهم جميعاً حول محورها. فليس إلا الغدير والسقيفة والضلع والباب ومحسن والجمل وصفين والطف، وما إليها. وقد وقفوا بعجلة الزمن فهي ترابط عندها لا تبغي عنها حولاً. فالتاريخ في ذهن الشيعي شيء جامد لا يتحرك! أو هو لا يقبل الحركة إلا في اتجاه واحد هو اتجاه السلب.
وما ذكرناه ناتج في الأساس عن عقيدة البراءة. وهي أصل من أصول التشيع، أغفله كثير من الباحثين. وهذا الأصل الفاسد هو السبب في جميع الفتن التي يقوم بها الشيعة. فإن أصل البراءة يقتضي من الشيعي إعلان التبرؤ كلما أمكن من كل من لا يعتقد بولاية الأئمة المعصومين بزعمهم. ولكن البراءة لها طقوس سرية وعلنية: فالعلنية تكون عند القدرة، كما يحصل الآن في العراق من قتل أهل السنة والجماعة، وكما حصل في مظاهراتهم بمكة زمن الخميني الهالك. والسرية فرض عين على كل شيعي. وتتلخص باللعنة اليومية لأصحاب النبي e عامة، وللشيخين خاصة: قبل وبعد الصلوات، وقبل النوم وحين الاستيقاظ. وتصل أحيانا إلى ألف مرة بحسب الإمكان. وكذلك الدعاء عليهم بالنار والغضب والهلاك...إلخ.
من هنا كانت القطيعة الروحية بين الشيعي وأمته تاريخاً وواقعاً. فهو لا يحتفي بذات السلاسل والقادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، ولا اليرموك وذات الصواري وحطين والقسطنطينية. ويغتاظ لذكر عمر والزبير وخالد وابن العاص ويزيد بن أبي سفيان وابن أبي سرح وصلاح الدين؛ لأن هذه الوقائع والأشخاص ترتبط في ذاكرته المستنسخة عن الذاكرة الفارسية بكل ما يؤلم، ويشعر بالذل والهزيمة والهوان.
انظر إلى الشيعي الزيدي في اليمن وكيف هو متصالح مع أخيه السني الشافعي؛ لأنه متصالح مع التاريخ.
فلا بد إذن من هذا التصالح. وأقولها مرة أخرى: أنا مع الكاتب في كل هذا. ولكن هل الكاتب مع نفسه فيما يدعو إليه ويدعيه من هذا؟ وهل يمكن للشيعي أن يتصالح مع التاريخ؟
وأجيب عن السؤال الأول، ومن أول سطر فأقول: حين تستطلع أفكار الكاتب المتعلقة بالتاريخ تجدها شيعية بحتة، ملغومة بشتى التقاطعات، لا تخدم إلا منهج القطيعة. فكيف تصلح أساساً (للمصالحة الاجتماعية)؟! وأجيب عن السؤال الثاني لاحقاً إن شاء الله تعالى.
 
الفصل الأول
 
الطعن المبطن بعمر والصحابة
 
يبدو من سطور الكتاب أن مؤلفه يمدح عمر بن الخطاب، ويثني على إنجازاته وأفعاله. ولنا الحق – لأسباب موضوعية – أن نتساءل عن حقيقة هذا المدح من حيثيات شتى: هل الكاتب جاد في هذا المدح؟ أم يريده قنطرة للوصول إلى مبتغاه؟ هل هو صادق مع نفسه حين يمدح؟ أم يظهر شيئاً ويبطن غيره، على قاعدة (التقية) الشيعية؟ وإذا كان صادقاً مع نفسه فيما يقول، فما تفسير ما يظهر على لسانه أحياناً من فلتات همز ولمز، وعبارات تشكيك حتى في ممدوحه نفسه؟ هل هي رواسب العقل الباطن، تنفلت من قاعها في لحظات غيبوبة أو غفلة من العقل الواعي؟
أما أنا فأرجح هذا كله! ولكن هذه في حال، وتلك في حال. 
 
تكنية عمر بـ(ابن حنتمة).. هل النية صافية؟
يقول العلوي (ص64): (توترت العلاقة بين عمر وقريش، فوقف في منفذ حدودي هو شِعب الحرة قائلاً: إنه سيأخذ قريشاً من حلاقيهما. وكان رد قريش عليه بالفخر في انتسابه لحيٍ متواضع منها وعدم مشاركة قبيلته عدي بدور كبيرٍ في الحروب، وهي تعبّر عن نيةٍ غير صافية عندما تكنّيه بابن حنتمة بأحاديثها الخاصة).
ما هذه النية غير الصافية؟ وهل حقاً كان لقريش مقصود غير صاف أو شريف من وراء هذه الكنية؟ وكيف يرضى عمر – وهو من هو؟! – أن يسمع مثل هذا اللمز الثقيل، ثم يسكت؟! وهل يمكن لأحد أن يتجرأ ويفعلها ومع عمر! ولا تميد الأرض من تحت قدميه؟! لولا أن هذا اللقب أو الكنية ما كان يقصد به إلى أكثر من ظاهره.
لقد رأينا - من خلال احتكاكنا بالمجتمعات الشيعية – أنهم حين ينسبون شخصاً ما إلى أمه، عادة ما يعبرون عن (نية غير صافية). بينما تجد النسبة في المجتمعات السنية لا تذهب ذلك المذهب. إنما سبب النسبة في العادة أمٌّ قوية الشخصية، اشتهرت في محيطها بأحد أسباب الشهرة المحمودة، كالعلم، أو الكرم، أو سداد الرأي، أو الشجاعة، وما إلى ذلك. وغاية ما يعنون بها هو أن المنسوب نتاج تربية امرأة، طلقها زوجها، أو مات عنها.
ولقد عايشت أهل الشام فرأيتهم يكثرون من الانتساب إلى الأم. ولا من أحد يخطر بباله تلك (النية غير الصافية). ويبدو أنه تقليد قديم لدى أهل الشام. فشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم نسب ونسبت عائلته إلى جدته (تيمية)، وصار يعرف بـ(ابن تيمية) ربما تأثراً بهذا التقليد.
لقد قام العلوي بإسقاط ما في بيئته ومجتمعه على بيئة غير بيئته ومجتمع غير مجتمعه، دون اعتبار للحيثيات المختلفة. وقام كذلك بإسقاط ما في نفسه،­­ والنفسية الشيعية غير الصافية على النفسية العربية البعيدة عن هذه القاذورات والأكدار. وما كان أغناه عن هذا الكلام المرذول، والتدسس بأنفه في هذا الوسط، لولا أن الطبع غلاب!
وللشيعة روايات سخيفة مطولة، وأشعار وتهاويل في الطعن بشرف تلك القمة السامقة في تاريخ العرب والإسلام. منها ما ذكره العلوي نفسه لاحقاً عن مرتضى العسكري معترضاً عليه حين قال (ص233): (يقول السيد العسكري: متى كان عمر بن الخطاب شريف بني عدي، أما نسبه ففي كتاب الدرر بإسناده عن الحسن بن محبوب عن ابن الزيات عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: كانت صهاك جارية لعبد المطلب. وكانت ذات عجز وكانت ترعى الإبل وكانت من الحبشة، وكانت تميل إلى النكاح، فنظر إليها نفيل جد عمر في مرعى الإبل فوقع عليها فحملت منه بأم الخطاب، فلما ولدتها خافت من أهلها فجعلتها في صوف وألقتها بين أحشام مكة فوجدها هشام بن المغيرة بن الوليد فحملها إلى منزله وسماها بحنتمة، وكانت شيمة العرب من يربى يتيماً يتخذه ولداًَ، فلما بلغت حنتمة نظر إليها الخطاب فمال إليها وخطبها من هشام، فتزوجها، فأولد منها عمر، وكان الخطاب أباه وجده وخاله وكانت حنتمة أمه وأخته وعمته). فهل هذا ما يرمي إليه معبراً عنه بـ(النية غير الصافية)؟
وقال أيضاً (ص10): (وعلى كراهة محيطنا ليزيد، فإن "العدو" الذي كان اسمه يتردد بكثرة، هو عمر.  فقد كنت أراه في ليلة محددة من كل عام شخصاً من سوقة المحلة، يجري خلفه الصبيان، وقد لفت بطنه بمخدة فوقها ثياب نسوية مما ترتديها الحامل، مصحوباً بزفّة من شعر الزجل الشعبي في يوم يسمى "فرحة الزهرة").
و"فرحة الزهرة" فلكلور شيعي يقيمونه مرة كل عام على الطريقة التي ذكرها العلوي آنفاً. والرجل الذي يظهر في صورة المرأة الحامل هو الفاروق عمر! تقول الأسطورة الشعبية الشيعية، والتي يرويها عوام الشيعة معتقدين بها: إن عمر قد حمل وولد بنتاً عقوبة له من الله على عدائه لأهل البيت. فلما سمعت به "الزهراء" ضحكت. ولم تك قد ضحكت منذ وفاة الرسول قط. وقد سجل الشيعة تاريخ تلك الضحكة، فهم يحتفلون به وبها كل عام.
أما العلوي فقد سجل هذه الأحدوثة تحت عنوان "السفر إلى ابن حنتمة"! فهل كان هو يعبّر عن (نيةٍ غير صافية) أيضاً عندما كناه بهذه الكنية، التي كثيراً ما يكنّيه بها في كتابه؟! أم هي ترسبات الطفولة في العقل الباطن، تفيض على لسانه ولو في صورة مغلفة؟!
وإذا كان يعترف صراحة، ويجزم بأن قريشاً (تعبّر عن نيةٍ غير صافية عندما تكنّيه بابن حنتمة بأحاديثها الخاصة)، فلماذا هو يستورد هذه الكنية المشحونة بتلك النية السيئة في أحاديثه العامة؟! أما كان الأولى به – بل الواجب في حقه – أن يضرب الذكر صفحاً عن تلك النسبة المرذولة، التي يعلم هو يقينا أنها قصة مختلقة، وليس لها سند تاريخي يعتد به، وأنها من افتراءات الشيعة والإخباريين الذين يأخذون بكل ما ورد دون فحص ولا تمحيص. ويربأ بالرجل - الذي يقول عنه: إنه يحبه ويثني عليه - أن يلصقها به ما دامت هي على تلك الصفة الرذيلة المنحولة؟!!! ويستعيض عنها بالنسبة الواضحة الصافية، (ابن الخطاب) مثلا
 
على طريقة الشيعة في التنقيص من عمر
وعلى طريقة الشيعة في اتهام عمر بالجهل، فيصنعون قصصاً يبرز فيها شخصان: أحدهما عمر يقف عاجزاً أمام مسائل عويصة أو بسيطة، والثاني علي يبعثه القدر منقذاً فيجيب - وبتمكن - عن تلك المسائل. وهنا ينطلق لسان عمر بعبارات محكمة الصنع من مثل: "لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو حسن" أو "لولا علي لهلك عمر". وهذا كله مصنع لغاية معلومة. لقد خصص دجال من وزن (عبد الحسين الأميني النجفي) مجلداً كاملاً من توليفه (الغدير في الكتاب والسنة والأدب) في محاولة بائسة منه إثبات جهل عمر الفاروق t ، وعدم صلاحيته للخلافة. ودليله حكايات وأقاصيص لا سند لها، سود بها كتابه تحت عنوان (نوادر الأثر في علم عمر)!
ويسلك العلوي الطريق نفسه فيقول (ص89): (وأوتي عمر بمجنونةٍ قد زنت فاستشار الناس فأمر بها أن ترجم لكن القدر أنقذها عندما مرّ بها الإمام علي بن أبي طالب، فقال: ارجعوا بها وقالَ لعمر أما علمت أن القلم قد رُفع، فذكر الحديث وفي أخره قال عمر بلى، فقال الإمام علي ما بال هذه تُرجم. فأرسلها وجعل عمر يُكبّر).
ولو عرضت هذه الواقعة المخترعة على طالب مبتدئ في طلب
العلم الشرعي لعلم أن القلم مرفوع عن هذه وأمثالها. فكيف بفاروق الأمة؟! وقد حرص واضع الرواية على أن عمر يعلم الحديث الوارد بهذا الشأن، وجعل علياً يستشكل هذا العلم مع هذا الحكم قائلاً: (ما بال هذه ترجم)!.
وفي الصفحة نفسها أورد الحكاية التالية قائلاً: (وتدخل الإمام علي مرةً أخرى فأنقذ متهمةً بالزنى كانت استسقت راعياً فأبى أن يسقيها إلاّ أن تمكنه من نفسها ففعلت، ورُفع أمرها إلى عمر فقال لعلي: ما ترى فيها يا أبا الحسن. قال الإمام: إنها مضطرة فأعطاها عمر شيئاً وتركها).
لقد كان المفترض في العلوي - لا سيما وهو يرفع لواء (المصالحة التاريخية) - أن يترفع عن التكثر بمثل هذه الخزعبلات التي يعلم أن قومه لا يوردونها إلا طعناً في عمر بن الخطاب، وتشكيكاً في علمه وكفاءته.
 
لا تاريخ لقوم عمر في ميدان الحروب
هذا وقد ردد العلوي أكثر من مرة وصف قوم عمر بأنهم لم يكن لهم دور كبير في الحروب . فقبل هذه المرة قال في (ص19): (كان
عمر في حي متواضع من أحياء قريش، ليس له تاريخ من الحروب).
وهذا يخالف الحقيقة التاريخية، والتي سجلها الأستاذ عباس العقاد
في كتابه (عبقرية عمر). من أن بني عدي قوم عمر كانوا أشد قريش بأساً في الحروب، حتى لقبوا بـ(لعقة الدم)! فهل العلوي جهل هذا؛ فقال ما قال دون قصد؟ أم هي الطبيعة الشيعية الملتوية غلبت عليه؛ فإذا به يتسلل متخفياً لينال من عمر، ولو عن طريق الإيحاء بأنه متحدر من قوم ليس لهم شأن في تاريخ الشجاعة والحروب؟ وهو ما سينسحب عليه بطبيعة الحال!
 
إنه ليهجر
وانظر إليه شيعياً محترفاً، يتقن استعمال الألفاظ الموهمة للوصول إلى ما يريد عن طريق الكناية والإيحاء، واستخدام ظلال العبارات والألفاظ، دون أن يترك أثراً مادياً يمكِّن الباحث في (كشف الدلالة) من تجريمه دون قيام شبهة معترضة! فانظر إليه كيف يقول (ص97): (وما الموقف في قول عمر في النبي (ص) حينما حضرته الوفاة وطلب أن تدون له وصية (انه ليهجر)؟).
وهي الفرية التي يدندن بها الشيعة ضد عمر، محاولين إلصاقها به، دون وجه حق. ولا أدري كيف يمكن لأحد أن يثني على شخص يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انه ليهجر) بالنص والمعنى الذي ذهب إليه العلوي؟!
 
خالد بن الوليد وقصة ابن نويرة
وها هو يحاول الروغان وراء العبارات ليؤكد التهمة التي يرددها الشيعة ضد سيف الله خالد بن الوليد، ويطعنون فيه بسببها طعناً مقذعاً، حين يجعل جميع المؤرخين قد اتفقوا عليها، سوى أصحاب "المنهج السلفي" ، على حد تعبيره. وهو استعمال شيعي منحاز يشي بتضعيف من ينسبهم إليه، ويعطي انطباعاً للقارئ أن التهمة ثابتة – أو ملتصقة كما يعبر العلوي - في حق ابن الوليد، ما دام لم ينكرها سوى هؤلاء (السلفيين)! ولا أدري من يقصد بهذا المصطلح. فيقول (ص91): (إن عمر بن الخطاب كان مصراً على معاقبة خالد بن الوليد المتهم بقتل مالك بن نويرة، لكن الخليفة أبو بكر رأى غير ذلك فقبل تبريراً لخالد لم يقبله عمر، ومازالت التهمة ملتصقة بابن الوليد في كتابات جميع المؤرخين عدا أصحاب المنهج السلفي).
والعلوي يعلم جيداً جداً أن قصة مالك بن نويرة لا تنتهي عند القتل، وإنما هي محملة بتهم شتى - لا سيما عند الشيعة - مثل القصد المبيت للقتل رغبة في الاستحواذ على زوجة مالك الجميلة، وقد كان خالد يحبها منذ أيام الجاهلية...إلخ من هذا الهذر والسخف الذي يرتاح لمثله الساقطون. فكيف يجيز العلوي لنفسه – والحال على هذي الحال – أن يقول: (ومازالت التهمة ملتصقة بابن الوليد في كتابات جميع المؤرخين عدا أصحاب المنهج السلفي)؟!
والكلام إن لم يكن فيه طعن صريح، ففيه – ولا شك – ريبة وظن سوء أمر الله تعالى باجتنابه، وإثارة غبار وشكوك. وفيه كذلك عدم ارتياح بيِّن لهذه الشخصية العظيمة إسلامياً وعربياً وعالمياً، ذات العبقرية العسكرية النادرة، التي تجاوزت البيئة المحلية، وخرجت إلى العالم. وكسرت أطواق الزمن، فكانت مَثَل الماضي والحاضر. فمن أين جاء عدم الارتياح هذا؟ ونحن لا نعرف غير العجم – ومن ورائهم الشيعة – يكرهون ابن الوليد الذي أباد أكثر من نصف قادة الفرس في معاركه التي حرر بها نصف العراق الغربي، وانتزع الحيرة من أيديهم لأول مرة منذ اثني عشر قرناً من الزمان، ممتدة إلى تاريخ سقوط بابل تحت سنابك خيل كورش الإخميني. لكن الأمة التي نامت، أو أنيمت قسراً طيلة هذه القرون استيقظت وتحررت على يد خالد العربي المسلم، الذي أطل بهامته وأمته من وراء سجف الغيب إلى شهادة وجود غربت فيه شمس الفرس المجوس، وخبت نارهم؛ فكيف يخمد حقد الفرس على مثله، ولا يتتبعون عثراته؟! فإن لم يجدوا اخترعوا وطبلوا، ومن خلفهم جموع الناعقين، من العجم والمستعجمين.
 
الفصل الثاني
­
الطعن المقذع في قريش
 
اتهام قريش بقتل عمر..!
وانظر إلى العلماني العلوي كيف يتهاوى إلى الدرك شيعياً، لا يرتفع عن مستوى أصغر (روزخون) يلبس السواد، ويمتهن النواح في حسينية قديمة تقع في أقصى تلك الدربونة أو الزقاق الضيق الملتوي، تفوح منه رائحة المياه الآسنة، وتتبعثر على أطرافه مخلفات الأطفال والبهائم. ذلك حين يتهم قريشاً بأنهم هم الذين تآمروا سراً على عمر، وبيتوا قتله، ونفذوه عن طريق غلام فارسي، إمعاناً في لفت الأنظار عنهم!!! ويكيل المدح لمخترع هذه الفكرة الجبارة، ويسميه (مؤرخ شيعي معتدل)!
هل تصدق؟!
لا؟
إذن اقرأ هذه السطور (ص282-283): (وسيكون الجريء والجديد معاً أن يتبنى مؤرخ شيعي معتدل ومحافظ هو السيد هاشم معروف الحسني النظرية القائلة بمسؤولية قريش في اغتيال عمر كما جاء في كتابه (سيرة الأئمة الاثنى عشر) مما يلزمه الاعتراف الضمني والرد الصريح على كتّاب القطيعة ومنهم الأستاذ المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب، وقد جعلوا عمر بن الخطاب رئيساً للتحالف القرشي ضد أهل البيت وزعيم المواجهة ضد النبي وواضع الأسس الأولى لإقامة الدولة الأموية).
تأمل وصف (المعتدل) الذي أضفاه العلوي على موضع الشاهد (هاشم معروف الحسني)! لتدرك معنى الاعتدال في تعريفه، ومن هم المعتدلون حسب رؤيته؟!
وهاشم (المعتدل) هذا له كتاب بعنوان (دراسات في الكافي للكليني والصحيح للبخاري)[1]، وقد حمله (اعتداله) على أن يطعن فيه بـ(صحيح البخاري)..! ويفضل عليه (كافي الكليني)!!
 
وقفة مع (المعتدلين) طبقاً لمفهوم العلوي
وإليكم مقتطفات سريعة مما جاء في هذا الكتاب:
قال (المؤرخ المعتدل) هاشم معروف الحسني في (ص68): "ومن المعلوم أن الذين عاصروا الرسول ورووا حديثه، بل وحتى الذين ناصروا دعوته، لم تتوفر في أكثرهم (!) تلك الصفات التي اشتملت عليها الآيات الكريمة، بل كان من بينهم المنافق والمتخاذل والمتستر بالإسلام خوفاً أو طمعاً، ومن ينتظر الفرص ويراقب الظروف ويهيء المناسبات ليقوم بدوره في وجه تلك الدعوة المباركة، ولو بالفتك بالرسول إذا اقتضى الأمر، كما أشار القرآن نفسه إلى ذلك في بعض آياته. هذا بالإضافة إلى أن المتتبع لسير الحوادث، وتاريخ الصحابة في حياة الرسول وبعد وفاته لا يرتاب في أن الذين عاصروا الرسول بل وحتى الذين كانوا ألصق به من جميع  الناس (!) لم يلتزموا سيرته وسنته وساقتهم، الأهواء إلى ممارسة ما استطاعوا من الملذات والشهوات. لقد أحبوا وكرهوا وخاصموا وانتقموا واستحل بعضهم دماء الآخرين في سبيل الجاه والسلطان. إن هؤلاء الذين ألبسوا جميع الصحابة ثياب القديسين وأعطوهم صفات الأنبياء، قد ناقضوا أنفسهم فصدقوا التاريخ فيما رواه من أعمالهم الطيبة ومواقفهم الخالدة، وكذبوه في غير ذلك من المرويات التي تصور لنا جشعهم وانهماكهم في المعاصي والمنكرات، مع العلم أن التاريخ الذي روى لنا محاسن أخبارهم، روى لنا سيئات أعمالهم بشكل أوثق وأقرب إلى منطق الأحداث التي توالت خلال تلك الفترة من تاريخهم المشحون بالأحداث والمتناقضات"!!!
ثم كر هاشم (المعتدل) بخنجر منطقه المشحون بالمتناقضات على الآيات الكريمة التي تثني على جمع الصحابة، فلم يترك واحدة منها إلا وصرفها عن موردها، وحصرها في مجموعة معدودة منهم، واقتصر بها على سبب نزولها دون عموم لفظها. علماً أنه لم يجرؤ على الإتيان بنص واحد لأي آية تناولها، وإنما اكتفى بالكلام عليها، وتأويلها على مراده. وما ذلك إلا خوفاً من رؤية صورتها، وارتعاباً من ظل حروفها التي تنادي عليه بالزيغ وابتغاء الفتنة. بينما تجده - في الوقت نفسه - لم يترك لنا آية في النفاق والمنافقين إلا وحملها على جمهور الصحابة، مستشهداً بنصها كما وردت في القرآن الكريم، دون الاكتفاء بشرحها كما فعل مع آيات الثناء!
انظر إليه كيف مزق هذه الآية الكريمة: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال:74)، التي تصرح - بلا أدنى شبهة - بصدق إيمان عامة المهاجرين والأنصار، وكيف تلاعب بمعناها ليتوصل إلى مراده من الطعن في الصحابة فقال (ص69-70): "والآية الثالثة نزلت فيمن هاجر من مكة إلى المدينة، بعد أن هاجر الرسول إليها، لأنهم هاجروا من ديارهم وأوطانهم في مكة ولحقوا بالرسول (ص) إلى المدينة، كما مدح من آواهم ونصر الرسول، ووصفهم بأنهم المؤمنون حقاً. ولا يعارض أحد من المسلمين في أن أولئك بهجرتهم، وهؤلاء بنصرتهم وتضحياتهم وإيثارهم على أنفسهم من المرضيين عند الله سبحانه بالنسبة إلى هذا الموقف الذي وقفوه مع الرسول (ص). وهذا لا يمنع من صدور المخالفات الكثيرة من بعضهم التي توجب وصفهم بالنفاق أو الارتداد كما نصت على ذلك بعض المرويات. على أن الصفات التي اشتملت عليها الآية لم تتوفر في جميع الصحابة كي تثبت لهم العدالة التي يدعيها الجمهور"!!!
وقال (ص73،74): "وقلما تخلو سورة من سور القرآن من التشهير بهم والتحذير من دسائسهم. وسميت سورة التوبة بالفاضحة كما جاء عن عبد الله بن عباس لأنها فضحتهم وكشفت عن واقعهم. وجاء عنه أنه قال: ما زال القرآن ينزل بالمنافقين حتى خشينا أن لا يبقى أحد أمين من الصحابة... ويستفاد من مجموع ذلك أن النفاق كان متفشياً بين الصحابة". وقال (ص74) في قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) (التوبة:58): "وجاء عن أبي عبد الله الصادق (ع) أن المعنيين بهذه الآية أكثر من ثلثي الناس ممن كانوا في عصر الرسول".
ولم  يكتف هذا (المؤرخ المعتدل) - حسب مقياس العلوي في الاعتدال – بهذا حتى تفتق ذهنه عن نظرية جديدة، هي أن الآيات إنما شهرت بالمنافقين – الذين هم أكثر الصحابة – الذين كانوا على عهد الرسول e ، بينما الأحاديث أضافت إلى هذا الكم إضافة أخرى تمثلت في الارتداد بعد وفاته e ! فكم بقي من الصحابة على الإسلام طبقاً لرأي هؤلاء (المعتدلين)؟ فيقول (ص82): "والجدير بالذكر أن هذه المرويات لم تتعرض للمنافقين والمتآمرين في عهد الرسول (ص)... بل تعرضت لأصحابه من بعده وما سينتهي إليه أمرهم من حيث خروجهم عن الجادة والمخطط الذي وضعه لهم، وهي تصرح بأنهم سيرتدون من بعده ويرجعون على أعقابهم إلى الوراء، أي ما يشبه حالتهم قبل الإسلام. وبذلك تكون أضافت إلى المجموعة التي تعرضت لها سورة التوبة وغيرها من سور القرآن وآياته. وبضميمة الذين وصفهم بالارتداد إلى الفئة الأولى ينتج أن أكثر الصحابة قد خالفوا الرسول ولم يتبعوا سنته وسيرته. ومع ذلك فالجمهور من السنة يقفون منهم موقف المغالي، ويصفونهم بالعدالة والاستقامة، والرسول يصفهم بالارتداد، ويقول: (لا ينجو منهم إلا مثل همل النعم)". وفسر اللفظ في (ص81) بقوله في الحاشية: "والمراد من ذلك أنه لا يخلص من النار إلا القليل".
ولم يذهب هذا كله غيظه حتى صار يمزق الصحابة واحداً واحداً، وبأسمائهم! ومن تردد عن ذكره بالاسم أشار إليه إشارة واضحة، كما قال عن ابن الوليد t (ص84): "وفيهم من قتل مالك ابن نويرة وعشيرته، ودخل بزوجته ساعة قتله؛ لأنه امتنع من تسليم الزكاة لغير الحاكم الشرعي[2]...".
حتى قال (ص85): "وأي غدر أعظم من الفتنة التي أثارتها عائشة وزميلاها طلحة والزبير..."! هل رأيت كيف عبر هذا الدعيّ عن علاقة أمنا عائشة رضي الله عنها بالصحابيين الجليلين: (زميلاها)؟!!! أهكذا الأدب مع أم المؤمنين زوجة الرسول e ؟!! وهل أدركت ما يرمي إليه بهذا الكلمة؟! (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) (النور:16)! (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً) (مريم:90)!
وأما عمرو بن العاص t فقد قال عنه (ص92): "قال ذلك ابن النابغة وهو على فراش الموت حيث لا يجديه الندم، ولا تنفعه التوبة... تسعون عاماً قضاها ابن النابغة بين الكفر والإسلام المزيف، لم يخالط الإيمان قلبه، ولم ينحرف عن الباطل طرفة عين أبداً..."!
هل تعلم ما معنى (ابن النابغة)؟ 
أيقال هذا عن فاتح فلسطين ومصر؟
وعمن قال عنه رسول الله e : (أسلم الناس وآمن عمرو)[3] ؟!
أين هاشم هذا من أبناء النابغات من عماته وخالاته في إصطخر وخراسان؟! ماذا فتحوا لنا من بلاد؟! وردوا عنا من عاديات؟! هلا تحدث لنا ابن النابغة عن ابن عمته ابن العلقمي، وزميله الطوسي مثلاً!
لا أريد الاستمرار في إيراد الشواهد عن طعنه في أصحاب نبينا، وصناديد قومنا، وأبطال تاريخنا، فذلك يحتاج إلى مؤلف بحاله! ولكن أختم كلامي بملخص طعنه في (صحيح البخاري). إنه يأتي بالمطاعن التي وجهت لكافي الكليني، ليقلبها رامياً بها (صحيح البخاري). وهذا شاهد واحد على ذلك في (ص353): "ومهما كان الحال فروايات التحريف رواها بعض محدثي الشيعة كالكليني وغيره، ورواها أهل السنة في صحاحهم كالبخاري ومسلم وغيرهما. وهي عند السنة أكثر منها عند الشيعة، وبشكل أبشع وأسوأ أثراً مما رواه محدثو الشيعة. والذين آمنوا بها من السنة لا يقلون عمن آمن بها من الشيعة... إلخ " من هذا الهذر والهذيان والسفسان.
هذا هو (الاعتدال) الذي يقصدونه! وهؤلاء هم رموز (الاعتدال) الذين يعدوننا بهم! وعلى هذا فَقِسْ..! 
 
عودة إلى موضوع اتهام قريش بقتل عمر
ويتفتق ذهن العلوي عن (فائدة) لا تقدر بثمن لهذا التفسير الشيعي المنحرف حين يكمل فيقول:( إن معنى اتهام قريش بقتل عمر أو المشاركة في اغتياله أن الخليفة كان على نهج آخر غير نهجها، فيسقط منهج التسويغ الفقهي لإدانة عمر، وكأنه اعتراف بمحمديته في مواجهة قريش، وعدالته وصدق المروي عنه في كتب التاريخ وضعف القائلين بالقطيعة، وكانت قريش التي قتلت الحسين بفرعها الأموي، هي ذاتها التي قتلت قبله عمر بن الخطاب، فكيف سيواجه المؤرخ الشيعي هذا الإشكال؟).
هكذا إذن! وكأن التاريخ تكتبه المصالح والأهواء والنزوات، وليس هو مرآة عاكسة لما يحدث، بصرف النظر عما يرضينا ويغضبنا! فمن أجل تخليص عمر من قبضة ما يسميه بـ(منهج التسويغ الفقهي) القاضي بإدانته، إذن نتهم قريشاً بأي تهمة، حتى لو كانت من هذا العيار الشعوبي! فلنتهمها بأنها هي التي كانت وراء قتل عمر، عندها يكون عمر على غير نهجها، وخارج صفها!
أهذا منطق علمي؟!
إن هذه الأقاويل يمكن أن يتحدث العوام بها في المقاهي، ولكنها غير جديرة أن تطرح على بساط البحث العلمي. هكذا وصفت يا علوي (ص259) من (ذهب إلى القول بأن عمر لم يتزوج ابنة علي بالذات، إنما تزوج امرأة من الجن على صورتها بينما كانت ابنة علي لا تزال في بيت أبيها عذراء). وأقاويلك هذه لا ترتفع عن هذا الوصف! أضف إليه ذلك الزقاق.
ويظل صاحبنا يشقق في هذا الموضوع، ويأتي بحجج القائلين بتهمة قريش، ويفسرها ويسندها بما يتلائم وتلك الحجج. رغم أنه ينتبه لنفسه أحياناً، فيحاول التستر بمثل قوله (ص280): (لا مجال مع ذلك لأي قدر من الجزم بنتيجة قاطعة). ولكنه يترك أمر الجزم للقارئ، ويدفعه إلى ذلك دفعاً، بكثرة إيراده للشبه، وإتيانه بما يسند التهمة!
 
لا تغتر..! إنه المنهج الحلزوني الشيعي
وقد تغتر بقوله (ص278-279): (وأغلب الظن عندنا أن اغتيال عمر يرتبط بحركة فارسية مضادة بدأت عام 21 للهجرة، بانتفاضات في نهاوند واصطخر ومناطق أخرى نجح فيها الفرس من إخراج الإدارة العربية، فاضطر عمر بن الخطاب إلى إعادة فتحها، وبقيت مناطق قلقة، ولم يمض على الوجود العربي سوى ثلاثة أعوام في بعض المناطق، وعام في مدن أخرى، وهي مدة غير كافية لتثبيت الاستقرار وقد تركت مدن كثيرة على مجوسيتها مقابل دفع الجزية).
فاعلم أنه إنما قاله اتباعاً للمنهج الحلزوني الشيعي - كما يسميه المرحوم الأستاذ محمود الملاح – ذلك المنهج الذي به يحاول الشيعي أن لا يعطي للغير فرصة الإمساك به متلبساً بالجريمة. وانظر كيف يتناقض بعدها  بقليل فيرجح العكس، ولكن على لسان هاشم معروف الحسني. الذي يسميه بالمؤرخ المعتدل!
وفي الصفحة التي بعدها نفسها لم يتردد عن أن يقول: (الواقع أن علياً وعمر وأبا بكر كانوا من حزب واحد، وهو حزب الثورة المحمدية. ولهذا وجدناهم يناوئون قريشاً ويفضلون عليها سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي).
ومتى كان عمر وعلي مناوئين لقريش، ومتى كانا في حزب وقريش من حزب آخر؟! فمن أي حزب إذن كانت قريش؟
انظر كيف أبعد العلوي – بكل ما يملك من حس قومي أو عروبي! – قريشاً العربية عن الحزب المحمدي، واستبدل بها فيه أشخاصاً قرنهم بألقابهم غير العربية. وكأني أتحسس رغبة شعوبية عارمة، تستبطن اللاوعي، في أن يحتكر غير العرب الحزب المحمدي!
ثم أليست قريش قوم النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومنهم خرج خيرة حملة رسالة الأمة؟ وهم قوم علي، الذي ينتسب إليه وإليهم العلوي!
هل يسهل التصديق بصحة نسبة شخص إلى قبيلة أو قوم، يتقبل الطعن فيهم والتشهير بهم؟ بل هو الذي يتولى نشره والترويج له!
ولي أن أصور حجم النقيصة على حقيقتها: قوم عايشوا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم، والوحي ينزل بين ظهرانيهم، وخوارق العادات يرونها بأعينهم، وما زادهم دينه إلا عزة ورفعة.. كل هذا لم ينفع معهم! لم يغير من أخلاقهم، ولم يحملهم على أن يدخلوا الدين صدقاً، وتظل نوازع الجاهلية تراودهم حتى يرتكبوا هذه الفعلة الشنيعة!
من أي جنس من البشر هؤلاء؟!!!

هم يقولون لا أنا: قريش تغتال عمر
ويسترسل العلوي في تهويماته فينقل نصاً مطولاًً (شهادة لمؤرخ شيعي معتدل) كما يسميه هو هاشم معروف الحسني، موقعاً عليه ومؤيداً قائلاً (ص283-284): (إن المؤرخين القدامى والمحدثين يروون قصة وفاة عمر بن الخطاب ولا يقفون عند أسبابها وملابساتها، بينما يحاول بعض المتأخرين من الكتاب أن يضعوا حولها أكثر من علامة استفهام ولكن بتحفظ لعدم توفر الأدلة المادية على التآمر والتخطيط لاغتياله.
وعندما يعود الباحث إلى الأسباب التي أدت للحادث، لا يجد عند المؤرخين سبباً سوى ما يدعونه من أن الخليفة لم يتجاوب مع أبي لؤلؤة في تخفيض الضريبة بعد أن عرف منه أنه يتقن أكثر من صنعة، وهذا السبب بنظري بعيد للغاية، إذا كان للضريبة من تأثير على حياة العبد من الناحية الاقتصادية فمن اللازم أن يحقد على مولاه وينتقم لنفسه منه، لأن الضريبة تعود لصالح المغيرة مولاه ولا شأن للخليفة بها ولا هي تعود إلى بيت المال ليكون الأمر منها إلى الخليفة نفسه، لذلك فإني أرجح أن تكون أسباب الجريمة أبعد من ذلك، ومن غير المستبعد أن تكون داخلية ومن صنع أولئك الذين ضيق عليهم عمر بن الخطاب، ولم تتسع صدورهم لحزمه وصلابته ورقابته الدائمة لجميع تصرفاتهم، وكان يتظاهر في الشطر الأخير من حياته بالتقشف والعطف على الفقراء والصراحة في محاسبة ولاته، على ما كان يبدر منهم من التصرفات مما يتيح لمحبيه أن يطروه بالعدل ويضربوا الأمثال بعدله، وبلغ من السطوة والهيبة حتى دانت له رقاع واسعة من الأمصار، كان من في أقصاها يخاف درته، وهو في الحجاز، ولقد قال عمرو بن العاص يوماً: لعن الله زماناً صرت فيه عاملاً لعمر بن الخطاب، والله لقد رأيته وأباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية لا تتجاوز ركبتيه وعلى عنقه حزمة حطب، ورأيت العاص بن وائل في مزرارة الديباج، كما كان المغيرة يحقد عليه أيضاً لأنه عزله عن البصرة بعد اتهامه بالزنا وشهود الثلاثة عليه، وقد درأ الحد عنه لأن الشاهد الرابع زياد بن عبيد لم يكن صريحاً في شهادته، وكان كلما رآه بعد ذلك يقول له: كلما رأيتك خفت أن يرجمني الله بحجارة من السماء.
على أن رواية عبد الرحمن بن أبي بكر تدل على اشتراك جفينة غلام سعد بن أبي وقاص في الجريمة، وسعد بن أبي وقاص لم يكن على صلة حسنة بابن الخطاب، هذا بالإضافة إلى نبوءة كعب الأحبار بالجريمة قبل وقوعها، وكعب هذا كان على صلة متينة بالمغيرة بن شعبة وجميع المنافقين الذين لا يهمهم إلا الهدم والتخريب. وما كان لعبد مملوك في تلك الفترة من تاريخ المسلمين أن يقدم على جريمة من هذا النوع تهز الدولة التي دانت لها  رقاع واسعة من الأمصار، لمجرد أنه لم يتوسط له من مولاه بتخفيض الضريبة عنه، كما يدعي المؤرخون، ولم يكن ذلك إلا نتيجة لعمل مدروس ومتفق عليه بين هؤلاء الذين ثقل  عليهم وجود الخليفة، وكانوا يضمرون له العداء والكراهية وكان هو بدوره يفاجئهم بما يسيء إليهم.
إن أبا سفيان استطال حياة عمر بن الخطاب وخاف أن تتطور الأمور لغير صالحهم لا سيما بعد المصاهرة التي تمت بين علي (ع) وعمر بن الخطاب، وبعد التصريحات التي كان يعلنها ابن الخطاب في مجالسه، وفي محاوراته بحق علي بن أبي طالب كما ذكرنا بعضها، وقوله: حق لمثله أن يتيه والله لولا سيفه لما قام عمود الإسلام، وهو أقضي الأمة وذو سابقتها وشرفها، وقوله: إن وليها حملهم على كتاب الله وسنة رسوله وقوله لأمير المؤمنين: أما والله لقد أرادك الحق ولكن أبى قومك، إلى غير ذلك من تصريحاته التي تركت عامة الناس يظنون أنها لن تعدوه، وبلا شك فإن الحزب الأموي كان من أبرز العاملين في هذا الاتجاه وذلك كله يؤكد بأن اغتيال عمر بن الخطاب كان نتيجة مؤامرة مدروسة)!!!
هذا هو (المؤرخ المعتدل) عند العلوي! يصف كبار الصحابة، ومؤسسي دولة الإسلام والعروبة بالنفاق! ويصرف المؤامرة الفارسية بقتل عمر بن الخطاب إلى قريش العربية! ويشير بالتهمة إلى سعد بن أبي وقاص بطل القادسية ومحرر العراق، وعمرو بن العاص فاتح مصر ومحرر فلسطين! والمغيرة بن شعبة مذل أنوف الفرس في القادسية وفتوح العراق، ويقرنه (بالمنافقين الذين لا يهمهم إلا الهدم والتخريب)!. ولم يسلم من الطعن حتى عمر بن الخطاب الذي وصفه النص
هل لاحظت كم صحابياً طعن العلوي في هذا المقطع المنقول؟! وأي تهمة رماهم بها؟! وبطريقة حلزونية فهو يرمي بالتهمة، ويتملص من تبعتها متبعاً طريقة النقل عن الغير، ثم ترك المنقول يؤدي بالقارئ إلى الغاية المطلوبة من توجيه الاتهام، وإثارة الشكوك. دون أن يقوم بالرد لتبديد تلك الآثار السيئة في نفس القارئ. بل هو يمنح هذا الهراء صك التصديق حين يورده تحت عنوان كبير هو (شهادة مؤرخ شيعي معتدل)!!!
كل هذا، ويريد العلوي منا أن لا نتهم الشيعة بالعجمة.. والولاء للفرس.. والانتماء لإيران!
إن جميع ما ورد في النص السابق من طعون في الصحابة، وأقوال نسبت إليهم مثل أن عمرو بن العاص قال: (لعن الله زماناً صرت فيه عاملاً لعمر بن الخطاب، والله لقد رأيته وأباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية لا تتجاوز ركبتيه وعلى عنقه حزمة حطب، ورأيت العاص بن وائل في مزرارة الديباج). أو أن (المغيرة يحقد على عمر لأنه عزله عن البصرة بعد اتهامه بالزنا، وكان عمر كلما رآه بعد ذلك يقول له: كلما رأيتك خفت أن يرجمني الله بحجارة من السماء). أو أن (سعد بن أبي وقاص لم يكن على صلة حسنة بابن الخطاب)... إلخ. كل هذا من افتراءات الشعوبيين، الذين أكل جرب الحقد أكبادهم، فلم يكن لهم من متنفس سوى صناعة هذه الأكاذيب، ورمي من أزال ملكهم ودمر سلطان شياطينهم بها.
 
قريس تُسلم زوراً.. والمجوس صدقاً وإيماناً
قريش تدخل في الإسلام زوراً وكذباً، وظلت في الجهة المواجهة لنهج محمد وعمر! أما المجوس فدخلوا فيه عن (قناعة وإيمان)! كما مر بنا قبل صفحات أنه قال (ص158) عن عمر: (وترك المجوسيين على مجوسيتهم إلى إن أسلموا عن قناعة وإيمان).
ويظل العلوي إلى النهاية يشكك في صدق إسلام قريش، ولا يترك مناسبة يجدد فيها هذا التشكيك إلا اقتنصها! حتى قال (ص260) : (وهم إذن يختلفون عن أولئك الناس الذين دخلوا الإسلام بعد الفتح وكان كثير منهم منافقين، حيث أسلموا رهبة أو رغبة).
أحقاً أنت علوي يا علوي؟!
ولا أراك إلا مدافعاً عن الفرس، ومتستراً عليهم حين برأتهم من قتل فاروق الأمة، بأن جعلت فيروز الفارسي مجرد أداة منفذة بيد خيرة العرب قريش!
فأين العروبة التي تدعيها؟
وهنا أقول: أهذه هي المصالحة التاريخية التي يريدها العلوي أساساً للمصالحة الاجتماعية؟
طهر يدك من القذى قبل أن تمسح بها على جروح المساكين.
 
 
الفصل الثالث
 
الطعن في تاريخ الأمويين
 
إذا تجاوزنا الطعن المبطن بعمر بن الخطاب وبقية الأصحاب، والطعن الصريح بقريش، والإساءة إلى تاريخ أهل السنة في القديم والحديث، وعدنا نتأمل نظرة العلوي إلى الأمويين! أصحاب الدولة العربية الناصعة العروبة. هذا عدا إسلامية الدولة في زمن خير القرون. إن كل عروبي يعتز بتاريخ الأمويين الذين ضربوا المثال الواضح في القدرة على تسيير دفة الحكم، وبناء الدولة على الأسس الحضارية والمدنية. وعن طريقهم في الأندلس انتقلت الحضارة إلى الغرب. ولا يطعن من (القوميين) فيهم إلا إذا كان فيه لوثة شعوبية، أو كان شعوبياً يتلصص تحت ثوب العروبة.
فكيف يجمع العلوي بين (عروبيته) و(حياديته) وبين قوله (ص182): (دجج العلماء والمثقفون الصفويون القائلون بروح القطيعة الصارمة والأبدية، فنشروا المرويات الغريبة وأشاعوا الضعيف من الأسانيد. وكأنهم يستعيدون مرحلة مرت في التاريخ الإسلامي كانت الدولة الأموية تشتط بعيداً في هذا الاتجاه، وكأن التاريخ لا يبدو حيوياً إلا بتوازن السوء فينشأ تشيع صفوي وتسنن أموي)؟.
نظرية (التسنن الأموي)
ماذا يقصد العلوي بـ(التسنن الأُموي)؟ ما هي ملامحه؟ وأين نجده على الواقع؟ بينوه لنا كما بينا مقصودنا بـ(التشيع الصفوي)، وحددنا ملامحه، وأهله وتاريخه وجغرافيته.
لعلنا نقف على بعض معالم هذا المصطلح في قوله (ص219): (إن المصري لا يحتاج إلى التشيع حتى يحب أهل البيت أو يكتب عنهم. والمدرسة المصرية سنية إلى نهاية عصر الراشدين. فتتوقف عن مواصلة التسنن الأموي الشائع حاليا في البلدان العربية الإسلامية).
هل يقصد أن المصريين كانوا على التسنن الأموي حتى نهاية العصر الراشدي؟ ثم انصلحوا فكان لهم تشيعهم البعيد عن اليد الأموية؟ إذا كان هذا ما يقصده - وهو ما يظهر لي من كلماته - فهذه شهادة غير مقصودة - وأقولها من باب (من فمك أدينك) – على صحة ما يسميه بـ(التسنن الأموي)؛ لأنك إذا أردت أن تتعرف على الدين بصفائه ونقائه، فتعرف على دين تلك الفترة التي هي خير فترة مرت بها الأمة.
أرادها قدحاً، فخرجت مدحاً!
 
تسنن أهل السنة أموي
ولقد اتهم العلوي في المقطع السابق جمهور أهل السنة اليوم، ووصف تسننهم بـ(التسنن الأموي)! فمذهب أهل السنة الذي عليه جمهور المسلمين في البلدان العربية والإسلامية اليوم متهم، غير معترف به عنده!
ويقولها بعبارة واضحة لم يترك لها مجالاً لاعتذار أو تفسير!
هل تخدم هذه الأفكار المأزومة مشروع المصالحة، أم منهج القطيعة؟ وهل يصلح صاحبها داعية لمشروع تصالح اجتماعي؟
أما هذا المصطلح المخترع (التسنن الأموي) فما هو إلا مصطلح شيعي صفوي. يقصدون به المواجهة بالمثل. لقد قلت: (تشيع صفوي)؛ فلنقل في مقابله: (تسنن أموي) على قاعدة (الهجوم خير وسيلة للدفاع). ويرمون به أصحاب العقيدة الصافية السليمة، أولئك الذين لا تدفعهم عواطفهم أو نزواتهم إلى التسرع في قراءة التاريخ، فيبادرون إلى تجريم هذا الطرف نصرة لطرف آخر، أو تقديس طرف على حساب طرف. إنهم أولئك الذين يدعون إلى قراءة متأنية منصفة، تحترم الجميع، ولا تقدس أحداً.
إن هذا النهج العلمي لا يروق لأصحاب النظرة العصموية، أو النظرة التقديسية.. الذين تأخذ الأمور لديهم منحى متخشباً، يقوم على التنزيه المسبق، أو التجريم المسبق. أما الحدث نفسه فيأتي ويكتب ويفسر طبقاً لقرارات اتخذت قبل انعقاد المحكمة.
 
المؤرخ قاضي
إن المؤرخ قاضي. والقاضي محايد. لا ينظر إلى منزلة أحد أو لقبه. وهو فوق الجميع. حتى إذا خرج من دائرة التاريخ، فقد خرج من قاعة الحكم، وعادت الأمور إلى طبيعتها. يجلس الأمير أمام القاضي على حد سواء مع البقال. والقول الفصل هنا للقاضي لا للأمير. فإذا انتهت المحاكمة، وخرجوا من القاعة عاد الأمير أميراً، والقاضي رعية.
وكذلك المؤرخ.
الصحابي حين ننظر إليه من خلال دائرة الفقه والمنزلة الدينية له حكم معروف. لكننا حين ندخل دائرة التاريخ، ونقرأ حدثاً أو خصومة بين اثنين أو فريقين من الصحابة، هنا يختلف الأمر. نحن الآن في قاعة.... محكمة! والمتكلم قاضي. والقاضي محايد لا ينحاز، فلا يبرئ أحداً بحكم مسبق، ولا يجرم كذلك.
يروى أنا سيدنا عمر رضي الله عنه اختصم لدى شريح القاضي مع يهودي. وحين خاطبه القاضي بكنيته دون خصمه الذي ناداه باسمه، تغير وجه عمر لذلك. وبعد انتهاء الجلسة بيّن للقاضي أن هذا لا يجوز، وأنه نوع من الجور قد ارتكبه، وعليه أن يستغفر منه. والقصة نفسها تروى عن سيدنا علي رضي الله عنه أيضاً.
لقد عشنا حتى رأينا من لا يرضى أن نقرأ التاريخ هذه القراءة العلمية المنصفة. لا يرضى بأن نكني فريقاً دون فريق فحسب، حتى نضيف إلى الكنية ألقاب التقديس لطرف، وأوصاف التدنيس، وكلمات اللعن والغضب والإجرام للطرف الآخر. هذا ونحن داخل حرم محكمة التاريخ، ولسنا في دائرة الفقه..!!! وإلا فنحن أهل (تسنن أموي)!
اشتطاط الأمويين في القطيعة واختلاق المرويات الضعيفة
ثم في أي اتجاه اشتط الأمويون بعيداً كما يدّعي العلوي؟ عندما نستعيد قراءة النص السابق جيداً، نجد الاتجاه المقصود يأخذ منحيين: منحى (روح القطيعة الصارمة والأبدية). ومنحى (نشر المرويات الغريبة وأشاعة الضعيف من الأسانيد).
وكلا المنحيين دعوى من دعاوى (التشيع الصفوي).
إن الحوادث المؤسفة التي وقعت في صدر دولة الإسلام، هي حوادث طبيعية تحدث في كل الأمم، تقتضيها طبيعة الدولة، والأفراد: حاكمين ومحكومين: متطلعين إلى الحكم والمنافسة عليه – دون الدخول في النوايا والخبايا – أو راضين به مستسلمين. لكن هل كانت هذه الحوادث تمثل اللون الطاغي الذي صبغ الأحداث والعلاقات بصبغته طيلة القرن الأموي؟
أبداً.. اللهم إلا عند من ينظر إلى تاريخ أمته نظرة سوداوية؛ طبقاً لمزاجه، أو حاكمية مذهبه. كما هو الشأن عند الشيعة.
وقد حكم الأمويون حوالي قرن من الزمان في الشرق، وثمانية قرون في الغرب، فلم يعرف أنهم شجعوا كاتباً في تشويه سيرة خصومهم، ولم يؤثر تأليف مثله طيلة تلك العصور المتطاولة!!
يقول الأستاذ محمود الملاح: (والأمويون لما استقلوا في الغرب بعد نكبتهم في الشرق لم يستجيزوا ان يؤلف لهم كتاب في ذم خصومهم ولم يشجعوا نحلة أُموية مع تمكنهم. بل كانوا على رأي جمهور الأمة في علي وأولاده، فكانوا أطهر ساحة من العباسيين المتلونين .. فلا اعتزال ولا رفض ولا نصب)[4].
على عكس الشيعة الذين ملأوا الآفاق كذباً وتشويهاً، ليس لخصومهم فحسب، بل لتاريخ الأمة بأجمعها! ومع كل هذا يستطيلون بألسنتهم، ويسقطون عيوبهم على غيرهم.
 
القطيعة لم تكن إلا في أذهان المنقطعين
نعم.. حدثت القطيعة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما أربع سنوات. لكنها انتهت بعد ذلك لتعود العلاقة بين الحسن والحسين ومحمد أخيهما، وبقية البيت العلوي مع معاوية رائقة حسنة عشرين عاماً، كانوا فيها رائحين غادين بين الحجاز والشام.
وعلى مدى تسعين عاماً حدثت حوادث قليلة مثل خروج الحسين، وزيد. لكنها لم تمثل نهاية الدنيا، ولم يتبدل بها وجه التاريخ. والدليل قائمة المصاهرات بين البيت العلوي والبيت الأموي، التي سجلت علاقة طيبة مستمرة رغم تلك الحوادث. وهي حين تتتبعها تجدها كثيرة، رغم قلة عدد بيوت آل أمية وآل علي في تلك الفترة[5]. ما يدل على قوة النسيج الاجتماعي، وتشابك الوشائج الرابطة بينهم. أما حوادث الخروج العسكري فلم تكن تمثل التوجه العام لذلك المجتمع الصغير، الذي بقيت رابطة العمومة والدين تشده إلى بعضه. وما تلك الخروجات – إذا وضعنا في المعادلة طبيعة البشر والمجتمع البشري - إلا إفرازات تلقائية لحركة الحياة، مثلت موقفاً شخصياً لبعض الأفراد الذين كان لهم طموح سياسي مبرر أو غير مبرر، لم يتعد بتأثيره كثيراً إلى داخل لحمة المجتمع. قتل محمد بن طلحة بن عبيد الله في معركة الجمل، على يد الجيش الذي يقوده علي. وكذلك قتل طلحة أبوه! ولكن ما إن انقضت عدة زوجة محمد بن طلحة حتى رأيناها في بيت الحسن بن علي، الذي كان أحد المقاتلين في المعركة إلى جانب أبيه ضد محمد وأبيه!
ماذا تعمل هناك؟... لقد صارت زوجة للحسن!
ماذا يعني هذا؟
يعني أن الصراع ظل محصوراً في دائرته، ولم يتعدها إلى دائرة المجتمع، حتى عند الذين اشتركوا اشتراكاً فعلياً فيه. فتضخيم الأمر، وإعطاؤه أوصافاً وألقاباً خارجة عن كينونته، مثل القول بأنه صراع هاشمي أموي، من تخليطات عقل القطيعة الشيعي، الذي يستمد عناصره من نفسية معقدة تملي عليه ما يناسبها من قول وفكر. وهو ما عليه العلوي.
 
الصراع سياسي لا اجتماعي
الصراع كان سياسياً إذن، محوره السلطة. وليس اجتماعياً أو قبلياً. ولذلك تحول الصراع بعد زوال الأمويين إلى صراع داخل البيت الهاشمي نفسه، بين العلويين الطامحين والعباسيين المستأثرين. والعلوي نفسه يقول في كتابه (دماء على نهر الكرخا ص55-56): (ونستعرض المآسي العلوية التي تمت بأيدي أو على مسامع ومرأى الوزراء الفرس في العصر العباسي، لعلها تنهض دليلاً على أن الفرس استتروا وراء الإمام علي (ع) وآله الطيبين لتحقيق مآرب أخرى على رأسها الوصول إلى السلطة، وانتزاع القيادة العربية بأي شكل. لقد استثمر الفرس أخطاء الأمويين  للتنكيل بهم عن طريق قميص علي (ع) وأولاده البررة، وركزوا على هذا الجانب فابتدعوا الاحتفال بشهيد كربلاء عليه السلام ومن استشهد معه خلال العهد الأموي. وهم - كما أحصيناهم من خلال كتاب مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني – (36) قائداً قتلوا ما بين عامي (40-132) للهجرة. وقد طور الصفويون الاحتفالات الحسينية بإضافة مواكب العزاء والندب والنوح الجماعي. وهذه تشمل قتلى العلويين في الدولة الأموية فقط، دون الاحتفال بمن قتل منهم في العصر العباسي، وهو (170) قائداً استشهد ما بين عامي (140-313 الهجرية)... إن العمامة الفارسية تسكت عن هذه المآسي العلوية لأنها تكشف هوية المشرفين عليها، وهم الوزراء والقادة الفرس في الدولة العباسية الذين تسللوا إلى قصور الخلافة العباسية).
وهذا ما نقوله نحن. لكن العلوي ينقلب على عقبيه بعد ربع قرن ليعود شيعياً جلداً يقول غير هذا. بل يتهم قريشاً بالتخطيط لقتل عمر! فهل قال هذا من أجل أن لا تكشف هوية المخططين والمشرفين الحقيقيين على المؤامرة؟ وهل كان كلامه القديم مجاملة للسلطة القومية التي كان مقرباً منها؟ أم الأمر كما يقال: مهما ابتعد الطائر فلا بد أن يرجع إلى عشه.
 
طبيعة الحكم
ثم أن الأمويين كانوا يمسكون بزمام الحكم. ومن طبيعة الحكم – مهما كان – أن لا يسمح لأحد بالخروج المسلح عليه. لقد خرج طلحة والزبير - وهما خير من الحسين، وأقدم سابقة – على علي، فماذا كان مصيرهما؟ هل قال علي: هذان حواريا رسول الله، ومن المبشرين بالجنة، وأقدم مني بذلاً وتضحية في سبيل الله، ثم تقدم منهما يحمل إكليلاً من الورود، ليضعه أمامهما في احتفال عسكري!
هذه – أيها السادة! - هي طبيعة الحكم التي لا شذوذ لها. فإن كان الحسين قد خرج على الحاكم، أو فعلها زيد، فالقطيعة – إن كانت – لم تكن بدايتها من الأمويين. بل من العلويين يا علوي! وديننا لا يسمح بالخروج على الحاكم لأخطاء يرتكبها؛ لأن ديننا حكيم، يعلم مآلات الأمور وعواقبها. وقد خرجتم على الحاكم، فماذا كانت النتيجة؟ وها أنت بعد وقوع الكارثة تتنصل منها، وتنسحب بهدوء لتجلس على التل، وتنصب من نفسك حكيماً، ينظّر للمجتمع والتاريخ.
لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا مؤلف كتاب (دماء على نهر الكرخا)!
 
من هو أولى بتهمة وضع الحديث؟
أما (المرويات الغريبة والأسانيد الضعيفة) التي رمى العلوي بها الأمويين جزافاً، فلا يسعني حيالها إلا أن أقول: يا علوي! إن بيتك من خيوط العنكبوت، فما لك ولرمي بيوت الآخرين بالحجر؟! أمثلك – وأنت تنتمي إلى طائفة أقامت دينها على المرويات الغريبة الكاذبة، والأسانيد المخترعة الخاطئة – يقول هذا؟!
ثم أين هذه المرويات الأموية؟ دلنا عليها في أي ديوان من دواوين حديث (التسنن الأموي)؟ إن العلم لا يكون عن طريق محفوظات تلقنها صاحبها صغيراً، وترسخت عنده لكثرة التكرار، حتى إذا كبر صاحبها صار ينتزع من لا وعيه ما ترسب فيه منها، متصوراً أن هذا هو العلم!
لقد خذلك أصحابك يا علوي، وفضحت نفسك – وأنت تدعي العلم والموضوعية – حين انسقت وراء محفوظات شيعية ساذجة لا مستند لها من دليل ولا شبهه، سوى أنها تسللت إليك بعامل التكرار منذ الصغر. لقد كان الأولى بك أن تتخلص من نفسيتك المشبعة بالتشيع وأوهامه وعقده، قبل أن تتقمص شخصية الحكم المصلح بين المتخاصمين.
وبعد ذلك كله تعترض (ص175) – وربما تتهكم – على (قارئ المرويات التاريخية، وجليس المنابر والشاشات) لأنه (مقتنع، دون ريب، بانشطار الجسد الإسلامي إلى فريقين، هذا لعمر وذاك عليه). ألست واحداً منهم؟!
 
أين التصالح مع التاريخ؟
 والعلوي يدعو إلى الصلح الاجتماعي بين الشيعة ومحيطهم، ويجعل الصلح التاريخي شرطاً له كما جاء في (ص210). وكما يقول (ص170): (ولهذا فإن وضع مشروع للمصالحة الطائفية إذا أريد له النجاح، سيقتضي أن يبدأ من التاريخ والتصالح معه لترجيح كفة المشاركة على القطيعة حتى تقبل المشاركة في الحاضر). 
أفهذه مصالحة تاريخية؟!
مصالحة تشطب على تاريخ قرن هو من أخصب القرون، وله في نفوس مئات الملايين من المسلمين ما له من منزلة، وتأتي أنت لتجعله مثالاً للقطيعة، ووضع المرويات الغريبة والأحاديث الضعيفة. وتلمز فرسانه بأن تجعلهم عَلَََم سوء للتسنن، وتضعهم في مقابل الصفويين! كيف يقبل عقل يدعي العروبة والحيادية المذهبية هذه القسمة الضيزى؟! هل الأمويون بهذا السوء البشع، بحيث يقرنون بالصفويين، ويتساوون معهم في معادلة، يبدو فيها السوء متكافئاً بين الفريقين: (تشيع صفوي / وتسنن أموي)؟!
نحن لا نرضى أيها العلوي بهذه المصالحة السوء. مصالحة تسبون فيها عظماءنا وآباءنا. وإلا كنا أبناء سوء فاسقين. ولسنا في حاجة إليها. أنتم أهل الحاجة؛ فكونوا متأدبين أصحاب ذوق حين تمدون أيديكم تطلبون حاجاتكم، ودعوا عنكم هذه الوقاحة الفارسية، وتخلصوا من عقدكم النفسية. فإن (العائل المستكبر) أول من تسعّر به النار يوم القيامة كما صح في الحديث. ابدأوا من التاريخ – كما تدعو وتدعي - فتصالحوا معه. وقبلها تصالحوا مع القرآن. ثم تعالوا فلربما ننظر بعدها في أمركم.
 
حملة (التنقيص المستمر)
لقد قلت في (ص178) كلمة قيمة، وملاحظة مهمة تصلح أن تكون قاعدة لتصحيح النظرة الشيعية لتاريخ الأمة. لكنك يا علوي قصرتها على عمر. ولو عديتها إلى مجمل الشخصيات التي تضاءلت عندكم بما تسميه (التنقيص المستمر) لاعتدلت نظرتك، وانزاحت الغشاوة السوداء عن عينك، وأنت تتناول تاريخ الأمويين، وصلحت لأن تحمل راية المصالحة مع التاريخ، التي جعلتها أساساً للمصالحة مع المجتمع. قلت: (إن الكتابة الآن في عمر اختراق لحملة التنقيص التي تضرب التاريخ الإسلامي والإسلاميين من خارجهم، بعد أن كان منهج التنقيص محصوراً في إطار الثقافة والمثقفين الإسلاميين المستغرقين في صراعاتهم، فلا يدخل ميدان التنقيص، إلا فقيه بالمذاهب، وعالم بالرجال، ومحدث يستوعب علم الحديث ومدارسه. ومنطيق درس أرسطو، وأديب تعلم في مدارس البلاغة. وباستمرار المناقصات، تتضاءل حجوم الرجال الأوائل، وتطغى المثالب على المكارم.
إن فقهاء الخلاف هم المتخصصون بهذا المنهج، لم يشاركهم غيرهم فيه، فإذا كتب العلمانيون في مطلع القرن الماضي، وحتى ربعه الثالث، فإنما يخضعون لقوانين الصراع الاجتماعي، ومفسرات السايكولوجية البشرية، وفي الحالتين يبدو عامة الناس عاجزين عن دور كهذا. والناس مبرأون من مثالب التنقيص. لكنهم يتلقون معلومات العلماء والمؤرخين عن طريق وسيط فتتحول الأحداث في مخيلتهم إلى نقائضها. أو يضاف إليها، فإذا ضعفت المعلومات بعوامل النسيان والاندثار، طلع عليهم الدعاة بما يجدد شبابها، فيعيد الحياة إلى عمر ذئباً يترصد علياً، أو قد يصبح قاتل الحسين هو قاتل الفتنة).
فإذا كانت نقيصة (التنقيص المستمر) التي أصابت الشيعة – وأولهم فقهاؤهم ومثقفوهم- هي التي جعلت حجم ابن الخطاب في عيونهم ضئيلاً، وجعلت (مثالبه) – وحاشاه من المثالب – تطغى عندهم على مكارمه، فكذلك هي – وبالطريقة نفسها - جعلت حجوم رجال بني أمية، ومثالبهم تبدو كذلك. فطبق القاعدة - إن كنت منصفاً - على الجميع حتى لا تكيل بمكيالين، وتكون في أحكامك متناقضاً. وحتى لا نتهمك في نواياك التي تبرئ فريقاً طبقاً لقاعدة، تعطلها مع فريق آخر لا ترى الحاجة ملحة في تبرئته على أساسها. أنت تحتاج إلى إثبات فكرة المشاركة، من أجل إنقاذ مستقبل الشيعة المظلم في وسط المحيط السني الكبير. وترى في مدح عمر، وعلاقته بعلي مقداراً كافياً لتحقيق الهدف المنشود. فلا ترى نفسك في حاجة لأن تزيد عليها، وإن ناقضت نفسك وخالفت قاعدتك التي قعدتها بنفسك، وكتبتها بقلمك. إذن الشبهة تحوم حولك في عدم سلامة نيتك. ونحن لسنا مغفلين إلى هذا الحد. فبرئ نفسك أولاً، ثم تعال. أنت تطلب شيئاً كبيراً لنفسك وقومك، ولكنك لا تريد أن تدفع ما يقابله من ثمن. وتستكبر علينا أن تسلم لنا حقنا كاملاً.
نعم! لسنا مغفلين، ولا بضاعتنا رخيصة إلى هذا الحد! ولسنا عشاً لمثلك فادرجي.
وهنا ألتفت إلى القارئ لأقول:
أرأيت؟! أرأيت كيف أن الشيعة في نهاية المطاف لا يختلف علمانيهم عن متدينهم، وإن ادعوا ذلك؟.
دعوى سب علي على منابر الأمويين
ولم يترك العلوي من تهم الشيعة للأُمويين، حتى دعوى سب علي على المنابر! فتراه (ص195-196) يقول: (ولكي يبعد هذا المنهج علياً عن عمر بنفي حصول الزواج، يقدم الشيخ حمود شهادة مكتوبة ضد الإمام علي بن أبي طالب بأنه هو الذي أوصى لأبي لؤلؤة بقتل عمر، وهو ما لم تقله منابر التشهير السبعين ألفاً التي نشرها الأمويون لشتم الإمام علي والطعن به).
وهي تهمة (إسقاطية)، قام الشيعة باستنساخها من نفوسهم، ولصقها ببني أمية، وكأن الأخيرين – مثلهم - يعانون من عقدة القزامة والحقد، ولم يكن معاوية ذلك الرجل الداهية الحكيم، والواسع الحليم كما أجمع على ذلك الشهود أجمعون.
وعند البحث العلمي التاريخي وجدنا أن هذه التهمة لا مستند لها إلا الدعوى. ولم يثبت أن منبراً واحداً سب علياً، فضلاً عن سبعين ألف منبر نصبها العلوي وشيعته من نسج خيالهم! ولا أرى هذه المعلومة إلا من رواسب الصغر، دخلت إلى رأسه من تحت المنبر الحسيني الذي كان يبكي تحته من حين يتنحنح الراوي الجاهل إلى حين جمعه دراهم السحت في كيس المبطلين، وكروش المتسكعين. وإلا أين المنهج العلمي الذي اتبعه العلوي فقال ما قال، وألقاه إلقاء المسلمات؟
أما عند التحقيق فتجد الحقيقة معكوسة. الشيعة هم الذين نشروا سبعين مليون منبر لشتم الصحابة وعظماء الإسلام منذ قتل رستم وإلى اليوم!
ويحاول العلوي العلماني كشيعي جَلْد أن يصنع من هذه التهمة التاريخية الباطلة، حقيقة كأنما لها وجود متحرك في الواقع، يشكل منهجاً يساوي – إن لم يسبق - (منهج القطيعة) الشيعي في المقدار ويعاكسه في الاتجاه! فيقول (ص222): (ألا يعني هذا أن السلم الأهلي في العراق يرتبط بالكتابة التاريخية ابتداء من العصر النبوي وإبطال المناهج والوسائل والمستحدثات التي قدمها الشيخ علي الكركي ومدرسته؟ دون أن نغفل المدرسة الأموية التي سبقت السلطان طهماسب في أسلوب السب وشتم الإمام علي بأكثر من عشرة قرون).
ولا يهم العلوي أن ثمة من يقرأ ويسأل: أين نجد مصداق هذه التهمة التي كبرت في ذهنه الشيعي حتى صارت (مدرسة)؟ في أي بقعة على الأرض؟ أو صفحة في كتاب؟
يصطنع وهماً، يجعله ثمناً وديةً، مقابل حقيقة هو يعترف بها!!! أرأيت كيف يفكر الشيعي؟! وكيف يتصرف؟!
ندفع نقداً.. ونقبض وهماً!
إنها العقلية اليهودية.. السلام مقابل السلام! والمساواة بين الجزار والضحية. فمن المعتدي إذن؟ ومن المعتدى عليه؟
هل هذه هي (الكتابة التاريخية) التي يريدها ابتداء من العصر النبوي، تأسيساً للسلم الأهلي في العراق؟!
ثم هل مناهج القطيعة والسب والشتم والتجريم هي من مستحدثات الكركي؟ أم إن تلك المدرسة تأسست قبله بعشرة قرون؟ ألم يقرأ عن السبئية الذين ظهروا قبل الأمويين ومنابرهم ببضع سنين: كيف ألهوا علياً، وشتموا الصحابة وكفروهم؟ أم إن هذا لم يثبت علمياً، والثابت هو الذي يدعيه جهلة المنبر الصفوي، وبكّائي المقابر الخربة فقط؟!
العلوي بهذا يكون أول المتقاطعين مع التاريخ، فكيف يدعو، وينصب من نفسه داعية لفكرة (التصالح التاريخي) من أجل (الصلح الاجتماعي) و(السلم الأهلي) وهو على هذه الحال؟! وتجده في تقاطعه شيعياً قحاً، يقف حيث يقف قومه، ويشد رحله حيث يشدون. لا يخرج عنهم إلا في جزئيات محددة، ومن أجلهم، ولسواد عيونهم.
 
 
الفصل الثالث
 
الطعن المبطن
في صلاح الدين الأيوبي ووصف مرحلته بالطائفية
 
حتى هذه لم يتحمل العلوي كتمانها والصبر عليها إكراماً لمشروعه!
انظر إليه شيعياً منحازاً وهو يلمز صلاح الدين الأيوبي وإنجازه العظيم بالقضاء على الدولة الفاطمية الشعوبية، ومستحدثاتها في سب الصحابة وغيرها. لكنه – وكشيعي نموذجي – يستعمل أسلوباً حلزونياً في الوصول إلى المراد، فلا يذكر صلاح الدين باسمه صراحة حتى لا يستجفل قارئاً عادياً، أو يستفز مخدوعاً بكلماته، وإنما يشير إليه إشارة بعبارة (المرحلة الأيوبية)، ويجعلها مثالاً للتراكم الطائفي! ولا شك أن الإشارة هذه لا تحتمل تعدد التفاسير. فيقول (ص223) عن المصريين وطبيعتهم أنها: (أفرغت جانب التراكم الطائفي في المرحلة الفاطمية إزاء عمر بن الخطاب، مثلما أقصت التراكم الطائفي للمرحلة الأيوبية).
وأقول: لو كان ثمة مجال – ولو بمساحة سنتيم مربع واحد – في ذهن العلوي للتصالح مع التاريخ، لكان – على الأقل - أسر هذه في نفسه – إن لم تطاوعه على محوها! - ولم يبدها كرامة للتصالح الاجتماعي. فهو يعلم أن الأمة مجمعة على عدالة صلاح الدين، وأنه من رجالها الأفذاذ المعدودين في تاريخها. ولا ترضى بمن ينخسها في رموزها وعظمائها، ولا يمكن أن ترضى بالتصالح معه. إلا الشيعة، فإنهم يسبونه ويكفرونه ويحقدون عليه! وذلك لأسباب طائفية سوداوية بحتة تغطي منظارهم فلا يرون منه إلا ما هو أسود مكروه. فكان الأولى به أن يعود إلى شيعته يعلمهم أدب التعامل مع الآخر، واحترام مشاعره، لا أن يكون هو في أول الصف، إن لم يكن يحمل رايتهم فهو يومئ إليهم، ويغمز بعينه يرشدهم إلى ما يفعلون!  وهكذا يتحد العلوي العلماني مع العلوي الدينوي في إشارته هذه، التي لا يستطيع أكثر منها، وإلا كانت الفضيحة.
 
معلومات تاريخية سطحية أو مسطحة
وهذه التقريرات التاريخية المبتسرة تعبر عن أمرين اثنين: معلومات تاريخية سطحية، وعقلية جمعية شيعية.
نعم..! لربما تجد للرجل باعاً في التاريخ. ولكنه حين يقترب من نقاط التماس مع الاتجاه الشيعي، تتسطح معلوماته، وتتقعر لينقلب قزماً قصير اليدين، أعشى العينين!
وطبقاً لخبرتي بالشيعة ورجالهم، لم أجد شيعياً واحداً سليم المنهج، متسق التفكير. إلا في المساحات التي يتحرر فيها وقتياً من التأثير الجمعي لهاجس التشيع. حتى الذين جاملوا الشيعة من علماء وكتاب ومتحدثي أهل السنة، وحاولوا أن يقتربوا من الشيعة فيما يتعلق بخصوصياتهم الفكرية والاعتقادية، ولو من بعيد، تسطحوا بقدر ما اقتربوا، وصاروا يتقعرون!
ويكفيني مثالاً من الشيعة ما أورده العلوي نفسه عن المدعو محمد جميل حمود، الذي يضفي عليه لقب (علامة)! وهو أحد علماء الشيعة في لبنان (ص282) إذ يقول: (وينزلق دعاة القطيعة بمرويات شاذة، لو أخذ بها لوضعت المصادر العربية للتاريخ في محرقة النفايات ولاهتزت الأسس العقلية والنفسية للقارئ العربي وعلاقته بتاريخه الإسلامي إذ يصل المروي عند العلامة محمد جميل حمود في كتابه (إفحام الفحول) إلى القول بأن مقتل عمر جاء بإرادة إلهية وبطعنة نافذة من أبي لؤلؤة رضي الله عنه بسبب تجاوزه على عرض الإمام علي والحيلولة الإلهية دون تحقيق زواج عمر من أم كلثوم.
وينحدر المتخيل إلى قيعان القطيعة فيقدم الشيخ المذكور رواية على لسانه بأن الإمام علي ربما كان هو الذي أمر بقتل عمر بن الخطاب).
أهذا منطق أدمي؟!
وهكذا يفكر علماء الشيعة والشيعة أجمعون. إلا حيث يتحرر أحدهم من العقل الجمعي للطائفة.
ومثالاً لأهل السنة..
انظر إلى العقاد.. ذلك المفكر العملاق، والجبل الأشم من جبال الفكر والأدب، العلامة حقاً: كيف يتفكك ويتهاوى صخرة صخرة في كتابه عن علي! لقد كتب عنه منساقاً بعاطفة – والعاطفة أم التشيع – وافترض أموراً لم يجد سبيلاً لإثباتها إلا أن يتخلى عن منهجه العلمي، وتكون أدلته وشواهده حوادث تاريخية التقطها كما شاء دون تمحيص، أو إخضاع لمنهج تاريخي علمي معتبر.
لقد قرأت كثيراً للعقاد، فما زادتني القراءة إلا إعجاباً. إلا في كتابه هذا! ولم أجده صغيراً متهاوياً يستحق العطف، ومسح العرق، ونفض التراب إلا هذه المرة الوحيدة! إلا حين اقترب من نقاط التماس الشيعي!
فكيف بالعلوي؟! المشدود إلى ذقنه بدائرة الفلك الشيعي؟!!
 
 
الفصل الرابع
 
لماذا لا يستطيع الشيعي التصالح مع التاريخ
 
وبعد كل  من هذا أقول: كل من تصور أن الشيعي يمكن أن يتصالح مع التاريخ فهو واهم؛ لأن علماء التشيع أدخلوا التاريخ في العقيدة. فـ(بيعة الغدير)، و(اغتصاب أبي بكر للخلافة)، و(كفر الصحابة) بذلك، و(كسر ضلع الزهرة)...إلخ من الخزعبلات التاريخية امتزجت عند الشيعي مع عقيدته امتزاجاًً لا يمكن بعده الفصل أو التمييز بينهما. فإن تخلى عنها شعر أنه تخلى عن دينه وشيعيته. فكيف يمكن تصور نجاح مشروع كهذا، وليس له من أرضية يقوم عليها؟!
تصور أن محمد فضل الله اللبناني أنكر خرافة (كسر الضلع)، وقال: هذا تاريخ وليس عقيدة. فقامت بوجهه الدنيا، دنيا العلماء قبل الجهلاء، وكتبت ضده أطنان من الكتب، وكفر بسبب قوله هذا. وانتهى نهايته الحاضرة بأن سقطت شعبيته، وانفض عنه أتباعه، وتلك حسينيته خاوية على عروشها.
فما بالك بغير هذه الأسطورة السخيفة من موضوعات التاريخ؟!
 
 
الفصل الخامس
 
العلوي
وتاريخ العراق الحديث
 
في كتابه (الشيعة والدولة القومية) يصور العلوي أهل السنة قوماً تهافتوا على السلطة، فتركوا مقاومة المحتل، الذي استجاب لهم فجازاهم على دورهم هذا بأن سلم لهم قيادة السلطة، وزمام الحكومة. وحرم منها الشيعة، الذين اختاروا طريق المقاومة، والوفاء لحقوق الوطنية.
 
الشيعة يقاومون وأهل السنة يحصدون
وفي كتابه الجديد – موضوع البحث – يضرب على النغمة نفسها، وإن بالأسلوب المبطن الذي اختاره وسيلة للتعبير عن شيعيته في الكتاب كله. فتجده (ص156) يثني على الشيعة الذين خرجوا يقاتلون الانجليز (مع قوات الجيش العثماني ويوقفون زحف القوات البريطانية ثلاث سنوات قبل وصولها إلى بغداد في آذار 1917. وهنا طرح الانكليز مشروع دولة متمذهبة تقصي الشيعة عن دور أو تمثيل صحيح لهم في صنع قرارها. فكان العراق البريطاني سني القرار والإدارة).
وهذا اتهام مبطن لأهل السنة بعدم مقاومة الانجليز، عبّر عنه صراحة في كتابه الأول. ولا من مستند له إلا تفكير تسطيحي، يعتمد الدعاية وسيلة للانتشار والبقاء.
 
دعاوى ودعايات تتكرر
 يذكرني هذا بالدعاية الشيعية التي انتشرت أيام المعركة الأخيرة مع الأمريكان وما بعدها، من أن الذين أوقفوا تقدم قوات الحلفاء في أم قصر والبصرة وغيرها من مدن الجنوب هم الشيعة، بينما لم يقاتل أهل السنة في بقية المناطق القوات الغازية، وسلموا البلد دون قتال. متجاهلين – كأنهم لا زالوا يعيشون أيام داحس والغبراء – أن المعركة كانت ذات طبيعة عسكرية نظامية التقى فيها جيشان نظاميان، ولم تكن قط معركة عشائر وكر وفر! فما علاقة العشائر – شيعية كانت أم سنية – بالموضوع؟ كما أن الجيش العراقي الذي خاض المعركة لم يكن جيشاً شيعياً، أو ذا تركيبة طائفية.
أما الحقيقة فإن الشيعة استقبلوا الغزاة بالحلوى والورود.
هذا كان دور الشيعة.
 
مقتدى مثال (المقاومة الشيعية)
ويذكرني حديث العلوي عن بسالة الشيعة في الذود عن الوطن، بمقتدى وجيش المهدي، وأسطورة المقاومة التي ألصقت به، حتى صار اسمه على كل لسان، حتى قيل: إنه اشترك مع السنة في معركة الفلوجة الأولى! وقد روج لها السنة قبل الشيعة! وهي من الأكاذيب والأساطير! بينما الذي حصل هو العكس. إذ قاتل أهل الرمادي والفلوجة وغيرهم من أهل السنة معه في النجف، وكان أكبر الفعل لهم. ومع ذلك حين يسأل مقتدى عن ذلك في إحدى اللقاءات التلفزيونية، لم يعترف بالحقيقة، واستعمل أسلوب التمويه، واللف والدوران!
ولا يخفي العلوي في أحاديثه العلنية على شاشات القنوات الفضائية إعجابه بمقتدى، ويعتبره مثال الوطني المقاوم للاحتلال. وعصاباته المعروفة بـ"جيش المهدي"، ويعتبرها مثال المقاومة الشعبية الوطنية المحايدة. وأما ما فعلته من جرائم فهو ردة فعل على استفزازات تعرضت لها من قبل أهل السنة!
وما أريد قوله هو أن الحدث يختفي بعد وقوعه من صفحة الأرض، وينتقل إلى صفحات الكتب. وعندها يكتب ويصور حسب مشيئة الكاتب. وإذا استحضرت أن الشيعة أكبر مزوري التاريخ في التاريخ، وأنهم بارعون غاية البراعة في الإعلام والدعاية والإشاعة، وأنهم هم الذين يكتبون التاريخ، رغم أن غيرهم هو الذي يصنعه، وأن أهل السنة – وإن كتبوا - لا يحسنون العرض والإعلام.. أدركت أي خديعة تاريخية نعيشها! وأي أساطير نقرأها، ونقوم بنشرها!
هل تتصور ماذا سيكتب الشيعة – وقد كتبوا - عن دورهم مع المحتل؟ سيكتبون أنهم هم الذين قاوموه وقاتلوه، وسيروون آلاف الصفحات عن معاركهم الأسطورية ضده، وسيجعلون من مقتدى وأمثاله أبطالاً قادوا العراق في معركة التحرير، ومن النجف والناصرية وكربلاء ساحات وميادين، تأنف من ذكر الأنبار وكركوك والموصل وديالى وبغداد وغيرها من مدن الأحرار. كما أنفت يوماً كربلاء من مكة المكرمة في روايتهم التي يفترون فيها على الإمام جعفر الصادق أنه قال: (إن الله أوحى إلى الكعبة لولا تربة كربلاء ما فضلتك ولولا من تضمه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقري واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم)([6]).
وإلا قل لي بربك: ما الذي تغير في هذه العقود الثمانية من السنين، حتى يتلبس الشيعة دوراً غير دورهم، وينقلبوا من وطنيين إلى عملاء؟! المراجع هي المراجع، والناس هم الناس، والعقائد هي هي. وإيران كما هي!
إذن هؤلاء الذين نراهم هم أنفسهم أولئك الذي سمعنا عنهم. ولا فرق سوى أن الذي كتب غير الذي وقع.
نعم وقعت معارك – كما وقعت لمقتدى مع الأمريكان – ولكن ما هي الدوافع؟ وما هي الأسباب؟ ومن الدافع والمحرك؟ هذا كله لا يكتب من الطرفين؛ لأن أصحابنا يستحون ويترفعون ويغفرون، والشيعة يكذبون ويكتمون ويزورون.
وشتان شتان بين من يقاتل دفاعاً عن الدين الوطن، وبين من تحركه المصالح والطائفة والعمالة لإيران.
هذه هي الحكاية باختصار شديد!
 
سراق التاريخ.. وقفة مع ثورة العشرين
ولا بأس أن أقف هنا وقفة ربما تلقي الضوء على زوايا لا زالت معتمة، وتحتاج إلى مزيد من الضوء، فأقول:
 يظهر أن عملية سطو وتزوير كبيرة قد جرت لتأريخ تلك الفترة، بحيث صورت ثورة العشرين على أنها ثورة شيعية بحتة. وصور – على أساسها - علماء الشيعة دون غيرهم على أنهم أبطال جهاد ورموز مقاومة. علماً أن المرجع الشيعي المشهور رئيس الحوزة آنذاك كاظم اليزدي صاحب الكتاب الفقهي المشهور (العروة الوثقى) كان عميلاً مخلصاً للإنجليز. وقد مات قبيل اندلاع الثورة، فتوجع الإنجليز لموته، وتألموا عليه كثيراً! واعتبروا موته خسارة جدية لهم([7]).
وبينما كانت العشائر العربية الأصيلة تتململ وتتميز غيظاً من الوضع، وتتهيأ للتحرك ضد الإنجليز كان المرجع الشيعي محمد تقي الشيرازي الذي جاء بعد كاظم اليزدي يحاول إلجامهم - كما يفعل السيستاني اليوم تماماً - حتى تفجرت شرارة الثورة - دون الرجوع إلى أحد من العلماء - بهجوم قبيلة الظوالم يوم 30 حزيران على سراي الحكومة في الرميثة لإنقاذ شيخهم شعلان أبو الجون الذي اعتقله الحاكم الإنجليزي هناك. فاضطر الشيرازي إلى تأييد الثورة بعد انطلاقها تأييداً مبهماً، وبقرار رجعي عن طريق ما يسمونه في فقههم بـ "الفتوى الدفاعية" . وهذا نصها: (مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين. ويجب عليهم في ضمن مطالباتهم رعاية السلم والأمـن. ويجوز لهم التوسـل بالقـوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز عن قبول مطاليبهم).
ومما يلفت النظر - كما يعبر علي الوردي - في هذه الفتوى أنها غير مؤرخة على الرغم من أهميتها! وقد اختلف المؤرخون في تحديد تأريخها إلى عدة أقوال: فمن قائل إنها صدرت قبل 22 حزيران 1920 اليوم الذي جرى فيه نفي ابن الشيرازي. ومن قائل إنها على إثر انطلاق الثورة في الرميثة في 30 حزيران. وهناك قول أنها صدرت في 29 تموز!! بينما تشير المصادر الانجليزية – وهي الأوثق - أنها صدرت في 6 آب[8]!!!.
وقد انصب دور الشيرازي أثناءها على التفاوض مع الإنجليز ومحاولة إيقاف القتال. وقد كان قبلها يرسل إلى العشائر قائلاً: (وإياكم أن تجردوا سيفاً ولو رأيتموني بيد الإنكليز! إلا أن يسوق الإنكليز جيشاً لمحاربتكم)[9]. على أنه قد كانت له - والعهدة على الوردي - مواقف جيدة بعد انطلاق الثورة ووقوع القتال. هذا ولا ننسى دور الموازنات السياسية والعسكرية المحيطة في تحريك الأحداث. من ذلك مصلحة إيران في هذا القتال، وعلاقة المرجعية الحميمة – قديماً وحديثاً - بها.
المشكلة – كما قلت آنفاً - في الأحداث التأريخية أنها بعد مدة تزول من الواقع وتتحول إلى أوراق تتحكم بها - كما تشاء - أيدي المؤرخين. ومن المفارقات التأريخية أن العجم أو المستعجمين هم الذين يفوزون بحصة الأسد في كتابة تأريخنا! يكفيك أن تعلم أن الطبري نقل أحداث أحرج فترة في تأريخ أمتنا - وهي فترة الفتن والاقتتال بين الصحابة - عن طريق عجمي أو مستعجم محترق كذاب هو أبو مخنف لوط بن يحيى!! ولا زالت هذه العلة سارية فينا، ما يؤدي بالأحداث إلى أن يعرض لها التزوير باستمرار فتضيع الحقيقة أو تتشوش على الأجيال.
ثم هل تعلم أن الجنوب العراقي أيام ثورة العشرين كان يعج بأهل السنة؟ حدثني أحد الثقات أن الشاه الأول في مطلع القرن الماضي أرسل بعثة إلى البصرة  يبحثون له عن قطعة أرض يشيد عليها (حسينية) فلم يفلحوا في ذلك ورجعوا إليه بخفي حنين لأن البصرة كانت سنية تماماً أو أغلبية سنية كاسحة!!
وهل تعلم أن ثورة العشرين كانت بداياتها في الموصل على أيدي أهالي تلعفر والجيش العربي بقيادة جميل المدفعي؟ الذي انطلق من دير الزور – وقد كانت آنذاك تابعة للعراق، أو لم يتقرر مصيرها بعد - يوم 22 أيار 1920 على رأس حملة كان يتقدمها علم الثورة العربية الذي كتب عليه عبارة "الموت أو استقلال العراق". وكانت كلما تقدمت التحقت بها العشائر باستمرار. ودخلت الحملة تلعفر يوم 3 حزيران وأبادت الحامية الإنجليزية واحتلت المدينة. كان ذلك قبل تحرك قبائلنا في الرميثة بـ27 يوماً([10])..
فأين هذا مما يهرف به العلوي من أن الشيعة استجابوا لنداء المرجعية الشيعية والمشيخة الإسلامية، فقاتلوا الانجليز دون أهل السنة - كما يوحي دون أن يصرح؛ لحاجة معلومة في نفسه – فجازى الانجليز هؤلاء بالسلطة، وأولئك بالإبعاد والإقصاء؟!
 
تسلط الشيعة مصحوب بالصراع الطائفي
ربما كانت فلتة لسان، أو زلة قلم نائم استيقظ لتوه قبل أن يستسلم للرقاد مرة أخرى حين تحدث عن ثورة مايس 1941 ضد الانجليز قائلاً (ص156): (ولأن الثوار الذين طردوا الحكومة العراقية الموالية للانكليز بإسناد من الجيش وضباطه الأربعة هم جميعاً من السنة فقد رأت السياسة البريطانية مغازلة الشيعة، وعرضت لندن على السيد صالح جبر فكرة أن تكون للشيعة حصة كبرى في إدارة الدولة بعد خيبتهم مع الوطنيين السنة، ولم توافق المراجع الخمسة في النجف وكربلاء والكاظمية على العرض البريطاني، وكان متوقعاً لو قُبل العرض أن يشهد العراق صراعات طائفية كالتي حدثت بعد سقوط النظام في 9 نيسان 2003، وظهور العراق الأمريكي مبشراً بعراق شيعي القرار).
ولست في معرض مناقشته عن صحة ما قاله عن (المراجع) الشيعية الخمسة، والأسباب الكامنة وراء ذلك. ولكن أريد أن أسأل العلوي: لماذا حين يحكم الشيعة (يشهد العراق صراعات طائفية كالتي حدثت بعد سقوط النظام في 9 نيسان 2003، وظهور العراق الأمريكي مبشراً بعراق شيعي القرار)؟
هل هي زلة لسان؟ أم يقظة نائم وسنان؟ أم أراد العلوي أن يوحي للقارئ من طرف خفي أن الشيعة ليسوا الطرف الذي يثير الصراع الطائفي، وإنما ذلك لأهل السنة؟ بدليل أن الشيعة يستسلمون للأمر حين تكون السلطة بيد السنة، لكن حين يستلم الشيعة السلطة يكون الاعتراض من أهل السنة، الذي ينتهي بالاحتراب أو الصراع الطائفي.
على كل حال، نقول: هذه هي الحقيقة! ونحمد الله تعالى على أن أظهرها على لسان الآخرين. ولسنا في معرض بيان الأسباب.
 
 
الباب الثالث
 
رموز المشاركة في مشروع العلوي؟
 
 
الفصل الأول
 
رموز المشاركة
 
كلما توغلت في الكتاب أكثر تبدت لي ملامح شخصية شيعية تتكامل شيئاً فشيئاً، بكل مكوناتها العقائدية والعقدوية، سوى أنها تعود لرجل علماني لا ديني.
يستشهد العلوي (ص224) لنظريته في المشاركة بعدة عمائم شيعية هي: محمد مهدي الخالصي الذي يسميه بـ(الشيخ الثائر)، ومحمد حسين كاشف الغطاء، ومحمد حسين فضل الله. وآخرين تجدهم متوزعين على صفحات عديدة من الكتاب.
أما الثلاثة المذكورون آنفاً فيقول عنهم هناك: (يتفق هؤلاء المراجع في كونهم خارج المنهج الصفوي وهم لا يرون ما يضر (بالعامة) نافعا للشيعة، ولا يرتاحون لحديث يثني على الإمام علي بن أبي طالب بهجاء عمر بن الخطاب، ولا يأخذون بروايات الفرقة والانقسام، أي ليسوا من دعاة القطيعة).
ويصفهم في (ص225) بأنهم (من أهل التشيع العربي القائلين بمبدأ المشاركة).
فلنقف قليلاً أمام هذه الشواهد أو الأمثلة الثلاثة نتعرف على حقيقة مبدأ المشاركة، وإلى أي حد هم يؤمنون به؟ وعلى أية كيفية أو صفة يريدونه يكون؟  وهل ما يقولونه كانوا يعنونه حقاً كما يقولونه؟ أم قالوه تحقيقاً لمآرب أخرى، في كتب دعائية تنشر هي غير الكتب الأخرى التي يعتمدونها في سراديبهم وجوانياتهم؟
 
محمد مهدي الخالصي
أما محمد مهدي الخالصي (الشيخ الثائر)، فيقول عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما خيرة الأصحاب على الإطلاق: "وان قالوا أن أبا بكر وعمر من أهل بيعة الرضوان الذين نص الله على الرضا عنهم في القرآن: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)، قلنا: لو قال ((لقد رضي الله عن الذين يبايعونك تحت الشجرة)) أو ((عن الذين بايعوك)) لكان في الآية دلالة على الرضا عن كل من بايعه، ولكن لما قال ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك)) فلا دلالة فيه على الرضا إلا عمن محض الإيمان "[11] .
واقرأ هذا النص الذي لا يخرج إلا من فم شيخ هو مثال تطبيق مبدأ المشاركة العلوي إلى حد العظم! يقول الخالصي هذا: (لم أذكر الصحابة بخير لأني لا أريد أن أتعرض لعذاب الله وسخطه بمخالفتي كتابه وسنته في مدح من ذمه الكتاب والسنة، والإطراء على من قبح أعماله القرآن المجيد والأحاديث المتواترة عن النبي. وغاية ما كنت أكتبه وأقوله هو أن كتاب الله وسنته لم تذكر الصحابة بخير، ولا
تدل على فضل لهم لأنهم صحابة)[12]!.
هذه هي حقيقة المثال الأول!
 
محمد حسين كاشف الغطاء
أما هذا فيقول في كتابه (أصل الشيعة وأصولها) موضع الشاهد:
(لولا علي لكان الإسلام ضرطة عنز)[13].
ولا شك في أن هذا إلغاء كامل، وشطب نهائي على جهود جميع الصحابة الذين حملوا الإسلام على أكتافهم، وثبتوا أركانه بدمائهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وأولهم الصديق والفاروق. وحصر الدور كله في علي. هذا عدا إلغاء الإسلام نفسه في غياب علي! ونحن نقول: لولا الإسلام ما كان علي ولا غيره. والإسلام كلمة الله وشرعه وقدره الذي لا بد أن يكون بعلي أو بسواه.
ثم ما هذه اللفظة الوحشية الجلفة (ضرطة عنز)! كيف يتجرأ مسلم أن يجعلها وصفاً لدين الإسلام في أي حال من الأحوال؟!!!
ويقول في كتابه (المذكور ص 43): (إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة. يعني أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً الى جنب ، وسواء بسواء ، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والري حتى نمت وازدهرت في حياته ، ثم أثمرت بعد وفاته).
 
ولا معنى لهذا الكلام إلا أن بذرة التشيع هي غير بذرة الإسلام. وأن صاحب الشريعة – وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم – وضع بنفسه أساس التفرقة بين أمته، حين بذر بذور دينين اثنين لا دين واحد! فهل قائل هذا الكلام يصلح مثالاً لمبدأ المشاركة والمصالحة؟
ويقول أيضاً في (ص79) من الكتاب المذكور: (أما ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب ومروان بن الحكم وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس له عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة، وأمرهم أشهر من أن يذكر).
 
وقائل هذا الكلام لا يصلح إلا في مشاركة مقلوبة، نكون فيها نحن المشاركين لهم طبقاً لرؤيتهم وقواعدهم، وليسوا هم المشاركين لنا! وهذه هي المشاركة من الوجهة الشيعية البحتة. وهذا هو التقريب الذي يدعو إليه الشيعة. وهذا هو العلوي الشيعي في ثوبه العلماني! وهذا هو الرائد الذي كشف الغطاء عن (نظرية المشاركة)! لكننا حين كشفنا عنه غطاءه رأينا ما يسوء!
هذه حقيقة المثال الثاني! فلنر الثالث:
مؤسسو أخطر المنظمات والدول الطائفية في التاريخ
 
1. محمد حسين فضل الله الأب الروحي لـ(حزب الله)

وهذا لا يختلف عن سابقيه بشيء. وهو الأب الروحي لمنظمة (حزب الله) الطائفية، التي أيديها ملطخة بدم الفلسطينيين واللبنانيين والأحوازيين. وآخر روائح فضائحها اصارت تهب من العراق، وإن كانوا قد قاتلونا من قبل مع إيران في حربها علينا في عقد الثمانينيات. وحين يسأل محمد حسين فضل الله: هل يجوز التعبد في فروع الدين بالمذاهب السنية الأربعة، وكذلك بقية المذاهب غير الشيعية؟ يجيب: (لا يجوز التعبد بأي مذهب إسلامي غير مذهب أهل البيت عليهم السلام، لأنه المذهب الذي قامت عليه الحجة القاطعة)[14].
ويذكر الأستاذ صباح الموسوي الأحوازي أن فضل الله هذا قام بطرد أحد المشائخ الشيعة، اسمه (طالب السنجري)، من حوزته الكائنة في منطقة السيدة زينب في سوريا، كان أستاذًا للفقه فيها، بسبب تأليفه كتاباً أكد فيه على أن الرجوع إلى الخليفة عمر بن الخطاب كالرجوع إلى الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنهما، لكون الاثنين يستقيان علمهما من منبع واحد، وهو القرآن والسنة[15].
فكيف يكون مثل هذا مثالاً يضرب للاقتداء في مشروع للمصالحة، أو المشاركة، يقوم أساساً على المصالحة التاريخية بين علي وعمر؟!
 
2. موسى الصدر مؤسس منظمة (أمل)
لم يكتف العلوي بهذه الأمثلة الثلاثة الفاشلة حتى أضاف إليهم من هو أكثر فشلاً وأشد قبحاً.. موسى الصدر! وقال عنه (ص235): (كان الإمام موسى الصدر من دعاة المشاركة الأقوياء، ومن رافضي منهج القطيعة ومنتقدي رجاله، ومروجيه).
وموسى هذا إيراني من مواليد قم، وهو - كالسيستاني - لا يحسن الكلام باللغة العربية. وهو صنيعة الشاه المقبور أرسله إلى لبنان، فأسس (منظمة أمل) صاحبة المجازر الطائفية المشهورة هناك! وتاريخه الطائفي معروف. وإذا كان قد تكلم عن رفض منهج القطيعة، وانتقد يوماً رجاله ومروجيه فإنما يفعل ذلك – ولا شك - تقية من أجل التغلغل في المجتمع اللبناني. لقد خرج رجاله في المنظمة المذكورة يهتفون بحماس في شوارع بيروت الغربية في يوم (2/6/1985): (لا إله إلا الله والعرب أعداء الله) محتفلين بمجزرتهم في مخيم صبرا الفلسطيني - وفقاً لما ذكرته صحيفة الوطن الكويتية في اليوم التالي - والفرحة تعم أوساط المنظمة التي يترأسها عضو البرلمان اللبناني الحالي، ورئيسه سابقاً نبيه بري؛ فقد خلَّفوا للتو نحو 3000 شخص بين قتيل وجريح في صفوف إخوتنا الفلسطينيين! وكان صراخ الفلسطينيين يتعالى من بين جثث الشهداء: (اليهود أفضل منهم)! وقد جاء في وصف المجزرة (أمل والمخيمات الفلسطينية لعبد الله محمد الغريب): (إن المنازل جرفت والمساجد خربت وخزانات المياه فجرت والكهرباء والماء قطعت والمواد الغذائية نفدت، والجرحى دون أطباء أو أدوية، والشهداء في الشوارع بسبب حصار حركة أمل واللواء السادس والثامن ومن يساندهم في البرزة). وقد هتكوا عرض (25) امرأة فلسطينية وعلى مرأى من أهالي المخيم المذكور! (كما ذكرت وكالات الأنباء الكويتية في 4/6/1985 ، والوطن في 3/6/1985)  ونحروا ممرضة بالسكين لأنها اعترضت على قتل جريح في المستشفى أمامها! وقتلوا عدداً من الفلسطينيين في مستشفيات بيروت. وقال مراسل صحيفة صنداي تلغراف في 27/5/1985 إن مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق. وذكرت وكالة (أسوشيتد برس) عن اثنين من الشهود أن ميلشيات أمل جمعت العشرات من الجرحى والمدنيين خلال ثمانية أيام من القتال في المخيمات الثلاثة وقتلتهم. وقال الشاهدان: إنهما رأيا أفراد أمل واللواء السادس يقتلون أكثر من 45 فلسطينياً بينهم جرحى في مستشفى غزة وحوله.
 
هكذا هم يفعلون اليوم في العراق! وهكذا يفعل دعاة (المشاركة) في أي بلد متى ما تمكنوا منه!
 أهذا ما يريده العلوي؟!!!
 
3. محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة
ويظل العلوي يضرب لنا من أمثلته البائسة اليابسة عن مشروعه الموهوم، فكان منهم محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة العميل في العراق – وقد أثبتت الأحداث عمالته بلا شك - الذي يصفه بقوله (ص236): (أخطر مفكري الإسلام المعاصرين والداعين إلى فهم جديد للتاريخ الإسلامي بما يعزز المشتركات، ويضعف المنهج التقليدي لفقهاء القطيعة بين المسلمين).
يقول هذا المفكر الخطر فعلاً وهو يتحدث عن خليفة رسول الله: (فلا غرابة في أن ينتزع من أهل البيت أموالهم المهمة ليركز بذلك حكومته، أو أن يخشى من علي عليه السلام أن يصرف حاصلات فدك وغير فدك على الدعوة إلى نفسه. وكيف نستغرب ذلك من رجل كالصديق وهو الذي قد اتخذ المال وسيلة من وسائل الأغراء، واكتساب الأصوات)[16].
ويطعن في شرعية خلافته ويصفها بأنها : (خلافة لم تباركها السماء ولا رضي بها المسلمون)[17]. ويقول أيضاً: (والنقطة الأولى التي نؤاخذ الصديق عليها هي وقوفه موقف الحاكم في المسألة (فدك) مع أن خلافته لم تكتسب لونا شرعيا)[18].
ويفسر الخير والعدل والحق الذي كان عليه الخلفاء الثلاثة بأنهم كانوا ملجأين إليه إرضاء للناس (لأنهم تحت مراقبة النظر الإسلامي العام الذي كان مخلصاً كل الإخلاص لمبادئه، وجاعلا لنفسه حق الإشراف على الحكم والحاكمين. ولأنهم يتعرضون - لو فعلوا شيئا من ذلك - لمعارضة خطرة من الحزب الذي ما يزال يؤمن بأن الحكم الإسلامي لا بد أن يكون مطبوعا بطابع محمدي خالص، وأن الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يطبعه بهذا الطابع المقدس هو علي - وارث رسول الله ووصيه وولي المؤمنين من بعده)[19].
ومن أعجب أمثلته لرواد منهج المشاركة الخميني! ومحمد باقر الحكيم!! الذي يصف جهوده في هذا المجال بـ(الخيرة)!!!
 
4. محمد باقر الحكيم مؤسس المجلس الأعلى ومنظمة بدر
أما محمد باقر الحكيم فيكفي ما فعل هو وأتباعه - في ما يسمى بـ(المجلس الأعلى) وجناحها العسكري (منظمة بدر) – ويفعلون اليوم في العراق، من مجازر ومسالخ وفساد وتخريب يشيب لهولها الولدان! ومن قبل ما كان يفعله بالأسرى العراقيين في إيران! فهنيئاً للعلوي بهذا المثال الذي يعجز عن الإتيان بمثله الفحول! وويل للسذجة المساكين مما يبيت لهم في الظلام! على يد علمانيي و(معتدلي) الشيعة، فضلاً عن متدينيهم ومتعصبيهم. وما فيهم إلا متدين متعصب. ومن استغرب قولي فليعلم أن دين الشيعة – كدين الأمريكان – انتماء وولاء، وليس دين التزام أو أداء.
5. الخميني مؤسس جمهورية إيران الشيعية
 وأما الخميني فأقول عنه هنا: أما خفت من فضيحة نواياك يا علوي، حين جعلته مثالاً للطيبة والصلح والزهد والعدل، حتى قرنته بعمر بن الخطاب؟! شيئاً من الخجل! قليلاً من الستر! أيها الرجل فقد تكشفت والملأ ينظرون! وسيأتي الحديث عنه بشيء من التفصيل.
هذه هي رموز المشاركة عند العلوي!
 
مثال على كتب المصالحة
  ونعود إلى العلوي في الصفحة (219) فنراه يثني على جمع من كتاب مصر منهم الأستاذ طه حسين. ولكن بأي شيء يثني عليه؟ يقول في الصفحة المذكورة آنفاً: (فما الذي يزعج الشيعي في مدرسة مصر؟ وماذا يريد أكثر مما توفره المدرسة المصرية التي انتصر عميدها طه حسين للإمام علي في كتابه "علي وبنوه" وفتح بذلك منهجاً إسلاميا يمتزج فيه التسنن والتشيع بمحمدية علي وعمر).
وتقرأ الكتاب المذكور، فلا تجد فيه إلا فتحاً لجروح ناغرة في التاريخ، وإثارة لغبار لا حاجة لنا بتعكير الجو به أكثر مما هو عليه. اعتماداً على روايات منتقاة طبقاً لفكرة مثبتة مسبقاً، دون استناد إلى منهج علمي، يقوم على دراسة السند والمتن. ولا ينفع شيئاً في موضوعة العلوي التي يسميها (المصالحة التاريخية). بل يفتح محضراً للتحقيق في محكمة لا شهود فيها، ولا أدلة نفي ولا إثبات،
سوى الادعاء؛ فلا يزيد الخلاف إلا خلافاً، ولا المجتمع إلا اختلافاً.
وإذا كانت المصالحة مع المجتمع أساسها المصالحة مع التاريخ، فإن هذا الكتاب لا يصب إلا في تيار المقاطعة. فكيف يكون من المصالحة؟!
هذه هي الكتب التي يريدها الشيعة! ويفرحون لها، ويجدون فيها
تقريرات ممتعة، كإمتاع حوارات كتاب المراجعات. ومن هنا وصفه العلوي بأنه (انتصار للإمام علي) وأنه (فتح منهجاً إسلاميا يمتزج فيه التسنن والتشيع بمحمدية علي وعمر).
هذا والتشيع أو التسنن هو دين أساسه العقيدة، والعقيدة تطلب من مظانها التي يأتي على رأسها القرآن الكريم، ثم السنة، ولا ثالث لهما. وليس التاريخ مجالاً لمعرفة العقيدة. فكيف يفتح كتاب موضوعه التاريخ (منهجاً إسلامياً يمتزج فيه التسنن والتشيع) على تلك الصورة الحالمة الرائعة (محمدية علي وعمر)؟!
ألا إن هذا تخليط وخبط عشواء!
 
الفصل الثاني
 
الخميني
النسخة طبق الأصل لعمر وعلي
والمثال الأروع لفقهاء المشاركة
 
من أغرب ما صادفت من أفكار العلوي (العروبي) افتتانه بشخصية الفارسي الشعوبي الذي ابتدأ حكمه بحرب العراق، الوطن الذي ينتسب إليه العلوي، ولم يقلع عن جريمته تلك حتى اضطر إلى تجرع كأس السم.
ذلك هو الخميني الأب الروحي، والمثل الأعلى للعلوي. حتى شبهه بعمر بن الخطاب، وعقد للمقارنة بينهما كلاماً مطولاً، استغرق فصلاً منفرداً في آخر الكتاب (ص266-276) بعنوان (من تجارب المشاركة العلوية العمرية). ذيّله بهذه الكلمات:(بعد أن انتهى الإمام الخميني من تأسيس جمهوريته العلوية، وجدنا التجربة العمرية شاخصة)!.
 تصوّر..!
وجعله المثال الأروع لفقهاء المشاركة ومشروع المصالحة! ويعطي للعنوان الأول في الفصل هذه الكلمات: (جمهورية الخميني العلوية والتجربة العمرية)!!!
دماء على نهر الكرخا هل مسح من ذاكرة العلوي؟
الآن حصحص الحق، وظهرت النوايا، وأسفرت الخبايا! فـ(جمهورية الخميني علوية.. وتجربته عمرية).. وليست فارسية عنصرية! وكأنه لم يقل يوماً في كتاب له بعنوان (دماء على نهر الكرخا) عن دولة الخميني: (وما زال قميص علي (ع) وأبنائه البررة مرفوعاً على سارية الدولة الإيرانية بعد أن تسلمته من الصفويين، وتسلمه هؤلاء من أحفادهم - يقصد أجدادهم – البويهيين)[20].  
 ولم يقل في مقدمة كتابه المذكور: (يأتي كتابنا المتواضع محاولة علمية في قراءة الوجه الآخر من تاريخ العراق العربي وإيران الفارسية... إن النقطة المركزية فيه تستهدف الوصول إلى تصور جديد، هو أن الفرس استثمروا التشيع لصالح سياستهم القومية، وتوسيع ملكهم على حساب الأمة العربية، وأرضها، وتاريخها. بينما لم يقدم زعماء وملوك وقادة الفرس للتشيع شيئاً من قضيته الفلسفية، والسياسية. بل اكتفوا في توريط المذهب الجعفري بمستحدثات استنكرها العلماء المنصفون. وفي جعله وسيلة من وسائل السياسة الحاكمة، ففقد التشيع أصالته وشعبيته... والكتاب بعد هذا وذاك، تاريخ يستحضر، وحاضر يستأرخ، لنرى أن ما في إيران اليوم شيء حدث مثله في التاريخ. وأن ما بين العراق وإيران ليس خلافاً بين حكومتين. إنما هو شي سنراه بين صفحات الكتاب، ابتداء من تمزيق الفرس لأول وحدة عراقية، وأول دولة تؤسس في العالم، وهي مملكة سومر وأكد في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وحتى الربع الرابع من القرن العشرين حيث أدون هذه السطور وأمامي على شاشة التلفاز صورة مدفع عراقي يواجه مدفعاً فارسياً. وهو نفسه استمرار لصراع حضاري وقومي ملتهب بين الآرية والسامية، ثم بين الأعجمية والعروبة. وعمر الصراع أربعون قرناً. يكون النصر فيه للفرس حين تكون في العراق حكومة ضعيفة وقيادة مستضعفة. ويكون النصر للعراقيين حين يتوفر لهم قائد عظيم وحكومة مركزية قوية. كما كان الحال مع حمورابي ونبوخذنصر وسنحاريب)[21]وكأنه يريد أن يكمل ويقول: ... وصدام حسين.
هل تجد أوضح وأصرح من هذه الكلمات في تشخيصها للصراع وجذوره، وحقيقة الدور الذي لعبته العمامة الفارسية؟
 
الخميني الشبيه طبق الأصل لعمر بن الخطاب..!
لكنه يتناسى كل هذا، ليجري (ص268) مقارنة بين الخميني وعمر، تجعل منهما شبيهين إلى حد التطابق من عدة وجوه أساسية فيقول: (وأقول كشاهد ومراقب لتاريخ الثورة الإسلامية في إيران، إن الخميني طبق هذه الإجراءات عند إطاحته بنظام كسرى بحذافيرها، فصادر ممتلكات الأسرة الكسروية ووزع أراضي الإقطاعيين على الفلاحين، وجعلها أملاكاً للدولة، رغم أن صعوبات واجهته من داخل المؤسسة في المضي بمشروع الثورة الزراعية.
ليس تشابه التجربتين والمرحلتين، وكلتاهما أدت لتحويل بلاد فارس من نظام كسروي إلى نظام إسلامي، مقتصراً على السلوك الخاص والسمات الشخصية كالورع والزهد والتواضع وإنما في تشابه الإجراءات كما أسلفنا.
ونضيف أن الخميني لم يوصِ بدور لابنه في خلافته، وإنما ترك الأمر لمجلس الخبراء، الذي يشبه مجلس الشورى عند عمر، وكما أُبعد عبد الله بن عمر عن دور أساسي في اختيار الخلف، أبعد أحمد الخميني عن دور له حسب وصية والده.
وتوفي عمر، ولم يترك إرثاً لأحد من ابناءه، وهو الذي كانت عليه عائلة الخميني بعد رحيله.
وعلى ما كانت عليه مهابة عمر وعلو مكانته مؤسساً لأول دولة عربية بالخارطة الحالية للوطن العربي، وعلى ما فيه من شجاعة ونفوذ، فقد سمحت بعض قوى العراق ومحلات بغدادية بجعله شخصية كاريكاتورية، ومادة للكوميديا الجاهلية، تغري الصبيان والسوقة بتسخيفه والضحك عليه، سُمح أيضاً، وفي البلد نفسه، لأن يتحول الخميني بتقواه ومهابته وشجاعته وزهده وعزمه، إلى مادة للكوميديا، في مسرحيات يشترك فيها سقطة القوم بسفسان الكلام).
ويغمض العلوي عينيه، ويصم أذنيه عن مظالم الخميني ودولته، وتصرفاتهما الطائفية العنصرية، وقد وصلت الأوضاع والممارسات حد الزكمة، بل الاختناق! فيقول مضيفاً: (ولو كان الخميني في دوره هذا فقيهاً عربياً سنياً، وثورته في بلد عربي سني، لنعمت الأمة بعصر جديد من العصور المحمدية العلوية، وقد أحال بينه وبين هذا الحلم أنه إيراني، والمنطقة عربية، وشيعي والمنطقة سنية).
ثم يكمل قائلاً، وفيما يقول صدى لما يردده الطرف الإيراني من أن العراق خاض حرباً أمريكية بالنيابة: (ولهذا كنت أكرر القول في نشاطي السياسي والإعلامي، إن حرب النيابة الأمريكية لتحجيم ثورة الخميني لم تكن ضرورية، فهذه الثورة محجمة بالعاملين إياهما، ومحددة الحركة بحدود إيران، وبالحجم السكاني للمسلمين الشيعة في المحيط السني الواسع).
وهو اجترار لما قاله في أول الكتاب (ص6): (وتغير الحرب الأمريكية على دولة الفقيه الشيعي، الذي حجز في طهران على موظفي أكبر سفارة أمريكية في خليج العرب والمنطقة).
ويرجع إلى مقارناته الوهمية ليقول (ص270): (وتقضي الصدف، بلغة علمانية، وإرادة الله، بلغة دينية أن تكون مدة ولاية عمر على رأس الدولة تمتد إلى 128 شهراً. وولاية الخميني تمتد إلى 136 شهراً. فيقترب الزمان بالمكان وتتقارب التجارب، ولم يترك سوى شهور قليلة هي بقدر الخلاف في الاجتهاد بين تجربتين عاشتهما إيران في صراعها ضد السلالات الكسروية).
ولا يشفي عرامته بهذه المقارنات حتى يفرد عنواناً آخر لها هو (على خطى عمر) ليقول (ص270-271) فيه: (فكما رفض عمر أن تفرش على عباءته في المسجد النبوي تيجان كسرى وصولجانه وخزائن الماس والذهب، رفض الخميني أن يقترب من رؤية هذا العرش المرصع بالماس. وكما فضل عمر بن الخطاب صحن الخزف على الأواني المصنوعة من الذهب والمرصعة باللؤلؤ، فتركها ووزع ثمنها للمستحقين، أو أعادها إلى بيت المال، وجلس على حصيرته في المسجد النبوي، يقضم كسرة الخبز اليابس ويرطِّبُها بقليل من اللبن في صحن الطين، جلس الخميني على حصيره في مصلى جمران ووجبته وجبة عمر، وهي وجبة النبي (ص) يشارك ابنته وزوجها).
وتشتد عرامته، وتهيج عاطفته إلى حد الشبق فيترع ما في جوفه حتى يريه قائلاً (ص271): (أجل إن عاطفتنا تتسع، فتقفز من الذاكرة الملتهبة إلى شبكة العين صورة رسمها الشاعر محمد مهدي الجواهري لأبي العلاء المعري، فخرجت منه، ومن المعري إلى من كانوا ظاهرة في التاريخ البشري، أنبياء بحجم محمد (ص)، وأئمة بحجم علي، وخلفاء بحجم عمر، وفقهاء من طراز الخميني:
 

على الحصير وكـوز الماء يرفـده

 

وذهنـه ورفوف تحمـل الكتبا

أقام بالضجـة الدنيـا وأقعـدهـا

 

شيخ أطل عليها مشفقاً حـدبـا

بكى لأوجاع ماضيها وحاضرهـا
    

 

وشامَ مسـتقبلاً منها ومرتقبـا

حِّنا(؟) على كـل مغصوب فضمـده
     

 

وشجَّ من كان أياً كان مغتصبـا

 
ومن مقارناته الطريفة ما قاله (ص275): (انتقدت مصادر مختلفة أن يزج عمر بجيشه إلى الثغور في ظروف صعبة، مما أوقع في جيشه خسائر بشرية شملت قادة كباراً كالنعمان بن مقرن والمثنى بن حارثة. ومصادر كثيرة انتقدت الخميني، أنه زج بأتباعه لمواجهة غير متكافئة مع قوى الجيش، فمشت الدبابات على أجسادهم).
وليس عندي هنا سوى سؤال واحد أوجهه للعلوي المهووس بالخميني: لو كان عمر مكان الخميني، هل سيزج بأتباعه في حرب خاسرة ضد شعب العراق جارهم المسلم؟ أم يوجههم للجهاد ضد الروس الذين كانوا يومها يحتلون أرض الجار المسلم الآخر أفغانستان، ويبيدون شعبها؟
ويظل يقارن ويقارن حتى يصل حد الإفلاس فلم يجد إلا أن يقول (ص273): (وعرف اهتمام عمر بشؤون الرعية، وكان عام المجاعة امتحاناً ربانياً وانسانياً لرؤية عمر على الطبيعة، فجاع مع جوع المدينة، واستحال وهو الخليفة شخصاً من فقرائها لا يأكل ما لا يقدر عليه جياع البدو النازحين ممن ضربهم القحط والجفاف، فشحب لونه، ومال وجهه إلى الجفاف، وبدا عليه ما يبدو على الجياع في مشاهد التاريخ والحاضر فسمي (ابو العيال). ولا عجب، فهؤلاء هم دفاعه الشعبي ومركز قوته بعد الله. وعلى هذه الصورة كانت حياة الخميني، وإن لم يمر في إيران عام الرمادة وكان يقول: إن الحفاة هم أولياء نعمتنا، ولو عملنا لهم العمر بعد العمر فلن نرد لهم الجميل. إن الحفاة الجياع هم القادرون على منع الطغاة من اعتقالنا وسجننا. ومن يعتمد عليهم بعد الله، فلا يفكر بأنه سيهلك تحت وطأة الطغاة).
 
الغائبان الحاضران الطوسي وابن العلقمي
ويلاحظ على الكتاب أنه لم يعرض لمؤيد الدين بن العلقمي ونصير الدين الطوسي بذكر! هذين الشيعيين اللذين كان لهما الدور الخطير في احتلال المغول لبغداد، وإبادة أهلها. هل بسبب عقدة التاريخ الشيعي منهما؟ أم ثمة سبب آخر؟ مثلاً هو يعلم أن لمغرومه الخميني أقوالاً شنيعةً في تمجيد نصير الطوسي، فلا يذكره حتى لا يتسبب في نبش قبور الموتى، فتظهر سوءاتهم على سطح الأرض. ربما؟
على أية حال أنا الذي يريد أن ينبش جثة الخميني، وجثة شيخه الذي يتوجع لفقده، ويشبه خسارة الأمة بفقده، والثلم والفراغ الحاصل بموته بالخسارة والثلم والفراغ الحاصل بفقد الحسين والأئمة! فيقول: (ومثل هذا الفراغ والثلم لا يحدث بفقدي أنا أو مثلي ممن يقبع في زاوية بيته، وإنما يحدث بفقد الإمام الحسين u والأئمة من بعده، ويشعر الناس بالخسارة أيضاً بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي والعلامة وأضرابهم ممن قدم خدمات جليلة للإسلام)! وفي مرة أخرى يقول: وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحداً منا بالدخول في ركب السلاطين، فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتناع إلى قتله، إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام وللمسلمين مثل دخول علي بن يقطين، ونصير الدين الطوسي رحمهما الله)[22]. غير أن العلوي يمجد ابن علقمي العصر وطوسيه محمد باقر الحكيم، ويترحم عليه[23]. ولا فرق بينهما إلا كما قال الشاعر:
 

كلا الأخوينِ ضراطٌ ولكنْ

 

شهابُ الدينِ أضرطُ من أخيهِ

 
مؤيد الدين.. نصير الدين.. شهاب الدين..!
هذا عدا أقواله الكثيرة في تمجيد الخميني والثناء عليه، كما في (ص163) إذ يقول: (كانت شخصية الإمام الخميني تذكر عامة المسلمين بزهد عمر وترابية علي)!
ويصف في (ص269-270) سياسته بأنها إسلامية حقيقية، لو لم  تعاكسها الظروف لقادت المسلمين من العراق كما قاد عمر الأمة من قبل!
وتراه يستغل أدنى مناسبة لمدحه! فيفسر منع الخميني طباعة بعض أجزاء (بحار الأنوار) فيقول (ص192): (وكان الإمام الخميني قد أوقف طباعة أجزاء من موسوعة البحار حرصاً على وحدة المسلمين، وحفظ الأجيال الجديدة من تسرب تلك المعلومات اليها. والمجلسي متخصص في روايات التشهير بعمر بن الخطاب، حيث يمكن ردّ ما يتداوله الإعلاميون والمتعلمون والمتحدثون وبعض الفقهاء من معلومات حول عمر إلى مصادر المجلسي).
وهذا غير صحيح، فإن الخميني من المقذعين في سب عمر ويسميه بالمفتري! – كما سيأتيك - وغيره من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
 ولا يكتم إعجابه بالخميني فيقول (ص213-214): (وإذا كان الدكتور التيجاني يتطلع إلى فقه التشيّع، المشبع بروح الثورة والاحتجاج على الظلم، والدفاع عن روح الإسلام، فأمامه متسع من العناوين المقصودة، وإذا كان معجباً مثلي بتشيّع الإمام الخميني، فالرجل مُعرَّف بكتبه وأقواله، أما تشيّعه فسرُّه عند تلميذه الشهيد الدكتور علي شريعتي، وكتبه منشورة وأفكاره قيد السجال العلمي في حسينيات ومساجد أصفهان وخراسان وطهران).
 
 
 
الفصل الثالث
 
وقفة أُموية
مع جمهورية الخميني العلوية وتجربته العمرية
 
مر بنا قريباً قول العلوي (ص269): (ولو كان الخميني في دوره هذا فقيهاً عربياً سنياً، وثورته في بلد عربي سني، لنعمت الأمة بعصر جديد من العصور المحمدية العلوية). وأن هذا جاء (ص266) تحت عنوان كبير لفصل مستقل هو (من تجارب المشاركة العلوية العمرية.. بعد أن انتهى الإمام الخميني من تأسيس جمهوريته العلوية، وجدنا التجربة العمرية شاخصة)!. ويعطي للعنوان الأول في الفصل هذه الكلمات: (جمهورية الخميني العلوية والتجربة العمرية)!!!
فهل لنا أن نتوقف قليلاً عند بعض ملامح هذه الجمهورية العلوية العمرية؟ ولن أفصل كثيراً، أو أستوعب ما ينبغي أن يقال عموماً، إنما أكتفي بما أراه يناسب المقام، وعلى سبيل التحديد والاختصار. فأتكلم عن موقف الخميني من عمر بن الخطاب نفسه! ثم من أهل السنة، وتاريخ الإسلام، والجنس:
 
موقف الخميني من عمر بن الخطاب
يقول الخميني: (وهذا يؤكد أن هذه الفرية صدرت من ابن الخطاب المفتري، ويعتبر خير دليل لدى المسلم الغيور، والواقع أنهم (أي الصحابة) ما أعطوا الرسول حق قدره!!! الرسول الذي جدّ وكدّ وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم، وأغمض عينيه وفي أذنيه ترن كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية والنابعة من أعمال الكفر والزندقة)[24].
كيف يمكن اعتبار هذا الزنديق مثالاً للتجربة العمرية، ورمزاً للجمهورية العلوية؟! وهو يشتم عمر الفاروق هذا الشتم المقذع؟! ويحعله في الفقرة التالية متآمراً على الإسلام، يريد اجتثاثه من جذوره! ولا يعترف الخميني إلا بالتشيع، ويعتبره هو الدين الحقيقي، وما عداه فمذاهب باطلة. لكن من أين أتت هذه المذاهب؟ ومن أسسها؟ إنه أبو بكر وعمر ومن كان معهما في سقيفة بني ساعدة! هناك وضعت لبناتها على يد كبار الصحابة! فيقول: (ولولا هذه المؤسسات الدينية الكبرى لما كان هناك الآن أي أثر للدين الحقيقي المتمثل في المذهب الشيعي، وكانت هذه المذاهب الباطلة التي وضعت لبناتها في سقيفة بني ساعدة وهدفها اجتثاث جذور الدين الحقيقي تحتل الآن مواضع الحق)[25].
قال الشيخ سعيد حوى عن سب الصحابة وتكفيرهم عند الشيعة: (وهذا الأمر مستفيض عند علمائهم وثقات محدثيهم من المتقدمين والمتأخرين أمثال ابن بابويه القمي وشيخ الطائفة الطوسي والشيخ المفيد وابن طاووس والأردبيلي وابو الحسن القمي ومحمد باقر المجلسي الملقب عندهم بخاتمة المحدثين والذي اسهب الخميني في الثناء عليه في كتابه " كشف الأسرار " ، وقد أورد المجلسي في كتابه " زاد المعاد " و " حق اليقين " و " بحار الأنوار " من الأكاذيب والحكايات في حق سادتنا أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وخالد بن الوليد وغيرهم ما نتأدب عن نقله.
أما الخميني الذي نادى في أول حركته بوحدة الأمة الإسلامية، فقد كان من المفروض أن يسدل الستار على مثل هذه الضلالات بحق أطهار هذه الأمة ويعلنها حرباً على من يقول بها ويمنع الكتب المؤلفة في سبهم وتكفيرهم، ولكنه بدلاً من كل ذلك تبنى أعتى الشذوذ في هذا المجال. وكان الخميني قد كتب فصلين في كتابه "كشف الأسرار " أحدهما في بيان مخالفة أبي بكر للقرآن[26]، والآخر في مخالفة عمر لكتاب الله[27] ، فيهما من الكذب والافتراء والحقد على أئمة المسلمين ما لا يتصور وصفه من رجل يدعي العلم والمعرفة والدين. فقال في حق الشيخين: (إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن ومن تلاعب بأحكام الإله، وما حلَّلاه وما حرماه من عندهما، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي وضد أولاده. ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين... إن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى والأفاقون والجائرون (كذا) غير جديرين بأن يكونوا في موضع الإمامة وأن يكونوا ضمن أولي الأمر)[28].
ووصف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن أعماله: (نابعة من أعمال الكفر والزندقة والمخالفات لآيات ورد ذكرها في القرآن الكريم)[29].
بل ذكر خلاصة كلامه عن سبب عدم ورود ذكر الإمامة في القرآن الكريم وما قام به الشيخان في زعمه من اغتصاب للخلافة ما نصه: (من جميع ما تقدم يتضح أن مخالفة الشيخين للقرآن لم تكن عند المسلمين شيئاً مهماً جداً، وأن المسلمين إما كانوا داخلين في حزب الشيخين مؤيدين لهما، وإما كانوا ضدهما ولا يجرؤون أن يقولوا شيئاً أمام أولئك الذين تصرفوا مثل هذه التصرفات تجاه رسول الله وتجاه ابنته. وحتى إذا كان أحدهم يقول شيئاً فإن كلامه لم يكن ليؤخذ به. والخلاصة: حتى لو كانت لهذه الأمور ذكر صريح في القرآن فإن هؤلاء لم يكونوا ليكفوا عن منهجهم ولم يكونوا ليتخلوا عن المنصب)[30]. إ.هـ.[31].
موقف الخميني من أهل السنة
مر بنا قريباً كيف جعل الخميني من مذهب أهل السنة مذهباً باطلاً وضع لبناته أبو بكر وعمر وأصحابهما تحت قبة السقيفة، من أجل التوصل إلى هدم دين الإسلام! ويقول في كتابه المسمى (الأربعون حديثاً ص592): (إن ولاية أهل البيت عليهم السلام شرط في قبول الأعمال عند الله سبحانه، بل هو شرط في قبول الإيمان بالله والنبي الأكرم e).
وقال (ص590-591): (فكل من توفرت فيه هذه الأمور الثلاثة - آمنوا وتابوا وعملوا صالحاً - فاز وشملته ألطاف الله سبحانه وأصبح مكرَّماً أمام ساحة قدسه، فتتحول سيئاته وآثامه إلى حسنات. ومن المعلوم أن هذا الأمر يختص بشيعة أهل البيت، ويحرم عنه الناس الآخرون، لأن الإيمان لا يحصل إلا بواسطة ولاية علي وأوصيائه من المعصومين الطاهرين عليهم السلام، بل لا يقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية... ويعتبر هذا من الأمور المُسَلَّمة، بل من ضروريات مذهب أهل التشيع المقدس، وتكون الأخبار في هذا الموضوع أكبر من طاقة مثل هذه الكتب المختصرة على استيعابها وأكثر من حجم التواتر).
وقال في كتاب (المكاسب المحرمة): 1/249-252) بـ(عدم الأُخوة بينهم وبين المخالف – وأول المخالفين عنده أهل السنة – ووجوب البراءة منهم ومن مذهبهم وأئمتهم، كما تدل عليه الأخبار واقتضته أصول المذهب... فغيرنا ليسوا بإخواننا وان كانوا مسلمين).
وإياك أن تنخدع بحكمه لغيرهم بالإسلام، فإنما يعني به الإسلام بحسب الظاهر، وذلك أن المخالف في مذهبهم كافر وأعماله باطلة وحكمه الخلود في النار حتى يعتقد بولاية الاثني عشر! كما هو صريح الأقوال السابقة، ولازمها.
وقال: (فلا شبهة في عدم احترامهم بل هو من ضروري المذهب كما قال المحققون، بل الناظر في الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرقة لا يرتاب في جواز هتكهم والوقيعة فيهم، بل الأئمة المعصومون، أكثروا في الطعن واللعن عليهم وذكر مساويهم. فعن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: إن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم؟ فقال: الكف عنهم أجمل ثم قال: يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغاة – أي زنا - ما خلا شيعتنا. والظاهر منها جواز الافتراء والقذف عليهم).
وقال الشيخ سعيد حوى: (انظر إلى الخميني ناقلاً ومتبنياً في رسالته " التعادل والترجيح " وهو يبحث في الأخبار الواردة في مخالفة العامة - أي أهل السنة والجماعة - [التعادل والترجيح : 80 - 81 ، وأصل الرسالة بالعربية مطبوعة ضمن رسائل له في طهران] فيقول : (وهي طائفتان: إحداهما وردت في خصوص الخبرين المتعارضين. وثانيهما ما يظهر منها لزوم مخالفتهم وترك الخبر الموافق لهم مطلقاً). وبعد أن ساق الخميني مجموعة من الروايات المختلقة المنسوبة إلى آل البيت الكرام في وجوب مخالفة أهل السنة والجماعة استطرد قائلاً: (ولا يخفى وضوح دلالة هذه الأخبار على أن مخالفة العامة مرجحة في الخبرين المتعارضين مع اعتبار سند بعضها ، بل صحة بعضها على الظاهر واشتهار مضمونها بين الأصحاب ، بل هذا المرجح هو المتداول العام الشائع في جميع أبواب الفقه وألسنة الفقهاء). وقد انتهى الخميني في بحثه الفقهي في هذه المسألة بقوله: (فتحصل في جميع ما ذكرنا من أول البحث إلى هنا أن المرجح المنصوص ينحصر في أمرين: موافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة) [التعادل والترجيح : 82][32].
أهذه هي دولة عمر وجمهورية علي؟! دولة يحكم علينا فيها بالكفر، ويفترى علينا الكذب والتهم الباطلة، وتهتك فيها أعراضنا، ونقذف ونوصم بأبناء الزنا، ونسب ونطعن كثيراً، ونلعن لعناً كبيراً! ويوجب علينا فيها أن نتبرأ من مذهبنا وأئمتنا! ومن أئمتنا؟ أليس أولهم أبا بكر وعمر، وأبا حنيفة وابن حنبل؟
أهؤلاء أئمتك يا علوي! ورموز مشروعك التصالحي؟!!!
 
النظرة السوداوية لتاريخنا
يقول الخميني: (في صدر الإسلام سعى الأمويون ومن يسايرهم لمنع استقرار حكومة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، مع أنها كانت مرضية لله وللرسول. وبمساعيهم البغيضة تغير أسلوب الحكم ونظامه، وانحرف عن الإسلام، لأن برامجهم كانت تخالف وجهة الإسلام في تعاليمه تماماً. وجاء من بعدهم العباسيون، ونسجوا على نفس المنوال. وتبدلت الخلافة، وتحولت إلى سلطنة وملكية موروثة، وأصبح الحكم يشبه حكم أكاسرة فارس، وأباطرة الروم، وفراعنة مصر، واستمر ذلك إلى يومنا هذا) [33].
هذه النظرة المتطرفة، ليست نظرة نقد وتقويم، يستند على التقييم الموضوعي، الذي يأخذ بالحسبان السيئات والحسنات، يضعهما جميعاً في الميزان، ثم يستخلص النتيجة. إنما هي نظرة شعوبية اجتثاثية تشطب على تاريخ دولة الإسلام على اختلاف أدوارها، وممثليها منذ خلافة الصديق (إلى يومنا هذا)! وتعتبر كل الحكومات التي قامت دون استثناء، هي حكومات أكاسرة وأباطرة وفراعنة. وليس من علاج لها إلا البتر والإزالة من الوجود، ولو على يد المغول والأمريكان، ودول الصلبان والأوثان.
ولهذا ترى الخميني يتوجع لفقد الخواجا نصير الدين الطوسي، الذي مهد لهولاكو غزو بغداد وإسقاط خلافة الإسلام العباسية، وكان وزيراً له. وقد مر بنا قول الخميني: (ومثل هذا الفراغ والثلم لا يحدث بفقدي أنا أو مثلي ممن يقبع في زاوية بيته، وإنما يحدث بفقد الإمام الحسين u والأئمة من بعده، ويشعر الناس بالخسارة أيضاً بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي والعلامة وأضرابهم ممن قدم خدمات جليلة للإسلام)[34]! ولا شك في أن على رأس هذه (الخدمات الجليلة) إسقاط الخلافة العباسية!
 
موقف الخميني من الجنس
يقول العلوي في معرض ذكره لفقهاء الشيعة ومسائل الجنس (ص90): (وفي السياق ذاته يورد الفقهاء مسائل الجنس في كتبهم إلى حدّ طغيانها على مسائل الحقوق المدنية والسياسية في المجتمع الإسلامي، مما أنكره الإمام الخميني على فقهاء عصره احتجاجاً على انشغالهم بما اسماه بقضايا الحيض والنفاس).
فهل فات العلوي أن إمامه الخميني غارق في حديث الجنس، وفي الحيض والنفاس إلى ذقنه؟! ليرجع – إن شاء - إلى كتبه الفقهية مثل (زبدة الأحكام) و(تحرير الوسيلة). وهاك مثالاً واحداً منها:
يقول الخميني (تحرير الوسيلة: 2/241): (لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين دواماً كان النكاح أو منقطعاً. وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة).
ويظل يفصل في هذا الموضوع، وبألفاظ مستقذرة، وتفاصيل مستسخفة، لا أقوى على تسطيرها. فليرجع العلوي – إن شاء - إليها في موضعها؛ عساه ينكر على إمامه ما أنكره إمامه على سواه. وأنا أستثير في العلوي حسه العربي فأسأله: هل يرضى عربي من أعراب الجاهلية سماع مثل هذا الكلام الرذيل؟ كما أسأله: كيف رضيت لنفسك أن تجمع وتقارن بين شخصية عجمي ديوث يستجيز ما لا تستجيزه إلا الشياطين، وبين شخصية عربي غيور، تروي الكتب الشيعية نفسها أنه هو الذي حرم رذيلة المتعة؟ وتجعل الأول مثالاً له، ونموذجاً شاخصاً يعيد ذكرى دولته وتجربته؟!
 
 
الباب الرابع
 
العلوي
علوي أم صفوي ؟
 
الفصل الأول
 
العلوي العروبي
صديق إيران الشعوبي
 
يقول العلوي (ص132): (كنت أسمع أن بعض الرجال الموسرين يذهبون إلى إيران ويستمتعون بالنساء هناك).
وعلق في الحاشية على هذه العبارة قائلاً: (كنت أقرأ على صديق قديم في الحركة الإسلامية العراقية. عند زيارته لي أثناء تحرير الفصول لاختبار موقفه من مسألة المتعة، وهو من أنصار حلالها والنافحين عنها كيد أعدائها! حتى إذا وصلنا لقولنا هذا، صعق. وقال وهو ناصح حقاً. إن هذا القول فيه تجنٍ على إيران. وإن كنت تتحدث عن خمسين عاماً سابقاً، وسينسحب الضرر على إيران الإسلامية، وأنت صديق لها).
لكنه قبل ربع قرن تحدث عن علاقة إيران بالعراق فقال: (ومن الممكن بسهولة استعمال عبارة الحروب العراقية الإيرانية التي تستخدم عند السياسيين والإعلاميين لوصف تاريخ البلدين المتجاورين. فقد كان هذا التاريخ الذي يمتد إلى أكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد مخضباً بدماء الجنود العراقيين الذين دافعوا عن حدودهم الشرقية ضـد هجمات الأقوام التي سكنت مناطق جبال زاجروس وخوزستان المتاخمة للحدود العراقية)[35].
فكيف ساغ لرجل أن يكون صديقاً لبلد له هذا التاريخ العميق في عداوة بلده؟! ويرضى – ولربما يفخر – بأن يوصف هذا الوصف!
وتعجب لـ(قومي) يحسن الظن بحكومة إيران الشعوبية وملاليها الحاقدين، وبسذاجة لا يحسد عليها! وتشفق عليه وهو يأخذ كتاب (إفحام الفحول) الذي يتهجم فيه صاحبه محمد جميل حمود على عمر ويترضى على قاتله فيروز، يشكو إلى مساعد خامنئي! كما يقول (ص196): (حملت كتاب افحام الفحول إلى مسؤول كبير جداً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفقيه من مساعدي السيد الإمام الخامنئي. وأشرت إلى مسؤولية الجمهورية الإسلامية عن صدور مثل هذه الكتب والمواقف، التي توسع الفجوة بينها وبين المسلمين، واستغربت أن يترضى عالم دين مسلم على قاتل مثل أبي لؤلؤة وهو مجوسي، واقترحت أن يوصل رأيي هذا إلى سماحة الإمام الخامئني، ودعوت إلى تشكيل هيئة شيعية عليا لفحص المطبوعات التاريخية، أسوة بما هو موجود في الأزهر الشريف، صوناً لكرامة الأئمة واحتراماً لتاريخ الإسلام وحفظاً لوحدة المسلمين، وكانت المفاجأة بعد أن أصغى إليّ الرجل باهتمام قوله: إنَّ هناك روايات متوفرة لدى رواة أهل البيت أن الذي قتل في المدينة بعد مقتل عمر هو ليس أبا لؤلؤة، الذي تمكن من الهرب والوصول إلى إيران وسألته: وهل هذا يعني أن ما يقال عن وجود قبر يزار لأبي لؤلؤة في إيران صحيح، وهو عندي من المدسوس على الإيرانيين؟. قال المسؤول الفقيه: نعم).
هل تصورت..! يقول عن وجود قبر لأبي لؤلؤة في إيران: (هو عندي من المدسوس على الإيرانيين)! ولم يصدق حتى سمعها صريحة من ذلك المسؤول الإيراني الكبير! كم إذن يحسن الرجل الظن بالفرس وعمائم الدجل في إيران! فكيف جمع بين الاتجاه القومي الذي يؤمن به، وبين حب أعداء العروبة والقومية العربية، والثقة بهم إلى هذا الحد؟ وأقول: هؤلاء هم الشيعة. الكاشاني والكشواني فيهم سواء، لا فرق بين علمانيهم الدنيوي وعالمهم الدينوي. ولك أن تتخفف فتجمع الشخصين في شخص واحد، تعطيه وصفاً واحداً هو (الدينيوي).
هل كان العلوي يعني ما يقول في كتابه (دماء على نهر الكرخا) الذي كان قد كتبه قبل أكثر من ربع قرن عن الفرس وعداوتهم للعرب؟ أم كان ذلك مجرد أفكار قالها تقرباً للحاكم العربي؟ أم بطاقة دخول لحزب البعث (القومي) الذي كان ينتمي إليه؟
لربما كان قد كتب ما كتب في لحظات وعي، كان فيها عقله الواعي مستنفراً بقوة، اقتضتها المرحلة التاريخية يومها: رجل بعثي (قومي)، قريب جداً من رئيس الدولة، يخوض بلده حرباً قومية مع عدو القومية العربية الأول إيران. فعبر عن ذلك طبقاً لما تطبَّع عليه من محفوظات تلقنها في زوايا غرف الاجتماعات الحزبية. حتى إذا ذهبت تلك اللحظات، وانتهى مفعول المحفزات، تغلب الطبع، فتعكر الوعي، وطفت فوقه رواسب العقل الباطن، منطلقة من قعر اللاوعي، بكل ما فيها من مكونات شعوبية، وعواطف فارسية، وثقة بأحباب المنبر الحسيني الذي كان يجلس تحته صغيراً، ولا زال - حد البكاء - يتشوق إليه كبيراً.
ثم بعد كل هذا تراه (يستغرب أن يترضى عالم دين مسلم (فارسي) على قاتل مثل أبي لؤلؤة وهو مجوسي)! ويتفاجأ من موقف فقيه معمم هو مساعد لرأس الأفعى الفارسية خامنئي حيال الحالة! ويتصور أن وجود قبر لأبي لؤلؤة في إيران تهمة مدسوسة عليهم! وفوق هذا يريد أن يقترح على خامنئي (تشكيل هيئة شيعية عليا لفحص المطبوعات التاريخية، أسوة بما هو موجود في الأزهر الشريف، صوناً لكرامة الأئمة واحتراماً لتاريخ الإسلام وحفظاً لوحدة المسلمين)! ما شاء الله! أين هذا من ذاك الذي كان يقوله قبل سبعة وعشرين عاماً؟! أم كان للعمر أثره فانمسحت مكونات ذلك الكاسيت (القومي) من ذاكرته؟
والعجيب أن العلوي - رغم جواب مساعد خامنئي، الذي يعلم حتى المغفلون أنه ما اختاره مساعداً لولا أنه من طينته – لا زال يحسن الظن برأس الأفعى، وبسذاجة أو تساذج يستحق أن يمنح عليه (درجة امتياز) يظل على قوله الأول، ليكرره تكرار المريدين، وترديد العاشقين فيقول (ص198): (وكمحب لأهل البيت ومريد للإمام علي الذي يتعرض تاريخه للتشويه، أناشد السيد الإمام علي الخامنئي من موقعه ، أن يؤسس هيئةً علميةً عُليا للنظر في صلاحية الكتاب المتعلق بأهل البيت، وبتاريخ الإسلام عامةً، أسوةً بما عليه مشيخة الأزهر الشريف، وأسوةً بالخطاب الرسمي في المؤسسات الإيرانية الرسمية، التي تمنع الإساءة والتشهير وما يمس وحدة المسلمين)!!
علماً أن ما يقوله عن الخطاب الرسمي في المؤسسات الإيرانية الرسمية، محض وهم، وهو واحد من تخليطات الكاتب الكثيرة. على أن هذا لا يمنع من كون السياسة ومبدأ التقية الشيعية، يقتضي التخفيف في هذه الدائرة دون تلك، على طريقة (تعدد أدوار ووحدة هدف).
وقد تظنها سبق لسان، أو فلتة قلم أن يصف الغنائم التي أحلها الله للمسلمين، في معرض الحديث عن الأموال التي غنمها المسلمون من الفرس على عهد عمر بـ(المنهوبات) فيقول (ص281): (أن الفاتح العظيم قد ذهب ضحية محتومة لتلك المفارقة الكبرى بين سياسة تقوم على الفتوحات - أي بناء إمبراطورية - وتسعى في الوقت نفسه لإقامة نظام داخلي في توزيع المنهوبات يقوم على التساوي بل ويسعى لمصادرة أموال الأغنياء، قادة الفتح ومؤسسي الإمبراطورية، وتوزيعها على الجنود).
لكنني لا أراها كذلك. وحتى لو كانت كذلك، فإنها خرجت من عقله الباطن الذي يختزن كل هذا التعلق بإيران، والتشويش على تاريخ العرب، ولو كان تاريخ القدوة في صدر الإسلام!
وبعد فأسجل ملاحظة مهمة، وقاعدة راسخة فأقول: لا تخدعنكم كلمات شيعي، يذم إيران، ويتكلم عن أخطاء طائفته ومذهبه، ولو كانت بوضوح كلمات العلوي وقوتها التي ذكرتها قبل قليل، فإن حقيقته التي لا يمكن له أن يتزحزح عنها غير ذلك! إنها تبقى كما هي! على الصورة التي عبرت عنها كلمات العلوي الأخرى، والتي تناقضت معها إلى هذه الدرجة من التناقض!
 
 
 
الفصل الثاني
 
التشيع
الصفوي عند العلوي
 
تكشف الصفحات السابقة عن خيوط عديدة تقودك لاكتشاف منظومة متشابكة (للتشيع الصفوي) بأفكاره وعقائده وعقده، تستبطن ذاكرة الكاتب. فإما تنعكس على قلمه دون شعور منه، وإما يتدسس بها تدسساً قد لا يتنبه له إلا المتيقظون! 
 
اعتزال علي وتفرغه الأكاديمي لدراسة القرآن
يدعي الشيعة أن علياً اعتزل الناس في بيته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بضعة أشهر، ليتفرغ إلى جمع القرآن كما أنزل. فيروي الكليني (أصول الكافي 1/228) عن أبي جعفر (ع) أنه قال: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب. وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب (ع) والأئمة من بعده (ع). والروايات في هذا والأقاصيص كثيرة!
انظر إلى العلوي كيف يصوغ الحكاية (ص95-96): (وبسبب ثقل الإمام علي واتساع خبرته وعمق صلته بالإسلام وتفرغه الأكاديمي لدراسة القرآن والحديث الشريف في فترة اعتكافه بعد مبايعة أبي بكر، والتي استمرت ستة أشهر فقط).
وظل العلوي يلح على شهور القطيعة، يقلبها ظهراً لبطن، وبطناً لظهر، فيأتينا في كل مرة بداهية، بل دواهي!.
ها هو يقول مرة (ص97-98) : (خرج الإمام علي على تقليد سائد في اللجوء إلى قوة السلاح أو حتى إلى حجج اللسان، فأحال شهور القطيعة الستة إلى معتكف علمي لدراسة القرآن ومراجعة الأحاديث النبوية وترتيب الأوراق والأولويات وأوراقه الشخصية وتنشيط الذاكرة وتسجيل شهادته في أسباب النزول، فأسست في شهور القطيعة الستة لأول مرة في تاريخ العرب والمسلمين ظاهرة السياسي المثقف والخليفة الفقيه ومن يسمى الآن آية الله أو المرجع الدستوري في الدولة. فجددت تلك المرحلة عشرين عاماً من التلمذة الروحية لمريد النبي (ص).
عن أي شيء يتحدث العلوي؟!
أي سلاح؟! وأي معتكف علمي لدراسة القرآن ومراجعة الأحاديث النبوية، وتسجيل أسباب النزول؟! وأين نجد هذا التسجيل؟ وأي أوراق شخصية قد رتبها؟! وهل كان لعلي أوراق شخصية يعمل لها؟ وأي سياسي مثقف أو خليفة فقيه ولد في هذه الستة الشهور؟! ألم تكفه تلمذة ثلاث وعشرين سنة على يد الرسول، حتى يحتاج إلى ستة أشهر يعلم بها نفسه بنفسه؟! وأي آية لله؟! وأي مرجع دستوري في الدولة؟! وهل كانت الدولة تتخذ من علي وحده آية أو مرجعاً دستورياً؟ إذن أين بقية أهل الحل والعقد والفقه والسياسة من الصحابة؟ أم إن أحداً غير علي لم تتهيأ له فترة اعتكاف كفترته؛ فحرم من هذا العلم الذي لا أدري كيف تنزل بعد موت الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم؟!
هذا كله من كلام المخرفين من رجال دين الشيعة. ولك أن تعجب
من علماني يدّعي الحيادية يهرف به بوعي أو بغير وعي!
 
علي يدرس القرآن خلي البال والأمة تتعرض للاجتثاث
ثم ألم تكن فترة الشهور الستة الأولى هي أحرج فترة في تاريخ دعوة ودولة الإسلام؟! ألم يتعرض فيها الإسلام ودولته إلى خطر الاجتثاث على أيدي المرتدين وفارس والروم؟ فهل يعقل أن علياً كان أيامها خلي البال، ناعم الحال، لا شأن له، ولا همّ إلا الدراسة الدينية، ومراجعة الأوراق الشخصية، وتنشيط الذاكرة التي لم تنشطها كل تلك الأحداث الجسام؟!!
أي تخريف يا علوي؟! وأي تخليط؟!
وإذا كانت الدولة لم تحتج إلى ذلك (السياسي المثقف) و(الخليفة الفقيه) و(المرجع الدستوري) في أشد أيامها صعوبة، ولياليها حلكة، فما حاجتها إليه من بعد؟! وهل يمكن أن تغفر له تخليه عنها في أيام الشدة، لتتخذ منه مرجعاً في أيام الرخاء؟
 
العلوي يرد على نفسه
كتبت كلماتي السابقة قبل أن أصل إلى (ص197) لأجد فيها سطوراً لونتها باللون الأحمر عند قراءتي الأولى للكتاب، كنت قد نسيتها. سطوراً تعبر عن تناقض فاضح في أفكار العلوي، وأنه يتبنى الفكرة ونقيضها حسب الحال، وحسب الحاجة! يقول العلوي في تلك الصفحة التي تفصل بينها وبين ما قاله في سطوره السابقة مائة صفحة، كانت كافية – ربما - لأن تنسيه ما قال هناك ليقول هنا: (ليس من الصعوبة أن نعثر على مكان وجود الإمام علي في الفترة التي غيّب عنها في مصادر القطيعة. يُجيبنا العلاّمة الخطيب السيد محمد كاظم القزويني على هذا التساؤل في كتابه الرائج (الإمام علي من المهد إلى اللحد) منشورات مؤسسة النور بيروت 1993 / قائلاً وقد وضع عنواناً لفصل من كتابه هو: الإمام علي (ع) جليس البيت: جاء فيه "حديثنا الليلة حول الفترة التي انقضت على أمير المؤمنين (ع) وهو جليس البيت، مسلوب الإمكانيات، وقد ابتدأت تلك الفترة من يوم وفاة رسول الله (ص) واستيلاء أبي بكر على مسند الحكم...".
انتهى نص العلامة القزويني فشرع يروي أحداث الشورى، حيث ظهر فيها الإمام علي لأول مرة على مسرح الحياة السياسية بعد أن أمضى ما يقارب ثلاثة عشر عاماً جليسَ البيت مسلوب الإمكانيات.
إن جوابي على جواب العلامة محمد كاظم القزويني، سيظهر عليه شيء من ميول الانحياز الكبير للإمام علي مما لا أستطيع السيطرة عليه في حالةٍ تعتريني كلما صدمتني رواية وصفعني مشهد يزكم النفس، فتتضرى عبارتي وتتوحش آدابي ومن سيمنع عني ذلك، وأنا العلوي المحب لبني قومي، وأهلي الذاب عنهم كيد خصومهم ومحبيهم فأرى إمامي الأول في معتكف الاختيار، وأبو بكر يؤدب المرتدين ويعيدهم إلى حيازة المدينة، وعمر يصول بين جرجان وطبرستان ويجولُ في إيلياء وفي بيت ماله مرصعات التيجان؟. كيف أسكت عن رواية تحجر الإمام جليس بيت مسلوب الإمكانيات، في أخطر مرحلة تأسيسية في تاريخ الإسلام، معزولاً عن المشاركة في الجهاد، تاركاً لغيره لواءه).
ولك أن تضحك هنا ومن كل قلبك! ألست أنت يا علوي من حجرت الإمام ستة أشهر - هي أخطر مرحلة تأسيسية في تاريخ الإسلام - جليس بيته مسلوب الإمكانيات، معزولاً عن المشاركة في الجهاد، تاركاً لغيره لواءه. حتى إذا انتهت أكبر فتنة في تاريخ الإسلام، وتوحدت الأمة من جديد، أخرجته من بيته ليشارك القوم غنمهم من حيث لم يشاركهم غرمهم!
من الآن أحق بأن (يصفعه المشهد الذي يزكم النفس؛ فتتضرى عباراته، وتتوحش آدابه)؟!
ألا كم صفعتنا وصفعنا قومك يا علوي! وكم أزكمتم نفوسنا! فعذراً - أيها القارئ – إذا تضرت عباراتنا، وتوحشت آدابنا من دعاوى هؤلاء، وتلون عباراتهم، وتغير جلودهم، وتعدد وجوههم.
ويظل العلوي مصدوماً مزكوماً متضرياً متوحشاً، فيعيد عباراته، ويصقل حروفه، ويكرر معانيه فيقول (ص199): (يصدم المتابع أن بعض المصادر تتحدث في قضايا تمس مصائر الأمة، وأحداث ساخنة، فلا ترى فيها الإمام علياً حاضراًَ، وإذا ما حضر، فليس لك أن ترى اسمه إلاّ بمكبرة الحروف. إن مساحة المدينة وتعدادها السكاني يجعلان من غير المعقول غياب شخصية بحجم علي بن أبي طالب عن أحداث التاريخ).
فكيف غيبتها أنت إذن؟ وستة أشهر؟!!
ثم يقول (ص198) وهو يتحدث عن هذا المنهج المنحرف: (إنه لا يغلو في حب الإمام علي كما يغلو في بغض عمر وكراهية الصحابة، ولا بأس عنده وهو مخمور بروح الكيد أن تكون الرواية والرأي اللذان يستدل بهما مسيئين للإمام علي، كما يحصل في كتاب السيد محمد كاظم القزويني وفي كتب أخرى تعبيراً عن هذا المنهج).
هل يمكن أن نسأل العلوي: بأي روح كان مخموراً حين أساء إلى علي وجعل منه جليس بيته، في وقت كان فيه الرجال من حوله يسطرون أروع الملاحم في سفر أمجاد الأمة؟!!! 
 
علي اختار أن لا يرفع السيف في وجه أبي بكر
 والآن أعود إلى سياق الرد أول الفصل فأقول: ما الأمر الذي يمكن أن نفترضه يدعو علياً إلى حمل السلاح، والخروج على الخليفة، حتى نمتدحه على تركه له، واختياره العزلة للدراسة، واجترار الألم مع زوجته كما سيأتي من قوله لاحقاً؟!
هل من خطأ؟ هل من خروج عن جادة الدين؟!
لا شيء إلا ما يدّعيه قوم العلوي من أن أبا بكر – ومعه جمهور الصحابة – قد اغتصبوا علياً حقه الشرعي في الخلافة، وأنه آثر الصمت على الكلام، والموادعة على اللجوء إلى السلاح؛ حفاظاً على وحدة الصف، واجتماع الكلمة. الأمر الذي لم يفعله الشيعة، فلم يلقوا السلاح، ولم يكفوا ألسنتهم عن الأمة حفاظاً على وحدتها، على الأقل اقتداءاً بمن يدّعون أنه (إمامهم)!
أهذا ما يدندن حوله العلوي؟ ويكني عنه ولا يستطيع التصريح به؟
ومرة تراه يقول (ص100): (إذا كانت براعة عمر بن الخطاب، التي سأتحدث عنها في صفحات لاحقة قد سجلت ليوم السقيفة أن يملأ الفراغ، فالذي منع الانشقاق وحال دون الانقسام هو الإمام علي بن أبي طالب الذي اكتفى بالاحتجاج العلمي والعيش مع البحث العلمي في القرآن وإلى جانبه زوجته بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أكل الحزن جسدها النحيل فلم تقاوِم سوى تلك الشهور لتبقى حيةً، وقد فارق والدها الحياة).
وهلم جراً..!
 
 
الفصل الثالث
 
الانحياز الطائفي
 
يدعو العلوي – كما يبدو – إلى مشروع تصالحي اجتماعي، يندمج فيه الشيعة، مع محيطهم السني، ويشاركون مواطنيهم يداً بيد في بناء المجتمع، ومناشط الحياة جميعاً، ويتركون ما درجوا عليه من مناهج القطيعة.
هذه الدعوة العظيمة لا بد لأصحابها أن يكونوا هم أول الصالحين لتطبيقها، وتنفيذ فقراتها على الواقع. وحتى يكونوا كذلك لا بد أن يكونوا حياديين، غير منحازين، يؤمنون بما يطرحون من دعوات إيماناً راسخاً، له حقيقة تمتد إلى أبعد من العواطف والرغبات والأماني. فمن كان منحازاً لطائفته، متعصباً لها، ملتاثاً بكل العناصر التي تقتل البيئة الحاضنة للمشروع المطروح، أنى له أن يكون أداة منفذة له؟ فضلاً عن أن يكون من دعاته، والمؤسسين له!  
فما هو موقع العلوي من هذه المعادلة؟
نقلب صفحات الكتاب، ونرى.
 
دعوى الأغلبية الشيعية
يقول العلوي (ص7): (في الشيعة والدولة القومية عالجنا ثلاث قضايا أساسية: أولها تعجيم الشيعة بما يجعل العرب في العراق أقلية أمام الأكثرية غير العربية، لو نجح مشروع التعجيم هذا، وبإبطالنا تعجيم الشيعة إنما ندعو لأغلبية عربية تحفظ الوجود القومي في العراق).
 فهو – كباقي الشيعة – يدّعي الأغلبية الشيعية في العراق. وليس له من سند لذلك، سوى الانحياز الطائفي.
 هذا.. ولست في معرض الرد على العبارات، وبيان بطلانها بالتفصيل. إنما يهمني من النص موضع الشاهد؛ فعدم تعليقي عليه لا يستلزم موافقتي له. ولا بأس أن أقف قليلاً عند هذا النص – كمثال - لأبين كيف يتلاعب الكاتب بالألفاظ والعبارات – كما هو ديدن الشيعة دائماً في اتباعهم المتشابهات وتركهم المحكمات - ليصل إلى مراده منها بالطريقة المتعسفة المألوفة. فنحن حين نتهم الشيعة بالتبعية للعجم إنما نتهمهم عقائدياً، وتبعية روحية لهم. لا أننا نقول بأن الشيعة في العراق عجم في أصلهم وعرقهم؛ فلا علاقة لما يقول بموضوع (الوجود القومي) القائم على العرق، وليس الفكر. ثم إن الأمور لا تبنى على الفرضيات والأماني. وإنما على الحقائق والمعطيات الشاخصة في الواقع. فالقول بأن جمهور الشيعة عجم في فكرهم وروحهم، دعوى لا تنقض بالنظر إلى لوازمها المزعجة، ومآلاتها غير المريحة. وإنما تناقش علمياً: فإما أن تنهار، وينتهي الأمر. وإما أن تثبت، فما علينا من الأهواء والرغبات. فالكاتب يستعمل الأدلة بطريقة عكسية غريبة!
 
دفع التهمة عن الشيعة وإلقاؤها في حضن أهل السنة
يمتاز الشيعي بالمراوغة، ويتقن أساليبها في النقاش، من أجل التغلب على خصمه بأي وسيلة مهما كانت. ومن هذه الأساليب تحويل التهمة إلى تهمة مقابلة، يشغل خصمه بالرد عليها؛ فيتخلص هو من عناء الرد، ويتحول الدفاع إلى هجوم. ويمتاز الشيعة بأنهم يعرفون جيداً كيف يحولون هجوم الآخر إلى هجوم مضاد لصالحهم، اتباعاً لقاعدة "الهجوم خير وسيلة للدفاع". فإذا قلت: إن الشيعة يقولون بتحريف القرآن، قالوا: وأهل السنة كذلك. وإذا قلت: إن التشيع تعيث فيه العقائد الشركية، قالوا: بل عقائد السنة عقائد شرك. وإذا قلت: إن الشيعة يشتمون الصحابة، قالوا: أهل السنة يشتمون أهل البيت. وإذا قلت: إن المليشيات الشيعية تمارس القتل الطائفي، قالوا: بل هذا فعل الإرهابيين من السنة، وما يفعله الشيعة ردة فعل على الاستفزاز السني. والمتحذلق فيهم يقول: هذا يفعله الطائفيون من الطرفين... وهكذا.
والعلوي العلماني كشيعي يجيد استعمال هذه اللغة أيضاً. لتجد الشيعي العلماني متحداً بالشيعي الديني في شخصية العلوي حتى في هذه! فهو يمارس الدفاع عن النقائص الشيعية، بامتصاص الهجوم المقابل، ثم القيام بالهجوم المضاد عن طريق إرجاع التهمة إلى الخصم، ومحاولة إشغاله بها. وهذه بعض الشواهد على ذلك:
 
·        أهل السنة يستفزون الشيعة
ونراه شيعياً منحازاً حين يقارن (ص169-170) بين أصحـاب
منهج القطيعة، وبين من يسميهم بـ(الطرف الآخر)  فلا يذكر لأولئك من سوء سوى سب عمر أمام عيون الفضائيات. (فيستفزُ الطرف الآخر المحسوب على عمر فلا يرد على شاتميه بشتم أئمة أهل البيت، بل بالبحث في المرويات والقصص وصياغة الآليات لصياغة مرافعة ومشروع دفاعي وهجومي على الخصم سيكون منه تعجيم الشيعة ثم تكفيرهم مما يتيح لفرق الذبح بين الحدود العراقية والأنبار وبين اليوسفية والمحمودية في طريق الأئمة أن يشهـروا سكاكينهم ليؤدوا (الواجب الشرعي).
ولا يذكر (الواجب الشرعي) الذي ابتدأه أصحابه! هذا (الواجب) هو الذي استفز الطرف المحسوب على عمر، وليس السب والتجريم! فإن الشيعة مذ كانوا يسبون ويشتمون الصحابة ويجرمونهم ويكفرونهم. وذلك من قبل أيام الاحتلال. لكن ذلك لم يستفز أحداً من (الطرف الآخر) لأن يشهر سكاكينه أداء (للواجب الشرعي). حتى كان أصحاب القطيعة هم البادئين بأداء (الواجب)، وتطورت القطيعة عندهم مباشرة بعد الاحتلال إلى قطع الطرق، والعنق.
وأولئك هم الشيعة، تجدهم في المملكة السعودية، التي هي عرين من يطلق عليهم الشيعة لقب (الوهابية)، هلا تعرض لهم أحد من (الوهابيين) بسوء! رغم أنهم يسبون ويشتمون. وكذلك كانوا من قبل في العراق. ولو كانت العلة هي الشتم لدار معها هذا الحكم الذي يطلق عليه العلوي تهكماً وصف (الواجب الشرعي). العلة ليست ههنا أيها العلوي! العلة في صدوركم، تغلي.. ويطفو زبدها على أفواهكم، فينتقل إلى سكاكينكم، يشحذها أداء (للواجب الشرعي) الذي فاضت به كتبكم. وهو عندكم واجب شرعي حقاً. لكنكم تأبون إلا أن (تسقطوا) عللكم على الآخرين! أنتم مصابون بعقدة (البارانويا) يا سيدي! ولا أراني في حاجة لأن أشرحها لكم.
العكس مما تدعي وجدنا. فمرقد علي الهادي والحسن العسكري بيد أهل السنة منذ مئات السنين. وبعد الاحتلال بقي لأشهر عديدة تحت سيطرة من تسمونهم بـ(الإرهابيين) سيطرة مطلقة. حتى إذا انتقلت حمايته إليكم، قمتم ففجرتموه، وألصقتم التهمة بأهل السنة دون أدنى دليل. ولقد ادعى مستشار الأمن موفق الربيعي أنهم حققوا في الموضوع وتوصلوا إلى الفاعل الحقيقي، وذكر أسماء. ولكن كذبته لعظمها لم تصمد أمام منطق الأحداث، وتبخرت من تحت أسته هباء!
وحتى التفجير الأخير للمئذنتين في حزيران 2007، فإنه لم يحصل طيلة الفترة التي كانت تحرس المرقد فيها قوة سنية من تكريت والشرقاط، حتى جاءت قوة حكومية شيعية من بغداد أخرجت القوة الأولى تحت ضغط السلاح. وفي اليوم التالي مباشرة وقع التفجير! فلماذا؟! حتى إن رئيس الحكومة نوري المالكي لم يملك إلا أن يعترف بوجود علاقة بين القوة الجديدة والتفجير، وقال: سنحقق في الأمر. ولا شك أن تحقيقاً لن يحدث. وسيسدل الستار على الحادث كالعادة. ويلصق (بالوهابيين والتكفيريين والصداميين)، دون بينة أو دليل.
·       أهل السنة يفجرون مرقد سامراء
وانظر إلى تحميله أهل السنة مسؤولية تفجير مرقد سامراء، وليس له من مستند يتكئ عليه، ولا تفسير لدعواه سوى الانحياز الطائفي الذي يجتاحه حد النخاع. فيقول ص170-171): (ولا أخفي قلقاً وشعوراً بالأسف أن السنة العراقيين لم يعودوا يمسكون بامتياز تمتعوا به عبر التاريخ بعدم الرد على سب الصحابة بالإساءة إلى أهل البيت مادام هؤلاء الأئمة عندهم المشترك الإسلامي الموحد بين الطائفتين، ففقدوا هذا الامتياز في لحظة تدمير نازي لمعمارية الحضارة العربية في سامراء والمقامة على جدث الإمامين الهادي والعسكري، فانكسرت معادلات اجتماعية، واختلت موازنات، وتساوى السبابون، وتحول مجرى النزاع من مواجهة المحتل إلى ضرب المقدس المشترك. ودخلت إلى الصراع تيارات شيعية كانت محايدة، فاندفعت بالوازع العاطفي قبل الطائفي برد فعلٍ كان لابد أن يحصل، والنيران تأكل معمارية المقدس المشترك، فحدث انعطاف هائل أضعف المركز السني، وكأن الحادثة تذكرنا في لحظة هبوط منحنى دولة طالبان حينما ضربت بالمدافع الثقيلة تمثال بوذا. فأثارت استياء الحريصين على التراث الإنساني، رغم أنه تمثال وثني فوق أرض إسلامية، وليس ثمة وجه للمقارنة بين أن يفجر المسلمون معماريةً إسلامية، أو أن يفجروا صنماً من أصنام الأوثان، وانتهى المشهد بمضاعفات لا تنتهي فقط عند ترحيل العائلة الشيعية في بلدة سنية والعائلة السنية في شارع شيعي).
 
·        جيش المهدي محايد لكنه تعرض للاستفزاز
وهل رأيت كيف يبرر جرائم جيش المهدي المشار إليه بقوله: (تيارات شيعية كانت محايدة)، تلك الجرائم التي بلغت عنان السماء، ووصلت رائحتها أقصى تخوم الأرض! ويفسرها (ردة فعل)! يقول عنها: (لا بد أن تحصل)، ويدفع عن الفعل صفة (الطائفي) مستبدلاً بها صفة (العاطفي)؟!!!
كيف تكون الطائفية إذن؟
وأين العروبة؟ والحيادية التي تفرضها الوطنية؟!!!
هل يجهل العلوي الدلائل التي تشير كلها إلى أن القائم بالتفجير هي الحكومة الشيعية وبوجود وتحت نظر المحتل. وقد خرج صولاغ على الملأ يصرح أن العملية استغرقت إحدى عشرة ساعة من العمل المتواصل لإنجاز التفخيخ! فمن هذا الذي يلبس (طاقية الخفاء) ليستطيع إتمام هذا الفعل في ساعات منع التجوال، والمرقد مطوق بالقوى الأمنية الحكومية – وهي شيعية – مع قوات الأمريكان؟! وقد لاحظ جميع شهود العيان أن حركة شديدة للقوات وجلبة ملفتة للنظر كانت تدور قبل وقوع التفجير، وقد انسحب الجميع قبيله بدقائق؛ فلم يصب أحد من تلك القوات جميعاً بأذى!!! أحصل ذلك بكرامة ولي ؟ أم بقدرة قادر ؟ هل من جواب يا علوي؟!
 
·        التلميح إلى مصادر أهل السنة بالكيد والإهمال لعلي
لكنه هذه المرة يؤدي دور المتهِم (بكسر الهاء)، ودور المدافع الذي يقوم بهجوم مقابل عن طريق إرجاع التهمة إلى الطرف الآخر! فبعد أن يتوجع للمرويات الشيعية التي تصور علياً (جليس بيته مسلوب الإمكانيات، في أخطر مرحلة تأسيسية في تاريخ الإسلام، معزولاً عن المشاركة في الجهاد، تاركاً لغيره لواءه). يغلب عليه طبعه فيتهم أهل السنة أيضاً بالتهمة نفسها فيقول (ص198-199): (وإذ لا نطوي صفحة الإخفاء غير النزيه لهذا المقطع الأساسي من تاريخ نشوء الدولة الإسلامية والإسلام، نطل على صفحة أخرى من الكيد والإهمال والإغفال لعلي بن أبي طالب في روايات وكتب ودراسات تنشر في هذه المدرسة أو تلك... ففي وفاة أبي بكر استشار الخليفة عدداً من الصحابة لم يظهر علي بينهم، والخليفة يحتضر، ويستشير في لحظة مصيرية تتعلق بإمامة المسلمين. تقول تلك المصادر: إن أبا بكر دعا عبد الرحمن بن عوف، ثم عثمان بن عفان، ثم أُسيد بن حضير، ثم سعيد بن زيد، وعدداً من المهاجرين والأنصار. فإذا كان الإمام علي حاضراّ، فلربما استعيضَ عن اسم حضوره، بجملة عدد من المهاجرين والأنصار..!!... إن هذه المرويات تكرس أمرين، مثلهما مثل خطباء القطيعة الذين يركزون في كتاباتهم على مقاطعة الإمام لأبي بكر، أو أنها تؤكد للجانب الآخر عدم أهمية الإمام علي عند أبي بكر وفي تلك الحالة فهناك غدرٌ وظلم يلتقيان في مشاهد مُدوّنة عند الفريقين، وهذا يدخل في مذهب التنقيص).
وهذا مخالف لما قاله الأستاذ عباس محمود العقاد ، في كتابـه
(عبقرية الصديق): (إن الصديق قد جهد في مسألة العهد جهد رأيه، وإنه كان يود أن يكل الأمر إلى المسلمين يختارون من يشاءون، فجمع إليه نخبة من أهل الرأي وقال لهم فيما قال: "قد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم، فأمّروا عليكم من أحببتم فإنكم إن أمّرتم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا من بعدي". فلم يستقم لهم أمر ورجعوا إليه يقولون: "إن الرأي يا خليفة رسول الله رأيك". فاستمهلهم حتى "ينظر لله ولدينه وعباده". ثم استقر رأيه على استخلاف عمر بعد مشاورة عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وسعيد بن زيد وأسيد بن الحضير، وجماعة من المهاجرين والأنصار فكلهم قال خيرا. وسأل علياً فقال: "إن عمر عند ظنك به ورأيك فيه، إن وليته – مع أنه كان والياً معك –  نحظى برأيه ونأخذ منه فامض لما تريد ودع مخاطبة الرجل فإن يكن على ما ظننت إن شاء الله فله عمدت، وإن يكن ما لا تظن لم ترد إلا الخير". ولا أظن العقاد ممن يلقون الكلام على عواهنه، فقال
ما قال من مشاورة الصديق لعلي من كيسه.
وهل كان العلوي غافلاً عن مقصد علي الكوراني، ذلك المتكهن الفارسي الأشر، حين يقول تماماً على عباراته السابقة (ص199-200): (في ذات السياق فإن العلامة الشيخ علي الكوراني أعاد النظر في حقيقة اعتكاف الإمام علي بداره فيما المسلمون يفتحون الأمصار، فيقر بحديث نقلته فضائية الأنوار (الشيعية) يوم 9/9/2006 بأن الإمام علي هو فاتح بلاد فارس وأنه هو الذي أشار على عمر بذلك, وإن معظم تلامذته كانوا في مقدمة جيوش الفتح (انتهى كلام الشيخ الكوراني).
وهذا الكلام خطوة متقدمة قد تعيد للإمام علي دوراً أنكره عليه محبوه والموالون له، وهو اعتراف ضمني وواضح بأن عمر بن الخطاب والإمام علي كانا يشتركان في الكثير من القرارات الاستراتيجية).
هل فات العلوي أن الكوراني قال ما قال ليس (إعادةً للنظر في اعتكاف الإمام علي بداره فيما المسلمون يفتحون الأمصار). وإنما من أجل أن يقول: إن التشيع في إيران جاء عن علي نفسه، مباشرة أو عن طريق تلامذته. ليدفع بطريق غير مباشر تهمة الفارسية عنه؟
 
الانحياز إلى المجوس
وأعجب ما وجدته من انحياز طائفي عند العلوي، انحيازه للمجوس، بشهادته لهم بصدق الإيمان! بينما لم يتبرع بهذه الشهادة لمن ينتسب إليهم من قوم، وهم قريش الذين يضعهم في جهة وما يسميه بـ(الحزب المحمدي) في جهة، ظل يشكك في إيمانهم إلى نهاية الكتاب!.
 
·        المجوس أسلموا عن قناعة وإيمان
 يقول العلوي (ص158) عن عمر بن الخطاب: (وترك المجوسيين على مجوسيتهم إلى إن أسلموا عن قناعة وإيمان).
فما أدراه أنهم أسلموا عن (قناعة وإيمان)؟ إذن من كان وراء تلك الفتن التي أصابت الأمة، والحروب، والمكائد والدس العقائدي والفكري والسياسي؟ من كان وراء قتل عمر نفسه؟ واغتيال عثمان وعلي و.. و..؟ من أسقط دولة الأمويين، وتآمر على إسقاط عاصمة الخلافة بغداد؟ ومن كان وراء الحركة الشعوبية؟ من أنشأها ورعاها؟ لتقوم بأخطر أدوارها – ولا زالت – ضد العرب والمسلمين؟!
هل العلوي يجهل هذا، وهو القومي العروبي كما يدّعي؟!
 
·        قريش أسلموا رهبة ورغبة وكثير منهم منافقون
وبينما يعتبر إسلام المجوس عن قناعة وإيمان، نراه يشكك في إسلام قريش ويقول عنهم (ص260): (دخلوا الإسلام بعد الفتح وكان كثير منهم منافقين، حيث أسلموا رهبة أو رغبة).
 
الكتاب كله منحاز
ولو رحنا نستقصي شواهد الانحياز الطائفي لدى الكاتب لاستغرق منا العناوين الأخرى جميعاً، فإنها كلها شواهد على هذا الانحياز. فنكتفي بهذا، ونعطي لبقية الشواهد عناوين مستحقة أخرى.
 
 
الفصل الرابع
 
منهج
التقابل الإسقاطي
 
وهذا يقودني إلى الحديث عن إحدى خصائص النفسية الشيعية التي انعكست بظلالها على منهجهم الفكري. هذه الخصيصة أسميها بـ(منهج التقابل الإسقاطي). وإليك هذا الحديث العجب!
قلت في كتابي (التشيع عقيدة دينية أم عقدة نفسية): الإسقاط حيلة نفسية ينسب الشخص من خلالها - ويحوِّل إلى غيره - صفاته هو أو مشاعره أو رغباته أو نزواته أو أفكاره التي لا يرغبها ويخجل من الوعي بكونها جزءاً من ذاته. فهو يتهرب لا شعورياً منها بطردها عن نفسه أولاً، ثم إلصاقها بالغير، أو اتهامه بها ثانياً، كنوع من تبرئة الذات أو الدفاع السلبي عنها. إنه عبارة عن تخلص من كل ما هو سيء في الذات باتهام الآخرين به. فهي عملية أو حيلة نفسية دفاعية مزدوجة. وتتخذ مظهرين:
1. نسبة النقص الذاتي إلى الغير
2. لوم الغير على ما نلقاه من صعوبات وفشل، وما نقع فيه من أخطاء.
 
دور الإسقاط في حياة الشيعي
يلعب الإسقاط دوراً كبيراً في حياة الشيعي النفسية. وهو عميق الأثر فيها إلى حد (العقدة)! ولا أراني مخطئاً علمياً إذا أطلقت عليه عندهم مصطلح (عقدة الإسقاط). لم أر أحداً أو جماعة بنيت حياتهم على (الإسقاط) كالشيعة! فهم أكثر الناس اتهاماً للآخرين بعيوبهم وذنوبهم، كما أنهم أكثرهم إلقاء بتبعة أخطائهم وجرائمهم، وما يحصل لهم من مصائب ومصاعب على غيرهم!
خذ مثلاً سب الصحابة وتكفيرهم، كيف ينعكس لدى الشيعة اتهاماً لنا بكره (أهل البيت)؟! والتهمة ثابتة في حقهم ثبوتاً قطعياً مطلقاً. أما نحن فبريئون منها إلى حد الصفر المطلق. ومع ذلك فالأمر عندهم على العكس!
وتبرز هذه الخاصية الشيعية لدى العلوي في جميع صفحات الكتاب. والطريف أنني عندما رجعت إلى كتابي المذكور بحثاً عن النص السابق، فوجئت بأن المثل الذي كنت ضربته لها كان العلوي! وأن النفسية الإسقاطية لديه أثارت انتباهي؛ فنقلت عنه نصاً كشاهد يوضح ما أنا فيه من حديث عن حيلة الإسقاط! كان ذلك قبل أكثر من عام، وقبل أن أطلع على كتاب العلوي موضع البحث، بل قبل طبعه ونزوله إلى السوق. وقد قلت فيه: انظر إلى أحدهم – وهو من أكثر الشيعة اعتدالاً كما يقال – كيف تنقلب في رأسه الأمور ليقول: (يحدث المأزق الكبير في دوائر الدولة والأحزاب والمؤسسات العسكرية، حيث يلتقي المتعلمون من الطائفتين.. الشيعي الذي انسلخ عن طائفيته بسبب تعلمه، والسني الذي اتصل بالطائفية بسبب صلته بالسلطة. وهنا تبدو الفروق مكشوفة في ممارسة كل منهما لعمله في الدولة. إن الشيعي لا يفكر في أن يحجز وظيفة لشيعي آخر. وقد لا يفهم معادلة كهذه على الأغلب. أما السني فإنه متحفز ومهيأ للعب دور كامل مستمد من تمذهب الدولة)[36].
وأمام هذه العقلية الإسقاطية، التي قلبت الأمور كلها إلى الضد لإثبات الضد،  ليس لك – حتى تعود الأمور إلى نصابها – أن تقلبها مرة أخرى. وعندها تتبين الحقيقة.
 
فاتح خيبر وفاتح بيت المقدس
 أما في الكتاب الجديد فشواهد النفسية الشيعية الإسقاطية كثيرة جداً. منها (ص289): (وإذا توقفنا قليلاً، سنجد هؤلاء المؤسسين من رجال الإسلام الأول، وقد صيروا أوراقاً انتخابية، ولافتات للناخبين، فيوضع فاتح خيبر على لائحة المرشحين، وفاتح بيت المقدس على لائحة المقاطعين!).
أما أن فاتح خيبر قد صيره المرشحون ورقة انتخابية، فهذا ما لا يناقش فيه أحد. وأما فاتح بيت المقدس فلم يصيره أحد كذلك. فهذا التقابل حيلة إسقاطية مفضوحة.
المقارنات الشحيحة
ويجتاح النفسية الشيعية شعور عميق بالنقص والشح، فهي دائمة النظر والمقارنة بالغير في كل شيء. كامرأة غير واثقة من نفسها؛ فهي دائمة النظر والمقارنة مع غيرها من النساء. وانعكس هذا الشح في مخيلتهم على الأشخاص الذين اتخذوهم رموزاً لتشيعهم. فهم دائمو النظر والمقارنة بينهم وبين أمثالهم من الرموز والعظماء. فما إن يجدوا فضيلة لأحد الصحابة حتى يضعوا مثلها – أو ما يقابلها إن لم يمكن – لعلي. فكان لعلي لقب (فاتح خيبر)، ما دام كان لعمر لقب (فاتح بيت المقدس)! مع أنه لا وجه للمقارنة بين قرية صغيرة في متاهات الجزيرة، سواء فتحت أم لم تفتح، وبين فتح بيت المقدس، الذي يعني تغير مسار التاريخ. علماً أن معركة خيبر كان قائدها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما علي فقد فتح أحد حصونها الثلاثة، الذي استعصى أكثر من الحصنين الآخرين، فاشتهر به. وقد شاركت الدعاية الشيعية في تهويل الأمر، وأعطته حجماً غير حجمه. ثم هل يصح أن تفتح مدينة، وينسب فتحها إلى أحد القادة الميدانيين، ويطلق على غير القائد الأعلى للمعركة لقب (الفاتح) لها؟ على أي أساس؟ وحسب أي قانون أو تقليد أو عرف عسكري في القديم والحديث؟! وهل شارك عمر بن الخطاب في معارك تحرير بيت المقدس بيده؟ كلا.. ومع ذلك نسب فتحها إليه ، وسمي باسمه؛ لأنه القائد الأعلى. فكيف لو كان هو يقود المعركة بنفسه، حاضراً ميدانها، يوجه رجالها وفرسانها؟! هل يصح أن ينسب الفتح لأحد قادته الميدانيين لأنه أبلى في المعركة بلاء حسنا؟ هذا كله من تهاويل الشيعة وحماقاتهم الساذجة. وحاشا سيدنا علياً أن تحتاج عظمته لمثل هذه المقارنات الشحيحة.
 
أمثلة أخرى سريعة

·  يقول العلوي (ص100) بأن عمر ملأ الفراغ يوم السقيفة، وعلياً منع الانشقاق. وأضحك هنا حين أجد أن الشيعة عندما عطلوا علياً عن دوره الذي كان مضطلعاً به، إذا هم يقعون في ورطة البحث له عن شغل فلا يجدون إلا ما يزيد في ورطتهم! أي انشقاق كان يريد أن يقع فمنعه علي؟!
·  يتهم العلوي (ص182) الأمويين باختلاق الروايات، في مقابل تعرضه لما قام به الصفويون من ذلك. وهذا التقابل الإسقاطي غير صحيح ولا موفق. وقد قلت في موضعه: (أين هذه المرويات الأموية؟ دلنا عليها في أي ديوان من دواوين حديث (التسنن الأموي)؟ هذا وكل الدواوين الحديثية المعتمدة عند أهل السنة ظهرت بعد زوال الدولة الأموية. وليس بين أيدينا اليوم ديوان للحديث معتمد ظهر في زمن الأمويين. فما المصلحة التي تدفع المسلمين من بعدهم للاختلاق لهم، وفي ذلك خسارة الدنيا والآخرة؟
أما الحقيقة فإن الشيعة هم فرسان الروايات الموضوعة الكاذبة، وعلى مدى التاريخ. يكفيك أن تعلم أن المجلسي جمع من الروايات في موسوعته المسماة (بحار الأنوار) مائة وعشرة مجلدات من الحجم الكبير، كلها أو غالبها الساحق مكذوب! والوضع عند الشيعة قديم سابق على وجود الصفويين. فالكليني مات قبل مجيئهم بخمسمائة عام! وأبو الخطاب وجابر بن يزيد الجعفي وأمثاله من الكذابين سبقوا الكليني بقرون.
·  يتهم العلوي (ص196) الأمويين بأنهم نصبوا سبعين ألف منبر لشتم علي. وهي – كما قلت في مناسبة أخرى - تهمة (إسقاطية)، قام الشيعة باستنساخها من نفوسهم، ولصقها ببني أمية. وعند التحقيق تجد الحقيقة معكوسة. فالشيعة هم الذين نشروا سبعين مليون – وليس سعين ألف - منبر لشتم الصحابة وعظماء الإسلام منذ قتل رستم وإلى اليوم!
·  التلميح لأهل السنة بإهمال دور علي (ص198). وهي دعوى إسقاطية شيعية في مقابل الدعوى الصارخة لا لإهمال دور الصحابة فحسب، بل تصوير دورهم أنه دور سلبي قائم على الغدر والتآمر.
·  وليس آخر السلسلة قوله (ص219،182) بنظرية (التسنن الأموي) مقابل (التشيع الصفوي). بل هي طويلة، وحلقاتها متواصلة.
 
 
 
الفصل الخامس
 
الدينيوية
أو وحدوية العلماني والديني عند الشيعي
 
مشكلة التشيع في أصلها نفسية، وليست فكرية. وهذا هو السبب الذي يجعل العلماني وغير الملتزم من الشيعة - بل حتى الملحد - يلتقي ليتحد مع المتدين منهم عند المعالم الكبرى للتشيع، بل وحتى الصغرى في أكثر الأحيان. كل شيعي يشعر أنه مهدد مستهدف؛ فهو متحفز للدفاع عن الإطار العام الذي يتشكل منه كيانه الطائفي. وذلك على العكس من الحال عند أهل السنة. التركيبة النفسية لأهل السنة مستقرة، تعودت على الدوام أن تجد بيدها القوة والغلبة، وتمثل الغالبية السائقة – وليست الساحقة – ما أدى إلى أن يضعف الشعور بالحاجة إلى التماسك أو التساند الجمعي. وهذا أدى إلى أن ينفصل العلماني عن المتدين انفصالاً طبيعياً، فيختلف خطاب هذا عن خطاب هذا.
العلوي علماني الوجهة، منفلت من اللوازم الدينية، والطقوس التعبدية. لكنك تجد تحت لسانه معمماً حوزوياً مختبئاً يظهر في اللحظة المناسبة، وفي فؤاده لوعة (ملاية) أو قارئة تعازٍ شيعية تدور
بنواحها ودموعها بين البيوت.
وهذه بعض معالم الشخصية الدينيوية عند العلوي:
عقدة الاضطهاد والمحرومية
هذه هي أبرز عقدة في النفسية الشيعية. ولا تجد شيعياً إلا مصاباً بها، يعاني منها، خصوصاً حينما يعيش أو يتقمص الشخصية الشيعية الجمعية. وهكذا وجدت العلوي. وهذه بعض شواهد تلك النفسية:
 
·        المذهب المحكوم المحروم
يقول العلوي (ص7-8): (إن كتاب الشيعة والدولة القومية، يستهدف نقد تمذهب الدولة، وظهور مذهب حاكم يستأثر بالسلطة وامتيازاتها، ومذهب محكوم ومحروم في دولة واحدة، تطرح خطاباً قومياً في الداخل والخارج. ومن العدالة انتصار كتابنا للمذهب المحكوم والمحروم).
 هذه هي عقدة الاضطهاد والمظلومية الشيعية تفيض على قلم الكاتب دون أن يشعر بها! وتجده ينحاز إلى طائفته مبرراً إياه بأنه يقف مع العدالة وينتصر لها! هل نسي حسن العلوي أنه قال يوماً في كتابه (الشيعة والدولة القومية ص231-232): (وقد برز صحفيون شيعة في الخطوط الأولى دفاعاً عن السلطة وقيادتها، كسامي مهدي وحميد سعيد وعبد الجبار محسن وعبد الأمير معلة وصاحب السماوي وعكاب سالم وحسن العلوي).
هذا والذين لم يذكرهم من الصحفيين الشيعة الذين كانوا في (الخطوط الأولى) يبلغون أضعاف هذا العدد! فأين التمييز الطائفي عند
السلطة؟! إنها عقدة الاضطهاد والشعور العميق بالمحرومية!
ثم صار في الأيام الأخيرة يظهر على قناة (الشرقية) وغيرها من القنوات الفضائية ليقول بصريح العبارة: (إن صدام حسين لم يكن طائفياً)، ويأتي على ما يقول بشواهد لمسها بنفسه، منها كون المقربين منه من الصحفيين وغيرهم غالبهم شيعة! ومنها أن صدام حسين انتبه إلى أن بعض القادة (السنة) في الحكومة صاروا يذهبون لأداء العبادات في المساجد، فساءه ذلك؛ لأن طريقة التعبد ستكون طبقاً لمذهب معين. وهذا سيؤدي إلى التفرقة الطائفية. فأوعز إليهم بالتعبد في بيوتهم. وتجد في (ص162) من الكتاب ما يؤيد هذا صراحة.
أم نسي أنه قال في الكتاب السابق (ص227): (ظهر في إحصائية مودعة بوزارة التخطيط أواخر السبعينات، أن (80%) من حملة الشهادات العليا في الفروع العلمية، كانوا من أبناء الشيعة).
لكن عقدة اللؤم الشيعية تأبى عليه إلا أن يفسر هذا بما يتناسب مع عقدته الموروثة هذه! فلا ينسب الفضل لأهله، وإنما يرجع السبب إلى: (ردة فعل من الشيعة على سياسة التمييز الطائفي)!! ولا أدري هل كان وجود العلوي ومعه ذلك الحشد من الشيعة عند الخطوط الأولى من السلطة، (ردة فعل من الشيعة على سياسة التمييز الطائفي) أيضاً؟!
ثم هل يمكن لـ(ردة الفعل) هذه أن تأخذ مجراها إلى نهايته، لو كانت السلطة تتبع فعلياً (سياسة التمييز الطائفي)؟!
·        عجمة التشيع واقع يفرض نفسه
ولأن الطبع غالب، اعترف بأن الواقع الشيعي الراهن الناطق بـ(عجمة التشيع) أضعف مشروعه – أو قل: نظريته الوهمية - في مواجهة مشروع تعجيم الشيعة. لكنه لا زال يروغ عن الحقيقة المرة، ويخشى مواجهتها، فيعزو بعض ذلك إلى ردة فعل تجاه الممارسات الطائفية للنظام السابق. لكنه لم يخبرنا عن الأسباب الكامنة وراء البعض الآخر من الأفكار والمشاريع والخطاب الذي يكرس عجمة التشيع. فقال (ص8): (وبسبب نفوذ حركات إسلامية شيعية، شاعت في الخطاب الشيعي السياسي لغة تضعف موقفي في مواجهة مشروع تعجيم الشيعة الذي اعتنى به وتعهده سنة السلطة في نطاق نظري على الأقل، بينما أوشكت الاتجاهات الراهنة لبعض السياسات الشيعية في العراق أن تكرس عجمة التشيع بأفكار ومشاريع وخطاب كان بعضه رد فعل لممارسات نظام قومي عربي استأثر بالسلطة طائفياً ونكّل بمواطنيه في الأغلبية العربية الداعين لقيام نظام حكم مشترك).
 
·        من أقام نظام الحكم المشترك النظام السابق أم الشيعة؟
وأنا لا أدري أين نجد اليوم هؤلاء (الداعين لقيام نظام حكم مشترك) بعد أن صار الحكم بأيديهم؟ أين ذهبوا؟ هل ماتوا؟ أم انشقت الأرض فابتلعتهم؟ أم إنها كانت دعاوى، قائمة على التشكي والتظلم سعياً للاستئثار بالسلطة ، وحرمان الآخر منها، على قاعدة
(يتمسكن حتى يتمكن)؟
أما النظام السابق فقد أقام نظام حكم مشترك بين الجميع. ولم يأت نظام طيلة عهود الدولة الحديثة التي قامت في بداية عشرينات القرن الماضي، دعا إلى مشاركة الشيعة في السلطة، وطبق دعوته، ومكنهم من مفاصل الدولة المهمة كالنظام السابق! يكفيك أن تعلم أن أخطر جهاز في الدولة – وهو جهاز الحزب – كان الشيعة يشكلون أكثر من ثلثيه! وكذا جهاز المخابرات، وجهاز الأمن. ناهيك عن مؤسسة التصنيع العسكري والطاقة النووية! فضلاً عن المؤسسات التربوية والتعليمية، والمؤسسات الحياتية الأخرى.
ومن المفارقات الطريفة أن (36) شخصاً من قائمة المطلوبين للأمريكان من مسؤولي الحكومة السابقة كانوا من الشيعة. علماً أن العدد الكلي للمطلوبين في القائمة هو (55)! من ضمنهم رئيس الدولة وولداه وأقاربه. أي إن عدد العرب السنة في القائمة – إذا استثنينا طارق عزيز المسيحي، وطه رمضان الكردي، ولربما فاتني آخرون ليسوا من السنة – يساوي (17) فقط من مجموع (55)! فإذا حذفنا من المعادلة الرئيس وأقاربه – ولديه وإخوته الثلاثة وابن عمه، حتى تكون المقارنة عادلة، حين تكون بين الأشخاص من غير العائلة الحاكمة – فإن عدد أهل السنة سينخفض إلى حوالي (10) فقط !! أي إلى أقل من ثلث عدد الشيعة!!! ومع هذا يدّعي الشيعة أنهم كانوا محرومين من المشاركة السياسية العادلة، وأن النظام السابق كان طائفياً يميز بين أهل السنة والشيعة، فيؤثر أولئك بالمناصب والمزايا، ويختص هؤلاء بالتهميش والاضطهاد! وما ذاك إلا بسبب ترسخ عقدة الاضطهاد والمحرومية في نفوسهم إلى حد الخروج إلى عالم الوهم ودائرة الهذيان.
فإذا كان هذا تفكير العلمانيين واللادينيين، والذين يتراهقون بالعروبة من الشيعة.. فكيف هو حال غيرهم من المتدينين الملتزمين بحرفية عقائدهم وعقدهم؟!!!
 
·        الشكوى الدائمة والشعور العميق بالحرمان
 ويظل العلوي – في كتابه كله - شيعياً يعيش هاجس الحرمان والمظلومية وهو يتحدث عن (حرمان العراقيين الشيعة من تمثيل ينسجم وحجمهم السكاني والوطني). كما جاء في (ص160) مثلاً.
 
·        من المسؤول عن (إقصاء الشيعة)؟
وأريد أن أذكر حقيقة أراها غائبة عن وعي الكتاب أجمعين. وهي أن أول من ساهم في إقصاء الشيعة هم الشيعة أنفسهم. ولك أن تتمعن في الحقيقتين الآتيتين:
1. ظل الشيعة الاثنا عشرية على اعتقادهم الأول في الترقب والانتظار، وعدم جواز قيام دولة لهم حتى مجيء (المهدي المنتظر)، طيلة القرون الماضية التي مرت بها دولة الإسلام. وظلوا محكومين عملياً بهذه العقيدة؛ فلم يمارسوا دوراً إيجابياً في بناء الدولة، سياسياً كان أم عسكرياً أم إدارياً. وهذا أدى إلى انعدام أو قلة الخبرات لديهم فيما يختص بهذه المجالات. فكان طبيعباً - عندما قامت الدولة الحديثة عام 1921 – أن لا يجد القائمون على شؤونها ما يلبي احتياجها من الشيعة في بناء الدولة بما يتناسب وحجمهم؛ فاتجهت لهذا السبب إلى غيرهم لإشغال الفراغ. فكان قلة التمثيل الشيعي في أجهزة الحكومة ليس نتاج (طائفية الدولة) – كما يدّعي العلوي وعامة الشيعة – وإنما هو نتاج موضوعي، اقتضته طبيعة الأمور. فمثلاً حين تأسس الجيش لم تجد الدولة ضابطاً شيعياً واحداً يمكن أن تعينه فيه؛ فكان جميع لضباط من السنة، رغم أن أول تشكيل عسكري حمل اسم (موسى الكاظم)، وهو اسم شيعي، يعطي انطباعاً أن الدولة كانت تود التقرب من الشيعة. فلو أنها وجدت منهم أحداً يصلح للمهمة لما ترددت في تعيينه. وإلا هل يراد من الدولة أن تأتي بأميين ومتخلفين، أو معممين لا يفقهون من شؤون العسكرية شيئاً، لتعينهم ضباطاً وقادة عسكريين من أجل موازنة طائفية حتى يتجنبوا القال والقيل، ووصمة (الطائفيين)؟!
ثم إن القول بأن بريطانيا أبعدت الشيعة لوقوفهم ضدها ومقاومتهم لها، لا قيمة له، ولا يصمد أمام البحث العلمي الموضوعي. فهو أولاً مخالف للحقيقة التاريخية. فإن المقاومة كانت سنية، وقد شارك أهل الجنوب فيها والله أعلم بدوافعهم ونواياهم، ولم يكونوا مدفوعين بفتوى دينية. وقد كان الجنوب يومها يعج بأهل السنة.
ثم إن بريطانيا دولة متحضرة، تنظر إلى مصالحها فتعمل بما يحققها، وليست كإيران تحكمها العقلية الانتقامية المتخلفة. فالقول بأنها حرمت الشيعة انتقاماً منهم لوقوفهم ضدها، قول متخلف يليق بالعقلية الشيعية، المستوردة من العقلية الفارسية، الناشئة عن عقدة الحقد والانتقام التي تشتهر بها النفسية الفارسية. وكل ما في الأمر أن العلوي – كشيعي معبأ بالنفسية الشيعية ذات الطبيعية الثأرية – أسقط ما في نفسه على غيره، فتصور بريطانيا كما تصورها.
2.  ظل الشيعة ينظرون إلى الدولة الإسلامية على اختلاف أدوارها على أنها دولة كافرة مغتصبة لحق الخلافة؛ فلا يجوز إعانتها، أو المشاركة في بنائها، والتوظف في دوائرها. إلا على سبيل الكيد لها. وهذا أدى تلقائياً إلى ابتعاد الشيعة عن المشاركة في الوظائف الحكومية على تنوع درجاتها. انظر مثلاً فتوى المراجع الشيعية الثلاثة الكبار (الخالصي والنائيني والاصفهاني) في حرمة المشاركة في أول عملية انتخابية جرت في العراق بعد قيام الدولة. فقد أصدروا يوم 5/11/1922  نص الفتوى التالية: (قد حكمنا بحرمة الانتخابات والمشارك فيها معاد لله ولرسوله وأئمة المسلمين، ولا يدفن في مقابر المسلمين).
 إذن الشيعة هم الذين حكموا على أنفسهم بالعزلة عن الحكومة، ومراكز القرار، وبالفتوى الدينية، التي تحرم المشاركة إلى الحد الذي تنطق به الفتوى السابقة! ثم بسبب الطبيعة النفسية المتخلفة، المتشربة إلى درجة الاختناق بعقدة الاضطهاد والمحرومية تراهم يلقون بالتبعة على غيرهم، ويتباكون على مصيرهم ومظلوميتهم، من أجل أن يكسبوا عطف الآخرين.
المغالطة وليُّ أعناق الأحداث والنصوص
وهذه خصيصة أخرى من خصائص التفكير الشيعي المنحرف، ظهرت بوضوح على ملامح العلوي. وهذه بعض شواهدها:
 
·        حرب العراق ضد إيران حرب أمريكية ضد الشيعة
 انظر إلى العلوي شيعياً يغالط الحقائق، ويلوي عنق الأحداث لتتفق مع ما يريد حين يقول (ص157): (فاختير العراق مكاناً للحرب الأمريكية على السنة بعد عشر سنوات من الحرب الأمريكية على الشيعة. إن الحرب الأمريكية على السنة مستمرة منذ أربع سنوات في العراق فهل تستمر أربعاً أخرى ليتساوى الزمن المفترض للحرب على السنة مع الزمن الذي خصص ما بين عامي 1980 – 1988 للحرب على الشيعة؟).
عن أي حرب أمريكية على الشيعة قبل عشر سنوات من الحرب الأمريكية على السنة يتحدث؟!
وهنا لا يظهر العلوي شيعياً فحسب، بل إيرانياً يتحدث بلسان إيران، ويتبنى أفكارها ودعاواها! ونسي مرة أخرى أنه هو الذي كتب بيمينه كتاب (دماء على نهر الكرخا)! أم توهم أن التاريخ يسهو، أو أن الناس تنسى!
أنه يتحدث عن الحرب التي شنتها إيران على العراق، واستمرت في إيقاد نارها ثماني سنين. فهل كانت حقاً حرباً أمريكية على الشيعة؟ أم هذا ما ادعته – ولا زالت تدعيه – إيران؟!
تستند إيران في دعواها على أن أمريكا تساعد العراق عسكرياً بالخبرة والسلاح. فهل نسي العلوي صفقات الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية لإيران؟! وإيران كونترا؟! وإيران غيت؟!
فإن كانت أمريكا أمدت العراق بالسلاح، فقد أمدت إيران كذلك. والعلوي يعلم بذلك علم اليقين. فلم هذه الازدواجية في المعايير؟ ولماذا يسمي الطرف العراقي أمريكياً، دون الطرف الآخر والعلة واحدة؟ ويسمي هذا الطرف، فلا يسميه باسمه وهو (إيران)، إنما يستعير له اسماً يشي بالروح الطائفية، فيختار له اسم (الشيعة) حين يقول: (حرب أمريكية على الشيعة)؟!
 
·        ربما نسي العلوي
يظهر أن العلوي نسي ما كان قاله قبل ربع قرن عن هذه الحرب: (وأن ما بين العراق وإيران ليس خلافاً بين حكومتين... ابتداء من تمزيق الفرس لأول وحدة عراقية، وأول دولة تؤسس في العالم، وهي مملكة سومر وأكد في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وحتى الربع الرابع من القرن العشرين حيث أدون هذه السطور وأمامي على شاشة التلفاز صورة مدفع عراقي يواجه مدفعاً فارسياً. وهو نفسه استمرار لصراع حضاري وقومي ملتهب بين الآرية والسامية، ثم بين الأعجمية والعروبة).
فما علاقة أمريكا بالموضوع إذن؟!
ثم لنا أن نسأل ونقول: هل خاض صدام الحرب ضد إيران بدافع طائفي؟ أم بدافع قومي؟ والجواب معروف. وقد كان العلوي في حينها مع الطرف القومي جنباً إلى جنب، يكتب وينظِّر للعراق مندفعاً – كما يظهر – لاختياراته القومية والعرقية، ومعطياً لما يكتب اسماً ضارباً في أعماق الصراع العرقي بين الطرفين: (دماء على نهر الكرخا)! فهل كان يومها يكتب لأمريكا، ويخوض بقلمه وفكره حرباً أمريكية ضد الشيعة؟!
وصدق الله تعالى إذ يقول: (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد:30). ولهذا قالت العرب: (ما أسر أحد سريرة إلا ظهرت على صفحات خده وفلتات لسانه).
لكنها سريرة قاصمة هذه المرة! فقد ظهر أن الرجل ليس منحازاً لطائفته (الشيعة) فحسب، وإنما إلى العدو التاريخي للعرب والعروبة والعراق.. إيران!!! فأين ما يتمشدق به من الوطنية والعروبة؟!
 
الثناء على (مراجعات) عبد الحسين الموسوي
وكأي شيعي طائفي يشير العلوي إلى كتاب (المراجعات) - الذي هو عبارة عن حوارات مفتراة، نسجها صاحبها من خياله وألصقها بشيخ الأزهر الشيخ سليم البشري - إشارة الرضا والتوثيق بقوله (ص219): (وتابعت شيخ الأزهر سليم البشري في حواراته الممتعة مع الفقيه الشيعي السيد شرف الدين). وهذه الحوارات المنسوبة صارت (ممتعة) من حيث أن القارئ الشيعي يجد فيها مباراة غير متكافئة بين كبير علماء أهل السنة شيخ الأزهر، يتلاعب به عالم من عموم علماء الشيعة، فيفحمه ويلجمه، ولا يملك عالم السنة إلا الإقرار والتسليم، وطلب الصفح والمهلة، إلى أن ينهار في النهاية، ويرفع رايته السوداء، التي ربما سيلفها بعد قليل حول رأسه، بعد أن تجلل قلبه بالسواد. فكيف لا تكون اللعبة ممتعة؟! إن المتعة كل المتعة فيها. ولكن لشيعي منحاز كل الانحياز لشيعيته.
يقول العلوي (ص272): (أما المدرسة الصفوية فهي تتلقف اجتهادات عمر، لا للفخر به، كما يفعل المصريون، وإنما للتشهير والتجريح والتدليل على عدم التزامه بنصوص القرآن).
وعبد الحسين الموسوي الذي أمتعت حواراته العلوي، له كتاب خاص اسمه (النص والاجتهاد) تلقف فيه اجتهادات عمر بن الخطاب، جاعلاً إياها مادة (للتشهير والتجريح، والتدليل على عدم التزامه بنصوص القرآن). فهل خفي ذلك عليه؟
 
هشام بن الحكم المجسم مهندس أفكار الإمام جعفر الصادق
ونجده شيعياً جلداً حين يصل به التشيع إلى درجة اعتبار هشام بن الحكم مهندس أفكار الإمام جعفر الصادق! فيقول (ص177): (وقد ننزل مع التاريخ إلى المائة الثانية للهجرة، فينسب ظهور التشيّع إلى زمن الإمام جعفر الصادق وتلميذه هشام بن الحكم، الذي قام بدور التشكيل الهندسي والبناء الفكري لفكر الإمام جعفر الصادق، يشبه إلى حد دور الفقيه أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة في صياغة المذهب الحنفي).
وهشام هذا فاسد العقيدة، يقول بالتجسيم. وهو أول من كتب ونظّر لمبدأ (الإمامة). ومن هنا جاءت منزلته عند الشيعة، ونسبتهم إياه إلى جعفر كأحد تلاميذه الخلص! ولا شك أن جعفر بريء من أمثال هذا، ممن هندسوا أفكار ومبادئ وأصول التشيع بثوبه الفارسي.
قال الإمام أبو الحسن الأشعري: (واختلفت الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق. فالفرقة الأولى الهشامية أصحاب هشام بن الحكم الرافضي يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية وحد. طويل عريض عميق طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه...
وذكر أبو الهذيل في بعض كتبه أن هشام بن الحكم قال له إن ربه جسم ذاهب جاءٍ فيترح تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم أخرى. وانه طويل عريض عميق لأن ما لم يكن كذلك دخل في حدث التلاشي... وذكر أيضا ابن الراوندي أن هشام ابن الحكم كان يقول إن بين إلهه وبين الأجسام المشاهدة تشابها من جهة من الجهات ولولا ذلك ما دلت عليه)[37].
وبمثله جاء عن الشيعة في مصادرهم. فقد روى الكليني (أصول الكافي:1/104 ، ووثقه المجلسي في مرآة العقول: 2/1) بسنده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ يَرْوِي عَنْكُمْ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ صَمَدِيٌّ نُورِيٌّ مَعْرِفَتُهُ ضَرُورَةٌ يَمُنُّ بِهَا عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ (عليه السلام) سُبْحَانَ مَنْ لا يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ إِلا هُوَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لا يُحَدُّ وَ لا يُحَسُّ وَ لا يُجَسُّ وَ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ لا الْحَوَاسُّ وَ لا يُحِيطُ بِهِ شَيْ‏ءٌ وَ لا جِسْمٌ وَ لا صُورَةٌ وَ لا تَخْطِيطٌ وَ لا تَحْدِيدٌ.
وروى أيضاً (أصول الكافي: 1/105 ، وصححه المجلسي في مرآة العقول: 2/3) عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ الرُّخَّجِيِّ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) أَسْأَلُهُ عَمَّا قَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ فِي الْجِسْمِ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ فِي الصُّورَةِ فَكَتَبَ دَعْ عَنْكَ حَيْرَةَ الْحَيْرَانِ وَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ لَيْسَ الْقَوْلُ مَا قَالَ الْهِشَامَانِ.                                        
هذا هو الرجل (الذي قام بدور التشكيل الهندسي والبناء الفكري لفكر الإمام جعفر الصادق) كما يقول المحقق العلوي!
والآن قل لي: هل بقي شيء من أفكار التشيع الفارسي لم نجده عند العلوي (العروبي)؟
 
أسطورة السبي والثناء على قاتل الحسين
حتى أسطورة سبي نساء الحسين رضي الله عنه، التي ليس لها سند معتبر سوى تهريجات الجهلة من القصاصين والنواحين، وكتب الشيعة التي تروي دون تحقيق، ولا مسؤولية علمية – يرويها على أنها حقيقة ثابتة، وهي بهذا المستوى من التهافت! فيقول (ص180): (لم يجرؤ كاتب من الملاحدة أن يترضى عن قاتل عمر بن الخطاب فيقول أبو لؤلؤة رضي الله عنه، ولا أن يترضى عن قاتل حفيد نبي المسلمين، وسبي حفيداته، حافيات من الكوفة إلى الشام).
بل يقول (ص219): (يثني آخرون في المدرسة الأخرى على قاتل الحسين فيُكرم ويصبح سبي أحفاد النبي (ص) مسكوتاً عنه أو مبرراً).
فمن هذا الذي يثني على قاتل الحسين قتله له من (المدرسة الأخرى) - وليس المقصود بهذه المدرسة غير أهل السنة -  كما يلمز به الكاتب؟ ويذكر (سبي أحفاد النبي (ص) ويبرره أو يسكت عنه)؟ ما هذه إلا دعاوى شيعية تهريجية، وتهم باطلة لا واقع لها! كتهمة السبي التي لم تقع أصلاً، فمن المتسالم عليه بين المسلمين أنه لا سبي بينهم من أحد على أحد. وأحكام قتال المسلمين غير أحكام قتال الكافرين، ولو كره المدعون.
فأين الأمانة العلمية؟ وأصول البحث العلمي؟
علماً أن أبا لؤلؤة له مقام معروف في إيران، يحج إليه شيعة إيران و(عرب) العراق ولبنان وغيرهم. يطوفون به، ويدعونه من دون الله! ويترضون عنه، ويترحمون عليه!
  ولربما مر به العلوي يوماً - ولو من باب التفرج والنزهة - ورأى هناك عبارات الترحم والترضي على قاتل عمر بن الخطاب.
 
ابن سبأ مختلق
ونجده شيعياً جلداً في موقفه من ابن سبأ فيقول (ص177): (ولا ننسى من يؤرخ ولادة الشيعة بظهور عبد الله بن سبأ، وهي الرواية الشائعة حالياً، والمضعفة عند كثير من المؤرخين).
وهي فكرة شيعية روج لها مرتضى العسكري في كتابه (ابن سبأ وأساطير أخرى). فهل إياه عنى بقوله (كثير من المؤرخين)؟ ومرتضى هذا مسكون بموضوع اتهام الآخرين باختلاق الأشخاص، حتى ادعى – كما نقل لي – أن القعقاع بن عمرو التميمي شخصية مختلقة! وله كتاب بعنوان (مائة وخمسون صحابياً مختلقاً). ولك أن تعجب من أناس أقاموا دينهم كله على عقيدة وهمية مبناها على شخص مختلق، مختبئ في سرداب منذ أكثر من ألف عام يسمونه (المهدي المنتظر)! ثم يتهمون الآخرين باختلاق واختراع الأشخاص!!
هلا سألت المؤرخين يا علوي عن رأيهم بهذا المهدي؟ هل تجد واحداً منهم أرخ له ولو حادثة واحدة موثقة؟! بل نرضى حتى بالضعيفة، بشرط أن لا تكون موضوعة مختلقة!
 
ويبقى العلماني والديني متوحداً في الشخصية الشيعية الدينيوية
وهذه هي الصفحة قبل الأخيرة من الكتاب (ص293)، وقد جاء فيها: (ومن جانب آخر فقد تسبب استهداف القاعدة المعماريات الإسلامية الشيعية، وتفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء، في تأجيج عاطفي وطائفي، لدى قوة شيعية كبيرة كانت تحاول الوقوف على الحياد في الصراع الطائفي. فاندفع التيار الصدري وجناحه العسكري جيش المهدي إلى ميدان الاقتتال بما لديه من حشود بشرية ومساحات جغرافية تحيط ببغداد، ففقدت اللوجستية السنية أهم مراكز قوتها).
 
 
الخاتمة
 
التشيع
عقدة وليس عقيدة
 
وبعد..
فقد يشكل على الكثيرين هذه الازدواجية الشيعية، وكيف تجتمع النقائض العلمانية والدينية هذا الاجتماع في شخصية الشيعي؟! هذه الشخصية التي أرى – كما قلت في المقدمة - أن أقرب مصطلح يمكن نحته للدلالة عليها هو مصطلح (الشخصية الدينيوية).
وجوابي على هذه الإشكالية - التي تبدو كبيرة وعويصة - ألخصه بكلمة واحدة هي أن (التشيع عقدة نفسية وليس عقيدة دينية). وقد درست هذه الشخصية، وأثبت صحة هذه الكلمة في كتاب لي بمجلد كبير أسميته (التشيع عقيدة دينية أم عقدة نفسية).
ويكاد العلوي يفصح عن هذا في بعض عباراته التي يطلقها في غفلة من عقله الواعي. فها هو في (ص188-189) يعترف بأن النفسية الشيعية التي اكتسبها في صغره لا زالت منطبعة بعمق في داخله، تتفاعل فيه. ولا زال هو كما هو قبل ستين عاماً طفلاً صغيراً مشدوداً بفكره وحسه إلى خشبة ذلك المنبر الأسود، ولا زال كما كان يستثيره المشهد إلى حد البكاء! ويوحي إليه بخليط عجيب من المشاعر والأفكار والتخيلات والصور التي يستحيل اجتثاثها من ذاكرته ونفسه. فيقول: (وساهم المنبر الحسيني بخلق وحدة نفسية لدى حاضري المجلس، تتجاوز انتماءات الطبقة والعنصر ومستوى التحصيل العلمي، فيبكي الجميع، وفي المقدمة منهم كاتب السطور الذي تتسارع دموعه في اللحظة التي يتنحنح بها القارئ، قبل النطق بالبسلمة. وهي لحظة شعورية موروثة تستحضر رمم جدي، وعظام أخي. وعباءة أمي، وشجى الصوت بلحن الفاجعة، ويد مقطوعة الإصبع، وعمامة محمدية معلقة بحوافر الخيول، ومن بقي من أحفاد الرسول ورؤوس على الرماح، وبنات النبي سبايا فأين منهن عمر، وقراره الأول في اليوم الأول من ولايته بعد وفاة أبي بكر بمنع سبي العرب وإطلاق نسائهم وإن كانوا من أهل الردة).
تأمل هذه العاطفة التخريفية! وانظر بأي شيء حشيت؟! رمم وعظام وأصابع ورؤوس مقطوعة، وحوافر لا أدري كيف علق بها عمامة محمد؟! وعباءة وسبايا وفاجعة ورماح!!
عقل تجتمع فيه كل هذه الطواطم والعناكب والخفافيش! ما الفرق بينه وبين عقل صبي في الخامسة من عمره، يعيش في أقصى الريف، أو أبعد نقطة في الهور، يلفه الظلام وهو يستمع إلى جدته الخرفة تحدثه عن السعالي والغيلان والحنافيش؟!
 
التخلف النفسي عند الشيعي
ولا عجب! فالشيعي قد يكبر ويكبر معه جسمه، وربما عقله. ولكن نفسه تظل قابعة في زاوية من زوايا منبر العزاء الحسيني، حجمها خمس سنين لا تزيد عليه، ولا تكبر أبداً. هذه النفسية المتخلفة تظل تسحب وراءها عقل صاحبها، وتجرجره بين كهوفها وغيرانها المظلمة. هناك يلقى تلك النفس الخربة كعجوز قميئة هزيلة، تعوي بين جدران ذلك الخراب، تندب حظها، وتجز شعرها، وتشكو مظلمتها؛ فتأخذه العاطفة المبهمة فيقعد معها يلطم ويشكو ويندب. هذا هو سر تخلف العقل الشيعي، مهما تدرج صاحبه في مراتب العلم، وتجمل بطلاء الثقافة. إنها (وحدة نفسية تتجاوز انتماءات الطبقة والعنصر ومستوى التحصيل العلمي)! كما يعبر (كاتب السطور الذي تتسارع دموعه في اللحظة التي يتنحنح بها القارئ، قبل النطق بالبسلمة)!.
هل عرفت الآن لماذا يتساوى الشيعة في تشيعهم: العالم مع الجاهل، والمتدين مع العلماني، والكاشاني مع الكشواني، والدينوي مع الدنيوي؟!
التشيع ليس عقيدة أو فكرة مستقرها القلب أو العقل، بقدر ما هي عقدة مستقرها النفس. وهذا هو سر ذلك التساوي، وضعف الفرق بين أصناف الشيعة. وخطر التشيع ومشاكله نابع من هذه النفسية المعبأة منذ الصغر تعبئة يصعب علاجها ما دام صاحبها باق على تشيعه، ينتسب إليه، ولو بالاسم. وهذا هو سر فشل العلاج العقلاني، كالحوار والدعوة إلى التعايش، ما لم تكن ثمة قوة يخضعون لها ويطأطئون رؤوسهم هيبة وإجلالاً.
وهكذا تجد العلوي يتناقض مع نفسه حين يختتم الفقرة السابقة بقوله: (وفي تطور متوقع، حدث انعطاف في اتجاهات المنبر الحسيني، الذي اعتلاه مفكرون ومؤرخون وكان رائدهم الشيخ الدكتور أحمد الوائلي خريج جامعة النجف وجامعة القاهرة والفقيه المؤرخ والأديب الشاعر ولم يعد المجلس الحسيني دعوةً للبكاء واستخداماً غير مفيد لأحداث التاريخ).
كيف يحدث انعطاف كهذا والنفسية هي النفسية؟! والعلة هي العلة؟! والدليل على ما أقول هو الشاهد نفسه الذي جلبه العلوي من ظلمات قبره دليلاً لما يقول: (رائدهم الشيخ الدكتور أحمد الوائلي خريج جامعة النجف وجامعة القاهرة والفقيه المؤرخ والأديب الشاعر)! فهو رائدهم بحق في البكاء والنواح! وليس كما يدعي العلوي. ثم إن المتابع لمحاضرات الوائلي وبكائياته يجده يتلاعب بعواطف الجمهور، ويستخدم التاريخ استخداماً سلبياً، يؤجج الإحن والأحقاد، ويزيد التفرقة، ويرسخ تمزق الحاضر، وليس عنده إلا الطف والجمل وصفين، وعاشوراء وكربلاء، والطعن في تاريخ دولة الإسلام. فهل هذا هو الاستخدام المفيد لأحداث التاريخ؟! وهل هذه هي المصالحة التاريخية التي يدعو إليها العلوي أساساً للمصالحة الاجتماعية؟!!
 
بضائع النوكى
وأخيراً أقول..
لقد تبين لي من خلال هذا الكتاب (عمر والتشيع) أن مثل الشيعي مع المبادئ والمثل التي يدعيها – وقد يعتقد في نفسه أنه من أهلها – كمثل شارب للخمر، يصحو فيسب الخمرة، ويتمنى لو كان يمتلك الإرادة لتركها. ثم ما إن يجن عليه الليل حتى يعود إلى خمره ولهوه. والله تعالى يقول: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ) (النساء:123). وصدق سيدنا علي حين قال: (الأماني بضائع النوكى) أي الحمقى.
ومنهم من هو أشد من ذلك. أولئك الأدعياء المتاجرون. والقليل منهم من يدخل تحت حكم قوله تعالى (ليسوا سواء).
والله تعالى أعلم.
وصلى الله وبارك على نبينا الأكرم، وعلى آله صحبه وسلم.   

 
     السبت
07/07/2007
 
 
محتوى الكتاب
 

الموضوع

الصفحة

المقدمة

 

الباب الأول
تمهيد

 
 

الفصل الأول
سبب تأليف العلوي كتابه (عمر والتشيع)

 

الفصل الثاني
رشاوى الكتاب
 

 

الباب الثاني
العلوي ونظرية التصالح مع التاريخ

 
 

الفصل الأول
الطعن المبطن بعمر والصحابة

 

تكنية عمر بـ(ابن حنتمة).. هل النية صافية؟

 

على طريقة الشيعة في التنقيص من عمر

 

 
لا تاريخ لقوم عمر في ميدان الحروب

 

إنه ليهجر

 

خالد بن الوليد وقصة ابن نويرة

 

 
الفصل الثاني
الطعن المقذع في قريش
اتهام قريش بقتل عمر..!

 

وقفة مع (المعتدلين) طبقاً لمفهوم العلوي

 

عودة إلى موضوع اتهام قريش بقتل عمر

 

لا تغتر..! إنه المنهج الحلزوني الشيعي

 

هم يقولون لا أنا: قريش تغتال عمر

 

قريس تُسلم زوراً.. والمجوس صدقاً وإيماناً

 

 
الفصل الثالث
الطعن في تاريخ الأمويين

 

نظرية (التسنن الأموي)

 

تسنن أهل السنة أموي

 

المؤرخ قاضي

 

اشتطاط الأمويين في القطيعة واختلاق المرويات الضعيفة

 

القطيعة لم تكن إلا في أذهان المنقطعين

 

الصراع سياسي لا اجتماعي

 

طبيعة الحكم

 

من هو أولى بتهمة وضع الحديث؟

 

أين التصالح مع التاريخ؟

 

 

حملة (التنقيص المستمر)

 

دعوى سب علي على منابر الأمويين

 

 
الفصل الرابع
الطعن المبطن في صلاح الدين الأيوبي ووصف مرحلته بالطائفية

 

معلومات تاريخية سطحية أو مسطحة؟

 

الفصل الخامس
لماذا لا يتصالح الشيعي مع التاريخ

 

الفصل السادس
العلوي وتاريخ العراق الحديث

 

الشيعة يقاومون وأهل السنة يحصدون

 

دعاوى ودعايات تتكرر

 

مقتدى مثال (المقاومة الشيعية)

 

سراق التاريخ.. وقفة مع ثورة العشرين

 

تسلط الشيعة مصحوب بالصراع الطائفي

 

الباب الثالث
رموز المشاركة في مشروع العلوي

 

الفصل الأول
رموز المشاركة

 

محمد مهدي الخالصي

 

محمد حسين كاشف الغطاء

 

مؤسسو أخطر المنظمات والدول الطائفية في التاريخ
1. محمد حسين فضل الله الأب الروحي لـ(حزب الله)

 

2. موسى الصدر مؤسس منظمة (أمل)

 

3. محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة

 

4. محمد باقر الحكيم مؤسس المجلس الأعلى ومنظمة بدر

 

5. الخميني مؤسس جمهورية إيران الشيعية

 

مثال على كتب المصالحة

 

 

الفصل الثاني
الخميني النسخة طبق الأصل لعمر وعلي والمثال الأروع لفقهاء المشاركة

 

دماء على نهر الكرخا هل مسح من ذاكرة العلوي؟

 

الخميني الشبيه طبق الأصل لعمر بن الخطاب..!

 

الغائبان الحاضران الطوسي وابن العلقمي

 

الفصل الثالث
وقفة أُموية مع جمهورية الخميني العلوية وتجربته العمرية

 

موقف الخميني من عمر بن الخطاب

 

موقف الخميني من أهل السنة

 

النظرة السوداوية لتاريخنا

 

موقف الخميني من الجنس

 

الباب الرابع
العلوي علوي أم صفوي؟

 

الفصل الأول
العلوي العروبي صديق إيران الشعوبي

 

الفصل الثاني
التشيع الصفوي عند العلوي

 

اعتزال علي وتفرغه الأكاديمي لدراسة القرآن

 

علي يدرس القرآن خلي البال والأمة تتعرض للاجتثاث

 

 العلوي يرد على نفسه

 

علي اختار أن لا يرفع السيف في وجه أبي بكر

 

الفصل الثالث
الانحياز الطائفي

 

دعوى الأغلبية الشيعية

 

دفع التهمة عن الشيعة وإلقاؤها في حضن أهل السنة

 

·    أهل السنة يستفزون الشيعة

 

·    أهل السنة يفجرون مرقد سامراء

 

·    جيش المهدي محايد لكنه تعرض للاستفزاز

 

·    التلميح إلى مصادر أهل السنة بالكيد والإهمال لعلي

 

الانحياز إلى المجوس

 

·    المجوس أسلموا عن قناعة وإيمان

 

·    قريش أسلموا ظاهرياً وكثير منهم منافقون

·         

الكتاب كله منحاز
 

 

 
الفصل الرابع
منهج التقابل الإسقاطي

 

دور الإسقاط في حياة الشيعي

 

فاتح خيبر وفاتح بيت المقدس

 

المقارنات الشحيحة

 

أمثلة أخرى سريعة

 

الفصل الخامس
الدينيوية أو وحدوية العلماني والديني عند الشيعي

 

عقدة الاضطهاد والمحرومية

 

·  المذهب المحكوم المحروم

 

·  عجمة التشيع واقع يفرض نفسه

 

· من أقام نظام الحكم المشترك النظام السابق أم الشيعة؟

·         

·  الشكوى الدائمة والشعور العميق بالحرمان

 

·  من المسؤول عن (إقصاء الشيعة)؟

 

المغالطة وليُّ أعناق الأحداث والنصوص

 

·  حرب العراق ضد إيران حرب أمريكية ضد الشيعة

·         

·  ربما نسي العلوي

 

الثناء على (مراجعات) عبد الحسين الموسوي

 

هشام بن الحكم المجسم مهندس أفكار الإمام جعفر الصادق

 

أسطورة السبي والثناء على قاتل الحسين

 

ابن سبأ مختلق

 

ويبقى العلماني والديني متوحداً في الشخصية الشيعية الدينيوية

 

الخاتمة
التشيع عقدة وليس عقيدة

 

التخلف النفسي عند الشيعي

 

بضائع النوكى

 

محتوى الكتاب

 

 


[1] الطبعة الأولى ، 1968 ، مطبعة صور الحديثة ، لبنان

[2] المقصود بـ(الحاكم الشرعي) هو علي t ! فالمرتدون ما خرجوا إلا اعتراضاً على تولي الخلافة من قبل غير من بايعوه عند الغدير! فلما طولبوا بالزكاة قالوا: لا نسلمها إلا لعلي (الحاكم الشرعي. هكذا يقول (المعتدلون)!

[3] رواه مسلم

[4] الوحدة الاسلامية بين الاخذ والرد مطبوعة ضمن مجموعة كتب ، ص412

[5] هذه بعض المصاهرات التي سجلتها كتب الأنساب المعتمدة . وقد بدأها الرسول صلى الله عليه وسلم بزواجه من رملة بنت أبي سفيان ، وتزويجه ابنتيه رقية وأم كلثوم من عثمان بن عفان . ونسجل هنا بعدها أهم هذه المصاهرات، التي تفاجئ العقل الشيعي! ذلك العقل الذي ربى وتربى على القطيعة:
1. رملة بنت علي بن أبي طالب تزوجها معاوية مروان بن الحكم
2. فاطمة بنت الحسين تزوجها عبد الله حفيد عثمان بن عفان
3. أم القاسم بنت الحسن المثنى تزوجها مروان حفيد عثمان بن عفان
4. وأما أختها زينب فتزوجها الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان
5. وبنت عمها نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي تزوجها الوليد بن عبد الملك أيضاً
6. لبابة بنت عبد الله بن عباس تزوجها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان
7. أم أبيها بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب تزوجها الخليفة عبد الملك بن مروان
8. أم محمد بنت عبد الله بن جعفر تزوجها يزيد بن معاوية
9. أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر تزوجها أبان بن عثمان بن عفان
10. نفيسة بنت عبيد الله بن عباس بن علي تزوجها عبد الله بن خالد بن يزيد
وتركنا الزيجات الأخرى خشية الإطالة . هذا عدا الزيجات المقابلة ، أي زيجات العلويين من الأمويات ! وعذراً من إزعاج أصحاب القطيعة ؛ فنحن لا نزور التاريخ من أجل أمزجة الآخرين .

[6]- بحار الأنوار ، للمفتري محمد باقر المجلسي ، 101/107.

[7]- لمحات اجتماعية من تأريخ العراق الحديث ، علي الوردي ، الجزء الخامس المخصص لثورة العشرين ، ص63،62.

[8]- المصدر نفسه ص235.

[9]- المصدر نفسه ، ص236.

[10]- المصدر نفسه ، ص148 وما بعدها

8- إحياء الشريعة ، ج1 ص86 ، محمد مهدي الخالصي

9- نقلاً عن (أصول مذهب الشيعة الامامية الاثنى عشرية عرض ونقد) ، 2/753 ، الدكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري.

[13]- المجيز على الوجيز ، الأستاذ محمود الملاح ، ص273 ، ضمن مجموعة كتب له.

11- مسائل اعتقادية، ص110 ، محمد حسين فضل الله

12- من مقال بعنوان (محاولات أولية لإصلاح الشيعة) على موقع " الرابطة العراقية " في 1 محرم 1428 ، 19/1/2007 

13-  فدك في التاريخ ، ص89 ، محمد باقر الصدر.

14- أيضاً ، ص138

15- أيضاً، ص186

16- أيضاً ، ص50-51

[20]- دماء على نهر الكرخا ، حسن السوداني ، ص54 .
 

[21]- دماء على نهر الكرخا ، ص6-9 .

[22] - الحكومة الإسلامية، طبع دار عمار، ص 108 و 119.

[23] - ص238،237.

[24]كشف الأسرار ، روح الله الخميني ، ص113

[25]- كشف الأسرار ، ص193

23- كشف الأسرار ، ص111–114

[27]- كشف الأسرار ، ص114–117

[28]- كشف الأسرار : ص107– 108

[29]- كشف الأسرار : 116

[30]- كشف الأسرار ، ص117.

[31]- الخميني شذوذ في العقائد شذوذ في المواقف ، ص13-14 ، سعيد حوى

[32]- الخميني شذوذ في العقائد شذوذ في المواقف ، ص17 ، سعيد حوى
 

[33]- الحكومة الإسلامية ، روح الله الخميني ، ص30 ، تقديم وتعليق محمد أحمد الخطيب ، الطبعة الأولى ، 1988 ، دار عمار ، عمان ، الأردن

[34]- المصدر السابق ، ص118

32- دماء على نهر الكرخا ، ص19 .

33- الشيعة والدولة القومية في العراق 1914-1990 ، حسن العلوي ، ص267 ، دار الثقافة للطباعة والنشر ، إيران – قم.

[37]- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، ص31-32 ، أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ، دار إحياء التراث العربي – بيروت ، الطبعة الثالثة ، تحقيق هلموت ريتر