مواقيت الصلاة من المصادر المعتمدة عند الشيعة والسنة
مواقيت الصلاة من المصادر المعتمدة عند الشيعة والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وكفى. والصلاة والسلام على نبينا المصطفى، وعباده الذين اصطفى..
وبعد.
فإن أعظم أركان الدين العملية على الإطلاق… الصلاة: من أقامها أقام الدين، ومن هدمها هدم الدين لأنها عموده كما صح عن النبي محمد e . وقد أمر الله تعالى بالمحافظة عليها فقال:(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) البقرة/ 238. وكذلك أمر رسولهe .
ومن المحافظة على الصلاة المحافظة على إقامتها في أوقاتها. وذلك يستلزم معرفة هذه الأوقات.
وهذه رسالة علمية مختصرة جامعة في تعيين الأوقات الخمسة للصلوات الخمس من كتاب الله تعالى
وسنة نبيه r .
وقد كتبتها معتمداً على المصادر الروائية السنية والشيعية على حد سواء، ليتبين بوضوح أن هذه المصادر فيها الكثير مما يمكن الاستناد إليه للاتفاق في مثل هذه الأمور العظيمة.
ولذلك فقد ضممت إليها فصلاً قيماً للسيد محمد اسكندر الياسري النجفي، كتبه معتمداً على المصادر الشيعية التي تروي عن أئمة أهل البيت.
حتى يكون الجميع على بينة من أمرهم في هذا الأمر العظيم –الصلاة.
والله وحده أسأل أن يجمع قلوبنا على الحق، وييسر لنا سبيل الوصول إليه. إنه سميع قريب.
المؤلف
1995
تســاؤلات بين يدي الـرسالة
نشأت في بيئة يرفع الأذان من بعض مآذنها ثلاث مرات ومن البعض الآخر خمساً. فأتألم لهذا الاختلاف، وتتولد في نفسي تساؤلات عديدة:
أليست الصلوات خمساً؟
أليست كل صلاة مسماة باسم وقت من الأوقات؟
ألم تكن هذه الأوقات عند نزول القرآن معروفة ومحددة فلكل وقت حد معلوم يختلف عن الآخر؟ أم ان العرب الذين نزل القرآن بلغتهم أطلقوا هذه الأسماء أسماء الأوقات دون تحديد؟ أو ان بعضها متداخل في البعض الآخر؟
فلماذا غايروا بين الأسماء إذا لم تكن مسمياتها متغايرة ومعلومة؟ لا سيما وأن الأذان والصلاة شعيرة ظاهرة تعبر عن مظهر عظيم للجماعة والائتلاف، فتفرقنا فيها يؤدي بنا إلى التمزق ولا بد. فهل من صلى خمس صلوات في خمسة أوقات متفرقات صلاته غير صحيحة؟ الجواب: كلا، صلاته صحيحة بالاتفاق. فيلزم من هذا أن جمع الصلوات ليس بواجب.
وإذن فهل يصح عقلاً أو شرعاً أن نتمسك بشيء غايته الإباحة والجواز لنلغي به شيئاً هو من أعظم الواجبات: الوحدة والائتلاف؟!
وهل يجوز أن نتلقى التفرق –وهو من أعظم المخاطر الاجتماعية والمحرمات الشرعية- ثمناً مقابل شيء هو في أعلى أحواله لا يتعدى حكمه الجواز؟!
إن الاقتصار على ثلاثة أوقات أقل ما فيه أنه يدع المسلم في شك من صحة أداء أعظم أعمال الدين مهما كانت درجة هذا الشك. أما تفريق الصلوات على أوقاتها الخمسة فإنه يقطع هذا الشك ويبعث في النفس الطمأنينة والارتياح.
ثم أسأل نفسي أسئلة أخرى:
كم مرة كان رسول الله r يصلي يومياً؟
وكم مرة كان الأذان يرفع من مسجده الشريف؟
وكم مرة كان أمير المؤمنين علي t يصلي،
ويرفع الأذان من مسجده في الكوفة، أو مآذن الدولة المترامية الأطراف التي كان يحكمها أو كان من قبله يحكمها إخوانه الخلفاء الراشدون y ؟
ويأتي الجواب المتفق عليه دائماً: إنهم كانوا يصلون ويؤذنون خمس مرات في خمسة أوقات متفرقات. إلا أنهم كانوا يصلون في بعض الحالات كالسفر والمرض والقتال ويجعلونها ثلاثة.
فأقول: هل يكفي هذا مسوغاً لأقامتنا الصلوات الخمس في مساجدنا ثلاث مرات فقط هكذا دائماً ومن دون عذر؟ فالمساجد ثابتة لا تنتقل ولا تسافر، والناس الذين حولها مقيمون وليسوا في قتال، فعلام نفعل ما لم يفعله رسول الله r ، بل ولا علي t ؟!!
كل الذي أسمعه جواباً آية واحدة هي قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) الإسراء/ 78 على أساس أن الأوقات المذكورة فيها ثلاثة: دلوك الشمس، وغسق الليل والفجر، فهي إذن ثلاثة لا خمسة.
لأن فعل النبي –وهو خير من يفهم أمر الله وينفذه- لا يتطابق وهذا التفسير: فلو كانت الآية تحدد الأوقات بثلاثة فقط لما جعلها الرسول r خمسة وقد بعث بالحنيفية السمحة والرفق والتيسير ورفع الحرج، وكان r حريصاً على هذه المعاني.
إن فعل رسول الله r حجة في تفسير وبيان مقصود القرآن: يقول تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:44). ففعل رسول الله بيان لمقصود الله في القرآن.
ونحن مأمورون باتباعه كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31).
ولقد أمـرنا r فقال : (صلـوا كمـا رأيتمونـي أصلي )1
فإذا أمر الله بأمر ونفذه رسوله على صورة معينة فإن هذه الصورة هي البيان والتفسير لذلك الأمر.
فلا يعقل إذن أن يكون مراد الله ومقصوده في الآية ثلاثة أوقات، ورسوله يفسرها بخمسة.
ثم شاء الله جل وعلا أن يهديني بفضله ويريح نفسي ويشفي صدري، وذلك بالقرآن نفسه: إذ وجدت فيه آيات كثيرة أخرى تبين بوضوح لمن وقف عليها مجتمعة مواقيت الصلوات، وأن هذه المواقيت لم يقصر الله تعالى بيانها على آية واحدة فقط . فلله الحمد.
الفصل الأول
آية الإسراء
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)
(الإسراء:78)
نقطة الانطلاق : القرآن هو المرجع
لا يختلف مسلمان في أن كلمة القرآن هي الفصل والفرقان في كل نزاع، وأن ما خالف القرآن فمردود.
فنرجع إلى القرآن من أول الطريق ونريح أنفسنا من عناء الخلاف والجدل.
والقرآن الكريم قد قال كلمته في تحديد أوقات الصلاة في آيات كثيرة، فالواجب علينا أن ننظر في هذه الآيات مجتمعة مع بعضها ونربط بينها وهو ما يسمى في الأصول: الجمع بين أطراف الأدلة وحينذاك سيتبين لنا المقصود بوضوح. إلا أن هذه القاعدة غائبة عن أذهان الكثيرين فيقتصر على آية واحدة من آيات المواقيت الكثيرة المبثوثة في القرآن ثم تفسر تفسيراً يخرجها عن معناها ويجعلها متناقضة مع مثيلاتها من الآيات التي تعزل عنها ولا تذكر معها، ما يسهل على السامع الساذج أو الذي لم يتَح له تدبر القرآن قبول ذلك التفسير بمعزل عن هذه الآيات. أما الأسلوب العلمي المنصف فيقتضي جمع الأدلة المتفرقة ذات الموضوع الواحد، وإلا وقعنا في فخ (اتباع المتشابه) فإن ذلك أسلوب من أساليبه.
المحكم والمتشابه
قال تعالى:
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ): أي مرجعه عند الاختلاف لكونها لا يدخلها الاحتمال أو الاشتباه. (وَأُخَرُ مُتَشَابهَاتٌ): أي فيها اشتباه واحتمال لأكثر من وجه. فما اشتبه وكان محتملاً لأوجه عدة مختلفة فلا يجوز أن يتخذ مرجعاً للدلالة على أحد هذه الوجوه دون الرجوع به إلى المحكم الذي يحدد بالضبط أياً من الوجوه هو المقصود؟ ولهذا كان (أم الكتاب) –وإلا كان الفاعل لذلك من الذين قال الله فيهم: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) فمن اتبع المتشابه واحتج به في معزل عن المحكم فهو من أهل الزيغ لأن المتشابه – إذا عزل عن المحكم – لا يمكن تحديد المراد منه على وجه القطع واليقين إلا الله، وإلى هذا أشارت الآية حين عقبت على ذكر المتشابه بالقول: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ). أما من توقف عند ما تشابه منه حتى يفهمه في ضوء المحكم –وإلا وكل الأمر إلى الله- فهو من أهل الرسوخ الذين ذكرتهم الآية بالقول: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ) (آل عمران:7). فأهل
الزيغ يعكسون الأمر فيتوقفون عند المحكم يخفونه ولا يحتجون به لأنه لا حجة لهم فيه، وإنما حجتهم في المحتمل والمتشابه الذي يمكن أن يستغلوه ويؤولوه على مرادهم فتراهم دائمي اللهج به كثيري الذكر له.
وتفصيل هذا له موضوع آخر فنرجع إلى الآية الكريمة.
موضع الاشتباه في آية الإسراء
إن موضع الاشتباه في (الآية) هو حرف الجر (إلى) فسروه بمعنى حرف العطف (الواو) مع اختلافهما لفظاً ومعنى:
فإن (إلى) حرف جر يفيد معرفة (الغاية) وانتهائها.
تقول: [داومت في الدائرة من اليوم الأول في الشهر (إلـى) اليوم الثلاثين]. فإن التعبير بـ(إلى) أفادنا أنك داومت أياماً عديدة لا يومين فقط .
أما إذا قلت: [داومت اليوم الأول (و) اليوم الثلاثين] فجئت بحرف العطف (الواو) بدل حرف الجر (إلى) فإن المعنى بهذا الحرف يقلب المعنى تماماً ويجعل عدد الأيام يومين فقط هما اليوم الأول واليوم الثلاثون. بينما عدد أيام الدوام في المثال الأول أكثر من اثنين، على أن العبارة لم تحدد عدد الأيام، وإنما حددت الوقت المستغرق للدوام ابتداءً وانتهاءً. أما عدد الأيام بين البداية (اليوم الأول) والنهاية (اليوم الثلاثين) فلا يمكن معرفته بالضبط إلا بالرجوع إلى نظام الدائرة الذي به يعرف الموظف أيام العمل وأيام الاستراحة وأيام العطل. فإن كان النظام يقضي بأن يكون الدوام بين يوم وآخر فإن عددها خمسة عشر. وإن كان الدوام يومياً عدا يوم الجمعة فإن عدد الأيام يكون حوالي ستة وعشرين يوماً... وهكذا.
وتقول: [الدوام في المدرسة الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الواحدة ظهراً] إن هذه العبارة لم تبين عدد الدروس بين الساعة الثامنة والساعة الواحدة، وإنما حددت الوقت الذي تستغرقه الدروس ابتداءً وانتهاءً. أما عدد الدروس فلابد من دليل آخر لمعرفته.
فاحفظ هذا، وأعد قراءة الآية من جديد على ضوء هذه الأمثلة منتبهاً إلى أن في تركيبها حرف الجر (إلى) وليس حرف العطف (الواو)، فإن الله تعالى يقول: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) ولم يقل: (وغسق الليل). والفرق بين العبارتين، كالفرق بين قولك: (داومت اليوم الأول واليوم الثلاثين) وقولك: (داومت اليوم الأول إلى اليوم الثلاثين). فلو قال الله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس وغسق الليل) لكانت الإقامة في وقتين اثنين هما الدلوك والغسق –العشاء. لكنه جل وعلا قد قال: (إِلَى غَسقِ اللَّيْلِ). أي إن إقامة الصلاة تبدأ عند (دلوك الشمس وتستمر إلى غسق الليل): وهو شدة ظلمته عند صلاة العشاء. وما بين الدلوك إلى الغسق أربعة أوقات حسب نظام الصلاة في الإسلام الذي عرفناه من نصوص أخرى غير الآية.
الآية حددت الوقت ولم تعين العدد
إن التركيب اللفظي للآية لا يدل على عدد الأوقات وإنما يحدد الوقت الكلي ابتداءاً وانتهاءاً. أما الذي عين عدد أوقات الصلوات ما بين الدلوك إلى الغسق وجعلها أربعة فنصوص أخرى من كتاب الله تعالى وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم). ولو افترضنا أن هذه النصوص كانت قد جعلت العدد أقل أو أكثر لكانت الآية شاملة ومحتملة في لفظها لكل ذلك.
فالآية تحتمل أن تكون الصلاة ما بين الوقتين كل ساعة مثلاً، أو كل ساعتين لو كانت النصوص الشرعية تأمر بذلك، ويبقى لفظ الآية: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) صالحاً للدلالة على
الأمرين من دون أشكال. لكنه لما دلت النصوص الشرعية على أن العدد أربعة قلنا به. ولو زادت أو نقصت زدنا أو نقصنا، والآية المذكورة تفيدنا في كل الأحوال.
وبقي الوقت الخامس والأخير وهو المعين بقوله: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً). وهنا -وهذا ما ينبغي الانتباه إليه- جاء التعبير بحرف العطف (الواو) وليس بحرف الجر (إلى).
فلماذا اختلف التعبير في الموضعين؟
إن التعبير بحرف العطف (الواو) يدل على أن الوقت المعطوف وقت واحد لا أكثر، وأنه لا صلاة مفروضة بين الغسق إلى الفجر لأنه لو قال: (إلى قرآن الفجر) لكان اللفظ دالاً على وجود صلوات مفروضة بين العشاء والفجر. لكنه لما لم يكن شيء من ذلك بين هذين الوقتين جاء بحرف العطف (الواو) فقال: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) ولم يقل: (إلى قرآن الفجر)، فتبين أن المتبقي صلاة واحدة عند الفجر فقط.
وهذا هو السر في أنه في المرة الأولى جاء بحرف الجر (إلى)، بينما في المرة الأخرى جاء بحرف العطف (الواو).
فالآية إذن لم تعين العدد، وإنما حددت الوقت الذي خلاله تقام الصلوات ابتداءاً وانتهاءاً. والفرق واضح بين تعيين العدد وتحديد الوقت. فتنبه!!
وقد ورد ما يوافق هذا في مصادر الإمامية المعتبرة عندهم: فقد روى القمي عن أبي جعفر (ع) قال: فيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهن الله وبينهن ووقتهن. و(غسق الليل) انتصافه ثم قال: (وقرآن الفجر أن قرآن الفجر كان مشهودا) فهذه الخامسة، وقال في ذلك: (أقم الصلاة طرفي النهار) وطرفاه المغرب والغداة (وزلفاً من الليل) وهي صلاة العشاء الآخرة([1]).
وإذن فمن احتج بالآية دليلاً على العدد وقال بمقتضاها: إن الأوقات ثلاثة فقد اشتبه عليه الأمر، وجانبه الصواب. فيبين له وجهة الشبهة ووجه الحق، فإن أصر فهو متبع للمتشابه. أولئك أهل الزيغ نجانا الله وإياك منهم. (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران:8).
موعظة
أخي المسلم!
يا من يخاف مقام ربه! ويرتجف خشية من العرض عليه والوقوف للحساب بين يديه!
هل تدري أن لك موقفين اثنين تقفهما بين يدي الله؟! أحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة. وأنه على قدر ثباتك في الموقف الأول يكون ثباتك في الموقف الثاني؟
أما الأول فوقوفك أمامه في الصلاة. وأما الآخر فوقوفك أمامه يوم القيامة للحساب!
فهل يصح ديناً أم يسوغ عقلاً أن يرجع المسلم الحريص على دينه الخائف من ربه في أعظم عمل يدخره ليوم لقائه إلى المتشابهات، ويعتمد على الظنون والاحتمالات، وقيل ويقال؟!
أليس الأولى به أن يتثبت أشد التثبت ليكون على بينة من أمره وحجة ظاهرة من عمله، وأن يتعرف على حقيقة دينه من خلال الأدلة الشرعية المحكمة الواضحة؟ فإنها جنة أو نار. وثمنها هو النفس. فكيف يخاطر عاقل بنفسه؟ ويقامر بدينه؟
وعلام هذه المخاطرة؟ ولمصلحة من هذه المقامرة؟ ووسائل الربح المضمونة المتفق عليها معلومة ميسرة!
فإن المسلم إذا صلى كل صلاة في وقتها فلا أحـد
من المسلمين –كائناً من كان- يمكن أن يعترض عليه، أو يقول له: إن صلاتك باطلة أو فيها مخالفة شرعية. بل على العكس سيكون مرتاح البال مطمئن النفس على صحة صلاته.
لكنه لو صلاها في غير وقتها فلا سبيل له إلى الاطمئنان، وإنما سيظل في شك وعدم يقين. فماذا هو قائل لو مات على هذه الحال ثم تبين له بعد الموت ما هو عليه من غلط وضلال؟!
وعلام هذه المغامرة المحفوظة بالمخاطر؟!! والبديل – أداء كل صلاة في وقتها - سهل متفق عليه.
الآية دليل على الإفراد وليس على الجمع
ومع هذا فإن المتدبر للآية يجدها دالة على إفراد الصلوات كل صلاة في وقت، وليس فيها دلالة على الجمع.
فإن الله يقول: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) وغسق الليل شدته وظلمته. والغاسق: الليل المظلم. قال
تعالى: (ومن شر غاسق إذا وقب) (الفلق:3)([2]).
وهذا يعني أن الله أوجب على المسلم أن تكون نهاية إقامته للصلوات في كل يوم عند اشتداد ظلمة الليل (الغسق). أي إن آخر صلاة -وهي العشاء- يجب أن تؤدى عند الغسق لا قبله. والذي نراه واقعاً في مساجد الإمامية اختتام الصلوات بعد غروب الشمس قبل اشتداد الظلمة التي عندها يصح إطلاق اسم (الغاسق) على الليل! فيصلون صلاة المغرب والعشاء جمعاً في وقت واحد هو وقت المغرب قبل غياب الشفق الأحمر واشتداد الظلمة. وهذا مخالف لمنطوق الآية لأنها تقول: (أقم الصلاة ... إلى غسق الليل) ولا يصح لأنه مخالف لأمر الله.
خير من فسر القرآن رسول الله r
يقول الله جل وعلا مخاطباً رسوله r : (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (النحل:44). ويقول: (وما أنزلنا إليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) (النحل64). وبيان النبي r يكون إما بقوله أو بفعله أو تقريره.
فلنأت إلى هذا الذي اختلفنا فيه لنسأل: أليس رسول الله r قد بينه؟ أم تركه ملتبساً دون بيان؟ بلى لقد بينه بقوله وكذلك بفعله وتقريره. وقول رسول الله r وفعله وتقريره بيان لما نزل من القرآن.
والآن نسأل: كم عدد الأوقات التي كان رسول الله r يؤدي فيها الصلوات المفروضة؟ إن كانت ثلاثة فالأمر محسوم على أن الأوقات ثلاثة. ولكن إذا كان المتفق عليه أن رسول الله r كان يصلي خمس صلوات في خمسة أوقات متفرقات، أو ليس هذا كافياً في إنهاء الخلاف وحسم الأمر؟ لأن رسول الله r خير من فهم خطاب الرب وفسره وعمل به.
النبي r صلى في خمسة أوقات متفرقات
من المجمع عليه بين جميع المسلمين أن النبي r كان يصلي الصلوات الخمس في خمسة أوقات، وأن الأذان كان يرفع من مسجده خمس مرات لا ثلاثاً، ولم يكن يصلي ثلاث مرات إلا في حالات استثنائية كالسفر والمرض والمطر والبرد الشديد، أو تشريعاً لأمته عند الحرج. أما القاعدة العامة والقانون المطرد في صلاته وأذانه فخمس مرات. وهذا بيان عملي وتفسير تطبيقي في غاية الوضوح والاتفاق لما ورد في القرآن من آيات بهذا الخصوص.
وظننا في كل مسلم معظم لرسوله ومتبوعه أن يكون هذا البيان منه كافياً له في الفصل في هذا النزاع.
فلنُقم الصلاة إذن خمس مرات في مساجدنا في الأحوال العادية. ولا بأس بأن تكون ثلاثاً في الحالات الاستثنائية.
أليس هذا هو المنطقي والمنسجم مع المعقول والمنقول؟
وعلى هذا سار الخلفاء الراشدون (رضي الله عنهم) ومنهم سيدنا علي فقد كان يصلي خمس مرات في خمسة أوقات متفرقات. ولا يعرف عنه أنه كان يرفع له الآذان من مسجد الكوفة أو غيره في زمانه ثلاث مرات قط . وكذلك فعل المسلمون من بعده في مشارق الأرض ومغاربها.
الإفراد أفضل بالاتفاق
لو سألت أي عالم من علماء الشيعة يجيز جمع الصلوات: أيهما أفضل: الجمع؟ أم الإفراد وأداء كل صلاة في وقتها؟ لأجاب: الإفراد أفضل، والجمع لا يتعدى كونه جائزاً. فهو ليس بواجب.
وعلى هذا الأساس فمن أراد أن يفعل الأفضل ويفوز بالأجر الأعظم أين يذهب؟ والمساجد لا تؤذن ولا تفتح إلا في الأوقات الثلاثة: الفجر والظهر والمغرب. فلماذا لا نرفع الآذان منها خمس مرات؟ حتى نتيح لمن يرغب في فعل الأفضل أن يصلي الصلاة في وقتها. ومن أراد الجمع فذلك شأنه إذ يمكنه أن يصلي ثلاث مرات من دون حرج عليه فلماذا لا نفعل هذا؟ ونصر على فعل المفضول، ونحرم من أراد الأفضل من الحصول على الفضيلة ولا نمكنه منها؟!
فعل المباح إذا أدى الوقوع في الحرام حرام
من المعلوم شرعاً أن فعل المستحب (الذي هو أعلى درجة من المباح) لا يجوز إذا لزم منه فوات الواجب وإلا وقعنا في الحرام. كالذي يتضيق عليه وقت العصر فإذا صلى النافلة غابت الشمس قبل أداء الفريضة، أو يتضيق عليه وقت الصبح فإذا صلى النافلة طلعت الشمس.
فالنافلة في أصلها مستحبة إلا أنها في هذه الحالة تنقلب إلى حراماً. كذلك المباح إذا فوت علينا واجباً أدخلنا في حرام، ففعله حرام. بل الأمر أشد. هل يصح عقلاً أن تربح مائة دينار لتخسر ألفاً؟!
وهكذا جمع الصلوات فإنه في أحسن أحواله جائز (أو مباح) إلا أنه أكبر مظهر للفرقة وتمزيق المجتمع إلى طوائف كل طائفة لها صلاتها ومساجدها وآذانها، وهذا من أكبر الحرام. فكيف يصح هذا مع هذا؟ ومن يتحمل إثم هذا العمل؟!
الفصل الثاني
الأوقات الخمسة في القرآن الكريم
يقول تعالى:
(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:103).
أي مكتوباً محدد الأوقات. بمعنى أن لكل صلاة وقتاً محدداً مفروضاً وقتت به وسميت باسمه: فوقت الفجر غير الظهر، والظهر غير العصر، وكذلك المغرب غير العشاء.
تقول لصاحبك: ائتني عصراً. فيأتيك وقت العصر المتعارف عليه دون شعور منه ولا أن يخطر بباله أن المقصود هو عند صلاة الظهر أو بعدها بعشر دقائق – كما يقال من دون دليل من شرع أو عقل أو عرف - كذلك لو قلت له: تعال وقت العشاء، فإنه لن يأتيك عند غروب الشمس، وإنما بعد اشتداد الظلمة وغياب الشفق. وإن شئت فجرب.
والله تعالى سمى صلواته بأسماء هذه الأوقات. وأمر بأدائها في أوقاتها المسماة بها. وذلك عند الاطمئنان وعدم الحرج بقتال أو سفر أو مطر أو مرض أو ما شابه فقال: (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي أدوها في أوقاتها بأركانها وشروطها وحدودها (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً).
لقد جاءت هذه الآية في سياق كلام عن أداء الصلاة في الأحوال الطارئة المختلفة كالضرب في الأرض لأي سبب كالهجرة والسفر وطلب الرزق، أو عند حالة المرض أو حالة الخوف في ساحة القتال. ولا شك أن الجمع في هذه الأحوال مطلوب. وذكر الله ضمنها الأذى بالمطر أو المرض ثم ختمها بقوله: (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ…) الآية.
فقال تعالى في كـل ذلك: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً * وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَااطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:100-103). وهذا يشبه قوله تعالى في سورة البقرة (238،239): (حَافِظُوا عَلَىالصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً...) [هذا في حال الخوف. وهو كقوله في سورة النساء: (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ)] (... فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [وهذا في حال الأمن والاطمئنان. وهو كقوله تعالى في ما يقابله في سورة النساء: (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)] أي إذا ذهب الظرف الاستثنائي فارجعوا إلى الأصل الذي يقول الله فيه: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ). ويقول: (فَإِذَا اطمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً). فمن جعلها ثلاثة في غير هذه الأحوال الطارئة المذكورة وما يلحق بها فهو ليس ممن حافظ على الصلوات وأقامها في أوقاتها.
جاء في كتاب نهج البلاغة عن علي بن أبي طالب (رض) من عهده إلى محمد بن أبي بكر حين قلده مصر: (صل الصلاة لوقتها الموقت لها. ولا تعجل وقتها لفراغ، ولا تؤخرها عن وقتها لاشتغال واعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك)([3]).
أسماء الصلاة في القرآن
يعبر الله تعالى عن الصلاة بعدة ألفاظ ويسميها بأكثر من اسم:
- فمرة يسميها (قرآنا) لتضمنها قراءة القرآن كما في قوله تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)(الإسراء:78) أي صلاة الفجر.
- ومرة يسميها (إيمانا) لأنها أعظم أعمال الإيمان كما رد الله على اليهود قولهم ببطلان صلاة المسلمين التي صلوها إلى بيت المقدس قبل نسخ التوجه منها إلى الكعبة فقال: (وَمَاجَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا
عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) (البقرة:143)
أي صلاتكم.
- ومرة يسميها(ذكرا) لأنها أعظم الذكر كما في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (الجمعة:9)
أي إلى الصلاة.
- ومرة يسميها (تسبيحا) لتكرار التسبيح وكثرته فيها كما في قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) (النور:36) أي يصلي له فيها إذ لا يعقل أن المقصود بالتسبيح هنا أن يأتي المسلم إلى المسجد في أوقات الصلاة ليقول: (سبحان الله) ثم يخرج فإن المساجد إنما وضعت ليصلى فيها ولذلك قال بعدها: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ) (النور:37). وقد قال بعدها وهو يذكر تسبيح المخلوقات كلهاوصلاتها: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (النور:41).
وهذا ما صرح به الكليني في روايته عن أبي عبد الله (ع) قال: (إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر إلا أن بين يديها سبحة وذلك إليك إن شئت طولت وإن شئت قصرت)([4]).
- ومرة يسميها (دعـاء) لأن الصلاة دعاء كما في قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف:28). وهكذا تتنوع صيغ التعبير الإلهي عن الصلاة.
وقت صلاة العصر
وفيه آيات كثيرة منها:
* (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة:238).
الوسط لغةً: ما له طرفان متساويان. والأرقام من واحد إلى خمسة (1-2-3-4-5) يتوسطها الرقم (ثلاثة)، وصلاة العصر من بين الصلوات الخمس هي الصلاة التي رقمها (ثلاثة) من حيث الترتيب، وتقع بين الطرفين المتساويين: الطرف الأول صلاة الصبح وصلاة الظهر، والطرف الثاني صلاة المغرب وصلاة العشاء. كأصابع اليد الواحدة: الإصبع الوسطى فيها هي التي تحمل الرقم (ثلاثة) وتقع بين الطرفين المتساويين: الخنصر والبنصر من جهة، والسبابة والإبهام من جهة أخرى.
صلاة الصبح والظهر ــــ صلاة العصر ــــ صلاة المغرب والعشاء.
هذا التفسير هو الراجح لما قدمنا. ولوجود أحاديث صحيحة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وبذلك وردت في مصادر الإمامية روايات عديدة عن أهل البيت . فهو أقوى التفاسير:
روى البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال يوم الأحزاب: (ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة حتى غابت الشمس).
ورواه مسلم وأحمد وأبو داود بلفظ : (شغلونا عـن
الصلاة الوسطى صلاة العصر).
وعن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: حبس المشركون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس واصفرت فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وبيوتهم نارا) رواه أحمد ومسلم وابن ماجة.
وقد روى ابن بابويه القمي عن أبي جعفر (ع) قال: في بعض القراءة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (صلاة العصر) وقوموا لله قانتين (في صلاة العصر)[5].
وروى القمي عن الحسن بن علي (ع) أنه قال: وأما صلاة العصر فهي من أحب الصلوات إلى الله عز وجل
وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات([6]).
وهذا يدل على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر لا غيرها.
العصر مقترنة مع صلاة الفجر
يقول تعالى:
* (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ) (النور:36،37).
الآصال: جمع أصيل وهو وقت العصر إلى المغرب([7]).
ومن المعلوم أن الأصيل لا يدخل وقته إلا بعد الظهر بساعات فمن صلى العصر عند الظهر فليس ممن يذكر الله ويسبحه ويقيم الصلاة بالغدو والآصال كما أمر الله.
ولقد ذكر هذان الوقتان مقترنين في عدة مواضع من الكتاب منها:
* (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الأحزاب:41،42) فمن لم يصل الصلاة وقت الأصيل فليس ممن امتثل أمر الله فذكره ذكرا كثيرا، وهذه صفة المنافقين الذين قال الله عنهم: (إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ
قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً)
(النساء:142).
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الانسان:25).
* (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً
وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) (الرعد:15). فلا يليق بك أيها الإنسان المسـلم أن تتخلف عن جميع الخلق في هـذا
الوقت المبارك -وقت الأصيل فلا تسجد لربك كما يسجدون!
وقبل الغروب
ذكر لله تعالى وقت العصر في مواضع أخرى من القرآن محدداً تحديداً دقيقاً بأنه: (قبل الغروب)، وليس عند الظهر أو بعده بعشر دقائق. من ذلك قوله:
* (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) (قّ:39) ولا شك أن هذين الوقتين: (قبل طلوع الشمس) و(قبل الغروب) هما وقت صلاة الصبح، وصلاة العصر.
* (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) (طـه:130). فأين صلاة ما (قبل الغروب) ممن يصلي العصر وقت الظهر؟ وهل يمكن أن نطلق لفظ (قبل الغروب) على وقت الظهر؟ أو نقول عن هذا الوقت: إنه المقصود بقوله: (قبل الغروب)؟
تخصيص وقتي العصر والفجر بالقسم
لقد أفرد الله جل ذكره هذين الوقتين دون بقية الأوقات الخمسة بالقسم في كتابه الكريم! وما ذاك إلا لعظمهما وتميزهما: فهما الوقتان اللذان يجتمع فيهما ملائكة الليل وملائكة النهار، ولا يجتمعون في غيرهما كما ثبت ذلك عن النبي (ص). ومن تعظيمهما إقامة الصلاة فيهما. فكيف نحافظ على وقت الظهر ولا نحافظ على وقت العصر؟ الذي أقسم الله به فقال: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر:1،2). وسمى سورة من القرآن باسمه، هي سورة (العصر). كما أقسم بالوقت الآخر فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:1،2) وسمى سورة باسمه، هي سورة (الفجر).
فلماذا يؤكد الله على وقت العصر كل هذا التأكيد ونحن نفرط به هذا التفريط ؟!
لماذا نتصيد الرخص ونترصد الأعذار وإن كانت أوهاما وشبهات؟
وقت (العشي): العصر
ويسمي الله وقت (العصر) باسم آخر هو (العشي) ويقرن بينه وبين الفجر أيضاً. يذكر ذلك في مقام التنويه بذكر الذين يدعون ربهم في هذين الوقتين المعظمين مع أمره رسوله (صلى الله عليه وسلم) بإكرامهم وعدم الإساءة إليهم كما في قوله:
* (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)(الكهف:28).
* (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)(الأنعام:52).
الله تعالى يأمر الأنبياء بصلاة (الصبح) و(العصر)
* قال تعالى مخاطباً نبيه زكريا (عليه السلام): (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ) (آل عمران:41).
* وخاطب نبيه موسى (عليه السلام) قائلاً:
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ) (غافر:55).
وفي هذا دليل على خصوصية هذين الوقتين، وحث على المحافظة على الصلاة فيهما.
القرآن يبين ما المقصود بالعشي
قد يخالط على البعض فلا يعرف المقصود بوقت العشي، أو
يظن أنه العشاء. ولكنه لو رجع إلى القرآن -وخير من يفسر القرآن
هو القرآن نفسه - لوجده يحدده بدقة على أنه وقت العصر:
يقول (جل وعلا) مخبراً عن نبيه سليمان (عليه السلام):
* (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ) (ص:30،31).
ولا يصح أن يكون المقصود بـ(العشي) غير العصر
إذ الخيل (الصافنات الجياد) لا تعرض عند الظهر ولا بعد غياب الشمس، وإنما عند العصر الذي هو أنسب الأوقات ما بين الظهر إلى مغيب الشمس لاستعراض الخيل وإركاضها، ولذلك قال تعالى بعدها: (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) (ص:32). أي حتى توارت الشمس بحجاب المغيب. فالعرض استمر من العصر حتى غروب الشمس.
وفي هذا يروي ابن بابويه القمي عن جعفر الصادق (ع) قال: إن سليمان بن داود (عليه السلام) عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل فاشتغل بالنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب فقال للملائكة: ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها([8]).
ويقول سبحانه في موضع آخر:
* (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ
فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (الروم:17،18). (حين تمسون): (المغرب والعشاء)، و(حين تصبحون) الصبح، و(حين تظهرون) الظهر. ولم يبق إلا وقت العصر فعبر الله عنه بقوله: (وعشياً). فيكون مراد الله تعالى بـ(العشي) حين يذكره في كتابه موقتاً به الصلاة هو وقت العصر.
وقت صلاة العشاء
وقت صلاة العشاء الذي حدده الله تعالى في كتابه هو بعد غياب الشفق الأحمر وحلول ظلمة الليل، وليس بعد أداء صلاة المغرب.
وفي ذلك يقول جل وعلا:(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) (الإسراء:7). وغسق الليل: اشتداد ظلمته. فإن أصل الغسق لغة: السيلان: يقال: غسقت العين: أي سال دمعها، ومنه قوله تعالى: (هذا فليذوقوه حميم وغساق) (ص:57) ومعنى غساق: صديد يسيل من أجساد أهل النار. تقول العرب: غَسَقَ الجرحُ: إذا سال منه الماء.
فكأن الظلمة تنصب على العالم وتسيل عليه وقت الغسق. ومنه قوله تعالى: (ومن شرِّ غاسقٍ إذا وقب) (الفلق:3) أي الليل إذا اعتكر ظلامه ودخل في كل شيء، فيكون أنسب الأوقات لحدوث الشر لصعوبة الاحتزاز منه فيه.
فلا يكون الليل غاسقاً إلا بعد غياب الشفق وذهاب حمرته. فـ(غسق الليل) إذن لا يدخل إلا بعد غياب الشفق الأمر، لا قبله. فمن أقام صلاة العشاء قبل ذلك لم يكن ممن أقامها (... إلى غسق الليل) كما أمر الرب جل وعلا.
وفي هذا يروى الكليني عن أبي عبد الله (ع) قال: وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل([9]).
ويروي أيضاً عن أبي عبد الله (ع) وقد سأله سائل: متى تجب العتمة؟ قال: إذا غاب الشفق والشفق الحمرة[10].
ويروي كذلك عن أبي جعفر (ع) عن رسول الله (ص) أنه قال: لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل – وفي رواية- إلى نصف الليل[11].
ويروي الشريف الرضي عن أمير المؤمنين علي (ع) من كتاب له إلى أمراء البلاد... (وصل بهم العشاء حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل)[12].
آية الاستئذان
ومن الآيات التي حددت وقت العشاء قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ
يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النور:58).
والعلة في تخصيص هذه الأوقات الثلاثة بالذكر في موضوع الاستئذان لكون هذه الأوقات هي التي تغلب فيها الخلوة بالأهل والتخفف من الثياب. فجاء توجيه الرب للعبيد والأطفال الذين كثيراً ما يحتاجون إلى الدخول والخروج فيكون الاستئذان المتكرر كلما دخلوا وخرجوا محرجاً فسمح لهم بترك الاستئذان إلا في هذه الأوقات الثلاثة خشية الإطلاع على ما لا ينبغي لهم الاطلاع عليه.
ولا شك أنه ليس من عادة المسلم الخلوة بالأهل أو
التجرد والإيواء إلى الفراش بعد غياب الشمس، وإنما يكون ذلك بعد حلول الظلام ومرور وقت أقلُّه يمكـن
تحديده بغياب الشفق الأحمر، وهذا على أقل تقدير. وأما قبله فلا يعرف لأحد عادة للنوم فيه.
وهذا معناه أن صلاة العشاء إنما يحين وقتها بعد اشتداد الظلمة وغياب الحمرة لأنه الوقت الذي يمكن أن يتوقع بعده أن يكون الناس أو الأهل في خلوتهم وفراشهم، فالناس لا ينامون بعد غياب الشمس مباشرة. فلو كانت صلاة العشاء وقتها بعد الغياب لما وقّت الله الاستئذان بعدها لأنه وقت لا ينام الناس فيه ولا يضعون ثيابهم فلا داعي للاستئذان فيه لمثل أولئك الذين ذكرتهم الآية. إذن قوله تعالى عن الاستئذان: (من بعد صلاة العشاء) تحديد لوقت صلاة العشاء وأنه على الأقل- بعد غياب الشفق واشتداد ظلمة الليل.
وهو يعني أيضاً أن كون (صلاة العشاء) إنما يحين وقتها بعد اشتداد الظلام أمر متعارف عليه قبل نزولها بحيث صلح أن يكون أصلاً يوقت عليه، وهذا لا يمكن إلا بعد كونه كذلك.
وزلفاً من الليل
ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: (أقمِ الصلاةَ طرفَي النهار وزُلفاً مِنَ الليْلِ) (هود:114). على ما رواه ابن بابويه القمي عن زرارة بن أعين: قلت لأبي جعفر (ع): أخبرني عما فرض الله تعالى من الصلوات؟ قال خمس صلوات في الليل والنهار. قلت: هل سماهن الله وبينهن في كتابه؟ فقال: نعم. قال الله عز وجل لنبيه (ص): (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) ودلوكها زوالها. ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهن الله وبينهن ووقتهن. وغسق الليل انتصافه. ثم قال: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) فهذه الخامسة. وقال في ذلك: (أقم الصلاة طرفي النهار) وطرفاه المغرب والغداة. (وزلفا من الليل) وهي صلاة العشاء الآخرة([13]).
الفصل الثالث
توقيت رسـول الله r
ثم نأتي إلى صحاح أحاديث رسول الله r ونقارن بينهما وبين ما مر بنا من آيات قرآنية لنرى التوافق والتطابق ظاهراً جلياً: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(النساء:82) :
- روى مسلم عن النبي r أنه قال:
(وقت الظهر: إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر.
ووقت العصر: ما لم تصفر الشمس.
ووقت المغرب: ما لم يغب الشفق.
ووقت العشاء: إلى نصف الليل الأوسط .
ووقت صلاة الصبح: من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)([14]).
- وروى مسلم أيضاً قوله r: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني الفجر والعصر.
- وروى مسلم عن أبي بصرة الغفاري (رضي الله عنه) قال: صلى رسول الله r العصر فقال: (إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين).
قارن بين هذا الحديث وبين ما رواه القمي عن الحسن بن علي (ع) أنه قال: (وأما صلاة العصر … فهي من أحب الصلاة إلى الله عز وجل وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات)[15].
- وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال: حبس المشركون رسول الله r عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت فقال رسول الله r : (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة
العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا).
- وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) أن رسول الله قال r : (الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله).
- وروى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنه قال: كان رسول الله r يصلي العصر والشمس مرتفعة فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة، وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه).
- وروى البخاري عنه أيضاً قوله: (كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة).
- وروى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: (كان رسول الله r يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس نقية، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحياناً يؤخرها وأحياناً يعجل: كان إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطأوا أخر. والصبح كانوا – أو
قال كان النبيr – يصليها بغلس).
- وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود(رضي الله عنه) أنه قال: سألت رسول الله r : أي العمال أفضل؟ قال: (الصلاة لوقتها) قال: قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين) قال: قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله).
توقيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t
تأمل هذا التوقيت المفصل كما جاء في نهج البلاغة([16]) : [من كتاب له عليه السلام إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة: (أما بعد فصلوا بالناس الظهر حتى تفيئ الشمس من مربض العنز. وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار حين يسار فيها فرسخان. وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم ويدفع الحاج. وصلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل. وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه
صاحبه)].
هذا بيان وتفصيل لا لبس فيه لأوقات الصلوات الخمس كل صلاة في وقت محدد منفصل عن وقت الصلاة الأخرى.
فقوله: (صلوا بالناس الظهر حتى تفيء الشمس من مربض العنز): أي أن صلاة الظهر ينتهي وقتها عند ذلك، ومربض العنز حائط ، (وتفيئ): أي تصل في ميلها جهة الغرب إلى أن يكون لها فيئ: أي ظل من حائط المربض على قدر طوله وذلك حين يكون ظل كل شيء مثله). وعند ذاك يحل وقت العصر الذي يستمر ما دامت الشمس بيضاء لم تصفر فإنه وقت تكره فيه الصلاة إلا للمضطر.
وقوله: (وصلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق) دليل واضح وضوح الشمس على أن وقت العشاء إنما يدخل بعد غياب الشفق.
وللدكتور موسى الموسوي حفيد المرجع الديني الشيعي أبي الحسن الأصفهاني، وهو أحد الساعين في طريق الجمع والتأليف بين المسلمين، وأحد العلماء الحائزين على شهادة الاجتهاد والمرجعية من الحوزة في النجف منذ عام 1371هـ . له كلمة قيمة في هذا الموضوع أنقل مقتطفات منها:
(إن الأكثرية من فقهاء الشيعة يفتون باستحباب إتيان الصلوات في أوقاتها المحددة، ولكن من الناحية العملية يذهبون إلى الجمع … والصلوات الخمس فرضت لأوقات محددة وسميت بها: فوقت العصر يختلف عن الظهر، والعشاء من الناحية الزمانية يختلف عن المغرب. ولا شك أن هناك حكمة بالغة إلهية في فرض الصلوات في هذه الأوقات الخمسة، وجعلها عمود الدين ومن أهم الشعائر الإسلامية وكان الرسول (ص) يصلي في مسجده في المدينة وهكذا الخلفاء بعده بما فيهم الإمام علي (ع)، وهكذا كانت سيرة الأئمة الشيعة. وإذا ما جمع الرسول (ص) بين الصلاتين مرة أو مرتين في غير سفر فقد كان لضرورة أو للترخيص. أما عمله فكان هو الالتزام بالأوقات الخمسة. وليت شعري أن أعرف هل هناك سبب يجدي بالخير من التظاهر بهذا الاختلاف مع الأكثرية الساحقة من المسلمين، أم إنه عمل سنه أناس كان غرضهم عزل الشيعة عن كل مظاهر الوحدة، ثم سار عليه الفقهاء وأئمة المساجد وهم يعلمون أو لا يعلمون.
ونحن في العملية التصحيحية نهتم بجمع الشمل من الناحية النظرية والعملية على السواء. ورسالتنا هي القضاء الأبدي على مظاهر الفرقة الفكرية والعملية وكل ما يدور حولها. وهذا لا يتم إلا بالعودة إلى عصر الرسالة والتمسك بسنة رسول الله (ص) على الطريقة التي كان الرسول (ص) يؤديها. ولا اعتقد أنه يوجد بين المسلمين شخص واحد يفضل على عمل رسول الله (ص) وسنته عمل الآخرين وآراءهم.
ومن هنا نهيب بأئمة مساجد الشيعة وبالشيعة أنفسهم ان يلتزموا بالصلوات في أوقاتها ويضعوا نصب أعينهم الصلوات الخمسة التي كان رسول الله (ص) يؤديها في مسجده بالمدينة ومعه صحابته من المهاجرين والأنصار، وأن لا يشذوا عن طريق رسمه نبي الإسلام ففي الاقتداء به وبسنته عزهم وكرامتهم وشوكتهم.
وهذا الإمام علي يكتب إلى أمراء البلاد حول الصلاة وأوقاتها وقد جاء في كتابه: (أما بعد فصلوا بالناس الظهر حتى تفيء الشمس من مربض العنز.. وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية، وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم.. وصلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل.. وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه) نهج البلاغة ج3 ص82) ([17]).
العلة في جمع الرسول r بين الصلوات
يحتج الكثير ممن يجيزون الجمع الدائم بين الصلوات بأن رسول الله r قد جمع بين الصلوات في السفر والمرض والمطر والبرد الشديد أو في القتال، وكذلك فعل علي (رضي الله عنه)، ويجعل ذلك عذراً في الاستمرار على الجمع في كل الأحوال.
ونحن نقول: لا بأس في الجمع بين الصلاتين في مثل هذه الحالات الاستثنائية ومنها الحرج وأسبابه كثيرة. فإذا زالت هذه الأسباب وانتهت الحالة الاستثنائية نرجع إلى ما كان عليه الرسول r في الحالات الاعتيادية.
فلا يصح عقلاً ولا شرعاً أن نعكس الأمر فنجعل من الاستثناء قاعدة، ومن القاعدة استثناء أو نعدمها تماماً.
إن رسول الله r كان في حالته الاعتيادية يصلي كل صلاة في وقتها المسماة به. أما الجمع فيلجأ إليه أو يفعله استثناءً. ونحن مأمورون شرعاً باتباعه والاقتداء بسنته وهو القائل: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
وليس من الاتباع أن نعكس تطبيق أفعاله فنجمع الصلوات من دون عذر ونقول مثلاً: جمع أمير المؤمنين عند القتال، فنكون كالذي يستبيح أكل الميتة دوماً محتجاً بجوازه عند الاضطرار. إنما نقول: كن في قتال وأجمع صلاتك، كن في سفر، كن في حرج… الخ. ولن تجد من يعارضك، فإذا انتهى القتال أو زال العذر وانتفى الحرج ارجع إلى ما كان أمير الممنين يرجع إليه عند ذاك إذ كان يصلي كل صلاة في وقتها.
الفصل الرابع
الحقيقة من مصادرنا |
هذا هو عنوان الفصل الذي كتبه فضيلة السيد محمد اسكندر الياسري النجفي[18] بعد اطلاعه على هذه الرسالة. وهو فصل قيم يزيد القارئ نوراً على نور، ويجعله واثقاً من أن جمع المسلمين على حقائق الدين المبين ليس بعيد المنال إذا صحت نواياهم وصدق عزمهم وبحثوا عن الحقيقة بعيداً عن التعصب.
يقول السيد محمد الياسري النجفي:
إن مواقيت الصلاة التي بينها الشارع موجودة في المراجع والأصول المعتمدة عندنا. وسوف نذكر قسماً من الأحاديث الدالة عليها ومن المصادر التالية:-
1-الاستبصار/ لشيخ الطائفة فقيه الشيعة الأكبر الطوسي.
2-فقيه من لا يحضره الفقيه/ لأبن بابويه القمي.
3-الكافي/ الكليني.
4-التهذيب/ للطوسي.
5-الوافي/ للكاشاني.
6-بحار الأنوار/ للمجلسي.
وغيرها من المراجع والأصول المعتمدة، وهذه المذكورة أعلاه
هي أمهاتها وإليكم الأحاديث:
1- [145/ باب لا تجوز الصلاة في غير الوقت -الاستبصار/ ج1]
868/ أخبرني الحسين بن عبد الله عن عدة من أصحابنا بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من صلى في غير الوقت فلا صلاة له)… أي من صلى العصر في غير وقتها فصلاته باطلة، وكذلك العشاء وبقية الصلوات.
2- [146/ باب أن لكل صلاة وقتين -الاستبصار/ ج1]
870/ عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (لكل صلاة وقتان فأول الوقت أفضله وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً من غير علة).
ومعنى الحديث: لو ضربنا مثلاً لذلك صلاة الظهر فإن وقتها يمتد لمدة ثلاث ساعات ونصف تقريباً(12-3,5) فالساعة (12) الثانية عشرة أول وقتها، والساعة (3,5) الثالثة والنصف آخره، فلا يجوز تأخير صلاة الظهر إلى الساعة (3,5) الثالثة والنصف إلا لعذر أو علة.
3- [147/ باب أول وقت الظهر والعصر -الاستبصار/ ج1]
933/ عن ابن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) : (أتى جبرائيل (عليه السلام) رسول الله (ص) بمواقيت الصلاة: فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر. ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر. ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب. ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء. ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح.
ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر. ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر. ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب. ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى الصبح. ثم قال ما بينهما وقت).
وهذا الحديث بنصه أو قريب منه رواه البخاري واحمد والنسائي والترمذي. قال البخاري: هو أصح شيء في المواقيت… (انظر فقه السنة لسيد سابق 1/ 98). معنى الحديث: هذا الحديث يبين مواقيت الصلوات المفروضة كلها ويحددها تحديداً دقيقاً لا يحتاج إلى شرح. وهو متفق عليه بين المسلمين فهو حجة على جميع المخالفين.
4- [936] عن إبراهيم الكرخي قال : (سألت أبـا
الحسن موسى (عليه السلام): (متى يدخل وقت الظهر؟ قال: إذا زالت الشمس. فقلت: متى يخرج؟ فقال: من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام [قامة] إن أول وقت الظهر ضيق. قلت: فمتى يدخل وقت العصر: قال: إن آخر وقت الظهر وقت العصر. قلت: فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال: وقت العصر إلى أن تغرب الشمس، وذلك من علة وهو تضييع. فقلت له: لو أن رجلاً صلى الظهر بعد ما تمضي من زوال الشمس أربعة أقدام أكان عند غيرك مؤدٍ لها؟ فقال: إن كان تعمد ذلك ليخالف السنة والوقت لم تقبل منه. إن رسول الله (ص) قد وقت للصلوات المفروضات أوقاتها وحد لها حدوداً في سنة الناس، فمن رغب عن سنة من سننه الموجبات مثل من رغب عن فرائض الله عز وجل).
قوله عليه السلام: (من بعد ما يمضي من زوالهـا
أربعة أقدام) أي ظل الزوال مضافاً إليه أربعة أقدام وذلك يساوي ظل الرجل أو قامته.
5- [883] عن احمد بن عمر بن أبي الحسن (عليه
السلام) قال: (سألته عن وقت الظهر والعصر؟ فقال: (وقت الظهر إذا زالت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة، ووقت العصر إلى قامتين).
ومعنى الحديث: أن طول كل إنسان قامة فإذا وقف الرجل تحت الشمس بعد الزوال فإن آخر وقت الظهر إذا صار ظل الشمس بقدر طول قامته [أي (قامة)] مضافاً إليها ظل الزوال كما هو موضح في روايات أخرى، وهو أول وقت العصر.
ووقت العصر عندما يصير طول ظله قامة [أي بقدر طول قامته] مضافاً إليه ظل الزوال، ويستمر إلى أن يصير طول الظل قامتين. وهو وقت الفضيلة. وعند العذر إلى غروب الشمس.
فنلاحظ أن صلاة الظهر محدد وقتها بالظل [من الزوال وهو أول الوقت إلى أن يصير قامة مضافاً إليه ظل الزوال] وكذلك صلاة العصر محدد وقتها بالظل أيضاً: [أوله عندما يصير قامة مع ظل الزوال وآخره عندما يصير قامتين].
6- [890] عـن احمد بن محمد قال: (سألت أبـا
عبد الله (عليه السلام) عن وقت الظهر والعصر؟ قال: (قامة للظهر وقامة أخرى للعصر).
فمعنى الحديث: أي ان وقت الظهر من الزوال إلى أن يصبح طول الظل قامة. ووقت العصر من آخر الظهر (وهو قامة) إلى أن يصبح قامتين (وهو وقت الفضيلة) :-
وقت الظهر وقت العصر زوال الشمس --------> قامة --------> قامتين |
7- [891] عن زرارة قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت صلاة الظهر فقال: (إذا كان ظلك مثلك فلصلاة الظهر وإذا كان ظلك مثليك فلصلاة العصر).
معنى الحديث: إن الوقت من الزوال إلى أن يصبح طول ظلك مثلك (قامة) فهذا الوقت لصلاة الظهر، ومن بعده إلى أن يصبح طول ظلك مثليك فلصلاة العصر.
8- [917] عن محمد بن الحكيم قال: (سمعت العبد الصالح (عليه السلام) [علي الرضا] وهو يقول: إن أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال. وأول وقت العصر قامة وآخر وقت العصر قامتان. قلت: في الشتاء والصيف سواء؟ قال نعم).
في هذه الرواية توضيح ضروري وهو أن القامة تحسب من الزوال أي يضاف إليها ظل الزوال الذي يختلف صيفاً عنه شتاءاً وعند ذاك يصبح هذا التوقيت: (ظل الزوال + ظل القامة) قاعدة مستمرة في الشتاء والصيف على السواء. هذا بالنسبة لآخر وقت صلاة
الظهر وأول وقت صلاة العصر.
9- [932] عن احمد بن محمد عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبد الله: (إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت؟ فقال أبو عبد الله: إذن لا يكذب علينا. فقلت: ذكر أنك تقول: إن أول وقت صلاة افترضها الله تعالى على نبيه (ص) الظهر، وهو قول الله عز وجل: (أقم الصلاة لدلوك الشمس)، فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك، ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة، وهو آخر الوقت. فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر، فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين. قال: صدق).
وفي هذه الروايات كفاية إذ تركت روايات أخرى كثيرة خشية الإطالة.
10- [149/ باب وقت المغرب والعشاء الآخرة -الاستبصار ج1]
972/ عن أبي وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (أتى جبريل (عليه السلام) رسول الله (ص) بمواقيت الصلاة.. ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء …. ثم أتاه من الغد…. ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلـث
الليل فأمره فصلى العشاء… ثم قال: ما بينهما وقت).
11- [973] عن زرارة قال: (سمعت أبا جعفر (ع)
يقول وهو يحكي صلاة النبي (ص): وصلى المغرب حين تغيب الشمس فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، وآخر وقت العشاء ثلث الليل.
12- [943] عن أبي أسامة الشمام قال: (قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): أؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ فقال الإمام: خطابية! إن جبرائيل (عليه السلام) نزل بها على محمد (ص) حين سقط القرص).
13- [950] عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن وقت المغرب؟ فقال: ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق).
14- [940] عن عمرو بن أبي نصر قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في المغرب: إذا توارى القرص كان وقت الصلاة والإفطار).
15- [943] عن علي بن الحكم عمن حدثه عن أحدهما(عليه السلام) [أي الباقر أو الصادق]: (أنه سئل عن وقت المغرب؟ فقال: إذا غاب كرسيها. قلت: وما كرسيها؟ قال: قرصها. فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره).
16- [944] عن عبد الله بن سنان قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها).
17- [946] عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (ص) يصلي المغرب حين تغيب الشمس حتى يغيب حاجبها).
18- [947] عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (وقت المغرب حين تغيب الشمس).
19- [949] عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن جبرائيل (عليه السلام) أتى النبي (ص) في الوقت الثاني للمغرب قبل سقوط الشفق).
20- [970] عن ذريح قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن أناساً من أصحاب أبي الخطاب يمسون بالمغرب حتى تشتبك النجوم فقال: أبرأ إلى الله
ممن فعل ذلك متعمداً).
حكم من أخر المغرب عند الأئمة (عليهم السلام)
فكل هذه الأحاديث المتقدمة تؤكد أن من أخر المغرب حتى تظهر النجوم متعمداً فقد خالف سنة الرسول (ص) واتبع الخطابية الذين ابتدعوا هذه البدعة في الكوفة وأن الأئمة (عليهم السلام) تبرأوا إلى الله منهم ومن فعلهم.
الجمع بين الصلوات لعذر
أما تأخير الصلاة أو جمعها لعذر وعلة مثل السفر والحرب والخوف والمرض، أو عند الحرج فهذا وارد بفعل الرسول (ص) وكذلك بفعل الأئمة (ع)، وقد ذكر الله بعضها في سورة النساء الآيتين (101-102). وإليك هذه الأحاديث:-
-[965] عن يزيد بن خليفة قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذن لا يكذب علينا قلت: قال: وقت المغرب إذا غاب القرص إلا أن رسول الله (ص) كان إذا جد به السير أخر المغـرب
ويجمع بينها وبين العشاء الآخرة؟ فقال: صدق.
وقال: وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل).
فتلاحظ قول الإمام: (إذا جد به السير) أي السفر. وهذه علة تأخير صلاة المغرب وجمعها مع العشاء.
2- [966] عن جعفر الصادق (عليه السلام): (أن النبي (ص) كان في الليلة المطيرة يؤخر من المغرب ويعجل بالعشاء فيصليهما جميعاً ويقول: من لا يرحم لا يُرحم).
3- [976] عن الحسن بن علي بن يقطين قال: (سألته [جعفر الصادق (عليه السلام)] عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أيؤخرها إلى أن يغيب الشفق؟ قال: لا بأس بذلك في السفر، فأما في الحضر فدون ذلك شيء].
ومعنى الحديث أنه في الحضر لا يجوز الجمع أو التأخير إلا بوجود عذر أو علة.
4- [985] عن أبي عبيدة قال: (سمعت أبا جعفـر
(ع) يقول: كان رسول الله (ص) إذا كانت الليلة مظلمة أو ممطرة صلى المغرب ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء الآخرة وانصرفوا).
فالملاحظ من هذه الأحاديث الأخيرة أن تأخير صلاة المغرب وجمعها مع صلاة العشاء، أو تقديم صلاة العشاء وجمعها مع المغرب لا يجوز إلا لعذر: (سفر أو مطر أو خوف أو مرض أو حرب أو حرج).
إن هذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب كلها تؤكد على أن وقت
صلاة المغرب يبدأ بغياب قرص الشمس وينتهي إلى غياب الشفق الأحمر، فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء.
ولقد اندثرت هذه الأحاديث في بطون الكتب، وظلت مختفية عن عامة الناس الذين لا يعرفون عنها شيئاً إلا ما وجدوه أمامهم ورأوه واقعاً في المساجد فظنوه هو الصحيح الذي لا صحيح أو حق بعده.
ولا تزال هذه الأحاديث في أماكنها لا تزيدها الأيام
إلا نسياناً وبعداً عن ذاكرة الناس وواقعهم. فإلى متى؟.
لماذا لا نخرج هذه الأحاديث وننفض عنها غبار الزمن؟ حتى يعلم المسلمون أن الخلاف بينهم مصطنع، وأن أصولهم واحدة، وأن ما خالف هذه الأصول فهو ملفق مضاف من أجل تفريقهم، وأن روايات كثيرة باطلة قد أضيفت ونسبت إلى (الأئمة) اخترعها أعداء الإسلام من الزنادقة والشعوبيين على الخصوص لكي يشوشوا ويخلطوا الحقائق على المسلمين. لكنك لو وزنتها بميزان القرآن والسنة لوجدتها مخالفة لهما، وهذا دليل بطلانها. بل إنها تخالف ما ورد عنهم (عليهم السلام) مما يتفق وكتاب الله تعالى، فتكون المخالفة من الجهتين: جهة الكتاب والسنة، وقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: (كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف). والجهة الثانية: مخالفتها لأحاديث الأئمة (عليهم السلام). فكيف نقيم دينا على مثل هذه الروايات المزخرفة؟!
جمع الصلوات في مصادر أهل السنة
ويواصل السيد محمد الياسري النجفي قائلاً:
الكل يعلم أن الله سبحانه وتعالى فرض على أمة محمد خمس صلوات عند إسرائه ومعراجه المبارك بعد أن فرضها عليه خمسين، وحدد لكل صلاة مواقيت محددة وحدوداً موقتة لا يجوز لأي مسلم أن يتعداها.
إن تشريع مواقيت الصلوات الخمس هو ضمن تشريع إلهي عظيم ودقيق، وإن معجزة الإسلام هي في تشريعه الذي جاء صالحاً وملائماً لجميع البشر وفي كل زمان ومكان، ولا يجوز التلاعب بهذا التشريع وهذه الحدود الإلهية أبداً لأنه وسيلة للقضاء على معجزة الإسلام، وحكم بغير ما أنزل الله وشرع.
إن الله أعلم بقدرات الإنسان من الإنسان نفسه: فهو لا يكلف الإنسان أمراً فوق قدراته، ولكن قد يحدث لهذا الإنسان أمر يحرج هذه القدرة ويضيقها فيحدث الله تغييراً في تشريعه يجعل القدرة تتناسب وهذا الحرج أو الضيق، بل (عند الضرورات تباح المحظورات) كأكل الميتة والخنزير وشرب الخمر: فإنه محرم في الأصل، ولكن عند الضرورة تباح هذه المحرمات. فإذا انقضى وقت الحرج والضرورة عدنا إلى أصل التحريم. هذه هي حدود الله جل وعلا . أما الذين يتعدون الحدود ويشربون الخمر مثلاً بلا ضرورة أو إلجاء بحجة كونه جائزاً أو مباحاً عند الضرورة فهذا خلط بل استحلاله من قبل من يعلم حرمته كفر يخرجه من الملة.
هذا الأمر حدث في الصلوات الخمس التي هي عماد الدين والتي تركها أعظم من شرب الخمر أو الزنا حيث أن الله حدد للصلوات مواقيت خمسة محددة بظل الشمس وأمرنا بالمحافظة على هذه المواقيت ولكن عند الحرج أو الضرورة جوز الله لنا على لسان رسوله (ص) الجمع بين صلاتي الظهر والعصر وصلاتي المغرب والعشاء. أما الاستمرار على الجمع عند زوال الحرج أو الضرورة فهذا في حقيقته تشريع غريب يخالف الإسلام، وهو حرام.
ولقد جاءت الأحاديث في دواوين حديث أهل السنة كلها بهذا الذي ذكرناه إلا حديثاً واحداً عن ابن عباس (رضي الله عنه) اشتبه على البعض فظنه يجيز الجمع من دون عذر لأن الذي يرويه يتعمد –مع الأسف- الاقتصار على لفظ واحد له يحمل على هذا الوهم، ولا يرويه بألفاظه كلها التي إذا جمعت إلى بعضها – كما سيأتي بعد قليل إن شاء الله - ذهب الوهم وزالت الشبهة تماماً.
إن رسول الله (ص) صلى ثلاثة وعشرين عاماً أكثر من ثلاثين ألف صلاة مكتوبة. وفي المدينة وحدها صلى ما يقارب عشرين ألف صلاة في أوقاتها التي حددها الله لا يجمع بينها إلا إذا كان في سفر أو مرض أو ما شابههما من عذر، فهل يصح شرعاً ويستقيم عقلاً أن نتحجج أو نتعلل بحديث واحد ورد فيه أن رسول الله (ص) جمع مرة – ولنفرض أنه جمع من غير عذر البتة - كي نقلب الأمر الذي كان عليه (ص) حياته كلها لنجعل من هذه المرة الواحدة حالة مستديمة
حياتنا كلها؟!
ألا نفكر في السبب الذي من أجله كان ذلك الجمع تلك المرة؟! لنوفق بين هذا الحديث وغيره من الأحاديث، والأمر أمر عمل هو أعظم الدين على الإطلاق!.
الجواب عن حديث ابن عباس (رضي الله عنه)
إن هذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم ومسند أحمد وسنن النسائي والترمذي وأبي داود وابن ماجة كل بلفظه. فإذا جمعت هذه الألفاظ إلى بعضها تبين تماماً أن هذا الجمع إنما فعله الرسول (ص) عند الحرج في واقعة حدثت له مرة واحدة في المدينة فيزول الإشكال ويظهر التوافق بينه وبين فعل النبي (ص) الذي داوم عليه حياته الشريفة كلها. وإليك الحديثَ بألفاظه:
عن ابن عباس (رضي الله عنه):
1- (صلى رسول الله (ص) في المدينة مقيماً غيـر
مسافر سبعا وثمان) هذا لفظ احمد والبخاري.
2- (صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوف ولا سفر) هذا لفظ مسلم ومالك.
لاحظ أن لفظ الحديث الأول ينفي أن يكون الحرج الذي من أجله حصل الجمع هو السفر.
والحديث الثاني ينفي أن يكون هو الخوف أو السفر.
وهذا لا يعني النفي المطلق لجميع حالات الحرج: فلعل حالات أخرى للحرج كان من أجلها الجمع، فكأن ابن عباس يرد على من حصر السبب في السفر، أو السفر والخوف فقط فقال ما قال. والذي يؤيد هذا ويفصله ويخرجه من دائرة الاحتمال إلى الوقوع الحديث الآتي:
- اخرج البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنه) : (أن النبي (ص) صلى بالمدينة سبعا وثمانيا: الظهر والعصر معاً، والمغرب والعشاء. فقيل: لعله في ليلـة
مطيرة؟ قال ابن عباس:عسى).
وهذا كلام ابن عباس وهو نفس الحديث الذي أخرجه البخاري وأحمد رقم (1)، ومسلم ومالك رقم (2). ولكنه هنا رقم (3) جاء مفصلاً إذ يبين فيه ابن عباس راوي الحديث أن هناك حرجاً وضرورة غير الخوف والسفر هو المطر أو عسى أن يكون المطر.
الجمع الصوري
ومع هذا روايات أخرى لحديث ابن عباس تفصله أكثر، وتبين أن هذا الجمع - بالإضافة إلى كونه لعلة فهو جمع - حصل بطريقة تسمى في الفقه بـ(الجمع الصوري). وهو أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها فيصليها، ثم يقدم العصر إلى أول وقتها فيصليها بعد أن صلى الظهر مباشرة كما ورد في الحديث الآتي:
- أخرج النسائي عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: (صليت مع النبي (ص) الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً: أخر الظهر وعجل العصر ،
وأخر المغرب وعجل العشاء).
إن هذا الجمع الصوري قد فعله النبي (ص) كي لا يحرج أمته. أي أراد الرسول (ص) أن يعلم الأمة أنه عند وجود حرج ما من أي نوع كان هذا الحرج [سفر، مطر، أو أي حرج أخر قد يحدث بتطور الحياة تغير الزمان والمكان] فيجوز الجمع في مثل هذا الظرف. وهذا يفصله أكثر الحديث الآتي:
- أخرج مسلم عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: (جمع الرسول (ص) الظهر والعصر والمغرب العشاء من غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: ماذا أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته).
تأمل قوله: (أراد أن لا يحرج أمته). أي إذا مر فرد من الأمة بظرف يحرجه فيجوز له أن يجمع الصلاة جمعاً صورياً. أما ما هو نوع الحرج فهو ليس بشرط أن يكون مطراً أو سفراً أو خوفاً، بل حرجاً من أي نوع كان يفرضه تطور الحياة واختلاف الزمان والمكان. وهذا من عظمة الإسلام إذ أن نصوصه ليست جامدة، بل هي مرنة تتسع لكل ظرف بما يناسبه. فجاء النص عاماً غير مقتصر على أنواع محددة من الحرج لم يكن غيرها في زمان النبوة، فقد يحدث الزمان أو الظرف أنواعاً أخرى لم تكن معروفة آنذاك.
وهكذا يتفاعل الدين الإسلامي دائماً وأبداً مع تطور الحياة.
ومما يفسر حديث احمد البخاري رقم (1)، ومسلم ومالك رقم (2) الحديث التالي الذي أخرجه البخاري ومسلم:
- عن عمرو بن دينار قال: (يا أبا الشعثاء [أبو الشعثاء راوي حديث ابن عباس في البخاري ومسلم رقم (1) و(2)] أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء؟ فقال أبو الشعثاء: وأنا أظنه).
وهذا مما يؤيد أن الجمع الذي فعله الرسول (ص) كان جمعاً صورياً لكي لا يحرج أمته.
ولكي تزداد يقيناً اقرأ الحديث الآتي:
- أخرج البخاري ومالك وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: (ما رأيت رسول الله (ص) صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع).
ولكي نصل إلى ختام يقيني في المسألة هاك الحديث الآتي:
- أخرج الطبري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) قال: (خرج علينا رسول الله (ص) فأخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء فجمع بينهما).
والآن استمع إلى ابن عباس الذي روى حديث الجمع الصوري عند الحرج ماذا قال؟
- عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (ص): (من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الكبائر) رواه الحاكم.
- عن عائشـة (رضي الله عنها) قالت: (كان ديـدن
رسـول الله (ص) الصلاة في أول وقتها. وما صلـى
صلاة لآخر وقتها مرتين حتى قبضه الله).
أما حديث أبي أمامة في صلاته مع عمر بن عبد العزيز فليس له علاقة بالموضوع إطلاقاً لأنه في البخاري إنما ورد في: (باب –وقت صلاة العصر)، وليس في باب الجمع. فليس له علاقة بجمع الصلوات كما أن عمر بن عبد العزيز كان يصلي الظهر عند منتصف وقتها لانشغاله قبله بمناقشة شؤون المسلمين بصفته أمير المؤمنين فيقوم عند ذاك ليصلي النافلة القبلية ثم فرض الظهر. وكان يطيل القراءة والذكر ويتم الأركان، ثم النافلة البعدية وقبلها الذكر بعد الفريضة فينتهي من النافلة البعدية قريباً من دخول وقت العصر. في هذا الوقت خرج أبو أمامة مع أصحابه من المسجد وتوجه إلى بيت أنس بن مالك فدخل وقت العصر.
والآن: كم هو الوقت الذي استغرقه عمر بن عبد العزيز في الصلاة حتى خرج أبو أمامة بعده من المسجد؟ كم جلسوا في المسجد بعد انتهاء الصلاة؟ كم الوقت الذي استغرقوه للوصول مشياً إلى بيت أنس؟ كم هي المسافة بين المسجد وبين بيت أنس؟ هذا كله ليس موضحاً وليس معروفاً من لفظ الحديث لأنه لم يشر إليه. فكيف يحتج بمثل هذا؟ وكيف نترك الواضح إلى المشتبه؟!
قد يسأل سائل: لماذا لم يصل أنس(رضي الله عنه) العصر جماعة في المسجد؟ الجواب: يبدو أنه كان يمر بظرف خاص يجيز له شرعاً التخلف عنه والله أعلم به.
أما قول أنس (رضي الله عنه) : (هذه صلاة الرسول التي كنا نصلي معه) فهذا يعود على صفة الصلاة وهيئتها من حيث القراءة والركوع والسجود والخشوع لا إلى وقت.
حديث جبريل (عليه السلام) في المواقيت المتفق عليه
- عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، وعن الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) (كما جاء في كتاب الاستبصار للطوسي والوافي للكاشاني وبحار الأنوار للمجلسي ومن لا يحضره الفقيه للقمي ووسائل الشيعة للحر العاملي ومستدرك الوسائل للنوري الطبرسي).
والحديث نفسه يرويه كذلك احمد والترمذي والنسائي.
من ذكرت آنفاً روى:
(أن النبي (صلى الله عليه وسلم) جاءه جبريل (عليه السلام) فقال له: قم فصل. فصلى الظهر حين زالت الشمس. ثم جاءه العصر فقال له: قم فصل فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله. ثم جاءه المغرب فقال له: قم فصل فصلى المغرب حين غربت الشمس. ثم جاءه العشاء قال له: قم فصل فصلى العشاء حين غاب الشفق. ثم جاءه الفجر فقال له: قم فصل فصلى الفجر حين برق الفجر. ثم جاءه من الغد للظهر فقال له: قم فصل فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله. ثم جاءه العصر فقال له: قم فصل فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه. ثم جاءه المغرب فقال له: قم فصل فصلى المغرب في وقته. ثم جاءه العشاء حين ذهب الليل فصلى العشاء. ثم جاءه حين أسفر الفجر فقال له: قم فصل فصلى الفجر. ثم قال له جبريل: ما بين هذين الوقتين وقت).
وهناك عشرات الأحاديث المتفق عليها بين كل المذاهب تدل على مواقيت الصلاة المذكورة في هذا الحديث الأخير. وكذلك ما ورد في [نهج البلاغة –الجزء الثالث: ص(83) ] يدل على المواقيت الخمسة للصلوات الخمس ويدل على أن الإمام (عليه السلام) كان يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها الخمسة.
وهذا قوله في نهج البلاغة :
(أما بعد.. فصلوا الظهر حتى تفيء الشمس من مربض العنز، وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية.. وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم.. وصلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل، وصلوا بهم افجر والرجل يعرف وجه صاحبه).
وهذه طائفة من أحاديث النبي (ص):
1- (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً وأحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن
كان له على الله عهد أن يغفر له).
2- (من حافظ على الصلوات الخمس وركوعهن وسجودهن وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة).
3- سئل الرسول (ص): أي الأعمال أفضل؟ قال: (الصلاة على أوقاتها). قيل: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين). قيل: ثم أي؟ قال (الجهاد في سبيل الله).
عود على بدء
ويختم فضيلة السيد محمد الياسري كلامه بما بدأه به من أحاديث عن الأئمة الكرام قائلاً:
بما أنه لا تجوز الصلاة في غير الوقت كما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): (من صلى في غير الوقت فلا صلاة له)، وأن وقت الظهر غير وقت العصر، وكذلك العشاء غير المغرب فمن جمع بين الصلوات لغير عذر: بحيث صلى مثلاً العصر في وقت الظهر أو العكس فهو معرض للوقوع تحت طائلة الحديث السابق وما فيه من وعيد ببطلان ما أداه مـن
صلاة. وعليه أن يتذكر قول الإمام (عليه السلام): (وليس
لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً من غير علة).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصادر
القرآن الكريم
فقه السنة: سيد سابق
نهج البلاغة: الشريف الرضي بشرح محمد عبده
الكافي: الكليني
فقيه من لا يحضره الفقيه: القمي
الاستبصار: الطوسي
التهذيب: الطوسي
الوافي: الكاشاني
بحار الأنوار: المجلسي
نيل الأوطار: الشوكاني
الشيعة والتصحيح: الدكتور موسى الموسوي
الموضوع | الصفحة |
المقدمة | |
تساؤلات بين يدي الرسالة | |
الفصل الأول: آية الإسراء | |
نقطة الانطلاق: القرآن هو المرجع | |
المحكم والمتشابه | |
موضع الاشتباه في آية الإسراء | |
الآية حددت الوقت ولم تعين العدد | |
موعظة | |
الآية دليل على الإفراد وليس الجمع | |
خير من يفسر القرآن رسول الله (ص) | |
النبي (ص) صلى في خمسة أوقات متفرقات | |
الإفراد أفضل بالاتفاق | |
فعل المباح إذا أدى إلى الوقوع في الحرام حرام | |
الفصل الثاني: الأوقات الخمسة في القرآن الكريم | |
أسماء الصلاة في القرآن | |
وقت صلاة العصر | |
العصر مقترنة مع صلاة الفجر | |
(وقبل الغروب) | |
تخصيص وقتي العصر والفجر بالقسم | |
(العشي) العصر | |
أمر الأنبياء (عليهم السلام) بصلاة (العشي) العصر | |
القرآن يبين ما المقصود بوقت (العشي) | |
وقت صلاة العشاء | |
آية الاستئذان | |
(وزلفا من الليل) | |
الفصل الثالث: توقيت رسول الله (ص) | |
توقيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب | |
العلة في جمع الرسول (ص) بين الصلوات | |
الفصل الرابع: الحقيقة من مصادرنا مما ورد عن أهل بيت نبينا (عليه السلام) | |
حكم من أخر المغرب عند الأئمة (عليهم السلام) | |
جمع الصلوات لعذر | |
جمع الصلوات في كتب أهل السنة | |
الجواب عن حديث ابن عباس(رضي الله عنه) | |
الجمع الصوري | |
حديث جبريل (عليه السلام) في المواقيت المتفق عليه | |
عود على بدء | |
المصادر |
([1]) فقيه من لا يحضره الفقيه 1/ 125.
([2]) انظر: مفردات القرآن للأصفهاني مادة: غسق.
([3]) نهج البلاغة بشرح محمد عبدة 3/ 29
([4]) فروع الكافي 3/ 276
[5] فقيه من لا يحضره الفقيه 1/ 125، ورواه الكليني أيضاً في فروع الكافي 3/ 271.
2 فقيه من لا يحضره الفقيه 1/ 137.
([7]) مختار الصحاح للرازي.
([8]) فقيه من لا يحضره الفقيه 1/ 129.
([9]) فروع الكافي 3/ 279
[9] المصدر نفسه 3/ 281.
2 أيضاً.
3 نهج البلاغة 3/ 83.
([13]) فقيه من لا يحضره الفقيه 1/ 25
([14]) قارن بين هذا الحديث وما ورد في نهج البلاغة في الفقرة اللاحقة عن سيدنا علي (رضي الله عنه).
([15]) فقيه من لا يحضره الفقيه 1/ 137
([16]) ج3 ص82
([17]) الشيعة والتصحيح ص138-139.
[18] وهو أحد الساعين بصدق في سبيل التصحيح والجمع والتأليف بين طوائف المسلمين. ومن ذلك أنه يؤذن خمس مرات في مسجده "مسجد الخلفاء" في حي الوحدة في محافظة القادسية ويقيم الصلوات الخمس في أوقاتها. ويقول بوجوب صلاة الجمعة ويقيمها في جامع (الرسول) في مركز المحافظة منذ عام 1993م بخلاف بقية مراجع الشيعة في العراق بل في العالم.