نكاح المتعة.. نظرة قرآنية جديدة
طه الدليمي
المقدمــة
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. نبينا محمد القائل: "أتعجبون من غيرة سعد؟! واللهِ لأنا أغير منه، واللهُ أغير مني. ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن"[1] . وعلى آله.. أصحابه وأتباعه أجمعين.
وبعد.
فإن نكاح (المتعة) من العلاقات الجنسية التي تحظى بالقبول في أوساط عديدة من المجتمع الشيعي، لا سيما في المدن ذات الصبغة الدينية كالنجف وكربلاء وقم ومشهد، وبين علماء الدين وطلبة العلم الحوزوي، والمحيطين بهم والمتأثرين بأفكارهم.
ولقد صرنا في السنين الأخيرة نسمع أن هذه الممارسة الخطيرة بدأت - عندنا في العراق - بالتوسع والانتشار حتى صارت تمارس بصورة شبه علنية في المرقد المنسوب إلى موسى (الكاظم) في بغداد، وكذلك في غيره من المراقد. وتسللت إلى طلبة الجامعات في الكليات والأقسام الداخلية، لا سيما مع طالبات المحافظات الشيعية.
بل وصل الأمر إلى حمى أهل السنة..!
فقد كنت قبل ثلاث سنوات في زيارة لأحد المشايخ في بغداد، فأراني ورقتين من القطع الكبير ملئت صفحاتهما الأربع بشبهات المروجين
لـ(لمتعة)، كتبتها فتاة سنية من طالبات الجامعة!
يقول الشيخ: جاءتني هذه الفتاة تناقشني في موضوع (المتعة)، وقد بدا من نقاشها أنها تميل إلى القبول به! لكنها في حيرة من أمرها، وخائفة ومضطربة. وقد كانت أثناء النقاش تحاول بكل ما عندها من حجج أن تثبت شرعيته!.
وبعد أخذ ورد، وبعد أن فندتُ ما أتت به من شبهات أفضت إليّ بسرها فتبين أنها على علاقة حب مع طالب شيعي معها في الكلية، وتطور الأمر حتى طلب منها أن (يعاشرها) تحت ذريعة (المتعة)! وهو في كل ذلك يزين لها الأمر ويحاول أن يقنعها بشرعيته ويلوّح لها بالزواج من بعده.. حتى مالت إلى دعوته وكادت تقع في حبائله لولا بقية من حياء ودين وخوف، فجاءت لتطْلق السهم الأخير لها أو عليها. وقد قيدت شبهاتها حول الموضوع في تلك الصفحات.
أقول: هل هذه الفتاة تمثل حالة فريدة؟ أم إن هناك العديد من فتياتنا السنيات على شاكلتها؟! كم منهن صمدت؟ وكم سقطت؟
بعدها بمدة سمعت عن شابة سنية في مدينتي (المحمودية) سقطت في شراك شاب شيعي من مدينة (الثورة) في بغداد كان قد وعدها بالزواج، وتمكن من خداعها بحجـة نكاح المتعـة! ثم تركها - بعد أن حملت منه - وهرب وهي لا تعرف عنه شيئاً، ولا تدري أين يسكن؟! كل ذلك دون علم أهلها وهم من أهل السنة !!!.
هذا فضلاً عن تفشي هذه الظاهرة في أوساط الشيعة، واستغلالها من قبل دعاتهم وعلمائهم من أجل كسب الضعفاء والمغفلين إلى مذهبهم. ثم وقاحتهم في دعواهم أن (المتعة) من سنن الإسلام، وأنها كانت على عهد رسول الله e حتى حرمها عمر بن الخطاب بسبب تمتع علي بن أبي طالب بأخته في بيته وقد بات عنده! فلما أصبح الصباح أخبره بنفسه أنه تمتع بأخته في مقلب من المقالب الكثيرة التي يدَّعون أن علياً كان يدبرها لعمر . فانزعج عمر وقام من فوره إلى المنبر فحرمها وتوعد فاعلها.
وازداد الأمر سوءاً بعد الاحتلال الصليبي المجوسي للوطن الحبيب، وذلك بسبب الانفلات الأمني وزوال رقابة الدولة - على ضعفها من قبل - من ناحية، وبسبب الهجرة الإيرانية إلى بعض المدن الشيعية لا سيما النجف وكربلاء من ناحية أخرى.
هذا وغالب قومنا يغطون في نومهم، يتحججون بالخوف من الإثارة الطائفية، وكأنه لا خبر جاء ولا وحي نزل!
ولا أدري أين يذهبون بقوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواالْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران:187) ؟! وغيره من صواعق الآيات!
فرأيت من الواجب أن أحذر من هذا الأمر الخطير، فخطبت عدة خطب سجلتها على أشرطة صوتية. وألقيت محاضرة سجلتها على شريط مرئي. وكتبت مطوية أسميتها بالاسم نفسه الذي أسميت به هذا الكتاب. ثم ارتأيت أن أتوسع في الموضوع أكثر لكن دون تطويل يجعله في غير متناول عامة القراء. فكتبت هذا الكتاب الذي كانت أفكاره تراودني منذ زمن بعيد، وكثيراً ما استحثني الإخوان على تقييدها وإخراجها. فكنت أدفع وأسوف لمشاغلي الكثيرة حتى أذن الله بذلك فكان - ولله الحمد - هذا الكتاب الذي اتبعت في كتابته أسلوباً جديداً أراه أقوى الأساليب في قمع الباطل وكشف زيفه لأنه هو أسلوب القرآن العظيم.
فأنا أناقش هذا الموضوع الخطير في ضوء القرآن أولاً وقبل كل شيء. ثم بعد أن أحسم داءه نهائياً بميسم القرآن لا بأس أن أتطرق إلى غيره، لكن بعد أن يتضح لكل عاقل منصف أنه قد قضي الأمر واستوى على مستقر مكين.
عسى الله جل وعلا أن يجعلنا من أهله وجنده.. الذين ينفون عن دينه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. إنه سميع قريب.
الجمعة
15 محـرم 1425
6 آذار 2004
الأنبار
الفصـل الأول
النكاح في القرآن الكريم
إن حفظ النسل والحفاظ على العرض، من أساسيات الحياة وضرورياتها. وقد اتفق علماء الأصول على أنه أحد الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بمراعاتها، وهي (الدين والنفس والنسل والعقل والمال). فالحفاظ على العرض والنسل خمس الشريعة!
وهو من أدق خصوصيات الإنسان المسلم التي لا يتسامح في خدشها أو المساس بها. ومن هنا جاءت النصوص القرآنية المتعلقة به –فضلاً عن نصوص السنة- تشريعا وتنظيماً كثيرة طافحة مفصلة واضحة، تبين أحكامه وآدابه.
حرمت هذه النصوص النظرة فضلاً عن اللمسة أو الخلـوة: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ{ النور/ 30.
وحرمت اتخاذ الخدن (الصديق)، والنكاح الذي لا غاية من ورائه سوى سفح الماء وقضاء الشهوة، فضلاً عن الزنا الذي هو من أشد المحرمات وأبشعها. لذلك جاءت عقوبة مرتكبه شديدة بشعة جزاءاً وفاقا.
وشرعت الزواج: فذكرت أصله من جهة. وفصلت أحكامه - من الخطبة إلى العقد إلى المهر إلى الدخول إلى آداب المعاشرة في مختلف
الأحوال والأوضاع - من جهة أخرى.
وتكلمت عن حكمته والغايات السـامية التي قصـدت إليهـا الشريعة من ورائه، وأهمها إحصان النفس، وتكوين البيت الذي يسكن إليه الزوج، وتشيع فيه المودة والرحمة، وتترعرع في ظله الأسرة.
وشددت على أن لا تكون العلاقة بين الذكر والأنثى علاقة عابرة يقصد منها مجرد الترويح عن النفس باللقاء وسفح الماء:
}مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ{ المائدة/ 5.
}مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ{ النساء/ 25.
وذكرت نوعا آخر من النكاح هو نكاح الأمة، أو مملوكة اليمين بالشراء أو السيف. وقد كانت الحاجة الاجتماعية إليه ماسة، فجاءت النصوص القرآنية المتعلقة به واضحة وكثيرة ومقترنة بالزواج الشرعي الدائمي في أغلب المواضع: كلما ذكر هذا ذكر هذا معه. محللة (مشرعة) من جهة، ومفصلة لأحكامه من جهة أخرى.
وليس في القرآن كله نص واحد يذكر نوعاً ثالثاً، لا من حيث المشروعية ولا من حيث الأحكام التفصيلية.
بل النص الصريح على التحريم. وذلك بقوله تعالى الذي تكرر نزوله ووروده في القرآن مرتين: }وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ{ (المؤمنون/ 5-7)، (المعارج/ 29-31).
القرآن يصرح بنوعين فقط من أنواع النكاح
والنصوص القرآنية المتعلقة بالنوعين المذكورين صريحة قطعية في دلالتها لا يمكن لأحد أن يماري فيها أو يَحملها على غيـر محاملها، فلا يمكن لأحد إن يقول: إن الزواج أو نكاح الأمة محرم، أو غير مشروع لصراحة تلك النصوص وقطعيتها.
من هذه النصوص:
}فَانكحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ{ النساء/ 3.
والآية مدنية. وفيها يذكر الله تعالى ثلاثة خيارات مباحة، هي:
أ. التعدد.
ب. فإن خاف الرجل أن لا يعدل فواحدة.
وهذان الخياران في الزواج الدائمي.
ج0 المملوكة باليمين.
فلو كان هناك خيار آخر لذكره الله تعالى.
}وَالَّذِينَ همْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِك فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ{(المؤمنون/ 5-7، المعارج/ 29-31).
والمتمتع بها لا تسمى زوجة، وكذا التمتع لا يصح تسميته زواجاً
لاختلافه عن الزواج من حيث الماهية أو الذات، ومن حيث الأحكام المترتبة عليه.
أما من حيث الذات: فإننا نجد القرآن لا يطلق لفظ الزوجة إلا على امرأة ارتبط معها الرجل بعلاقة رفيعة تحقق المقاصد الشرعية المرجوة منها بحيث يحصل الانسجام بين هذه العلاقة الرابطة وبين الشرع.
أما إذا كان الارتباط جنسياً بحتاً فلا يطلق القرآن فيه لفظ الزوجة، وإنما يعبر عنه بلفظ المرأة. لأن لفظ (المرأة) يعبر عن الأنوثة أكثر من أي معنى آخر، بينما لفظ (الزوج) أو (الزوجة) يعبر عن التشابه والانسجام أكثر من أي معنى آخر. ومن هنا أُطلق لفظ (الزوج) على الجنسين الذكر والأنثى لأنه غير متعلق بجنس معين، بينما لا يطلق لفظ (المرأة) إلا على الأنثى. قال تعالى:
}وقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ { (البقرة:35).
}فاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ { (الأنبياء:90).
}وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً{ (النساء:57).
}النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ{ (الأحزاب:6).
}وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِأَبَداً إِنَّ
ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً{ (الأحزاب:53).
}وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً { (التحريم:3).
بينما لم يسمِّ امرأة أبي لهب وامرأة فرعون وامرأة نوح u وامرأة لوط u زوجات؛ لأن أبا لهب وامرأته لم يكن بينهما رباط إيماني يحقق مقاصد الشرع. وامرأة فرعون المؤمنة لم يكن بينها وبين فرعون الكافر انسجام أو تشابه حقيقي يعكس معنى الزوجية. وكذلك امرأة نوح وامرأة لوط . فقال تعالى:
}وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ{ (المسد:4).
}وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي
الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{ (التحريم:11).
}فأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ{ (الأعراف:83).
}فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ { (النمل:57).
}قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ{ (العنكبوت:32).
علماً أن لفظ (المرأة) يمكن أن يطلقه القرآن على (الزوجة) إذا كان الحديث عنها قد تعلق بها من حيثياتها الأنثوية البحتة، ولكن لا يطلق القرآن اسم (الزوجة) على المرأة إلا إذا كان الرباط قائماً على المقاصد الشرعية التي تحقق الانسجام والتشابه الحقيقي. ومن هنا ندرك كم كان القرآن دقيقاً حين قال في معرض الحديث عن إبراهيم u وزوجته سارة رضي الله عنها: }وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ{ (هود:71). وقال: }فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ{ (الذريات:29). إذ المقام مقام حديث عن الحمل والولادة، وامرأة عاقر تحمل. وهذا كله يتعلق بالأنوثة، ولا علاقة له بالزوجية والانسجام وتحقيق مقاصد الشرع.
وعلى هذا لا يصح تسمية التمتع زواجاً، ولا امرأة المتعة زوجة لأن القصد من العلاقة جنسي بحت، ولا صلة له بتحقيق المقاصد الشرعية. من الإحصان وتكوين الأسرة… إلخ. فما يكتـب –في الكتب الفقهية وغيرها- ويردد ويقال من عبارة (زواج المتعة) أراه خطأً شائعاً ينبغي العدول عنه إلى عبارة (نكاح المتعة) وما شابه لأن الزواج كلمة تعبر عن رباط شرعي محترم ومعتبر لا ينبغي أن نرتفع بمثل هذه الممارسة الدنيئة: (المتعة) إلى مقامه.
وأما من حيث الأحكام المترتبة فلا مشابهة بين الزواج وبين التمتع. فلا توارث ولا طلاق، ولا إحصان ولا تقيد بعدد… إلخ.
قال تعالى: }وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّاتَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ{ النساء/ 12. ولا إرث في نكاح المتعة،
فلو كانت امرأة المتعة زوجة لوقع التوارث. وهكذا في بقية الأحكام.
الفصـل الثاني
نقض حجة القائلين بالمتعة
اتباع المتشابه
إن مقارنة سريعة بين النص الوحيـد الذي يحتج به الشيعة الاثنى عشرية من القرآن وبين كثرة النصوص التي وردت في القرآن والتي تبلغ العشرات من الآيات عن نوعي النكاح (الدائمي وملك اليمين) تُظهر بوضوح وجود ميل كبير في الميزان، وإجحاف بالغ في حق نكاح المتعة إذ لم يعطه القرآن سوى هذا النصف السطر: (فَمااسْتَمْتَعتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) رغم خطورته وحساسيته. ورغم كبر مساحة ممارسته في المجتمع بالنسبة إلى النوعين الآخرين فيما لو كان مشروعاً حقاً، وجرت ممارسته -وتجري فيه إلى اليوم- واقعاً!
وحاشا لميزان الله سبحانه أن يميل ويختل! وللحقوق فيه أن تجحف وتظلم!
فما السر في هذه المفارقة؟!!
الحقيقة.. أنه ليس هناك من سر، وليست هناك من مفارقة! لأن هذا النوع من النكاح لم يقصده الله تعالى بقوله المذكور. وكل ما في الأمر أن اللفظ فيه اشتباه عند الزائغين تعلقـوا به، وجعلوه أصـلاً يبنون عليه، ودليلاً يتبعونه دون بينة محكمة، أو حجة واضحة!
وهذا لا يصح في مثل هذه الأمور العظيمة، والمسائل الخطيرة.
إن النكاح من الأمور العظيمة، والحساسة - البالغة الحساسية- في حياة المسلم ودينه وشعوره لأنه يتعلق بأدق خصوصياته -عرضه ونسله. إنه أمر يتعلق بفروج المحصنات المؤمنات، وليس بعلبة بسكويت معروضة في محل تجاري([2])!!.
فاستدلال الشيعة هذا على هذا الأمر العظيم والحساس لا يستقيم، ولا يصلح حجة لما يقولون لسبب مهم وعظيم وأساسي هو أن هذا النص متشابه في دلالته على نكاح المتعة، وليس محكماً قاطعاً في دلالته عليه.
والله تعالى نهانا عن اتباع المتشابه في مثل هذه الأمور، فقال: }فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ{(آل عمران:7).
وحتى يكون النص صريحاً محكماً في دلالته على نكاح المتعة نحتاج إلى أمرين اثنين لا انفكاك عنهما معاً:
1- أن يكون لفظ (استمتعتم) لا يطلق إلا على نكاح المتعة حصراً.
2- وأن لفظ (الأجور) لا يصح إطلاقه على المهور.
وكلا الأمرين مفقود، فبطل الاستدلال بالآية وانتهى النقاش إلى
هنا([3]). وكل ما سوف أذكره بعد هذه النقطة إنما هو تفصيل ونافلة لأجل التوضيح، وزيادة الفائدة فأقول:
الأجـور هي المهـور
لم يرد في القرآن لفظ المهر قط ، لا تعبيراً عن الصداق الذي يفرض للزوجة عند العقد، ولا في غيره. وإنما ورد التعبير عن ذلك بغيره من الألفاظ كالصداق وما يدل عليه كما في قوله تعالى: }وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً{ (النساء:4). وقوله: }الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً{ (البقرة:229).
وأكثر ما ورد التعبيرعنه بلفظ (الأجور). كما قال تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ { (الأحزاب:50). هل يمكن تفسير (الأجور) هنا بغير المهور؟!
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ{ (الممتحنة:10).
}وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ{ (المائدة:5).
}فَانكِحُوهنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ{ النساء/ 25.
فما الذي جعل لفظ (الأجور) في الآية المذكورة خاصاً بنكاح (المتعة) ودليلاً عليه دون بقية الآيات؟! مع أن اللفظ واحد في الجميع.
الاستمتاع في لغة القرآن
إن لفظ (الاستمتاع) و(التمتع) و(المتاع) من الألفاظ المشتركة التي تأتي لأكثر من معنى. وأصله مأخوذ من الانتفاع والتلذذ.
وذلك قد يكون بالطعام كما في قوله تعالى: }أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ{ المائدة/ 96. وقوله: }وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَكُمْ وَلأِنْعَامِكُمْ{ عبس/ 32. وقوله: }كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ{ المرسلات/ 46. وليس معناه هنا نكاح المتعة.
وقد يكون بالمال كما في قوله تعالى: }لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ{ البقرة/ 236. والتمتع هنا بالمال الذي يعطى للمطلقة وليس بنكاحها.
وقوله: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأِزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحا جَمِيلاً{ الأحزاب/ 28.
وقد يكون بالملبس والمسكن كما في قوله: }وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ{ النحل/ 80.
ويعبر بالمتاع عن حاجات الإنسان مطلقاً كما في قوله تعالى: }وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ{ الأحزاب/ 53.
وقوله: }إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا { يوسف/ 17.
وهذا كله ليس له صلة بنكاح المتعة، بدليل السياق والقرائن اللفظية.
ولقد تكرر ورود هذا اللفظ بمشتقاته في ستين موضعاً من القرآن ليس واحد منها له علاقة بموضوع نكاح المتعة قط . منها:
}وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الإْنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا { الأنعام/ 128. فلماذا يفسر لفظ (استمتع) في قوله: }فما استمتعتم به منهن { بنكاح المتعة، ولا يفسر بالمعنى نفسه في الآية السابقة واللفظ واحد؟!
}كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًاً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاَقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ{ التوبة/ 69.
}أَذْهبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا {الأحقاف/ 20.
}قُلْ تمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ{ إبراهيم/ 30.
ولو كان التفسير يصح بالهوى من دون ضوابط لقلنا: إن هذه الآية ومثيلاتها حرمت نكاح المتعة لأن من تمتع مصيره إلى النـار، والتمتع هو نكاح المتعة. فنكاح المتعة حرام.
إن هذا هو عين ما يفعله فقهاء الأمامية في تعاملهم مع الآيات ذات الألفاظ المشتركة! إذ يأتون إلى هذه الألفاظ التي تحتمل في الأصل أكثر من معنى ، فيحملونها على المعنى الذي يريدونه، دون مراعاة
للضوابط اللغوية والقرائن اللفظية!!
وهكذا فعلوا مع قوله تعالى: }فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن{ مستغلين التشابه اللفظي بين (الاستمتاع) و(نكاح المتعة). فحملوه عليه، دون اعتبار لخطورة الموضوع أولاً، ولا للقرائن اللفظية المرجحة ثانياً.
إن موضوع النكاح موضوع عظيم وخطير، لتعلقه بالعرض والنسل. فلا بد أن يكون الدليل فيه صريحاً جلياً. ولفظ (الاستمتاع) هنا ليس صريحاً أو قطعيا في دلالته على نكاح المتعة. إنما ذلك شبهة لا يصح اعتمادها. واللفظ يحتمل معنى آخر هو الانتفاع بالزوجة، والتلذذ بجماعها ومتعلقاته. فيكون اللفظ كناية عن الجماع. كما هو شأن القرآن دائماً في هذا الأمر، إذ يكني عنه ولا يذكره باسمه الصريح.
إذن ما اعتمدوه دليل متشابه يحتمل اكثر من معنى. والأدلة المتشابهة أو الظنية والمحتملة لا تصلح للدلالة في مثل هذه الأمور العظيمة. فلو أراد الله تعالى هذا المعنى الذي ذهبوا إليه لذكره باللفظ الصريح الذي يقطع كل احتمال أو تأويل كما هو شأنه سبحانه في الأمور العظيمة والخطيرة.
وعرض الإنسان المسلم وإباحة فروج المحصنات المؤمنات من أعظم الأمور وأخطرها.
القرائن المرجحة
في كتاب (الإمامة) بيّنا أن اللفظ المشترك (وهو ما احتمل معنيين مختلفين فصاعداً) لا يصح حمله على أحد معانيه دون النظر
في القرائن المرجحة.
وذكرنا قبله أن أدلة الأمور العظيمة والأساسية لا تصح إذا كانت من جنس المتشابه، أي يجب أن تكون ألفاظ أدلتها صريحة محكمة، وليست ألفاظاً مشتركة تحتاج إلى ترجيح بالقرائن. وهذا يتبين لنا بوضوح من النظر في أدلة مشروعية الصلاة والزكاة والصيام والجهاد والزواج سواء كان دائمياً أم ملك يمين، فضلاً عن التوحيد والنبوة والمعاد. فهذه الأمور العظيمة أدلتها صريحة لا تحتاج ألفاظها إلى قرائن وأدلة مرجحة. إنها لا تدخل في باب الراجح والمرجوح، وإنما نقطع بثبوتها لأن أدلتها من النوع القطعي.
وهذا يعني أن كل أمر عظيم لا يصح أن يكون دليله مشتركاً يحتاج إلى ترجيح بالقرائن، وإلا كان باطلا. أي أن كل أمر عظيم أدلته تدخل في باب الراجح والمرجوح فهو باطل.
إن النص القرآني الوحيد الذي احتجوا به على المتعة ليس محكما قطعي الدلالة، وإنما هو لفظ مشترك يحتمل أكثر من معنى فيحتاج حمله على أحد معانيه إلى قرائن مرجحة. فالقول بأن معنى (استمتعتم) هو نكاح المتعة دون سواه من المعاني المتضمنة، لا يمكن إثباته من النص أو اللفظ نفسه دون إسناده بقرائن مرجحة. وهذا هو دليل بطلانه.
ومع ذلك فإن القرائن كلها تنفي أن يكون هو المقصود بالنص.
من هذه القرائن:
1- إن الآية تقول: }وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ
غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً{ النساء/ 24.
فالاستمتاع هنا ليس خاصاً بنوع معين من النكاح أو صنف من النساء. وإنما هو عام في كل من أحل الله نكاحها بأي نوع من أنواع الأنكحة المحللة، وذلك لأن الضمير (هن) في كلمة (منهن) المتعلق بالاستمتاع يعود إلى المذكورات في قوله: }وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ{. إذن الاستمتاع عام يشمل كل من أحل الله تعالى نكاحها -سواء بالزواج الشرعي الدائمي أو بملك اليمين - وليس خاصاً بنوع معين اسمه نكاح المتعة. وحين نبحث عما أحله الله تعالى في كتابه من النكاح لا نجد نطاقه يمتد -وراء ما حرمه- إلى أكثر من هذين النوعين، لأن ما وراءهما محرم بنص القرآن في قوله:
}وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ{ (المؤمنون/ 5-7، المعارج/ 29-31). وإذن كلمة (استمتعتم) ما جاءت لتؤدي غير المعنى اللغوي المكنى عنه على طريقة القرآن في الكناية تعففاً عن ذكر الأفعال الجنسية بالألفاظ الصريحة. فلم تأت لتؤدي معنى اصطلاحياً لنوع من أنواع الأنكحة.
2- قوله تعالى بعدها: }وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِح الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ{. دل على أن المقصود بالنكاح المذكور قبله هو الزواج الشرعي (الدائمي)؛ لأن الكلام انتقل من ذكر الأصعب إلى الأسهل. أي فمن لم يقدر على هذا النكاح وصعبت عليه كلفته ولم تتيسر أسبابه فلينكح مما ملكت يمينه من الفتيات المؤمنات.
ولا شك أن نكاح المتعة أسهل بكثير من نكاح الأمة المملوكة. فلو كان هو المقصود بذكر النوع الأول لوجب أن ينعكس ترتيب الكلام فيبدأ بنكاح الأمة، ثم يذكر الأسهل الذي هو المتعة، فيكون الانتقال من الأصعب إلى الأسهل. فإن عبارة: (فمن لم يستطع) تقتضي أن يكون المذكور قبلها أصعب مما بعدها. وإلا وقع التناقض أو الاضطراب. وهو محال في حق كلام الله.
3- إن الله جل وعلا اشترط للنكاح الحلال أن يحقق الإحصان، لا أن يكون المقصود منه سفح الماء وتفريغ الشهوة فقط فقال:
}وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ{ النساء/ 24. وقال:
}مُحْصنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ{ النساء/ 25. وقال:
}وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ{ المائدة/ 5.
وهذا الشرط غير متحقق في نكاح المتعة. إذن لو كان الله جل وعلا يقصده بقوله: (استمتعتم) لما قيده بهذا الشرط الذي لا يمكن تحققه مع نكاح المتعة.
لا إحصان في نكاح (المتعة)
إن نكاح المتعة لا إحصان فيه ولا حفظ للمرأة، بل هو وسيلة تجعل من المرأة التي كرمها الله جل وعلا وحصنها لعبة بيد الرجال، وتتعرض الأسرة –والواقع شاهد- بسببها للضياع. ولا قصد منه -أولاً وآخراً- إلا سفح ماء الشهوة والتلذذ بذلك دون أي قصد آخر. وذلك مخالف لشرط الزواج الحلال المذكور في الآية نفسها موضع الاحتجاج.
إن (الإحصان المترتب على العلاقة الصحيحة بين رجل وامرأة هو الحماية والكفاية والإعفاف المترتب على العلاقة الزوجية المؤكدة بامتنان الله علينا بقوله: }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إليها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياَتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{ الروم/ 21.
فهدف العلاقة هي السكن والمودة والرحمة وتكوين أسرة من بنين وحفدة. وليس الإشباع الجنسي وحده. تلك هي الحكمة لمن يتفكر في أحكام الله. وليس الإحصان بمتحقق في العلاقة القصيرة، لأن عدم مشاركة رجل ثان في هذه الحالة حاصل بحكم الذوق …إن الإحصان في هذه الحالة هو شغل مكان، وليس (إعفافا عن التطلع لشخص أخر)([4]).
(إن المتمتع هدفه وغايته إشباع الغريزة الجنسية وإرضاء متطلبات
وظائف الأعضاء لفترة محددة قد تطول وقد تقصر. والمرأة همها جمع المال وتنويع المتعة. وليس من هدف أيٍّ منهما أن يحصن الآخر ويعفه ويجعله مقصوراً عليه وحده.
إن المرأة التي لا تجد زوجاً يساعدها على تحمل أعباء الحياة وتوفير لقمة العيش، سيكون هدفها جمع المال لمواجهة أيام الشيخوخة حيث يذهب الشباب وينصرف المؤجرون. ولولا الهدف المادي بالدرجة الأولى - وربما انضاف إليه الانحراف الخلقي والرغبة في تنويع الرجال- لما رضيت أن تكون متنفساً لرغبات الرجال، وكانت مبتذلة من رجل إلى آخر)([5]).
إن هذا النكاح لا يوفر للمرأة الحماية من الغير، ولا من الظروف. ولا يُشعر المرأة بالاستقرار والسكن. ولا ضمان فيه لأسرتها وأولادها. بل عادة ما تكون مسؤوليتهم على عاتقها تربيةً وتغذية. مما يؤدي إلى ضياعهم وشذوذهم. والرجل لا يعنيه إن كانت المرأة مريضة أو تشكو من عاهة. بل ذلك أدعى لأن يُعرض عنها لينصرف إلى غيرها.
ومن معاني الإحصان هو الإعفاف عن التطلع إلى شخص آخر. وهذا مفقود في نكاح المتعة.
4- يقول الله تعالى في السياق نفسه، وهو يتحدث عن نكاح الأمة: }ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ{. أي فمن لم يستطع أن يحصل على زوجة وخشي العنت والمشقة فلينكح جارية مؤمنة. والصبر إلى حين الحصول على الزوجة الحرة خير من نكاح الأمة.
ولا شك أنه لا عنت مع إباحة المتعة. وهذا معناه أن هناك طريقين للنكاح الحلال: الأول -وهو المفضل شرعاً- الزواج الدائم، فمن صعب عليه توفر أسبابه وخشي العنت، فملك اليمين هو الحل. ولا ثالث لهما سوى الصبر انتظاراً للفرصة. وهو كقوله سبحانه: }وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ{ النور/ 33. سواء بسواء.
لا أحكام لنكاح المتعة في القرآن
عندما ذكر القرآن شرعية الزواج لم يكتف بذلك حتى فصَّل في أحكامه. وكذلك حين شرع نكاح الأمَة ذكر له أحكاماً. وهذا شأنه في أمهات المسائل الفقهية جميعاً. ومنها النكاح الذي جاءت تفاصيل أحكامه في آيات كثيرة يصعب حصرها لكثرتها منها:
}فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا{ النساء/ 3،4.
}وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ
كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ{ النساء/ 12.
}الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًايُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيراً{ النساء/ 34،35.
}وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ النساء/ 25.
وهناك عشرات الآيات في القرآن الكريم تفصّل أحكام الزواج والأسرة في حالتي الوفاق والشقاق أو الطلاق.
ولا شك أن نكاح المتعة –لو كان موجوداً- لكانت ممارسته في المجتمع -قديماً وحديثاً- أكثر من ممارسة الزواج أو نكاح الأمَة، ليُسره وسهولة الحصول عليه، فلا بد إذن أن يذكر الله له في كتابـه أحكاماً أسوة بالنوعين الآخرين.
كيف يذكر الله تعالى نكاح الأمة بالنص الصريح مرات في كتابه،
ويذكر أحكامه وهو يعلم أنه سينتهي في يوم ما، ولا يعود له وجود في المجتمع. ثم لا يذكر نكاحاً آخر أكثر ممارسة ووجوداً واستمراراً؟!
أن عدم ذكر أي حكم من أحكام نكاح المتعة في القرآن لدليل واضح على عدم مشروعيته. لأنه لا يعقل أن يجيز الله تعالى مثل هذه العلاقة بين الرجل والمرأة على خطورتها وحساسيتها، ثم لا يشرع لها في كتابه ولو حكماً واحداً! ولهذا قيل:
كيف يقال إن نكاح المتعة من الدين والقرآن لم يعطه ما أعطى بقرة بني إسرائيل من اهتمام !
الفصل الثالث
القرآن يحرم نكاح المتعة
لقد حرم القرآن الكريم في بداية نزوله - والمسلمون ما زالوا في مكة أفراداً - نكاح المتعة وغيره من العلاقات الجنسية الأخرى، سوى النوعين المعروفين من الأنكحة: الزواج الدائم وملك اليمين. وذلك بقوله تعالى الذي نزل مرتين في سورتين من القرآن:
}وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ{ (المعارج/ 29-31، المؤمنون/ 5-7).
فالآيات تصرح بأن ما وراء الأزواج، وما ملكت اليمين حرام. ونكاح المتعة لا يدخل في هذا ولا ذاك. فهو مما }وراء ذلك {. إذن هو حرام.
الأصل في الفروج الحرمة
والآيات تثبت أمراً في غاية الأهمية هو أن الأصل في الفروج الحرمة. فالإباحة تحتاج إلى دليل، وليس العكس. فإن الله حين أباح الزواج وملك اليمين حرم كل نكاح عداهما فقال: }فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ{. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى – لا تقل عن الأولى في أهميتها - فإن دليل الإباحة يجب أن يكون قرآنياً أولاً، وصريحا ثانياً؛ لأن الحفاظ على العرض والنسل من ضروريات الدين. وضروريات الدين لا يصح إثباتها بالروايات أو الاجتهادات التي تحتمل الخطأ والتزوير.
وإذ لا دليل في القرآن يصرح بمشروعيته فهو حرام. هذا إذا لم يكن هناك نص في حرمته. فكيف والآيات الآنفة الذكر تصرح بحرمة كل نكاح عدا النوعين المذكورين!
الفصل الرابع
خلـو المجتمع الإسلامي
على عهد النبي من نكـاح (المتعـة)
لقد فهم المسلمون شمول هذا النكاح بالتحريم فلم يمارسوه لا في مكة ولا في المجتمع الإسلامي في المدينة. وهذا يفسر سكوت القرآن سكوتاً تاماً عن التصريح بذكره، أو ذكر حكم من أحكامه. إذ لو كان يمارس ضمن المجتمع المسلم لما اغفل القرآن ذكره قطعاً. فإن القرآن تناول بالذكر أموراً وحوادث دونه في الأهمية بمراتب كثيرة. وذكر لها مع ذلك أحكاماً كشرب الخمر مثلاً، بل الصيد وما هو في مرتبته، وما دون ذلك.
الصيد في القرآن
تأمل كم آية من القرآن وردت في الصيد فقط!!
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ (المائدة:1،2).
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ*أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{ (المائدة: 94-96).
ولا شك في أن الصيد أهون كثيراً عند الله I من أعراض المحصنات المؤمنات. فكيف يرد بهذه الصورة الواضحة المفصلة؟! ويترك أمر فروج المؤمنات بلا بيان ولا تفصيل!
أحاديث المتعة
أما الأحاديث الواردة في الترخيص بالمتعة فإنها جميعاً لا تدل على أن الرخصة المذكورة فيها كانت حكما شرعيا دائميا لظاهرة اجتماعية كانت تمارس ضمن المجتمع المسلم. وإنما تتعلق بمسألة حدثت مرة أو مرتين في ظرف طارئ خاص وقع خارج المدينة المنورة وأماكن تواجد المسلمين. مرة في غزوة خيبر، وأخرى في أوطاس (أو غزوة حنين([6])). ولمدة ثلاثة أيام فقط في كل مرة، ثم يعود الأمر إلى التحريم.
ولا شك أن خيبر خارج المجتمع المسلم. وكذلك الطائف يومها. وليس فيهما نساء مسلمات. ولأن المدة قليلة جداً فلم ينزل فيها قرآن. وهذا سر سكوت القرآن سكوتاً تاماً عن ذكر مشروعيته أو ذكر حكم من أحكامه، في حين أنه تكلم مراراً عن الخمر- مثلاً - وتدرج في تحريمه مع أنه دون النكاح في خطورته وأهميته وحساسية موضوعه.
والسبب هو أن شرب الخمر كان يمارس ضمن المجتمع المسلم، فواكب القرآن هذه الظاهرة، وتدرج في علاجها. فكيف يسكت عن الحديث عن ظاهرة هي أخطر وأعظم أثراً في النفس، وفي المجتمع، فلم يتكلم عنها، ولم يضع لها الحدود والضوابط الشرعية، كما تكلم عن الزواج ونكاح الأمة وأحكامها - لولا أنها لم تكن موجودة في ذلك المجتمع. أما أن يكون هذا العمل الخطير يمارس في المجتمع، فلا يرصده القرآن ولا يضع له الضوابط والأحكام فهذا غير مقبول عقلاً، ولا وارد شرعاً.
وهذا يتوافق مع ما رواه الترمذي في سننه عن ابن عباس t أنه قال: (إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه مقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه. حتى إذا نزلت الآية: }إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم { فكل فرج عدا هذين فهو حرام.
وكذلك قول عمر t الذي رواه ابن ماجة: (إن رسول الله r أذن لنا في المتعة ثلاثة أيام ثم حرمها).
وقد قال العلامة شمس الدين السرخسي في [المبسوط (5/ 152)]: (بلغنا عن رسول الله r أنه أحل المتعة ثلاثة أيام من الدهر في غزاة غزاها اشتد على الناس فيها العزوبة ثم نهى عنها فلم يبق بعد مضي الأيام الثلاثة حتى يحتاج إلى دليل النسخ). وبذلك صرح الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم، وغيره من العلماء.
على أن هذا النكاح الذي رخص فيه النبي r لثلاثة أيام فقط كان يشترط له موافقة الولي وشهادة الشهود. فلم يكن بينه وبين النكاح الدائمي فرق، إلا الأجل والإرث. وكان مع نسوة كافرات لا مسلمات.
الفصـل الخامـس
لا فـرق بين المتعـة الحالية والزنا
أما هذا الذي يسمونه اليوم بالمتعة فلا نجد فرقاً بينه وبين الزنا والسفاح إلا الاسم! فلو حبلت امرأة من الزنا وأردنا إقامة الحد عليها فادعت أن ذلك كان عن طريق المتعة لما استطعنا العثور على أثر نفرق به بينهما.
ولو شهد أربعة شهود عدول على رجل يزني بامرأة فادعى الزانيان أنهما يتمتعان ما قيمة هذه الشهادة ؟! وكيف يمكن أن نطبق حكم الله تعالى في الزناة ولو شهد عليهم ألف شاهد ؟!
بل لو أراد رجل ممن يحللون المتعة منع ابنته من الزنا لما استطاع. لأنه حتى لو رآها بعينه بين أحضان رجل لما استطاع الاعتراض. إذ تستطيع الادعاء أن هذا الرجل يمارس معها نكاح المتعة وينتهي الإشكال!!!!
ويجوز لأي رجل – طبقاً لفتاوى فقهاء الشيعة - أن يدخل أية أنثى – حتى لو كانت عاهرة - في أي مكان ليفعل بها ما يشاء متى يشاء ثم يدعها لينصرف إلى غيرها بمجرد أن يتبادلا التلفظ ببضع كلمات عن الثمن والمدة أو (عدد المرات) و(متعتك نفسي )، وبلا حاجة إلى ولي أو شهود ؟ ولا داعي للسؤال عما إذا كانت المرأة ذات زوج، أو أنها تمتهن البغاء؟[7]
ويجوز التمتع وممارسة الجنس مع الصبية الباكر إذا بلغت تسع سنوات – أو سبعا على رواية – بشرط عدم الإدخال في الفرج كراهية العيب على أهلها لا تحريما ولا مراعاة لذوق أو خلق[8].
ما هو شعورك وأنت تتخيل وقوع ذلك مع طفلتك البريئة مجرد تخيل؟!!
أليست هذه أخلاق مزدك وإباحية المجوس!!
ومن فتاوى الخميني مؤسس جمهورية (إسلام) إيران:
- لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين دواما كان النكاح أو منقطعا. وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة[9].
وهذه بعض فتاوى المرجع الديني (ولي أمر المسلمين آية الله العظمى سماحة السيد) محمد محمد صادق الصدر في سلسلته الفقهية (مسائل وردود):
- هل يجوز التمتع بالفتاة البكر المسلمة من دون إذن وليها إذا خافت على نفسها الوقوع بالحرام؟
نعم لو منع وليها من التزويج بالكفو مع رغبتها إليه وكان المنع على خلاف مصلحتها سقط اعتبار إذنه. ويجوز إذا كان العقد المنقطع بشرط عدم الدخول لا قبلا ولا دبرا![10]
- هل يشترط إذن الولي في البكر ولو بدون الدخول؟
لا يشترط إذن الولي في العقد المنقطع مع اشتراط عدم الدخول في العقد اشتراطا لفظيا![11]
- مسألة (289) : هل يجوز التمتع بالفتاة الأوربية الغربية من دون إذن وليها ؟
الجواب: إذا فرضنا أن الولي أرخى عنان البنت وأوكلها إلى نفسها في شؤونها فلا تحتاج إلى الاستئذان حتى في المسلمة. أو كان من مذهبها عدم لزوم الاستئذان جاز ذلك بلا مراجعة الولي حتى في المسلمة أيضا. كما انه لو منعها من التزويج بالكفو مع عدم وجود كفو آخر سقط اعتبار إذنه[12].
أليست هذه استباحة لكل ما يحدث في أوربا والغرب الفاجر من الفوضى الجنسية والإباحية الحيوانية ؟!
أليست هذه الفتوى محاولة مفضوحة لنقل هذه الإباحية إلى المجتمع المسلم ؟! فالسائل يسأل عن المجتمع الأوربي الغربي والفتاة الأوربية، و(السيد) (قده) يرشده إلى توريد هذا العمل (العظيم) إلى المجتمع الإسلامي الشرقي مع المرأة المسلمة ما دام الولي الديوث (أرخى عنان البنت وأوكلها إلى نفسها)!! أو ما دامت الفتاة خارجة عن طاعة وليها لتصنع منه ديوثا بإرادتها وتوجيه مرجعها لأن (من مذهبها عدم لزوم الاستئذان).
لكن لم يقل لنا (السيد) ما حكم الولي الذي يرخي لبنته عنانها ويوكلها إلى نفسها لتفعل ما تشاء بها ما حكمه في شرعه؟!!
إن اطلاعنا على مثل هذه الفتاوى التي تغتال عفاف المجتمع ومعرفتنا بما يدور وراء الستور أحد الأسباب الكبرى التي جعلتنا نرجع إلى التأريخ، ونبحث عن جذور هذا العفن. فإذا بها تغوص في وحل الزرادشتية والمزدكية!!
تأمل هذه الفتوى جيداً هل يمكن العثور فيها على خيط – ولو ضعيف - يربطها بدين الإسلام أو أخلاق العرب؟:
- مسألة (237): هناك دول عديدة مشهور فيها الزنا وكثير من بنات هذه البلاد بالنسبة لهم مصدر رزق ففيما إذا أراد شخص ما أن يتمتع من تلك البلاد فهل يجب السؤال عن أنها متزوجة أو أنها زانية وأنها اعتدت أم لا ؟
الجواب: لا يجب السؤال عن حالها مع الإشكال إلا إذا كانت متزوجة باليقين(!) أو مطلقة فشك في الأولى في طلاقها فليسأل عن أنها خلية أم لا فإذا قالت نعم أنا خلية كفى. وفي الثانية إذا شك في أنها خرجت من عدتها فليسأل فإذا قالت: نعم اكتفى به. أما الزانيات المشهورات بالزنا فلا تصح متعتهن على الأحوط إلا من تابت من عمله يقينا فيصح العقد عليها متعة ودواما[13].
- مسألة (293) هل يجب إخبار الرجل الذي يريد أن يتمتع بامرأة أن هذه المرأة لم تعتد من رجل تمتع بها سابقا؟
الجواب : لا يجب الإخبار[14].
كيف لا يجب! على أية ملة أو أي دين؟!
كيف؟! وقد تكون المرأة قد حملت من السابق! وإذا تبين حملها فيما بعد فلمن ينسب الولد؟!
وأختم هذه الأمثلة بهذه الرواية المنسوبة زوراً إلى سيدنا جعفر الصادق رحمه الله :
عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي عبد الله (ع)… فقلت: رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت علي فكسّرت جوزا كثيرا ونثرته عليّ فتعجبت من هذه الرؤيا … فما تأويلها ؟ قال : يا ابن مسلم انك تتمتع بامرأة فتعلم بها أهلك فتمزق عليك ثياباً جددا فان القشر كسوة اللب. قال ابن مسلم : فوالله ما كان بين تعبيره وتصحيح الرؤيا إلا صبيحة الجمعة. فلما كان غداة الجمعة أنا جالس بالباب إذ مرت بي جارية فأعجبتني فأمرت غلامي فردها ثم ادخلها داري فتمتعت بها فأحست بي وبها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب وبقيت أنا فمزقت علي ثيابا جددا كنت البسها في الأعياد[15].
إن التطبيق العملي لهذه الفتاوى يجيز صورا كثيرة من الصلات الجنسية هذه بعضها :
- يلتقي طالب كلية مع زميلة له ، وتتطور العلاقة بينهما فيطلب منها يوما أن يذهبا معا إلى زاوية بعيدة عن الأنظار أو يدخلا مكانا منزويا لتريه مفاتن جسدها ويريها كذلك ثم ليمارسا جميع طقوس الجنس - ومن دون حاجة إلى ذكر التفاصيل المثيرة – ثم يطمئنها وقد اعترضت عليه قائلة إنها لا تزال بكرا وتخشى الفضيحة فيقول: لا تخافي يمكن ان نستمتع ببعضنا من دون إيلاج، وان شئت استعملنا الطريق الآخر. وحتى يتغلب على ترددها أو حيائها يخرج من بين كتبه كتابا لـ( سماحة السيد…) عنوانه : مسائل وردود –تحت عنوان (مسائل حول النكاح) ويقرأ لها هذه الفتاوى التي سبق ذكرها!
- في الزيارات العائلية بين الأقارب والأصدقاء يمكن للفتاوى السابقة أن تجد لها مجالاً للتطبيق رحباً! فهي تبيح لأي شاب منهم أن يتفق مع أية شابة من عائلة الزائر أو المزور ليختليا في مكان قصي ثم يفعلا ما يريدان ما دام الإيلاج غير حاصل، بل يمكن الإيلاج دبراً. هذا إذا كانت الفتاة بكرا. أما إذا كانت ثيبا فهنا يمسي كل شيء حلالاً. أما إذا كانت ذات زوج فيمكن التمتع بها دون الحاجة إلى سؤالها عن حالها .
إنها إباحية ومجتمع غابات تنزو فيه الحيوانات بعضها على بعض!
صور من الواقع البائس
إن فتاوى الفقهاء هذه وأمثالها أدت إلى انزلاق المجتمع إلى ممارسة علاقات جنسية تحت ستار المتعة في غاية البشاعة، حتى لو كانت هذه الفتاوى في الأصل لا تجيـزها، لكنها جزماً هي التي شجعتها ووفرت المناخ الملائم لوجودها ونموها. وقد سمعنا من ثقات أمثلة كثيرة منها:
- مجموعة من الطلبة في (قسم داخلي) يأتون بامرأة ساقطة يصيبها أحدهم والبقية ينتظرون في الصالة حتى إذا خرجت أخذها الآخر … وهكذا حتى يكتمل النصاب! في مكان واحد وساعة واحدة من ليلة أو نهار! واعلم أن العدة ( الخيالية ) يمكن الاحتيال عليها بأن يتمتع الرجل بالمرأة، حتى إذا انتهى الأجل عقد عليها مرة أخرى ثم يطلقها قبل أن يجامعها لتحل – بزعمهم – على من يريد التمتع بها متى شاءت احتيالا على النص القرآني الجليل: )يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَالَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً( (الأحزاب:49). - إخوة تجار يسافرون بالتناوب إلى بلد مجاور استأجروا بيتا واستقعدوا فيه امرأة تخدمهم وينكحونها جميعا على هذه الصورة المزرية: يأتي الأول فيستمتع بها طيلة أيام إقامته حتى إذا جاء أخوه ليحل محله تركها له ورجع إلى بلده ليأتي الثالث… وهكذا عافاك الله!
- رجل دخلت زوجته المستشفى ، فجاءت أختها مكانها لتعتني بأولادها. هل تعرف كيف يمكن لزوج أختها أن يزني بها (شرعاً)!؟
قال له إمام الحسينية: طلق زوجتك دون أن تخبر أحدا، حتى إذا
رجعت زوجتك إلى بيتها انوِ إرجاعها إلى عصمتك وينحل الإشكال!
- من المعروف عن طلبة المدارس الحـوزوية الذهاب إلـى الأحياء السكنية الخاصة بالزواني ليمارسوا هناك الزنا بحجة (المتعة)!
- العقد مؤقتاً على امرأة من أجل الخروج معها والخلوة بها اختباراً لصلاحيتها كزوجة في المستقبل. وتسمى بـ(المتعة غير الجنسية). تماماً كما يحدث في المجتمعات الأوربية.
إذن هذا النوع من النكاح ما هو إلا وسيلة للإباحية، وهتك الأعراض، وانفلات النساء، وتهتك الأسر. فمن أحله أو شجع عليه فإنه داخل تحت قوله تعالى في سياق الآيات نفسها من سورة النساء: }وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا { النساء/ 27.
أئمة أهل البيت يقولون: المتعة زنا
لذلك جاء عن الإمام جعفر الصادق (رحمه الله) أنه قال عن المتعة: (ذلك الزنا). أما أبوه الإمام محمد بن علي الملقب بالباقر فقد قال فيها: (هي الزنا بعينه)[16].
حتى الشيعة الاثنى عشرية رووا ذلك. فالمجلسي يروي عن جعفر الصادق (ع) أنه سئل عن المتعة فقال: (ما تفعله عندنا إلا الفواجر)[17].
الفصـل السـادس
تحريم أئمة أهل البيت نكاح المتعة
جاء في (الروض النضير) في فقه الزيدية ذكر إجماع أهل البيت على كراهية المتعة والنهي عنها على لسان فقيه أهل العراق في زمانه الإمام زيد بن الحسن بن يحيى.
وفيه أيضاً عن الإمام زيد عن أبيه علي عن جده الحسين عن علي قال: (نهى رسول الله r عن نكاح المتعة عام خيبر). وجاءت الرواية أيضاً بلفظ (حرم) مكان (نهى)([18]).
وتحريم المتعة عن أهل البيت ثابتة في مصادر الشيعة الاثني عشرية. من ذلك ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن الإمام زيد عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال: (حرم رسول الله r يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة) ([19]). لكنهم يحملون هذه الروايات المحرمة – كعادتهم - على (التقية) بحجة موافقتها لـ(العامة)! يقول الطوسي بعد إتيانه بالرواية السابقة: فأما ما رواه محمد بن أحمد – وساق السند - عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (ع) قال: (حرم رسول الله (ص) لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة) فالوجه في
الرواية أن نحملها على التقية لأنها موافقة لمذاهب العامة.
وكذلك أورد تحريم المتعة الحر العاملي في كتابه (وسائل الشيعة4/ 441). وغيرهم.
والرواية ثابتة في مصادرنا - نحن أهلَ السنة - عن سيدنا علي بن أبي طالب t . من ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيها والدارمي وأحمد والترمذي والنسائي كلهم عن الحسن بن محمد بن علي [بن أبي طالب] وأخيه عبد الله بن محمد عن أبيهما أن علياً t قال لابن عباس: إن النبي r نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر.
وروى مسلم والنسائي – واللفظ له - بالإسناد نفسه أن علياً بلغه أن رجلاً لا يرى بالمتعة بأساً فقال: إنك تائه إنه نهى رسول الله r عنها وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.
والرجل المبهم في الحديث هو ابن عباس كما في رواية مسلم بالإسناد نفسه عن علي أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال: مهلاً يا ابن عباس فإن رسول الله r نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية.
بل قد جاء عن سيدنا علي t في خلافته أنه قال: (لا أجد أحداً يعمل بها [المتعة] إلا جلدته) ([20]).
وأما ابن عباس t فقد كان يقول بحرمتها أيضاً. وإنما خلافه في إباحتها للمضطر. والذي يباح عند الاضطرار هو الحرام. كالميتة لا يصح أن يقال: إنها حلال بإطلاق. وإنما يقال: تحل عند الاضطرار. وهذا يعني أن الأصل هو التحريم. وهذا ما ينبغي أن يحمل عليه ما جاء عن ابن عباس من كلام. وقد ورد الخبر برجوعه حتى عن هذه الرخصة: فقد قال الترمذي في سننه في كتاب النكاح باب ما جاء في تحريم نكاح المتعة: وإنما روي عن ابن عباس شيء من الرخصة في المتعة، ثم رجع عن قوله حيث أخبر عن النبي t. إ.هـ.
وهذا هو الصحيح الذي ينبغي أن يعرف عن ابن عباس رضي الله عنهما. ولا يظن به غير ذلك إذ كيف يمكن أن نتصور أنه يسمع علياً وغيره من الصحابة ينقلون له التحريم عن النبي r ثم هو يصر على مخالفته!!
وهذا كله يدل على كذب الروايات المنسوبة إلى أئمة أهل البيت في تحليله.
وما يدل على كذبها قيام المحققين بفحص هذا الروايات فوجدوها جميعاً ضعيفة السند!([21])
القطع بكذب روايات المتعة المنسوبة إلى أهل البيت
ومما يدل دلالة قطعية على كذب هذه الروايات التي يرويها الإمامية في تحليل المتعة عدم وجود ولد لأحد من أئمة أهل البيت أو عامتهم مولود عن طريق نكاح المتعة أبداً. فلو كانوا يبيحونه لكانوا قد مارسوه، وأنجبوا منه مئات الأولاد حتماً، وجاء ذكره في كتب الأنساب الخاصة بهم. فإن هذه الكتب لا تذكر إلا أن فلاناً أمه فلانة بنت فلان. فإذا كانت أمة مملوكة ذكروا ذلك ونبهوا عليه بقولهم: أمه جارية أو أم ولد. ولم يذكروا عن واحدة منهن أنها امرأة متعة.
وتذكر هذه الكتب مثلاً أن النبي r تزوج كذا من النساء، وتسرى بكذا من الجواري. وأن علياً t تزوج كذا من النساء، وتسرى بكذا من الجواري، ويذكرون أسماءهن وأنسابهن، ولكن لا تذكر بتاتاً أن واحدة منهن كانت امرأة متعة قط.
وكذلك جعفر الصادق وغيره من الأئمة. فلماذا تسكت هذه الكتب عن ذكر ذلك لو كان موجوداً؟!!
الفصل السابع
تحريم أمير المؤمنين عمر t
أما الادعاء بأن نكاح المتعة كان مباحاً زمن النبي r وأبي بكر الصديق t ، حتى جاء عمر بن الخطاب t فحرمه - فباطل. ولا دليل عليه إلا ما تشابه من الألفاظ التي تُعتمد بمعزل عن بقية النصوص الخاصة بالموضوع.
إن عمر t حينما صعد المنبر وأعلن حرمته، وحذر من العقاب عليه بعد هذا الإعلان، لم يكن ذلك إنشاءًا من نفسه. وإنما أعلن ذلك بناءاً على ما جاء عن النبي r. وهو جاء منصوصاً عليه في خطبته - كما رواها ابن ماجة - أنه قال: (إن رسول الله r أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها. والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله r أحلها بعد إذ حرمها).
وسببها ما رواه الإمام مالك في (الموطأ) عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه. فخرج عمر بن
الخطاب يجر رداءه فقال: هذه المتعة. ولو كنت تقدمت فيها لرجمت.
لا كما يدعي الشيعة ومنهم المفتري نعمة الله الجزائري في كتابه (سيء السمعة) زهر الربيع أن سبب تحريم عمر بن الخطاب المتعة أن علياً بات عنده ليلة فلما أصبح أخبره أنه تمتع بأخته. فقام عمر فحرمها من عند نفسه لأجل ذلك[22]!
وما قاله الفاروق عمر شأنه في ذلك شأن أي حاكم يسن تشريعاً طبقاً للدستور، أو يعلن عن عقوبة طبقاً لفقرة من القانون قد خفيت على البعض.
ولم يأته أربعة يشهدون بغير ما قال، أو يعترضون عليه ويقولون: كيف تحرم أمراً أحله رسول الله؟ كما فعلوا معه في (متعة الحج) حينما اجتهد من أجل أن لا يخلو بيت الله من الطائفين على مدار العام فنهى عنها نهي خيار لا نهي إجبار. إذ أن كثيراً منهم خالفوه فيها واعتبروا ما قاله فتوى غير ملزمة. ولا زال المسلمون إلى اليوم يتمتعون في حجهم طبقاً لما جاء من مشروعيته في كتاب الله من قوله تعالى:
}فمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ (البقرة: 196).
والأمر نفسه – وقد مر ذكره - فعله عليt في خلافته حين قال: (لا أجد أحداً يعمل بها [المتعة] إلا جلدته) ([23]). وقد وافق عمر t جميع الصحابة بلا مخالف.
النهي عن متعة النساء تحريماً ومتعة الحج تخييراً
وأما ما جاء عن عمر t من قوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما). فهذا مما غُلط به على أمير المؤمنين، وكذب فيه عليه.
فعمر بن الخطاب t ليس جاهلاً بشرع الله، ولا مفتئتاً على حدود الله إلى هذه الدرجة بحيث يحرم متعة الحج وقد وردت في كتاب الله! وليس هذا من مذهبه كما أثبته المحققون. إنما كان يرغّب في أن تفرد العمرة بسفر خاص في غير أشهر الحج حتى لا يخلو بيت الله الحرام من حاج طول العام.
فقد روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري أن عمر قال: هي سنة رسول الله r يعني المتعة ولكني أخشى أن يعرسوا بهن تحت الأراك ثم يروحوا بهن حجاجاً.
وروى أيضاً عن الحسن أن عمر أراد أن ينهى عن متعة الحج فقال له أُبَيُّ: ليس ذلك لك قد تمتعنا مع رسول الله r ولم ينهنا عن ذلك. فأضرب عن ذلك عمر.
وروى النسائي في كتاب مناسك الحج عن أبي موسى الأشعري
أنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدُ حتى لقيته فسألته فقال عمر قد علمت أن النبي r قد فعله ولكني كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحوا بالحج تقطر رؤوسهم.
ومن أصرح الأحاديث في الدلالة على أن عمر بن الخطـاب t لم يكن يشدد في متعة الحج كما شدد في متعة النساء حتى وعد برجم فاعلها ما رواه مسلم في كتاب الحج عن جابر بن عبد الله قال: تمتعنا مع رسول الله فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله r ما شاء بما شاء. وإن القرآن قد نزل منازله فـ(أتموا الحج والعمرة لله) كما أمركم الله . وأبتّوا نكاح هذه النساء فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة. وفي رواية: فافصلوا حجكم عن عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم.
وفي رواية لأحمد عن أبي سعيد قال: خطب عمر الناس فقال: إن الله U رخص لنبيه ما شاء rوإن نبي الله r قد مضى لسبيله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله Uوحصنوا فروج هذه النساء.
وروى النسائي وغيره أن الصّبَي بن معبد قال له: إني أهللت بالحج والعمرة جميعاً فقال له عمر: هديت لسنة نبيك r. والروايات في هذا كثيرة.
وأما ما رواه النسائي عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: (والله إني لأنهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله r . يعني متعة الحج) فالنهي الذي أراده عمر هنا ليس نهي إلزام أو تحريم، وإنما هو نهي تخيير.
وأما الصحيح الذي جاء عن أمير المؤمنين فيما يتعلق برواية: (متعتان كانتا على عهد رسول الله…) فهو: ما رواه جابر بن عبد الله t نفسه قال: (لما ولي عمر خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن وإن الرسول هو الرسول وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله r متعة الحج فافصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم. والأخرى متعة النساء فأنهى عنها وأعاقب عليها)([24]). ومثله في صحيح مسلم – وقد مر بنا قبل قليل - بلفظ مقارب.
فعمر t تحدث عن حكم المتعتين حديثين منفصلين، ولم يجمع بينهما في هذا الحكم:
المتعة الأولى متعة الحج وقد شرعت في كتاب الله – كما مر بنا - وكانت على عهد رسول الله. ولم ينه عنها عمر نهي تحريم، وإنما رغب في تركها لسبب ذكره عمر نفسه، أشرت إليه آنفاً.
والمتعة الثانية هي متعة النساء، وقد كانت على عهد رسول الله r لثلاثة أيام فقط في خيبر – وفي رواية أوطاس أيضا - ثم حرمت إلى يوم القيامة. فنهي عمر عنها نهي تحريم، لم يجد معارضاً من الصحابة. ولو لم يكن مصيباً في نهيه لوجد له معارضاً منهم - ولا
بد- كما عارضوه في متعة الحج.
ووجود المعارض أدعى في متعة النساء لميل الطباع إليها. فلو كان هناك أدنى دليل على إباحتها لعارضوه. فكيف إذا انضاف إلى ذلك حب القوم للحق وجرأتهم في الجهر به لا تأخذهم فيه لومة لائم؟ ثم إن الأمة مجمعة على موافقته في تحريم متعة النساء دون متعة الحج. ولو كان هناك أدنى دليل على الإباحة لما تمت هذه الموافقة على مر العصور لميل الطباع إلى المخالفة لا إلى الموافقة. فكيف تواطأ الأولون والآخِرون على أمر بهذه الحيثيات لو لم يكن ما تواطأوا عليه هو الحق، والحق الصريح؟
الفصل الثامن
معنى آية النســـــاء
إن قوله تعالى: }فَمَا اسْتَمْتَعْتمْ بِهِ مِنْهُنَّ{ متعـلق بما قـبله مـن المستثنى من التحريم بقوله: }وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ{ من النساء سوى المشمولات بالتحريم المذكور قبل هذا الكلام أن تنكحوهن نكاحا يحقق الإحصان: }أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ{ وليس المقصود منه تفريغ الشهوة فحسب.
ولا شك في أن النكاح الذي يتحقق به الإحصان هو الزواج الشرعي دون غيره. }فما استمتعتم به منهن{: أي دخلتم بهن، وحصل الجماع أو ما في حكمه من الخلوة الصحيحة التامة }فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً{: فأتوهن مهورهن كاملة غير منقوصة.
أحوال المهر
للمهر ثلاثة أحوال. وهي:
1- أن تطلق المرأة قبل تحديد المهر، وقبل الدخول. فالواجب هنا متعة الطلاق. وهي مبلغ غير محدد، بحسب إمكانية الرجل. وذلك قوله تعالى سبحانه: }لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا
عَلَى الْمُحْسِنِينَ{ البقرة/ 236.
2- أن تطلق قبل الدخول، ولكن بعد تحديد المهر. وهنا تستحق المرأة نصف المهر. وذلك قوله تعالى: }وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ{ البقرة/ 237.
3- أن تطلق بعد الدخول وتحديد المهر. فيرد إشكال فيما إذا حصل الطلاق بعد الدخول مباشرة، فكم تستحق المرأة من المهر؟ ويرد سؤال: متى تستحق المرأة مهرها كاملاً؟
القرآن يحسم المسألة ويبين أن المهر يجب بمجرد الدخول. وذلك قوله تعالى: }فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً{ النساء/ 24.
ولهذا نظائره – كما قال العلماء - قال تعالى:
}وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً{ (النساء:21).
}وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً{ (البقرة:229).
}وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً{ (النساء:4).
ولفظ }فَمَا اسْتمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ{ ينطبق على أدنى درجة من الاستمتاع.
فالآية موضوعة لبيان هذا المعنى. وهو أمر ضروري لا بد من معرفته.
وليس من وجه للمناسبة بين فرض المهر كاملاً ونكاح المتعة. إنما المناسبة المعقولة أن تكون بين الفرض والدخول الذي عبرت عنه الآية بالاستمتاع.
وهكذا تبين أن تفسير لفظ (استمتعتم) في الآية بنكاح المتعة ليس له استناد إلا الظن وما تهواه الأنفس باتباع المتشابه. وما كان كذلك فهو باطل حرم الله تعالى علينا اتباعه. فبطل نكاح المتعة. ولله الحمد أولاً وآخرا.
الفصـل التاسـع
كيف يخدع علماء الشيعة
الناس مــن أجل تحليل المتعــة
مر بنا في أول الرسالة بيان الطريقة التي يتبعها علماء الإمامية في تفسير المتشابه من الألفاظ وتطويعها لآرائهم. وفي هذه الصفحات أعرض للكيفية التي تعاملوا بها مع روايات أهل السنة من أجل تحريفها عن معانيها الأصلية، وحملها على مقاصدهم.
في لغة العرب ألفاظ لها أكثر من معنى مختلف. مثل كلمة (سن) تعني (العمر) في موضع، وتعني في موضع آخر (السن) الذي في الفم. وحمل اللفظ على أحد معانيه ليس بالرغبة والهوى، وإنما يخضع لضوابط. وإلا فقدت اللغة مفعولها، وصار الكلام ليس عديم الفائدة فحسب وإنما مؤدياً إلى غير –أو عكس- المقصود. فلو ادعى أحدهم أن فلاناً أطول أسناناً من فلان بدليل أنه سمعه يقول له: (أنت أكبر مني سناً)؛ كان ما يقول مضحكاً! وكذلك لو قال: إنه أكبر عمراً بدليل قوله له: أنت أطول مني سناً! لأن قرائن الكلام تدل على عكس ما عنى بكلامه. فحمل اللفظ على أحد معانيه لا بد أن يكون موافقاً للقرائن الحاملة. ومن شذ: فإما لجهله، وإما لزيغه كما قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) (آل عمران:7).
هذا ما وجدنا عليه كثيراً من الخائضين من علماء الشيعة في
هذا الموضوع! حتى إنهم ليجازفون بالنزول عن درجة اتباع المتشابه إلى هاوية الكذب الصريح!
لفظ (المتعة) يطلق على ثلاثة معان
لفظ (المتعة) في اللغة يطلق ويراد به ثلاثة معان: متعة الحج، ومتعة النساء ومتعة الطلاق. ومن خلال قرائن الكلام، وربط بعضه ببعض يظهر لنا المعنى المحدد المراد بالكلام.
متعة الحـج: كما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن متعة الحج؟ فقال: [أهلَّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبي r في حجة الوداع، وأهللنا. فلما قدمنا مكة قال رسول الله r : (اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي). فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب… كما قال الله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ )(البقرة: 196) … فجمعوا بين نسكين في عام بين الحج والعمرة فإن الله تعالى أنزله في كتابه وسنة نبيه rوأباحه للناس غير أهل مكة قال الله: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (البقرة:196)].
فهذه (المتعة) الواردة في هذه الرواية وأمثالها هي متعة الحج. أو ما يسمى بـ(حج التمتع): بأن يلبي الحاج حين يحرم بحج وعمرة، فيقدم البيت فيطوف ويصلي ويسعى بين الصفا والمروة، ثم يتحلل من إحرامه ويمكث ينتظر يوم الثامن من ذي الحجة وقد حل له كل شئ حتى النساء. وسمي بـ(حج التمتع) لأن الحاج قد تمتع فيه طيلة أيامه بين عمرته وحجته، على عكس غيره ممن يظل محرماً حتى ينتهي من المناسك كلها. ولهذا أطلق على هذه الحالة اسم (متعة الحج).
متعة النساء: وهذه لا تحتاج إلى شرح، وهي موضوع رسالتنا.
متعة الطلاق: وهي – كما أسلفنا - مبلغ من المال غير محدد، يعطيه الرجل إلى المرأة التي يطلقها قبل الدخول بها وقبل تحديد مهرها، كما قال تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:236). وهي الواردة في قول ابن عمر رضي الله عنهما: (لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها صداق). رواه مالك في الموطأ.
استغلال التشابه اللفظي بين متعة الحج ومتعة النساء
يستغل علماء الشيعة هذا التشابه اللفظي بين المتعتين: متعة الحج ومتعة النساء لورود لفظ (المتعة) في هذه وفي هذه فينفذون من خلاله بأن يحملوا بعض النصوص المتعلقة بمتعة الحج على متعة النساء دون التقيد بضوابط اللغة! ليقولوا بعدها: إن روايات أهل السنة أنفسهم تثبت أن القرآن الكريم والرسول r يبيح المتعة.
وحتى لا أطيل في الحديث من غير طائل أقتصر على الاستشهاد بكلام اثنين فقط من علماء الشيعة –وهم كثر!- مثالاً لهذا التلاعب المشين الذي يدل على أن هؤلاء المتلاعبين إنما يريدون خداع الناس بأن يلبسوا عليهم الحق بالباطل، ولا يهمهم أمر هدايتهم أو ضلالهم.
المتلاعب الأول
أحدهما الدكتور (السيد) علاء الدين (السيد) أمير محمد القزويني في كتابه (زواج المتعة في كتب أهل السنة)! يقول هذا (السيد) المحترم الكذاب:
(وحسبك على إباحة المتعة ما أخرجه البخاري في صحيحه من كتاب التفسير في باب قوله تعالى: }وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ عن عمران بن الحصين أنه قال: "نزلت المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله لم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء قال محمد يعني البخاري يقال عمر"
أقول [ولا زال القول لهذا القزويني]: هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه، وهو أصح الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتد به من علماء أهل السنة، فقد نص بصريح العبارة التي لا تقبل التأويل على إباحة المتعة واستمرار هذه الإباحة إلى يوم القيامة، كما أن هذا الحديث نص في عدم نهي النبي صلى الله عليه وآله عنها حتى التحق بالرفيق الأعلى، كما أنه صريح أيضا في أن المحرم لها هو الخليفة عمر بن الخطاب (رض)، ومن هذه الرواية يظهر افتراء وكذب صاحب كتاب "وجاء دور المجوس" في قوله عن مؤلف كتاب المتعة: "ولم يتوقف عند هذه الفرية بل وجه سهامه إلى ثاني الخلفاء الراشدين" وكان من اللازم أن يوجه هذا الكلام إلى شيخ الحديث البخاري الذي روى هذه الرواية، ولكن الحق مرٌّ على ألسنة المنحرفين عن آل الرسول صلى الله عليه وآله)[25].
والآن نأتي لنرى من المفتري؟ ومن هو المنحرف عن آل الرسول صلى الله عليه وآله؟ ومن هو (ابن آوى)؟ الذي يتدثر بفروة شعار (آل الرسول) من أجل التسلل إلى قُن الدجاج ليعيث فيه الفساد:
1- روى البخاري هذا الحديث في (تفسير القرآن) باب }فمن تمتع بالعمرة إلى الحج { وليس في باب }وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ كما ادعى القزويني. وهذا أقل ما فيه أن البخاري قد فهم من المتعة المذكورة في حديث عمران بن حصين t متعة الحج وليس متعة النساء. والظاهر أن القزويني عدل إلى باب آخر غير الباب الذي نصص عليه البخاري تعمية على القارئ حتى لا يفطن إلى أن المتعة هي متعة الحج.
وإذن ما أخرجه البخاري لا يدل على إباحة المتعة كما ادعى القزويني هذا.
2- إن رواية عمران بن حصين قد وردت في مواضع كثيرة من دواوين الحديث عند أهل السنة يصرح فيها عمران نفسه بأن المتعة التي يعنيها هي متعة الحج! هذه بعضها:
روى مسلم وأحمد كلاهما عن مُطرِّف قال: قال لي عمران بن حصين: أحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به: أن رسول الله r جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه.
وأخرج مسلم بإسناده عن أبي رجاء قال: قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب الله "يعني متعة الحج" وأمرنا بها رسول الله r ثم لم ينزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله r حتى مات قال رجل برأيه بعد ما شاء.
وأخرج مسلم أيضاً عن مطرف قال: قال لي عمران بن حصين: واعلم أن رسول الله r قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي.
وأخرج النسائي في سننه من كتاب الحج عن عمران بن حصين قال: جمع رسول الله بين حج وعمرة ثم توفي قبل أن ينهى عنها وقبل أن ينزل القرآن بتحريمه.
وهذا كله يفسر ما يرد في بعض الروايات مجملاً مثل قوله t الذي
أخرجه مسلم: تمتعنا مع رسول الله r ولم ينزل فيه القرآن قال رجل برأيه ما شاء. وقوله: تمتع نبي الله r وتمتعنا معه. لكن علماء الشيعة يقطعون بعض الكلام عن بعض ليفوزوا بمقاصدهم فعلَ (الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (الحجر:90،91).
وهناك أحاديث أخرى عديدة عن عمران t تبين مقصوده من المتعة بوضوح، أعرضنا عنها تجنباً للإطالة. وفيما أوردنـا غنيـة لطالبي الحق كي يكونوا على بينة من الأمر، ويعرفوا مَن الناصح الصادق؟ مِن الملبس الكذاب المتدثر بشعار "آل البيت" زوراً وبهتانا!
المتلاعب الثاني
المتلاعب الثاني - وبه أكتفي فإن فيه الكفاية عن غيره وزيادة! - توفيق الفكيكي في كتابه (المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي)!
استغل هذا – كالعادة - اشتراك لفظ (المتعة) بين الحج والنساء فراح يخلط بين هذا وذاك ويستعمل أحدهما في موضع الآخر دون ضابط ، وأحياناً يغير في الكلمات نفسها فيحرف النص ويكتب (متعة النساء) بدل (متعة الحج) الواردة فيه! وهكذا.. ليخرج بما يريد من مقاصد ضارباً عرض الحائط واجب التحلي بالأمانة العلمية المنوط بكل كاتب مهما كان دينه، فكيف إذا كان منتسباً للإسلام؟! ويكتب في موضوع من صلب الفقه؟! وفي أخص خصائص المسلم؟!
من ذلك دعوى عريضة ادعاها فقال: لقد أجمع العلماء بالاتفاق على
اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم وتفاوت عصورهم من الصدر الأول حتى عصرنا الحاضر من (كذا) أن الله تبارك وتعالى شأنه قد أنزل في كتابه العظيم في تحليل نكاح المتعة في سورة النساء وهي قوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)[26].
وما يهمني من هذا الكلام ليس مناقشـة هذه الدعـوى وبيـان بطلانها، فإن بطلانها واضح بنفسه لا يحتاج إلى توضيح! وإنما أريد أن أعرض لبعض أدلته على هذا (الإجماع)، وكيف تلاعب بها؟
منها قوله: (أخرج البخاري عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله r ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات صلى الله عليه وآله)[27].
وحول هذا اللفظ يدندن جميع الملبسين كما مر بنا النقل عن المتلاعب الأول. فلننظر: هل المقصود بـ(المتعة) هنا متعة الحج؟ أم متعة النساء؟ وأي المتعتين قصد البخاري في إيراده لها في صحيحه؟ :
1- النص - حين نقرأه مجرداً - مشكل لا ندري أي المتعتين هي المقصودة فيه؟ فكيف جزم بحملها على أحد المعنيين؟ وهو (متعة النساء) من دون قرينة مرجحة، وجعل الرواية من أدلة إجماع أهل السنة على تفسير آية سورة النساء بـ(متعة النساء)؟!
فلا بد إذن من الرجوع إلى قرائن ترجح هذا المعنى على غيره. ولم نجد لدعوى الفكيكي من قرينة أو دليل. بل وجدنا القرائن كلها إلى غير جانبه!
2- فإن البخاري قد روى هذا الحديث في (كتاب تفسير القرآن) باب (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج)! فالبخاري إذن لم يكن يفسر (آية النساء)، وإنما يفسـر آية أخـرى هي قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) (البقرة:196). هل رأيت التلاعب؟!
3- أما عمران بن حصين t فلم يقصد بـ(المتعة) التي نزلت في كتاب الله متعة النساء لأنها لم تنزل في كتاب الله. وكل الذي نزل لفظ متشابه لا يمكن أن يقوم على مثله حكم شرعي يتعلق بأمر خطير كخطورة النكاح. وإنما قصد متعة الحج التي نزلت صريحة في كتابه تعالى بقوله: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(البقرة:196). هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإن حديث عمران بن حصين – كما أسلفنا - قد ورد بألفاظ أخرى صحيحة تصرح بأن المراد بالمتعة متعة الحج لا متعة النساء!! وأكتفي بالتذكير بحديث واحد هو ما رواه مسلم بسنده عن عمران بن مسلم عن أبي رجاء –وقد رواه البخاري عن عمران بن مسلم عن أبي رجاء كذلك- قال: قال عمران بن حصين: (نزلت آية المتعة في كتاب الله يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول الله r ثم لم تنـزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله r حتى مات قال رجل برأيه ما شاء). أرأيت كيف تصرف بالمعنى وحمله على ما يشتهي؟!
واللفظ نفسه جاء عن عمر بن الخطاب t المعروف بتحريمه نكاح المتعة، وهو يعني باللفظ عمرة الحج: فقد روى النسائي في (سننه) في (كتاب مناسك الحج باب التمتع) بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [سمعت عمر يقول: (والله إني لأنهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله r) يعني العمرة في الحج].
وقال الفكيكي في موضع آخر: (أخرج الإمام البخاري ومسلم في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله (ص) وليس لنا شئ فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب ثم قرأ علينا (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) الآية.. لا يخفى أن هذه الآية التي استشهد بها الرسول الكريم (ص) محكمة ومطلقة وأن النساء من جملة الطيبات في الحياة الدنيا ويتضمن استشهاده (ص) إنكاره لقول من يقول بالتحريم) [28].
فجزم بأن الذي قرأ الآية هو رسول الله r. ونسب ذلك إلى البخاري
ومسلم كليهما. فلننظر هل كان الفكيكي أميناً في هذه النسبة؟ أم دلس فيها تدليس الكاذبين؟ :
أما مسلم فقد صرح تصريحاً بأن الذي قرأ الآية هو الراوي عبد الله بن مسعود! فقد روى بسنده عنه أنه قال: (كنا نغزو مع رسول الله r ليس لنا نساء فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).
وأما البخاري فلم يصرح باسم القارئ بل جاء بالفعل مطلقاً من الفاعل. وطبقاً إلى علم الأصول يحمل المطلق على المقيد فيكون الذي قرأ الآية هو ابن مسعود وليس الرسول r . وقد كان – كما قرر ابن حجر في الفتح - يرى حلية (المتعة) ثم رجع عنها.
فقد دلس الفكيكي وكذب حين مزج رواية مسلم مع رواية البخاري، واستغل عدم تصريح البخاري باسم فاعل الفعل (قرأ) مع احتمال أن يكون هو الرسول r . فدخل من هذه الثغرة ونسب القراءة إلى الرسول r نفسه! وجعل ذلك من رواية البخاري ومسلم كليهما!! ثم بنى عليه أن الرسول احتج بالقرآن على شرعية نكاح (المتعة)! وما هكذا تكون الأمانة!
كذب صريح
لم يكتف صاحبنا بالتدليس واستغلال متشابه الألفاظ لتحريف الكلم عن مواضعه! بل تجاوز ذلك إلى الكذب الصريح!!
فقد قال: ( جاء في صحيح الترمذي أن رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله (ص) أنترك السنة ونتبع قول أبي. وقد نقل هذا الجزء أيضاً العلامة الحلي في كتابه نهج الصدق والشهيد الثاني في نكاح المتعة من روضة البهية)[29].
ولكننا حين نرجع إلى سنن الترمذي نجد أن الذي ورد فيه هو: عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله حدثه أنه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال عبد الله بن عمر: هي حلال. فقال الشامي: إن أباك قد نهى عنها. فقال عبد الله بن عمر: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللهr أأمرَ أبي نتبع؟ أم أمر رسول الله r ؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله r. فقال: لقد صنعها رسول اللهr ). ولم يقصد ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن أباه كان على غير سنة رسول الله r ، وإنما قال ما قال مجاراة للسائل وغيره ممن كان يكثر من القول مخطئاً: كيف تخالف أباك؟ فكان ابن عمر يجيبهم على معنى: افترضوا أن أبي خالف الرسول r أفسنة أبي نتبع؟ أم سنة رسول الله r ؟ يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: كان عبد الله بن عمر يفتي بالذي أنزل الله U من الرخصة بالتمتع وسنّ رسول الله r فيه فيقول ناس لابن عمر: كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟ فيقول لهم عبد الله: ويلكم! ألا تتقون الله؟! إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير يلتمس به تمام العمرة، فلمَ تحرمون ذلك وقد أحله الله وعمل به رسول الله r أفرسول الله rأحق أن تتبعوا؟ أم سنة عمر؟ إن عمر لم يقل لكم: إن العمرة في أشهر الحج حرام، ولكنه قال: إنَّ أتمَّ العمرة أن تفردوها من أشهر الحج.
فبدل الفكيكي قولاً بقول، ووضع من عنده عبارة (متعة النساء) بدلاً من (التمتع بالعمرة إلى الحج) التي في أصل الرواية! ليتوصل إلى مقصوده من كون رسول الله rكان يحل المتعة. ولا أدري هل أراد الإحسان؟ أم الإساءة؟! إلى اثنين من كبار علمائهم حين أشركهم معه في صناعة هذه الفرية: الشهيد الثاني، والحلي في كتابه (نهج الصدق). ولا أريد التعليق بأكثر من أن أقول: هكذا فليكن (نهج الصدق) والأمانة العلمية! وإلا فلا لا!!
ليس هذا فحسب: فإن ابن عمر رضي الله عنهما مشهور بتشدده في تحريم المتعة، وكان يصفها بالزنا. والروايات في ذلك عنه عديدة. منها:
ما رواه الإمام أحمد بسنده عن عبد الرحمن بن نعيم الأعرجي قال: (سأل رجل ابن عمر وأنا عنده عن المتعة متعة النساء فغضب وقال: والله ما كنا على عهد رسول الله r زنائين –وفي رواية زانين- ولا مسافحين. ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله يقول: ليكونن قبل المسيح الدجال – وفي رواية قبل يوم القيامة - كذابون ثلاثون أو أكثر).
ولو عاش الراوي فرأى الفكيكي والحلي والشهيد الثاني لما تردد في العدد ولقال: ثلاثون وأكثر!
وأما قوله :(أخرج مسلم في باب نكاح المتعة من صحيحه عن عطاء قال قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال نعم استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر الخ.)[30]. فهذا لبيان واقع الحال: فإن أحداً لم يقل : إن المتعة لم تفعل مطلقاً على عهد الرسول أو أبي بكر أو عمر. أما على عهد النبي فقد رخص فيها مرة –أو مرتين- ثلاثة أيام ثم حرمها البتة. وقد فعلها على عهد الخليفتين من لم يبلغه النسخ، أو من كان متأولاً حتى حسمها عمر t .
ومثلها بقية الروايات المشابهة التي استشهد بها. ومنها قوله: (وأخرج مسلم أيضاً عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناهما مع رسول الله (ص) ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.)[31]. إلا العبارة الأخيرة: (… فلم نعد لهما): فإن عمر إنما نهى عن متعة الحج ولم يشدد لورود النص القرآني الواضح فيها، ولأنها من سنة رسول الله rكما كان عمر tنفسه يصرح به[32]. ولذلك لم يلتزم كثير من الصحابة بقوله، فضلاً عن أن يكونوا انتهوا عنها فلم يعودوا
إليها حتى تصح العبارة.
أما المتعة التي لم يعودوا إليها فهي متعة النساء. فلا يصح المزج بين المتعتين لأن هذا مقطوع بمخالفته للواقع. على أن الحديث مروي من طريق أبي نضرة قال عنه ابن حبان وقد ذكره في الثقات: يخطئ. فلعل هذا المزج من أخطائه. أو هو رأي جابر. وهذا بعيد لأن الواقع لا يخفى على مثله.
ومن أكاذيب الفكيكي ودعاواه العريضة قوله : (ومن الأخبـار المقطوع بها أيضاً ما رواه الراغب الأصفهاني في كتابه الموسوم بالمحاضرات وهو من آثاره الجليلة. والراغب كما يعرفه أهل العلم من كبار علماء الجمهور القائلين بتحريم المتعة بدليل الإجماع وهو من الثقاة الذين يعول على نقلهم وروايتهم فإنه ذكر في كتابه المذكور ج (2) منه بعبارته الآتية: أن عبد الله بن الزبير عيَّر ابن عباس بتحليله المتعة فقال له ابن عباس سل أمك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك، فسألها فقالت والله ما ولدتك إلا بالمتعة انتهى.). ولم يكتف بهذا حتى استشهد بمسرحية من صفحتين نسبها إلى سلفه ابن أبي الحديد خدين ابن العلقمي خائن الأمة في كتابه شرح نهج البلاغة. ملخصها مباراة كلامية حامية يعير فيها ابن عباس الخليفة ابن الزبير بأنه ابن متعة! ويحيله على أمه. ويذهب ابن الزبير إلى أمه أسماء بنت الصديق يستفهمها فتصدق على دعوى ابن عباس!
وهذه – لعمرو الله - من الطامات التي لا يجرؤ على مثلها إلا زنديق، أو رجل له في الكذب أصل عريق!
ولا أدري كيف قطع هذا بصحة الخبر حين قال: (ومن الأخبار المقطوع بها …)؟! بل هو من الأخبار المقطوع بكذبها بداهة لمن عرف أسماء ذات النطاقين رضي الله عنها وأنها تزوجت الزبير بن العوامt حواري رسول الله r في مكة وهاجرت وهي حامل بابنها عبد الله فكان أول مولود في الإسلام بعد الهجرة. ومات الزبير سنة 35هـ وهي عنده. فلا أدري بأي شرع؟ أم بأي عقل؟ يسمى هذا نكاح متعة!!
أما أصل الخبر: فانظر كيف تلاعب به هذا الدعي! وقلبه من الخلاف حول متعة الحج إلى متعة النساء!! وزاد حتى تجرأ على إلصاق هذا الدنس بأطهر النساء! أما الإحالة على السيدة أسماء فلأنها شهدت حجة الوداع مع رسول الله r ورأته يسن لهم متعة الحج.
فقد روى الإمام مسلم والإمام أحمد كلاهما عن مسلم القُرّي قال سألت ابن عباس t عن متعة الحج فرخص فيها وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال: هذه أم ابن الزبير تحدث أن رسول الله r رخص فيها فادخلوا عليها فاسألوها قال: فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء فقالت: قد رخص رسول الله r فيها.
وفي رواية لأحمد بسنده عن أسحاق بن يسار قال: إنا لبمكة إذ خرج علينا ابن الزبير فنهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج وأنكر أن يكون الناس صنعوا ذلك مع رسول الله r فبلغ ذلك عبد الله بن عباس فقال: وما علم ابن الزبير بهذا فليرجع إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فليسألها فإن لم يكن الزبير قد رجع إليها حلالاً وحلت. فبلغ ذلك أسماء فقالت: يغفر الله لابن عباس والله لقد أفحش. قد والله صدق ابن عباس لقد حلوا وأحللنا وأصابوا النساء.
وفي رواية أخرى لأحمد عن مجاهد قال: قال عبد الله بن الزبير: أفردوا بالحج ودعوا قول هذا يعني ابن عباس فقال ابن عباس: ألا تسأل أمك عن هذا؟ فأرسل إليها فقالت: صدق ابن عباس خرجنا مع رسول الله r حجاجاً فأمرنا فجعلناها عمرة فحل لنا الحلال حتى سطعت المجامر بين النساء والرجال[33].
وله عن ابن عباس قال: قدم رسول الله r وأصحابه لصبح رابعة مهلين بالحج فأمرهم رسول الله r أن يجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي قال: فلبست القمص وسطعت المجامر ونكحت النساء.
وروى البخاري عن جابر وابن عباس y قالا: قدم النبي r وأصحابه صبح رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج لا يخلطهم شيء فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة وأن نحل إلى نسائنا.
وفي رواية لأحمد: … فأمرنا النبي r فطفنا بالبيت وصلينا الركعتين وسعينا بين الصفا والمروة ثم أمرنا فقصرنا ثم قال: أحلوا. قلنا: يا رسول الله: حل ماذا؟ قال: حل ما يحل للحلال من النساء والطيب. قال: فغشيت النساء وسطعت المجامر.
هذا ما وجدنا عليه علماء القوم من التحلي بالصدق والأمانة العلمية. فتأمل! واسأل الله تعالى لنا ولك العافية، والنجاة من كيد المضلين وأساليب الزائغين.
الفصل العاشر
نظرة تحليلية
اجتماعية عن نكاح المتعة
لست عالماً متخصصاً بعلم (النفس) أو علم (الاجتماع) أو علم التأريخ. غير أني أعتقد أن كل صاحب (قضية) عليه أن يلم بشيء من هذه العلوم الثلاثة، وغيرها من العلوم المهمة كي يحيط بقضيته من جوانبها. وكلما تعددت آفاق علمه واتسعت ثقافته صار في منزلة تمكنه من أن يكون أكثر إحاطة بها وخدمة لها.
لقد رأيت كثيراً من الأحكام الفقهية والممارسات الاجتماعية والأخلاق والتصرفات فردية كانت أم اجتماعية - وإن غلفت بالدين أو المصلحة الشرعية أو النظرة السياسية - لكنها في حقيقتها تخضع - بصورة أو بأخرى - للدوافع النفسية والمؤثرات الاجتماعية والجذور الثقافية للفرد أو المجتمع.
صراع حضاري
وعلى هذا يمكن أن أدّعي فأقول:
يخطئ كثيراً من ينظر إلى موضوع (نكاح المتعة) نظرة فقهية مجردة عن جذوره ونشأته، وأسبابه ودوافعه.
فليس الخلاف في هذا الموضوع – في حقيقته - خلافاً في مسألة
فقهية تعددت فيها آراء الفقهاء بناءاً على اختلاف وجهات نظرهم في أدلتها: وجوداً وعدماً، أو قوة وضعفاً.
ولم ينحسم أمره ويختف أثره في مجتمعاتنا العربية – وكل المجتمعات الإسلامية التي أخذت الدين من مصدره دون انحياز لأسباب ودوافع خاصة - لأن شخصاً ما وقف فـي وجهـه، أو لأن الأدلة الشرعية كانت إلى غير جانبه فحسب.
كلا.
إن الخلاف في هذا الموضوع هو خلاف بين ثقافتين!.. وصورة من صور الصراع بين حضارتين!!.
لم ينحسم داء (المتعة) في مجتمعاتنا لأن عمر بن الخطاب t
منعه أو حرمه متوعداً عليه بالعقوبة الشديدة والتنكيل الفظيع. فكم من فكرة أو ممارسة حاربها الحكام بكل ما أوتوا من قوة فلم يفلحوا! ثم عادوا وعاد الناس من حيث بدأوا.
فحتى لو لم ينه عن المتعة عمر. وحتى لو كانت الأدلة الشرعية متأرجحة، أو أن الشرع قد ترك موضوعها مفتوحاً بلا حسم أو ترجيح كما قد ترك عدداً من الموضوعات مفتوحة لحكم الزمن، فنمت وترعرعت، أو ذوت وتراجعت وفقاً لموقف المجتمع منها طبقاً لثقافته. خذ الرق مثلاً، أو شكل نظام الحكم – فإنه لا يمكن لممارسة كهذه أن تنمو وتترعرع لتمسي ظاهرة مقبولة في مثل مجتمعاتنا لتناقضها مع ثقافتنا. وأقصد بالثقافة أخلاق المجتمع ونفسيته وعقليته الجمعية، وأعرافه وتقاليده، ومرتكزاته الفكرية – وأهمها الدين - وما انبنى عليها من مضامين، وتراكم من تراث بفعل تطاول الزمن.
إن هذا النوع من العلاقات الجنسية لا يمكن أن يكون له وجود في مجتمعنا لأن ثقافة هذا المجتمع تلفظه، وترفضه كما يرفض الجسم السليم المعافى دخول جسم غريب عليه، مهما كانت المبررات، ومهما ابتغي إليه من حيل.
كما أنه بالمقابل لا بد أن يكون له وجود، ولا بد أن يترعرع ويجد له رعاية ودعاية في مجتمع آخر له ثقافة أخرى تقبله وتؤويه، وتحرص عليه وتنميه، مهما كانت الأدلة المانعة، والأسباب الطارئة الدافعة! فإنها ستدفع في وجهها، أو تتحايل عليها بما يتوافق وتلك الثقافة.
فالخلاف إذن خلاف بين ثقافتين مختلفتين، وتعبير عن صراع بين حضارتين متناقضتين: ثقافة وحضارة تقبله، وتعمل على فرضه وتصديره، وثقافة وحضارة ترفضه، وتعمل على قمعه وتحجيمه.
ومن أوضح الأدلة على ما نقول أننا لا نجد لهذه الممارسة الجنسية وجوداً في أوساط العشائر العراقية الشيعية خصوصاً بين النساء رغم أنهم -طبقاً لفتاوى مراجعهم- يقرونه من الناحية الفقهية. لأن أصالتهم وأخلاقهم تأبى عليهم ذلك. ويقتصر وجودها على مراكز المدن لابتعادها عن تأثير تقاليد العشيرة وثقافتها العربية، وقربها من المرجعية الدينية بثقافتها الأعجمية.
ولقد شاء الرب – جلت حكمته - أن يجعل من العراق على الدوام
نقطة الاحتكاك الساخنة بين تَينِك الثقافتين المختلفتين، لأنه يمثل -بحكم موقعه وانتمائه - الحد الشرقي الأقصى لثقافة الغرب العربي، مادة الثقافة الإسلامية وأساسها ومنطلقها، في مواجهة ثقافة الشرق الفارسي، بعد أن كان العراق العظيم - من قبل - يحمل على ربى الحدود الشرقية راية الثقافة السامية في مواجهة الثقافة الآرية. فهو لذلك ساحة صراع ثقافي اجتماعي بين السامية والآرية منذ فجر السلالات. ثم صار العراق - من بعد - الحد الشرقي للثقافة العربية الإسلامية حفيدة الثقافة السامية ووريثتها تجاه الأعجمية المجوسية حفيدة الآرية ووريثتها[34].
صراع قديم جديد
والصراع بيننا وبين هذا الشرق صراع قديم، ولن يزول. فليس هو صراعاً جديداً طارئاً، وليس هو قائماً علـى أسباب موضوعيـة مجردة يمكن أن يزول بعلاجها أو زوالها. إنه أكبر وأعقد مما يتصوره الكثيرون! إنه صراع شمولي أو حضاري.
والصراع الحضاري صراع معقد وعميق.. صراع تحاول فيه كل حضارة أن تجتاح الأخرى أو تزيحها لتحل محلها في كل عناصرها ومقوماتها: في دينها وعقيدتها، وقوميتها وأصالتها، ولغتها وآدابها، وثقافتها وتراثها، وقيمها وأخلاقها، وتقاليدها وعاداتها، وتأريخها وأمجادها، وتطلعاتها وأهدافها، وحاضرها ومستقبلها. اللهم إلا إذا كانت الحضارة قد بنيت على أساس مكين من إنسانية التعاليم السماوية، أو فيها قبس منها فتكون حضارة بحق، وليست مدنية زائفة تهتم بالبنيان على حساب الإنسان وعلاقته بأخيه الإنسان.
هكذا كان صراعنا مع الشرق.
وهو صراع قديم.. بدأ مع فجر التأريخ قبل أكثر من خمسة آلاف عام! واستمر طيلة هذه الحقب المتطاولة من الزمان!! وسيستمر ما دام هناك ثقافتان مختلفتان.. وحضارتان متناقضتان متصارعتان.
أسلوبان للصراع
والحضارات في صراعها للتعبير عن عناصر وجودها تتخذ أسلوبين من أساليب الصراع، يختلفان في الصورة والشكل، لكنهما يتفقان في الحقيقة والأصل، ويلتقيان في الغاية والهدف. وذلك حسب الحال من القوة والضعف: فحين تكون الحضارة قوية مسيطرة يكون التعبير واضحاً مكشوفاً. وعندما تشعر بالضعف تلجأ إلى أساليب خفية تتغلغل من خلالها إلى مفاصل الحضارة الأخرى لهدمها والحلول محلها. فتنعكس في لقطات مصغرة، وتظهر في تعابير جزئية مختلفة تحتاج إلى وصل ما بينها لتشكيل الصورة الكاملة الواضحة التي يراها كل ناظر معبرة بحق عن حقيقة الحضارة المعينة، وإلا فاتت حقيقتها على الإنسـان العادي الذي ليس من عادته – ولا قدرته - أن يركز كثيراً على المرئيات، أو يتعمق في تحليل الأحداث والجزئيات.
وكما استطاع الغرب أن يهضم المسيحية ويتمثلها في شخصيته، لتظهر في صورة الصليب (صليبيةً) تمثل الحضارة الغربية وتعبر عنها في كل عناصرها الأساسية في صراعها مع حضارتنا العربية الإسلامية - كذلك تمكن الشرق من أن يهضم الإسلام ويتمثله في شخصيته ليظهر في صورة العمامة (تشيعاً فارسياً) يمثل الحضارة الفارسية، ويعبر عنها في كل عناصرها الأساسية في صراعها مع ديننا وحضارتنا. لكنه حين شعر بالضعف أمام عنفوان هذه الحضارة السماوية العلوية، وأيقن بالفشل في مواجهتها علناً، وعدم قدرته على التعبير الواضح عن حضارته والإفصاح عن حقيقة شخصيته – صار يتخفى ويتغلغل في الباطن ليعبر قدر المستطاع عن جذور هذه الحضارة وحقيقة هذه الشخصية ومميزاتها وخصائصها.
من خصائص الشخصية الفارسية
من خصائص الفرس الغدر. وما نراه في الواقع من اغتيالات سياسية وتصفيات للخصوم ما هو إلا الصورة الحقيقية لتلك الخصيصة الفارسية، لكنهم عنونوها بـ(الجهاد)، وأسموا أنفسهم بـ(المجاهدين)، حتى لو كان هذا (الجهاد) عمالة لدولة أجنبية إيرانية كانت، أم أمريكية أم غيرها، وتآمراً على الوطن[35]!
ومن خصائصهم الكذب وقد ظهر بعد الإسلام بمسمى شرعي هو (التقية). وجعلوه تسعة أعشار الدين! وقالوا: جعفر الصادق يقول ذلك([36])!
ولا أدري كيف ينسب للصادق تقديس الكذب إلى هذا الحد!
ومن خصائصهم الشعور العميق بعقدة الاضطهاد. وقد ظهر في الواقع نياحة ولطماً وجلداً للذات.
ومن خصائصهم تأليه البشر وعبادة الملوك و(رجال الدين). استبطن بعد الإسلام ليظهر في مصطلحات جديدة كـ(الإمامة) و(الولاية) و(العصمة)، وتأليه (الأئمة) بنسبة علم الغيب إليهم، وقوى أسطورية فوق مستوى البشر.
لقد دخل الإسلام بلاد فارس فما تغير من جمهورهم إلا الاسم، أما المضمون فقد ظل كما هو. إنهم يأخذون الاسم والمصطلح ليعطوا
لكل اسم بعد تطويعه وتحويره ما يناسبه من مضامين فارسية مجوسية.
كل الشعوب التي دخلها الإسلام تغيرت. إلا إيران فقد غيرت الإسلام وما تغيرت.. ثم صارت تغير به عليه!
حضارة تشرعن الفساد
من خصائص الحضارة الفارسية أنها حضارة قامت على الفساد والتحلل الخلقي والإباحية الجنسية. وقد اختلفت في ذلك عن الحضارة الغربية بأن أطرت فسادها بإطار الدين، على عكس أختها الغربية التي ظلت واضحة في فسادها، صريحة جلية في عهرها.
وإذا كانت هناك شعوب اشتهرت بالإباحية والفساد الخلقي فإن الشعب الوحيد -على ما يبدو- الذي غلف فساده بالدين، وأعطاه مشروعية دينية هو الشعب الإيراني. ومنذ أقدم عصور التاريخ.
فالزرادشتية تبيح زواج الابن لأمه والأب لابنته والأخ لأخته([37]).
والمزدكية تقول باشتراك الناس في الأموال والنساء وأصبحت دين الدولة الرسمي في عهد الملك قباذ الاول عام 488م.
يقول ابن النديم: (وصاحبهم القديم مزدك أمرهم بتناول اللذات والانعكاف على بلوغ الشهوات والأكل والشرب والاختلاط وترك الاستبداد بعضهم على بعض ولهم مشاركة في الحرم والأهل لا يمتنع الواحد منهم عن حرمة الآخر ولا يمنعه)([38]).
والخرمية -وهي ديانة متطورة عن المزدكية ، وتعني بالعربية دين الفرح- تمتاز بالإباحية العامة([39]).
تسلل الخصائص الفارسية إلى الفرق الشيعية
لقد تسللت هذه الرذائل متسترة بالدين إلى جميع الفرق الفارسية التي انتسبت زوراً للتشيع:
فالواقفة الذين وقفوا بالإمامة على موسى بن جعفر. وهم أتباع الفارسي محمد بن بشير قالوا بإباحة المحارم والفروج والغلمان وترك الفرائض([40]).
والخطابية أتباع الفارسي أبي الخطاب الأسدي بالولاء الذين يبيحون المحارم من الزنا واللواطة والسرقة وشرب الخمر وشهـادة الزور وترك الفرائض([41]).
والمنصورية أتباع الفارسي أبي منصور العجلي بالولاء. وقد استحلوا المحارم ونكاح الأمهات والبنات([42]).
والنصيرية أتباع الفارسي محمد بن نصير النميري بالولاء الذي قال بألوهية الحسن العسكري، وادعى النبوة، وحلل المحارم ونكاح الرجال. ويروي بعضهم أنه رآه وغلام على ظهره([43]).
ويخطئ من يتصور أن هذه الفرق بادت وانتهت. كلا فإن كل الذي حصل هو أنها صارت تستفيد من التجارب والأخطاء لتكون أكثر باطنية. وتغلف مقاصدها لتظهر باسم التشيع لأهل البيت. وأهل البيت منهم براء.
إن إباحية الجنس والمال في الديانة المزدكية والخرمية وغيرها من الديانات الفارسية القديمة ظهرت بشكل مقبول مؤطر باسم شرعي، ويمكن ربطه ببعض الألفاظ القرآنية.
أما إباحية المال فظهرت باسم (الخمس) و(الحقوق الشرعية) وما شابه.
وأما الإباحية الجنسية فظهرت باسم (المتعة) التي تغني صاحبها وتعوضه عن أشد حالات التحلل والفساد الجنسي. والتي هي تقليد زرادشتي قديم لا يختلف تخريجه الفقهي كثيراً عما موجود في الفقه الشيعي الحالي! بحيث يستطيع كل متأمل أن يستنتج أنهما يخرجان من عمامة واحدة ، وأن هذا ما هو إلا نسل (محسَّن) عن ذاك!.
انظر إلى ما قالته د. شهلا حائري حفيدة المرجع الديني الإيراني آية الله حائري:
(عند الزرادشتيين يحق للزوج أو رب العائلة إعطاء زوجته أو ابنته من خلال إجراءات رسمية رداً على طلب رسمي إلى أي رجل من قومه يطلبها كزوجة مؤقتة لفترة محددة. وفي هذه الحالة تبقى المرأة زوجة دائمة لزوجها الأصلي وفي الوقت نفسه تصبح زوجة مؤقتة لرجل آخر. وأي طفل يولد خلال فترة الزواج المؤقـت يعود إلى الزوج الدائم أو لوالد المرأة وفقاً للحالة)([44]).
وتنقل اندهاش الدبلوماسيين والمسافرين والسياح والمبشرين الغربيين الذين زاروا إيران خلال القرنين الماضيين ، ورعبهم أحياناً من الشهوانية التي يتضمنها زواج المتعة!
وقد وصف أحدهم (كورزون 1892) مدينة مشهد بأنها (المدينة الأكثر انحلالاً على الصعيد الأخلاقي في آسيا) ([45]).
أما المجتمع الفارسي فلا يقل عن أي مجتمع أوربـي! فـرق واحد يميز بينهما هو وجود البرقع أو (البوشية) المتناسبة مع الطبيعة النفاقية ومبدأ (التقية) الذي يعبر عن أحد عناصر الحضارة الفارسية ألا وهو الخداع والكذب.
ينقل الثقات أنه من المظاهر العادية في الحدائق العامة وفي هذا الوقت الذي تعيش فيه إيران تحت ظل جمهوريتهم (الإسلامية)! أن ترى ممارسات الحب بين الشباب أمام الرائح والغادي!. فكيف كانت عليه الحالة أيام الشاه؟! يوم كانت الحمامات العمومية معمورة بالنساء اللواتي يمتهن الدلك للرجال! وقد تكون هذه الممارسة مستمرة إلى اليوم لا أدري! بينما لا نجد ما يشبهها عندنا حتى في أكثر المناطق تحللاً من اللوازم الدينية! اللهم إلا في المدن الدينية الشيعية مثل كربلاء التي تجد في فنادقها التي تستقبل زوار المراقد نساء يقمن على خدمة الرجال!
ولأصحاب هذه الحضارة ولع خاص بالشذوذ ونكاح الذكر أو الغلام. ولعل هذا هو السبب وراء انتشار اسم (غلام) بينهم.
وقد انسحب هذا الولع على علاقتهم الزوجية فتاوى أجمعوا بها على جواز ممارسة الأسلوب نفسه مع الزوجة. على أن بعضهم يغلف فتواه بالكراهة التي هي مجرد كلمة لا أثر لها عند الفعل.
ومن معلوماتنا القريبة الموثقة أن أكثرهم تعاطياً للواطة هم طلاب الحوزات الدينية!
وانتقل - بصورة أو بأخرى - تقليد نكاح المحارم الذي كان يمارس في إيران قبل الإسلام إلى جميع الفرق والمجتمعات التي صارت تدين بهذا الدين الدخيل الغريب على حضارتنا الإسلامية وجذورها العربية.
وصار من العادي جداً أن تقرأ هذه الفتوى: إذا تزوج امرأة ثم لاط بأبيها أو أخيها أو ابنها لم تحرم عليه([46]). لأن هذه الفتوى ومثيلاتها نابعة من المجتمع الذي تخاطبه.
هذا هو مستوى المجتمع الذي ناضلوا من أجل إيجاده طبقاً لثقافتهم، ويناضلون من أجل تصدير نموذجه إلى العالم!
وإن عملية جنسية شاذة مقرفة لا يفعلها إلا شياطين، ينفذها ثلاثة مع بعضهم في وقت واحد - ذكر وأنثى وخنثى - لا تثير لدى الفقيه انتباهاً إلى شيء سوى التفكير في مسألة الغسل وعلى من يجب؟!
يقول الفقيه (قده): لو أدخلت الخنثى في الرجل أو الأنثى مع عدم الإنزال لا يجب الغسل على الواطئ ولا على الموطوء!.
وإذا أدخل الرجل بالخنثى وتلك الخنثى بالأنثى وجب الغسل على الخنثى دون الرجل والأنثى !([47]).
هذا في كتاب اسمه (منهاج الصالحين)!
ولا شك أن هذا هو منهاج (الصالحين) في تلك الحضارة التي انحدر منها هؤلاء الأدعياء تسلل إلينا باسم الدين. وهذا أشد وأخطر ما في هذه الحضارة! لسهولة انخداع عوام الناس بها.
والذي يشهد اليوم هجرة الإيرانيين إلى كربلاء والنجف مستغلين ظروف الفراغ الأمني بعد الاحتلال، ويرى كيف تضاعف الفساد الجنسي حتى ضج منه الأهالي الأصليون وهم شيعة.. ومن سكان المدن! وكيف انتشرت المخدرات وغيرها من الموبقات في هاتين المدينتين وغيرهما من المدن العراقية بسببهم -يدرك حقيقة ما أعني بوضوح. علماً أن العراق بلد نظيف تماماً من المخدرات، ولم يعرفها إلا أخيراً بفضل دولة إيران (الإسلامية) يوم تمكنت من (تصدير) ثورتها إلينا بعد ربع قرن من المحاولات احتلالاً وفساداً وقتلاً واغتيالاً ومخدرات!.
ليسوا سواءً
ولا يفوتني هنا أن أذكر أن هذا التقرير أو هذه الأحكام لا تنسحب على الفرس أو الإيرانيين الذين صح تدينهم وحسن إسلامهم وصدق إيمانهم فقاوموا موروثات حضارتهم وثقافتهم الأصلية، وأبوا عليها أن تعكس آثارها على أخلاقهم وسلوكهم.
ولا على أولئك الذين أيقظ فطرتهم الإنسانية وأعادها إلى أصلها احتكاكهم المستمر وطول معايشتهم للعرب الفاتحين الذين استوطنوا إيران أو حكموها، وبسطوا على هضبتها ميراثهم الديني والخلقي، ونشروا عليها من فيوضات خير حضارتهم وثقافتهم وأعرافهم وتقاليدهم طيلة ثمانية قرون ونيِّف قبل الارتداد الصفوي الذي عمل جاداً على أن ينتكس مرة أخرى بالمجتمع الإيراني إلى ما كان عليه من قبل.
إن أصحاب التدين الصحيح (أهل السنة والجماعة) يأبى عليهم دينهم إلا أن يرتفعوا عن جواذب تراثهم بأي صورة من الصور ودرجة من الدرجات. وكلما صح الدين وصدق الإيمان كان الإنسان أكثر بعداً وأقل تلوثاً بقاذورات جاهليته.
وأصحاب التدين العام الذين تفاعلوا بإيجابية مع بعض جوانب الحضارة الإسلامية، ولا زالت آثار الفتح الإسلامي تلقي بظلالها الباهتة عليهم، وكانوا بعيدين عن المراكز الدينية فلم تتمكن بؤرها من أن تصل بتأثيرها كلياً إليهم – استطاعوا أن يتفلتوا أو يتطهروا من بعض تلك القاذورات.
تمحور (المتعة) في الأوساط الدينية
وهذا قد يعطي تفسيراً لتمحور ممارسة (المتعة) في الأوساط الدينية في (الحوزات) والمراقد وما شابه حيث يتواجد رجال كهنوت التشيع الفارسي. وقلتها كلما ابتعدت عن هذه الأجواء الموبوءة.
وهكذا الحال بالنسبة لشيعة العراق.
فإنهم كلما ابتعدوا عن أجواء المراكز الدينية، وأجواء المدينة لاسيما المدن الدينية (النجف وكربلاء والكاظمية)، واقتربوا من الريف وأجوائه العشائرية بتقاليدها وأعرافها العربية الأصيلة قلَّت (المتعة) حتى تختفي تماماً.
والعكس صحيح!. فإن أكثر الأوساط تعاطياً لـ(المتعة) هي البؤر الدينية: (الحوزات) والمراقد! التي يكثر فيها (رجال دين) التشيع الفارسي العجم والمستعجمين الذين تتمثل فيهم عناصر الحضارة الفارسية أصدق تمثيل.
الملاذ الآمن
ولعل سائلاً يسأل: ما علاقة الدين أو التشيع الفارسي ورجاله بموضوع الصراع الحضاري بين العرب والفرس والإسلام والمجوسية الذي جعلته هو السبب الدافع الكامن وراء انتشار (المتعة) وانحسارها؟
وجواباً أقول:
إن الدين يمثل الملاذ الآمن لعناصر حضارة وثقافة أي شعب من
الشعوب، إليه تأرز هذه العناصر، وبه تحتمي من الضغوط وموجات الاجتياح الغريبة أو الوافدة من الخارج ممثلة بعناصر حضارة غازية جديدة. تماماً كما أنه يمثل الملاذ الآمن للشعوب نفسها حين تتعرض للخطر أو الغزو. ولهذا تجد الرؤساء والحكام -حتى العلمانيين منهم والبعيدين عن الدين- يلجأون عند الأزمات الكبرى إلى الدين يحتمون به رافعين شعاراته ولابسين ثوبه ليحشدوا الجماهير ويدفعوهم إلى الجهة المقصودة. حتى جورج بوش الصغير لم يستطع إخفاء توجهاته الدينية الصليبية وهو يحث الشعب الأمريكي وغيره من الشعوب المسيحية ويتهيأ لغزو العراق ملوحاً بالإرهاب الإسلامي مخوفاً به تلك الشعوب فلم يجد أفضل وسيلة من الدين يجمعهم به تحت خيمته (الآمنة) حذراً مما يخافون ويرهبون.
فإذا أردت أن تعرف جذور أي حضارة من الحضارات لأي شعب من الشعوب وعناصرها المكونة الأساسية فتعرَّف أولاً على دينه، وتقرب من رجال ذلك الدين، واطَّلع على مصادره وكتبه، وتأمل عوائده وطقوسه.
وعندما تجتاح حضارةٌ حضارةً أخرى، وتبسط عليها سلطانها، وتنشر في محيطها آثارها، ويبدأ عموم الناس –نتيجة للشعور بالنقص والهزيمة تجاه الحضارة الغازية- بالتأثر والتقليد والمحاكاة تجد عناصر الحضارة المغزية تتجمع وتنحاز إلى قلعة الدين تلوذ بها، وتتلمس الأمان في ظلها.
ومهما ابتعد المجتمع عن عناصر حضارته القديمة، وصار يغيِّر
من أخلاقه وثقافته وسلوكه باتجاه الحضارة الوافدة الجديدة فإنك تجد التعصب للقديم والتشبث بالجذور هو العرف الطاغي، والمسلك السائد في الأوساط الدينية.
وهذا هو الذي حصل للحضارة الإيرانية القديمة تجاه الحضارة العربية أو الإسلامية القادمة. سوى أن موج هذه الحضارة كان قوياً عميقاً طاغياً فلم يجد المتشبثون بتراثهم لمقاومته خيراً من مجاراته والتظاهر بتبعيته ظاهراً توصلاً إلى تطويعه بما يتناسب وذلك التراث حقيقة وباطناً. فكان الجوهر إيرانياً بحتاً وإن كان المظهر مزوقاً ببعض الأسماء واللافتات والعناوين.
التشيع الفارسي هو الممثل الأمين للحضارة الفارسية
وهكذا وجد (الرفض) أو (التشيع الفارسي) ليكون (الملاذ الآمن) لعناصر الحضارة الفارسية وثقافة المجتمع الإيراني، فيه تجمعت هذه العناصر، وحافظت على نفسها من التلاشي والذوبان في محيط الحضارة العربية الإسلامية.
وهذا يعني أنه كلما تقربت من الوسط الديني الشيعي كالحوزات والمراقد وجدت الممارسات التي تعبر عن حضارة الفرس واضحة جلية لا تحتاج للتعرف عليها سوى أن تزيح عنها ذلك الغطاء (الإسلامي) الرقيق الذي يغلفها. ويعني كذلك أنك كلما ابتعدت عن هذا الوسط قل وجودها حتى يمكن أن يختفي تماماً.
هكذا وجد (نكاح المتعة) وفشا في كثير من أوساط الشيعة، وهكذا
حافظ على وجوده طيلة هذه الدهور معبراً عن حضارة الفرس وقيمهم وثقافتهم. بينما لا وجود له في أوساط السنة الذين يعبر دينهم عن حضارة العرب وقيمهم وثقافتهم التي هي في حقيقتها حضارة الإسلام نفسه.
إن التشيع الفارسي ما هو إلا مظهر من مظاهر التعبير عن الحضارة الفارسية والديانة المجوسية، كما أن التسنن ما هو إلا مظهر من مظاهر التعبير عن الحضارة العربية والديانة الإسلامية. انظر إلى الزي الديني لعلماء ورموز هذا الدين وهذا الدين ينبئك الكثير عن أصول هذا وأصول هذا. ثم فتش عن الميل والاطمئنان والحب، والنفرة والتوجس والكره: من يحب إيران ويحس بالقوة والوجود والاطمئنان في كنفها؟ ومن يحب العرب ويحس بالقوة والوجود والاطمئنان في كنفهم؟ من تبنى بعد الاحتلال صيحات (العراق للعراقيين) و(دعونا منكم أيها العرب!)؟
إن (المتعة) و(الخمس) و(العصمة) و(الإمامة) و(التقية)، والوصي والوصية، و(المرقد) و(الحسينية)، والكالوش والصاية والعمامة الفارسية، والتربة و(الستارة) و(أم سبع عيون) ونوروز و(مشعل يا دايم) والهريس والزردة، والكشف والفال والخيرة، و(المهدي) والسرداب، وضلع الزهرة ومحسن وفدك، و(المحيا) والغدير وعاشوراء و(التشابيه) والأربعينية، ومقتل عمر وعثمان وعلي والحسين وسقوط الدولة الأموية وقيام الدولة البويهية وسقوط بغداد ومجيء الدولة الصفوية، والانتفاضة الشعبانية ما هي وأمثالها إلا معالم مموهة للحضارة الفارسية وانعكاساتها على واقع الحياة من حولها.
والشيعي حين يدعو إليها ويمارسها إنما يدعو –علم من علم وجهل من جهل- إلى إشاعة عناصر تلك الحضارة، وتوطيد دعائمها، ونشر ثقافتها وعاداتها وتقاليدها بيننا.
ونحن إذ نقاوم هذه الدعوات، ونسعى لإزالة هذه المعالم إنما نقاوم هذه الحضارة الغازية، وندافع عن حضارتنا وثقافتنا وأخلاقنا. متخذين من قولة الفاروق t : (لست بالخب ولا الخب يخدعني) شعاراً ومنهاجا.
وندعو - في الوقت نفسه - أهل الدين الصحيح والحضارة الأصيلـة أن يدافعوا عن دينهم وحضارتهم وأمتهم وأوطانهم بكل ما أوتوا من علم وأعدوا من قوة أمام هذه الهجمة الفارسية الجديدة القديمة.
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله أصحابه والتابعين لهم أجمعين.
المصـــــادر
أولاً : القرآن الكريم
ثانياً : مصادر أخرى :
1. الكتب التسعة في الحديث
2. مسائل وردود، محمد محمد صادق الصدر، الجزء الرابع، الطبعة الأولى، 1419هـ - 1998م
3. الأصل في الأشياء..؟ ولكن المتعة حرام، السائح علي حسين
4. الأصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، مكتبة الصدوق، طهران، 1381هـ
5. فروع الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، طهران، 1377هـ
6. تحرير الوسيلة، الخميني
7. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان، 1404هـ. ق
8. تهذيب الأحكام، محمد بن الحسن الطوسي، مطبعة النعمان، النجف، ط2، محرم، 1377هجـ
9. الاستبصار، محمد بن الحسن الطوسي،
10. حكم نكاح المتعة في الفقه الإسلامي، مصطفى علوان السامرائي، رسالة ماجستير
11. زهر الربيع، نعمة الله الجزائري
12. زواج المتعة في كتب أهل السنة، علاء الدين أمير محمد القزويني
13. المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي، توفيق الفكيكي
14. دماء على نهر الكرخا، حسن السوداني
15. التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي، محمد البنداري
16. المتعة، شهلا حائري
17. المسائل المنتخبة، أبو القاسم الخوئي
18. منهاج الصالحين، أبو القاسم الخوئي
المحتوى
الموضوع | الصفحة |
المقدمة | |
الفصل الأول النكاح في القرآن الكريم | |
القرآن يصرح بنوعين فقط من أنواع النكاح | |
الفصـل الثاني نقض حجة القائلين بالمتعة | |
اتباع المتشابه |
|
الأجـور هي المهـور |
|
الاستمتاع في لغة القرآن |
|
القرائن المرجحة |
|
لا إحصان في نكاح (المتعة) |
|
لا أحكام لنكاح المتعة في القرآن |
|
الفصل الثالث |
|
الأصل في الفروج الحرمة |
|
|
|
الصيد في القرآن |
|
أحاديث المتعة |
|
الفصل الخامس | |
صور من الواقع البائس |
|
أئمة أهل البيت يقولون: المتعة زنا | |
الفصل السادس |
|
القطع بكذب روايات المتعة المنسوبة إلى أهل البيت | |
الفصل السابع |
|
النهي عن متعة النساء تحريماً ومتعة الحج تخييراً | |
الفصل الثامن |
|
أحوال المهر |
|
الفصل التاسع |
|
لفظ (المتعة) يطلق على ثلاثة معان |
|
استغلال التشابه اللفظي بين متعة الحج ومتعة النساء |
|
كذب صريح |
|
الفصل العاشر |
|
صراع حضاري |
|
صراع قديم جديد |
|
أسلوبان للصراع |
|
من خصائص الشخصية الفارسية |
|
حضارة تشرعن الفساد |
|
تسلل الخصائص الفارسية إلى الفرق الشيعية |
|
ليسوا سواءً |
|
تمحور (المتعة) في الأوساط الدينية |
|
الملاذ الآمن |
|
التشيع الفارسي هو الممثل الأمين للحضارة الفارسية |
|
المصادر |
|
محتويات الكتاب |
|
[1] متفق عليه.
([2]) سئل محمد محمد الصدر عن نكاح المتعة فأجاب:
مسألة (173): هذا من ضروريات المذهب. ومن ينكره فإنما كأنه خرج من التشيع إلى التسنن أو أي ملة أخرى ودان بغير ما أنزل الله بعد كونه منصوصاً في كتابه الكريم. (مسائل وردود / الجزء الرابع ص 41). فساوى في الحكم بين (المتعة) و(الإمامة)!
([3]) من الملاحظ أن للشيعة في المسائل العملية - سواء كانت أصولية أم فروعية - منهجاً غريباً ومعاكساً تماماً لمنهج الله جل وعلا إذ يستطيع كل متتبع للفقه الإمامي أن يجد بالاستقراء الحقيقة الخطيرة الآتية:
إذا كانت المسألة متعلقة بالعبادات، واللفظ الخاص بها متشابها يحتمل وجهين: وجهاً يأمر بالفعل ويدعو للتوسع والزيادة فيه، ووجهاً يمكن حمله-ولو بشبهة بعيدة جداً- على الحذف أو التضييق فُسِّرَ اللفظ وحمل على الوجه الثاني كما فعلوا مع الصلاة وأوقاتها والوضوء وغيره.
أما إذا كانت المسألة متعلقة بالمتاع المالي أو الجسدي فيتبع في تفسيره الوجه الأول وهو التوسع والزيادة -كما فعلوا مع (نكاح المتعة)- مهما كان النص بعيداً عن المقصود إذ يكفي هنا مجرد الشبهة.
إن هذه الحقيقة المطردة هي القاعدة أو المنهج الذي يتبعه الإمامية في تفسير النصوص المتشابهة في المسائل الفقهية أو العملية. وذلك مخالف كلياً للمنهج الإلهي الثابت قطعاً في كتاب الله فضلاً عن سنة نبيه r وسيرته العطرة. [للاستزادة راجع: كتاب (سياحة في عالم التشيع) للمؤلف].
([4]) الأصل في الأشياء ..؟ ولكن المتعة حرام –السائح علي حسين ص90.
([5]) المصدر السابق ص89-90.
([6]) قال بعض العلماء: إن الرخصة لم تكن إلا مرة واحدة في (خيبر) فقط. ثم حرمت هي ولحوم الحمر الأهلية، كما صح بذلك الحديث عن علي t. أما الرواية التي ذكرت (حنين) فلا تصح دليلاً على تكرار الفعل. لأن الأمر لا يعدو تصحيفاً وقع فيه بعض الرواة، فقلبوا لفظ (خيبر) إلى (حنين)، لعدم وجود التنقيط سابقاً. فإن صورة كلمة (حنين) بلا نقاط، تشبه صورة كلمة (خيبر) تماماً! سيما وأن حرف النون (ن) من دون نقطة قريب الشبه جداً بحرف الراء (ر)!! أما ذكر الرواية بلفظ (أوطاس)، فهو عبارة عن ذكر ما صُحِّف بالمعنى. كذلك الذي روى الحديث: (صلى رسول الله r إلى عنَزَة) هكذا: (صلى رسول الله r إلى شاة) صحَّف كلمة (عنَزة) بالفتح إلى (عنْزة) بالسكون أولاً. ثم رواها بالمعنى ثانياً. وقد يكون الأمر بالعكس فتكون (خيبر) مصحفة عن (حنين) والله تعالى أعلم. قال ابن حجر في [فتح الباري 11/ 438]: روى عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث: (ان النبي r نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر) فإنه قال: "حنين" بمهملة أوله ونونين. أخرجه النسائي والدارقطني، ونبها على أنه وهم تفرد به عبد الوهاب. وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد فقال: خيبر على الصواب.
[7] انظر مثلاً فروع الكافي – الكليني 5/ 540.
[8] أيضاً 5/ 462.
[9] تحرير الوسيلة – الخميني 2/ 241.
[10] مسائل وردود – محمد صادق الصدر ص55.
[11] أيضاً.
[12] أيضاً.
[13] أيضاً.
[14] أيضاً.
[15] روضة الكافي ، 8/ 292.
[16] الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير في فقه الزيدية 4/ 217،218. وهو الفقه الوحيد المتكامل الموثق عن إمام من أئمة أهل البيت. والزيدية طائفة من الشيعة يشكلون اليوم نسبة كبيرة من أهل اليمن. يعتقدون بإمامة زيد بن علي بن الحسين دون أخيه محمد بن علي، على أساس أن الأولى بالإمامة من دعا إلى نفسه وخرج بالسيف. وهم يجلون الصحابة ويترضون عنهم.
[17] بحار الأنوار – المجلسي 100/ 318.
([18]) وهي في مسند الإمام زيد ص271 ط مكتبة الفكر بصنعاء، ودار الكتب العلمية / بيروت كما جاء في كتاب: الأصل في الأشياء ..؟ولكن المتعة حرام للسائح علي حسين ص110.
([19]) تهذيب الأحكام 7/ 251، والاستبصار3/ 142.
([20]) الروض النضير4/ 213 ، نقلاً عن (حكم نكاح المتعة في الفقه الإسلامي) ص254 ، مصطفى علوان السامرائي.
([21]) ومن هؤلاء الشيخ مصطفى علوان السامرائي في رسالته للماجستير الموسومة بـ(حكم نكاح المتعة في الفقه الإسلامي) ص239-252. فقد قام بتحقيق ثلاث وعشرين رواية، فوجدها جميعاً ضعيفة السند تدور على رواة مجروحين في كتب رجال الإمامية أنفسهم.
[22] زهر الربيع –نعمة الله الجزائري ص14.
([23]) الروض النضير4/ 213 -حكم نكاح المتعة في الفقه الإسلامي ص254/ مصطفى علوان السامرائي.
([24]) رواه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 144. وقد ضعف النسائي – كما جاء في تذكرة الحفاظ 1/ 365 - اللفظ الآخر وقال عنه: (هذا حديث معضل). وهو عن جابر بن عبد الله أيضاً مما يدل على اضطراب الرواية وضعفها وأنها مما غلط فيه الرواة، وكذب فيه آخرون.
[25] ص18-19 من الكتاب المذكور.
[26] ص36.
[27] ص37.
[28] ص41.
[29] ص42.
[30] ص42.
[31] ص42-43.
[32] وقد مر بنا ذكره سابقاً بالتفصيل عند الكلام على تحريم عمر t للمتعة.
[33] المجامر جمع مجمر وهو إناء يوضع فيه البخور والجمر. والعبارة كناية عن حلية وضع الطيب ومعاشرة الزوجات.
[34] دماء على نهر الكرخا ص11،31 – حسن السوداني. بتصرف.
[35] ولذلك هم لا يخجلون من تسمية ابن علقمي العصر - العميل الإيراني الأمريكي المزدوج محمد باقر الحكيم - بالمجاهد! بل أطلقوا عليه لقب (إمام المجاهدين) ثم استقر رأيهم أخيراً على لقب (شهيد المحراب)!! هذا المجرم الذي قضى عمره يتآمر على البلد الذي ينتسب إليه كذباً. وكان يعذب الأسرى العراقيين شيعة وسنة في إيران بنفسه! وختم حياته العفنة باستقدام الغزاة الأمريكان إلى العراق مسمياً ذلك (تحريراً) كما سمى أسلافه من قبل هولاكو (محرراً) و(فاتحاً).
أما لقب (الحكيم) فلعل الكثيرين لا يعرفون أنه نسبة إلى جده الأعلى المجرم (مير علي) حكيم أي طبيب الشاه إسماعيل الصفوي الذي رافقه في حملته على العراق، ثم استأذنه في أن يستوطن النجف. وقد كانت بأيديهم عند احتلالهم بغداد دفاتر فيها أسماء آلاف من أهل السنة في بغداد أعدوها للقتل. وقد قتلوا أكثرهم. تماماً كما فعل خلفه محمد باقر هذا ومنظمته (بدر) يوم أن جاءوا من إيران مع الغزاة الأمريكان وبأيديهم قوائم معدة سلفاً بأسماء الكثيرين من أهل السنة المطلوبين للقتل. وقد قتلوا بعضاً منهم، وغصوا بالآخرين.
([36]) أصول الكافي للكليني 2/ 217.
([37]) دماء على نهر الكرخا ص 73 - حسن السوداني.
([38]) الفهرست، ص 493. عن دماء على نهر الكرخا ص 73.
([39]) م.ن. ص74.
([40]) التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي، ص35 - محمد البنداري.
([41]) م. ن . ص31.
([42]) م. ن.
([43]) م. ن، ص34.
([44]) المتعة، ص 40 ـ د. شهلا حائري. والكتاب رسالة دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة كالفورنيا في لوس أنجيلوس.
([45]) م. ن، ص 39.
([46]) المسائل المنتخبة -الخوئي، ص300 - مسألة (992).
([47]) منهاج الصالحين -الخوئي، 1/ 47.