لوموند ديبلوماتيك: عودة الشيعة إلى المشهد اليمني ..
لوموند ديبلوماتيك لمحة تاريخية: اليمن من الوحدة إلى انتصار الحوثيين - مايو 1990: الوحدة بين جمهورية اليمن العربية (اليمن الشمالي)، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي)، بإدارة علي عبد الله صالح، رئيس اليمن الشمالي منذ 1978. - 1994: إحباط الجيش لمحاولة انفصال الجنوب. - 2002: بداية الحملة الأمريكية لاغتيال أعضاء القاعدة في اليمن. وبداية من 2012، حضور القوّات الخاصة الأمريكية على الأرض. - يناير 2009: انصهار فرعي القاعدة السعودي واليمني، تحت اسم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”. - يناير 2011: بداية الاحتجاجات ضدّ الرئيس صالح، ومواجهات، بعضها مسلّحة، استمرّت لأكثر من عام. - مارس 2011: سيطرة الحوثيين على صعدة. - أكتوبر 2011: حصول المناضلة توكل كرمان، على نوبل للسلام. - 27 فبراير 2012: صالح، بعد منحه الحصانة، يسلّم السلطة إلى الرئيس الجديد، عبد ربّه منصور هادي. - أبريل 2012: مواجهات عنيفة بين الجيش والقاعدة، في شبه الجزيرة العربية، في محافظة أبين. - مارس 2013: بداية مؤتمر للحوار الوطني، انتهى في يناير 2014، ونصّ على ضرورة كتابة دستور جديد للبلاد. - 21 سبتمبر 2014: الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء، وتشكيل حكومة جديدة يوم 13 أكتوبر، بإدارة خالد البحاح، وهادي يبقى الرئيس. في سنة 2007، بينما بدأت جولة رابعة من الحرب الدامية في صعدة، حيث يتواجه الرئيس علي عبد صالح مع عدد من الأقلية الزيدية الشيعية، ما كان لأحد أن يتوقّع أن زعيم المتمرّدين، عبد الملك الحوثي، سيصبح يومًا الرجل الأقوى في الحقل السياسي اليمني. لم يكن آنذاك سوى الزعيم الجديد للحوثيين، حركة مسلّحة تحمل اسمه وتنشط في المنطقة الشمالية لصعدة. ولد الحوثي سنة 1982، وخلف أخاه الأكبر الّذي قتل سنة 2004، في إطار المواجهات، ووالده الذي لم تسمح له صحته بزعامة الحركة. ودفاع الحوثيين عن هويّتهم الزيدية، بدت هامشية في بلد لم يعد قائمًا على المواجهة بين الزيدية الشيعية (نحو ثلث السكان)، والمذهب الشافعي السنيّ، الّذي يمثّل الأغلبية. إذ في إطار مصالحة تاريخية بين الطوائف الدينية، قامت الأغلبية النخبوية (من بينهم الرئيس صالح نفسه)، وشريحة واسعة من الشعب، منهم الزيديون، تركت هذه الطوائف من أجل هوية إسلامية جامعة. وانخرط الحوثيون منذ 2004، وبصورة أصبحت أكثر وضوحًا تدريجيًا في عالم رمزي شيعي. إذ أنهم قريبون من إيران وحزب الله، ويدعمون نظام بشار الأسد في سوريا، ويهتفون بشعارات مناهضة لأمريكا وإسرائيل، شبيهة بالهتافات الّتي رفعت في شوارع طهران سنة 1979، ويحييون أعيادًا شيعية، مثل عاشوراء. وإثر الانتفاضة السلمية سنة 2011، خلّف رحيل علي عبد الله صالح مساحة حرّة للفصيل المعارض الأهمّ: حزب الإصلاح، وهو تحالف بين الإخوان المسلمين وبعض الوجوه القبلية المحافظة، والّذي ساهم، من خلال الدعم اللوجستي والبشري، في التعبئة للحركة الثورية سنة 2011. إعادة تشكيل المعسكر القبلي ضمّت حكومة الوحدة الوطنية، الّتي شكّلت في نوفمبر 2011 في إطار الانتقال السياسي، الّذي لاحق استقالة صالح، عدّة أعضاء من الإصلاح. ومنحت أجهزة الأمن تدريجيًا إلى عدد متزايد من المقربين من هذا الحزب. كما بدت قياداته، كأهم حليف للرئيس المكلّف، عبد ربّه منصور هادي، ليلعبوا دورًا في المرحلة الانتقالية، مستندين إلى الشرعية الثورية. ومن هنا، أصبحت مسيرة الإصلاح نحو الحكم، أكثر من مجرّد احتمال. ولكن، الخسارات المتتالية للإخوان المسلمين في المنطقة، غيّرت المعادلة، كما اعتبرت سيطرة الحوثيين، خصوم الإصلاح، على صنعاء، في إطار هذه الخسارات. ولاستيعابهم لدرس عزل محمد مرسي من قبل المؤسسة العسكرية يوم 3 يوليو 2013، بعد عام فقط من انتخاب الإخواني لرئاسة مصر، سعى المسؤولون داخل الإصلاح على ألا يظهرون في الصفّ الأول، وألا يعطون الانطباع بأنّهم يصادرون العملية الثورية. ولكن، حلفاءهم القبليين والعسكريين، الّذين لعبوا دورًا تاريخيّا مهمًّا في تثبيتهم داخل المجتمع، ساهموا في إسقاطهم. ويجب على الإخوان المسلمين اليمنيين من هنا فصاعدًا، إعادة النظر في طموحاتهم، وطريقة تنظيمهم. وللهجوم الحوثي على صنعاء هدف رئيس: علي محسن، وهو أحد أقارب الرئيس صالح، وكان على رأس أوّل فرقة مدرّعة قادت الحرب في صعدة ضدّ الحوثيين، وساهم انشقاقه في مارس 2011 في سقوط الديكتاتور. ويؤكد فراره إلى العربية السعودية، عن رغبته من الانتقام من الحوثيين. ويشير العديد أيضًا إلى أن الرئيس السابق صالح، قد يدعم بطريقة خفيّة المتمرّدين الحوثيين، بأن يطلب من العسكريين الّذين يوالونه بأن يرفضوا القتال، كما أنّه نشر يوم السيطرة الحوثية على صنعاء صورة له، وهو ضاحك، على صفحته على الفايسبوك. والأبناء العشرة لعبد الله الأحمر، مؤسس حزب الإصلاح ووجه قبلي توفّي سنة 2007، كان لهم نصيب من ضغوطات الحوثيين في العاصمة. إذ خلال حربهم ضدّ التمرّد الحوثي، خسر آل الأحمر تدريجيًا دعم القبائل في شمال العاصمة، مما يشهد إلى إعادة تشكيل عميقة للحقل القبلي. كما أغلق الأسياد الجدد لصنعاء سريعًا الجامعة الدينية “الإيمان”، الّتي يرأسها عبد المجيد الزنداني، شخصية مثيرة للجدل من الإصلاح ومرافق سابق لأسامة بن لادن. السيدة توكّل كرمان، المناضلة اللبرالية من المعسكر الإسلامي، والحائزة على نوبل للسلام سنة 2011، وكذلك محمد قحطان، الكادر الإصلاحي، الّذي قاد التقارب مع الاشتراكيين وعدّة أحزاب زيدية من بداية السنوات الـ 2000، رأيا بيوتًا مخرّبة، ممّا أعطى الهجوم الحوثي نفحة لمعاقبة الإخوان المسلمين، وهو ما يهدّد بتعزيز التوترات الطائفية بين أنصار الحركة الزيدية الشيعية الجديدة والمسلمين السنة. الحوثي والمتحدّث باسمه، ركّزا على بعد أكبر من ذلك في الهجوم: المحافظة على ثورة 2011. وقد خدم الإعلان في يوليو 2014، عن رفع الدعم الحكومي على المواد النفطية، بداية مسيرة الحوثيين إلى صنعاء. إذ عارض الحوثي وأنصاره، تضاعف أسعار المحروقات، وانخفاض القدرة الشرائية، مطالبين بإقالة الحكومة الفاسدة، كما وصفوها. وطالبوا كذلك، بتطبيق توصيات مؤتمر الحوار الوطني (الّذين لم يدعموهما خلال تبنيّها في يناير 2014)، فيما يخص مكافحة الفساد، ومشاركة المواطنين في الحياة السياسية، وتقاسم السلطة. وقد منحت هذه المطالب الحوثي، قاعدة اجتماعية وسياسية تتخطّى صفوف الزيديين. وهذا ما يفسر جزئيًا ضعف مقاومة تقدمّهم في صنعاء، حيث باعتبار الهجرة الداخلية، يقيم جزء مهمّ من غير الزيديين. ويشهد دعم أنصار الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، لهم، وكذلك سلبية داعمي الرئيس هادي و”المجتمع الدولي”، على استراتيجية معادية للإخوان المسلمين، مع الرغبة في تفادي الشرخ الاجتماعي وتصاعد العنف. وفي هذا الصدد، كان تدخّل منظمة الأمم المتّحدة من خلال مبعوثها الخاصّ، المغربي جمال بن عمر، حاسمًا في التوقيع على اتّفاق بين الحوثيين والسلطة الحاكمة يوم 21 سبتمبر. وبعد فشل المرشّح الأوّل، تمّ بعد عناء تعيين حكومة تكنوقراط، برئاسة خالد البحاح، مع تمثيل للحوثيين، وكانت بمثابة التسوية؛ وبالتالي، فإن الحوثيين، على الرغم من أنّ ميليشياتهم المسلحة لا تزال تحتلّ المباني العمومية، لا يمثّلون مجرد حركة تمرّد نابعة من محيط جغرافي واجتماعي ما؛ بل صارت عمودًا مركزيًّا في السلطة. ولتجاوز البعد الطائفي حقيقة، يجب على الحوثيين أن يقدّموا دلائل على ذلك، إذ أن التوترات مع القوى السنية، على وجه الخصوص، لا تزال قائمة. فبعد أيام من سيطرتهم على صنعاء، هدّد مقاتلو القاعدة في شبه الجزيرة العربية التمرّد الحوثي، ثمّ نفذوا خططها، إذ قام جهادي بتفجير نفسه وسط صنعاء يوم 9 أكتوبر، متسبّبًا في مقتل 53 شخصًا. في الآن نفسه، نظّم يحيى الحجوري، المدير السابق لمعهد دماج السلفي، ندوات في عدن وتعز، مناطق سنية بالكامل، داعيًا إلى التعبئة ضدّ من وصفهم، في احتقار، بالروافض (الشيعة). تحليل الدوافع السياسية والاجتماعية والاستراتيجية، لدعم سكّان صنعاء للحوثيين، يسمح بكل تأكيد في إحداث فارق على القراءة الطائفية للرهانات. وهذا التحليل، سيكون مفيدًا، ولكن شريطة أن يبطل تمامًا منطق الصراعات الطائفية، والّتي تأكدت من خلال الموروث المباشر لنظام صالح، الّذي منذ انطلاق الحرب في صعدة سنة 2004 لم يتوقّف عن إرجاء الحوثيين إلى أصولهم الزيدية وارتباطاتهم، الوهمية بداية، مع إيران، مع توظيف الإسلاميين السنة في هذا الصراع. باعتبارها قوّة إقليمية، ساهم تدخّلها في تحديد تاريخ اليمن، تلعب العربية السعودية دورًا أكثر تعقيدًا ممّا يظهر للعيان. إذا أن شبكة القراءة السائدة في العالم العربي، ترى في انتظار الدبلوماسية الخارجية السعودية مقابل الهجوم الحوثي، نتيجة لمعاداتها للإخوان المسلمين وتقارب استراتيجي محتمل مع إيران؛ إلا أن هذا التفسير غير كاف: تجريم الإخوان المسلمين، التنظيم الّذي تعتبره السلطات السعودية إرهابيًّا، يعود إلى سياسة الرياض الداخلية في خصومتها مع قطر، ودعمها لنظام المشير عبد الفتاح السيسي في مصر؛ إلا أنّ الدبلوماسيين السعوديين أكّدوا مرارًا أن حركة الإخوان المسلمين في اليمن غير معنية بهذه السياسة. ارتباك في الرياض سكوت الرياض عمّا يحدث في اليمن، لن يكون مجرّد تلاعب سعودي في إطار تحالف غير طبيعي مع الحوثيين ضدّ الإخوان المسلمين، ولكن سيكشف عن ضعف هيكلي. إذ أن دبلوماسية المملكة في اليمن، تتميّز بضعف في خلق الفعل وتشكيل سياسة ووضع أهداف. ولا يخصّ هذا الضعف السعودية وحدها؛ إذ أنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الّذين دعموا، مثل دول الخليج، الانتقال السياسي والرئيس هادي تفاجئوا أيضًا من حجم الأزمات في اليمن. ويعاني كلّ طرف في تحديد سياسة واضحة بين الاستخدام الكثيف للطائرات بدون طيار ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ودعم الدولة المركزية، والحدّ من الهجرة. كما أن الأزمة الّتي يمرّ بها حلفاء العربية السعودية التقليديون، خاصّة آل الأحمر، وكذلك تزايد قوّة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والحركة الانفصالية في الجنوب، قلّلوا من تأثير الرياض وعدم قدرتها على تحليل الوضع. وعلى صعيد آخر فإن تضاعف عدد اللاعبين في الدبلوماسية السعودية، وزراء وأمراء ورجال دين ومنظّمات شبه حكومية، متنافسين فيما بينهم يؤثّر على سياساتها. وهذا ما جعل التقارب مع إيران بعيد المنال؛ إذ أن هؤلاء اللاعبين قد ساهموا، خلال سنوات طويلة، في بناء “الخطر الشيعي”، وتشويهه على المستويين، الديني والاستراتيجي. |