أطماع الرافضة في العراق ..
للعراق أهمية كبرى عند الرافضة بشكل عام وعند رافضة ايران بشكل أخص للأسباب التالية:
1_ تاريخ العراق متداخل مع تاريخ الفرس لأن الأكاسرة كانوا يعتقدون بأن العراق امتداد طبيعي لبلادهم ويرون أن العرب ضعاف أذلة لم يخلقهم الله إلا لخدمة الفرس.
ولهذا استخدم الأكاسرة عرب المناذرة كجند يحاربون بهم الغساسنة العرب في الشرق، والقبائل العربية في جنوب العراق، ومن ثم كانت موارد العراق الاقتصادية تصب في خزائن كسرى في المدائن.
2 - يعتقد شيعة اليوم ان نسبة الشيعة في العراق أكثر من 70%، ومع ذلك فهم محرومون في ظل البعث والأنظمة التي كانت قبل حزب البعث (انظر لسياسة الكويتية 26/ 6/78 في لقاء لها مع الزعيم الشيعي آية الله كاظم شر يعتمداري).
وعلى شيعة العراق أن يتحرروا من القيادة السنية التي تتحكم بهم منذ عصور طويلة.
3_ في جنوب العراق المزارات والأماكن المقدسة الشيعية التي يشدون إليها الرحال من مختلف بلدان العالم الاسلامي، كقبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النجف، وقبر الحسين في كربلاء (هكذا يزعمون أما قبر علي رضي الله عنه فليس ثابتا أنه في النجف
-365 -
وكذلك قبر الحسين ليس ثابتا أنه في كربلاء). وهذا الادعاء يعطي هذه الأماكن قدسية عند جميع الشيعة لأن معظمهم يعتقد أن الحج إليها أفضل من الحج الى مكة المكرمة، ولن يقر لهم قرار ما دامت هذه الأماكن غير خاضعة لسلطان الشيعة.
4_ اذا بقيت العراق خارج نفوذ ايران فستكون مصدر قلاقل واضطرابات لها لأن الأهواز جزء لا يتجزأ من العراق، وستبقى العراق مركز قوة لأهل الأهواز.
كما أنه من الصعب ضبط أكراد ايران اذا كان أكراد العراق غير خاضعين لسيطرة ايران.
ومن ثم فحدود العراق واسعة جدا مع ايران، وستبقى العراق عازلا يعزل أهل ايران عن اخوانهم النصيريين في بلاد الشام، وعن اخوانهم الشيعة في جنوب لبنان _ جبل عامل _،
وفي سهل البقاع.
وأخيرا فالعراق قوة لا يستهان بها ومن الصعب جدا أن يسيطر الايرانيون على الخليج اذا كانت العراق معادية لهم بينما يعني سقوط العراق سقوط الخليج وشبه الجزيرة العربية، والبلاد العربية كلها باستثناء مصر وبلاد المغرب العربي.
من أجل هذا كانت العراق مسرحا للمظاهرات والاضطرابات المسلحة بين الشيعة من جهة وبين الحكومات التي تعاقبت على العراق من جهة أخرى، وما كان الشيعة في العراق ولا في غيرها دعاة الى تحكيم الاسلام وتحقيق وحدة المسلمين، وإنما دعاة الى الطائفية،
-366 -
والى تجديد الخلافات واشعال نار الفتن، وجل همهم أن يعود كسرى من جديد وقد ألبسوه ثوبا اسلاميا ليس له من الاسلام إلا الاسم.
وفي البيانات التي كانت توزع قبل نجاح ثورة الخميني اشارات واضحة الى معارضات الشيعة لجميع الأنظمة التي شهدتها العراق وقد نقلنا بعضها عند حديثنا عن أطماعهم في الخليج.
وفي 5/ 2/ 1977 استغل الشيعة ذكرى الأربعين فقاموا بمظاهرات وحوادث شغب، وفي اليوم السادس عمت مظاهراتهم معظم المدن في جنوب العراق، وطوقوا مخفرا للشرطة في ناحية الحيدرية (محافظة النجف).
وأعلنت السلطة العراقية بأن حكام دمشق كانوا وراء هذه المظاهرات وأنهم _ أي حكام دمشق _ حاولوا تفجير عبوات ناسفة في صحن الامام الحسين.
ونتيجة لهذه الاضطربات تشكلت محكمة ثورية برئاسة الدكتور عزت مصطفى وزير البلديات ونيابة فليح حسين الجاسم وزير الدولة، وأصدرت حكما بإعدام ثمانية متهمين (ونفذ فيهم الحكم) والسجن المؤبد لخمسة عشر متهما آخر، ومن بين المحكومين نجل الزعيم الشيعي محمد الحكيم.
وقامت السلطة العراقية بطرد الدكتور عزت مصطفى ونائبه فليح حسين الجاسم من الحزب والحكومة بتهمة التخاذل والجبن في اصدار الحكم.
أما دور سورية النصيرية فلقد أعلنت السلطة رسميا عنه، وأما دور ايران فصمتت عنه
-367 -
لأنه ليس من مصلحتها تجديد خلافها مع الشاه بعد صلح الجزائر.
وإن كانت الصحف الموالية للعراق في ايران قد تحدثت عن دور ايران، أما الوزيران: عزت مصطفى وفليح الجاسم فلا ندري إن كانوا شيعة أوموالين للنظام السوري أما القول بالتخاذل فلا يكفي.
ويبدوأن الأمر أكثر من مظاهرة واضطراب، فلقد كان الشيعة يوزعون نشرات دورية في العراق والخليج تحت عنوان (العراق الحر، صوت الشعب المضطهد)، وفي هذه النشرات كانوا ينادون بالثورة على حكام بغداد ومن يقرأ هذه النشرات يعلم أنها شيعية من أول وهلة، فهم اذا أرادوا وصف ظلم حكام بغداد شبهوهم بهارون الرشيد أوبحكام العصر الأموي، وبعد حوادث النجف وكربلاء أسس الشيعة ما يسمى ب (الجبهة الوطنية الاسلامية في العراق) وأصدروا كتيبا تحت اسم (برنامج الجبهة الوطنية) في 22/ 2/1977 أي بعد الحوادث بأسبوعين، والمشتركون بحوادث النجف كثر وقد تمكن كثير منهم من الهرب من العراق الى السعودية عن طريق عرعر ثم دخلوا الكويت فوجدوا عند شيعة الكويت السكن والعمل وكل أشكال المساعدة، وتولى بعضهم ادارة وتنظيم شباب الشيعة في الكويت في الجامعة والثانويات وفي أنشطة المساجد والحسينيات، كما أصبحت الكويت مركزا مهما من المراكز التي يعتمدون عليها في ادارة أنشطتهم في جنوب لبنان.
وبعد نجاح الثورة الايرانية كانت العراق في طليعة الدول التي اعترفت بالثورة ورحبت بها، وطالبت بعلاقات حسنة .. ولكن ثوار الخميني قابلوا اعتراف بغداد بالهجوم والتشنيع على حكام العراق، وبدأت الصحف الايرانية في الدعوة الى الثورة واقامة حكومة المحرومين
-368 -
(التعبير الذي أطلقه موسى الصدر على شيعة لبنان).
وتحرك شيعة العراق بعد نجاح ثورتهم في طهران، فقادوا المظاهرات، ووزعوا المنشورات، وسبقتهم حكومة البعث فألقت القبض على عدد كبير منهم وكان من بينهم شابان قدما من الكويت لهذا الغرض، ومن بينهما ابن الكاظمي وكيل سيارات (المسيدس) في الكويت، وابن شقيق عبد المطلب الكاظمي وزير البترول السابق.
وقدم شيعة العراق خمينيا آخر وهوالكاتب المشهور محمد باقر الصدر، قدموه على أنه آية من آيات الله ومجدد ومرجع اسلامي، لكن السلطة العراقية سارعت الى اعتقاله وضربت بيد من حديد فانتهت الفوضى.
واذاعة طهران أوعبدان تذكرنا بأحمد سعيد وأسلوبه الغوغائي في صوت العرب، لا بل عجز أحمد سعيد عن أفعالهم لأنهم أتقنوا التمثيل طوال التاريخ، وأجادوا صناعة البكاء والنواح، ففي كل يوم يبكون قتيلا لهم فيذكرهم هذا القتيل بالحسين رضي الله عنه الذي استدرجوه من مكة ثم فروا من حوله عندما تعرض للعدوان. إن اذاعاتهم مستنفرة اليوم تدعوشيعة العراق للثورة واسقاط الحكم القائم، فمرة يندبون بأسلوب عراقي مؤثر، ومرة يقولون الشعر، ومرة يذكرون صداماتهم مع النظام ويتخلل ذلك (موسيقى حربية).
إنهم يستعدون فعلا لمعركة مع النظام العراقي، ويتهيأون لكل فرصة ليلتهموا بها العراق:
فالعراق وراء ثورة عرب الأهواز، والعراق وراء ثورة الأكراد.
-369 -
ونقلت وكالات الأنباء في 23/ 6/1979 تصريحا للجنرال سيف أمير رحيمي رئيس البوليس الحربي قال فيه:
إن ايران تحتاج الى شراء مزيد من الأسلحة المتطورة لمكافحة الغارات الجوية العراقية!!.
فها هورئيس بوليسهم الحربي يعترف بأنهم يريدون سلاحا متطورا لمواجهة العراق وليس لمواجهة الاتحاد السوفياتي أوأمريكا أوللدفاع عن المسلمين في أفغانستان أوالفلبين أوأريتيريا أولتحرير فلسطين كما يزعمون!!.
وسئل الدكتور مصطفى جمران وزير الدفاع عن سبب تشغيل القاعدة البحرية في (خوار مشهر) بالقرب من الحدود العراقية فأجاب:
(هناك تهديدات عسكرية لإيران من احدى الدول العربية، والحكومة الايرانية أرادت أن تثبت أنها قادرة على الدفاع عن أراضيها اذا تعرضت لأي هجوم عسكري خارجي أواذا تعرضت لأي مؤامرة أجنبية"16").
وليس صحيحا قول وزير الدفاع ورئيس البوليس الحربي أن ايران مهددة بخطر عراقي، ليس صحيحا لأن العراق سارعت الى عقد صلح مع الشاه وتنازلت بموجبه عن جزء من أراضيها عند شط العرب، وما كانت لتقدم على هذا الصلح لولا شعورها بالخطر والخوف، وليس صحيحا لأن العراق سارعت الى الاعتراف بالثورة الايرانية، وطالبت ثوار الخميني بفتح صفحة جديدة، ولكن الخمينيين ردوا التحية بأسوأ
(16) الوكالات 2/ 10/1979 عن النهار اللبنانية.
-370 -
منها، والعراق أخيرا تعلم أن ايران هي التي تحرك شيعة العراق وتتلاعب بعواطفهم، ونسبة الشيعة في العراق لا تقل عن النصف أوهي في هذه الحدود.
مؤامرة 1979:
في الشهر الثامن من عام 1979 أعلنت الحكومة العراقية أنها اكتشفت مؤامرة للاطاحة بنظام البعث وحكومته في بغداد، وأن شخصيات حزبية كبيرة كانت تتزعم هذه المؤامرات وهم:
1_ محى عبد الحسين المشهدي أمين سر مجلس قيادة الثورة ووزير سابق.
2_ عدنان حسين نائب رئيس الوزراء.
3_ محمد عايش وزير الصناعة ورئيس نقابات العمال في العراق.
4_ محمد محجوب وزير التربية والتعليم.
5_ غانم عبد الجليل وزير دولة.
ويضاف الى هذه الأسماء شخصيات أخرى في مستوى مدير جامعة وكبار ضباط وكلهم من قيادة حزب البعث الحاكم.
وجاء في بيان القيادة القطرية لحزب البعث العراقي ومجلس قيادة الثورة أن المتآمرين كانوا على صلات مع جهات خارجية رأت القيادة أنه ليس من المصلحة كشفها الآن، لكنها تعمدت تسريب المعلومات الى الصحف الموالية لها خارج العراق وتبين من اعترافات المشهدي أن المؤامرة بدأت سنة 1975 وكان هدفها الاطاحة بالرئيس أحمد حسن البكر
-371 -
ونائبه صدام حسين واعلان دولة الوحدة بين سورية والعراق على أن يرأسهما حافظ الأسد وتكون عاصمتها بغداد.
وأضاف المشهدي:
كان ل (محمد العايش) صلات قديمة مع الرئيس السوري حافظ الأسد، وجمعت بينهما ظروف قديمة (على حد قوله) ولم يقل ما هوشكل هذه الظروف.
أما عن اتصالهم بحافظ الأسد فقال المشهدي:
كان المتآمرون يذهبون الى الموصل شمال العراق في مهمات رسمية. وتحت جنح الليل يتسللون الى الحدود السورية للقاء أشخاص موفدين من الأسد. وبعد اعلان مشروع الوحدة سهل على المتآمرين الاتصال بحافظ الأسد والمخابرات السورية حيث صاروا يسافرون رسميا الى دمشق بمهام رسمية من أجل الوحدة!!
واعترف المشهدي أن محمد العايش _ مسؤول الاتصال بسورية _ تسلم أول دفعة من سوريا 20,000 دينار، وأن الأسد طلب منهم الاسراع في الانقلاب، وتعهد بإرسال فرقة مظلات سورية تنزل ليلة الانقلاب بثياب عسكرية عراقية.
وذكرت مجلة (الاكسبرس) في باريس أن هناك خطابا من حافظ الأسد وقع في أيدي المحققين يعد فيه بأنه سيقدم مساعدة من المظليين السوريين عند الضرورة.
وقابلت السلطة العراقية هذه المؤامرة بمنتهى الحزم فأعدمت 21 متهما وحكمت بالسجن على 20 شخصا بالسجن مدة تتراوح بين 7 الى 15 سنة.
-372 -
وأرسلت شريطا مسجلا باعترافات المتآمرين الى حكام سورية ثم انقطعت العلاقة بين البلدين إثر اكتشاف هذه المؤامرة، وتقابل الأسد وصدام في تونس فلم يسلما أحدهما على الآخر ويبدوأن وساطة السعودية لم تفلح في اصلاح ذات البين بين البلدين قبل انعقاد المؤتمر وخلاله.
مرة أخرى نقول من الصعب جدا الحصول على الحقائق كلها. ومن خلال ما أذيع من أخبار هذه المؤامرة نستطيع بأن نجزم أن سورية كانت طرفا رئيسيا في هذه المؤامرة، وفي الوقت الذي كان حافظ الأسد يصافح فيه صدام حسين في بغداد كان يحاول طعنه في اليد الأخرى.
نعم في الوقت الذي كان فيه قادة البلدين يعلنان عن مشروع وحدة، كان حافظ الأسد يطبخ مؤامرة رهيبة على رفاقه وشركائه في الحزب وهذا خلق أصيل فطر عليه الأسد.
أما الطرف الثاني في هذه المؤامرة فكان أمين سر مجلس قيادة الثورة محى عبد الحسين مشهدي وهوشيعي ايراني فارسي، ألقي القبض عليه خلال مظاهرات واضطرابات الشيعة في جنوب العراق، ويبدوأن القاء القبض عليه جاء عن طريق الخطأ وليس نتيجة تخطيط فانهارت قواه وظن أن المؤامرة قد كشفت فطلب محققا حزبيا واعترف أمامه.
والمشهدي ورث وزارة الدولة عن فليح حسين الجاسم الذي أقيل عام (1977) لتواطئه مع الشيعة ثم أصبح أمين سر مجلس قيادة الثورة لحزب قومي عربي وهوفارسي يالغباء القوميين!!.
-373 -
ومن استعراض أسماء المتآمرين نعلم أن كثيرا منهم من عائلات شيعية، وأن توقيت المؤامرة رافق توتر العلاقات الأيرانية العراقية من جهة والتقارب الأيراني السوري من جهة أخرى.
ويضاف الى هذا قدرة الشيعة على التغلغل في الأحزاب لغرض الأنقضاض عليها وخاصة حزب البعث كما حدث في سورية، ولكن مازال لقادة بعث العراق نصيب فى هذه الحياة ولم يحن أجلهم.
وهذه هي المؤامرة الثانية التي يدبرها بعثيوسورية النصيريين على بعثيي العراق، فالأولى كانت عام 19797وكان من جملة المتهمين فيها (محمد العمار) الذي أدين بحوادث التجسس الشهيرة لأسرائيل عام 1968.
وبعد مؤامرة 1979 قام عدد من الزعماء الأيرانيين بزيارة سورية ولبنان، ومن دمشق كانوا يشنون أشد الهجمات والأتهامات لحكام العراق.
صرح حسين الخميني حفيد الأمام الخميني أن على ايران بمساعدة بعض دول المنطقة أن تصفي نظام الحكم العراقي بسبب القمع الذي يمارسه ضد شعبه والذي هوأشد بطشا من القمع الذي مارسه الشاه"17".
حسين الخميني من الشباب الذين يتابعون القضايا السياسية، وله مكانة مرموقة عند جده قائد الثورة الايرانية، وزيارته لسوريا جاءت بعد أيام من اعدام النظام السوري لأكثر من خمس عشرة داعية في يوم واحد فهل سأل الأسد أثناء لقائه به عن سبب اعدامه لهؤلاء الدعاة؟!.
(17) وكالة أ. ف. ب 25/ 10/1979.
-374 -
هل حاول حسين الخميني أن يزور سجون سوريا وأقبية المخابرات ليرى بعينيه ماذا يفعل النصيريون بشباب الدعوة وجند الله؟!.
الخميني الحفيد يعلم جيدا كيف يحارب النصيريون الاسلام، وينشرون العلمانية والالحاد، ويشجعون كل فساد خلقي .. فكيف أشاد بالنظام السوري وسياسة حافظ الأسد؟!.
وكيف أفصح عن المهمة التي زار من أجلها سوريا فقال:
(إن على ايران بمساعدة بعض دول المنطقة أن تصفي نظام الحكم العراقي).
بعض دول المنطقة يقصد سوريا. لكن الخميني الحفيد لم يقل متى سيكون دور العراق هل هوبعد اسرائيل أم قبلها؟!.
نحن والله نعلم أن حكام طهران أشد خطرا على الاسلام من اليهود، ولا ننتظر خيرا منهم، وندرك جيدا أنهم سيتعاونون مع اليهود في حرب المسلمين، وأن الذين يتآمرون على العراق والخليج ولبنان وسوريا لن ولم يحاربوا اسرائيل .. ولكننا نقدم هذه المعلومات لقادة الشباب المعتقلين في سجون النصيريين والذين ما زالوا يصفقون للخميني رغم كل ما صدر عنه.
لقد اكتفينا بهذه المعلومات وتجاوزنا عن تصريحات المنتظري التي يرددها كل أسبوع وتنقلها اذاعة طهران: إن ايران قادرة على احتلال العراق لوأرادت.
-375 -
أوبأخبار الأسلحة التي ضبطتها السلطات العراقية في مركب كبير، وكانت وجهة سير المركب الى احدى دول الخليج"18".
تجاوزنا عن هذه المعلومات وعن غيرها لأن الصورة التي عرضناها أصبحت واضحة لكل منصف.
(18) الأنباء: 28/ 9/1979.
-376 -
المبحث الثاني
لماذا تبرأ الخمينيون من تصريحات روحاني؟!
عند حديثنا عن أطماع الرافضة في الخليج بينا أنهم توارثوا هذه الأطماع عن أجدادهم المجوس، وأن لهذه الأطماع جذورا موغلة في القدم، وأن خطتهم التي ساروا عليها خلال نصف قرن مضى كان يتزعمها ويحركها آيات قم والنجف وليس الشاه كما يشيعون.
كما سقنا الأدلة على أن شيعة الخليج بدأوبتحرك ملحوظ منذ بداية الثورة الخمينية، فنظموا صفوفهم من جديد، ووزعوا الأسلحة، وطالبت اذاعة عبدان بتحرير مكة قبل تحرير القدس، ورفضت حكومة بارزكان التخلي عن الجزر العربية المحتلة، وأكد المسؤولون الايرانيون أن الخليج فارسي وتفسيرهم التاريخي لهذه الكلمة أن الموانئ والشواطئ الواقعة على ضفتيه الشرقية والغربية فارسية.
والذين حركوا أحداث الكويت والبحرين ممثلون للخميني وليس (للروحاني)، ولم ينفرد روحاني بهذه التصريحات بل صدرت عن شخصيات مسؤولة من أهمها تصريحات آية الله حسين منتظري رئيس مجلس الخبراء الدستوريين وخطيب الجمعة بمدينة طهران.
وبعد أن توترت الأجواء السياسية ما بين ايران ودول الخليج، وكادت الواقعة أن تقع سارع المسؤولون الايرانيون الى التنصل من تصريحات روحاني، ووسطوا سوريا في هذا الخلاف وعينوا سفيرا لهم في البحرين، وقام صادق طبطبائي نائب رئيس الوزراء بزيارته للبحرين مطمئنا وداعيا الى تصفية الأجواء.
-377 -
والسؤال الذي يفرض نفسه:
لماذا تبرأ الخمينيون من تصريحات روحاني؟!.
واختلفت أجهزة الاعلام في الاجابة على هذا السؤال:
فالصحف الموالية للعراق قالت: تراجعت ايران أمام التهديدات العراقية الصارمة، وأن العراق كانت تعني ما تقول.
والصحف التي تمولها دول الخليج وشبه الجزيرة العربية قالت:
لقد تحولت السعودية ودول الخليج الى دولة واحدة وجيش واحد، وبدأت المناورات العسكرية في هذه الدول، وزاد من حدة الموقف التفاهم والتنسيق بين دول الخليج والعراق، وما كانت ايران تنتظر موقفا كهذا الموقف.
أما الصحف التي تمولها ايران وسوريا فزعمت أن الثورة الايرانية بريئة من هذه التصريحات، وروحاني ليس مسؤولا ولا علاقة له بهذه السلطة، وفي أجواء الحرية والديمقراطية يقول كل انسان ما يعتقده ويؤمن به دون خوف ولا وجل.
وهذه الأقوال كلها غير مقنعة بل وليس فيها دليل واحد ترتاح إليه النفس. فإيران الثورة عندما بدأت تتحرش بدول الخليج كانت تعلم جيدا بأن السعودية هي الأم الحنون عند دول الخليج، وأن العلاقات السعودية الخليجية من جهة والعراقية من جهة أخرى قوية جدا.
وتعلم ايران الخميني أن هذه الدول لن تقف مكتوفة الأيدي، وأن الاعتداء على البحرين مثلا يعني الاعتداء على ا لسعودية والعراق والكويت وسائر دول الخليج
-378 -
وأن معظم البلدان العربية ستقف مع دول الخليج ضد ايران.
تعلم ايران بذلك كله من طرق متعددة:
منها شيعة الخليج الذين يحتلون مناصب رفيعة في وزارات الدفاع والخارجية والداخلية في هذه الدول.
ومنها التجار الايرانيون شركاء الأمراء والشيوخ ووكلاؤهم بعد أن حصلوا على الجنسية الخليجية. ومنها أقنيتهم الدبلوماسية، وعن طريق حلفائها من الحكام العرب.
وتحركت ايران ضد الخليج من واقع المطلع والعالم بخفايا الأمور، وعين الخميني ممثلا له في كل من البحرين والكويت، وتحرك شيعة الخليج ضد حكامهم بشكل منظم وفي وقت واحد. غير أنه وقع حادث لم تحسب طهران حسابه ففوجئت به:
بعد أول تصريح أطلقه روحاني في الشهر السادس من عام 1979 هاجم مسلحون الكلية العسكرية وأوقعوا مذبحة بالطلاب النصيريين بالتعاون مع النقيب المناوب المسؤول عن الكلية العسكرية بمدينة حلب السورية .. وبعد هذا الحادث قامت جماعات منظمة باغتيال عدد كبير من القادة النصيريين بالجيش والجامعات والوزارات وسائر مؤسسات ومرافق الدولة، وقابلت السلطة النصيرية الموقف بالعنف والشدة فأعدمت اكثر من خمسة عشر شابا من شباب الدعوة الاسلامية، وألقت القبض على مئات منهم وزجت بهم في سجون وأقبية تهون دونها سجون (السافاك) ومعتقلات (الباستيل)، وظنوا أن بطشهم سيقضي على حوادث العنف، وسيضع حدا للاضطرابات، غير أن الوضع الداخلي في
-379 -
سوريا ازداد خطرا، وصارت حوادث الاغتيال تتم بصورة اسطورية تدعوالى الغرابة والدهشة:
يتم انذار الشخص الذي يريدون قتله، ويتم القتل في الوقت المحدد، ويتوارى القتلة عن الأنظار، وتجد السلطة نفسها عاجزة عن ايقاف هذا المسلسل من الحوادث.
وتفاقمت الأمور، وأصبح النظام السوري محمولا على كف عفريت _ كما يقولون _ واسقاط هذا النظام سيكون بمثابة ضربة قاصمة لثوار الخميني للأسباب التالية:
لأنه نظام من أنظمة الرافضة بموجب الوثيقة الصادرة عن القيادتين النصيرية والشيعية في 3/ 7/1392.
ولأنه يدعم ويساند شيعة لبنان ويحقق لهم الطموحات التي يتطلعون إليها.
ولأن سقوطه قوة لحكام العراق وبالعكس فقوته واستمراره ضعف للسلطة في بغداد مما يجعلها تعيش بين فكي الكماشة: ايران شرقا وسوريا غربا.
وأخيرا فلسوريا موقع جغرافي هام جدا، والسيطرة عليها تعني السيطرة على بلاد الشام، وتعاونها مع ايران وشيعة العالم العربي بمثابة كارثة نسأل الله أن يجنبنا شرهم.
ولا تستطيع ايران أن تعدد معاركها: معركة داخلية مع الأكراد والعرب والأتراك والبلوش، ومعركة في الخليج والعراق، ومعركة في سوريا، وتجميد عملياتها في الخليج
-380 -
قد يعوض بينما سقوط النظام السوري لا يعوض بالنسبة لها.
وكلامنا هذا سندعمه بالأدلة والشواهد التالية:
لقاء الأسد واليزدي:
استقبل حافظ الأسد ولمدة ساعة ابراهيم يزدي وزير الخارجية الايرانية، ولم يعرف شيئا عما تناوله هذا الاجتماع الذي لم يشترك فيه عبد الحليم خدام وزير الخارجية السوري.
دمشق _ وكالة أ. ف. ب 10/ 9/79.
هناك احتمال واحد حال دون اشتراك خدام بهذا اللقاء:
إنه ليس شيعيا ولا نصيريا ولأن المحادثات طائفية وليس من المعقول أن يحضرها علما بأنه كان موجودا في دمشق، وهوالذي استقبل وزير الخارجية الايرانية وودعه حسب معلومات وكالة الأنباء التي ساقت الخبر، وأي احتمال آخر غير وارد لأن خدام ركن من أركان النظام السوري ولا يحجب عنه إلا الأخبار والمعلومات المتعلقة بالطائفة النصيرية.
وابراهيم يزدي صديق للاسلاميين السنة، وهوعندهم ثقة ولا يخفون عنه سرا من الأسرار ولقد زاره عدد منهم كان آخرهم الدكتور حسن الترابي الذي نقل عن اليزدي قوله:
النصيريون مسلمون طيبون فلا تتعرضوا لهذه الطائفة بسوء، والبلاء كل البلاء في حزب البعث وليس في النصيرية ومن ثم فجاءت زيارته لسوريا في أوج الاضطرابات والقلائل الداخلية التي يشهدها هذا البلد على أيدي النصيريين.
-381 -
وفي 19/ 9/1979 زار نائب رئيس الوزراء الايراني الدكتور صادق الطبطبائي وأدلى بحديث الى صحيفة تشرين جاء فيه:
(ان حكومة حافظ الأسد قدمت كل أشكال الدعم للثورة الايرانية الذي كان له الفضل في انتصار الثورة على نظام الشاه).
وقال اليزدي مثل هذا الكلام في لقاء له مع مجلة الشهيد الايرانية العدد 26 تاريخ 4/ 11/1399 وتصريحات المسؤولين الارانيين تعني بشكل أوضح بأن ايران لن تتخلى عن سورية وستقف معها ضد المسلمين - لأن الحوادث الداخلية يقوم بها المسلمون السنة - وايران في عملها هذا ترد بعض ما لحافظ الأسد من دين في عنق الثورة الايرانية.
الطبطبائي يعترف:
في 7/ 10/1979 زار الطبطبائي نائب رئيس الوزراء الايراني سورية _ ومما يجدر ذكره أن زياراته كثرت بعد حوادث الكلية العسكرية في حلب _ وعقد مؤتمرا صحفيا قال فيه:
(ليس من المستغرب أن ينهض الرئيس الأسد للحد من هذه المحاولات، ولابراز وجه الثورة الايرانية (!!) الصحيح. وهذه ليست المرة الأولى التي يتطوع فيها الرئيس الأسد من أجل الدفاع عن الثورة الايرانية .. وختم تصريحاته قائلا:
إن الايرانيين سيقفون الى جانب سورية وسينضمون إليها اذا تطلب الموقف"19").
(19) وكالات الأنباء 7/ 10/م979 م.
-382 -
الطبطبائي يقصد بأن الأسد لعب دورا مهما في الوساطة ما بين ايران ودول الخليج، والقضية لا تحتاج الى وساطة فلولا تصريحاتهم العدوانية، وأنشطة أتباعهم المريبة لما كانت هناك مشكلة بينهم وبين دول الخليج، ولوكان الأمر مجرد خطأ لكان بوسعهم إنهاؤه عن طريق اتصال مباشر مع دول الخليج، لكنهم أرادوا تلميع وجه أسدهم وإظهاره كبطل ورجل سلام وأنه داعية لإصلاح ذات البين بين الأشقاء.
والمشكلة ليس في هذا كله وإنما في قول الطبطبائي:
( .. ان الايرانيين سيقفون الى جانب سورية وسينضمون إليها اذا تطلب الموقف ذلك).
كلام نائب رئيس الوزراء الايراني عام ومنه نفهم أن الايرانيين سيقفون الى جانب النظام السوري _ النصيري _ ونقول النصيري لأنه أشاد بالرئيس الأسد في مطلع بيانه فالفضل له وهم ممنونون منه.
نقول سيقف الايرانيين مع النصيريين لوحاربوا الأردن أوالعراق أولبنان أواسرائيل _ وهذا غير وارد _ وسينضمون إليهم اذا تعرضوا لحرب أهلية داخل سورية، وفهمنا هذا موضوعي لأن الطبطبائي لم يخصص في تصريحه ولم يستثن أحدا.
كما أن هذا التصريح بمثابة تهديد لكل من تسول له نفسه الاعتداء على حافظ الأسد ونظامه، وفي الحقيقة فإن زيارته من أجل هذا الغرض أما الوساطة السورية فهي ستار وغلاف لهذه التهديدات.
-383 -
قرار الخميني:
الاتصالات الايرانية السورية كانت تتم بشكل سري، أما بعد تفاقم الاضطرابات الداخلية فأصبحت دمشق تستقبل بين كل فترة قصيرة وأخرى مسؤولا ايرانيا: الطبطبائي، حسين الخميني، خلخالي، منتظري، يزدي.
وكشفت بعض الصحف التي لها اتصالات معينة أسرار هذه الزيارات:
نشرت صحيفة الحوادث الصادرة في لندن الخبر التالي: (تدرس الحكومة الايرانية امكانية ارسال عشرة آلاف متطوع ايراني الى الجنوب لدراسة ما يمكن أن تقوم به الحكومة بالنسبة للجنوب، وكان الوفد المذكور برئاسة الأصفهاني وضم عددا من العسكريين. وأن ذلك بناء على رغبة بعض زعماء الشيعة في الجنوب، رغم أن القادة الفلسطينيين غير متحمسين لذلك"20".
ونشرت صحيفة السياسة الكويتية الخبر التالي:
(علمت السياسة أن الحكومة الايرانية قد أبلغت الزعامة السورية عن استعدادها لتقديم كافة الامكانات والمساعدات الاقتصادية والعسكرية لمواجهة الاضطرابات الداخلية وأي مؤثرات سلبية من الخارج، وقد نقل هذا التأييد عبر الرسالة التي حملها نائب رئيس الوزراء والناطق بلسان الحكومة الايرانية السيد صادق طبطبائي الى الرئيس السوري حافظ الأسد خلال اجتماعه به أخيرا.
(20) الحوادث العدد 1197 تاريخ 12/ 10/1979.
-384 -
وعلمت السياسة أن زيارة المسؤول الايراني في هذه الظروف لدمشق كانت مثار اهتمام وتعليقات من جانب كثير من الأوساط الدبلوماسية العربية والأجنبية حيث توقعت هذه الأوساط أن تتبلور عن (علاقات ذات طبيعة خاصة) بين ايران وسورية خلال الفترة القادمة وذكرت مصادر مطلعة هنا أن التحرك السريع للثورة الايرانية لدعم النظام السوري ثم الاتصال ببعض الأوساط الدينية بلبنان سيكون محل اهتمام واسع لدى حكومات دول المنطقة"21").
وفي 16/ 8/1979 نشرت السياسة الكويتية في رسالة لها من طهران قالت أن الخميني قرر ارسال قوات ايرانية للمرابطة في سورية، وأنه حريص على التواجد العسكري المباشر على حدود المواجهة مع اسرائيل.
وقبل التعليق على هذه الأخبار لا بد من بيان أهمية الصحف التي نشرتها.
إن لصاحب مجلة الحوادث علاقات وطيدة مع جميع دول الخليج، وأخباره لا يأخذها من صغار أوكبار الموظفين في الوزارات بل من ملوك وأمراء هذه الدول، كما أن له صلات وارتباطات وثيقة مع أجهزة الاعلام والمخابرات العالمية.
وعندما يقول اللوزي بأن الحكومة الايرانية تدرس امكانية ارسال عشرة آلاف متطوع ايراني الى جنوب لبنان .. ثم يأتي المنتظري بعد مدة ويقرر ارسال عشرة آلاف متطوع ايراني الى جنوب لبنان فهذا يعني ان خبر الحوادث دقيق، ولم يأت نتيجة التنجيم أوالرجم بالغيب، لا سيما وأن الحوادث قد أشارت بأن وفدا عسكريا برئاسة الأصفهاني
(21) السياسة 6/ 10/1979.
-385 -
قد أرسل لهذا الغرض بناء على رغبة الشيعة في الجنوب.
أما السياسة فكانت أكثر دقة من الحوادث فاستبعدت أصلا أن تكون زيارات الايرانيين لسورية من أجل الوساطة مع دول الخليج بل حددت بكل وضوح وقالت بأنها من أجل تقديم كافة الامكانات والمساعدات الاقتصادية والعسكرية لمواجهة الاضطرابات الداخلية، وأي مؤثرات سلبية من الخارج _ أي العراق _
وبدوأن السياسة تترجم بخبرها هذا وجهة نظر الحكومة الكويتة والسعودية والعراقية انظر إليها وهي تقول:
وعلمت السياسة أن زيارة المسؤول الايراني في هذه الظروف لدمشق كان مثار اهتمام وتعليقات من جانب كثير من الأوساط الدبلوماسية العريبة والأجنبية حيث توقعت هذه الأوساط أن تتبلور عن علاقات ذات طبيعة خاصة بين ايران وسورية.
العلاقات ذات الطبيعة الخاصة هي وحدة الشيعة في ايران مع النصيريين في سورية مع الشيعة في لبنان وهووالذي عنته لسياسة في قولها:
(وذكرت مصادر مطلعة هنا أن التحرك السريع للثورة الايرانية لدعم النظام السوري ثم الاتصالات ببعض الأوساط الدينية بلبنان _ أي الشيعة _ سيكون محل اهتمام واسع لدى حكومات دول المنطقة).
انظر الى قول الصحيفة: وذكرت مصادر مطلعة هنا، فمن هذه المصادر المطلعة ان لم يكونوا كبار المسؤولين في الخليج؟!.
-386 -
وماذا تعني السياسة بقولها:
وعلمت السياسة؟! لا شك بأنها علمت من المصادر المطلعة!!.
ودول المنطقة التي تخشى من المحور الايراني السوري هي:
السعودية، العراق، الكويت وسائر دل الخليج. ومن أجل هذا رفضت الكويت الوساطة السورية، كما أنها رفضت استقبال الدكتور صادق طبطبائي نائب رئيس الوزراء الايراني، وكان لها موقف حازم مع السفير السوري في الكويت .. ويروى أن للسعودية موقفا من سورية شبيه الى حد كبير بالموقف الكويتي.
ومن منطلق ارتباط صحيفة السياسة الوثيق مع حكام الخليج أعلنت بأن الخميني قرر ارسال قوات ايرانية للمرابطة في سورية، وجاء خبر السياسة في 16/ 8/1979 أي قبل اعلان المنتظري عن قراره بأكثر من شهرين ونصف.
ويبدوأن هناك خلافا بين الحوادث والسياسة في تحديد الجهة التي سيتوجه إليها المتطوعون الايرانيون، فالحوادث قالت سيتوجهون الى جنوب لبنان، بينما قالت السياسة بأنهم سيتوجهون الى سورية. والحقيقة أن وجود الجنود في سورية يعني وجودهم في لبنان وبالعكس، وقد يستخدم الايرانيون شعار تحرير فلسطين أوالمرابطة مع الفلسطينيين في جنوب لبنان تغطية لوجودهم في سورية، والخلاصة أنه ليس هناك من خلاف بين الصحيفتين.
وفي جميع الزيارات التي كان يقوم بها المسؤولون الايرانيون كانوا يزورون لبنان كما يزورون سورية، وفي احدى زيارات الطبطبائي الى لبنان في 10/ 10/1979 نقلت وكالة رويتر أنه كان يرتدي الزي العسكري لمنظمة (أمل) الشيعية،
-387 -
وكان عضوا فيها قبل قيام الثورة الايرانية في العام الماضي.
ونقلت السياسة الكويتية في 6/ 10/1979 أن اثنين من المسؤولين الايرانيين اللذين حصلا على مليون دولار لتوزيعها على القرى الشيعية في جنوب لبنان قد اختفيا ومعهما النقود.
وقد تردد أن الزعيم الايراني آية الله الخميني قد بعث بهذه النقود الى الشيعة في جنوب لبنان.
وفي زيارات المسؤولين لشيعة لبنان مع زياراتهم لسورية دليل على مسؤوليتهما عن البلدين، ففي لبنا كانوا يعقدون المعاهدات مع الفلسطينيين باسم شيعة لبنان، وكانوا يقابلون سركيس وكبار المسؤولين كمفاوضين عن الشيعة، وكانوا يعقدون الندوات في مناطق الشيعة ويقدمون كل عون ومساعدة لهم.
وذكر أن هذه الزيارات ساهمت في تجميد كثير من الخلافات ما بين الفلسطينيين والشيعة، وتوجت هذه الزيارات كلها بزيارة الطبطبائي وخدام للبحرين وكأنهما يمثلان دولة واحدة.
تنفيذ الخطة:
أعلن ما يسمى بآية الله محمد المنتظري بأن لديه عشرة آلاف متطوع ايراني وسيتوجهون خلال أيام الى جنوب لبنان والجولان والأردن وسيناء ليقاتلوا الى جانب الفلسطينيين من أجل تحرير القدس وفلسطين وسائر المناطق العربية التي احتلها اليهود في جميع حروبهم مع العرب.
وأضاف قائلا بأن سلاح الجوالايراني سبيتصدى للطيران الاسرائيلي اذا حاول التعرض لقواتنا، وأنه سيدخل لبنان رغم أنف الحكومة اللبنانية المتواطئة مع الصهيونية.
-388 -
وأن قواته ستقاتل كل من يحول بينهم وبين الجهاد والشهادة في سبيل الله _ على حد زعمه _.
وهذه (القنبلة) السياسة التي فجرها المنتظري تطرح كثيرا من الأسئلة:
_ هل تستطيع ايران أن تستغني عن عشرة آلاف مقاتل في وقت اشتدت فيه حدة المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية _ كما يقولون _ وبينها وبين العرب في الأهواز من جهة، وبينها وبين الأكراد من جهة ثانية، وبينها وبين الأتراك في أذربيجان من جهة ثالثة، وبينها وبين البلوش من جهة رابعة؟!.
_ هل تسمح ظروف لبنان بشكل عام والجنوب اللبناني بشكل أخص باستقبال هذا العدد الكبير من المقاتلين، أوليس مجرد اعلان المنتظري كاف في تفجير الأوضاع في لبنان، وهل من المعقول أن يقابل الموارنة هذا الحدث بالصمت؟!.
_ هل يجوز للمنتظري أن يعلن عن خطته قبل ارتحال المتطوعين الى مواقع القتال، وما الذي يمنع اسرائيل من ضرب الطائرة التي تقل المتطوعين، ولها أن تدعي بأنها تدافع عن نفسها ضد ايرانيين جاءوا لحربها والقضاء عليها؟!.
_ زعم المنتظري بأنه سيحارب الى جانب الفلسطينيين وسورية، وهؤلاء الذين سيحارب الى جانبهم يلهثون وراء الحل السلمي، ويبحثون وراء دولة فلسطينية ولوكانت في أريحا وحدها، ومن ثم هل يجوز أن يتم حضور المتطوعين بمثل هذا العدد بناء على رغبتهم وبدون استشارة أوموافقة منظمة التحرير؟!.
-389 -
هذه الأسئلة تجعلنا نجزم بأن عملية ارسال المتطوعين ليست على ظاهرها _ أي كما أعلن عنها المنتظري _ بل إن وراء والأكمة ما وراءها، ومن قبل دخلت قوات حافظ الأسد لبنان باسم حماية الفلسطينيين، وهي التي أبادت منهم في جسر الباشا وتل الزعتر وصيدا أعدادا تفوق جرائم اليهود في دير ياسين وقبية وغيرها.
****************
وبعد اعلان المنتظري عن خطته بدأ التنفيذ على شكل رواية ثقيلة الظل صعبة الهضم، وكان للأطراف ذات العلاقة الموقف التالي:
لبنان: حذرت الحكومة اللبنانية ايران من السماح للمنتظري بمغادرة ايران، وأصدرت أوامرها للحدود والمطار بمنعه ومنع المتطوعين من دخول الأراضي اللبنانية، وصرحت بأن مثل هذا الموقف سيفجر الأوضاع في لبنان، وحذرت اسرائيل كذلك من دخول أي متطوع ايراني الى جنوب لبنان، وتحرك سعد حداد فقصف عددا من قرى الجنوب، وعدد آخر من المواقع الفلسطينية.
وعارضت قيادة الشيعة في لبنان هذه الفكرة، فوجه عبد الأمير قبلان رسالة الى الخميني دعاه الى عدم ارسال متطوعين الى جنوب لبنان، وهاجم حسين الحسيني نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى محمد المنتظري في لقاء له مع النهار اللبنانية (21_1_1400) ووصفه بأنه معتوه.
أما منظمة التحرير فكان لها موقفان متناقضان، الموقف الأول: قالت بأنها ليست بحاجة الى رجال وكانت تنتظر من ايران المال والسلاح وليس الرجال الذين ينقصهم التدريب والانضباط _ الحوادث 12/ 10/1979 وصحف أخرى.
-390 -
الموقف الثاني: قال عبد المحسن أبوميزر بأن وصول المقاتلين الايرانيين أمر طبيعي وتضامني.
الوكالات: 21/ 12/1979
سورية:
صمتت أولا فنقلت الصحف عنها أنباء متضاربة وهي أرادت وخططت لهذه النتيجة، ثم نقلت عنها وكالة رويتر الخبر التالي:
(رفض مسؤولون سوريون التعليق على قضية متطوعين ايرانيين يريدون القتال في جنوب لبنان مع الفدائيين الفلسطينيين ضد اسرائيل ولكنهم قالوا:
إن سورية تلتزم بقرارات مؤتمر القمة العربي حول لبنان الذي عقد في تونس الشهر الماضي. وهذا موقف غامض يتعمده حافظ الأسد في كل اموره لكن وكالة رويتر فسرته على الشكل التالي:
وهذا يعني أن سورية تعارض وصول المتطوعين الايرانيين الى جنوب لبنان على أساس أنه يمكن أن يعقد الأمور ويعيق أية تسوية محجتملة في لبنان"22").
ايران:
آية الله منتظري الابن صاحب الخطة وزعيم ما يسمى (المنظمة الثورية لجماهير الجمهورية الاسلامية) قال بأن الامام آية الله الخميني يؤيد خطته بارسال متطوعين الى جنوب لبنان، وقد هنأه على خطوته وقال له:
دمشق _ رويتر 22/ 1/1400.
-391 -
(حسنا فعلت، وتقدم الى الأمام).
جاء في تصريح له مع الصحف المحلية في ايران في 21/ 1/1400 وقال المنتظري الابن عندما طلبت الخطوط الجوية الايرانية منه أجرة نقل المتطوعين قال بأن عمليته مموله من مجلس الثورة الايراني"23".
أما آية الله المنتظري الأب فقال بأن ابنه يعاني من مرض عقلي وبعد أن خضع للتعذيب أيام الشاه أصيب بانهيار عصبي، وهويتخيل أحيانا أنه عن طريق استخدام الأساليب الدهمائية والأعمال غير المسؤولة يمكن أن يحقق أهدافا معينة.
وأوضح المنتظري الأب أنه قد حاول دون جدوى إقناع نجله بالذهاب الى مدينة قم للعلاج. الوكالات 21/ 12/1979.
الحكومة الايرانية زعمت بأنها ضد الفكرة ولن تسمح للمتطوعين بمغادرة ايران، وصرحت الحكومة على لسان الدكتور مصطفى جمران: أن ارسال متطوعين بمثابة استفزاز للحكومتين اللبنانية والسورية وشيعة لبنان، وأضاف قائلا:
سوف تتخذ اسرائيل من المتطوعين مبررا للسيطرة على الجنوب"24".
ومن ثم رفضت السلطة الايرانية اعطاء المتطوعين جوازات سفر، ورفضت الخطوط الجوية الايرانية نقلهم بالمجان، وليس لدى زعيمهم مال يدفعه، واعتصم المتطوعون في
الوكالات 22/ 1/1400.
النهار العربي والدولي 138، 24_ 30/ 12/1979.
-392 -
مطار طهران، وجرت مفاومضات بينهم وبين الخطوط الايرانية التي تنتظر من يدفع لها (11,000) دولار، وقام المتطوعون باحتلال وزارة الخارجية الايراينة بضع ساعات.
وأخيرا انتهت الرواية بل التمثيلية بأن قامت الخطوط الجوية السورية بنقل المتطوعين الى دمشق، وفي سورية بدأ الايرانيون يتدربون في معسكرات قرب دمشق، وقالت مصادر فلسطينية بأن المتطوعين يحتاجون الى تدريب كامل وطويل"25".
****************
قلنا في مطلع التقرير أن قيادة الثورة الايرانية قررت ارسال (10,000) متطوع الى سورية للوقوف الى جانب السلطة النصيرية ضد الشعب المسلم، ولا يستطيع الخمينيون أن يكشفوا حقيقة مقصدهم فلجأوا الى آية من آياتهم الكثيرة كما فعلوا في البحرين _ روحاني _ وهنا اختلف الاسم فقط _ المنتظري _.
ثم وقعوا في تناقضاتهم واكاذيبهم المفتعلة، وأخيرا انتصر رأي المجنون!! وسافر أكثر من (600) متطوع الى دمشق، وخرج المنتظري الأب الى المطار ليودع ابنه الذي وصفه بالمجنون.
ولوسئل الخميني: كيف سمحوا للمنتظري وانصاره بالسفر لأعادوا الجواب نفسه عندما سئلوا عن قضية (روحايني): إننا نؤمن بالحرية والديمقراطية ولكل انسان أن يقول رأيه.
ولكن هل هناك من دولة في العالم تسمح لعشرة آلاف متطوع من أبنائها بمغادرة البلاد في ظروف حرجة ليحاربوا دولة أخرى بدون موافقة دولتهم؟!.
رويتر 3/ 2/1400.
-393 -
فكيف اذن كان قائد المتطوعين مجنونا _ كما قالوا _ هذا اذا سلمنا بأن هناك حرية فعلا في ايران.
وسوريا التي استقبلت هذه القوات هل تريد فعلا أن تحارب اسرائيل.
ليس هناك من عاقل يعرف حافظ الأسد ويصدق بأنه سيحارب اسرائيل. إنه وحده صاحب بلاغ سقوط القنيطرة!! .. وهووحده صاحب كيسنجر وسياسة الخطوة خطوة!!
نتحدى حافظ الأسد أن يوزع السلاح على مئات الآلاف من الشباب السوري المؤمن الذي يتشوق للموت في سبيل الله.
نتحدى الأسد أن يفرج عن الأعداد الضخمة من الشباب الذين زج بهم في سجونه ومعتقلاته.
ومحمد المنتظري دخل لبنان عن طريق سوري وما زال مرشحا لفتنة لا تبقي ولا تذر، وما زالت قواته تتدفق على سورية، وهذه القوات ستقوم بحماية نظام حافظ الأسد الى جانب القوات النصيرية، وستوجه حرابها الى صدور الشعب الأعزل فاذا عجزت عن حماية عرش الأسد عندئذ تدخل جنوب لبنان فعلا ولكن ليس من أجل حرب اسرائيل وإنما لتعطي اسرائيل مسوغا لدخول لبنان وبعملها هذا تحقق القول المشهور:
(علي وعلى أعدائي يا رب).