Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

خفايا الصفقة الإنفصالية بين الشيعة والأكراد! ..

ماذا لو كانت الانتخابات العراقية ومشاركة السُّنة فيها بكثافة مقدمة لتقسيم العراق وليس لاستعادته لوحدته "الفيدرالية" وسيادته؟! قبل أن تظهر نتائج الاقتراع رسمياً وتنكشف نتيجة المشاورات والمفاوضات العراقية والإقليمية والدولية الهادفة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية كانت بعض التقارير الدبلوماسية والأمنية الواردة من العراق تبدي تشاؤماً لا سابق له بالنسبة لسيناريوهات الخروج من النفق والأزمة.

وكل هذه السيناريوهات تحذر من أن تكون المرحلة المقبلة ميدانيا مرحلة حرب أهلية، لا سلام، وتقسيم لا توحيد، وإعلان دويلات عراقية طائفية وإثنية مستقلة، وذلك بغض النظر عن شكل الحكومة العراقية العتيدة. ويبدو حسب هذه السيناريوهات المتشائمة أن أية حكومة مركزية ستكون عاجزة عن منع "انفصال" الدويلات الإثنية والطائفية وخصوصاً وأن رموز هذه التوجهات الانفصالية الاستقلالية هم من رموز السلطة الجديدة في العراق ومن أصحاب المخططات الانفصالية لا التوحيدية.

وكشفت مصادر مطلعة لـ "الوطن العربي" أن الأسابيع الماضية بما فيها الأيام التي شهدت المشاورات العلنية لتشكيل حكومة وحدة وطنية وخطابات إعلان النوايا الحسنة، حملت مؤشرات مثيرة للقلق عن صفقات تجري في الكواليس تهدف إلى عكس ما يعلن عنه صراحة. وفي الوقت نفسه كانت بعض المناطق العراقية وخصوصا في كردستان والجنوب تشهد تعبئة عسكرية أسهمت في تعزيز المخاوف من قرب انفجار الحرب الأهلية.

وفي معلومات هذه المصادر أن المعركة الحقيقية التي كانت محور المشاورات والمفاوضات والصفقات لم تكن معركة بغداد و "الحكومة الوطنية" بل معركة كركوك والمشروع الانفصالي، ويبدو أن ما قيل عن اتصالات شيعية كردية لإحياء التحالف بين الطرفين المسيطرين على السلطة في العراق لم تكن في واقع الأمر سوى مفاوضات تمهيدية لتقسيم العراق.

 وتؤكد المصادر أن الزيارة التي قام بها رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم إلى أربيل والسليمانية في الأسبوع الماضي بذريعة إحياء التحالف الكردي الشيعي دخلت بسرعة في صلب الموضوع وتناولت المساومة على كيفية تسريع تنفيذ المشاريع المستقبلية للطرفين الكردي والشيعي، أي إقامة دولة كردستان في الشمال ودولة شيعية في الجنوب.

 ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن يكون الشرط الكردي الأساسي لتفعيل التحالف بين الطرفين في حكم العراق مجددا هو استغلال حالة الإحراج التي سببها للائتلاف الموحد "الشيعي الإيراني التوجه" عودة السُّنة إلى العملية السياسية والرهان الأميركي على تحالف بينهم وبين مجموعة رئيس الحكومة السابق إياد علاوي لقطع الطريق على أية معادلة سياسية جديدة قد تقود إلى تراجع نفوذ وسيطرة جماعة ما بات يسمى بـ "اللائحة الإيرانية" في العراق أو مجموعة الحكومة الطائفية حسب بعض المسؤولين العراقيين.

وفي هذا المجال علمت "الوطن العربي" أن الطرف الكردي سجل أخيراً الإنجاز الذي كان ينتظره عندما عقد الصفقة التاريخية، مع عبد العزيز الحكيم وحصل على دعم الائتلاف الشيعي للتطبيع في كركوك.

وبعبارة أوضح أقر الطرف الشيعي بحق الأكراد في الاستيلاء على أغنى منطقة نفطية في العراق تحت ذريعة تنفيذ المادة 58 من الدستور التي تنص على تطبيع الأوضاع في كل المناطق العراقية وخصوصا كركوك.

وكان لافتا أن الحكيم اعتبر أن تفعيل هذه المادة لا يمثل مطلباً كردياً فحسب ولا تتعلق بالشعب الكردي فقط وإنما بجميع أهالي كركوك وبحدود المحافظات الأخرى. والواقع أن التوافق على هذه المادة يعني عمليا موافقة الشيعة على "كردية" مدينة كركوك وعلى عودة الأكراد إليها بعدما طردهم صدام باسم التعريب، لكنه أيضا يكشف عن توافق كردي ـ شيعي على حدود الدويلات المقبلة.

ويؤكد العارفون أن هذه الصفقة تعتبر نموذجا للتمهيد لتقسيم العراق وانفصال الأكراد والشيعة وحرص الطرفين على حسم مسألة ترسيم الحدود إذ يبدو أن الحكيم حصل بدوره على موافقة كردية لخط حدود الدويلة الشيعية في جنوب العراق.

هدية مسمومة!

وفي معلومات المصادر المطلعة أن الاهتمام الشيعي بترسيم الحدود في الجنوب وبالاحتفاظ بالتحالف مع الأكراد في الحكومة المركزية في المرحلة المقبلة التي ستشهد تكريس مخططات الانفصال باسم الفيدرالية دفعا بزعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى التضحية بشيعة كركوك الذين ينتمون إلى فئة التركمان الذين مازالوا يصرون على اعتبار أن كركوك كانت مدينة تركمانية وليست كردية.

وعلى الرغم من أن التركمان الشيعة عُرفوا بتأييدهم لمقتدى الصدر خصم الحكيم "وشريكه في الائتلاف" إلا أن المراقبين يعتبرون أن قبول الحكيم بالتضحية بشيعة كركوك يعكس حجم الطموحات التي يملكها للدويلة الشيعية في الجنوب وحدودها المطلوبة والتي لم يكشف عنها بعد وتحتاج إلى "رد جميل" من الجانب الكردي.

لكن مصادر أخرى تتحدث عن صفقة كركوك كهدية مسمومة وتشير إلى أن الحسم الكردي ـ الشيعي لمستقبل هذه المدينة النفطية التي يصر الأكراد على ضمها إلى دولة كردستان لا يهدف إلى إيجاد مخرج لأزمة بقدر ما يعكس رغبة مشتركة ربما في فتح مدخل للانفصال والتقسيم ولو كان على حساب حرب أهلية مدمرة.

 ولا يستبعد بعض الخبراء أن يكون هدف الحرب الأهلية في مقدمة النيات الخفية التي دفعت بالحكيم إلى التنازل عن كركوك للأكراد، فرئيس المجلس الأعلى يعرف مسبقا أن تفجير قضية كركوك هو الباب الأخطر لتفجير الحرب الأهلية في العراق لكنها عمليا لن تكون حربا سُّنية ـ شيعية بل حربا سُّنية ـ سُّنية أو بالأحرى كردية ـ عربية.

وفي التقارير الواردة من كركوك أن الأكراد وفي مقدمتهم الزعيمان الرئيسيان مسعود البرزاني وجلال الطالباني قد أتموا عمليا الاستعدادات لاستعادة كركوك عسكريا، وما الاتفاق مع الحكيم إلا من قبيل التغطية والتمويه وتقديم الحل السياسي على الحل العسكري.

وميدانيا يبدو أن الأكراد في صدد إكمال سيطرتهم على المدينة حيث بلغت عمليات تهجير العراقيين العرب وإعادة تمليك الأكراد حجما كبيراً انعكس في حصول الأكراد على ستة مقاعد نيابية من أصل تسعة مخصصة للمدينة، لكن الجانب الأخطر هو في أن الاستعدادات العسكرية للسيطرة على كركوك وضمها إلى كردستان تبدو جاهزة منذ أشهر.

 وتشير التقارير إلى أن الزعيمين الكرديين قد توافقا على تجنيد أكثر من 15 ألف مسلح من الميلشيا الكردية "البشمركة" في الجيش الوطني العراقي واشترطوا فرز هؤلاء على كتائب ومواقع عسكرية في كركوك ومحيطها استعداداً لاستخدامها في الحرب العسكرية المنتظرة للسيطرة على المدينة. وتقول التقارير إن ثمة خطة كردية جاهزة لاحتلال كركوك ونصف الموصل لإنجاز عملية رسم حدود الدولة الكردية "المستقلة".

ووفق هذه الخطة المبرمجة تم "توزيع" الميلشيات الكردية على كتائب وفيالق الجيش العراقي الجديد وفي مناطق الحدود المستقبلية بحيث يتسنى لهم السيطرة بسرعة على كركوك ونصف الموصل حال قرار القوات الأميركية إعادة الانتشار أو الانسحاب، أو قبل ذلك إذا ما انفجرت الأوضاع.

 والمعروف أن عشرات الألوف من البشمركة الذين أرسلوا للانضمام إلى الجيش الوطني مازالوا يتلقون أوامرهم من قادتهم الأكراد وهم يصرحون علنا أن هدفهم حماية حدود كردستان وعلى استعداد للتمرد على أي قرار ترفضه القيادة الكردية والدخول في معارك دموية مع زملائهم الجنود غير الأكراد وخصوصا العرب.

ويبدو أن تركيبة القوات العراقية في شمال العراق مماثلة لتركيبة القوات العراقية في الجنوب حيث ينحصر التجنيد تقريباً في العناصر الشيعية الموالية للأحزاب المسيطرة والانفصالية وميليشياتها، حتى إن القادة العسكريين المحليين يملكون حق الفيتو لرفض عناصر عراقية من طائفة أو إثنية مختلفة إذ أن الأكراد سبق أن رفضوا استقبال مجموعات عسكرية عربية قادمة من الجنوب.

ووفق هذه الحسابات والمخططات الكردية أو الشيعية الجنوبية وانعكاساتها الميدانية ارتفعت نسبة المحذرين من قرب انفجار الحرب الأهلية وتفكيك العراق رغم الرهانات على إعادة توحيده ولو فيدراليا. ويبدو أن معركة كركوك ستكون عنوان المرحلة الدموية المقبلة خصوصا وأن الرفض السُّني لسلخ هذه المدينة ونصف الموصل يبدو مؤكداً حتى في حال انضمام السُّنة إلى الحل الفيدرالي الذي يحرم دويلتهم من أية ثروة نفطية.

وفي انتظار التوافق على تشكيلة حكومة وحدة وطنية التي تبدو عملية معقدة جداً يعيش الخبراء هاجس دخول العراق في نفق أكثر ظلمة وخطورة انطلاقا من كركوك والموصل لإدخال العراق في مرحلة بلقنة طويلة ودموية ومرشحة للتحول إلى حرب تطهير عرقي ومذهبي شاملة.

______________________________

الوطن العربي ـ العدد 1505ـ 6/1/2006