Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

القيادي الشيعي الشيخ جلال الدين الصغير : لا وصاية للسيستاني على المسلمين ..

الكاتب : د. هاشم حسن

أفرز المشهد السياسي العراقي بتطوراته وأحداثه المتلاحقة العديد من الشخصيات الإسلامية والعلمانية المرشحة لأداء أدوار كبيرة في المرحلة المقبلة.. ويقف الشيخ جلال الدين الصغير، المقرب من المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني وإمام وخطيب الجمعة في جامع براثا أشهر مساجد الشيعة في بغداد وعضو البرلمان ولجنة كتابة الدستور، في مقدمة الشخصيات التي تتصدر الفعاليات السياسية والدينية، ولهذا فقد نجا من العديد من محاولات الاغتيال التي حصدت نخبة من المقربين إليه، لكنه ما زال حريصاً على تضمين خطب الجمعة بالمواقف السياسية الثورية الصريحة التي تثير الكثير من الجدل لكنها تبدد المخاوف وتزرع الأمل في عراق جديد ينهض من تحت ركام الأحقاد.

"الوطن العربي" أمضت مع الشيخ جلال الدين الصغير وقتا غير قصير.. حاورته عن شؤون الساعة وشجون الشأن العراقي وقبل هذا وذلك سرد لنا الشيخ القصة العجيبة لمسجد براثا الذي يعد من أهم المزارات في بغداد، حيث كان حسب بعض الروايات محطة توقف فيها العديد من الأنبياء عليهم السلام في مقدمتهم إبراهيم وموسى والمسيح وفي معركة النهروان أمضى الإمام علي كرم الله وجهه أربعة أيام في هذا الدير وله حكاية مثيرة أقرب إلى الكرامات حيث استطاع أن يفتح لجنده عينا للماء من قلب صخرة كبيرة ما زالت ماثلة في المكان مما دفع صاحب الدير لإعلان إسلامه وأصبح المكان مزارا وشاهداً لوقائع تاريخية مهمة ربما ستليها أحداث أخرى في مقبل الأيام العراقية الحبلى بكل ما هو مثير.

كيف تفسرون اتهام الشيخ حارث الضاري لمنظمة بدر بالتورط في أعمال عنف ضد أبناء السنة؟

ـ لا بد أن نشير في البداية إلى حقيقة مهمة ألا وهي أن هذه الدعوات لا علاقة لها بالسنة أو الشيعة. إنما تأتي في حلقة ضمن سلسلة طويلة ابتدأت منذ مدة ليست بالقليلة تحاول أن تفتعل الفتنة الطائفية في العراق ،وأوضح أن القوى التي تحالفت على إعاقة العملية السياسية اتفقت على أن تتخذ من الفتنة الطائفية سبيلا لتدمير هذه العملية وصولا لغايات قد تختلف فيما بينها ولكنها تتحد في طبيعة تفتيت الصف الوطني وشرذمة القوى الشعبية والسياسية المنطوية في العملية السياسية الجارية في البلاد.

وما تحدث بشأنه حارث الضاري في هذا الوقت تحديداً يشير إلى طبيعة ظرف تمر به نفس حارث الضاري والمؤسسة التي عمل جاهداً خلال هذه الفترة كي يدفع بها، وهي مؤسسة الإعاقة لكل عمل من شأنه إقامة الدولة العراقية الجديدة البعيدة عن أوضاع النظام السابق، إن هذه الدعوة أو التهمة إنما جاءت تلبية لظروف يعيشها الضاري نفسه سواء في علاقته مع هيئة علماء المسلمين، إذ من المعروف أنه يعاني من مشكلة تشتت وتفتت هذه الهيئة أو على مستوى الصف السني باعتبار أن الكثير من القيادات السنية تحمله مسؤولية كبرى في شأن شرذمة أو تهميش الدور السني العربي بعد ممانعته في إشراك السنة في عملية الانتخابات مما أدى إلى انسلاخ واضح جدا في القاعدة التي كان يعتمد عليها، ناهيك عن طبيعة ما يلوح في أفق العملية الأمنية الجارية.

 ونشير هنا إلى طبيعة الجدية التي تتسم بها هذا العملية بعد أن كانت الوزارة السابقة عبثا أمنيا وسياستها كانت تعمل لخدمة الإرهابيين وبالنتيجة حولوا هذه الأجهزة إلى يد عاملة ومساعدة ليد الإرهاب، ولذا فكانت هذه الصفقة ضربة استباقية  لما يمكن أن يجري في مستقبل هذه الأيام من ضربات جدية إلى الإرهاب لا سيما أن الخطة الأمنية الجديدة مصممة لقطع يد الإرهاب من الجذور.

وأضاف الشيخ جلال الدين: أن توجيه اتهام غير دقيق لفصيل رئيسي في الفعالية السياسية العراقية ينطوي على أبعاد غاية الخطورة وكنا نأمل من الضاري أن يؤدي دوره كمسؤول ديني، وأن يتحرى الدقة في حدها القانوني الأدنى، وكان عليه أن يعرضها بشفافية على المحافل القانونية لأنها هي المسؤولة عن متابعة هذه القضايا، ويمكن أن تتجلى للرأي العام خطورة تصريحات الضاري التي تكمن في كونها مجافية للحقيقة في تبرير قتله للمواطنين العراقيين، حيث قال إنه يجوز قتل الأبرياء للوصول إلى ما أسماه "المحتلين" أو ما إلى ذلك، عندئذ نقول ما الضير في أن يستخدم الزرقاوي هذه الطريقة للوصول إلى هدفه المعلن باستخدام بعض أبناء السنة، وهو أمر مؤسف للوصول إلى هدفه الأساسي وهو إثارة وافتعال الفتنة والحرب الطائفية بين السنة والشيعة ولا سبيل له بالسيطرة على الشارع السني وتحقيق أهدافه الظلامية إلا عبر هذه الخطة الخبيثة.. وقد وصف السنة بألفاظ سيئة تليق به ولا تنطبق عليهم..ولذا فإن اتهام الضاري لمنظمة بدر جاء في غير مكانه وزمانه الصحيحين.

 لقد كان ظالما جدا ومخالفا للمنطق، لأن منظمة بدر لا وجود لها في وزارة الداخلية وجهاز المخابرات، ولدينا وثائق تؤكد هذه الحقيقة، والمنظمة لم تمنح أية امتيازات بل هي لم تحصل على تراخيص لحمل السلاح، وجاء الاتهام بعد تولي وزير جديد من الائتلاف وزارة الداخلية، ولهذا فإن واقع المنظمة وتحركاتها المعروفة للرأي العام تفسر اتهام الضاري على أن له بعداً واحداً فقط هو التحريض المتعمد لإثارة الفتنة الطائفية وتهديده وتلويحه بهذا الخيار المرفوض من السنة والشيعة مستغلا أوضاع السنة وعدم اتفاقهم وانقسامهم بشأن المشاركة في العملية السياسية فمنهم من يؤيدها بقوة وبعضهم يرفضها، وآخرون ما زالوا متفرجين، وهناك من يجاهر بحمل السلاح، وهم في كل ذلك لا توحدهم قيادة مشتركة، وهيئة علماء المسلمين فصيل واحد من فصائل السنة وهي ليست الممثل الوحيد.

تخوفات عربية

ما سر تخوف المحيط العربي من قيادة الشيعة للعمل السياسي؟

ـ العراق بلد غنى جدا، وكان غناه وثرواته للآخرين أكثر مما لنفسه، وهذا الغنى ابتنى على أساس سلب الشيعة حقهم في العيش والمواطنة، والمذابح التي جرت في العراق في عهد النظام السابق لا يمكن لأحد أن يتصور حجمها،وكانت أمام أنظار الجميع لكن الإعلام العربي كان أخرس تماما بل أكثر من أخرس ولعب دور الشيطان، أصر على إخفائها ومازال حتى الآن يرفض تقبل تلك الحقائق والوقائع، لذلك لم نكن نستغرب أن الدوائر والأنظمة العربية المتأثرة بالروح الطائفية أكثر من الدبلوماسية تشعر إزاء ما يحدث في العراق بالأزمة وتتوقع أن جماهيرها ستطالبها بإحداث تغييرات وإصلاحات وهي تعلم أيضا أن العملية السياسية في العراق ونموذجها_ رغم الاضطراب الظاهري للوضع الأمني_ تتقدم وأن قوى التغيير التي أفرزت أدوارا للشيعة والأكراد وللسنة أيضا بأنها ستكون توجيها جديدا لاستثمار ثروات وموارد العراق لصالح العراقيين.

 وهذه التجربة ماثلة وحاضرة أمام أنظار الأنظمة العربية وشعوبها وتحاول أن تشوهها بكل الطرق وفي مقدمتها دعم الإرهاب والإعلام الأسود، لكننا سنمضي لتركيز الثروة داخل العراق لإعادة بناء العراق المدمر والرقي به إلى مصاف الدول الغنية، والمشكلة ليست في الشيعة أو الأكراد بل رغبة الكثير من الأنظمة في أن ترى وجوها كالحة تلبي مصالحها ومن حقنا ـ ونحن نرى مدناً مثل الرياض ليس فيها أنهار تتحول إلى جنان ونحن بلد النهرين العظيمين نعيش في قفار ـ أن نفكر في إعادة بناء العراق للعراقيين، مع انفتاح واع على الآخرين في إطار المصالح المشتركة.

وماذا عن اختراق المخابرات الإيرانية للأحزاب الشيعية؟

ـ لقد قيل الكثير من هذا الكلام وصوروا الشيعة القادمين لقيادة العملية السياسية في العراق وكأنهم ليسوا من العملية السياسية في العراق وكأنهم ليسوا من العرب أو المسلمين، بل أدوات تحركها الجهات الأجنبية الخارجية، وأن هنالك انتهاكات تحدث في العراق، لكن الواقع يكشف أن ما يقع في العراق أعمال إرهابية معروفة المصدر، وغير ذلك لم ترتكب الحكومة الحالية أية انتهاكات وهي إن حدثت لا تصل إلى عشر معشار ما يحدث في أكثر البلدان العربية ديمقراطية!

هل تفسر انخراط الشيعة في العملية السياسية الحالية بأنه مع المشروع الأميركي؟

ـ الشيعة لا يعدون أنفسهم متوافقي المصالح مع الأميركان، ونعتقد أن أميركا هي التي هيأت وقوت نظام صدام، لكن هناك قضية أساسية تمثلت في أن ورقة صدام حسين احترقت أميركيا ووجدوا أنه لا سبيل أمامهم إلا التوافق مع قوى التغيير العراقية المتمثلة في فصائل المعارضة الشيعية والكردية مثل  "المجلس الأعلى" و "الدعوة" وغيرهما.. ونحن رغم التناقض معهم نسير معا في مشروع إعادة تأهيل العراق إلى حين استكمال البنية التحتية للدولة العراقية وبناء مستلزمات السيادة العراقية الكاملة وإنهاء التحديات الإرهابية التي تريد عودة العراق إلى الخلف وتخطط لنقل السلطة للقوى الظلامية.

سر تحول واشنطن

ما سر التحول الأميركي؟

ـ صحيح أن الأميركيين كانوا يبحثون عن قوى غير الشيعة للتعاون لإسقاط صدام لكنهم قالوا عام 1991 لا للشيعة ،ولا تعاون مع أحزابهم "المجلس" و "الدعوة" و "بدر". لكن في الحرب الأخيرة لم يجدوا غير هذه القوى.. فتفاعلوا معها واكتشفوا الكثير من الأوهام والصور المشوهة المنطبعة في أذهانهم عن الشيعة ومرجعياتهم العليا وأيقنوا أن الشارع العراقي الشيعي أكثر اعتدالا من بقية القوى.. وأن المرجعيات الدينية أكدت حرصها على الدم والمال العراقي والوحدة الوطنية والممارسة الديمقراطية الواعية البعيدة عن التطرف وأعطت مثلا عن انفتاح وتطور الفكر الإسلامي وابتعاده عن الانغلاق.

يقال إن مجرى الأحداث سيرسم لسماحة آية الله السيستاني دور ولي الفقيه أو المرشد الإسلامي العام؟

ـ ما يشاع عن سماحة السيد علي السيستاني غير صحيح، فالرجل يرفض التدخل في الشؤون السياسية وكان مضطرا لتحديد بعض المسارات الأساسية في إطار واجبه الديني وفي القضايا التي تمس مستقبل البلاد فقد وجه لضرورة المشاركة في الانتخابات وأوصى بإيقاف العمليات الثأرية بعد سقوط النظام وحرص على كتابة الدستور وحفظ المال العام ومحاربة الفساد.. وقد أبلغني في زيارتي الأخيرة له بأنه لن يتدخل في الانتخابات المقبلة لأن الجميع عرف المسار والمسؤوليات وأنه كان يحرص في الانتخابات الأولى لظهور شخصيات كفؤة تسهم في كتابة الدستور الناضج للبلاد المعبر عن التعددية بكل أصنافها. وأن الحديث عن اتباع أو إقرار دستور ونظام حكم تأثرا بإيران من باب تصدير الثورة فهذا الكلام مردود لأنه ينطوي على إهانة واستهانة بعقول العراقيين وعدم احترام لذاتهم الوطنية، وكلنا يعلم أن تجربة العراق غير تجربة إيران ولكل بلد سماته وخصوصياته، فالشيعة لم يصرحوا أو يلمحوا بإقامة نظام ولاية الفقيه أو تبني مشروع للجمهورية الإسلامية لأن الدستور وشكل نظام الحكم سيقرره الشعب العراقي بنفسه بدون وصاية من هذا الطرف أو ذلك..

واختلاق هذه المخاوف هي دعاية مضادة لتشويه النهج الشيعي المعتدل في العراق.. وإصدار المرجعيات لتصريحات عن بعض القضايا المهمة التي مس مشاعر الرأي العام يجب ألا تفسر على أنها ولاية على المسلمين بل هي مشاركة في الاهتمامات المشتركة من زاوية الأخوة الإنسانية والدين الواحد.

محاكمات لحكومة علاوي

يشاع في الشارع العراقي عن قرب محاكمات لوزراء حكومة إياد علاوي بتهمة الفساد؟

ـ هذه ليست شائعات بل حقائق دامغة، وحقيقة لو أن العالم اطلع على حقيقة الفساد في حكومة إياد علاوي لأصابته الدهشة والذهول، فلقد كان الوزراء أشبه بالحكام المطلقة أيديهم في وزاراتهم، لقد غيبوا الجهات الرقابية والتفتيشية وهدروا أموال الدولة، فكانت السرقة تمارس علنا ولم يكن هناك من يتجرأ على إيقافهم، وما سرقوه ونهبوه لا يقل شأنا عن الذي فعله أتباع النظام السابق على مدى 35 عاماً من الفساد الصدامي الذي تجاوزته حكومة علاوي خلال عام واحد، وهذا الاتهام تؤيده الوقائع والوثائق والأدلة، لقد أحدثوا خرابا هائلا وفسادا مريعا بكل المقاييس!

وهل ستمر هذه التجاوزات بدون حساب؟

ـ بالطبع لا، لأن هيئة النزاهة ـ المشكلة استنادا للقانون وتضم نخبة من المحققين والقضاة ـ تستعد لاستجواب حكومة علاوي وأول مهامها متابعة سبعة وزراء وآخرين غيرهم من كبار المسؤولين وقد رفعت ضدهم دعاوي رسمية تمهيدا لمحاكمة المدان منهم، واتخذت الإجراءات بهذا الصدد وستشمل غالبية الوزراء ومسؤولين آخرين بمستويات واختصاصات مختلفة.

كيف تنظرون لظاهرة التيار الصدري؟

ـ يجب أن نفهم ونحدد أولا، من هو المقصود بالتيار الصدري؟ فبعض المجاميع والأشخاص لا يمثلون هذا التيار، ونحن نتابع بحرص فعاليات التيار الصدري وقد اتخذ السيد مقتدى مؤخراً إجراءات جيدة جدا تنظر إليها القوى السياسية بعين التقدير، وصحيح أن هناك من يدعي أنه يمثل التيار الصدري ويشاغب ويشاكس ضد العملية السياسية، لكن الرسميين في التيار يؤكدون أن هذه التصريحات والتصرفات لا تمثل التيار وقد خضعت المجموعة المقربة من السيد مقتدى للعديد من الإجراءات وأصبحت الآن أكثر انسجاما وتوافقا مع أطراف الفعاليات السياسية وليس هنالك مخاوف على انقسام البيت الشيعي، فالجميع يدرك حجم المخاطر والتحديات وثقل الأمانة والمسؤولية للنهوض بأعباء المرحلة الراهنة.. والكثير من تعليمات وأوامر السيد مقتدى متطابقة مع المسار العام وهي تدحض بعض ما ينسب إليه.

_______________________________

الوطن العربي ـ العدد 1475  10/6/2005