حوار مع الشيرازي ..
· أجرى الحوار: الشيخ زكريا داوود
· تاريخ الحوار: 14/5/1422 هـ
· مكان الحوار: منزل سماحة آية الله العظمى السيد محمد مهدي الشيرازي في قم المقدسة.
· أعده للنشر: الشيخ صالح جاسم آل عيد (عالم دين – السعودية)
أجرت مجلة البصائر الشيعية مقابلة مع المرجع الشيعي محمد مهدي الشيرازي قبل موته, نضعها أمام القارئ كي يتعرف على بعض جوانب التخطيط الشيعي وسعيهم لنشر مذهبهم بشتى الوسائل من خلال الكتب والمنشورات وإنشاء الجمعيات.... كما تظهر المقابلة منهج " اللاعنف " الذي يتبناه الشيرازي حيث يرى أن التصدي لليهود وظلمهم في فلسطين يكون بالاحتجاج! والمقابلة ننشرها كما هي على الرغم من ركاكتها وضعف لغتها وأسلوبها..........................................................المحرّر.
مقدمة (توطئة)
الإمام آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي(1347 – 1422هـ) قمة من القمم الشامخة, وشخصية عظيمة ساهمت بشكل كبير ليس في تطوير الواقع الشيعي أو المرجعي فحسب, بل شخصية ساهمت بشكل كبير في تطوير الفكر الاسلامي في جميع اتجاهاته الاصلاحية والتغييرية ومدرسته الفكرية وما تحمل من تنوع عظيم وكبير في الرؤى رائدة التطوير والعمل, وخصوصاً في واقعنا ومجتمعنا, حيث خرّجت هذه المدرسة الفكرية جيلاً مؤمناً بالتغيير والاصلاح, وأخذ هذا الجيل ينمو حتى اصبح شريحة واسعة من النخب الفكرية والسياسية والدينية والفقهية, فتأسست المدارس العلمية, والنوادي الثقافية.
والمراكز التي تمارس أنشطة توعوية متعددة, وكانت " مجلة البصائر " إحدى ثمار هذه المدرسة الفكرية العريقة, وقد كان لنا هذا اللقاء مع سماحة الإمام الشيرازي, في بيته المتواضع وفي تلك الغرفة المتواضعة, في تاريخ 14/5/1422هـ, اي قبل وفاته بما لا يزيد عن خمسة أشهر, وقد كان لقاءً ودياً, وكنا نشعر بتعامل الأب الموجه الذي غمر أبناءه بالعطف والمحبة, وقد تخلّل حديثنا المسجّل, بعض التقطعات التي غمرنا سماحة الإمام فيها بالكثير من التوجيه والمعلومات المفيدة, وها نحن نقوم بنشر هذا اللقاء لقرائنا الكرام, وتعبيراً منا بالوفاء والعرفان لمرجعنا العظيم.
البصائر: سماحة الإمام:يعتبر سماحتكم من رواد النهضة الحضارية, ومن الشخصيات المؤثرة في نشر الوعي الاسلامي داخل الأمة, وأنتم كذلك مرجعية دينية رائدة, وقد كانت الحوزة هي المحطة الأولى في تكوين شخصيتكم وتوجهاتكم النهوضية, فكيف تنظرون للحوزة خصوصاً بعد التحولات السياسية التي حدثت ونشوء دولة يقودها العلماء؟.
سماحة الإمام: في تصوري إن حوزاتنا لا تتمكن من فعل شيء إلا بشرط شورى المرجعية, مثلاً خمسة من المراجع في قم وثلاثة مراجع في أصفهان وأربعة في النجف يكوّنون مجلساً للشورى بينهم, يقود هذه الأمة في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية, أما الأمور العبادية الفردية فكل واحد واجتهاده فيها, هذه الشورى ضرورية لقيادة الحوزة للأمة, اما أن يحضر المرجع إلى مجلس الشورى بنفسه أو يحضر وكيله.
أنا أتذكر قبل خمسين سنة أن (البابا) ومؤسساته كانت في الدرجة الثالثة من حيث عدد المبلغين, والأزهر كان ثانياً من حيث مبلغيه وعدد علمائه, والنجف كانت الأولى, اليوم انعكست الآية فالصحف تتحدث عن ستة ملايين مبشر مسيحي تحت سلطة (البابا), بينما الأزهر يمتلك مئتي ألف روحاني, وقم القوية بالحوزات الشيعية لديها أربعون الف عالم فقط, يعني خلال نصف قرن انعكس الوضع تماماً, ولذا ترى أن (للبابا) التأثير الأكبر.
وشخصياً قرأت في مجلة العالم الاسلامي (السعودية) السنة الماضية أن (البابا) تمكن من تحويل ستين ألف إنسان إلى المسيحية يومياً, ستون ألفاً عدد هائل!
وقبل مدة جاءني ثلاثة أشخاص, سألتهم: من أين أنتم؟
قالوا: من طاجيكستان.
فسألتهم عن أوضاعهم.
قالوا: إن كل شيء سيء.
فسألتهم لماذا؟.
قالوا: إن خمسين ألف شيعي تحولوا إلى المسيحية.
من يجب أن يخطط لحفظ هذا الكيان وصيانته؟.
مراجع التقليد بدون شك... وكيف ذلك؟.
باتحادهم, فإن في الاتحاد قوة, والدعوة إلى الاتحاد والشورى, ليست في الأحكام العبادية الشرعية, فهذا يقول: الكر أربعين شبراً, أو ثلاثة وأربعين, لا كلٌّ على رأيه في هذه المسائل, أما ما يهم الأمة من قضايا السياسية والاقتصاد والاجتماع, وتبليغ الدين, والوقوف امام الكفار ومخططاتهم وألاعيبهم, كل ذلك يحتاج إلى شورى, وإلا فإن الحوزة ليست حوزة وهي كذلك اليوم!.
العراق الذي كانوا يخافون منه أشد الخوف, العراق الذي أخرج الإنجليز على يد الميرزا محمد تقي قائد ثورة العشرين... وقد سمعتم به.
العراق اليوم تقتل مراجعه, في يوم قتلوا الشيخ البرجودي وهو مرجع تقليد ويوم آخر قتلوا الشيخ الغروي وهو مرجع تقليد كذلك, ويوم آخر قتلوا السيد بحر العلوم وكذلك السيد الصدر.
ومن يطالب بدماء هؤلاء المراجع؟!.
غاية ما نفعل أن نقيم مجلس فاتحة, ونبرق برقية تعزية... وهذا كل شيء!
الآن العالم في النجف الأشرف لا يتمكن أن يخرج من بيته, كيف كنا؟! وكيف صرنا؟! هذا هو شأن المرجعية.
كل ذلك وشورى المرجعية مفقودة والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قال ((وأمرهم شورى بينهم)),والرسول أمر بالشورى, وكان يستشير الناس, وكان يستشير حتى النساء في موارد متعددة.
قد تقول أن الشورى غير ممكنة ولكن على العكس هي ممكنة ولكن نحتاج إلى نشر ثقافة الشورى بين الناس, يعني أن تبيّن الشورى لألف إنسان, أو عشرة آلاف إنسان والآخر لألف ولعشرة آلاف, وأنا لألف إنسان ولعشرة آلاف وهكذا.
البصائر: في ظل التطور الكبير الذي حدث في العالم, وخصوصاً في العشرين سنة الماضية أصبحت المجتمعات متقاربة جداً كيف يقرأ سماحة الإمام مسيرة الحوزة العلمية, وهل قدمت ثقافياً وعلمياً ما كان يؤمل منها؟
سماحة الإمام: لم تقدم ولا عشرة بالمئة, وهذا الواقع, وكل جماعة بقائدها ولا يوجد قيادة....
البصائر: منذ السبعينات ونحن نسمع أصواتاً كثيرة داخل الحوزة العلمية وخارجها تدعو إلى تجديد المناهج بحيث تتلاءم مع العصر والتطورات التي حدثت ما هي نظرة سماحة الإمام حول هذه الدعوة؟ وهل الحوزة حقيقة بحاجة إلى تجديد المناهج؟ أم بحاجة إلى شيء آخر؟
سماحة الإمام: في نظري تحتاج الحوزة:
أولاً: إلى شورى المرجعية.
ثانياً: أنا أذكر حينما كنت طالباً في العراق قرأت الطب شخصياً وكتبت في الطب, وقرأت الفلك, وقرأت الحساب, وقرأت الهندسة, وكانت كل المناهج موجودة في الحوزة.
فإذا كنت تقصد بتجديد المناهج أن تأتي بمناهج أقوى من المطول وأحسن وأفضل من المغني, أو افضل من الشمسية, فجئ بها, أما أن تأتي بكتاب لمجرد أنه جديد, أو مؤلفه جديد, فلا, يجب أن يكون المنهج البديل أفضل من القديم حتى يستبدل.
البصائر: سيدنا في داخل الحوزة العلمية وخصوصاً في إيران تيارات فكرية متعددة كالمدرسة الفلسفية, ما وجهة نظركم سيدنا حول هذه المدارس؟.
سماحة الإمام: فيها أخطاء كبيرة في الحقيقة.
وفي أيامنا في العراق لم يكن أحد يقرأ للمدرسة الفلسفية أبداً, صحيح أن شرح الباب الحادي عشر كان متعارفاً عليه, لكن الفلسفة لم تكن أبداً في بلادنا, وحتى في قم في زمن السيد البرجوردي (1292 – 1380 هـ) لم تكن تدرّس الفلسفة, فقد كان تدريسها محرماً, فقد قام السيد البرجوردي بسد الأبواب التي كانت تدرّس الفلسفة.
وفي تصوري أن تطور تدريسها اليوم هو أمر مؤقت لأن المرجعية مخالفة للفلسفة.
البصائر: الحوزة تعتبر من اهم القنوات التي تربي الشخصيات العلمية وخصوصاً داخل الإطار الشيعي, لكن ما نراه في القرن الأخير أن الحوزة لم تنجب شخصية قوية تؤثر بشكل كبير فيها وبالأخص في الجانب العلمي فما هي اسباب ذلك؟.
سماحة الإمام: سبب ذلك أن الحوزة العلمية في المائة سنة الأخيرة أبتليت بالاستعمار, الميرزا الكبير (1230- 1312هـ) حارب الاستعمار البريطاني في إيران وهذا يأخذ من فكره وجهده ووقته, والإنسان ليس له وقتان, مرة يحارب ومرة يعمل, وهكذا كان الوضع بالنسبة لبقية العلماء والمراجع, بعد ذلك جاء الآخوند الخراساني (1255-1329هـ) صاحب الكفاية, وحارب الاستبداد في إيران في قصة مشهورة ومعروفة بالمشروطة.
الميرزا محمد تقي (ت1321هـ) حارب الاستعمار البريطاني في العراق أما العلماء الذين جاؤوا بعدهم مثل السيد الحكيم (ت1390هـ) والسيد المرعشي (1315-1411هـ) ما كان عندهم وقت واقعاً, نفس السيد أبو الحسن الأصفهاني (ت 1365هـ) حارب, ولكن رأى أنه لا يتمكن فترك, السيد الحكيم كان من المحاربين وقد قال لي بنفسه: إنه كان من المحاربين, السيد المرعشي قال لي بنفسه: أنه من المحاربين.
تشكيل الأحزاب
البصائر: سماحة الإمام أنتم من الداعين وبشكل كبير إلى تشكيل التنظيمات والأحزاب في الأمة الاسلامية وتعتبرون هذا الأمر أحد عوامل النهضة, لماذا لم تتجه الحوزة العلمية هذا الاتجاه النهضوي والعصري؟
سماحة الإمام: الخوف من الأحزاب – وقد تحدثت عن هذا الأمر كانوا يخافون من الأحزاب بكثرة,لأنهم رأوا الحزب الشيوعي في العراق, ورأوا الحزب البعثي, فخافوا من الأحزاب.
شيوعي, بعثي, قومي, ديمقراطي منحرف, ولهذا خافوا من الأحزاب.
أنت إذا رأيت خياطاً يسيء, وخياطاً ثانياً يسيء, وثالثاً يسيء, تقول: إن كل الخياطين هكذا.
هذا هو الواقع... الأمثلة التي كانت في الساحة من الأحزاب كانت سيئة للغاية.
البصائر: سيدنا إذا كان هذا واقع الحوزة العلمية تجاه الأحزاب, فما هو السبيل لتوجيه الحوزة لتنشىء أحزاباً دينية نهضوية تحمل همّ الأمة وتسعى لقيادتها؟.
سماحة الإمام: أولاً يجب أن تتكوّن جماعة من المؤمنين الصالحين يتولون أمر الحزب, ويجب أن يعرف الناس انهم مستقيمون مستمرون في الاستقامة, عند ذلك تؤمن الحوزات, لأن الناس لا تؤمن بالأفكار المجردة, الناس يؤمنون بالأشخاص... هذه قاعدتهم.
الكنيسية في الغرب قامت بمفاسد تعرفونها... مائة ألف إنسان في كل أوروبا كتبوا كتباً حول الأحزاب الحرة... مائة ألف إنسان, أنا قرأت عن هذا, بعدها تكوّنت الأحزاب.
الوحدة الإسلامية
كم قتلوا؟ وكم سجنوا؟ وكم عذّبوا؟ وكم شرّدوا حتى تكوّنت الأحزاب؟ لقد حدثت مآسٍ حتى آمن الناس بضرورة الأحزاب.
الآن أنا دائماً أدعو لتكوين الأحزاب حتى في مجالسي الخاصة.
البصائر: سماحة الإمام أنتم تعتبرون من أهم الشخصيات المرجعية البارزة التي دعت وتدعو للوحدة الاسلامية, وهذا ما نلاحظه في مجمل خطابكم الموجه للأمة ودعاتها, فهل قمتم سماحة السيد بمد الجسور مع علماء السنة لتقوية هذا الاتجاه خصوصاً في العراق والكويت؟
سماحة الإمام: نعم قمنا بمادرات في العراق, ذهبنا للسنة, وعلماء السنة أتوا إلينا.
كما أذكر كان هناك احتفال كبير في مدرسة أبي حنيفة, ذهبنا لهذا الاحتفال وأنا شخصياً ذهبت لهذا الاحتفال, ولما كان عندنا احتفال للإمام أمير المؤمنين عليه السلام في كربلاء دعونا السنة, فشاركنا علماؤهم.
أفكاري في مسألة الوحدة ليست جديدة, بل هي قبل خمسين سنة, لأنني أطالع كثيراً وأظن حتى الآن أني قرأت في حدود ستة آلاف كتاب من الكتب الاجتماعية والسياسية, والاقتصادية والثورية والفقهية, وغيرها, و كل كتاب أراه أقرأه سواء كان حوزياً أم لا وإلى الآن انا أطالع.
وفي الكويت نفس الشيء, السنة أصدقائي نذهب إليهم ويأتون إلينا.
والأخ السيد حسن ذهب إلى السنة, وذهب إلى شيخ الأزهر, وذهب إلى لبنان, وذهب إلى كل مكان, أما في إيران فظروفي لا تسمح... لكن هذه الأشياء لا تحدث بسرعة بل تطول, وتحتاج إلى زمن طويل.
البصائر: سماحة الإمام كان هذا داخل الإطار الاسلامي العام, أما إذا تحدثنا عن الوحدة داخل الإطار الاسلامي الخاص (الشيعي) فأنتم تدعون لشورى المرجعية وشورى الفقهاء, في هذا الاتجاه سماحة السيد هل تحدثتم مع المرجعيات الشيعية لتطبيق هذه النظرية على الواقع الشيعي؟.
سماحة الإمام: أنا دائماً أتحدث عن هذه القضية, وقد تحدثت مع الشيخ المنتظري عندما جاء لزيارتي هنا في هذه الغرفة, وتحدثت مع السيد صادق الروحاني, والسيد المرعشي, والسيد الكلبيكاني, عندما جاء كلٌّ منهم لزيارتي, وكذلك عندما كنت أذهب إليهم, لكني اقول: إن الواقع يتغير, ولكن ذلك الأمر لا يحدث بشكل سريع, وكان ردهم أن هذا الأمر لا يحدث, بدِّل فكرتك: لأن هذا لا يمكن أن يحدث وهو مستحيل.
فلسطين
البصائر: سماحة السيد ندخل في محور آخر, وهو قضية التعامل مع الدولة الغاصبة أو ما يسمونها بـ (اسرائيل) فنحن نلحظ تياراً سياسياً واسعاً داخل الأمة وفي الدوائر الغربية يدعو للتطبيع مع (اسرائيل) ما هو رأيكم في مثل هذه الدعوات؟ وكيف تنظرون إليها؟.
سماحة الإمام: في الحقيقة هذه الدعاية كتبت حولها كتاباً (هل يدوم الصلح مع اسرائيل) هل رأيتموه؟.
والآن عندي كتاب جديد اسمه (الأقصى المبارك) يطبع إن شاء الله.
أما الحبل الذي من الله إذا أصبحوا (خوش أوادم) أي آمنوا بالله واتقوه.
أما الحبل الذي من الناس فهو اليوم أمريكا التي تسندهم, هذا نص القرآن.
في الحقيقة ضغط أمريكا هو المؤثر أما الدول العربية فهم خائفون ومشتتون بتفرقهم وكل ذلك بسبب حكامهم.
والكل ضد التطبيع واقعاً إلا أنهم يخافون من أمريكا, حتى أني سمعت قبل مدة في محطة الجزيرة الفضائية محاضراً اسمه (عبد الله النفيسي) كان عنده لقاء في الجزيرة حول التطبيع, وكانت كلمته جميلة, وقد أرسلت له خبراً أن يطبع هذه الكلمة حتى يراها الناس.
وكتبت في كتبي وهذا تصوري, أن اسرائيل ستزول من هنا, والدليل أن الصليبيين لما جاءوا إلى هنا بعد مائتين سنة أزيلوا, هؤلاء كذلك سيزولون, لكن الآن يحتاج إلى وقت: لأن امريكا معهم, سابقاً بريطانيا كانت مع اليهود والآن أمريكا بقوتها العارمة.
البصائر: سماحة السيد نلاحظ أن الذين يسعون للتطبيع يسعون في ذات الوقت لمسخ عقلية الأمة, فهل يمكن لهؤلاء أن يحققوا أهدافهم؟ وهل يمكن للأمة أن تقبل بعملية التطبيع؟
سماحة الإمام: ليس من المعقول حدوث ذلك, وأتصور غير ممكن. لاحظوا الشاة صنع في طهران – وأنا قرأت ذلك – أربعة عشر ألف مخمر في طهران وحدها, أربعة عشر ألف محل لبيع الخمرة الشاه أنشأها.
لكن هل بقيت؟!
كلا... في يوم واحد أزالوها, وأي شيء خلاف الأمة لا يمكن أن يحدث.. هذا غير معقول, فقط امتحان يمتحن الله به الناس هؤلاء وهؤلاء ثم يذهبون.
الشاه صنع في كل مدن إيران ما عدا قم, في كل مدينة مبغى أي (فاحشة خانة) باللسان الفارسي, صنع ذلك في كل مدينة, في شيراز, في رشت, في أصفهان, في طهران, في بروجرد, في يزد, وفي يوم واحد كلها أزيلت: لأنها خلاف إرادة الأمة... هذا واقع.
الاستعمار الفرنسي احتل الجزائر مائة وعشرين سنة وبقي فيها وجلب مليون فرنسي للجزائر, لكنه ذهب لأن الشيء الذي هو خلاف إرادة الأمة لا يبقى لكنه يطول ويقصر. هذا هو الأمر لا أكثر ولا أقل.
البصائر: سماحة السيد الإمام يطرح الإعلام الغربي وكذا الإعلام العربي تبعاً له مسألة تدويل مدينة القدس وتقسيمها باعتبار أن القدس – كما يقولون – لا تخص ديناً بعينه, بل هي لكل الديانات, ما هو رأيكم في هذه القضية؟.
سماحة الإمام: هذا كذب... كذب..., لأن القدس للمسلمين أكثر من ألف سنة فكيف يقسمونها, مثل ذلك مطروح لتقسيم العراق إلى وسط وشمال وجنوب هذا كله كذب, لأن البلاد بلاد اسلامية ونحن عندما كانت القدس بأيدينا هل كنا نمنع اليهود؟
كلاّ.
هل كنا نمنع النصارى؟
كلاّ.
اللاعنف
فالقدس كونها للجميع صحيح لكن عنوان التقسيم غير صحيح, هذا كذب واضح لأنها بلاد اسلامية.
البصائر: في ظل الهجمة الشرسة التي تشنها آلة الحرب والبطش والإرهاب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بجميع فئاته, كيف تنظرون لمستقبل الشعب الفلسطينيي المظلوم؟
سماحة الإمام: ياسر عرفات كان يعتمد على السلاح, وفي كل شيء يعتمد على السلاح في خطاباته في كلامه, بندقية... بندقية, أنا أرسلت له خبراً قلت له: هذا غلط, لن تتمكن من فعل ذلك بالسلاح, بعد مدة تنازل عن البندقية, بعدها اعتمد على الحجارة, كذلك أرسلت له خبراً جديداً, أي قبل سنة, قلت له: هذا غلط كذلك, لأن السلم هو الذي يقدّم.
شخصياً رأيت في التلفزيون, أن الفلسطينيين يرمون الإسرائيليين بالحصاة, ويقيناً أنتم رأيتم ذلك, فيأتون بهم ويكسرون أيديهم ويقطعونها بالساطور.. هل هذا صحيح؟.
" اللاّعنف " هو الحل: مظاهرات, وإضرابات, هذا هو الذي يقدّم أمّا الحصاة غلط.
البصائر: سماحة السيد لكن كيف يمكن مواجهة إسرائيل وهي تستخدم الدبابات والأسلحة الفتّاكة المتطورة, ضد شعب أعزل, كيف يمكن مقاومة كل ذلك بالمظاهرات والإضرابات فقط؟
سماحة الإمام: لا, هذا أمر مؤقت استخدامه, انظر عندنا مثالان, المهاتما غاندي في مقابل بريطانيا, والثاني مانديلا, وكلاهما في مقابل أعتى قوة.
الواقع أن اللا عنف هو الذي يتقدّم, لأن اللا عنف هو العقل, والسلاح منطلقه البدن, والعقل مقدّم على البدن, وقد ذكرت هذا الأمر في واحد من كتبي.
الإعلام
البصائر: سماحة السيد كيف يمكن لنا كشعوب ونخب وحركات إسلامية مواجهة عملية التطبيع؟
سماحة الإمام: اطبع مليون كتاباً وأنشرها, بيّن مفاسد التطبيع وأنه خطر جداً.
أنا شخصياً رأيت اليهود في العراق, لأنهم كانوا في العراق قبل خمسين سنة, في النجف كانوا, في كربلاء كانوا, في بغداد بكثرة كانوا, في العمارة بكثرة هائلة كانوا, أنا رأيتهم وعرفت أساليبهم ونفسياتهم, اليهودي يبيع زوجته وأولاده في سبيل المال.
وعدم التطبيع يحتاج إلى إعلام, هل عندك شبكة إنترنت بخمسين أو مائة لغة؟ لا.
عندك محطة فضائية؟ كلاّ.
أما هم فكل شي عندهم.
عندك مجلة أو جريدة؟
وحتى هذه (البصائر) كل ثلاثة أشهر تصدر, كم شخصاً يقرأها؟!
هناك امرأة في الغرب اسمها أجاثا كريستي, هذه المرأة طبعت من كتبها مليارين, اطبع أنت ملياري كتاب ووزعها, ملياران...! وأنا اشتريت كتبها حتى أنظر ماذا كتبت فيها...
البصائر: سماحة السيد على الساحة العربية نلحظ تغيراً طفيفاً نحو إصلاحات ديمقراطية ومجيء قيادات شابة لسدة الحكم والسلطة وقد قامت ببعض الإصلاحات, فما هو رأيكم في ذلك, وهل يمكن لهذه الإصلاحات أن تبقى؟.
سماحة الإمام: هذا كله كذب, وهذه الاصلاحات تبقى فترة وتزول, في نظري أنها فترة وتزول, وبالفارسي يقولون: " استخون بندي " يعني أن الانسان عنده شكل خاص من العظام, وتنظيم العظام للبلاد الاسلامية كله كذب, حتى يأتي غاندي ويخلصها أو فكر غاندي هذا هو الواقع.
[1] سنة 1421 هـ
[2] سورة الشورى, الآية 38
[3] راجع كتاب: السبيل الى انهاض المسلمين, تأليف سماحة آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (رحمه الله تعالى).
[4] كانت الكنيسة في الغرب تمارس ضغوطاً شديدة على المجتمع وتعاقب كل من يفكر أو يكتب خلاف الآراء والمعتقدات التي تؤمن بها الكنيسة ورجالاتها, وقد أنشأت في القرون الوسطى محاكم عرفت فيما بعد بـ " محاكم التفتيش " وظيفتها البحث عن أصحاب الآراء والمعتقدات التي تخالف رأي الكنيسة لإنزال أشد وأقسى أنواع العذاب بهم.
[5] سورة آل عمران, الآية 112
[6] راجع كتاب: ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين, وكتاب: الصياغة الجديدة: تأليف الإمام الشيرازي.
___________________________________
المصدر: مجلة البصائر – العدد 27 – السنة الرابعة عشرة ربيع 1424 هـ 2003م.