الحسن بن علي يصالح معاوية (40هــ)
الحسن بن علي يصالح معاوية (40هــ)
محمد البنداري
(مجلة الراصد)
الحسن بن علي رضي الله عنهما إمام من أئمة آل البيت الكرام, كيف لا, وهم الذين تربوا في بيت النبوة, ونهلوا من معين النبي صلى الله عليه وسلم, وتأسوا به واقتدوا بهديه.
وفي هذه السطور نستعرض سيرة أحد هؤلاء العظام ونعرض لموقف من مواقفه العظيمة, التي كان لها الأثر العظيم في التاريخ الإسلامي.
وُلد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب في السنة الثالثة للهجرة (625م), ونشأ في بيت أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمه فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم, وكان جدّه النبي صلى الله عليه وسلم يحبه هو وأخاه الحسين حبّاً جمّاً, وكان يقول فيهما:
((من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني, ومن أبغضهما فقد أبغضني)) أخرجه ابن ماجه.
وقال فيهما صلى الله عليه وسلم أيضاً: ((الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما)) أخرجه ابن ماجه.
وخصّ النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بحديث عظيم, أخرجه الإمام أحمد في مسنده, يقول فيه صلى الله عليه وسلم عن الحسن: ((إن ابني هذا سيّد, وسيصلح الله تبارك وتعالى به بين فئتين من المسلمين)).
وفي رواية البخاري ((إن ابني هذا لسيد, ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)).
وقد حقق الله على يد الحسن ما بشّر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن حفيده الحسن سيكون سبباً في الإصلاح بين طائفتين عظيمتين من المسلمين, وحدث ذلك سنة 40ه عندما بايع المسلمون الحسن بعد استشهاد أبيه الإمام علي رضي الله عنه, وكان الحسن يشعر بالأسى لِما حلّ بالمسلمين من خلاف, وما دار بينهم من قتال, وكان يأمل بتوحيد كلمتهم ورصّ صفوفهم, وإن تطلب الأمر تقديم تضحيات جسيمة كالتنازل عن الخلافة.
وكان ميل الإمام الحسن إلى الصلح ظاهراً منذ يوم بيعته, إذ كان يقول: تبايعون لي على السمع والطاعة, وتحاربون من حاربت, وتسالمون من سالمت.
وقيل إن أوّل من بايعه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري, وكان قيس في حياة الخليفة الإمام علي رضي الله عنه يقود أربعين ألفاً من المقاتلين, وكان الحسن رضي الله عنه يعتقد أن قيساً لا يرى مصالحة معاوية, فخشي أن لا يوافقه إن أقدم على الصلح, فقدم عليه في قيادة ذلك الجيش عبد الله (عبيد الله) بن العباس, وكان ذلك من علامات إرادته للصلح.
لم يكن ميل الحسن نحو الصلح وحقن الدماء ناتجاً عن ضعف أو قلة عدد, بل لقد قال الحسن: كانت جماجم العرب بيدي, يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت, فتركتها (أي الخلافة) ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين.
وبعد استشهاد علي رضي الله عنه, سار معاوية بعساكر الشام حتى نزل مسكن, وسار الحسن بعساكر العراق حتى نزل المدائن فالتقيا بمنزل من أرض الكوفة وهي النخيلة, فلما نظر الحسن إلى كثرة ما معه من الجند رغب في حقن دماء المسلمين, وبما عند الله تعالى فبادر إلى طلب الصلح, وقد جاء وصف قوة جيش الحسن رضي الله عنه في صحيح البخاري عن الحسن البصري قال: ((استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال)), وهذا يدحض مزاعم الذين قالوا أن الحسن كان ضعيفاً ومكرهاً على الصلح.
وقد جاء في البخاري أيضاً أن معاوية (والي الشام آنذاك) هو الذي بدأ بطلب الصلح عندما رأى كتائب الحسن, وقال: إن قتل هؤلاء هؤلاء, وهؤلاء هؤلاء, من لي بأمور الناس, من لي بنسائهم, من لي بضيعتهم, وبعث معاوية إلى الحسن رجلين من قريش هما عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز يفاوضانه على الصلح.
وتحقق الصلح بالفعل, وتنازل الحسن بالخلافة لمعاوية سنة 40ه, وسمي ذلك العام عام الجماعة, إذ توحدت راية المسلمين بعد طول قتال وخلاف, وبعد الاتفاق على الصلح صعد الحسن على المنبر وحمد الله وأثنى عليه, وقال: ((فإن أكيس الكيس التقي, وإن أحمق الحمق الفجور, وإن هذا الأمر الذي اختلف فيه أنا ومعاوية, اما كان حقاً لي تركته لمعاوية إرادة صلاح هذه الأمة وحقن دمائهم, أو يكون حقاً كان لامرىء أحق به مني ففعلت ذلك (وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين).. )) رواه البخاري عن الشعبي.
إن ما قدم عليه الحسن رضي الله عنه من تنازل للخلافة ابتغاء الإصلاح وحقن الدماء يدل على سمو أخلاق, ورحمة بالمؤمنين, قلّما توجد في شخص, لكنها نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم الذي بشّر بأن ابنه الحسن يصلح الله على يديه بين طائفتين من المسلمين, وكان ذلك بالفعل.
لكن الذي نريد أن نتطرق إليه أيضاً من خلال عرضنا لعام الجماعة وتنازل الحسن عن الخلافة هو قضية "الإمامة" التي يعتبرها الشيعة الإمامية ركناً من أركان الإسلام, لا يصح إسلام المرء إلا بالاعتقاد بها.
والإمام الحسن هو الإمام الثاني عند الشيعة الإمامية بعد أبيه الإمام علي رضي الله عنه, ويؤمن الشيعة بأن الإمامة منصوص عليها من الله, وأنّ الله هو الذي عين الأئمة وجعلهم معصومين عن الخطأ.
ولذا فإن اختيار الناس للحسن خليفة للمسلمين بنظام الشورى مثله مثل أبيه رضي الله عنهما, ثم تنازل الحسن عن الخلافة يفند ما جاء به الشيعة من نظام الإمامة الإلهية, وزعم أن الأئمة الإثنى عشر منصوص عليهم, وأن هذه العقيدة ركن من أركان الدين, إذ لا يعقل أن الإمام الحسن –إن كان منصوصاً على ولايته- أن يتنازل عنها, ويدع هذا الأمر الخطير الذي دارت عليه جلّ عقائد الشيعة, تحت أي ظرف من الظروف.
يقول الباحث الشيعي أحمد الكاتب:
"ولو كانت الخلافة بالنص من الله والتعيين من الرسول, كما تقول النظرية الإمامية, لم يكن يجوز للإمام الحسن أن يتنازل عنها لأي أحد تحت أي ظرف من الظروف, ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يبايع معاوية, أو أن يدعو أصحابه وشيعته لبيعته, ولم يكن يجوز له أن يهمل الإمام الحسين (الإمام الثالث لدى الشيعة), ولأشار إلى ضرورة تعيينه من بعده. ولكن الإمام الحسن لم يفعل أي شيء من ذلك وسلك مسلكاً يوحي بالتزامه بحق المسلمين في انتخاب خليفتهم عبر نظام الشورى".
لقد كان توجه الإمام الحسن نحو الصلح هو الذي جعل الشيعة تختار أخاه الإمام الحسين إماماً ثالثاً حيث أنه اختار طريق القتال ثم تسير الإمامة إلى ذرية الحسين, بدلاً من الحسن رغم أن الإمامة منصوص على أنها تنتقل من الإمام إلى ابنه الأكبر, وهو الأمر الذي خالفه الشيعة عدة مرات بغية تحقيق أهداف بعيدة عن جوهر الدين.
لم يكن موقف الإمام الحسن هذا الوحيد من مواقف الأئمة الذين أبطلوا بسياساتهم وسلوكياتهم مبدأ الإمامة المزعوم, إذ أن الإمام علي بن موسى الرضا, وهو الإمام الثامن لدى الشيعة كان ولي عهد الخليفة العباسي المأمون سنة 201ه وظل الرضا ولياً للعهد حتى وفاته سنة 203ه([1]) .
للاستزادة:
1- الذّريّة الطاهرة النبوية – الإمام أبو بشر محمد بن أحمد الدولابي.
2- مناقب علي والحسنين وأمهما فاطمة الزهراء – محمد فؤاد عبد الباقي.
3- العواصم من القواصم – القاضي أبو بكر بن العربي ص133.
4- الإنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدي من الخلاف – د. حامد الخليفة ص596.
5- حقبة من التاريخ – عثمان الخميس ص96.
6- تطور الفكر السياسي الشيعي – أحمد الكاتب ص17.
_____________________________________
([1] ) نشر في العدد الثالث من الراصد تحت هذه الزاوية تفصيل في هذه القضية.