خالد وحيدر - حوار هادئ ومثمر
خالد وحيدر - حوار هادئ ومثمر
عبد الله الراشد
{ سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } « اللهم يا معلم إبراهيم علمنا ويا مفهم سليمان فهمنا ما ينفعنا »
الفهرس
المقدمة
قبل طرق باب النقاش
مبحث : ظهور الشيعة
ابن سبأ وعلاقته بظهور الشيعة
الإدعاء أن الصديق اغتصب الخلافة
اهتمام الشيعة بقضية الإمامة
الإمامة منصب إلهي
هل هناك نص على خلافة علي
تنازل الحسن عن الخلافة
مبحث : العقيدة السليمة
معنى كلمة الشرك
تعريف الخميني لمفهوم الشرك
فتاوى تجيز فعل الشرك
مقولة مهمة لجعفر الصادق
مبحث : العصمة
آية الولاية وإذهاب الرجس
آية الولاية وتعلقها بنساء النبي صلى اللّه عليه وسلم
الإمام منزه عن العيوب
الدليل على صدور الزلل من الأنبياء
هل جميع آل البيت معصومون ؟
الأئمة لا يناقشهم أحد
ولاية الفقيه
الأئمة يخطئون ويذنبون
مبحث : التقية
التقية تستعمل في كل شيء
المرأة ترث من العقار والدار
التحريم والتحليل يكون وفق ضرورات المذهب
التقية شعار الشيعة
مبحث : علم الحديث والتصحيح والتضعيف
العاملي وقيوده في علم الحديث
رواة الشيعة وزياداتهم على الأئمة
الحكم على كتاب « أصول الكافي »
الحكم على كتاب « تهذيب الأحكام »
التيجاني وكتاب « أصول الكافي »
كتاب « رجال الكشي » ونقد الرواة
الشيعة يستدلون بأحاديث البخاري
جهل علماء الشيعة بعلم الحديث
مبحث : الشاذ من الأقوال
تناقض فتاوى أئمة الشيعة
أمثلة لبعض الفتاوى الشيعية الشاذة
سبب وجود فتاوى شاذة عند الشيعة
أئمة الشيعة يقرون بكذب الشيعة
مبحث : غلو في محبة الآل
معنى العبودية ، واسم : عبد
الشيعة يفضلون العبودية لغير الله
أمثلة للغلو في الأئمة
الخميني وتأكيده على أفضلية الأئمة على الأنبياء
أمثلة للغلو في علي رضي الله عنه
حرص النبي صلى اللّه عليه وسلم على العقيدة السليمة
مبحث : الصحابة رضوان الله عليهم
تحديد معنى كلمة « صحابي »
التفريق بين العدالة ، والحفظ
سبب تقاتل الصحابة رضي الله عنهم
كتاب : « خمسون ومائة صحابي مختلق »
كيف نفرق بين المؤمن والمنافق ؟
روايات شيعية تطعن بالصحابة
الخميني وتفضيله لمجتمع إيران على الصحابة
مجتمع الصحابة كالأسرة الواحدة
مبحث : أبو هريرة
سبب حفظ أبي هريرة للأحاديث
عدد الأحاديث التي رواها أبو هريرة
عدد الأحاديث التي رواها رجال الشيعة
عدالة رواة الشيعة
علماء الشيعة الأوائل يروون أحاديث أبي هريرة
لماذا الطعن في أبي هريرة
مبحث : دعاء صنمي قريش
كتب ذكرت هذا الدعاء
علماء يوافقون على صحة هذا الدعاء
دعاء صنمي قريش
مبحث : الاحتفالات الإسلامية
الاحتفال بعيد النيروز واستحباب صيامه
مبحث : عيد الغدير
الرواية الصحيحة لغدير خم
الصحابة اختاروا علياً للخلافة
معنى كلمة الولاية
مبحث : البكاء على الحسين رضي الله عنه
صيام يوم عاشوراء
أمور منكرة يفعلها العوام في يوم عاشوراء
النياحة من أعمال الجاهلية
مبحث : فضائل الحج إلى قبر الحسين رضي الله عنه
الحج إلى قبر الحسين أفضل من مكة
أين قبر علي رضي الله عنه ؟
روايات تدلل على أفضلية الحج إلى قبر الحسين
لماذا لم يذكر القرآن الحج إلى قبر الحسين
مبحث : الحسينيات
الفرق بين الخبر والإنشاء
مسمى « الحسينيات » ومن ابتدعه
عدم الحرص على الصلاة الجماعية
مبحث : عيش ولحم في الحسينيات
عدم وجود دليل على جواز ما يفعل في الحسينيات
الحسين والثورات
مبحث : زيارة القبور
الخميني وفتوى : جواز الصلاة خلف قبور الأئمة
الخير الذي يناله زائر قبر الحسين
لماذا نزور المقابر ؟
مبحث : الحلف بآل البيت والاستعانة بهم
استخدام « الواو » في اللغة العربية
الحلف بجاه النبي صلى اللّه عليه وسلم
مبحث : المجتهد والمرجع الديني
شروط ينبغي أن تتوافر في المجتهد
تقليد العوام للعلماء
وكلاء المهدي المنتظر
مبحث : مصادر الأحكام الشرعية
هل كل مبلغ عن النبي يعتبر معصوماً ؟
الأئمة لهم قولان في المسألة الواحدة
مبحث : الرجعة
الاعتقاد الصحيح بمبدأ الرجعة
مبحث : التبرك
التبرك من قضايا العقيدة المهمة
مبحث : الشفاعة
مبحث : المهدي المنتظر
المهدي وسياسة القتل
المهدي ينتقم من العوام
المهدي لا وجود له
مبحث : أبو طالب
مبحث : معاوية ويزيد
تساؤلات حول معاوية
تساؤلات حول مقتل الحسين
مبحث : زوجات النبي صلى اللّه عليه وسلمِ
خروج عائشة رضي الله عنها ضد علي رضي الله عنه
مبحث : الخُمس
الخُمس فقط في الغنائم
الخُمس ووكيل الإمام
مبحث : المتعة
المتعة ؟
علي رضي الله عنه والمتعة
أحكام متعلقة بإباحة المتعة
مبحث : الوضوء
روايات شيعية في الوضوء
مبحث : علي ولي الله في الأذان
مبحث : التكتف في الصلاة
مبحث : الجمع بين الصلاتين
جمع النبي صلى اللّه عليه وسلم بين الصلوات
مبحث : بناء المساجد
مبحث : لرؤية الهلال
متى يكون الفطر في رمضان
مبحث : مشاورة النساء
نصوص تمنع ترشيح المرأة
المرأة تمنع من تقديم المشورة
أمثلة لتولي المرأة السلطة
مبحث : توقير آل البيت
قول نفيس للإمام الذهبي رحمه الله
مبحث : مسلم وكافر
الصحابة جميعهم كفار إلا عدد يسير
مبحث : التاريخ والبطولات
قاعدة مهمة لابن جرير الطبري في روايات كتابه
كتب الشيعة في التاريخ
مبحث : ميراث النبي صلى اللّه عليه وسلم
موقف فاطمة رضي الله عنها من الصديق رضي الله عنه
مبحث : السحر والتنجيم
مبحث : تربة السجود
من فضائل تربة الحسين
مبحث : القرآن المحرف ، ومصحف فاطمة
عدد الآيات في مصحف فاطمة
مزايا مصحف فاطمة
سبب إدعاء الشيعة تحريف القرآن
مبحث : أنا مظلوم
مبحث : ميراث الجاهلية
طريقة لمعرفة الغيب
مبحث : مبدأ المخالفة
عوائق التقارب بين المذهبين
مبحث : توحيد المسلمين
مبحث : وسائل التقارب
معوقات التقارب بين الشيعة والسنة
فتاوى غريبة للخميني
كتب نافعة
الخاتمة
المقدمة
الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين ، المبعوث رحمة للعالمين ، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، وأكمل الرسالة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، حتى أتاه اليقين من ربه ، فصلوات الله عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين ، العترة الصاد قين ، أهل الشجرة الزكيَّة ، والسيرة المرضية .
وعلى صحبه أئمة الدين ، الهداة المهديين ، حملة لواء الفتح المبين ، الناصحين للمسلمين ، الباذلين للأموال والأنفس لإعلاء كلمة رب العالمين . وعلى من اتبعهم بماحسان إلى يوم الدين .
قال تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } (الحشر : 7) { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرًا } . (الأحزاب : 21) { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسَوله بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } . (الفتح : 28) { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاً الضّلالُ } . (يونس : 32) .
وقال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم : « إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ، ويتحرى الصدق ، حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب ، ويتحرى الكذب ، حتى يكتب عند الله كذاباً » [1] .
أخى المسلم في كل مكان وزمان .....
بعلم صحيح ، وعقل صريح ، متجرد عن العاطفة ، والهوى ، وبفؤادٍ مليء بالصدق والحب ، لبلوغ الحق والهداية .. لنتحاور حول ....
* ألسنا في بلد واحد ينعم بالخير والإيمان وبطاعة الله : فَلمَ نشق الصفوف وتملأ الأفئدة ضغينة وبغضاً ؟
* أليس الحق له طريق واحد ، والضلال . له سبلٌ كثيرة مليئة بالشبهات ، فلِم نحيد عن جادة الصواب ؟ والطريق يسع الجميع ، ليسير فيه .
* لِم نغرس في قلوب أبنائنا الضغينة والفرفة والتنافر ؟ ونحن أبناء بلد واحد ، ننعم فيه بيسر أداء طاعة الله ، وعدم الظلم .
* لا يزال العدو يتربص بنا الدوائر ، ومازال بين صفوف المسلمين ، من يفرق شملهم ، ويبدد جهدهم ، بدلاً من أن يحببهم إلى بعضهم البعض .
* ألا ترى تلك الروايات الآثمة المدسوسة على ديننا الحنيف ؟ ! لقد شوهت الثوب الأبيض الجميل ، والذي ورثناه عن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وغيّرت من معالم الشرع الحنيف ، حينما تنادت فئة بالمكذوب السقيم ، وأبعدت الصحيح المنير .
فبنداء الحق أدعوك يا أيها الأخ العزيز لنتحاور على مائدة الهدى والرشاد ، ولنتساءل حول ما يقرب صفوفنا - بإذن الله تعالى - ويلم شملنا ، ونكون يداً واحدة في بلد الخير . . دولة الكويت .
قبل طرق باب النقاش :
لنبتعد عن { إِنا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } (الزخرف : 23) .
لنتبع { قُلْ هَذِهِ سَبيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتبَعَنِي } (يوسف : 108) .
والقلوب لا تكون { أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا } (محمد : 24) والآذان { يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم } (البقرة : 19) فإن بعُدنا عن هذه الصفات فإن بساط الحوار يسع الجميع إخوانا متحابين متآلفين ، أصحاب هدف واحد ، وسبيل واحد .
ولنبتعد عن { وَإن يَكُن لهُمُ الْحَقُّ يَأتُوا إِلَيْه مُذْعِنِينَ } (النور : 49) فالحق أحق أن يتبع ، وحري بنا أن نعرف الحق لنعرف بعده أهله ، ولنبتعد عن { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ } ( المؤمنون : 71 ) فالإخلاص أساس لكل خير ، ولنبتعد عن شماعة « الوحدة الوطنية ونبذ التعصب والطائفية » ، وهي مصطلحات لها وزنها الخاوي في واقع الحياة - إن لم توضع بالحق - فلم نجد من يتعلق بها ، ويصرح بها ، إلا من هو بعيد كل البعد عنها ، فلا يصيح الكذاب حين يصرخ على أهله إلا لينقذوه من ذئب ميت .
لماذا هذا الكتاب ؟
لأمر واضح لاخفاء فيه ، لنبين الحق الصريح من الباطل المزيف ، ولمعرفة الصواب من الخطأ ، وفي علام العالم بأن ديننا واحد ، وإن حاول البعض ممن يُنتسب إلى العلم ، التمسك بالمختلف فيه . وأيضاً لسد ثغرة من العلم ، لربما يغفل عنها البعض ، لأن شئت قل الكثير من المسلمين ، من عدم اعتمادهم على المصادر الأصيلة الأساسية ، الأولية في كل علم وفن ، فالمعول والأساس في الحوار ، وفي معرفة قول أي طائفة من طوائف العلم ، أن يكون دائماً بالرجوع إلى المراجع الأصيلة ، والمصادر المعتمدة ، ثم نستأنس بعد ذلك ، بما سطرته أنامل المعاصرين ، من شروح وبيان لعلم الأولين .
وليُعلم أن المسلم فطن كيّس ، ليس بساذج ولا سفيه أمام كل ما يُلقى على مسامعه ، فلا يأخذ الأقوال عَلى علاتها ، دون تمحيص أو دراية ، لأن هذا دين سنُسأل عنه يوم القيامة ، فالمؤمن يدور مع الحق ، أينما دار وسار .
ولنعلم أن المؤمن عطش إلى زلال الحق ، ونهمٌ لمائدة الحق ، ويترفّع أن يتطفل على موائد الأراذل وسقطة الناس ، فالحقُ يَعلو ولا يُعلى عليه .
والأقوال لا يُحكم على صوابها من اسم قائلها ، مهما علا شأنه وعظم قدره ، عدا الرسول صلى اللّه عليه وسلم بل بمعرفة الإسناد والتثبت من الرواية ، يمكننا من بعد ذلك ، أن نحكم على ما نقرأ ونسمع بأنه حق فنتبعه ، أو باطل فنضرب بهه عرض الحائط ، وذلك لأن الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء في الدين ما شاء . وكما قال علي - رضي الله عنه : لا تنظر إلى من قال ، ولكن انظر إلى ما قال .
والله نسأل أن يهدينا لما اختُلف فيه من الحق باذنه ، إنه لا يهدي لما اختلف فيه من الحق إلا هو سبحانه .
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رحِيمٌ } (الحشرة : 15) .
ظهور الشيعة
خالد : السلام عليكم ورحمة الله ... أهلاً بك يا حيدر .
حيدر : وعليكم السلام ... مرحباً بك يا أخ خالد .
خالد : أجد أنك متضايق وكأن هناك ما يشغل فكرك .
حيدر : نعم ، ويا ليته أمراً هيناً لهان الأثر بوجود حلول له ، ولكنه شيء عظيم .
خالد : وما ذاك يا أخ حيدر ؟
حيدر : الخلاف الحاصل بين الإخوة من الشيعة والسنة ، أما يجدر بنا أن تضيق النفس مما هو موجود وحاصل ؟
خالد : أجل ، فما رأيك بأن نتحاور ونتناقش في قضايا مهمة ، توضح أفكار ومعتقدات السنة والشيعة ، لإمكانية التقارب بينهما .
حيدر : نعم هذا أمر مهم أن نتحاور حول ما يقرب الصفوف ويلملم الإخوة المتفرقين في دين واحد .
خالد : أرجو أن لا يضيق صدرك ، ولنتصارح في طرحنا لهذه القضايا والأمر لك لتبدأ . حيدر : ما دام الحق غايتنا فلن أتضايق أبداً ، ولنبدأ حول ظهور الشيعة ومما لا يخفي على كل مسلم ، أن الشيعة كان ابتداء ظهورهم ، مقترنا بابتداء الدعوة المحمدية ، وأن بذرتها غرست من تلك الحقبة ، ولكن خف نورها ، بسبب عدم تقيد الصحابة بمفهوم الإمامة والوصاية من بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه وسلم .
خالد : الأمر في معرفة حق الأئمة أقدم مما تقول وتظن به ، كما زعم علماء الشيعة ، فقد ذكروا أن معرفة حقهم كان معلوماً عند الرسل جميعهم ، مثل ما جاء في أصول الكافي ( 1/437 ) عن أبي الحسن قال : « ولاية « علي » ، مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولن يُبعث نبي إلا بنبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ووصية علي عليه السلام » . والبعض من العلماء ، قال مثل مقولتك وهي المشتهرة بين العوام ، فذكر النوبختي في فرق الشيعة ( ص 17 ) أن الشيعة ظهرت في زمن النبي ، ويقال لهم شيعة علي ومعروفون بانقطاعهم إليه ، والقول بإمامته ، منهم المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر وعمار بن ياسر . وابن النديم في كتاب « الفهرست » ( ص 249 ) يذكر أن الشيعة ظهروا بعد معركة الجمل ، وسماهم علي بالأصفياء الأولياء .
حيدر : ظهورهم إذن لم يكن له علاقة بذاك الرجل الذي يدعى بابن السوداء عبدالله بن سبأ ، وهذا كما قرأت خرافة ، ولا وجود له .
خالد : الإنسان عدو ما جهل ، والحق يُعلم بالتتبع والتنقيب والإخلاص في القصد ، وهذا الرجل جاء ذكره في كتب الشيعة المعتمدة ، منها فرق الشيعة للنوبختي ، ورجال الكشي ، وشرح نهج البلاغة وغيرها .
حيدر : أفهم من كلامك ، أن الأمر في ظهور الشيعة ، ليس لمجرد أن أبا بكر - رضي الله عنه - اغتصب الخلافة من أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - .
خالد : ليست القضية كما يسوقها أهل العاطفة وأتباع الهوى ، فخلافة الصديق رضي الله عنه ، جاءت بمبايعة أهل الحل والعقد وإجماع الصحابة ، ورضوا به كلهم فيما بعد ، في السقيفة أولاً ، ثم في المسجد ثانياً ، وكذلك سار الأمر مع عمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - فلما قُتل عثمان رضي الله عنه ، يمم الناس وجوههم قبَل علي رضي الله عنه ، ليولوه عليهم فقال لهم : « دعوني والتمسوا غيريَ ، فإننا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ، وإن تركتموني فإني كأحدكم ولعَلي أسمَعكم وأطوَعكم لمن وليتموه أمركم ، وأنا لكم وزيراً خير مني لكم أميراً » نهج البلاغة ( 136 ) . وهذا أيضاً موافق لما ذكره المفيد في الإرشاد عن أمير المؤمنين ليدلل على أنه لم يأت نص في أمر الخلافة ، لعلي - رضي الله عنه - .
حيدر : تريد من هذا القول أن تقلل من قدر وأهمية إمامة الأمة ، وأن النبي صلى اللّه عليه وسلم تركها هكذا بدون وصي وخليفة !
خالد : إمامة المسلمين ، ووجود أمير عليهم من القضايا المهمة في الشريعة الإسلامية ، ولكن لا يبلغ الأمر بنا أن نجعلها ركن الدين الأصيل ، وأن الإيمان بها يُدخل معتقدها الجنة ، وأنها من منصب النبوة مثل ما تفوه بهذا هادي الطَهراني في كتاب « ودايع النبوة ص 114 » « الإمامة أجل من النبوة ، فإنها مرتبة ثالثة شرَّف الله تعالى بها إبراهيم بعد النبوة والخلة » .
حيدر : لعل هذا رأي لهذا العالم وليس رأياً لبقية رجال الدين الشيعة !
خالد : بقية الروايات تخبرك بالإجابة على تساؤلك ، فقد قال آل كاشف الغطاء ، في كتاب أصل الشيعة ( ص 58 ) « منصب إلهي كالنبوة » أو مثل مقولة الخميني في الحكومة الإسلامية ( ص 52 ) حيث قال : « فإن للإمام مقاماً محموداً ، ودرجة سامية ، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون ، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل » .
حيدر : اهتمام رجال الدين الشيعة بهذه القضية نابع من سيرة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ؟
خالد : لو كانت بتلك الأهمية فلم أهمل النبي صلى اللّه عليه وسلم أمرها وجعل النص فيها غير محدد لمن بعده ، ولا نجدَ لها ذكراً في القرآن ، الذي حفظه الله تعالى من التغيير والتحريف ، والنبي صلى اللّه عليه وسلم لم يأت لها بذكر واضح لا عند احتضاره ، ولا حتى في أعظم تجمع له بالمسلمين في حجة الوداع لما قال « لعَلْي لا ألقاكم بعد عامي هذا » فلقد كانت فرصة لا تعوض في اجتماع المسلمين من شتى أرجاء الجزيرة بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ، ليبلغ على الوصي والإمام من بعده ، فالأمر إذاً ليس بتلك الصورة من الأهمية حتى نقول أنه من أركان الدين .
وللخميني تعليل مخالف لعدم ذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم للإمامة .
حيدر : وما هذا التعليل ؟ فلعل الإمام قدس الله سره يجلي هذا الغموض .
خالد : يقول الخميني في كتاب كشف الأسرار ( 150 ) أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كتم أمر الإمامة في بداية الدعوة في مكة لأنه كان متهيباً من الناس إن دعاهم لمثل هذا الأمر العظيم ، حتى أمره الله بقوله : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رُّبِّكَ وَإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (المائدة : 67) .
ثم إن الله أمره بقوله : { إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } (النساء : 58) فقال الخميني في كتاب الحكومة الإسلامية ( 81 ) مبيناً هذه الآية : « فقد أمر الله الرسول صلى اللّه عليه وسلم برد الأمانة ، أي الإمامة إلى أهلها وهو أمير المؤمنين - عليه السلام - وعليه هو أن يردها إلى من هو يليه وهكذا ... » .
أي أن علياً هو صاحب الأمر والنبي صلى اللّه عليه وسلم مأمور برد الأمانة إليه ، فكما ترى أن هذه التفاسير لا دليل عليها ، فضلاً عما في تفسير الأمانة بالإمامة من تحريف لكلام الله ، وتجاهل لسبب نزولها المشهور .
حيدر : ولكن الخليفة الأول خالف مبدأ الشورى مع المسلمين حين نص على تعيين الخليفة من بعده ، وهذا يعتبر مثل الفرض على المسلمين !
خالد : ليس هناك من فرض على أحد ، والمتتبع لسيرة الصديق - رضي الله عنه – يعلم حق العلم حرصه على مصلحة الأمة ، وتتبع الخير لها ، فلم يكن الأمر فلتة خاطئة ولكنهم سألوه بأن يدلهم على الجدير بولاية هذا الأمر من بعده ، فأوصى على عمر - رضي الله عنه - والمتتبع لسيرة عمر مع الصحابه في خلافته يستدل على صواب ما ذهب إليه الصديق - رضي الله عنه - ولكن ما العمل مع المبغض الحاقد للشيخين رضي الله عنهما ، وكما قيل :
وعين الرضا عـن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
حيدر : مقولة من قال ان الإمامة منصب إلهي ، وأنها امتداد للنبوة ، هل له من مستند في هذا الأمر ؟
خالد : هذا التساؤل يوجه ويُلقى على مسمع من جعلها من ضروريات المذهب ، ثم جَعل هنا أبواباً وسفراء للإمام المجهول ، ثم تعدى الأمر إلى وجود من يلي الفقيه ، فأصبح عندنا مراجع ، لا تُعلم أعدادهم ، مع كل هذا ألا ينبغي على المسلم أن يسأل عن دليل لهذا التسلسل ؟ وما الشروط الواجب تحقيقها لنيل هذا الأمر ؟ وما الخصائص التي ستحل على هذه النوعية من العلماء ؟ وهل هناك مستند من القرآن أو من سيرة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لهذا المعتقد ؟
حيدر : اعذرني في إعادة الاستفهام على موضوع الإمامة ، فعلى ضوء ما ذكرته ، فإنني أفهم من قولك السابق أن علياً ، والأئمة من بعده لم يأتِ نص عليهم من الشرع !
خالد : لنفترض أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نص على « عليّ » ليكون خليفة بعده ، وأن الصديق اغتصب الخلافة من بعده ، أما نرى أن دولة الإسلام كانت في أطيب أوقاتها ، وأفضل عصورها من الفتوحات واستقرار الأمن وعدم وجود الخلافات بين المسلمين في عهد الخليفتين وصدراً من خلافة « عثمان » - رضي الله عنهم - أجمعين ؟ ! فأخبرني يا أخ حيدر : كيف وفقهم الله تعالى في أعمالهم وفتوحاتهم وأولادهم ، وهم مخالفون لأعظم ركن في الدين على الإطلاق - كما يزعم البعض - وأيضاً لا نسمع للإمامة أي ذكر أو مقولة خلال هذه الفترة الطويلة ، من أن الخلافة قد اغتصبت من صاحبها وهو « علي بن أبي طالب » - رضي الله عنه - !
حيدر : لعل في كتمان هذا الأمر دلالة على بُعْد نظر من أمير المؤمنين عليّ عليه السلام لكي يحفظ أمر المسلمين من التفرق والتشتت .
خالد : لنفترض أن الأمر كما ذكرت ، ولكن لما قُتل أمير المؤمنين « علي » رضي الله عنه ، وآلت الإمارة إلى « الحسن » - رضي الله عنه - نجد أنه ألقاها - رضي الله عنه - طواعية إلى « معاوية » - رضي الله عنه .
فهل يحق ويجوز للمعصوم أن يتنازل عن هذا الركن العظيم ، لمن هو دونه في المنزلة ، ويعطيها إياه طواعية لا مُكرهاً ولا مُجبراً بعد ستة أشهر من مقتل والده !! ثم نقرأ في كثير من كتب التاريخ بأن « معاوية » - رضي الله عنه - لبث في خلافته بعد التنازل قرابة العقدين من الزمان ، والمسلمون في فتوحات عظيمة وانتشار لدينهم ، وفي خيرٍ ورغدٍ من العيش ما الله به عليم . إذاً الأمر لا لبس فيه ، من أن الجيل الذي نشأ مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، كانت بدايته معلومة واضحة ، ومنهجه الديني بيّن ولا لبس فيه ، لكل من اطلع على السيرة العطرة للنبي صلى اللّه عليه وسلم .
العقيدة السليمة وتكفير المسلمين
حيدر : لنتحاور يا أخي الكريم بصدق ووضوح حول قضية مهمه جداً وحساسة في أي مجتمع مسلم ، فأرجو أن يتسع صدرك لسماعها .
خالد : لم نتحاور يا أخ حيدر إلا لبلوغ الحق والنصح فيما بيننا ، ونبتعد عن التعصب الأعمى .
حيدر : هذا هو العهد بك ، فأريد أن استوضح منك السبب في كثرة التكفير ورمي هذه الكلمة العظيمة جزافاً على أهل القبلة ، مع أن الأصل في ديننا أن نحسن الظن بالمسلمين ، ونعذرهم على اجتهادهم في التقرب إلى الله !
خالد : تعلم يا أخ حيدر أن أظلم الظلم الشرك ، وأعدل العدل التوحيد ، والنبي صلى اللّه عليه وسلم مكث في مكة يدعو الناس إلى قضية واحدة وهي قوله تعالى : { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تتَّقُونَ } (الأعراف : 65) .
ولم يأمرهم بالوضوء أو الزكاة أو الحج وغيرها من الأمور في بادئ الأمر ، إذن دعوته عليه الصلاة والسلام في بدايتها على هذا النحو كانت لتثبيت التوحيد في صدور الصحابة ، وكل شيء يأتي بعد التوحيد تباعاً .
حيدر : هذا معلوم ولا لبس فيه ، ولكن لم التنفير باستخدام التكفير في وجوه المسلمين ؟
خالد : على ضوء الذي قرأته وتصفحته من كتب ، وجدت أن طائفة من علماء الشيعة هم أكثر استخداماً للفظة التكفير بشكل ملحوظ وخطير على عوام المسلمين وعلمائهم ، مثل حسين النجفي في ( جواهر الكلام 6/62 ) والذي يقول ؟ « والمخالف لأهل الحق ( أي : الشيعة ) كافر بلا خلاف » .
حيدر : لندع مثل هذه الأقوال ولتنظر إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله في هذا الشأن .
خالد : المتتبع لسيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم وكيفية تربيته لأصحابه - رضي الله عنهم - يجد أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان تنبيهه وتحذيره من أي فعل مشابه للشرك سريعاً وحاسماً ، سداً وحماية لجناب التوحيد من الخدش أو الشرك ، والله سبحانه يقول : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } (النساء : 48) ، فكل ذنب هيّن بمقابل الشرك بالله .
حيدر : لنتفق على المعنى المقصود بكلمة الشرك التي يدور الحديث حولها .
خالد : الشرك كما هو معلوم في اللغة العربية من الشريك أي بمعنى أن يتخذ الإنسان مع الله نداً أو مساوياً في عمله أو جميع أمره ، والشرع بيَّن هذا المعنى من ذكر آيات كثيرة تظهر فعل أهل مكة من اتخاذهم الأصنام ، يدعونها ويعبدونها كعبادة الله ، فالشرك هو صرف الفعل أو القول أو الاعتقاد بوحدانية الله وجعلها لغيره ، أو جعل غيره مساوٍ له . فإذا حلف إنسان بغير الله فقد أشرك بقوله ، وإذا ذبح لغير الله فقد أشرك بفعله ، فإذا اعتقد بأن ما حلف به أو ما ذُبح له نداً لله سبحانه ينفع ويضر من دون الله ، فقد خرج هذا الشخص من ملة الإسلام إلى ملة الكفر ، فإن كان جاهلاً ، فينبغي تحذيره وتعليمه إن هذا لا يجوز وهو محرم ، وإنْ قصد التبرك ونواه لله . فالدعاء والاستغاثة والطواف والحلف والنحر والصلاة والحج وغيرها من العبادات لا تُعمل إلا لله ، وهذا ما خالف عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم طوال عقد من الزمان ، أهل مكة وحاربهم عليه .
حيدر : هذا من المعلوم عند علماء الشيعة ، فما الجديد فيما قلته ؟
خالد : ما قلته جديد على مسامع جمع من رجال الدين الشيعة بل إن البعض خص الشرك بتعريف جديد كما يعرفه يوسف البحراني في الحدائق الناضرة ( 18/153 ) : « وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه ورسوله وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين » .
حيدر : الأقوال الشاذة من قبل بعض رجال الدين ليست بحجة في الاستدلال فلم نسمع أحداً من العلماء لم يأمر بالتوحيد وعدم الشرك بالله ، أو حتى تهاون في هذا الجانب .
خالد : المثال يوضح المقال : فالخميني طرح سؤالاً في كشف الأسرار ( 65 ) وأجاب عنه بنفسه ليبين معتقده بهذا الشأن فقال : هل طلب الشفاء من التربة شرك ؟ فأجاب : « إن الإجابة عن هذا السؤال تتوضح من خلال ما يحمل الشرك من معنى ، فقد عرفتم بأن الشرك هو أن يكون مع الله أحد أو عبادة أحد أسوة بعبادة الله ، أو طلب الحاجة من أحد على أساس كونه إلهاً أو شريكاً لله أو له استقلالية في التأثير ، ولكن ذلك لا يعد شركاً وكفراً ، إذا ما تم الطلب على أساس أن الله قادر على أن يستجيب للطلب من خلال مَنْ يتفانى من أجل دينه ، وخسر روحه من أجله تعالى » فهل تعلم يا أخ حيدر ماذا فتح هذا الكلام وأباح ؟
حيدر : كلام الإمام قدس الله سره واضح عندي ، فماذا تريد أن تقول ؟
خالد : أريد أن أصل إلى أن الخميني قال شيئاً لم يقله النبي صلى اللّه عليه وسلم ولا الذين من بعده في تعريف الشرك ، وهذا فتح باباً لأمور عدة منها :
ا - جواز أن يستشفي المسلم بالسحر والطلاسم الغريبة فيدفع عنه المرض ... راجع بحار الأنوار ( 94/193 ) .
2 - الاستخارة بالرقاع أو البندق أو الحصى ، لفعل شيء ما يريده الإنسان ( الاستقسام لفعل الحاجات ) ... راجع التهذيب ( 1/306 ) والفروع من الكافي ( 1/131 ) .
3 - الاعتقاد بأن للأئمة الحق في فعل ما يشاؤون على الأرض وأن الإمام هو رب الأرض كلها ... راجع مرآة الأنوار ( 95 ) .
4 - الاعتقاد بأن الإمام يتصرف بالحوادث الكونية والمناخية التي تحدث في الجو ، راجع الاختصاص للمفيد ( 327 ) وبحار الأنوار ( 27/33 ) .
5 - الاعتقاد بأن الإمام بإمكانه أن يحي الموتى ويبعثهم من قبورهم ، راجع أصول الكافي ( 1/457 ) وبصائر الدرجات ( 76 ) .
فمثل هذه الاعتقادات هل تقود من يعتقدها إلى العبودية لله أم إلى شرك لم يعتقده حتى كفار أهل مكة ؟ !
حيدر : النية هي أساس العمل ، من قبوله أو رفضه ، وهذا ما صرح به الإمام الخميني .
خالد : أزيد البيان لك توضيحاً من قوله في كتاب ( كشف الأسرار 42 ) فقال : « وبعد أن تبين أن الشرك هو طلب الشيء من غير رب العالمين على أساس كونه إلهاً ؟ فإن ما دون ذلك ليس بشرك ، ولا فرق في ذلك بين حي وميت ، فطلب الحاجة من الحجر ليس شركاً ، وإن يكن عملاً باطلاً » .
والله أخبرنا أن أهل مكة لم يكونوا يدعون الأصنام على أساس كونها آلهةً كما قال الخميني ، ولكن وسطاء إلى الله ، قال تعالى : { وَالذِينَ اتَّخَذًوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } (الزمر : 3) فهل تركهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال : إنهم لم يتخذوها آلهة ؟ ! فإذاً الأمر جائز ، أم أنه أنكر عليهم وقاتلهم عليه ، وبيَّن لهم أن هذا من الشرك الأكبر ؟
حيدر : هل تريد أن تقول إن الإمام قدس الله سره ، لم يفهم معنى الشرك بالله ، أو أنه يبيحه للعوام ؟
خالد : لست أنا الذي أحكم بذلك ، ولكن الله سبحانه منحنا العقول والأفئدة التي نميز بها الحق من الضلال .
وينبغي أن نعلم أن الأئمة رحمهم الله إنما هم أولياء لله نحبهم لمحبتنا للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم ولاتباعهم له ، ولا ننزلهم إلا المنزلة التي تليق بهم ، ونعوذ بالله أن نرفعهم من حالهم إلى حال الربوبية والألوهية كما ذكر الكشي ( 225 ) .
قال جعفر بن محمد : « فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا ، وما نقدر على ضر ولا نفع ، وإن رُحِمنا فبرحمته ، وإن عُذبنا فبذنوبنا ، والله ما لنا على الله حجة ، ولا معنا من براءة ، وإنا لميتون ومقبورون ومنشورون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون ، ويلهم ما لهم لعنهم الله فقد آذوا الله وآذوا رسوله في قبره وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي صلوات الله عليهم ... أشهدكم أني امرؤ ولدني رسول الله وما معي براءة من الله إن أطعته رحمني وإن عصيته عذبني عذاباً شديداً » .
العصمة
خالد : لا زلت أعجب من أولئك الذين يفسرون الآيات بغير معناها الحق ، ويستدلون بالروايات الضعيفة ، في إثبات أمر ليس في كتاب الله سبحانه !
حيدر : هل بالإمكان ضرب مثال على ما تقول .
خالد : قوله سبحانه وتعالى : { إنمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (الأحزاب : 33) أين الاستدلال من هذه الآية ، على ثبوت العصمة للأئمة ؟
حيدر : الاستدلال هنا بالمفهوم ، وليس بالمنطوق ، فالمبلغ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يحتاج إلى أن يكون مُصاناً عن كل ما من شأنه أن يقدح في تبليغ الرسالة ، فكما أن الله عصم النبي صلى اللّه عليه وسلم في حال تبليغه ، فكذلك وقع الأمر للأئمة ، الذين هم الأوصياء من بعده عليه الصلاة والسلام .
خالد : العصمة للنبي صلى اللّه عليه وسلم واجبة لحفظ الرسالة ، لقوله تعالى { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } (النجم : 4) فمن الذي أوجب وجودها على فئة معينة بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟ والخبر أن وُجد وصح سيكون إذاً متواتراً ومعلوماً ومنتشراً أمره بين الناس ، فالادعاء بالعصمة إذاً لا دليل عليه .
حيدر : ولكن الآية نزلت خاصة في آل بيت « علي » عليه السلام الذين هم أوصياء النبي صلى اللّه عليه وسلم من بعده .
خالد : بداية لنعلم أن هذه الآيات لم تنزل في آل بيت علي ، والدليل على ذلك ، أن الله لما أنزل هذه الآية ، ضمن آيات أخرى تثني بمجموعها على نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قام النبي صلى اللّه عليه وسلم ودعا فاطمة وعلي والحسن والحسين - رضي الله عنهم - وشملهم بكسائه ، ثم قرأ هذه الآية ، لتشملهم بركة هذه الآية مع زوجات النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ولو كان التطهير متحققاً فيهم من الآية فلمَ الإعادة والتكرار والطلب بالدعاء لأمر قد تم تحققه ووقوعه بأمر الله ؟
حيدر : ولكن الآية فيها دلالتان على العصمة ، الأولى : استعمال الضمير المذكر في قوله { يطهركم } بدلاً من نون النسوة ، وثانياً : معنى الرجس أي يعصمكم من الفواحش والذنوب ، فيُفهم بالتالي أن الآية لآل بيت «علي » وحدهم.
خالد : أما استعمال الضمير المذكر بدلاً من نون النسوة في { يطهركم } فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان من ضمن المطهرين في الآيات لأنه رب الأسرة والخطاب يأتي بالمذكر الذي هو أرفع قدراً من النساء فيشمل الجميع .
ومن الذي قال إن معنى التطهير من الرجس هو العصمة من الذنوب والفواحش ؟ فإن الرجس قد يأتي بمعنى العذاب كقوله تعالى :{ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ } (الأنعام : 125) أو الضلال أو السخط أو الأوثان ، وكل هذا يُعرف من اللغة العربية بالقرائن والدلالات .
والآية الكريمة والدعاء من النبي صلى اللّه عليه وسلم ، تدلان على إكرام الله لآل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنه غفر لهم ذنوبهم ، وأبعدهم عن عذاب الآخرة .
حيدر : جاء في قوله تعالى : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } (النساء : 59) ولما كان معلوماً أن الإمامة بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه كانت الآية تأمر بطاعته طاعة متضمنة لعصمته من الزلل .
خالد : المسلم لا يفسر القرآن وفق ما يميل إليه رأيه ، بل ينظر إلى أقوال العلماء ، فإن الآية واضحة المعنى ، أن لله طاعة منفصلة وكذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وأما ولاة الأمر فإن طاعتهم تكون تنفيذاً لما يؤمرون به من طاعة الله ورسوله وليست لهم طاعة منفصلة إلا بالمعروف من أمور الدنيا .
وأما التنصيص على الإمارة من بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم « لعلي » - رضي الله عنه - فهذا مبحث آخر نتطرق إليه لاحقاً بإذن الله تعالى . والنبي صلى اللّه عليه وسلم قد أوصى بآل بيته بقوله : « أذكركم الله في أهل بيتي » أي اعرفوا لهم حقهم ، وأنزلوهم المنزل الذي يليق بهم ، من الحب والتقدير والتشريف .
حيدر : ولكن لماذا هذا التشنج والحدة في النقاش على قضية تعتبر مكملاً لشخصية المبلغ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو الوصي .
خالد : المعذرة إن كان في حواري غلظة أو جفاء ، فنحن بإذن الله طلاب حق وصواب ، ولتعلم يا أخ حيدر ليت الأمر اقتصر على التكميل ، بل تجاوز حتى بلغ إلى المشابهة مع الأنبياء والمرسلين إن لم أقل مرتبة أفضل منهم .
حيدر : حاشا لله أن يقول مثل هذا مسلم عاقل !
خالد : جاء في بحار الأنوار ( 25/350 ) : « أن أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأئمة صلوات الله عليهم ، من الذنوب الصغيرة والكبيرة ، عمداً وخطأ ونسياناً ، من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله عز وجل » .
حيدر : ينبغي أن نتأكد ونتحقق من صحة هذه الرواية .
خالد : هذه المقولة وغيرها لم يتطرق عالم إلى تفنيدها ، والترك دلالة على الموافقة والقبول في مرجع معلوم ، بل هي أساس متين في المعتقد ، ونحن نعلم أن الأنبياء قد تأتي عليهم الغفلة والنسيان مما هو معلوم من أمر البشرية ، ومما لا يقدح في شأن الرسالة والبلاغ .
حيدر : هل من دليل على ما تقول ؟
خالد : قال تعالى معاتباً النبي صلى اللّه عليه وسلم { عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } (التوبة : 43) .
وقال تعالى : { عَبَسَ وَتَولَى أَن جَاءَهُ الأَعْمَى } (عبس : 1 ، 2) .
وقال تعالى معاتباً النبي صلى اللّه عليه وسلم في أخذه الفداء من أسرى بدر { لَوْلا كِتَابٌ منَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (الأنفال : 68) والخطأ في جنب النبي صلى اللّه عليه وسلم ، يقال عنه أنه مخالفة للأولى ففعله صحيح ، ولكن النبي يفعل دائماً الأكمل والأصح .
وليس الأمر مقتصراً على نبينا صلى اللّه عليه وسلم ، بل قد وقع الزلل والخطأ من غيره من
الأنبياء مثل آدم صلى اللّه عليه وسلم ! لما أكل من الشجرة ، ونوح ! لما أن دعا الله بأن ينجّي ابنه الكافر ، وكذلك موسى صلى اللّه عليه وسلم لما قتل القبطي ، فذكر المولى سبحانه الفعل الذي اقترفوه من أنه لا ينبغي حدوثه منهم ، لأنهم صفوة الخلق وأفضلهم .
حيدر : ولكن فضائل آل بيت النبي عليهم السلام كثيرة ، مداد البحار لا تحصيها كثرة ، وكذلك بركاتهم على الأمة .
خالد : هذا الكلام ليس محل حوارنا ، لأننا متفقان على أن لآل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فضائل ومناقب ، ولكن لنتسائل حول بعض الأمور التي أشكلت عليَّ :
ا - حديث الكساء شمل خمسة أنفس من بيت « علي » - رضي الله عنه - بالتطهير ، فما الدليل من القرآن أو الحديث على إدخال غيرهم في التطهير والعصمة ؟
2 - ما الدليل الذي علمنا من بعده أن علي بن الحسين « زين العابدين » هو الوصي من بعد والده ؟ مع أنه كان صغير السن لما قُتل والده ! .
3 - لماذا لم يشمل التطهير كل أبناء « الحسين » وبناته ؟
4 - الحسن بن علي رضي الله عنهما ، لماذا أخرجنا أبناءه من مبدأ العصمة والإمامة ؟
5 - « زين العابدين » أولاده كُثُر ، فلماذا اقتصرنا على « الباقر » فقط دون سواه من الإخوة ؟ وكذلك الأمر لأبناء الباقر ومن بعده !
حيدر : الروايات الدالة على أن الأئمة معصومون كثيرة تستوجب علينا القطع بصحتها .
خالد : وكذلك الروايات الدالة على الضد ومن ذلك ذكر العلامة الصدوق في عقائده ( 160 ) أن من ينفي السهو عن النبي يُعد من الغلاة ، ومن ينفي السهو عن الأئمة يُعد من المفوضة الذين لعنهم الله .
وجاء في مجمع البيان ( 5/205 ) : « أن مذهبهم - أي الشيعة - أن الأئمة يجوز عليهم السهو والنسيان في غير ما يؤدونه عن الله » .
ثم تطور الاعتقاد كما جاء في تنقيح المقال ( 3/240 ) : « أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضروريات المذهب الشيعي » .
إذاً التعديل في الأحكام يكون حسب الحاجة والضرورة لأن كان في المسائل العقدية ، والتي تخالف ما كان عليه السابقون .
حيدر : لا زالت الصورة غير مستبينة عندي ، هل هناك من خطورة على المسلم بأن يعتقد في إمامه الذي يتلقى عنه الأحكام أنه منزهٌ من الرذائل !
خالد : الجواب يُعرف من خلال هذا التساؤل ، ما الفرق بين النبي وغيره إن قلنا بالعصمة لكليهما ؟ بل إن الأئمة بلغوا منزلة وحازوا على خصائص لم يدركها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، من ذلك أن العصمة متعدية ، بمعنى أن الإمام المعصوم كما أنه لا يُسأل عن دليله في المسألة ، ولا يرد حكمه وقوله ، فكذلك من ينوب عن الإمام يحوز هذا الشرف ، فلا ينبغي للعوام أن يردوا حكمه وقوله .
لهذا يقول الخميني في كتاب الحكومة الإسلامية ( 91 ) : « نحن نعتقد أن المنصب الذي منحه الأئمة للفقهاء لا يزال محفوظاً لهم ، لأن الأئمة الذين لا نتصور فيهم السهو أو الغفلة ، ونعتقد فيهم الإحاطة بكل ما فيه مصلحة للمسلمين ، كانوا على علم بأن هذا المنصب لا يزول عن الفقهاء من بعدهم بمجرد وفاتهم .
حيدر : هذه هي ولاية وإنابة الفقيه عن الإمام المنتظر .
خالد : من يتتبع التسلسل لهذه الإنابة ، وكيف نشأت يعلم يقيناً أنها إنما أنشئت ، لما وقعت الحيرة بعد الغيبة الصغرى والكبرى ، والاختلاف حول الأموال التي تُقدم وهي الخمس ، فأنشأت هذه القضية لتلافي هذا الإرباك ، ولقطع كل سؤال عن الدليل قد يُقدم من العوام لرجال الدين الشيعة بصيغة : « ما دليلك على ما تقول » ؟
حيدر : إذاً ما هو الاعتقاد الواجب أن نعتقده في الائمة عليهم السلام ؟
خالد : هم من أكرم البيوت شرفاً ، وأعلاها رتبةً ، لاتصال نسبهم إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ولا خير فيهم إن لم يسيروا وفق هدي سيد هذا البيت وهو المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ، وهم بشر كبقية البشر يصيبون ويذنبون ، ويرجون رحمة الله ومغفرته وعلى قدر طاعتهم وذلهم لله ، تكون منزلتهم عند الله سبحانه .
أخرج القمي في معاني الأخبار ( 62 ) : قال رسول الله : « يا علي أول نظرة لك والثانية عليك ، لا لك » .
وجاء في نهج البلاغة ( 82 ) مقولة أمير المؤمنين « علي » أنه قال : « اللهم اغفر ما أنت أعلم به مني ، فإن عُدت فعُد علي بالمغفرة » .
وجاء في نهج البلاغة ص 335 خطبة رقم 216 في خطبة خطبها علي بصفين فقال رضي الله عنه : « ... فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي » .
وهم رحمهم الله يقرون على أنفسهم بالذنب ويرجون المغفرة من الله تعالى ، ودلالة الحب لأي إنسان أن تنزل من تحب المقام الذي يليق به ، وتصدق معه ، والسعيد من المؤمنين من تأسى بسيد هذا البيت صلى اللّه عليه وسلم ، ثم اقتدى بآله رضوان الله عليهم وفق هدي الحبيب محمد صلى اللّه عليه وسلم .
التقية
خالد : نعم المحاور والمستفهم أنت ، ولكني على علم من استعمالكم دائماً للتقية في كل أمر ، في حال الخوف وأيضاً الأمن ، لأنها من ضروريات المذهب .
حيدر : هذا فيه مجافاة للحق ، واتهام للشيعة بأنهم جبناء ، ولا يصدعون بالحق ، وللعلم فالتقية إنما تستعمل في مواطن الخوف ، ولا شيء غيره ، بل هي مشروعة عندنا وكذلك عند إخواننا السنة ، والأدلة معلومة .
خالد : جاء في شرح عقائد الصدوق للعلامة المفيد أنه قال : « التقية كتمان الحق ، وستر الاعتقاد فيه ، وكتمان المخالفين ، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا » .
وورد عن جعفر الصادق كما ذكر العلماء في كتب عدة أنه قال : « التقية ديني ودين آبائي ، ولا دين لمن لا تقية له » ، ووِفْق ما أعلم فإن الصحابة لم يفعل أحد منهم التقية إلا ما ذُكر عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - حينما ذكر آلهة الكفار بخير فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : « إن عادوا فعد » ( أي : إلى التقية حفاظاً على حياتك ) .
حيدر : لم تخالف ما ذكرته من روايات مع الذي أنا قلته ، وأكرر أن التقية إنما تستعمل في بعض المواضع التي يخاف فيها المسلم على نفسه من الضرر .
خالد : استعمال التقية تجاوز المفهوم السابق ، بل أصبح الاستخدام عاماً في كل الأمور والدليل على ما أقول :
ا - قال مرتضى الأنصاري في رسالة التقية ( 72 ) عن الإمام المعصوم أنه قال : « . . فإن التقية واسعة ، وليس شيء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله » .
2 - قال الخوئي في التنقيح شرح العروة الوثقى ( 4/278 ) وصححها عن الصادق أنه قال : « ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة » .
3 - جاء في وسائل الشيعة ( 5/383 ) تحت باب بعنوان : « استحباب حضور الجماعة خلف من لا يُقتدى به ( أي : الإمام السني ) للتقية ، والقيام في الصف الأول معه » .
وهذا أيضاً ما أفتى به أبو القاسم الخوئي في كتاب « مسائل وردود » ( 1/26 ) عن الصلاة مع جماعة المسلمين ! فأجاب : « تصح إذا كانت تقية » .
4 - المرأة ترث من العقار والدور والأرض ، وذلك لرواية أبي يعفورعن أبي عبد الله قال : سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً أو يكون في ذلك في منزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً ؟ فقال : « يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت » .
فعقب الطوسي على الرواية كما جاء في الاستبصار ( 4/154 ) فقال : نحمله على التقية ، لأن جميع من خالفنا يخالف هذه المسألة ، وليس يوافقنا عليها أحد من العامة ( أي : السنة ) وما يجري هذا المجرى يجوز فيه التقية .
فعلى هذا كأن التقية أيضاً تستعمل مع الشيعي ولا تختص بالسني فقط .
حيدر : التقية أمرها مستحب ، ويستطيع المسلم الشيعي أن يتركها أو يفعلها لا حرج عليه في ذلك .
خالد : إذا كان الحكم كما قلت ، إذاً ماذا نفعل أمام قول مَنْ يقول : تارك التقية كتارك الصلاة ؟
وكقول الصادق : « لو قلت أن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً » .
وقال ابن بابويه في الاعتقادات ( ص 104 ) : « اعتقادنا في التقية أنها واجبة ، من تركها بمنزلة من ترك الصلاة » .
حيدر : ولكننا في هذا الزمان لا نسمع بل نكاد لا نجد مسلماً شيعياً يتعامل مع إخواننا السنة بالتقية ، لأنهم يعلمون أنهم في بلد واحد يحتاج إلى الترابط والقوة أمام الأعداء ، والأجساد لا تتقارب إلا بتقارب وصفاء القلوب .
خالد : الخميني في كتاب الرسائل ( 2/201 ) ذكر أن العمل بالتقية يكون في كل وقت .
فقال : « ثم إنه لا يتوقف جواز هذه التقية بل وجوبها على الخوف على نفسه أو غيره ، بل الظاهر أن المصالح النوعية صارت سبباً لإيجاب التقية فتجب التقية وكتمان السر لو كان مأموناً وغير خائف على نفسه » .
حيدر : كأنك تريد أن تقول إن التقية أصبحت شعاراً للمذهب الشيعي !
خالد : الروايات هي التي تقول بذلك والواقع يثبت لنا هذه الحقيقة ، فهل الحق يكتم أم أن المؤمن - وهو آمن - لا يجهر بالحق ويبينه للعامة من المسلمين ! ولعل البعض يقول كالعادة بضعف مثل هذه الأقوال والاجتهادات ، فلذا نحتاج لتحقيق الترابط إلى ذلك العالم المجتهد والذي يعلي صوته بتضعيف كل الروايات التي نصت على التعامل بالتقية ، ويحث المسلمين الشيعة على الوضوح والعمل بالأحاديث المتفقة بين الطرفين ، وأن نحقق الترابط القلبي قبل الظاهري ، فكيف يمكن أن يتعايش إنسان مع آخر وهو يعلم أنه يضمر له العداء والمخالفة والاعتقاد بأن دينه باطل وغيرها من الأمور التي تفرق ولا تجمّع وتمزق ولا تربط بين أفراد المجتمع الواحد . وينبغي علينا أن نلعن التقية التي تفرقنا ، كما لعنها الدكتور موسى الموسوي في كتابه « التصحيح » ، وليس مثل ما أصّل لها بعض علماء الشيعة في كتبهم .
علم الحديث والتصحيح والتضعيف
حيدر : يظن بعض الأخوة السنة أن أخوانهم الشيعة ، لم يهتموا بتتبع الروايات المنقولة عن النبي وآله عليهم السلام بالتحقيق والتثبت ، لذا نجدهم يقذفون الشيعة ، بأبشع العبارات وأشنع الاقوال .
خالد : من المتعارف عليه عند علماء الحديث ، أن الحديث ينقسم إلى طرفين ، جانب الإسناد وهو سلسلة الرواة للخبر ، والجانب الآخر هو القول الذي قاله قائل الحديث ، فما تعريف الحديث الصحيح عندك ؟
حيدر : هو ما رواه العدل الضابط للخبر عن مثله في جميع مراحل السند .
خالد : كأنك نسيت كلمة مهمة ذكرها الحر العاملي وهي : ( الإمامي ) أي العدل الإمامي ، وهذا أمر مهم ، وهو شرط مشكل وعسير على أحاديث الشيعة لو طُبِّق .
حيدر : وكيف ذلك ؟
خالد : يقول الحر العاملي في كتاب خاتمة الوسائل ( 30/206 ) بعد أن ذكر تعريف الحديث الصحيح : « وهذا يستلزم ضعف كل الأحاديث عند التحقيق » .
وعلل السبب بقوله : « لأن العلماء لم ينصوا على عدالة أحد من الرواة إلا نادراً ، وإنما نصُّوا على التوثيق ، وهو لايستلزم العدالة قطعاً » .
حيدر : رجال الدين الشيعة قسَّموا الحديث إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف ، وفق تتبعهم للأحاديث والآثار الواردة عن الآل عليهم السلام .
خالد : التقاسيم لا جدوى منها إن لم يكن هناك مثال لما تقول ، وأيضاً ما الضابط لحفظ الرواة ونسيانهم مع العدالة والتوثيق ، وقد قال الحر العاملي في الوسائل ( 30/206 ) : والثقات الأجلاء من أصحاب الإجماع وغيرهم يروون عن الضعفاء والكذابين والمجاهيل حيث يعلمون حالهم ويشهدون بصحة حديثهم ، وقال أيضاً ( 30/244 ) : ومن المعلوم قطعاً أن الكتب التي أمروا عليهم السلام بالعمل بها ، كان كثير من رواتها ضعفاء ومجاهيل .
حيدر : هذه مجازفة خطيرة أن تستند في فتواك على قول أو رواية رجل مجهول أو ضعيف ، فلربما تقوّل أو كذب على الإمام ، أو نَسب إليه ما لم يصدر عنه .
خالد : لننظر إلى ما يقوله العلماء عن بعض الرواة المشاهير والمكثرين من الرواية عن آل البيت رحمهم الله تعالى:
ا - المغيرة بن سعيد ، أحد رواة الأحاديث عن الأئمة ، نقل المامقاني في كتاب تنقيح - المقال ( 1/174 ) عن المغيرة بن سعيد أنه قال : « دسست في أخباركم أخباراً كثيرة ، تقرُب من مائة ألف حديث » .
وللعلم يا أخ حيدر ، فإن المغيرة هذا موجود في سنة 199 هـ .
2 - جابر بن يزيد الجعفي : قال فيه الحر العاملي ( الوسائل 151 ) : « روى سبعين ألف حديث عن الباقر عليه السلام ، وروى مائة وأربعين ألف حديث عن غيره » .
وهنا سؤال يفرض نفسه : كل هذه الروايات ، هل سمعها جابر مشافهة من الإمام ؟ أو بواسطة راو آخر ؟ ويجيب الكشي ( الرجال 191 ) عن هذا بهذه الرواية : عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أحاديث جابر ؟ قال : « ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة ، وما دخل علي قط » . فإذن من هو شيخ جابر الذي علمه هذا الكم من أحاديث آل البيت ؟
حيدر : ولكن كتب الشيعه الأساسية والمعتمدة ، معلومة ومصانة من اللبس والدس فيها ، وذلك لاهتمام الشيعة بكتب مراجعهم الدينية من التشويه والافتراء .
خالد : وفق ما أعلم فإن كتب الشيعة المعتمدة ثمانية وهي : الكافي ، الاستبصار ، من لا يحضره الفقيه ، الوافي ، بحار الأنوار ، ووسائل الشيعة ، ومستدرك الوسائل ، أليس كذلك ؟
حيدر : صحيح ما تقول ، وهناك غيرها تشرح وتبين ما في هذه الكتب .
خالد : الحمد لله ، فلنبدأ ولننظر إلى كتب هذه المجموعة ، ولنختر كتاب الكافي ، الذي يُعد من أصح الكتب عندكم ، والذي كما قيل إنه عرض على الإمام المنتظر فوافق على جميع ما فيه ، مثل ما ذكر محمد صادق الصدر في كتاب الشيعة ( 123 ) ولننظر في محتواه وعن عدد ما فيه من كتب وأبواب ، فيقول الكركي في روضات الجنات ( 6/114 ) : « إن كتاب الكافي خمسون كتاباً » .
وللعلم يا أخ حيدر ، فإن الكركي هذا تُوفي في سنة ( 1076 ) هـ .
أما الطوسي فقال في الفهرست ( 165 ) : « إن كتاب الكافي مشتمل على ثلاثين كتاباً » . وللعلم فإن الطوسي قد تُوفي سنة ( 460 ) هـ .
إذاً ما الذي جرى على الكتاب الأصلي ؟ ، ومن أين جاءت هذه الزيادة الفادحة على أصل الكتاب ؟ !
ولننظر إلى كتاب آخر ، وهو تهذيب الأحكام للطوسي المتوفى سنة ( 460 ) هـ ، فقد ذكر أغا بزرك في كتاب الذريعة ( 4/504 ) أن أحاديثه عددها ( 13950 ) حديث ، بينما الطوسي قال في عدة الأصول ( 1/360 ) أن أحاديث التهذيب تزيد على ( 5000 ) حديث . ومعلوم أن كلمة تزيد ، تعني الزيادة المعقولة والتي تقارب الرقم التالي وهو ( 6000 ) أو دونه ، إذاً من أين أتت هذه الزيادة الكبيرة على كتاب التهذيب ؟ !
حيدر : ولكن لربما أتت الزيادة من علماء آخرين استدركوا على الكتاب ما نُقص منه .
خالد : الاستدراك ينبغي أن يكون في كتاب آخر منفصل ، أو يتم التنبيه على ذلك في بداية الكتاب ، أو توضع الزيادة في حاشية الكتاب ، لا أن تُدس وتُقحم في الكتاب الأصلي ، فيظن المطلع على الكتاب أنها من أصل الكتاب ، فلذا لن أعجب من قول الحسيني في كتاب الموضوعات في الآثار والأخبار ( ص 165 ) : « وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجامع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما ، نجد أن الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة والإساءة إلى سمعتهم .... » إذاً هذا إقرار من الحسيني على وجود أحاديث مكذوبة في أعظم كتب الحديث عند الشيعة .
حيدر : لعل هذا الأمر كان من رجال الدين السابقين ، وليس من المعاصرين .
خالد : لا تستجعل في القول ، فلا أغفل عن ذكر مقولة التيجاني في كتابه { فاسألوا أهل الذكر } ( 34 ) : 9 ويكفيك أن تعرف مثلا أن أعظم كتاب عند الشيعة ، وهو أصول الكافي يقولون بأن فيه آلاف الأحاديث المكذوبة » .
ونعلم من اللغة العربية أن كلمة آلاف ، هي فوق الرقم ثلاثة إلى التسعة ، وأحاديث أصول الكافي ( 3783 ) حديث ، إذن كم يتبقى عندنا من كتاب الكافي ، ويمكن أن نعده في مرتبة الصحيح المعمول به ؟ !
لذا أحيلك في تحقيق أحاديث ( الكافي ) على كتاب ( كسر الصنم ) لآية الله البرقعي ، حيث ذكر الأعاجيب في كتابه وتحقيقه لأحاديث الكافي .
حيدر : أنا على ثقة من أن رجال الدين الشيعة ، ومحققيهم ، لم يتركوا هذه الأحاديث المدسوسة وغيرها ، من بيانِ وتفنيدِ لحالها من ناحية الصحة أو الضعف ، وكذلك أحوال الرواة .
خالد : إن من أقدم المؤلفات لدى الشيعة في بيان أحوال رواة الحديث والأخبار هو « رجال الكشي » المتوفى في القرن الرابع الهجري ، وقد جاء في كتابه بأخبار متعارضة في الجرح والتعديل ، وبلغ عدد التراجم فيه ( 520 ) ترجمة فقط ، ثم جاء كتاب النجاشي وهو مختصر جداً في موضوعه ، وإلى الآن لا أعرف ثمة كتاب يمكن الاستناد والاعتماد عليه ، في بيان من يُرد حديثه أو يُقبل من رواة الشيعة ، والحال يدلنا على أن كل من جاء برواية تعضد وتدعم من قول المذهب الإمامي قُبلت روايته من غير تمحيص لحال هذا الراوي ، وهذا على
النقيض تماماً عند علماء السنة !
حيدر : وكيف ذلك ؟
خالد : علماء السنة ، كانوا لا يُطلقون على أي طالب علم في السابق وحتى في اللاحق أنه إمام وعالم إلا إذا تمكن من علم الحديث ، ومعرفة الحديث الصحيح من الضعيف ، ودرس هذا العلم الجليل الفريد ، وليس أدل مثال على ذلك مثل سيرة الإمام أحمد بن حنبل أو الشافعي أو البخاري أو ابن تيمية وغيرهم كثير كثير جداً .
حيدر : من خلال قراءاتي في الكتب الدينية أجد تضعيفاً وتصحيحاً للكثير من الأحاديث في الكتب الفقهية والعقدية لدى علماء الشيعة .
خالد : ما تقوله صحيح ، ولكن يا أخي هل وجدت بعد ذلك ، السبب العلمي في التضعيف أو التصحيح ، أو العلة من رد أو قبول الرواية وفق منهج حديثي واضح ؟
حيدر : لا ، لم أجد أحداً ذكرالسبب ، من ناحية التضعيف أو التصحيح .
خالد : رد الحديث أو قبوله فقط ، عند فئة من علماء الشيعة ، يكون إن وافق المذهب أو عارضه ، وهذا هو المعول ، ولا شيء غيره ، فإن كان الراوي إمامياً ، وذكر رواية تعضد وتقوي الحكم الشيعي ، قُبلت الرواية ، وكذلك الأمر إن حصلنا على رواية في البخاري أو الترمذي أو مسلم ، وتؤيد المذهب قُبلت بصدر رحب ، وإلا فإن التضعيف ، يكون من نصيبها ، إن خالفت شيئاً من الأمور المذهبية ، والعجيب أن يكون سند الحديث المقبول ، موجوداً في حديث آخر ، ولكن يُرد ويُحكم بضعفه ، فقط لأن في الحديث ما يخالف المذهب .
حيدر : هل الأمر يحتاج إلى هذا التشدد والنقاش الكثير حول التصحيح والتضعيف ؟
خالد : تذكر يا أخ حيدر ، أن علم الحديث يُعد أساساً وركيزة للشريعة الإسلامية والأحكام الفقهية ، واعلم أن علم الحديث ، يُعد من أشرف العلوم لأنه يأصّل لك قبول الروايات أو ردها ، وفق منهج علمي واضح ، وليس وفق حظ النفوس وهواها ، وما من عالمٍ ، قلت بضاعته في فهم علم الحديث ، إلا ووجدت الفتاوى الغريبة المتناقضة تصدر منه دائماً .
الشاذ من الأقوال
خالد : إن من أخطر الأمور التي تهدم الدين وتفرق الصفوف وجود فتاوى متناقضة ، واجتهادات متباعدة في المسألة الواحدة ، والتي يكون الحكم فيها بيّناً واضحاص .
حيدر : هذا يحصل في فتاوى كل ملة ومذهب ، والأسباب لهذا الأمر متنوعة وكثيرة ، فما الجديد في المسألة ؟
خالد : الأمر المفجع أن ترى اختلاف الحكم في المسألة الشرعية الواحدة ناشئ من قبل إمام معصوم واحد ، أفلا يدلك مثل هذا على نتائج محيرة تجاه الفتوى أَولا ، وتجاه الإمام ثانياً ، وأيضاً تجاه الكتاب الذي حوى مثل هذه المسائل ؟ !
والأخطر من ذلك كله ما هو حال أولئك العوام الذين سيستمعون ، ثم سيطبقون مثل تلك الفتاوى ؟ !
حيدر : هذا غير ممكن ، لأن الأئمة ينهلون من معين واحد ، وهم أغصان لشجرة النبوة ، فلن نجد تناقضاً في أقوالهم أبداً .
خالد : ليت الأمر مقتصر على الأئمة وحدهم ولكن تجاوز الأمر بطبيعة الحال إلى رجال الدين والمتعالمين ، لأن مصدر التعلم واحد ، والأمثلة على ذلك :
1 - شخصية عبد الله بن سبأ : البعض ينكرها وينفي بشدة وجود مثل هذه الشخصية ، وعلى النقيض تماماً هناك من يثبت وجودها وتأثيرها على قيام المذهب الشيعي مثل سعد القمي وما ورد في كتابه المقالات والفرق وكذا رجال الكشي .
2 - تحريف القرآن : تجد علماء الشيعة المتأخرين منهم ، ينفون بشكل قاطع ومؤكد أنَّ أسلافهم قالوا بمثل هذا الادعاء ، وهم يؤكدون على أنها أكذوبة من الأكاذيب ، وهم مصرون على قولهم هذا كأن الأمر بديهي ، وأنه من القضايا المعلومة بالضرورة في المذهب الشيعي من عدم وجود تحريف في القرآن ، والأمر على خلاف ما قالوه ، بل إن شئت قل وأنت محق إنَّ شبه الإجماع منعقد من العلماء المتقدمين ، بأنَّ القرآن محرف وقد زيد وأنقص منه .
3 - عدم تمييز الضعيف من الصحيح في الروايات ، والشيعي الذي يحاول أن يبحث في تمييز الأحاديث ، تجده يعتمد على أسس أهل السنة وميزانهم ليحمي معتقده ، وهو يعلم يقيناً أن لا ميزان للشيعة في تمييز الروايات ، والميزان الوحيد عند الشيعة لتصحيح الأحاديث هو ميزان « الثناء على آل البيت أو عدمه » ، ولو كان ذلك صادراً من قبل أمثال زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم والمختار ، وهم أحياناً ثقاة وأحياناً ملعونين عند علماء الشيعة وراجع في ذلك كتاب هداية الأبرار .
حيدر : هل بالإمكان ذكر مثال على الشاذ من الفتاوى ؟
خالد : خذ مثلاً على ذلك من فتاوى الخميني :
1 - جاء في تحريرالوسيلة ( 1/16 ) قول الخميني : « ماء الاستنجاء سواء كان من البول أو الغائط ، طاهر » .
2 - جاء في تحرير الوسيلة ( 1/280 ) قول الخميني : « مبطلات الصلاة وهي أمور أحدها : الحدث ، ثانيها : التكفير ، وهو وضع إحدى اليدين على الأخرى نحو ما يصنعه غيرنا ولا بأس به في حال التقية » ... « وتعمد قول آمين بعد إتمام الفاتحة ، إلا مع التقية فلا بأس به » .
3 - جاء في تحريرالوسيلة ( 1/119 ) قول الخميني : « يشترط في صحة الصلاة طهارة موضع الجبهة في السجود دون المواضع الأخرى ، فلا بأس بنجاستها » .
كأ جاء في تحرير الوسيلة ( 2/241 ) قول الخميني : « والمشهور والأقوى جواز وطء الزوجة في الدبر ( أي : لواط النساء ) » .
4 - وجاء في تحرير الوسيلة ( 2/279 ) قول الخميني : « لا يجوز نكاح بنت الأخ على العمة ، وبنت الأخت على الخالة إلا بإذنها ، ويجوز نكاح العمة والخالة على بنتي الأخ . والأخت ( أي : يجوز الجمع بين المرأة وخالتها ) » .
حيدر : اذن من أين أتت هذه الفتاوى الغريبة والمتناقضة فيما بينها ؟
خالد : الأسباب في رأي تتلخص في :
1 - عدم الالتزام الحق بالكتاب والسنة الصحيحة ، وفق فهم الجيل الذي تنزل عليه القرآن ، هو الذي أوجد مثل هذه المعضلات في الأحكام .
2 - الصراحة في إبداء المعتقد ، كان موجوداً في الكتب السابقة فنجد أن العالم الشيعي كان يذكر كل الروايات التي بلغته ويراها ويعتقدها ، ولا يبتر منها شيئاً ، وان خالفت معتقده ، وعلى النقيض تماماً في هذا الزمان نجد التدليس ، والمراوغة والانتصار الأعمى للمذهب في جملة من المعاصرين وكذلك الكذب السمج المكشوف ، لإنكار ما قاله السابقون ولو كان بتحريف الكلم عن مواضعه ومثال ذلك ما فعله صاحب كتاب « السجود على التربة والجمع بين الصلاتين » فقد ساق رواية الصادق : « السجود على الأرض فريضة وعلى غير ذلك سنة » ، ثم نجده أخذ ما يدعم رأيه بحذف جملة « وعلى غير ذلك سنة » ليبطل القول بأن هناك دليل يجوّز السجود على غير الأرض .
وارجع إلى كتاب « كشف الجاني » للشيخ عثمان الخميس لتطلع بنفسك على التناقضات والشذوذ والتدليس في أقوال التيجاني .
3 - عدم كشف وفضح الكذابين من رواة السند ، مع أننا لو تفحصنا ما ترويه الشيعة عن آل البيت لوجدنا الدعوة بتصفية الصفوف وتنقيتها من هؤلاء .
مثل ما جاء في الكشي ( 253 ) عن الصادق : « لو قام قائمنا بدأ بكذابي شيعتنا فقتلهم » .
ومثال ذلك ما قاله الكاظم في الكافي ( 8/228 ) : « لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واقفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين ، ولو تمحصتهم لما خلُص من ألف واحد » . وعلى النقيض من هذا كله عند علماء الحديث من السنة ، لربما يتركون رواية العابد الزاهد الورع ، وذلك لأنه غير متقن في حفظه .
حيدر : العامي معذورفي تخبطه ، ولكن المتعلم والمطلع من أين ينهل علمه ، ويتعلم دينه ؟
خالد : لم لا نأخذ من الذين خالطوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فإن لم نأخذ من أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فلنأخذ من علي - رضي الله عنه - والذي يُقال أنه قد جمع العلوم كلها ، فلو محصنا ودققنا في كل ما ثبت عن أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - لحصلنا على خير كثير ، ولعلمنا أنه كان مرتبطاً بإخوانه الصحابه - رضوان الله عليهم - كلٌ يتعلم من الآخر ، وكل ينقل عن أخيه العلم ، ولعلمنا أن العلم لا يدركه ويحوزه شخص بمفرده من بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم .
غلو في محبة الآل
خالد : لا زلت أرى سوء الفهم في جانب محبة آل بيت المصطفى صلى اللّه عليه وسلم حتى أوصلوهم إلى درجة العبودية .
حيدر : هل نعتب على المحبين حبهم ، لأكرم بيت وُجد على الأرض ؟ وقد أمر الله عباده المؤمنين بهذا الشأن بقوله سبحانه : { قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } (الشورى : 23) .
خالد : لنعلم المراد بهذه الآية ، وهو كما فسره ابن عباس - رضي الله عنه - بقوله : « إن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يكن بطنٌ من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة . أي كفوا عني شركم يا أهل قريش ، فإن لم تنصروني فلا تؤذوني ، لما بيني وبينكم من القرابة » .
حيدر : حب النبي صلى اللّه عليه وسلم من أعظم الأمور التي يسعى المسلم لغرسها في نفسه ، ويتمنى المرء أن يكون عبداً مطيعاً للنبي صلى اللّه عليه وسلم .
خالد : ومن الذي ينكر هذا الشيء ، ولكن وفق ما أمرنا به النبي صلى اللّه عليه وسلم من عمل وقول ينبغي له .
حيدر : إذا كان المسلم من شدة حبه للنبي وآله تسمى بأسماء أحد منهم أننكر عليه من بعد ذلك ؟
خالد : التسمي باسم النبي صلى اللّه عليه وسلم أو أحد من آله شيء ، وأن يكون الإنسان عبداً لهم شيء آخر ! .
حيدر : وضح ما تعنيه يا أخ خالد ؟
خالد : نقرأ أسماء لبعض الشيعة فنجد فئة منهم تسموا بأسماء لم تعهد في القرون الماضية ، وخاصة في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم وآله من بعده ، فنقرأ الآن اسم :
عبد الرضا ، وعبد الإمام ، وعبد الحسين ، وعبد الزهرة ، وعبد الصاحب ، وهذه كلها أسماء معارضة للعبودية التي ينبغي أن يكون عليها العبد ، وهي العبودية التامة لله وحده ، ظاهراً وباطناً ، حتى في الأسماء .
حيدر : ولكن معنى العبودية في اللغة العربية واسع ويحتمل مترادفات ومعان كثيرة ، فلم الاقتصار على جانب واحد ؟
خالد : أما الاستدلال على معنى العبودية من اللغة وأن الكلمات فيها ترادف ، فهذا معلوم ويحدد من القرائن التي تأتي في الكلام ، وهذا الأمر لا يكون مسوغاً للتسمية بعبد النبي أو بعبد الرسول أو عبد الرضا وما شابهها من الأسماء ، فهذا لا ينبغي التسمي به لحديث المصطفى صلى اللّه عليه وسلم : « أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن » . وذكره الكليني في الكافي ( ج 6 ص 21 ) .
حيدر : التسمي بأسماء الصالحين ، أو التي تسبق بعبد ( فلان ) ، يفعله الكثير من طوائف المسلمين ، وليس الشيعة وحدهم ، فلم الإنكار علينا وحدنا ؟
خالد : يجيب عن هذا التساؤل الدكتور الموسوي في كتاب « الشيعة والتصحيح » في ( ص 154 ) بقوله : « هذه الظاهرة لا نجدها عند أية فرقة أخرى : من الفرق الإسلامية ، وحتى غير الإسلامية ، والشيعة هي الطائفة الوحيدة التي تسلك مسلك العبودية لغير الله حتى في تسمية أولادها » .
والصحابه والأعراب وأهل المدينة أعلم منا باللغة العربية ، وأكثر حباً للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، فهل ثبت عن واحد منهم أنه تسمى بعبد النبي أو عبد محمد ، بل ولن تجد مثل هذه الأسماء في الجيل الذي جاء بعدهم ، لأنهم علموا أن العبودية لا تستعمل مطلقة إلا لله سبحانه ، وتستعمل مقيدة للخادم ، لأن له عبودية مقيدة بزمن محدود ولسبب مخصوص ، وليس على إطلاقه .
حيدر : أتعني أن مَن تسمى بهذه الأسماء يكون قد دخل في دائرة الشرك ، مع أنه يشهد في كل صلاة بالشهادتين ، ويقر بعبوديته لله سبحانه ؟
خالد : ينبغي أن نفرق بين الخطأ في الأعمال والخطأ في الاعتقاد ، فخطأ الأعمال لا يُخرج صاحبه عن دائرة الإسلام ، ولكن هذا لا يمنعنا أن نبين له زلته ، وننصحه ونرشده إلى الصواب وإلا انتقل بإصراره وباستحلاله إلى أمر أشنع ، يقع في قلبه الذي هو محل الاعتقاد ، فإن كان في القلب التصديق ، مع الإقرار بصحة هذا المنكر ، مثل التسمي بعبد النبي ، وأنَّ هذا المسلم يظن أنه يمكن أن يكون عبداً للمخلوق ، فهو هنا في خطر شنيع ، يبلغ بصاحبه إلى الشرك ، والعياذ بالله .
والمخطئ لا حرج عليه بعد التوبه ، والابتعاد عن الزلة ، ولا ننسى قوله تعالى مادحاً خليله المصطفى صلى اللّه عليه وسلم : { سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجد الأَقْصَا الذي بَاركْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتنَا إنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (الإسراء : 1) .
فهذا المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يتواضع لله ليكون عبداً له ، ولتعلم يا أخ حيدر دلالة الحب ليست بالأسماء ، بل بالأقوال والأفعال الصحيحة .
حيدر : التسمي بمثل هذه الأسماء ، أيقودنا إلى مثل ما تقول من شرك وزلل ؟
خالد : باب الشرك متسع ، قد يدخل فيه الأقوال أو الأفعال بل وحتى الأماكن أو الأزمنة ، فلهذا يحذر المسلم أشد الحذر من دخوله من هذا الباب بمواقعته لهذا الضلال ، والتساهل في هذا الباب وعدم النصح والإرشاد الصحيح ، سيجرنا إلى أن العوام وغيرهم سيظهر منهم الغلو في آل البيت !
حيدر : هل لك من دليل يثبت ما تحذر من خوف ؟
خالد : الخوف ليس من العوام فقط ، ولكن من مثل هذه الروايات التي تنص على :
1 - أنَّ الأئمة أعلم من الأنبياء عليهم السلام - بحار الأنوار ( 26/193 ) .
2 - تفضيلهم للأئمة على الأنبياء ، وأن أولي العزم من الرسل إنما صاروا أولي عزم ، بمحبتهم للأئمة - انظر بحار الأنوار ( 26/267 ) .
3 - أنَّ دعاء الأنبياء استُجيب بالتوسل والاستشفاع بالأئمة .
4 - أنَّ الأئمة لا يُحجب عنهم علم السماء والأرض والجنة والنار ، وأنه عرض عليهم ملكوت السموات والأرض ويعلمون ما كان وما يكون إلى يوم القيامة - أصول الكافي ( 1/316 ) .
5 - أنَّ الأئمة يعلمون متى يموتون ، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم - أصول الكافي ( 1/313 ) .
حيدر : معاذ الله ، فماذا بقي للخالق سبحانه من صفات ووحدانية !
خالد : ويا ليت الأمر كان في الكتب الماضية ، ولكن العهد بالغلو تجدد في كتب المعاصرين مثل كتاب ( الحكومة الإسلامية للخميني ص 52 ) وذلك حين قيل : « فإن للأئمة مقاماً محموداً ، ودرجة سامية ، وخلافة تكوينية ، تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون ، وإن من ضروريات مذهبنا أنَّ لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل » .
حيدر : لعل المؤلف تراجع عن هذا القول قبل وفاته ، أو بدله في موضع آخر .
خالد : يا ليت ما تتمنى واقع ، وإلا فماذا سنفعل في مقولته التي ذكرت في كتاب « زبدة الأربعين حديثا ص 232 » : « اعلم أيها الحبيب ، أنَّ أهل بيت العصمة عليهم السلام ، يشاركون النبي صلى اللّه عليه وسلم في مقامه الروحاني الغيبي قبل خلق العالم ، وأنوارهم كانت تسبح وتقدس منذ ذلك الحين ، وهذا يفوق قدرة استيعاب الإنسان حتى من الناحية العلمية » ؟ !
والأمر العجيب الآخر حين تقرأ قول المؤلف في كشف الأسرار ( 103 ) : « إننا بكل اعتزاز وثقة نقول إنه لا يوجد في الشعوب الإسلامية من يقدس الله ، وينزهه مثل الشيعة ، أو يبرئه من أية نقيصة » .
فكيف بالله عليك يكون التنزيه والاعتزاز والمسلم الشيعي العامي يقرأ مثل تلك الروايات ، وغيرها الكثير ، التي تنص على بعض كرامات أبي الحسن رضي الله عنه ؟
حيدر : تقصد مناقب الإمام علي رضي عليه السلام ؟
خالد : بل أقصد الآتي :
ا - أنَّ الله أحيا أهل الكهف لعلي رضي الله عنه وأحيا له سام بن نوح .
2 - أنَّ عليًا رضي الله عنه سلمت عليه الحيتان وجعله الله إمام الإنس والجن .
3 - أن الله تعالى جعل الجنة والنار بيد علي رضي الله عنه وجعل حصى مسجد الكوفة ياقوتاً .
4 - أنَّ عليًا رضي الله عنه بمنزلة { قُلْ هُوَ أَحَدٌ } .
5 - أن عليَا رضي الله عنه بإمكانه أن يُحي الموتى ليقروا له بالولاية .
6 - أن نهر الفرات ضربه علي رضي الله عنه فتشهد وأقر بالولاية لعلي .
وهذه الروايات وغيرها كثيرة موجودة في كتاب زين الدين البياضي ( الصراط المستقيم ) .
حيدر : أعوذ بالله من الزلل ، هذا الأمر لم يقع لأحب الخلق إلى الله سبحانه وهو المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ، فكيف يتجرأ مسلم عاقل في نسبته لمن هو أقل من النبي صلى اللّه عليه وسلم ولا يقارن معه إطلاقاً ؟
خالد : نعم يا أخي الكريم ، وكنت أتمنى أن أحصل على رسالة أو كتاب يبين كاتبها إلى أي شيء كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يدعو أهل مكة ؟ وعن أي شيء كان ينهاهم ويحذرهم ؟
فهذه الفترة استمرت قرابة ثلاث عشرة سنة مكثها النبي صلى اللّه عليه وسلم في مكة للدعوة والإرشاد .
الخطأ يبدأ صغيراً لا يُأبه له ، ثم ينتشر أمره من بعد التساهل ومع وجود علماء السوء وجهلة المسلمين ، حتى نجده قد أصبح من أساسيات وضرورات الإسلام ، وهو لا يعدو كونه شركاً وغلواً في الدين والعياذ بالله ، والله يقول سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ لا يغفر أَن يُشْرَكَ بِهِ ويغفر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } (النساء : 48) ، فمن بعد ذلك ، هل يمكننا أن نقتلعه من قلوب الجهلة ؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الصحابة رضي الله عنهم
خالد : الحديث في الغلو في محبة الآل يقودنا إلى الكلام عن الصحابة وعدالتهم وحفظهم في تبليغ الشرع الحنيف ، وأيضاً في كيفية التأدب معهم وتوقيرهم .
حيدر : من المُسَلَم به أنه ليس كل من عاش مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في المدينة أو مكة ، نطلق عليه أنه صحابي ، عدلٌ مقبول الرواية ، ويُأخذ قوله في الأحكام الشرعية ، ذلك لأن مجتمع المدينة كما أخبر الله سبحانه ممتلئ بالمنافقين ، والحاقدين على الدين ، وكان التقاتل على الدنيا من دأب فئة من الذين كانوا حول النبي عليه السلام ، لذا فكلمة « الصحابي » لفظ لا نطلقه على مَن فيه مثل هذه الصفات .
خالد : أما عن المنافقين ، فحالهم معروف ويمكن إن يُستدل عليهم ، من تخلفهم عن صلاة الجماعة ، وعدم حرصهم على الخروج إلى الجهاد في سبيل الله ، والنبي صلى اللّه عليه وسلم كان يعلم أسماءهم ، ولكن المفسدة المترتبة عن كشف أسمائهم كانت أعظم من المصلحة المفضية إلى التصريح عنهم ، بل إنَّ حالهم وأفعالهم الظاهرة دالة على باطنهم ، والصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا على اتصال وثيق ومعرفة تامة ببعضهم ، بحكم معايشتهم لبعضهم البعض .
حيدر : أتريد أن تفرق بين أهل النفاق والصحابة وتقول أن الصحابة كلهم عدول لا يخطئون ، ويعُتمد عليهم في تبليغ الأحكام الشرعية ؟
خالد : لنفرق بين العدالة والحفظ ، والعلم والإيمان ، فهذه أمور متفرقة تجتمع في قلب أحدهم وتتفاوت عند الآخر ، أما قولنا بأنَّ الصحابة جميعهم عدول ، بمعنى أنهم لا يكذبون ، فهذا مما لا شك فيه ، والدليل على ذلك قوله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَولُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ } (التوبة : 100) ، ورضوان الله سبحانه لا ينزل على الكذابين ، والدين كما هو معلوم مبني على صدق الاتباع ظاهراً وباطناً .
أما الحفظ ، فهم يتفاوتون في ذلك ، للطبيعة البشرية ، ، وللفروق الفردية بين كل واحد منهم ، وهذا مما لا جدال فيه ، وكذلك العلم ، فنجد أن الخلفاء الأربعة ، يُعدون من أعلم الصحابة ، وكذلك زيد بن ثابت وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم ، وغيرهم كثير ، وهذا من فضل الله عليهم أولاً ، ثم لقدرة المرء الطبيعية في تلقي وتحصيل العلوم .
وأما الإيمان ، فمعلوم أنه يزيد وينقص ، والله سبحانه وتعالى قد مدح الصحابة بقوله : { وَالَذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّه وَالذِينَ آوَوْا وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مغْفِرَةٌ وَرِزْق كَرِيم } (الأنفال : 74) .
حيدر : إن كان الأمر كما تقول ، فكيف يتقاتل المسلمون بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ويقوم أناس ضد خليفة المسلمين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ليغتصبوا الإمارة منه ؟
خالد : بداية لنعلم أن الخطأ يقع من الصحابة - رضي الله عنهم - مثل ما حصل في غزوة أحد كما قال تعالى : { إنَّ الَّذِينَ تَوَلَوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إن اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } (آل عمران : 155 ) ، والصحابة يريد البعض من الكتّاب المعاصرين أن يجعلوهم أناساً مثاليين ، لا يبدر منهم الخطأ إطلاقاً ، ولكنهم في الحقيقة بشر يجتهدون ويصيبون ويخطئون ، والله يغفر لهم زلتهم ويقبل توبتهم ، وما وقع بينهم ، إنما كان باجتهاد من البعض ، أخطأوا فيما ذهبوا إليه ، والله سبحانه غفور رحيم .
واما اغتصاب الخلافة من أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - فهذه مقولة لم يقلها أحد من العلماء المعتبرين ، إنما كان خلافهم لأمر آخر ، وهو إمكانية إنفاذ الحكم والقصاص مباشرة في قتلة عثمان رضي الله عنه أو تأخيره .
حيدر : النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر بكفر الفئة التي تقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه ، وقد كان هو في صف علي عليه السلام .
خالد : النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يقل بكفر الفئة التي تقتل عماراً إنما قال : « تقتله الفئة الباغية » ، ولنرجع إلى معنى كلمة الباغية في اللغة العربية والتي تعني الظالمة أو المتجاوزة الحد ، فأين الكفر في المسألة ؟ وينبغي علينا دائماً أن نفهم المعنى اللغوي المستخدم في القرآن أو الحديث لنفهم المعنى المقصود .
حيدر : كل من خرج على أمير المؤمنين فقد ظلم نفسه ، وأخطأ خطأ فادحاً ، وينبغي علينا أن نبين للناس سوء ما فعل .
خالد : كأنك تريد التشهير بالخارجين ضد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ومن خلال الاطلاع على كتب التاريخ لم أقرأ أن عليًا شهّر بحالهم وتكلم عليهم ، أفلا يسعنا ما وسع أمير المؤمنين ، من أنه لم يكفرهم ولم يأمر بلعنهم ، فنقتدي بفعله ، ونكِل أمرهم إلى الله سبحانه .
حيدر : ذكر العلامة السيد مرتضى العسكري ، في كتاب « خمسون ومائة صحابي مختلق » أن هناك أسماء دُست بين الصحابة ، ومن أمثلة ذلك عبد الله بن سبأ .
خالد : للأسف ، لا زلت أسمع الإنكار على وجود مثل هذه الشخصية مع أنها مذكورة في كتب الشيعة ، وخاصة كتب الرجال والفرق مثل رجال الكشي ( ص 108 ) وفرق الشيعة للنوبختي ( ص 22 ) ، وكذلك القمي في المقالات والفرق ( ص 22 ) ، وحوارنا تحديداً إنما هو عن صحابة يعرفهم القاصي والداني ، وروايات أحاديثهم منتشرة ومستفيضة ، فإن كان هناك مثل ما تزعم ، عدد من الصحابة مختلقة أسماؤهم ، فماذا نصنع بروايات آلاف غيرهم ، في المدينة ومكة وما جاورهما ؟ وقد جاءت الكتب الموضحة لأسماء الصحابة وسيرتهم ، مثل كتاب أُسْد الغابة وكتاب الاستيعاب والإصابة في تمييز الصحابة ، وكتب الحديث جمعت مرويات الصحابة ، والمنصف مَنْ يجمع الموضوع من جميع جوانبه ثم يحكم بعد ذلك .
حيدر : أعود إلى سؤال طرحته آنفاً ، كيف نفرق بين المؤمنين والمنافقين من الصحابة ؟
خالد : لنصحح السؤال « المنافقين والمؤمنين في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم » فالصحبة شرف لا ينالها إلا المؤمنون ، ويمكن أن نعرفهم من الأمور الآتية :
1 - سيرتهم في حياة النبي صلى اللّه عليه وسلم وبعد وفاته .
2 - حبهم لأهل الإيمان مثل حب علي - رضي الله عنه - وحب الأنصار كما قال صلى اللّه عليه وسلم : « الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق » .
3 - حب من أحبه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، كأبي بكر وعائشة وفاطمة رضي الله عنهم وغيرهم كثير .
4 - حب آل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم جميعهم ، ولا يفرق بين أحد منهم مات على الإيمان .
وسبب التركيز على جانب الحب فقط ، راجع إلى أن ديننا مبني على الحب والبغض في الله .
حيدر : هذا الكلام جميل ولا غبارعليه ، ولكن أما ينبغي علينا أن نذكر كل صحابي بما يستحقه ؟
خالد : أنا وأنت نعلم يقيناً أن الله تعالى إنما أمرنا بطاعته ، وطاعة نبيه صلى اللّه عليه وسلم ، ولم يأمرنا أو يتعبدنا بذكر النقائص في فلان وفلان ووضع مناسبات لهذا الفعل ، وأما عن أخطاء الصحابة فقد أمرنا الله بالآتي : { وَالذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لَلّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوف رَّحِيم } (الحشر : 10) ، فهذا ما أُمرنا بفعله تجاه الصحابة ، وليس النقيصة وتجدد السباب واللعن على أناس قد أفضوا إلى خالقهم .
حيدر : كأنك تلُمّح إلى ما يفعله الدهماء من عوام الشيعة من أقوال شاذة لا تعبّر بالضرورة عن معتقد المذهب .
خالد : العوام لا ينقادون بأنفسهم ، ولكنهم يتبعون ويسمعون العلماء ، فسبابهم لم يأتِ من فراغ ، بل جاء من قبل روايات تأمر بالسب واللعن ، مثل :
* علامة الشيعة نعمة الله الجزائري يزعم في كتابه الأنوار النعمانية ( ج ا/ب 1 ص 63 ) أن عمر - رضي الله عنه - مصاب بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال .
* المفسر القمي يفسر قوله تعالى : { فخانتاهما } من سورة التحريم أي ارتكاب عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - الفاحشة ، والعياذ بالله .
* زين الدين البياضي يزعم في كتابه الصراط المستقيم ( 3/28 ) أن عمر كان خبيث الأصل ، وجدته زانية .
وزين الدين البياضي في الصراط المستقيم ( 3/30 ) أيضاً يزعم أن عثمان جامع امرأة زانية قبل أن يرجمها ، وأن عثمان كان مخنثاً .
، وجاء في تفسيرالعياشي ( 1/307 ) والصافي ( 1/511 ) تكفير الصديق والفاروق تحت تفسير قوله تعالى : { إنَّ الذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنٍ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } . (النساء : 137) .
" تسمية أبي بكر بالفحشاء وعمر بالبغي في قوله تعالى : { وَينهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْي } (النحل : 95 ) ، وهذا مذكور في تفسير العياشي ( 2/289 ) والبرهان ( 2/381 ) والصافي ( 3/151 ) .
* محمد نبي التوسيركاني في كتابه لئالي الأخبار ( 4/92 ) يزعم أن أشرف الأمكنة والأوقات للعن الصحابة هو المبال ( أماكن قضاء الحاجة ) حتى الخميني غمز في مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم وطعن بهم !
حيدر : هذا غير ممكن صدوره من الإمام الخميني قدس الله سره !
خالد : ينبغي أن تقرأ وصية الخميني حيث قال : « إنني أدعى بجرأة أن الوضع الذي يتميز به الشعب الإيراني وجماهيره المليونية ، في العصر الحاضر أفضل من أهل الحجاز في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم .
وغيرها الكثير من الروايات التي يتألم المسلم المحب للنبي صلى اللّه عليه وسلم من وجودها ، على زمرة صاحبها النبي صلى اللّه عليه وسلم طوال حياته الطيبة ولم يُعْلَمْ عنها إلا كل خير يحبه الله - تعالى - .
وإذا كان أمير المؤمنين - رضي الله عنه - يكره أن يكون الناس سبَّابين ، فلم نجدد العهد بالأحقاد في كل سنة ؟ !
حيدر : تغيير عادات الناس من أعسر الأمور وأصعبها ، فمن تطبّع على شيء ، نجده قد أصبح طابعاً وملاصقاً لصاحبه ، فلا يستطيع تغييره أو الابتعاد عنه .
خالد : واجب العلماء أن تكون مجالسهم ، مجالس علم وتربية وتزكية للنفوس ، لا مجالس زرع للأحقاد ، وبث ما يفرق ويهدم الوحدة الوطنية في صفوف المجتمع الواحد ، وبين أفراده ، ولنتذكر كيف أن الصحابة ومن جاء من بعدهم ، ممن سار على الحق ، يحب بعضهم بعضاً حتى تسموا بأسماء مشاهير الصحابة وتداخلوا بينهم كالأسرة الواحدة ومن ذلك :
ا - أبوبكر وعثمان وعمر أبناء علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .
2 - عمر وطلحة أبناء الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - .
3 - أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب زوجها هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم أجمعين - .
4 - فاطمة بنت الحسين بن علي زوجها هو عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وسكينة بنت الحسين زوجها هو مصعب بن الزبير .
5 - عمر بن علي زين العابدين - رحمهم الله - .
6 - عائشة بنت علي الرضا - رحمهم الله - .
7 - عائشة بنت جعفر الصادق - رحمهم الله - .
8 - عائشة بنت علي الهادي - رحمهم الله - .
فلم لا نقتدي بهم ، ونحفظ ألسنتنا من السوء ، لأن هذا سبب متين لترابط القلوب والمجتمع بإذن الله تعالى ، واختلاف الرأي لا يفسد للود والحب بين القلوب من مكان أبداً .
أبو هريرة
حيدر : أردت في المبحث السابق أن تبيِّن عدالة الصاحبة جميعهم ، وأنهم لا يكذبون في أخبارهم ... إذاً ما قولك فيمن روى أحاديث تفوق قدرة البشر ؟
خالد : كأنك تريد أن نتكلم عن رواية بعض الصحابة لأحاديث النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟
حيدر : لنتناقش حول بعض المحدثين .
خالد : أما ترى أنه يجدر بنا إذاً أن نتكلم حول أشهر المحدثين في زمن الصحابة .
حيدر : ومن تقصد بهذا ؟
خالد : أقصد عبدالرحمن بن صخر الدوسي ، ذاك الصحابي الذي نذر نفسه لرواية حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ولم يحرص إلا على العلم .
حيدر : هذه أول مرة أسمع بهذا الصحابي .
خالد : لا عتب عليك ، فهذا الصحابي اشتهر بكنيته ولقبه أكثر من اسمه ، وأعني به أبا هريرة رضي الله عنه .
حيدر : نعم تذكرته الآن ، فهو قد تكلم حوله العلامة حسين شرف الدين الموسوي في كتابه القيّم « أبوهريرة » ويين ضعف روايات هذا الرجل ، بل إنَّ هذا الرجل أُثر عليه الجنون ، مما أثرعلى رواياته للحديث .
خالد : قبل أن أعلق على نقلك هذا ، هل قرأت من كتب السنة شيئاً من سيرة هذا الصحابي الجليل ؟
حيدر : للحق والأمانة أقول لا ، بل سمعت الكثير من رجال الدين عندما كانوا يخوضون في هذا الصحابي ، ويذكرون أن جميع أحاديثه لا تصح .
خالد : لنناقش الأمر بروية وهدوء .
حيدر : نعم ما تقول ، فمتى أسلم هذا الرجل ؟
خالد : المشهور عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه أسلم سنة سبع من الهجرة ، بين الحديبية وخيبر ، وكان عمره حينذاك نحو ثلائين سنة ، ثم قدم المدينة مع النبي صلى اللّه عليه وسلم حين رجوعه من خيبر ، وسكن « الصفّة » ولازم الرسول صلى اللّه عليه وسلم ملازمة تامة ، يدور معه حيثما دار ، ويأكل عنده في أغلب الأحيان إلى أن توفي صلى اللّه عليه وسلم .
حيدر : ولكن الأمر المستغرب ، هو قوة حافظته وذاكرته عن بقية الصحابة .
خالد : هذا من بركة دعاء النبي صلى اللّه عليه وسلم ، لما أن شكا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم من سوء حفظه فقال له : افتح كساءك ، فبسطه ثم قال له : ضمه إلي صدرك فضمه ، فما نسي حديثاً قط بعده أبداً .
حيدر : هذه الرواية غريبة في سردها ، هلا تحققت منها يا أخ خالد !
خالد : هذه الرواية رواها البخاري وغيره ، فهي صحيحة ولله الحمد ، وهي ليست عند علماء السَّنة وكتبهم فقط ، ولكنها أيضاً موجودة في كتب الشيعة ، فقد جاء في الخرائج ( 1/75 ) وفي كتاب بحار الأنوار ( 18/913 ) في باب معجزاته صلى اللّه عليه وسلم واستجابة دعائه : أن أبا هريرة قال لرسول الله صلى اللّه عليه وسلم : إني أسمع منك الحديث الكثير أنساه . قال : ابسط رداك كله ، وقال : فبسطته ، فوضع يده فيه ، ثم قال : ضمه . فضممته ، فما نسيت حديثاً بعده » .
حيدر : ولكن أبا هريرة يميزه أنه في وقت قصير روى الأحاديث الكثيرة التي لا تتناسب مع زمن إسلامه !
خالد : ابتداءً أسألك يا أخ حيدر ، كم عدد الأحاديث التي رواها أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟
حيدر : الآلاف الكثيرة من الأحاديث .
خالد : لنكن دقيقين في الأمر ، فأصحاب الكتب الستة ، والإمام مالك في موطئه رووا لأبي هريرة - رضي الله عنه - ( 2218 ) أي قرابه الألفي حديث مما اتفقوا عليه ، وله في الصحيحين ، البخاري ومسلم رحمهما الله ( 609 ) ستمائة وتسعة أحاديث ، اتفق البخاري ومسلم على ( 326 ) ثلاثمائة وستة وعشرين حديثاً منها ، فأين الآلاف المؤلفة في الرواية ؟
حيدر : هذا ما سمعته من الكثير من الأئمة ورجال الدين حول رواية هذا الرجل .
خالد : أغلب الصحابة والعلماء أثنوا على أبي هريرة - رضي الله عنه - وعلى علمه كقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم : « أبو هريرة وعاء من العلم » .
وكقول الشافعي - رحمه الله - : « أبو هريرة رضي الله عنه أحفظ من روى الحديث في دهره » .
وقال البخاري - رحمه الله تعالى - : « روى عنه نحو ثمانمائة من أهل العلم ، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره » .
حيدر : ولكن الذي ينتقد به أبوهريرة أنه ليس هناك رجل روى هذا الكم الهائل من الأحاديث لوحده ، بل إن طاقة الإنسان الذهنية لا تتحمل مثل هذا الشيء الخارق .
خالد : أولاً : هذا القدر من التذكر وعدم النسيان حاصل ومتحقق لبركة دعاء النبي صلى اللّه عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه .
ثانياً : رجل نذر نفسه لطلب العلم وسماع أحاديث النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ألا يستطيع أن يلم من بعد ذلك بروايات أكثر من غيره ؟
ثالثاً : كان له طلبة علم كثيرون يتلقون عنه هذه الأحاديث .
رابعاً : الأحاديث المروية عن أبي هريرة فيها القولية والفعلية والتقريرية .
خامساً : منها ما رواه عن غيره من الصحابة رضوان الله عليهم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم .
سادساً : من الأحاديث المذكورة عن أبي هريرة رضي الله عنه أحاديث لا تصح في السند .
سابعاً : تفرغ رضي الله عنه للعلم فقط .
ثامناً : تقول طاقة الإنسان لا تتحمل ولا تستطيع ، هل بضعة آلاف من الأحاديث تبلغ على أكثر حد خمسة آلاف ، ويسمعها الإنسان خلال أربع سنوات ، أمرها معجز أم ذاك الذي سمع أكثر مما تلقاه أبو هريرة طوال عمره ؟
حيدر : لعلك تعني أحد المعصومين من الأئمة !
خالد : لا ، بل هم رجال حالهم كحال بقية الرجال ، بل لا يبلغون من فضل أبي هريرة - رضي الله عنهم - شيئاً ، ومن هؤلاء ( أبان بن تغلب ) قال فيه الصادق : « إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث ، فاروها عني » .
وهذا محمد بن مسلم بن رباح ، ذكر النجاشي في كتابه الرجال ( 163 ) « أن محمداً سأل الباقر عن ثلاثين ألف حديث ، وسأل الصادق عن ستة عشر ألف حديث » .
وهذا جابر بن يزيد الجعفي ، من المكثرين في الرواية عن آل البيت ، فنقل عنه الكشي في ترجمته ( 194 ) هذه الرواية وهي : « رويت خمسين ألف حديث ما سمعه أحد مني » .
وقال الحر العاملي في خاتمة الوسائل ( 20/151 ) عن جابر : « أنه روى سبعين ألف حديث عن الباقر ، وروى مائة وأربعين ألف حديث » .
فهل أبوهريرة رضي الله عنه بلغ في عدد أحاديثه ما بلغه هذا الرجل ؟
وللعلم فإن عبدالحسين هذا له كتاب باسم « المراجعات » ذكر أمثال هؤلاء المفرطين في رواية الأخبار الشيعية ودافع عنهم ، فلم لم يلتمس ولو بشيء من الإنصاف العذر لأبي هريرة رضي الله عنه علىَ كثرة روايته للحديث ؟
حيدر : ولكن رواة الشيعة رحمهم الله تشهد لهم الكتب الحديثية بحسن السيرة والعدالة وقوة الحفظ ، فلم الإنكار عليهم يا أخ خالد !
خالد : أما الحفظ فهذا لا يحتاج إلى مناقشة ، وذلك لتناقض الروايات الشيعية في الكتب الأصلية ، أما العدالة وحسن السيرة ، فلو تجشمت العناء شيئاً قليلاً ، وتصفحت بعض كتب الشيعة مثل رجال الكشي وغيره ، لعلمت كيف كانت سيرة بعض رواة الشيعة المكثرين في الرواية ومن ذلك :
- عوف العقيلي ، روى الكشي في رجاله ( 95 ) عن الفرات بن أحنف قال : العقيلي كان من أصحاب أمير المؤمنين ، وكان خماراً ، ولكنه يؤدي الحديث كما سمع !!
- أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار كان خماراً ، مثل ما جاء في كتاب رجال الكشي ( 76 ) وتنقيح المقال للمامقاني ( 1/191 ) .
- علي بن حمزة البطائني ، كان يسرق أموال المعصوم وخمس الشيعة ، وقالوا عنه أنه من الواقفة الملعونين الكذابين ، راجع كتاب « الواقفية دراسة تحليلية 1/418 » .
وغيرهم كثير ، فلا يشترط مبدأ العدالة وحسن السيرة عند الشيعة ، ولكن يشفع لرواة الشيعة كثرة رواياتهم وقبولها مناصرتهم لآل البيت رحمهم الله ، ولو كانت من أفواه الفساق !
حيدر : مع كل ما ذكرته يا أخ خالد من روايات ، ولكن رواية أبي هريرة قد نبذها رجال العلم الشيعة دلالة منهم على عدم الرضا بها ، لذا لن تجد أي مؤلف شيعي في الحديث ذكر شيئاً من رواية هذا الرجل .
خالد : هذه من الملاحظات الوجيهة يا أخ حيدر ، ولعلي أختم بها هذا النقاش الممتع .
الشيعة الأولون كانوا يعملون بأحاديث أبوهريرة رضي الله عنه وكذلك أقواله وفتاويه ، ومن ذلك الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي في كتابه مستدرك الوسائل ذكر جملة من أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الإجارة ( 14/28 ) بل الشيخ المفيد روى جملة من الروايات في كتاب الأمالي ، وهي من أبي هريرة مثل ما جاء في صفحة ( 111 ، 112 ، 317 ) .
والشيخ الصدوق روى كذلك في كتاب « معاني الأخبار » في صفحة ( 80 ، 90 ) . وكذلك في كتاب إكمال الدين في صفحة ( 136 ) وفي كتاب الخصال وثواب الأعمال . أيضاً ، وغيرها كثير جداً ، فلم الادعاء قبل النظر والاطلاع ، ودائماً أقول وأكرر يا أخ حيدر إن مشكلة الشباب الشيعي الحريص على الخير عدم اطلاعه على أمهات الكتب الشيعية
الأصلية ، وعدم استفساره وتأكده من الأدلة التي يسوقها الكثير من القصاصين الذين اعتلوا منبر الرسول صلى اللّه عليه وسلم .
حيدر : إذاً الأمر ليس كما يدعيه بعض رجال الدين حول أبي هريرة !
خالد : نعم يا أخ حيدر ، فهذا الرجل المبارك رضي الله عنه أجمع على قبول روايته علماء السنة وكذلك الأقدمون من رجال الدين الشيعة ، ولن تجد أحداً يبغضه أو يرد روايته إلا ذلك الجاهل الذي لم يشرح الله صدره لحب العلم الشرعي الصحيح .
ولو أنك سألت كل من يشتم أو ينتقص من قدر أبي هريرة - رضي الله عنه - لماذا هذا الحط من قدر هذا الصحابي الكريم ؟
وماذا قرأت عن سيرته ، وما الخطأ الذي اقترفه هذا الإنسان في حق الإسلام ؟
لما وجدت جواباً شافياً ، ولكن كل هذا التحقير نابع من فئة من المتعالمين الذين لم يقرأوا ولم يطلعوا على كتب السُنة والشيعة ؟
حيدر : ولكن من انتقد أحاديث أبي هريرة إنما كان يريد الخير وبيان الهدي النبوى الصحيح .
خالد : من ينتقص أبا هريرة - رضي الله عنه - لا ينتقصه إلا لسبب واحد ذلك أنه يريد أن يطعن بالسُّنة الصحيحة ، فلم يجد له من سبيل إلا بالطعن بمن نقل الأحاديث ، وكان أشهر هؤلاء النقلة أبو هريرة ، وهو أكثرهم رواية للأحاديث .
ولنعلم أن أبا هريرة وأمثاله من الصحابة رضوان الله عليهم اختصهم الله بعلمه سبحانه لينقلوا سنة نبيِّه صلى اللّه عليه وسلم والتي فيها ما يحبه الله من شرع وهدي نبوي ، فلذا نحبهم لهذا الأمر ولغيره من الأمور .
دعاء صنمي قريش
حيدر : بما أننا تحاورنا حول عدالة الصحابة ، واتهام بعض السنة لإخوانهم الشيعة بأنهم لا ينُزلون الصحابة العدول منازلهم اللائقة بهم ، فلمِ نجد البعض من السنة يفتري على الشيعة ، فيزعم أنهم يدعون في صلاتهم على الصحابة؟
خالد : الصلاة وما فيها من أدعية يجتهد فيها العبد لربه ، إنما هي سر بين العبد وربه لا يعلمه أحد من الخلق ، ولكن ما تقوله إنما جاء لأن هناك أدعية شنيعة قبيحة يحض عليها فئة من العلماء ، وينشرونها في كتبهم !
حيدر : دعاء بهذا الوصف وموجود في كتب العلماء ، بالله عليك وما هو ؟
خالد : يطلق على هذا الدعاء « دعاء صنمي قريش » والمراد بالصنمين هما الخليفة الأول الصديق وعمر الفاروق - رضي الله عنهما - وأيضاً ابنتيهما عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - وهذا الدعاء جاء ذكره عند :
ا - إبراهيم بن علي العاملي المعروف بالكفعمي في كتاب المصباح ( 552 ) .
2 - الملا محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار ( 85/337 ) .
3 - القاضي السيد نور الله الحسيني التستري في إحقاق الحق ( 1/337 ) .
حيدر : مثل هذه الأدعية والأقوال يعُلم بداهة أنها مدسوسة في كتب العلماء .
خالد : سبحان الله ! إذا أُلقي علينا الذي نكرهه ، قلنا إما أنه مدسوس أو ضعيف ، أو قاله الإمام تقية ، ولِمَ نسمع هذه الأعذار في وقت المناقشة فقط ، ولا نقرأها في كتب لرجال الدين الشيعة فنجد فيها دحضاً وإبطالاً لمثل هذه الأقوال والمؤلفات الشاذة ؟ بل لقد جاء هذا الدعاء في كتاب ألف بالأردية ( الهنديه ) للمؤلف منظور حسين بعنوان « تحفة العوام مقبول جديد » وذكر مؤلفه أنه مطابق لفتاوى تسعة من كبار المراجع ومنهم :
ا - السيد محسن الحكيم .
2 - السيد أبوالقاسم الخوئي .
3 - السيد روح الله الخميني .
4 - الحاج السيد محمود الحسيني الشاهرودي .
5 - الحاج سيد محمد كاظم شريعتمداري .
6 - السيد أبو الحسن الأصفهاني .
حيدر : ومن هو اللذي نص على أن المقصود بالصنمين أبو بكر وعمر !
خالد : نص على ذلك جمع من العلماء الشيعة منهم :
ا - أبوالسعادات أسعد بن عبدالقاهر على ما في المصباح للكفعمي هامش (552) .
2 - محمد محسن الشهير بأغابزرك الطهراني في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة ( 10/9 ) .
3 - المجلسي في بحار الأنوار ( 85/263 ) .
4 - محمد الكاشاني في قرة العيون ( 326 ) .
ولم يُعلم أن أحداً من هؤلاء أنكر هذا الدعاء ، أو حتى انتقد وجوده وكتابته ، بل إن آية الله العظمى السيد شهاب الحسيني المرعشي في حاشيته على إحقاق الحق لنور الله الحسيني المرعشي ( 1/337 هامش ) يقول : « ثم اعلم أن لأصحابنا شروحاً على هذا الدعاء منها الشرح المذكور ( أي : كتاب شهاب المرعشي ) ومنها كتاب ضياء الخافقين لبعض العلماء من تلاميذ الفاضل القزويني صاحب لسان الخواص ، ومنها شرح مشحون بالفوائد للمولى عيسى بن علي الأردبيلي ، وكان من علماء زمان الصفوية ،
وكلها مخطوطة ، وبالجملة صدور هذا الدعاء مما يطمئن به لنقل الأعاظم إياه في كتبهم واعتمادهم عليه » .
فمثل هذا الكم من الشروح ما هوإلا دلالة على أهمية هذا الدعاء في قلوب علماء الشيعة .
حيدر : هل بالإمكان ذكر شيء من الدعاء ؟
خالد : الدعاء طويل قرابة الورقتين ومما جاء في هذا الدعاء الشنيع « اللهم العن صنمي قريش ، جبتيها وطاغوتيها وافكيها وابنتيهما ، اللذين خالفا أمرك ، وأنكرا وحيك وجحدا إنعامك وعصيا رسولك وعاديا أولياءك وحرفا كتابك وعطلا أحكامك وأفسدا عبادك ، اللهم العنهما وأنصارهما ... » .
فهل مثل هذا يصدر من مسلم عاقل يريد أن يوحد صفوف المسلمين ، ويؤلف بين قلوبهم ؟ !
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
الاحتفالات الإسلامية
حيدر : لا زلت أعجب من إخواننا السنة ، ومن نفورهم واستهجان البعض منهم ، على ما يقوم به الشيعة من احتفالات دالة على تعظيمهم للآل البيت ، ومن تخصيص أيام تدل على فضلهم وعلو شأنهم ، وتجدد العهد بهم ، ويستلهمون من بعدها العظات والعبر في سيرتهم الزكية .
خالد : إنزال الناس منازلهم أمر مطلوب شرعاً ، بما لا يتعارض مع الشرع وينبغي علينا أن نتذكر قوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْه فَانتَهُوا } (الحشر : 7) وقوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة } (الأحزاب : 21) ، والنبي - صلى اللّه عليه وسلم - عاش قرابة ( 23 ) سنة وهو يشرع ويأمر وينهى ، فلَم نعلم أنه خصص يوماً للاحتفال ، بسبب حادثة معينه كغزوة بدر أو فتح مكة أو حتى لإسلام حمزة أو العباس رضي الله عنهم - أو لربما في حال ولادة الحسن أو الحسين رضي الله عنهما بغية أخذ العبرة والعظة منها ، فضلاً عن المناسبات الحزينة كمقتل حمزة وما حدث في غزوة أحد أو وفاة أم المؤمنين خديجة وغيرها كثير ، فهل غاب عن أذهانهم هذا الأمر وعلمناه نحن من بعدهم ؟ !
أو هل نحن أشد حرصاً على الخير من المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ومن كان معه !!
حيدر : وما قولك في بعض أفعال الحج كالصلاة عند مقام إبراهيم والسعي بين الصفا والمروة بسبب هاجر أم اسماعيل ، أو رجم الشيطان تأسياً بفعل الخليل إبراهيم !
خالد : مَن الذي أمرنا بفعل هذه الأعمال ؟ ، أليس هو النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ولو سألت الكثير من العامة لِمَ ترمي في الحج ؟ لأجابك : لأن النبي فعل هذا الشيء ، ولو سألته لم تسعى بين الصفا والمروة ؟ لرد عليك وقال : أليس النبي صلى اللّه عليه وسلم فعل وأمر بهذا الفعل . عفوية الرد فيها دلالة على الفطرة السليمة والاتباع الشديد لأمر حبيبنا محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ووالله لربما غاب عن البعض الحكمة من العمل ، والمسلم يا أخ حيدر مطالب بالاتباع دون إلزامه بمعرفة الحكمة .
حيدر : ولكن العوام ما فعلوا مثل هذه الاحتفالات إلا من باب الحب للخير .
خالد : سبحان الله ما استحسن جاهل عبادة مخصوصة ، بلا دليل أو نص إلا وتجد أن البدع تترى على فعله ، ونجد في المقابل متعالماً يزيد من نفسه بعض العبادات الباطلة مما يزين للعوام أنها من الشرع ، ومثال ذلك عيد النيروز !
حيدر : عيد النيروز ! وما دخله بالدين وبحديثنا !
خالد : الذي أعلمه أن هذا العيد متعلق بالسنة الفارسية ، ولا شأن له بالشريعة الإسلامية بتاتاً ، إذاً فما دليل ذلك العالم الذي أفتى باستحباب الغسل والصيام لهذا اليوم ؟
حيدر : لَم يفتِ أيُّ عالمٍ معتبر بأي شيء لهذا اليوم الفارسي .
خالد : إذاً ماذا نفعل لتلك الفتوى الموجودة في كتاب تحرير الوسيلة للخميني ( ج 1/98 ، 352 ) حيث جاء : « ومنها يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة - يعني مندوبات الصيام - ومنها يوم النيروز » ، وذكر أيضاً أن من الأغسال المندوبة غسل يوم العيدين ومنها يوم النيروز ، ونحن نعلم أن المندوب ( أي المستحب ) معناه أن لك الأجر إذا فعلت وليس عليك إثم إذا لم تفعل ، فأين الدليل الشرعي لهذه الفتوى ؟
حيدر : هل تريد أن تطلق على هذه الأعمال أنها بدعة ، مع أن الأثر كله مبني على أخذ العبرة والعظة ؟
خالد : البدعة تنشأ كما يلي ، بادعاء أخذ العبرة أولاً في يوم مخصوص لأمر ما ، ومن ثم يوضع دعاء مخصوص بكيفية مخصوصة ، ثم نجد المجلدات المؤلفة لهذا الفعل والأكل والشرب وتعطيل مصالح وأعمال المسلمين ، وهل لهذا الفعل من سند أو دليل من الهدي النبوي ، لا بل اللهم إلا الهوى والبعد عن جادة الحق .
ومع تكاثر البدع ، التي هي سبل الضلال ، سيكثر معها الفساد وارتكاب المخالفات ، وما كان أصله فاسداً فلا يُجنى منه إلا الثمر الفاسد .
عيد الغدير
خالد : وبعد أن عرجنا على الحوار حول حكم الاحتفالات التي تقيمها الشيعة خلال أيام السَّنة ، لنسلط الضوء حول أحدها ونسوقه كمثال حول حوارنا .
حيدر : لله الحمد والمنة ، فالشيعة لهم الاستدلال الصحيح والرواية المعتمدة أمام كل عمل يفعلونه .
خالد : لنتحاور حول عيد الغدير .
حيدر : هذه من المناسبات العزيزة على النفس ، الحبيبة إلى القلب ، لدى الشيعة جميعاً ، وهذه الحادثة ثابتة في كتب الحديث ، لدى السنة والشيعة .
خالد : ألا ترى أن إعطاء هذا اليوم مسمى العيد نحتاج فيه إلى دليل شرعي ، وإلا لكثرت علينا المناسبات ، مفرحة كانت أو محزنة ، فالعامي مع مضى الأيام قد يزول من ذهنه المقصد من معنى كلمة عيد ، ولربما يساويها بالعيد الشرعي وهو الفطر والأضحى .
حيدر : لا يذهب بك الفهم كل هذا البعد والتشدد ، فالجاهل العامي لا يعُولُ عليه .
خالد : العوام هم مقلدة للعلماء ، فإن أحسن العلماء ونصحوا وبينوا انقاد العوام إلى الحق ، وانصلح حالهم ، وإن أساءوا فلن ترى إلا العجائب ، وكما قال الخميني في كشف الأسرار ( 99 ) : « إن طهران يوجد فيها مشتر لكل متاع ، وإن أحداً لو ادعى الألوهية فإنه سيجد من يتبعه » .
أما ترى يا أخ حيدر أن المفهوم الخاطئ قد جر العوام إلى صيام هذا اليوم واعتقاد الأجر فيه ، والأجر كما نعلم جميعاً أمر غيبي لا يعلمه إلا الله ، فأين الدليل ؟ !
حيدر : هل تريد أن تضعف من روايه الغدير وتزعم أنها غير صحيحة .
خالد : لنسلط الضوء على الرواية الصحيحة للغدير وهي كاللآتي : أخرج الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُمّا بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثم قال : « أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثَقَلَيْن أولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به » ، فحث على كتاب الله ورغَّب فيه ، ثم قال : « وأهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً » فسُئل زيد عن المقصود من أهل بيته فقال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حُرِم الصدقة بعده ، فسُئل : ومن هم ؟ قال : آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس .
حيدر : ولكن هناك زيادات أخرى تدل على أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد قال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ... » ، وعلى ضوء هذه الرواية فأنت تتفق معي من أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد أخذ العهد من الصحابة في هذا اليوم العظيم ، وهو يوم الغدير .
خالد : حسناً ما قلت ، وهو الاستدلال بالنصوص على الأحكام وليس بالكلام الإنشائي فلنأخذ أحد النصوص الهامة من أحد الكتب الشيعية المعتبرة وهو « نهج البلاغة » ( 3/7 ) وهذا النص كما يلي من قول علي رضي الله عنه : « إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى » .
حيدر : مقولة النبي صلى اللّه عليه وسلم للصحابة إن وليهم هو علي رضي الله عنه ، أي أنه من يتولى الأمر من بعده ، دليل واضح في قضية الإمامة ؟
خالد : اْين الدلالة على الخلافة والإمارة ، والنبي صلى اللّه عليه وسلم يقول « ولي » وليس « متول » وشتان ما بينهما في المعنى ، قال الفيروزآبادي صاحب القاموس : ( وأما مَا يظنه الشيعة أن في الآية { إنما وليكم الله ... } أو في الحديث « من كنت مولاه » دلالة على أن علياً رضي الله عنه هو الخليفة بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فمن الجهل المقطوع بخطأ صاحبه ، فإن الوَلاية بالفتح ضد العداوة ، والاسم منها مولى وولي ، والوِلاية بالكسر هي الإمارة ، ومنها والي ومتولي ) .
وأمير المؤمنين فضائله أكثر من أن تحصى ، وهو من أزهد الناس بالدنيا حتى أنه - رضي الله عنه - قال عن الخلافة لما أتته : « والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها » . ( نهج البلاغة 2/184 ) .
والسؤال : لمَ الاحتفال والبهجة ، وعلي - رضي الله عنه - لم يُخصص له إلا الدعاء بالَخير ، وهذا الأمر - أي الدعاء - ثبت لكثير من الصحابه ، فلم نحتفل بمثل هذا ؟
وعدم الاحتفال بالغدير وغيره من المناسبات مثل عيد ميلاد علي - رضي الله - وزفة القاسم وغيرها من المحدثات التي ظهرت في التاريخ الإسلامي ، ليس فيه إنقاص لقدر أحد ، بقدر ما هو اتباع لهدي المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ، فيما شرع وأمر .
ولو كان الاحتفالً جائزاً لاحتفلنا بيوم عام الجماعة .
حيدر : عام الجماعة ومتى تم هذا الأمر .
خالد : العام الذي تنازل فيه السيد الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الإمرة والإمامة إلى معاوية رضي الله عنه حفظاً لدماء المسلمين ، فلو كانت الاحتفالات مشروعة لكان هذا اليوم من أفضل الأيام .
ولكننا نلتزم بما ثبت ونبتعد عما لم يثبت .
البكاء على الحسين رضي الله عنه
خالد : لاحظت أنك بعد ذهابك إلى الحسينية قد تغير لونك ، ورأيت الكآبة على محياك .
حيدر : من يتذكر الفاجعة التي حلت بالإمام الحسين عليه السلام ، لابد وأن ينفطر قلبه كمداً وحزناً على ما حدث .
خالد : ولكن هذه الحادثة قد مضى عليها قروناً من الزمان ، ولا زال العهد يتجدد بها ، فما السبب ؟
حيدر : الحزن أمره مشروع ، وكذلك البكاء ، فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد ذرف الدمع حزناً على وفاة ابنه وعلى حمزة وغيرهم من الصحابة في وفاتهم ، فهل هناك أعظم من مصابنا في أبي عبد الله عليه السلام ؟ !
خالد : الحزن والبكاء - عند المسلم - أمرهما ليس بخاضع لقانون العاطفة والهوى فقط ، ولكن يُحكمان بهدي النبي صلى اللّه عليه وسلم .
حيدر : وكيف ذلك ؟
خالد : الحزن والعزاء على القريب مدته ثلاثة أيام ، والزوجة لها عدة معلومة ، والبكاء بينّه لنا المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كيف يكون ؟ بقوله عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم : « إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يُرضي الله ، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون » .
ولم نسمع أبداً أو نقرأ أن النبي صلى اللّه عليه وسلم جدد العهد بالأحزان على عمه الذي نصره أو زوجته خديجة أو على حمزة ، وغيرهم كثير من الصحابة !
حيدر : وما الشيء الذى تستنكره مني في بكائي على الحسين عليه السلام ؟
خالد : يوم عاشوراء معلوم أمره من أن الله نجى موسى من فرعون ، فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بصيامه شكراً لله وزاد معه التاسع ليخالف اليهود ، ومن قَدَر الله أن يكون مقتل الحسين رضي الله عنه في هذا اليوم وهذه موافقة قدرية ليس فيها حكم شرعي ، والمسلم يتبع القدر الشرعي وليس القدر الكوني الذي ليس فيه أمر أو نهي ، فمن الذي أمرنا بتجديد العهد مع الحسين رضي الله عنه في كل سنة ؟
وقد ثبت بالنص الصيام في هذا اليوم ، من الأدلة التالية من كتب الشيعة :
أخرج الطوسي في الاستبصار ( 2/134 ) والحر العاملي في وسائل الشيعة ( 7/337 ) عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه أن علياً عليه السلام قال : « صوموا العاشوراء ، التاسع والعاشر ، فإنه يكفر ذنوب سنة » .
وعن أبي الحسن عليه السلام قال : « صام رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يوم عاشوراء » .
وجاء عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال : « صيام عاشوراء كفارة سنة » .
حيدر : ومَن الذي أخبرك بأن الشيعة لا يصومون هذا اليوم ولا يتقربون فيه إلى الله بالطاعة ؟
خالد : الصيام معلوم وقته من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس بنية العبادة ، وليس الصيام الذي يكون إلى الظهر ، ثم يأكل الإنسان أطايب الطعام ويقول : أنا حزين في هذا اليوم .
حيدر : لمَ التشدد في هذه المسألة ؟ وأنا أعلم أنها لا تجُر إلى أمر منكر ؟
خالد : الأمر ليس بخاف على العقلاء مما يحدث في هذا اليوم من مخالفات شرعية ثبت النهي عنها ومنها :
ا - الصياح والنياحة .
2 - شق الجيوب واللطم على الوجه .
3 - ضرب الجسد بالسلاسل والسيوف وإنزال الدم .
4 - الأقوال التي فيها مبالغة بمدح الحسين - رضي الله عنه - في هذا اليوم .
5 - اللعن والشتم الذي يصل إلى تكفير الصحابة .
6 - إبطال سنة الصيام في هذا اليوم ، وحث العوام على الفطر والأكل .
7 - تقديم النذور من لحم وأرز وغيره كلها باسم الحسين رضي الله عنه .
8 - عدم الأمر بالمعروف وكف العوام عن المخالفات .
9 - غرس البغضاء والأحقاد في قلوب العوام مما يؤدي إلى تفريق الوحدة الدينية والوطنية .
10 - تحريم الزواج في هذا اليوم ، وكذلك المعاشرة بين الأزواج . وغيرها كثير ، وكل هذه الأمور معلومة ومشاهدة وليس ثمة من ينكر .
حيدر : ولكن الذي وقع على الحسين عليه السلام يتقطع له القلب حسرةَ وكمداً ، وهو أعظم بلاء حل بالمسلمين .
خالد : أعظم مصاب نزل بالمسلمين هو فقدهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم كما جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : « إذا أصيب أحدكم بمصيبة ؟ فليذكر مصيبته بي ؟ فإنها أعظم المصائب » رواه الدارمي ومالك ، وكما قال الشاعر :
اصبر لكل مصيبة وتجلــد واعلم بأن المرء غير مخلد
فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها فاذكر مصابك بالنبي محـمد
حيدر : أخشى أن يفُهم من كلامك أن وفاة الحسين عليه السلام ، لم يكن لها أي أثر في نفوسنا !
خالد : الحسين - رضي الله عنه - هو ريحانة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وسيد شباب أهل الجنة ، وقُتل مظلوماً شهيداً ومثواه الفردوس الأعلي بإذن الله - سبحانه - وليس هذا محل حوارنا ، ولكن أساس الحوار هو مَن الذي أفتى وجَوّز ما يُفعل في هذا اليوم من منكرات ، وقد ثبت النهي عنها في كتب الشيعة ؟ ، ومن ذلك :
* « ذكر المجلسي في بحار الأنوار ( 82/103 ) : « النياحة عمل الجاهلية » .
* وذكر ابن بابويه القمي في من لا يحضره الفقيه ( 2/271 ) قال : من ألفاظ رسول الله صلى اللّه عليه وسلم الموجزة التي لم يُسبق إليها : « النياحة من عمل الجاهلية » وحتى مَن يحضر ولا يفعل هذه الأفعال يكون عليه الوزر .
حيدر : مَن لم يلطم ولم ينح ولم يرفع صوته بالعويل عليه إثم !
خالد : إذا حضر إلى مثل هذه المجالس ، ولم ينصح ولم يدل العوام على الصواب ، فإنه آثم ، إن جلس معهم وشاركهم في مجلسهم ، فقد روى المحدث الحر العاملي في وسائل الشيعة ( 2/915 ) عن الإمام الصادق عن أبيه عليهم السلام قال : « نهى رسول الله صلى اللّه عليه وسلم عن الرنة عند المصيبة ، ونهى عن النياحة والاستماع إليها » .
فمَنْ هذا الذي تطوّع له نفسه بأن يتشبه بأهل الجاهلية من اقتدائه بأعمالهم ، ويترك هدي الحبيب محمد صلى اللّه عليه وسلم ، بل إن مثل هذه المآتم لا تغرس في قلوب الأبناء إلا الحقد والتفريق ، والتنفير وتمزيق المجتمع في كل سنة ولا يلتئم الجرح إلا جُدد بالتذكار جُرح ، فهل نتقي الله ونتبع خير الهدي ، أم نترك بعض السفهاء ليغرقوا سفينة الوطن بمثل هذه المخالفات ؟ !
فضائل الحج إلى قبر الحسين رضي الله عنه
خالد : ألا تلاحظ يا أخ حيدر أن قضية تعظيم مقتل الحسين - رضي الله عنه - تولّد عنها مفاهيم خطيرة شنيعة لا يتصورها مسلم عاقل !
حيدر : هلاّ بينت هذا القول ، بمزيد من المثال ؟
خالد : حُسن النية والعاطفة المحبة للخير ، إن لم يقدها صاحبها وفق ما أراد الله سبحانه ، لوجدت منها انقياداً سهلاً إلى كل تخبط في العقلانية كما قال تعالى : { وَلَو اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ } (المؤمنون : 71) وهذا ما فعله بالضبط فئة من المتعالمين والمنتفعين ، الذين قادوا العوام من المسلمين الشيعة إلى وضع الحسين - رضي الله عنه - وقبره في مقام لا يليق به .
حيدر : هذا قول شنيع ، ولابد لكلامك من بينه ودليل ، وإلا فإنك مُتقول على العلماء .
خالد : كثيراً ما كنت أسمع من عوام السُّنة ، أن الأخوة الشيعة يقصدون قبر الحسين - رضي الله عنه - ويجعلون له المكانة الجليلة والتي لربما تفوق في الحب بيت الله ويعتقدون أن القبر فيه من البركة الشيء العظيم والتي لا توجد في أي مكان آخر ، وقلت في نفسي كأن هؤلاء الفئة قد بالغوا في الأمر على عوام الشيعة ، ونسبوهم وقادوهم إلى باطل عظيم ، لعلهم منه براء ومنزهون .
فعقدت العزم على التثبت والقراءة ، فوجدت أن ما قاله عوام السنة من خلال تجربتهم بالمحيطين بهم من الأخوة الشيعة قليل من كثير ، وذكر لحال حاصل متحقق ، غافلٌ عنه البعض .
حيدر : هذا والله القذف الصريح في أناس يشهدون أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله !
خالد : جاء في فروع الكافي ( 1/324 ) وثواب الأعمال ( لابن بابويه 52 ) وكامل الزيارات لابن قولويه ( 161 ) ووسائل الشيعة ( 10/348 ) : « أن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة ، وأفضل من عشرين حجة وعمرة » .
وجاء في تهذيب الأحكام للطوسي ( 2/16 ) ووسائل الشيعة ( 10/348 ) : أن أحد الشيعة قال لإمامه « إني حججت تسع عشرة حجة ، وتسع عشرة عمرة ، فأجابه إمامه : حُجّ حجة أخرى واعتمر عُمرة أخرى ، تكتب لك زيارة قبر الحسين » أي كأن من حج وقصد قبرَ الحسين أراح نفسه من عشرين حجة إلى بيت الله ، وهذا فيه دلالة على ترغيب العوام بالحج إلى قبر الحسين - رضي الله عنه - دون بيت الله المحرم !
حيدر : لعل المقصود عدم هجر قبر الحسين عليه السلام والدعاء له .
خالد : وهل قبر الحسين معلوم مكانه ؟ بل حتى قبر أمير المؤمنين على رضي الله عنهما .
حيدر : ماذا تقول يا أخ خالد ، هل تريد أن تلغي الحقائق التاريخية !
خالد : تعلم أني لا أحب الكلام الإنشائي متى ما وُجدت الحقائق ، أما عن موضع قبر علي - رضي الله عنه - فقد جاء في تهذيب الكمال ( 13/305 ) عن أبي جعفر الصادق : « أن قبر علي جهل موضعه » .
وجاء في تاريخ بغداد ( 1/138 ) عن مطين قوله : « لو علمت الشيعة قبر من هذا الذي يُزار بظاهر الكوفة لرجمتهُ ! هذا قبر المغيرة بن شعبة » .
وكذلك الأمر لما استشهد الحسين رضي الله عنه ، لا يعلم أحد بدليل صحيح أين الموضع الذي تم دفن الحسين رضي الله عنه فيه !
حيدر : مع هذا الذي قلته تاريخياً ، ولكن الأمر لم يصل إلى تعظيم زيارة قبر الحسين عليه السلام ، ولكن فيه الترغيب وعدم هجر سبط النبي صلى اللّه عليه وسلم .
خالد : نرجع في حديثنا إلى أجر زيارة قبر الحسين - رضي الله عنه - فياليت الأمر اقتصر على عشرين حجة ، بل بلغ الأمر إلى ثمانين حجة ( ثواب الأعمال 52 ) وإلى مائة حجة مع رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ( وسائل الشيعة 10/350 ) ، وبلغ الأجر إلى ألف حجة متقبلة ، وألف عمرة مبرورة ، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر ، وأجر ألف صائم ، وثواب ألف صدقة مقبولة ، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله .... وهذا كله جاء في وسائل الشيعة ( 1/353 ) وكامل الزيارات ( 143 ) وبحار الأنوار ( 101/18 ) .
حيدر : ولكن هذا فيه تقليل من شأن قصد بيت الله والحج إليه !
خالد : كما قلت يا أخ حيدر ، فنحن نعلم مقدار الأجر إن قصدنا وحججنا لبيت الله وأقمنا الصلاة في المسجد الحرام ، ولكنها بأي حال من الأحوال لا تبلغ لأجر زيارة واحدة إلى قبر الحسين ، وقد تم تفضيله على الحج مثل ما ذكر الكليني في فروع الكافي ( 1/324 ) والطوسي في التهذيب ( 2/16 ) وغيرهم برواية : « من أتى قبر الحسين عارفاً بحقه ، في غير يوم عيد ، كتب الله له عشرين حجة مبرورات مقبولات ... ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائة حجة ومائة عمرة ... ومن أتاه يوم عرفة عارفاً بحقه ، كتب الله له ألف حجة ، وألف عمرة مبرورات متقبلات ، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل » .
حيدر : ومع هذا كله فإن لبيت الله سبحانه من المكانة في القلوب الشيء الذي لا يقارن !
خالد : ولكن بعض النصوص تؤكد أن كربلاء أفضل من الكعبة ومكة ، ومن ذلك ما ذكره المجلسي في بحار الأنوار ( ج 101/107 ) عن أبي عبدالله أنه قال : « إن الله أوحى إلى الكعبة ، لولا تربة كربلاء ما فضلتك ، ولولا من تضمه أرض كربلاء ما خلقتك ، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت ، فقري واستقري ، وكوني ذَنَباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكَبر لأرض كربلاء ، وإلا سُخت بك وهويت بك في نار جهنم » .
حيدر : هذا والله الشيء العجيب ، اللذي أسمعه لأول مرة !!
خالد : هذه النصوص صحيحة ومباركة ولها التأييد عند الكثير من رجال العلم المعتبرين عند الشيعة .
حيدر : مع كل هذا الفضل والأجر لماذا لم يأتِ لهذه الزيارة من ذكر في كتاب الله ؟
خالد : جاء الجواب في كتاب بحار الأنوار ( 101/290 ) فقال السائل : « قد فرض الله على الناس حج البيت ، ولم يذكر زيارة قبر الحسين عليه السلام » ، فأجاب الإمام بجواب يبدو فيه الاضطراب ، حيث قال : « وإن كان الأمر كذلك ، فإن هذا شيء جعله الله هكذا » ، فهل هناك من اعتراف أوضح من هذا ، على تناقض هذه الروايات ، وأنها لا سند لها من الصحة !
حيدر : مع هذا الذي ذكرته ، ولكني أعتقد أن العوام من الشيعة وحتى المنصفين علموا قدر بيت الله ، وأن فيه الأجر العظيم من الله ، وأن قلوبهم تشتاق إلى بيته سبحانه وتعالى .
خالد : هذه الفضائل والمزايا لحجاج قبر الحسين ، أوجدت طائفة تتمنى زيارة قبر الحسين ولا تحج إلى بيت الله ، مثل ما جاء في كتاب وسائل الشيعة ( 10/321 ) : « والله لقد تمنيت أني زرته ولم أحج ... » .
وتزايد الفضل لأرض كربلاء حتى أوجدوا روايات تدل على أنها فيها الشفاء ويجوز الأكل من طينها مثل ما أفتى بذلك الخميني في كشف الأسرار ( ص 62 ) .
حيدر : ماذا نفعل أمام هذا الكم من الروايات التي تلاقفها العوام من الشيعة المحبين للخير والمشتاقين إلى آل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟
خالد : المسلم المحب للنبي - صلى اللّه عليه وسلم لا يتبع الهوى ، بل ينظر بشيء من العقل المتجرد عن العاطفة إلى ما يُلقى عليه من نصوص ، وأن يتتبع الحديث الصحيح الثابت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وإن أحب الامتثال لآل البيت - رضي الله عنهم - فعليه بما ثبت نقله عن أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - لأنه الأقرب عهداً من الهدي النبوي ، ولأنه أعلم بفعل وقول النبي - صلى اللّه عليه وسلم ، فإن فعل هذا الشيعي العامي لوجد خيراً عظيماً ، ودرباً سالكاً إلى الخير بإذن الله .
واعلم يا أخ حيدر ، أن هذه الروايات لم تظهر إلا بعد أن بَعُد العهد من العهد النبوي الشريف ، وتزايد الكذب من المتعالمين في دين الله ، ولم يكن ثمة مدافع عن دين الله سبحانه .
الحسينيات
خالد : الحديث حول البكاء على مقتل الحسين رضي الله عنه ، والنياحة واللطم ، والتطبير [2] وإسالة الدماء ، يقودنا إلى الحوار حول المكان الذي تحدث فيه مثل هذه الأعمال ، وهي الحسينيات .
حيدر : هذا المكان ليس وليد الأزمنة المتأخرة ، وإن كانت التسمية كذلك ، فمنذ زمن النبي عليه الصلاة والسلام كان الأمر معلوماً بشأن ما سيحدث للحسين عليه السلام ، لما أن أخبر النبي ابنته الزهراء بمقتل ابنها وأراها من تربة الأرض التي سيقتل فيها ، وكذلك علي بن الحسين عند وصوله للمدينة ، ضرب فسطاطاً ، وأنزل النساء فيه ، وأمر شاعراً ينعي الحسين وأقام العزاء قرابة أربعاً وثلاتين سنة .
خالد : لننظر إلى الأمر بتؤدة ، فمنذ أن أخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم بما سيجري على حفيده من كرب ، هل كان هذا منه من باب الإخبار لأمر معين ، أو طلب لحكم ما في الشريعة ؟
حيدر : وما الفرق بينهما ؟
خالد : الإخبار لا يؤخذ منه حكم شرعي ، مثل أن نعلم أن يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة ، فهذا لا يُبنى عليه حكم شرعي مثل الوجوب أو التحريم ، ولكن فيه التصديق والتكذيب ، بعكس الطلب الذي فيه الأمر بالفعل أو النهي أو الاستفسار .
ومقتل الحسين - رضي الله عنه - ليس فيه إلا الإخبار وأن علينا أن نصدق بما أخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم ولا نؤسس أو نبتدع حكماً شرعياً على ما جرى ، وإلا لأمرنا النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك ، مع إخباره عن الذي سيجري لسبطه من قتل .
ورواية أن علي بن الحسين اتخذ مأتماً ينعي فيه والده من قبل الشعراء ، هل هذا مما ثبت لنا بسند صحيح ، أو أنه من شرع جده أبي القاسم صلى اللّه عليه وسلم ؟
حيدر : لو نظرت إلى مصاب الحسين عليه السلام ، بعين التأمل والاعتبار لعلمت أنه فعل شيئاً لم يفعله أحد من البشر فإنه خرج تأثراً على الظلم الذى كان في زمنه ، فأصبح رمزاً يحُتذى به ، لاخل ذلك سميت بعض الأماكن باسمه .
خالد : يا أخ حيدر :
أولاً : لم تطلق هذه التسميات « الحسينيات » إلا في السنين المتأخرة من عصور الإسلام ، كالدولة البويهية ، ولم تكن في زمن الحسين رضي الله عنه ، ولا أبناء الحسين رحمهم الله .
ثانياً : أليس في مثل هذه التسميات دلالة على تعظيم الحسين رضي الله عنه دون سائر آل البيت ، فلمَ لمْ نسمِ هذه الأماكن بالعلويات أو المحمديات ، فإنهما أفضل منَ الحسين رضي الله عنه ولا يشك عاقل بهذا الأمر ، فلم الحسين رضي الله عنه فقط ؟
ثالثاً : النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قد ناله من العذاب من قبل الكفار الشيء الكثير ، وأُخرج من مكة وضُرب في الطائف وكاد أن يُقتل صلى اللّه عليه وسلم في أكثر من مرة ، ولم نسمع عنه أنه حثّ على الثورة والمظاهرة ، اللهم إلا لما شرع الله لهم الجهاد تحت راية الحاكم وهو النبي صلى اللّه عليه وسلم .
رابعاً : الإسلام لم يأمرنا في يوم ما أن نغرس في قلوب الأبناء حب الثورات والخروج على نظام الدولة مهما ظُلِم المسلم ، ما لم يأتِ ولي الأمر بالكفر الصريح .
خامساً : الحسين استشهد في سنة ( 61 هـ ) ، فلم لا نعمل العبادة التي كان يفعلها المسلمون في هذا اليوم قبل مقتل الحسين رضي الله عنه ؟
سادساً : لِمَ لم يخرج الحسين على معاوية مع أنه حكم قرابة عشرين سنة ؟
سابعاً : الحسين لم يخرج إلا بعد أن جاءته الكتب من العراق .
ثامناً : لِمَ لم يخرج الحسن على معاوية بعد أن تنازل له عن الخلافة ؟
تاسعاً : هل خرج أحَد من الأئمة الاثنى عشر من بعد الحسين على أحد من الخلفاء ؟
حيدر : إذا تجمعت فئة من المسلمين في مكان خصص للدعاء والوعظ ولأخذ العبرة من أيام آل البيت عليهم السلام ، هل نعيب عليهم ذلك ؟
خالد : ليس هناك أفضل من سيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم في دعوته ومعيشته وجهاده نتأسى بها ونأخذ العبرة منها دائماً لقوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَة حَسَنَةٌ } (الأحزاب : 21) فهل هذا يحصل في مجالسنا ؟ وأيضاً يقول الله تعالى : { إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْم الآخِرِ } (التوبة : 18) فالله سبحانه يثني على من يعمر بيوته بالذكر والطاعة ، ولا نجد فيمن يحرص على حضور الحسينيات والمواظبة عليها ، حرصاً مشابهاً على حضور بيوت الله وخاصة في شهر رمضان وهذا أمر حث عليه الأئمة مثل ما أخرج العاملي في وسائله ( 5/185 ) عن سماعة بن مهران أنه سأل إمامه المعصوم عن رمضان كم يصلي فيه فقال :
« كما يُصلي في غيره إلا أن لرمضان على سائر الشهور من الفضل ما ينبغي للعبد أن يزيد في تطوعه فإن أحب وقوي على ذلك أن يزيد من أول الشهر عشرين ركعة سوى ما كان يصلي قبل ذلك » .
حيدر : الحسينيات دورها عطيم وملاحظ في تعليم الأبناء أحكام دينهم وتنشئتهم التنشئة الطيبة المباركة .
خالد : يا ليت ما قلت متحقق كما ذكرت حرفياً ، ووفق نهج سيد آل بيت النبوة وهو النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فالحسينيات لم يقتصر دورها على الوعظ والنصيحة ، فلقد آل الأمر فيها إلى السب واللعن وغرس الأحقاد في نفوس الشيعة ضد إخوانهم السُّنة ، وليت الأمر كان من الدهماء ، لو كان كذلك لهان الأمر ، بل نسمعه من العلماء الذين يُقتدى بقولهم وفعلهم !
عيش ولحم في الحسينيات
خالد : لعلك ستحضر لي شيئاً من الطعام في يوم عاشوراء ؟
حيدر : بالطبع نعم ، وأنا حريص على ذلك لصداقتنا ، ولما بيننا من زمالة وعشره وجيرة .
خالد : ألا توافقني أن تخصيص هذا اليوم بمثل هذا الفعل ، والدعوة إليه والمحاضرات - التي تُعقد ، وتوقيت الصيام إلى منتصف النهار ، ألا يحتاج كل هذا ، إلى دليل وسند شرعي ليؤكد مشروعية الفعل فيه ، لأنه من العبادات ؟
حيدر : هل تعيب على الإخوة الشيعة تقديمهم للطعام الطيب ، والذي قدموه للحسين عليه السلام وتطوعاً لله لنيل الأجر منه سبحانه ؟
خالد : الأكل لا يعيبه المسلم أبداً ، إن اشتاه أكله وإلا تركه ، ولكن قضيتنا تدور حول ما يسبق تقديم الطعام ألا وهو الذبح في هذا اليوم ، والأعمال التي يتعب الكثير نفسه لأجلها .
فالعبد إن لم يذبح لله فإن عليه الوزر والإثم ، وكذلك لو قال التسمية وكانت نيته متوجهه لأحد من الخلق ، فهذا منه فعل خاطئ .
حيدر : وهل بمقدورك أن تطلع على النيات ؟
خالد : ينبغي على المسلم أن يكون ظاهره موافقاً لباطنه ، فإذا أتى مسلم ونحر في يوم كربلاء ، ولم نعتد منه الذبح إلا في هذا اليوم ، فإننا نعلم يقيناً أن هذا الذبح إنما قدم لهذه المناسبة ، وما بُني على باطل فهو باطل ، لأنه لم يأت في الشريعة أن المسلم يجب عليه أن يقدم الطعام في اليوم الذي قُتل فيه أي إنسان ، ويخصص دائماً هذا اليوم بهذا العمل وهو النحر .
حيدر : كأنك نسيت ما قلته لك ، من أن هذا الإطعام وما يعمل في هذا اليوم إنما هو لأولئك النفر الذين حضروا إلى الحسينيات لأخذ العبرة من استشهاد سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام .
خالد : إذاً الأمر كله يرجع إلى تجميع المسلمين لهذا اليوم يوم كربلاء ، ومقتل الحسين ( رضي الله عنه ) ، فهل لي أن أسأل سؤالاً محدداً ؟
حيدر : تفضل وبكل سرور .
خالد : هل ثبت من هدي أبي القاسم صلى اللّه عليه وسلم عبادة مخصوصة ليوم عاشوراء ؟
حيدر : وفق ما أعلم ، ليس في هذا اليوم شيء إلا ما ذكرته لي من استحباب صيام هذا اليوم .
خالد : ونعلم ، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد أخبر بمقتل سبطه الحسين ( رضي الله عنه ) ، فهل شرع لنا عملاً مخصوصاً - من بعد إخباره - لهذا اليوم ؟
حيدر : كلا ، لم يخبر إلا باستشهاد حفيده عليه السلام .
خالد : إذاً ، مَن هذا الذي تجرأ وأفتى المسلمين بشرعية أكل بعد الظهر في هذا اليوم ؟ بل بجواز ضرب الصدور وشق الجيوب وتجديد الحزن دائماً ، وتعطيل مصالح المسلمين في هذا اليوم ، مَن هو العاقل الذي يفتي به ؟ !
وتطور الحال إلى النذر لهذا اليوم بتقديم الخراف والأرز وكل شيء يخدم هذه المناسبة ، والبعض يبذل من المجهود في هذا اليوم ما لا يبذله للصلاة أو الحج أو أي طاعة أخرى لله سبحانه !!
حيدر : لعل أحداً من الصحابة أو آل البيت فعل مثل هذه الأعمال !
خالد : مقتل الحسين وقع عام ( 61 هـ ) والصحابة كانوا متواجدين في تلك الفترة ، فلِم لم نسمع فتوى من أحدهم بتخصيص وتمييز هذا اليوم بفعل ما ؟
وما رأيك يا أخ حيدر لو وافق قدراً استشهاد الحسين رضي الله عنه يوم عيد الفطر ، فهل سنلبس السواد ونلطم الخدود ونشق الجيوب في يوم الفرح ؟
حيدر : كأنك تهون من هذا المصاب الجلل ؟
خالد : ومن هذا الذي يقول أن مقتل الحسين رضي الله عنه شأن يسير ، بل هو مصاب جلل وخطب جسيم وظلم عظيم ، ومن اشترك في قتله عليه من الله ما يستحق [3] ، ولكن أيهما أشد فاجعة ، فقد النبي صلى اللّه عليه وسلم أم الحسين أو حتى علياً رضي الله عنهما ، فلم نعمل لهما شيئاً من بعد فقدهم إلا أخذ العبرة من فقدانهما ، بما لا يتعارض مع الشرع .
حيدر : ولكن الحسين عليه السلام علمنا كيف نقف في وجه الطغاة !
خالد : أخي العزيز ، أتريد مني أن آخذ هذه الفائدة في كيفية الثورة على الأنظمة الحالية ، وأن أنازع الولاة ؟ وهل الصحابة الذين كانوا في زمنه ( رضي الله عنه ) ، وافقوه على ما صنع ، كابن عباس وغيره ؟ ولا يخفى على المطلع على التاريخ أن نظام بني أمية أنما ثبّت قدمه بعد أن تنازل الحسن رضي الله عنه لمعاوية رضي الله عنه .
فهل الثورات والقيام على الأنظمة منهج نربي أبناءنا عليه ، والثورات لا تُصدّر بل هي ليست من دين النبي صلى اللّه عليه وسلم ، إنما هناك الصبر والنصيحة بالحسنى ، والدعاء . وأيضاً لِمَ كل هذا التخصيص بذات الحسين رضي الله عنه ، دون غيره ؟
حيدر : لا تخصيص لذات الحسين رضوان الله عليه ، ولكن نحرص على إقامة المأتم لكل الصالحين .
خالد : إذا كان الأمر كما قلت يا أخ حيدر ، فسنحيا حياتنا كلها بالمآسي والمآتم ، أو حفلات الميلاد أيضاً لآل البيت وغيرهم ، فلو جمعنا وعددنا المقاتل والمصائب التي نزلت بالصالحين ، من يوم خُلق آدم عليه السلام إلى يومنا هذا ، لكانوا أكثر من عدد أيام السَّنة ، بل لعلهم أكثر من ساعاتها ، فهل خُلقنا لهذا الفعل ؟ ! وهل أمرنا الله بهذا ؟
ويا ليت العقل السليم والفطرة النقية يقبلان مثل هذه الأمور .
زيارة القبور
خالد : اختلطت على الكثير من العوام ، بعض المفاهيم والأحكام في زيارة المقابر ، وما الذي يجوز فعله فيها ؟ وما المحرم عليهم فعله ؟
حيدر : هذا الأمر ولله الحمد واضح ، وتم فعله في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم والأمثلة كثيرة كزيارته لقبر والدته ، وكما أخبر الله سبحانه عن أصحاب الكهف ، والنية لبناء بنيان حول قبورهم .
خالد : ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم للمقابر أمره معلوم ، وثابت عنه صلى اللّه عليه وسلم ، ولكن التساؤل الذي يجدر بنا أن نتحاور حوله ، هو هذا التعظيم الخارج عن المألوف لبعض القبور ، وكذلك لم هذا البنيان على القبور ؟
حيدر : أما التعطيم فقد ورد من قوله تعالى : { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَام إبْرَاهِيمَ مُصلى } (البقرة : 125) وكذلك الحِجر ، قد دُفِن فيه إسماعيل وأمه ، والعديد من الأنبياء وهو مكان معظم ، ولا يخفى عليك ما جاء في سورة الكهف من جواز البنيان حول القبور .
خالد : تذكر يا أخ حيدر أن الصلاة عند المقام ليس تعظيماً لموطئ قدم إبراهيم ، وليس لذات المقام ، ولكن تنفيذاً لأمر الله سبحانه فقط ، وأخبرني ما الدليل على أن قبر إسماعيل ووالدته أو جمع من الأنبياء قد تم دفنهم في الحِجر عند الكعبة ؟
ولتعلم يا أخ حيدر أن الطواف حول البيت ليس لهذه القبور المزعومة ولكن تنفيذاً لقوله تعالى : { وَلْيَطَّوفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } (الحج : 29) ، ولو فرضنا وجود ما تظن من مثل هذه القبور ، فهل ثبت أن النبي صلى اللّه عليه وسلم ذكر ذلك في فتح مكة أو أثناء حجة الوداع ؟
ومع ما يزعم بعضهم فإننا مأمورون باتباع شرعنا ، وليس شرع اليهود أو النصارى من تعظيمهم لأمواتهم .
حيدر : ولكن الذين يأتون إلى المقابر ويدعون عند القبور إنما يدعون للأموات بالمغفرة والرحمة ، وواجب علينا أن نظن بهم الظن الحسن من أنهم إنما قصدوا فعل وقول الخير في المقبرة .
خالد : الخطأ والزلل في الشريعة ، قد يأتي من ذلك الجاهل المحب للخير والذي لم يظفر بعالم يفتيه الفتوى الصحيحة ، فقبور الصحابة مثل حمزة وبنات النبي وأسباطه أغلبها موجودة في المدينه فهل أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بالطواف حولها ، أو الدعاء أو البنيان عليها ، وليس ثمة دولة ظالمة أو غيرها في زمن النبوة تمنع البنيان أو الطواف والصلاة حول القبور في ذلك الزمان ، إن كان مشروعاً .
حيدر : لم نعلم أن أحداً من محبي آل البيت ، يعتقد بأن الطواف أو الصلاة حول القبور واجب أو مشروع ، ولكن لربما صدر مثل هذا الأمر عن بعض الجهال .
خالد : وردت روايات في كتب شيعية متعددة تحث على الصلاة تجاه القبر وإن كان خلاف القبلة مثل ما ورد في بحار الأنوار : « أن ركعتي الزيارة لا بد منها عند كل قبر » ، وكما قال المجلسي في البحار ( 151/369 ) أن استقبال القبر أمر لازم ، وإن لم يكن موافقاً للقبلة ... واستقبال القبر للزائر بمنزلة استقبال القبلة ، وهو وجه الله أي جهته التي أمر الناس باستقبالها في تلك الحالة .
وهذا الأمر وافق عليه الخميني في تحرير الوسيلة ( 1/165 ) بقوله : « ولا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمة ، وعن يمينها وشمالها ، وإن كان الأولى الصلاة عند الرأس على وجه لا يساوي الإمام عليه السلام » .
وهذا أيضاً ما أفتى به المرجع الشيعي الميرزا حسن الحائري في كتاب الدين بين السائل والمجيب ( 2/219 ) عندما سُئل عن حكم التقدم على ضريح المعصوم ( ع ) في الصلاة ، أي يكون الضريح خلف المصلي في داخل الحرم الشريف ؟ وما رأيكم بالنسبة إلى الشهداء والصالحين من أبناء المعصومين ، وما الحكم إذا صلى جنب الضريح المقدس ؟
فأجاب الحائري : « لا يجوز التقدم على ضريح المعصوم في الصلاة ، والصلاة باطلة أمام ضريحه ، عليه السلام ، باتفاق من علماء الإمامية ، لأن الحكم بعد وفاتهم كما كان حال حياتهم ، وأما الصلاة أمام ضريح أبي الفضل العباس ( ع ) مثلاً خلاف احترامه ، وجسارة بمقامه ، ولا بأس بالصلاة في جانبي ضريح المعصوم ، ما لم يتقدم على قبره المطهر الذي في داخل الضريح ، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى ، آمين بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين » .
حيدر : الذي كنت أعرفه أن الأئمه عليهم السلام مقامهم سامي ، ولكن لا يبلغ أن الصلاة تبطل بالتقدم على قبورهم !
خالد : الأمر كما علمت الآن ، وزيادة على ذلك فإننا نجد الآن البنيان العظيم حول القبور ، بل ويُطاف بها مثل الطواف حول الكعبة ، وكذلك النذور لها والقربان والأموال المدفوعة في سبيل حب آل البيت ، ولا يُعلم عن مصيرها ، فهل هناك من دليل في هذا ، ونجد أن من هذه الأموال التي يقدمها العوام حباً في آل البيت ( رضي الله عنهم ) قد تطبع منها كتب فيها تعظيم القبور والطواف حولها مثل كتاب « كامل الزيارات لأبي قاسم بن قولويه » وكتاب « نور العين في المشي إلى زيارة قبر الحسين ... لمحمد الأصطهبناتي » وغيرها من الكتب ، ولنأخذ مثلاً لما في كتاب كامل الزيارات من أبواب :
الباب ( 58 ) : إن زيارة الحسين عليه السلام أفضل ما يكون من الأعمال .
الباب ( 59 ) : من زار قبر الحسين عليه السلام كان كمن زار الله في عرشه .
الباب ( 60 ) : إن زيارة الحسين والأئمة عليهم السلام تعدل زيارة قبر رسول الله صلى اللّه عليه وسلم .
الباب ( 61 ) : إن زيارة الحسين عليه السلام تزيد في العمر والرزق ، وتركها ينقصهما .
الباب ( 62 ) : إن زيارة الحسين عليه السلام تحط الذنوب .
الباب ( 63 ) : إن زيارة الحسين عليه السلام تعدل عمرة .
الباب ( 64 ) : إن زيارة الحسين عليه السلام تعدل حجة .
الباب ( 67 ) : إن زيارة الحسين عليه السلام تعدل عتق رقبة .
الباب ( 53 ) : إن زائري الحسين عليه السلام يدخلون الجنة قبل الناس . وغيرها من الأبواب التي تذكر فضل الأكل من طين الحسين رضي الله عنه وأنها شفاء وأمان وهذا قد أفتى به الخميني في كتاب تحرير الوسيلة ( 2/164 ) بقوله : « ولا يلحق به طين غير قبره حتى قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم والأئمة عليهم السلام » .
فهل أمر الشرع بمثل هذه الأمور التي لم يقلها أحد من العلماء المعتبرين في عهد الخلفاء الراشدين ولم يذكروها في قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم ، لأنهم كانوا يسيرون وفق ما أمرهم به النبي صلى اللّه عليه وسلم فالمسلم إن لم يبتعد عن مثل هذه الأقوال وإلا فليحذر على نفسه أن تقوده إلى خطر عظيم والعياذ بالله .
حيدر : هل بالإمكان نُصحي بالمستحب فعله في المقابر ؟
خالد : ليس هناك من أمر جديد ، فالمسلم يدعو لأهل المقبرة بالمغفرة والرحمة وإن كان عند قبر أحد من الصحابة أو آل البيت وكما قال العلامة ابن باز رحمه الله - تعالى - : « وليس للناس حاجة في أن يعرفوا أين دفن وأين كان - أي قبر الحسين رضي الله عنه - وإنما المشروع الدعاء له بالمغفرة والرحمة » ، وقال رحمه الله - تعالى - : « ومن عرف قبره وسلم عليه فلا بأس ، كما تزار القبور الأخرى » .
وإن كان هناك جنازة لأحد المسلمين يحرص بالصلاة عليها ، والدعاء للميت ، وليس هناك من أيام تُخصص أو يستحب الزيارة فيها ، مثل الأعياد أو الجُمع أو الأربعينيات وغيرها فالزيارة مستحبة طوال السنة ، وهذه الأحكام ، هي فقط للرجال وليس للنساء .
والغاية من هذه الزيارات إيقاظ القلب من غفلته وتعلقه بالدنيا الفانية ، ولنعلم أن الميت لا يُنجي نفسه من نار الله ، فكيف يمنح هذا الأمر لغيره ؟ !
وكل الخير في اتباع الحق الواضح اليسير في التطبيق ولله الحمد والمنة .
الحلف بآل البيت والاستعانة بهم
خالد : بعد أن وضح الأمر في مسألة التسمي بعبد الرسول ، أو غيره من الخلق ، لم لا نتحاور حول مقولة البعض : والنبي والعباس ... وغيرها من الألفاظ المستخدمة في الحلف والقسم .
حيدر : لِم نشدد على المسلمين في أمر نعلم أنهم لا يقصدون من ورائه إلا الخير ، ولا نتصور كما يدّعي البعض ، أن هذا من باب الشرك والكفر ؟
خالد : نعلم يقيناً أن الاهتمام باللغة العربية ، يعصمنا من الوقوع في زلات كثيرة ، والجهل بها ، يجعل المسلم مهما بلغت رتبته يتخبط في أقواله ، فـ ( الواو ) قد تستخدم في الكلام بمعنى القسم كقولنا : والله ، وكقول المولى سبحانه : { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ( الشمس : 1 ) ولما سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم رجلاً يقول : ( وأبي ) نهاه عن هذا الأمر ، وقال له : « إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت » .
ومعلوم أن « الواو » تأتي أيضاً في اللغة العربيه للقسم أو للعطف أو للندبة ، ولم يقل أحد أن : « الواو » تُستخدم للدلالة على الاستعانة بالأموات .
حيدر : ولكن جاء في القرآن الحلف بالمخلوقات ، ألا يدل ذلك على الجواز ؟
خالد : لنعلم ابتداءً أن الرحمن سبحانه وتعالى يُقسم بما شاء من مخلوقاته ، وأما نحن فإننا مأمورون باتباع ما أَمرنا به حبيبنا محمد صلى اللّه عليه وسلم .
حيدر : هل تريد أن تخُطّئ من اعتاد لسانه على ذكر آل البيت ، وفاض حبهم على لسانه ، فيذكرهم عند قضاء حوائجه الدنيوية !
خالد : دائماً نقول في الفاتحة : { إياك نعبد وإياك نستعين } وأيضاً نتذكر قوله تعالى : { وقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ... } (الأعراف : 128) ، والمسلم يستعين بالأحياء فيما يقدرون عليه ، مثل ما جرى لنبي الله موسى مع الذي استغاثه ، فهذه استعانة حي بحي فيما يقدر عليه ، وكقول الله عن ذي القرنين : { فَأَعِينُونِي بِقُوَّة ... } (الكهف : 95) وليس بأمر خارج عن قدرتهم ، مثل دخول الجنة أو الإخراج من النار أو مغفرة السيئات .
وجرّ هذا الاعتقاد أن اعتاد لسان بعض الناس على ذكر الخلق دون الخالق ، ولنتذكر بأن من تعلق بشيء وكّل به .
حيدر : وما قولك عن قوله تعالى : { يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيم } (الأحقاف : 31) فالداعي هو النبي حياً أو ميتاً .
خالد : ومَنْ هذا الذي يقول أن داعي الله هو فقط النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فالأمر يحتمل الإسلام والقرآن ، بل وكل داع إلى الخير ، وهذا الاختلاف من باب التنوع في التفسير وليس من التضاد .
ومَنْ قال إن الداعي هو فقط النبي صلى اللّه عليه وسلم ، يلزمه الإتيان بالدليل على ما يزعم ويقول لأنه يريد من بعد هذا ، مَنْ يقوم مقام النبي وهو الإمام ... وهذا قول يحتاج إلى دليل آخر ، وليس ثمة دليل له .
حيدر : ولكن وردت آثار كثيرة تجُوّز الاستعانة بآل البيت عليهم السلام لمقامهم وجاههم الرفيع عند الله تعالى .
خالد : نحتاج إلى بيان صحة هذه الآثار أولاً .
وأيضاً فالجاه إنما يختص بالعبد ، فمَنْ الذي أعلمنا بأن نقسم به على الله تعالى ؟ وأما الادعاء بالحب والتعظيم ، فدلالة الحب والتعظيم للنبي صلى اللّه عليه وسلم إنما يكون بالاتباع الصحيح له : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحببْكُمُ اللَّهُ } ( آل عمران : 31) .
حيدر : ينبغي أن لا نتشدد في هذا الأمر كثيراً ، لأنه لا يمس إيمان المسلمين .
خالد : الاستعانة والاستغاثة من صلب العقيدة ومن أساسياتها ، والتهاون بها قد يقود إلى خطر عظيم لم يقله أحد من الفرق الإسلامية ، مثل ما جاء في بحار الأنوار ( 26/319 ) : « أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل والاستشفاع بهم ( أي الأئمة ) صلوات الله عليهم أجمعين » .
حيدر : على كل حال ، الأمر لم تفرد له مؤلفات مخصوصة تحث عليه ، لذا أكثر العوام في جهل وغفلة عن الأمر .
خالد : هناك كتب كثيرة ، تحث العباد للاعتقاد والعمل بمثل هذا ، مثل كتاب مفاتيح الجنان وعمدة الزائرين ، وغيرها من الكتب التي تتكلم عن زيارة القبور والمشاهد .
لذا تذّكر يا أخ حيدر أن المسلم يتعلق بالله وحده في كل أمره ، ولا يتعلق بالأموات الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً .
المجتهد والمرجح الديني
حيدر : أجد لك مفهوماً مغايراً للذي عندي حول العلماء المجتهدين ورجال الدين اللذين يمكن الرجوع إليهم في الفتوى ، وييان أحكام الشربعة .
خالد : الاجتهاد والتعلم في الشريعة الإسلامية ، مطلبان وهدفان مرغوب فيهما ، وخاصة مع وجود ذلك العالم المجتهد ، الذي يفتي لنا في ما يستجد من حوادث ونوازل بين المسلمين ، وباب الاجتهاد لم يُقفل ، ولله الحمد ، ومن أغلقه في زمن ، فذلك لجهل منه ، وتحجير منه على العلم والمسلمين .
حيدر : وهل هناك من شروط معينه ينبغي توافرها في المجتهد ، أو المرجع الديني ، والتي تؤهله لأن يفتي لعوام المسلمين ؟
خالد : لنعلم بداية أن هذه الرتبة هي فضل من الله - سبحانه - ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، فهي ليست حكراً على طائفة دون غيرها ، ومن هذه الشروط :
ا - حفظ كتاب الله سبحانه ومعرفة تفسيره وعلومه كمعرفة الناسخ والمنسوخ .
2 - العلم بسنة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، صحيحها من ضعيفها ، وما يختص بالسُّنة النبوية من علوم .
3 - العلم باللغة العربية ، وقواعدها وعلومها .
4 - الإخلاص لله تعالى ، فإن العالم مؤتمن على ما يقول .
5 - الاستفادة من فتاوى العلماء السابقين ، والنظر في أدلتهم .
وبتوافر مثل هذه الشروط يمكن لنا أن نفرق بين ذلك العالم المجتهد ، وبين ذلك القَصّاص الواعظ المنشد في المناسبات ، والذي لا يفقه من الدين إلا الحكايات والمبكيات في المواسم .
حيدر : من خلال هذه الشروط ، نجد أن القلة من المسلمين يمكن أن تتوافر فيهم مثل هذه الأوصاف ، فبالتالي يستحسن أن يقلد المسلم أحد رجال الدين ، فيرجع إليه بالفتوى دائماً .
خالد : التقّليد من قبل العامي أمر متوقع حدوثه ، ولكن لا ينبغي أن يكون من ذلك الرجل العاقل الذي له اطلاع وقراءة في الكتب ، فنجده يأتي ويسأل العالم ولا يستبين منه الدليل والحجة ، والعالم بشر ، يصيب ويخطأ ، فلا ينغني علينا أن نقلده في كل ما يقول ويأمر ، فلربما يزل أو يهفو ، فليس من معصوم إلا النبي صلى اللّه عليه وسلم لقوله تعالى : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إنْ هُو إلا وَحْي يُوحَى } (النجم : 3 - 4) .
حيدر : ولكن هناك رجال دين هم وكلاء عن الإمام المهدي ( عج ) [4] ، وهم لا يخطئون لأن علمهم متلقى من الإمام المعصوم .
خالد : الاطمئنان إلى العلم والفتوى شيء ، والتسليم للعالم وعدم المناقشة أمر آخر ، وقضية ولاية الفقيه ، لم تظهر إلا في العصور المتأخرة بعد الغيبة الكبرى من قبل السفراء الأربعة ، والغرض منها إيجاد شخص لا يناقشه أحد فَيما يُفتي ويقول ، لأنه - كما قيل - مُبلغ عن المعصوم ، فأمام مثل هذه الولاية والإنابة والرئاسة في أمور الدين والدنيا والوكالة عن المعصومين ، لنسأل أنفسا من هذا الذي يمنح الوكالة عن المعصوم ؟ ومن هذا الذي يحق له أن ينصح الوكيل إن أخطأ أو زل ؟ ولو كان المصدر واحداً ، فلِمَ إذن نجد فتاوى متناقضة صادرة ومنسوبة إلى المنتظر ؟
والعلم يا أخ حيدر ، لا نحتاج فيه إلى معصوم أو منتظر ، بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم ، بل إلى حفظ لكلام رب العالمين ، وحفظ للأحاديث الصحيحة وبذلك سنجد الحكم لما يُشكل علينا إن شاء الله .
مصادرالأحكام الشرعية
خالد : نحن في حوارنا الممتع هذا ، أما يجدر بنا أن نضع أسساً نرجع إليها إن شط بنا الحوار ، أو اختلفنا في قضية ما ، لتكون لنا مثل المرجع المحكم ، لبيان الصواب من الخطأ .
حيدر : نعِم الرأي هذا ، وإلا فإن الحوار قد يتشعب بنا يمنة ويسرة ، وليس ثمة زمام يزم الأمر أو الرأي أو القول .
خالد : لنبدأ معك يا أخ حيدر ، لتذكر لي شيئاً من المراجع التي يرجع إليها رجال الدين الشيعة في استنباطهم للأحكام الشرعية ، وتستدل بها أنت على ما تقول .
حيدر : لا يخفى عليك ، من أن الشيعة حالهم كحال كل المسلمين ، يعتمدون بصورة رئيسية في استنباط الأحكام على القرآن والسنة الثابتة عن المصطفى ، وعن آله المعصومين عليهم السلام ، باعتبارهم أوصياء الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فالسنة عند الشيعة عبارة عن قول المعصوم نبياً كان أو وصياً .
لذا نجد ولله الحمد ، أقوال الأئمة متشابهة في الحكم ، وأكد هذا الأمر الإمام جعفرعليه السلام بقوله : « حديثي حديث أبي ( أي الباقر ) ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث رسول الله ، وحديث رسول الله قول الله تعالى » .
خالد : أما عن مبدأ العصمة ، فلنا حوار آخر مستفيض حولها يا أخ حيدر .
إذ أن الأمر غير مُسَلَّمٍ به أن نقول لكل من كان مبلغاً لقول المصطفى صلى اللّه عليه وسلم إنه معصوم لمجرد نقله وتبليغه قول المعصوم ، فلو سلمنا بهذا ، لقلنا عن معاذ بن جبل إنه معصوم ، لذهابه إلى اليمن داعياً لهم ، ولكان مصعب بن عمير معصوماً أيضاً ، لذهابه إلى يثرب قبل الهجرة ، ولأصبح كل سفراء النبي معصومين لنقلهم كلام المعصوم - صلى اللّه عليه وسلم .
وهذا الأمر قاد الشيعة إلى أمر لا تُحمد عقباه من تعدد الفتاوى حول قضية واحدة من الأئمة .
حيدر : الأئمة عليهم السلام معصومون من الزلل ، فهات ما لديك من دليل على ما تقول .
خالد : جاء في الكافي ( 1/65 ) بسنده عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال ( أي زرارة ) : سألته عن مسألة فأجابني ، ثم جاء رجل فسأله عنها ، فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثم جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، وأجاب صاحبي فلما خرج الرجلان قلت : يا ابن رسول الله ، رجلان من أهل العراق ، من شيعتكم ، قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت صاحبه ؟ فقال : - أي أبَوجعفر الباقر - : « يا زرارة هذا خير لنا ولكم » .
وذكر الكليني في الكافي ( 1/65 ) بسنده عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني منها بالجواب ، ثم يجيئك غيري فتجيبه عنها بجواب آخر ؟ فقال : « إنما نجيب الناس على الزيادة والنقصان » .
حيدر : إذا كان الأمر كما تقول ، فمعنى هذا أن لكل مسألة حكمين من إمام واحد .
خالد : العالم كما نعلم مستأمن على قوله للناس ، وفتواه مثل التوقيع عن رب العالمين ، ينبغي عليه أن يتقي الله فيها ويتأكد منها .
ويقول اللكهنوي الشيعي في أساس الأصول ( 51 ) : « إن الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً ، لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه ، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ، حتى صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقصين عن اعتقاد الحق » .
فيا أخ حيدر ، ما قولك الآن ، هل الحق يتعدد أو يختلف شكله وقوله ؟
حيدر : ولكن المسلمين جميعهم متفقون على كتاب الله سبحانه ، لا ينكر أحد منهم أن القرآن الكريم هو الأصل المتين للشريعة الإسلامية .
خالد : أما قولك بأن القرآن الكريم متفق عليه بأنه أصل في التشريع ، فهذه مقولة صحيحة لمن اعتقد بكماله وبأنه كير ناقص .
حيدر : هل تشير إلى أن هناك من المسلمين من يظن غير ذلك ؟
خالد : نعم وللأسف العظيم ، هناك تواتر لجمع من كبار مراجع الشيعة قد قالوا بهذه المقولة ، وأحبذ تأجيل الحوار حول هذه القضية إلى مبحث التحريف والنقصان في القرآن .
حيدر : إذا كان الأمر كما تقول ، من أن القرآن ثبت القول بعدم كماله ، والسنة النبوية غير متفق على ثقة رواتها ، فعلى ضوء هذا أفهم أنك تريد أن تقودني إلى القول بعدم وضوح مصادر التشريع لدينا !
خالد : الواقع والتاريخ ، هما اللذان يقودانك يا أخ حيدر إلى مثل هذه النتيجة المؤسفة ، فإن اعتقدت طائفة من الشيعة أن القرآن قد زيد فيه وأنقص ، وبأن السنة النبوية هي فقط ما جاء عن طريق آل البيت ، وأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم منافقون ، ما عدا علي والحسن والحسين وفاطمة رضوان الله عليهم ، وثلاثة أو خمسة من الصحابة هم المبرؤون من النفاق ، فكيف بعد ذلك تريدني أن أقول بأن الأصول واضحة لا لبس فيها ولا تناقض ، وعلاوة على ذلك ليس هناك من تحقيق للإسناد من تصحيح وتضعيف ، فكيف سيكون هناك من أصل يعتمد عليه الأخ الشيعي في أخذه للأحكام الشرعية ؟
حيدر : ولكن هناك علماء أفذاذ لا يخافون أن يجهروا بالحق ، وعلى مستوى من الاجتهاد عظيم .
خالد : الوجوه تتغير ، والشرع والدين يبقى ، وما نفع الأسماء أمام أقوال لا أرض تقلها ، ولا سند يثبتها ، بل هي كسراب بقيعة ، يحسبه الظمآن ماء ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، وهذا الحوار له تتمة معنا يا أخ حيدر إن اتسع صدرك للحوار .
حيدر : ما جلسنا مع بعضنا البعض إلا لإدراك الحق ، والحق مطلبي بإذن الله سبحانه ...
خالد : على بركة الله سبحانه .
الرجعة
خالد : راجعت قصة ذلك الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه مرة أخرى ، وهي قصة فيها العبر والفوائد الشيء الكثير .
حيدر : أفهم ما تلمح إليه ... كانك تريد أن نتحاور حول موضوع الرجعة !
خالد : هو ذاك ما عنيته ، فمن خلال اطلاعي على بعض الكتب ، وجدت أن هذا الأمر من الأصول المهمة ، وليس من الفروع التي يُعذر الجاهل بها ، مثل ما ذكر ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ( 3/291 ) : « ليس منا من لم يؤمن بكرتنا » . وبيّن أنها من ضروريات المذهب .
حيدر : لكني وفق ما سمعت من أحد رجال الدين أن هذه القضية تُعد من الفروع ولا شيء على المؤمن إن لم يعتقد بها .
خالد : الأمر فيه لبس وخفاء ، فإن الإيمان بهذا الأمر يستلزم من بعده الإيمان بالمهدي المنتظر ، وهذا الأمر له تعلق كبير بمبدأ الإيمان في الإمامة كما قال الزنجاني في أصول الشيعة وأصولها ( 35 ) : « هي من مفردات الإمامية » ، وفيها بيان من بعد ذلك لحال المخالفين وتميز للمؤمنين بهذا الجانب من غيرهم .
حيدر : لأسلم معك بأنها من ضروريات المذهب ، ما الأمر المترتب على حدوث الرجعة ؟ .
خالد : الرجعة ينتظرها مَنْ يؤمن بها لتصفية الحسابات ، أي يقتص المظلوم من الظالم ، وفيها أن الحسين رضي الله عنه يحاسب الناس قبل يوم القيامة ، كما جاء في بحار الأنوار ( ج 53/154 ، 155 ) ، والمنتظر سيهدم الحجرة ( بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم وموضع قبره ) ويخرج من بها ( أي الخليفتين الأول والثاني ) ليصلبهما ويعاقبهما ، وهذا مذكور في بحار الأنوار أيضاً .
حيدر : ينبغي عليك التأكد من هذه الروايات ، فلعلها ضعيفة ، أو قيلت من باب التقية ، قبل أن تستشهد بها !
خالد : لم أجد من حقق هذه الروايات ، وتركُها من غير تعليق في كتاب يعد من الكتب الأصيلة ، دلالة واضحة على القبول والتسليم بما جاء فيها ، ومن المعلوم في الشريعة الإسلامية أن الميت إذا قُبر فلن يخرج من قبره إلا بإذن الله ، وذلك ليوم القيامة وكل نفس بما كسبت رهينه ، واذا كان سيد الأولين والآخرين محمد صلى اللّه عليه وسلم لا يملك من هذا الأمر شيئاً ، فكيف ندّعيه لغيره ؟
وللعلم فإن هذه الروايات التي في الرجعة إنما جاءت في الأزمنة المتأخرة .
حيدر : ولكن الأمر متحقق وقوعه وممكن حدوثه ، وهذا مسلّمٌ به في شرعنا ، من أن عيسى صلى اللّه عليه وسلم سيعود إلى الأرض مرة أخرى .
خالد : هذا ثابت لنبي الله عيسى صلى اللّه عليه وسلم ، فما الدليل على جوازه لغيره ؟ ولأسلم معك جدلاً بأن هذا الأمر ممكن وقوعه ، فلم لا نثبته لأحب الناس إلى قلوبنا وهو النبي صلى اللّه عليه وسلم ، لينقذ الأمة من الضلال والفساد ! ولكن أخشى أن الأمر هذا قد يتشابه مع الفلسفات اليهودية من اعتقادهم وانتظارهم للمخلص الحي الغائب ، ليخرج في آخر الزمان ، مثل ما قال رضا المظفر من تأثر الشيعة بالديانة اليهودية والنصرانية ، لذا من نظر إلى اعتقادات الكثير من فرق الشيعة ، سيجد أن كل فرقة تعتقد برجعة إمامها في آخر الزمان .
حيدر : هل تريد أن تلغي مبدأ خروج المهدي المنتظر في آخر الزمان !
خالد : شتان بين هذا وبين ما قلته لك سالفاً ، فالمهدي الذي أخبر عنه النبي صلى اللّه عليه وسلم من خلال الأحاديث الصحيحة ، معلوم أمره وحاله ، والمعتقدُ الواجب الاعتقاد حوله ، ولكن مبدأ الرجعة فيه كلام آخر ، كالقول برجوع الحسين إلى الدنيا مثل ما جاء في بحارالأنوار ( 53/39 ) : « أول من تنشق الأرض عنه ، ويرجع إلى الدنيا ، الحسين بن علي عليه السلام » وأتذكر قول الدكتور الموسوي في رسالته الشيعة والتصحيح ( 144 ) : « عندما تمتزج الأسطورة بالعقيدة والأوهام بالحقائق تظهر البدع التي تُضحك وتُبكي في آن واحد » .
لذا يا أخ حيدر حذار من اتباع معتقدات محدثة في ديننا أو لا أصل لها إلا ديانات باطلة محرفة ، لن تقود المسلم الموحد إلا إلى هوة تأخير الأحكام الشرعية ، وإلى تقديس لأفراد ينوبون عن المنتظر ، ويكون العوام في دينهم في خداع وسراب من الاتباع الزائف .
التبرك
خالد : هناك أمور ثبتت للنبي صلى اللّه عليه وسلم فيها البركة والخير وذلك لبركة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ، وتعد خصوصية له ... أستغرب من ذلك الذي يأتي ويعممها على جميع نسله !
حيدر : هل تريد أن تمنع وجود البركة والتبرك بآل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم !
خالد : الجواز والمنع في مثل هذه الأمور لابد فيها من الدليل ونحن نعلم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم مبارك في جميع شأنه ! كدعائه وريقه وشعره وملابسه وكل أمره وهذا ثابت لا جدال فيه ، ولكن ما الدليل على تعميم هذا الأمر على كثير من الأشياء بعد مماته ! ؟
حيدر : أتريد أن تقول أن بركة النبي مقصورة على حياته دون مماته !
خالد : لنوضح هذا الأمر بمزيد من البيان ليتبين المقصود ، كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على نيل ما تعلق بالنبي صلى اللّه عليه وسلم من شعره وظفره وريقه وحتى ملابسه ، لينالوا بركتها بإذن الله - سبحانه - وهذا له دليله من سيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم وجوازه لهم بفعله ، ولكن ما الدليل على أن تراب قبره وسيلة للاستشفاء وطلب الخير ودفع الضر ؟ ولو كان هذا الأمر معلوماً لما كان خافياً على الصحابة ، والذين كانوا على مقربة من قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم وليس ثمة مانع يمنعهم من الدخول ولمس القبر ورؤيته ، بل لجاوزوا هذا المفهوم إلى قبور أولاده ! وهي في البقيع ، ومعلومة حدود كل قبر في زمنهم .
حيدر : وما قولك في حرص الخليفتين ( رضي الله عنهما ) على أن يُدفنا بقرب قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟
خالد : هذا الحرص نابع من الالتصاق الأخوي الديني الذي كان بينهم في الدنيا ، وتقاربهم مع بعضهم البعض ، وأنهما كانا دائماً مترافقين وهذا معلوم في السيرة ، فأحبا أن يتقاربا حتى في قبورهما ، والذي يدلك على فهم الصحابة لقضية التبرك والتوسل ما فعله عمر رضي الله عنه بمحضر من الصحابة جميعهم من طلبه من العباس بأن يستسقي الله بإنزال الغيث عليهم ، فلماذا لم يذهبوا إلى قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم ويتبركوا به لإنزال الغيث ؟
حيدر : لعلك غفلت عن قوله تعالى : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ ... } (البقرة : : 248) فهذه الآية صريحة في الاستدلال على التبرك .
خالد : قبل أن أوضح ما في الآية الكريمة من معنى ، أوجه لك هذا التساؤل لماذا دائماً نستدل بأخبار بني إسرائيل وغيرهم خاصة في أمور العقيدة ؟ أليس لنا في أفعال النبي صلى اللّه عليه وسلم كفاية لنا في توحيدنا لربنا ؟
ولنسأل أنفسنا ، أين الدليل من الآية على وجود البركة ؟ وبفرض وجودها لنتساءل هذه البركة كانت لمن ، وبأمر من ، وفي أي زمن كانت ؟
وللعلم هذه الحادثة كانت في بني إسرائيل وأمرهم بذلك نبيهم ، من بعد أن أوحى الله إليه ، ولنسأل أنفسنا : هل شرع من كان قبلنا شرع لنا نحن المسلمين ؟ والإجابة بكل يسر ووضوح ... ما أمرنا ودلنا عليه المصطفى صلى اللّه عليه وسلم هو الذي ينبغي أن نأخذه ، مثل بيانه لنا في الحجر الأسود والركن اليماني ، فعلينا التسليم دون المعارضة.
حيدر : ولم هذا الحوار العريض حول هذه القضية التي تُعد من فروع الدين ؟
خالد : بل هي من صميم العقيدة أن يعلم المسلم من بيده النفع والضر ، فإننا سوف نجد ذلك العامي الذي يعتقد بقبر هذا الإمام ، أنه يشفي من الأمراض ويحقق الحاجات فيقصده من دون الله - سبحانه - وهذا مشاهد معلوم لا ينكره أحد ، والخشية ممن سيأتي بعد الآباء ويكونون على جهل فيقعون في الشرك الأكبر ودعاء غير الله ، وهم يظنون أنهم يُحسنون صنعاً ، فالخطأ يجب أن يُبتر من أوله ، وهذا واجب العلماء الربانيين أن يفعلوه ، وأيضاً ممن يحب الخير للمسلمين .
الشفاعة
خالد : بعد النقاش حول موضوع التبرك ، الحوار يقودنا إلى مراجعة مفهوم الإيمان بما في اليوم الآخر من الشفاعة.
حيدر : وما الجديد في هذا الأمر ؟
خالد : ما من جديد في هذا الأمر ، ولكن تأكيداً على هذا الجانب حتى يتضح لنا جميعاً بإذن الله ، فهل تأذن لي ؟
حيدر : بكل سرور .
خالد : الشفاعة لها شروط لحدوثها وهي :
ا - رضى الله عن المشفوع له .
2 - رضى الله عن الشافع .
3 - إذن الله تعالى للشافع أن يشفع .
وهذه الأمور استنباطاً من قوله تعالى : { وَكَم مِّن ملَكٍ فِي السمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلا مِنْ بَعْدِ أَن يَأذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشاءُ وَيرْضَى } (النجم : 26) وقوله عز وجل : { وَلا يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارْتَضَى } (الأنبياء : 28) .
حيدر : وهذا الأثر لا لبس فيه ، بل هو من أساس الاعتقاد الذي ينبغي الإيمان به ، وإضافة إلى ما ذكرت ، هناك أعمال وأمور جُعل لها إمكانية الشفاعة .
خالد : نعم ، مثل النبي صلى اللّه عليه وسلم والملائكة والصيام والقرآن وغيرهم ، ولكن ينبغي علينا التريث أولاً قبل قبول أي حديث في هذا الموضوع حتى نتأكد من صحته ، ومن ثمَّ نعتقد ونعمل به ، ولنعلم أن ليس بمقدور أي مخلوق الشفاعة إلا بعد إذن الله سبحانه له .
ولن ينفع المسلم يوم القيامة إلا صدق اتباعه للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، وما قَدَّمَ من عملٍ
صالحٍ خالصٍ لله سبحانه .
حيدر : وهل هذه المفاهيم أخطأ بها أحد من أهل الإسلام .
خالد : التذكير لا يعني أن هناك خطأ ، بقدر ما هو حذر من أن يقع السوء وخاصة في جانب العقيدة ، فالمسلم يخشى من ألا يفهم أحد كيف تتحقق الشفاعة ، فلربما يدعو ولياً أو إماماً عند قبر ما ليرزقه الشفاعة ، أو يأتي متعالم فيفتي العوام بأن من زار قبر كذا في يوم كذا نالته الشفاعة يوم القيامة ، أو من كان محبّاً للإمام الفلاني فهو من المشفعين ... وغيرها من الأقاويل التي نخشى من نزولها في رأس بعض المتعالمين الجهلة ، فيبثونها للعوام الذين يتبعون كل ناعق من غير سؤال أو استفسار .
المهدي المنتظر ( عج )
خالد : أرى أن هناك اهتماماً متزايداً من الكثير من الأخوة الشيعة بالمهدي المنتظر .
حيدر : وكيف ذلك ؟
خالد : ازدياد أعداد الملصقات الدائرية الخضراء التي توضع على السيارات في الزجاج الخلفي ، والحديث بكثرة عن المهدي المنتظر في المجالس العامة والخاصة ، وفي المؤلفات . أليس هذا دلالة على زيادة بالاهتمام هذا المعتقد ؟
حيدر : في المقابل ألاحظ تقاعس وعدم اهتمام بقضية المهدي المنتظر ( عج ) من بعض إخواننا السُّنة ، وهذه القضية تعد كما تعلم من القضايا التي لا خلاف فيها بين السنة والشيعة .
خالد : ثبتت النصوص الصحيحة حول هذا الأمر من جميع الجهات ، ولكن الأمر فيه اختلافات جوهرية ينبغي الإشارة إليها .
حيدر : هل بالإمكان توضيح ذلك ؟
خالد : أهل السُّنة يؤمنون بأن المهدي المنتظر رجل من نسل الرسول صلى اللّه عليه وسلم واسمه محمد بن عبدالله ، وهو إلى الآن لم يُولد ، وفي آخر الزمان في زمن وجوده وحياته سيهديه الله إلى الخير وسيقود الأمة مع نبي الله عيسى بن مريم ضد المسيح الدجال ، ويحكم المسلمين ، وسيفتح الله على يده الخير الكثير ، وسيحكم بشريعة النبي صلى اللّه عليه وسلم .
أما المهدي الذي عند الإخوة الشيعة فإنه من نسل الرسول صلى اللّه عليه وسلم واسمه محمد بن الحسن وأمه من الجواري ، ويقولون إنه تمت ولادته قبل سنة 260 هـ . وقالوا إنه غاب في سرداب ( سُرّ من رأى ) في العراق وقيل في جبل رضوى في المدينة ، ولما اختفى كان عمره قرابة الخمس أو ست سنوات ، ولم يحرم شيعته من علمه وفتواه ، فجعلوا له سفراء أربعة يتصلون به ويتلقون منه ما يحتاجونه من علم .
ثم تطور الأمر في الوقت الحاضر إلى وجود ولاية الفقيه أو النائب عن المنتظر .
ولن يظهر المهدي إلا في آخر الزمان بعد أن تمتلأ الأرض فساداً لينشر العدل - وهو قتل المسلمين من غير شيعته وإبادتهم - لتستقر الأرض والحكم لشيعته فقط .
حيدر : وفق ما ذكرت فإن الأمر اختلف كلية ، مع أن النصوص في كتب الأئمة قد بينت وأفاضت في ذكرعلامات المهدي وسيرته العطرة ، والسبب من اختفائه .
خالد : السيرة العطرة ، تكون لذاك الإنسان الذي يُرتجى منه الخير والرفق والعدل من بعد الظلم ، وأي خير نرتجيه من إنسان سوف يكون همه سفك الدماء ؟ !
حيدر : لعل الأمر التبس عليك في سيرة الإمام المهدي مع غيره ممن تسمّى بهذا الاسم المبارك من حكام الدولة العباسية أو ممن جاء بعدهم .
خالد : روايات صحيحة في كتب علماء الشيعة لا تقصد إلا محمد بن الحسن العسكري الموصوف بالمنتظر ، تبين أفعاله ، وليس غيره وخذ هذه الروايات :
جاء في ( الغيبة للنعماني ص 231 ) للنعماني عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له سمّه لي أريد القائم عليه السلام . فقال : « اسمه اسمي [5] . قلت : أيسير بسيرة محمد صلى اللّه عليه وسلم ؟ قال زرارة : هيهات هيهات يا زرارة ، ما يسير بسيرته قلت : جعلت فداك ولم ؟ قال : إن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم سار في أمته بالمنّ ، كان يتألف الناس ، والقائم يسير بالقتل ، بذاك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ، ولا يستتيب أحداً ، بل ويل لمن ناوأه » .
حيدر : ولكن الدين مبناه على الخير وتألف قلوب الناس على حب الآل عليهم السلام .
خالد : يا ليت ما تقول نجد له مسلكاً مع هذا المهدي المنتظر ، وإلا فإن المنتظر هذا سيُخرج الأحقاد الدفينة في صدور الشيعة كما قالت الرواية التي ذُكرت عند العاملي في وسائل الشيعة ( 11/60 ) والبحراني في الحدائق ( 18/155 ) بنص : « ... . ولولا أن نخاف عليكم أن يُقتل رجل منكم برجل منهم ، ورجل منكم خير من ألف رجل منهم ، ومائة ألف منهم ، لأمرناكم بالقتل لهم ، ولكن ذلك إلى القائم » .
حيدر : تعلم يا أخ خالد أن الشيعة إخوة للسُّنة ، والاحترام بيّنٌ وواضحٌ ويجُّلون العالِمَ والعامي ، والصغير والكبير .
خالد : يا ليت الأمر يتوقف عند الاحترام المتبادل بين العلماء ، ولكن الروايات تكشف لنا كأن هناك انتقاماً منتظراً سيحل على العلماء المخالفين للشيعة ، كما جاء في رواية الزنجاني في حدائق الأنس ( 104 ) عن أمير المؤمنين أنه قال : « وفقهاؤهم يفتون بما يشتهون ، وقضاتهم يقولون ما لا يعلمون ، وأكثرهم بالزور يشهدون ، إذا خرج القائم ينتقم من أهل الفتوى » .
حيدر : يا أخ خالد مع كل ما تقول ، لعل المبغضين لآل البيت عليهم السلام كذبوا ودسوا مثل هذه الروايات الباطلة .
خالد : يا أخ حيدر ، إلى متى نحتج بالظنون ؟ فالعلم سنده العلم البيّن المتحقق منه ، وهذه الروايات وغيرها كثير متناثرة في كتب الشيعة المعتمدة ، وتركها هكذا من غير تفنيد وبيان لحال سندها ، يجعلنا نجزم بموافقة العلماء عليها ، ووالله ليس هناك مثل سيرة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ورفقه وحبه لأمته ، حتى للعصاة منهم ، أما هذا المنتظر الموجود في كتب الشيعة . فلن يحب أحد الالتقاء به خوفاً منه كما قال النعماني في كتاب الغيبة ( 233 ) عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « لو يعلم الناس ماذا يصنع القائم إذا خرج ، لأحب أكثرهم ألا يروه ، مما يقتل من الناس ، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش ، فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد ، ولو كان من آل محمد لرحم » .
حيدر : لو اتفقت معك على فداحة ما قلت ، أظن أنك توافق على الروايات الدالة على وجود المهدي ( عجل الله فرجه ) ، وأن في خروجه الخير للمسلمين بإذن الله .
خالد : الواقع يشهد بما ذكره العلماء المعتمدون : أنه ليس له عين ولا أثر ، ولا يعرف له حس ولا خبر ، لم ينتفع به أحد لا في الدين ولا في الدنيا ، بل حصل باعتقاد وجوده من الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد ، مثل ما ذكرت لك من روايات علماء الشيعة .
حيدر : أتريد أن تقول بان الإمام المنتظرلا وجود له ، وأنه لم يولد بعد ؟
خالد : جاء في أصول الكافي ( 1/553 ) وإكمال الدين ( 93 ) والمقالات والفرق ( 102 ) وفرق الشيعة ( 96 ) وتاريخ الطبري ( 13/26 ) أن الحسن بن علي بن محمد لما مات لم يكن لديه عقب ، ولم تكن لديه زوجة أو جارية حملت وذكروا القصة بالتفصيل ، التي ثبت من بعدها أن الإمام الحسن العسكري لم يكن عنده ابن يسمى بمحمد أو المهدي المنتظر .
حيدر : إذاً الأمر بهذه الرواية يوقف حوارنا حول المهدي المنتظر .
خالد : والأغرب من هذا وذاك ، أن كتاب الكافي للكليني كما جاءت الروايات قد تم عرضه على المهدي المنتظر وهو بالسرداب فوافق على ما فيه وأنه كما قال : « كافٍ لشيعته » ، مع أن في الكافي الرواية التي تطعن في وجوده !!
وكذلك الخلاف في مكان اختفائه يدل على التناقض ، فرواية تنص على سامراء وأخرى طيبة ( المدينه المنورة ) ، وثالثة على جبل رضوى قرب المدينة ، وليس هناك من تحقيق حول الصحيح من الضعيف في الأمر .
حيدر : وماذا عن دعاء ( عج ) بمعنى عجل الله فرجه ؟
خالد : نحن مأمورون بالعمل والقول الذي ثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم . والذي قد تم الشرع وكمل بوفاته صلى اللّه عليه وسلم ، فماذا سوف يزيدنا المهدي في ديننا ؟ ! وماذا سيُتم من ناقص ؟
ولنتساءل هل نريد ذلك المهدي الذي سيقتل النواصب الذين لا يؤمنون بالولاية والإمامة لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وحتى يملأ الأرض عدلاً لأنها امتلأت ظلماً وجوراً من قِبَل النواصب وعوام المسلمين على حد زعم بعض المتعالمين ؟ ! أم أنه سينشر العدل والخير بين الناس جميعهم !
وهل نعطل الشرع ومصالح المسلمين لأمر غيبي موهوم ، أم أن المسلم يجدّ في الطاعة التي عُلمت عن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ، والذي أكمل لنا الدين بشهادة الحق سبحانه : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا } (المائدة : 3) ويدعو الله أن يصلح أحوال المسلمين إن كان هناك ثمَّة خطأ .
أبو طالب
حيدر : أعجب من أولئك الذين يذكرون آل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم في مجالسهم ، ولا يعرجون في حديثهم على أسرة النبي صلى اللّه عليه وسلم من جهة أعمامه وعماته وأخواله وخدمه ، والمحيطين به عليهم الصلاة والسلام .
خالد : كتب التاريخ وكذلك الأحاديث ، لو فتشناهما لوجدنا فيهما كماً كبيراً في بيان ذلك ، وذكر واضح لعلاقة أسرة النبي صلى اللّه عليه وسلم به قبل الهجرة وبعدها ، ومَنْ الذي نصر النبي صلى اللّه عليه وسلم ومَنْ الذي كفر ولم يتبع النبي صلى اللّه عليه وسلم كعميه أبي طالب وأبي لهب .
حيدر : ماذا تقول ؟ هل لا زلت على حيرتك في شأن الذي نصر النبي صلى اللّه عليه وسلم وحماه وذاد عنه ودفع أذى الكفارعن ابن أخيه ، وفعل أموراً عجز عنها الكثيرون ، فهل تتجرأ أن تقول عليه هذه المقولة الشنيعة ، مع العلم أنه كان على دين الحنيفية ، دين إبراهيم ! وقال في حقه النبي صلى اللّه عليه وسلم : « والله ما نالت مني قريش ما أكرهه حتى مات أبوطالب » .
خالد : أعمال أبي طالب مذكورة ومعلومة في التاريخ ، والرجل لا يُعد من أهل الإسلام إلا بنطق الشهادتين للدلالة على ما في القلب من إقرار وتصديق ، وكما أننا نستدل ببعض أحاديث البخاري رحمه الله لتدعيم ما نحب ، فلمَ لا نعدل ونذكر كل الحق وليس أنصافه ؟
حيدر : وما تعني بقولك هذا ؟
خالد : جاء في رواية البخاري تحت باب أبوطالب حديث العباس لما سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن عمه فقال : « هو في ضحضاح من النار ، ولولا شفاعتي لكان في الدرك الأسفل من النار » .
حيدر : أبو طالب أقر بنفسه أنه مؤمن بقوله :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
ولقد علمت بأن ديـن محمد من خـير أديان البرية دينا
خالد : وتكملة الأبيات :
لولا الملامة أو حَذاري سُبّة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
وجاء أنه أيضاً قال :
فوالله لولا أن أجيء بسبة تجر على أشياخنا فـي المحافل
لكنّا تبعناه علـى كـل حالة من الدهر جَداً غير قول التهازل
حيدر : إذاً أنت تقر بأن عم النبي صلى اللّه عليه وسلم كان على الإيمان بدلالة علمه بنبوة ابن أخيه ؟
خالد : الشاهد قوله « ولقد علمت ... » ، والعلم بالشيء لا يعني أن صاحبه مُصَدق به ، أي مؤمنٌ به متبعٌ له ، ولو قلنا بمثل ما تظن يا أخ حيدر ، لكان إبليسَ وهو رأس الكفر ، والذي هو من أعلم الخلق بالله تعالى ، لوجب علينا أن نحكم بإيمانه ، ولكنه مع هذا كله ، فهو خارج عن دائرة الإسلام بالكلية ، فالإيمان يحتاج إلى العلم ، ولأن التصديق الجازم بالقلب ثم النطق به وهو الإقرار ، يتم به صحة الإيمان ، وكذلك العمل . فالأمر واضح لا لبس فيه .
وماذا يضر المرء إن كفر أهله أو أحد أبنائه أو إحدى زوجاته ، والله يقول : { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (القصص : 56) ، وهؤلاء الأنبياء وهم صفوة الخلق حصل لهم مثل هذه الأمور ، ولم يقدح ذلك في سيرتهمِ ، أو أن يحط من قدرهم والله سبحانه يقول : { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْببْتَ وَلَكِنّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ } (فاطر : 18) .
حيدر : الأمر يبدو لي غريباً من أن نقول أن من كان يحمي النبي صلى اللّه عليه وسلم كان على الكفر وهو كان حبيباً له وقريباً من قلبه !
خالد : هذا الأمر ينبغي علينا أن لا نستنكر وقوعه ، لأنه قد وقع للأنبياء السابقين فنوح أحد أبنائه وأيضاً زوجته في النار لكفرهما ، وهذا إبراهيم والده كافر ، وامرأة لوط في النار ، وعم المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أنزلت بسببه سورة ندعو عليه بها وأنه في النار ، فالأمر بيد الله سبحانه يهدي مَنْ يشاء ويضل مَن يشاء .
حيدر : ولكن هناك العديد من المؤلفات تبين وتوضح هذا الموضوع ، أعني إسلام عم النبي أبي طالب !
خالد : ديننا - ولله الحمد والمنة - مؤسس على الدليل والنقل الصحيح ، وليس على حشو الكلام وتأجيج العاطفة ، فمهما كُتب حول هذا الموضوع من مؤلفات ، وسُطرت من كلمات ، يتبقى لدى المسلم الحريص على دينه سؤال واحد ، ما الدليل على ما نذكر ونقول ؟ وليس الدليل في نصوص الشريعة من بيت شعر من أيام الجاهلية قاله رجل لا يُعلم حاله ، ونتشبث به ، ولكن الدليل قال الله أو قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، أو ثبت نقله عن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم ، ولم يُنكر عليه أحد ، وما سوى ذلك فترهات ، وجمع حطب بليل ، وتذكر يا حيدر أن نصاً واحداً صحيحاً سيحرق - بإذن الله - آلاف الكتب الباطلة ، ولله الحمد .
معاوية ويزيد
خالد : الحديث عن عدالة الصحابة يقودنا إلى الحوار حول تجرأ نسبة ملاحظة من الشيعة تعلق لسانهم بالشتم والنقيصة للصحابة ( رضي الله عنهم ) .
حيدر : لكن الإخوة الشيعة لا يذكرون ولا يتبرؤون إلا ممن استحق اللعن والشتم ، وبالأخص ممن اعتدى وتجرأ على الآل الكرام عليهم السلام ، كيزيد ووالده .
وقد جاء في فتح الباري عن أحمد بن حنبل أنه سئُل عن علي ومعاوية ، فقال : إن عليّاً كان كثير الأعداء ، ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا ، فعمدوا إلى رجل قد حاربه ، فأطروه كيداً منهم لعلي .
فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له . أي كأن الأمر نكاية من أعداء علي رضي الله عنه ، وأن معاويه لا شأن له بالأمر .
خالد : معوقات أي حوار ، هو تغلغل العواطف في القضايا الشرعية ، وإلا فإن هذه الرواية ذكرها العلامة ابن حجر العسقلاني شارح البخاري ليبطل دليل مَن يقول ، أن معاوية لم تذكر له أية فضائل فقال بعد هذا مباشرة :
« عبر البخاري في هذه الترجمة بقوله ( باب : ذكر معاوية رضي الله عنه ) ولم يقل . فضيلة ولا منقبة لكون الفضيلة لم تأخذ من حديث الباب ، لأن ظاهر شهادة ابن عباس له بالفقه والصحبة دالة على الفضل الكثير ( حديث إن معاوية كان يوتر بركعة واحدة فقال عنه ابن عباس : إنه فقيه ) » ( 7/131) .
إذن شارح البخاري لا يؤيد المقولة السابقة التي ذكرتها ، بدليل ذكر الأحاديث الصحيحة الواردة في شأن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه .
حيدر : الروايات المبينة لما اقترفه معاوية وابنه ، تجاه أمير المؤمنين علي وابنه الحسين عليهما السلام ، لا تخفى على مسلم لبيب .
خالد : لنأخذ الأمر بروية ، وبتمحيص للأمور الشنيعة التي اقترفاها كما يُذكر عنهما وفق الآتي :
1 - معاوية كان أميراً على الشام منذ عهد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، ولم يُعزل من منصبه حتى خلافة علي رضي الله عنه .
2 - هل ثبت بنقل صحيح أن معاوية كانت له مواقف سيئة أو اُنتقد عليها - قبل خلافة علي رضي الله عنه - وتطعن في إيمانه ؟
3 - ما سبب الخلاف بين أمير المؤمنين علي ومعاوية ( رضي الله عنهما ) ، أهو في ركن من أركان الإسلام أم في مسائل اجتهادية ؟
4 - لو كان الخلاف بينهما في قضية لا يمكن لأمير المؤمنين التنازل ولا التراجع عنها ، فلِم فعل الحسن بن علي أمراً آخر غير ما صمم وقاتل عليه والده ؟
ويكون الحسن بهذا قد ترك أمراً عظيماً طواعيةً منه .
5 - لمَ عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى معاوية كتابة الوحي ( القرآن ) الذي هو أعظم أمانة يؤتمن عليها ؟
حيدر : الإنسان يتغير ولربما يبُطن غير الذي يظهر إذا أحب الدنيا وركن إليها ، وهذا نجده واضحاً من قبل ابنه يزيد .
خالد : لندع الكلام الذي لا سند له غير الزعم ، فيجرنا من بعده إلى الفهم السيء ، فمعاوية رضي الله عنه قد لبث في حكم الشام فترة تزيد عن الثلاثين سنة ، وأهل الشام كانوا أهل استقرار وحكمة وروية كحال أميرهم ، وليس مثل أهل الكوفة الذين قال فيهم الحسن بن علي ( الاحتجاج للطبرسي 2/290 ) : « أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء ، يزعمون أنهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي ، وانتهبوا ثقلي ( متاعي ) ، والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأمن به أهلي ، خير من أن يقتلوني ، فتضيع به أهل بيتي وأهلي » .
والخلاف يطرأ بين الإخوة في البيت الواحد ، والبلد الواحد ، فكيف إذا كان في مواجهة فتنة لم يعهد لها الصحابة مثيلاً ، وهي مقتل أمير المؤمنين عثمان ، واختلفت الأفهام في كيفية معالجة هذه الطامة .
حيدر : وما قولك في الذي أمر بقتل سيد شباب أهل الجنة ، وأهان آل بيت النبي في كربلاء ، وقد أخبر النبي بمقتله ، كما ثبت ذلك بالروايات الصحيحة في هذا الشأن ، فهل نسكت عن هذا الفعل الشنيع !
خالد : ما حدث في زمن يزيد ، لا يعفيه من اللوم والخطأ الذي وقع من جنده وقد ثبت أنه لم يعاقب أحداً ، ولكن السؤال الذي يَرِدُ على الأذهان :
1 - النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر بمقتل سبطه الحسين وأخبر بمقتل علي وكذلك عن الإصلاح الذي سيعمله الحسن بين المسلمين ، هذه كلها أمور خبرية ، فما الدليل على وجوب اللعن في كل سنة على جميع بني أمية ، وفيهم من لم يرتكب جرماً ، في حق علي رضي الله عنه ؟
2 - أين الرواية الصحيحة الدالة على أن جيش يزيد ، كان مرسلاً لقتل الحسين رضي الله عنه ؟ وهل هناك مَنْ يعترض على حماية الدولة من الفتن والقلاقل ، خاصة إن جاءت من قبل أهل الكوفة في العراق ؟
3 - لِمَ لم يأمرنا النبي صلى اللّه عليه وسلم بفعل أمر معين ، إذا وقعت مقتلة الحسين ، مع أنه أخبر بوقوعها ؟ ، فهل نحن نحب الحسين أكثر من النبي - صلى اللّه عليه وسلم ؟ أم نحن أعلم بما ينبغي فعله أمام هذه الحوادث ؟
3 - الحسين رضي الله عنه من أهل الجنة كما أخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك ، إذن لِمَ نُجدد الحزن عليه وقد شُهد له بالجنة ، ولا نشاهد مثل هذا الحزن علىَ من هو أفضل منه ، كعلي والحسن رضي الله عنهما ، ومن قبلهما سيد ولد آدم صلى اللّه عليه وسلم ؟
4 - مَنْ الذي قتل الحسين رضي الله عنه ؟ هذا سؤال مهم يجيب عنه آية الله العظمى محسن الأمين كما يروي في أعيان الشيعة ( 1/26 ) عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر وهو يذكر المسئول عن دم سبط رسول الله صلى اللّه عليه وسلم فيقول : « فبويع الحسن ابنه فعوهد ثم غُدِرَ به وأُسْلِم ووثب عليه أهل العراق حتى طُعِن بخنجر في جنبه ، وانتهب عسكره فوادع معاوية ، وحقن دمه ودم أهل بيته ... ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم فقتلوه » .
فالنصوص واضحةٌ في حال معاوية رضي الله عنه وكذلك ابنه يزيد ، والمرء لا تجره عاطفته فيغمض عينه عن الحق ويتغافل عنه ليأخذ ما يحب ويهوى لذا روى الكشي ( ص 253 ) عن الإمام الصادق أنه قال : « لو قام قائمنا بدأ بكذابي شيعتنا فقتلهم » .
حيدر : إن أظهر المسلمون لشيء من حزنهم على مَنْ يحبون ، هل يُلامون على ذلك ؟ أم أفهم في قولك تقليل لحادثة استشهاد الحسين رضي الله عنه !
خالد : حاشا لله أن تصدر مني كلمة أقلل فيها من قدر مَنْ نحب من آل بيت المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وهذا أمر علينا أن نسير عليه دائماً مع مَنْ نحب ، وأيضاً مع مَنْ نبغض ، فإن السموات والأرض لم تقوما إلا بميزان العدل والقسط ، وآل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم نحبهم لحبنا لرسول الله صلى اللّه عليه وسلم ، ونسأل الله أن يحشرنا مع هذه الزمرة الطيبة المباركة في الفردوس الأعلى برفقة حبيبنا محمد صلى اللّه عليه وسلم .
زوجات النبي صلى اللّه عليه وسلم
حيدر : ما دمنا قد تحاورنا حول موضوع معاوية وابنه وكذلك الصحابة فلمِ لا نعرج حول ما اعترى قضية زوجات النبي - صلى اللّه عليه وسلم من لبس ، وسوء تحديد في القدر ؟
خالد : شأنهن وقدرهن معلومٌ في قلوب المؤمنين ، فأين اللبس ؟
حيدر : جنوح البعض منهن بعد وفاة النبي عليه السلام إلى الدنيا ، والتشجيع والتأليب على أمير المومنين علي عليه السلام ، ومع حقيقة هذا المبدأ نجد من بعض الإخوة السنة إنكاراً وطمساً للحقائق .
خالد : قبل أن نتحاور حول ما تقول لنتذكر قاعدةً عظيمةً ، وهي أننا نتكلم عن زوجات النبي صلى اللّه عليه وسلم ، واختيارهن تم بموافقة من الله - سبحانه - وأمر منه بالتحديد للبعض منهن ، وأيضاً لنتذكر أن الله سبحانه نزه نبيه في حياته من أن يُطعن في عرضه أو بعد وفاته ، والله - سبحانه - وصف زوجات النبي صلى اللّه عليه وسلم بأنهن أمهات للمؤمنين بقوله تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتُهُمْ } (الأحزاب : 6) .
حيدر : هذا مما لا جدال فيه .
خالد : على ضوء هذا أقول لك يا أخي إن المرء يلتمس جميع الأعذارالممكنة إن أخطأت أمه من النسب ، فما هو حالنا تجاه أمهاتنا بالدين ، وهن ( رضي الله عنهن ) زوجات نبينا صلى اللّه عليه وسلم ؟
خالد : لنتذكر قصة الإفك ، واتهام المنافقين لأم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) أنها وقعت في الفاحشة ، ثم برأها الله - سبحانه - ومع ذلك يعلم الله أنها بعيدة كل البعد عن مثل هذه القاذورات ، وحذرنا سبحانه وتعالى من بعد هذه الحادثة المفتراة أن يأتي مسلم ويطعن في عرضها في المستقبل كما قال تعالى : { يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (التوبة : 17) فغير المؤمنين ، قد تسول لهم أنفسهم بالخوض في عرض أم المؤمنين مرة أخرى .
حيدر : هذا بعيدٌ جداً أن يقع من أحد من أهل الإيمان .
خالد : إذن ماذا نقول في من ذكر في كتابه ، أن عائشة رضي الله عنها كانت تريد الزواج من عبد الرحمن بن عوف ؟ أو يأتي من يفسر الآيات ويقول إن المقصود من امرأة نوح وامرأة لوط هما عائشة وحفصة ، أو ذاك الذي يدعو على أم المؤمنين ( رضي الله عنها ) من خلال دعاء صنمي قريش الشنيع !
أليس هذا قد خالف قول الله سبحانه من توقير أمهات المؤمنين ؟
وقذف أم المؤمنين ( رضي الله عنها ) والافتراء عليها لا يزال قذره موجوداً في بعض الكتب مثل تفسير القمي ( سورة التحريم ) والبرهان للبحراني ( 4/358 ) ، وفي بيان السعادة لسلطان الجنابذي ( 3/253 ) وفي بحار الأنوار للمجلسي ( ج 40/ص 2 ) .
حيدر : معك الحق فيما ذكرت ، ولكن لماذا خرجت أم المومنين من منزلها وذهبت مع الجيش ضد أمير المؤمنين علي عليه السلام !
خالد : هذا سؤال وجيه ، ولنرجع بالذاكرة إلى ذاك الزمان العصيب ولنتساءل أليس الأمر في حينه لما وقع قد اختلط فيه الحق بالباطل عند مجموعة من المسلمين ، أما كان ينبغي توحيد الكلمة ، وجمع الصفوف ؟ خاصة بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ، لأجل هذا اجتهدت ( رضي الله عنها ) في الخروج ، وعلي رضي الله عنه كان في المدينة ولكن كما قلت لك سابقاً : هل هذا السبب مدعاة إلى أن نلعنها ونسبها وهي أم المؤمنين كما أخبر الله بذلك ؟
حيدر : يقال أن لها يداً في مقتل عثمان رضي الله عنه .
خالد : ومن هذا الذي بمقدوره الإتيان بالبرهان على صحة هذا الافتراء في فترة عصيبة مُلئت بالفتن من قبل أهل العراق ومصر ؟ ولو كان ما قيل صحيحاً هل كان هذا يخفى على معاوية رضي الله عنه وهو الذي كان يطالب بدم عثمان رضي الله عنه .
حيدر : إذاً ما الأمر الواجب أن نتخذه في مثل هذه المواقف والقضايا ؟
خالد : ينبغي علينا ابتداءً أن نتذكر عمن نتكلم ، قال تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } (الأحزاب : 6) فهل يرضى أي مسلم أن يُنتقص من والدته من الولادة أو من الدين ، ولا ننسى أنها زوجة خليل رب العالمين محمد صلى اللّه عليه وسلم ، والرجل من عامة المسلمين يدافع عن عرضه بكل شيء ، فهل يهون علينا أن ننتقص من قدر زوجة نبينا صلى اللّه عليه وسلم وهي كما حكم الله أمّ لكل مؤمن بالله ، والمقولة بأن أم المؤمنين ألَبت الناس على أمراء المؤمنين يحتاج الى دليل والكتب المبغضة للصحابة رضوان الله عليهم تحتاج إلى تصحيح ، قبل رمي الكلام جزافاً .
حيدر : أفهم من كلامك أنك تريد إذاً أن نغض الطرف عن جميع أخطاء أم المؤمنين عائشة وغيرها ، ولا نخوض فيها ؟
خالد : التاريخ الصحيح لا يستطيع أحد أن يطمسه ، ولكن العاقل يأخذ العبرة والفائدة مع إعطاء مَن سبقوه المكانة اللائقة بهم ، وخطأ الكرام ينبغي أن يقذف في بحار حسناتهم ، ليتلاشى بإذن الله - سبحانه - وليعلم المؤمن أنه لا يبتدأ الكلام في أخطاء من سبقه وانتهى أمره إلى الله إلا لبيان حق أو دفع باطل ، وماذا سيجني ذاك السفيه إن خاض في أمهات المؤمنين ونبش حياتهن الطاهرة ، كأن لسان حاله يقول : انظروا إلى زوجات نبيكم ماذا اقترفت أيديهن .
ومثل هذه الأمور أيضاً لا تُذكر عند العوام ولا تُذاع في المحاضرات أو الندوات أو الأشرطة ، فالله قد عصم أيدينا من هذه الفتنة العصيبة ، فلنحفظ ألسنتنا منها أيضاً .
فالله نسأل أن يغفر لمن سبقنا بالإسلام وأن يعصم ألسنتنا عن ذكرهم بسوء .
الخُمس
خالد : وجدت أحد الأخوة الشيعة يرهق نفسه بدفع مبلغ من المال وسماه الخمس ، وذكر لي أنه كالزكاة ، وهو غير الصدقة .
حيدر : نعم ، وبارك الله فيه ، وأذكّرك بالآية الكريمة الدالة على ما فعل : { وَاعْلَمُوا أَنمَا غَنِمْتُم مِن شَيْء فَأَن لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرسُولِ وَلِذِي الْقًرْبَى } (الأنفال : 41) .
خالد : لكن الآية الكريمة لا تفيد أخذ نسبة محددة من كل ما يكسبه المسلم في حياته الاعتيادية ، ونطلق على ما يدفعه « خمساً » .
حيدر : الآية جاءت في سياق النكرة الدالة على العموم في كل ما يحوزه المسلم .
خالد : جاءت الآية السابقة في سورة الأنفال والتي في بدايتها { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِله وَالرَّسُولِ ... } (الأنفال : 1 ) ، ثم جاء التفصيل عن الأنفال التي غنمها المسلمون من غزوة بدر ، إذاً فالأمر لسبب خاص وليس فيه عموم ، فأين النص على التعميم ؟
حيدر : ولكن اللغة جاءت لخدمة المعنى الذي أخذه علماء الشيعة ، من أن المغنم لا يكون في ساحة الحرب فقط ، ولكن في كل ما يغنمه المسلم في حياته ، والقرآن جاء بلغة العرب .
خالد : لو راجعت قواميس اللغة مثل القاموس المحيط ومختار الصحاح لوجدت أنها تذكر أن الخُمس يكون في الحرب والغنائم وليس في أمور الحياة الاعتيادية ولم يقل مسلم بأن ما يكسبه المرء في حياته ، وخاصة من التجارة ، يسمى غنيمة ، بل هو ربح وتجارة وتكسب .
خالد : السنة النبوية تبين ما أجمل وأبهم في القرآن ، ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : خرجنا مع رسول الله صلى اللّه عليه وسلم إلى خيبر ، فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً ( فضة ) ، غنمنا المتاع والطعام والثياب ، ثم انطلقنا إلى الوادي ، ومع رسول الله صلى اللّه عليه وسلم عبدٌ له وهبه له رجل من جٌذام ، فلما نزلنا قام عبدُ رسول الله - صلى اللّه عليه وسلم يحل رحله ، فرُمي بسهم فكان فيه حتفه ، فقلنا : هنيئاً له الشهادة يا رسول الله فقال : « كلا ، والذي نفس محمد بيده ، إن الشملة لتلتهب عليه ناراً ، أخذها من الغنائم يوم خيبر ، لم تُصبها المقاسم » ، قال أبوهريرة : ففزع الناس ، فجاء بشراك أو شراكين ، فقال الرسول صلى اللّه عليه وسلم : « شراك أو شراكين من نار » .
وروى الصدوق في الفقيه ( 1/13 ) والطوسي في التهذيب ( 1/348 ) والاستبصار ( 2/56 ) عن عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله يقول : « ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة » . وأخرجه العاملي في الوسائل ( 6/338 ) باب وجوب الخمس في غنائم الحرب .
حيدر : بذل المسلم من ماله بمقدار الخمس إلى الفقراء والمساكين وإلى آل بيت النبي عليهم الصلاة والسلام ، هل نعتبره خطأً ويعاب عليه الباذل ؟
فلِمَ نحرمهم من الخير وفعل المعروف وبذل الصدقات للمحتاجين ، وهم لم يقدموها إلا حباً في النبي وآله عليهم السلام ؟
خالد : الوجوب شيء والتطوع أمر آخر ، فلا يأتي رجل ويفرض على المسلمين إخراج جزء محدد مما جنوه طوال السنة ، ونأتي ونقول عنه : هذا تطوع وبذل للخير .
فمَنْ أخرج زكاة ماله ، لا نلزمه بإنفاق مال آخر ، إلا ما يهبه عن طيب نفسه للمحتاجين .
حيدر : لتعلم يا أخ خالد أن الخمس أو المال الذي نتصدق به ، نقدمه إلى وكيل المرجع الديني الذي يجوز له التصرف بالمال في غيبة الإمام المنتظر وهو رجل بمنأى عن الظن السيء ، وذو أمانة وعلم ، ليصرفها فيما بعد في مصارفها المحددة .
خالد : مقام الوكيل عن الإمام قضية ليست موضوع نقاشنا هنا ، لأن المهدي المنتظر - كما عرفنا في مبحث سابق - شخصية لا وجود لها في زمننا الحاضر والسابق ، فكيف ينوب عنه أحد .
وأيضاً قضية الوكالة عن الإمام ، فإنه لا يجيزها كل علماء الشيعة ، فهذا الأردبيلي أفتى بعدم جواز التصرف بالخمس في عهد الغيبة ، والعلامة الموسوي في كتابه التصحيح ذكر ما آل إليه الفهم السيء لهذه القضية . والتي انطلت على العوام من جهة الوسطاء الذين يأخذون الأموال ويصرفونها وفق ما يرون ، ولا يُسألون عما يفعلون .
وبالله عليك يا أخ حيدر : هل قدم لك مندوب المنتظر - كما تقول عنه - ورقة تفيد وتشرح المصارف التي آلت إليها زكاتك والأموال التي قدمها أهلك ، طوال هذه السنين ؟
حيدر : معاذ الله أن أسأل الإمام عن هذا ، لأن فيه طعنا في ذمته !
خالد : سبحان الله ، الأموال التي يبذلها أهل السنة يسألون عن كل صغيرة وكبيرة عنها ، وتتابع الجهات الرسمية هذا الأمر دائماً ، حتى لا يشوبه أية شائبة ، فهل المتابعة والتدقيق والاستفسار مظنة لوجود شك أو ارتياب في الذمم ، بل هو يا أخ حيدر احتياط وتنبيه ، حتى لا تسول النفس لأحدٍ بأخذ ما ليس له فيه حق .
والأموال التي أمر الله رسوله صلى اللّه عليه وسلم بأخذها من المسلمين لا يحتاج فيها إلى واسطة لدفعها إلى الفقراء والمساكين ومن شملته الآية في بيان مصارف الزكاة ، فيستطيع المزكي أن يدفعها لمَن شاء ، وبأي كيفية شاء ، حتى لا نعطي المال من لا يعمل ولا يسعى في رَزقه وتأتيه الأموال الوفيرة بحجة أنه لا يُسأل عن ذمته !
المتعة
خالد : لعل النقاش قد طال فيما بيننا ، وحصل الملل منك يا أخ حيدر ؟
حيدر : أبداً ، بل هو ممتع ومفيد ، خاصة مع حوار يتسم بالدليل والعقلانية .
خالد : بارك الله فيك ، وماذا تريد أن نتناقش حوله ؟
حيدر : لنتحاور حول موضوع دائماً يثار بين السنة والشيعة ، وإذا جرى نقاش بين الطائفتين لا بد وأن ينُاقش ويثار هذا الموضوع .
خالد : وما هذا الموضوع الذي دائماً يثار عند النقاشات ؟
حيدر : قضية زواج المتعة ، وسوء الفهم الذي لحق بهذا الحكم ، من قبل إخواننا السنُّة ، من الإفتاء بحرمة هذا الأمر المشروع .
خالد : الزواج المؤقت أو الصيغة أو المتعة ، الحكم بيّن ، ولا لبس فيه وهو المنع بل قل إن شئت التحريم .
حيدر : سبحان الله ! أمر جاء الجواز فيه من المصطفى - صلى اللّه عليه وسلم ثم تقول إنه محرم ، والروايات جميعها تدلل على ما أقول ، ولم نعلم التحريم إلا من قِبل الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه ، والقرآن الكريم يبين الجواز كقوله تعالى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتم بِهِ مِنْهُن فَآتُوهُن أًجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } (النساء : 24) .
وللحديث الصحيح عند مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال : خرج علينا منادي رسول الله صلى اللّه عليه وسلم فقال : ان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم أذن لكم أن تستمتعوا ( أي متعة النساء ) .
خالد : لنتحاور حول الأدلة التي سقتها ومن ذلك :
ا - قوله تعالى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فآتُوهُنّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضةً } (النساء : 24) .
هذه الآية لو قرأنا الذي قبلها ، لعلمنا أنها إنما جاءت في الزواج الدائم من النساء اللائي يستطيع الرجل أن يتزوج بهن ، واللواتي يحللن له ، فالله تعالى قال : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحَلّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضةً } (النساء : 24) ومن المعلوم في المذهب الشيعي أن زواج المتعة لا يحصن الفاعل ( كأنه لم يتزوج ) ، كما قال إسحاق بن عمار سألت أبا إبراهيم ( موسى الكاظم ) عليه السلام عن الرجل إذا هو زنى وعنده الأمة يطؤها تحصنه الأمة ( الجارية ) ؟ قال : نعم . قال : فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه ؟ قال : « لا ، إنما هو على الشيء الدائم » . الوسائل ( 28/68 ) .
إذاً فالآية ليس فيها بيان لزواج المتعة ، إنما هو الاستمتاع في الزواج الدائم ، والذي فيه أيضاً تمتع بين الزوجين ولذة . وأما الأجر المقصود بالآية إنما هو المهر مثل ما جاء في قوله تعالى : { فَانكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أَهْلِهِنّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } (النساء : 25) والمتعة لا يشترط فيها إذن الأهل .
حيدر : إذا كان الأمر كما تقول ، فما التوضيح لمَن علم بأن الخليفة عمر رضي الله عنه حرمها بمحضر من الصحابة ، بعد أن كانت مباحة !
خالد : هذه شبهة انطلت على الكثير من المسلمين ، وعمر رضي الله عنه لا يجرأ على أن يُحرّم أو يحلل في دين الله ، وإنما حرم بما رواه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وسمعه الصحابة ومنهم علي رضي الله عنه مثل ما جاء في كتب الشيعة المعتمدة مثل : الاستبصار ( 3/142 ) والتهذيب ( 7/251 ) والوسائل ( 21/512 ) عن علي عليه السلام أنه قال : « حرم رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ، ونكاح المتعة » .
ولكن بعض علماء الشيعة لم يرتضوا هذا الحكم فقال الحر العاملي : « حمله الشيخ ( الطوسي ) وغيره على التقية ، لأن إباحة المتعة من ضروريات مذهب الإمامية » .
وأين التقية في خبر لعلي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟ فهل علي رضي الله عنه يتقول على النبي صلى اللّه عليه وسلم في أمر لم ينطق به النبي صلى اللّه عليه وسلم وهذه الرواية فيها إخبار وليس فتوى يقولها الإمام لِمَنْ يخالفه ، فيتقيه بهذه الفتوى .
وعلي رضي الله عنه قد ثبت عنه أنه عارض في متعة الحج ( أي : حج التمتع ) ولم يعمل بالتقية ، فلِمَ لم يصرح بالقول هنا كما فعل هناك ؟ والمتعة رخّص فيها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم حرّمها ، ثم رخّص فيها مرة أخرى ثم حرّمها على التأبيد ، والأخيرة كانت في عام الفتح ويسمى بأوطاس ، ومن المعلوم أن الأحاديث لا تبلغ جميع الصحابة رضوان الله عليهم ، وزمن الصديق رضي الله عنه كان زمن حروب الردة ، والتثبيت للجزيرة وهي فترة قرابة السنتين فلما استقر الأمر لعمر رضي الله عنه ، بيّن لهم هذا الحكم لظهوره بين الناس .
حيدر : في خلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ألم يبين للمسلمين هذا الأمر ؟
خالد : ثبت في كتب التاريخ أن خلافة علي رضي الله عنه امتدت قرابة أربع سنوات ، وقد قاتل فيها جيوش الشام وكذلك الخوارج ، واستقر له الأمر ( رضي الله عنه ) في مكة والمدينة والعراق وما جاورهما من أمصار عدا الشام فلم يثبت عنه ( رضي الله عنه ) أنه قام وألغى ما أمر به عمر رضي الله عنه من المتعة ، ويُعلم من المذهب الشيعي أن عمل الإمام حجة ، لا سيما عندما يكون مبسوط اليد ، ظاهر السلطان ، يستطيع إظهار الرأي وبيان أوامر الله ونواهيه .
حيدر : لم يأتِ الترخيص من الأئمة عليهم السلام في هذا الأمر إلا لعلمهم بمدى حاجة الناس لهذا الأمر في كثير من الأوقات والأمكنة .
خالد : جاء في الكافي ( 5/452 ) عن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عن المتعة فقال : « وما أنت وذاك ، فقد أغناك الله عنها » .
وفي المستدرك ( 14/455 ) عن عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله عن المتعة فقال : « لا تدنّس نفسك بها » ، وللخميني قول جميل ذكره في كتاب كشف الأسرار ( ص 285 ) وهو : « لو تم ضرب الزاني والزانية بالسياط ما شاعت الأمراض التناسلية » .
فأين الحاجة في أمر لم يجر علينا إلا الفهم الخاطئ والتوسع المفرط فيه ؟!
حيدر : ولكن المتعة قد وُضع لها شروط وضوابط تحكمها ، حتى لا تؤدي إلى الفساد ، وهي رخصة للمضطر والمسافر ومَن في حكمهما .
خالد : ليس هناك من شروط في المتعة ، بل هناك تناقض غريب في هذه القضية ، والتي وُضع لها أجر كبير فمن ذلك ما جاء في الوسائل ( 21/16 ) عن أبي عبدالله قال : « ما من رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين مَلكاً يستغفرون له إلى يوم القيامة ، ويلعنون متجنبها إلى أن تقوم الساعة » .
ومن الأمور التي نعلم من بعدها خطورة هذا الأمر ما يلي :
1 - جواز التمتع بزوجة الغير : جاء في التهذيب ( 7/253 ) عن فضل مولى محمد بن راشد قال : قلت لأبي عبدالله : إني تزوجت امرأة متعة ، فوقع في نفسي أن لها زوجاً ؟ ففتشت عن ذلك فوجدت أن لها زوجاً ؟ قال : « ولم فتشت » ؟
2 - سن المتمتع بها : جاء في تحرير الوسيلة ( 2/241 ) مسألة رقم ( 12 ) قول المؤلف : « لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ، دواماً كان النكاح أو منقطعاً ، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة » !!
3 - التمتع بالمجوسية : جاء في الاستبصار ( 3/144 ) عن أبي عبدالله قال : لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية ( والمجوس ليسوا من أهل الكتاب ) .
4 - التمتع بالزانية : جاء في التهذيب ( 7/485 ) والوسائل ( 21/29 ) عن إسحاق بن جرير قال : قلت لأبي عبدالله : إن عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور ، أيحل أن أتزوجها متعة ؟ قال : رفعت راية ( أي : دلالة على المجاهرة بالبغاء ) قلت : لا ، لو رفعت راية لأخذها السلطان قال : نعم تزوجها متعة . قال ( أي إسحاق ) : ثم أصغى ( أي أبوعبدالله ) إلى بعض مواليه فأسرّ إليه شيئاً ، فلقيت مولاه فقلت له : ما قال لك ؟ قال : إنما قال لي : « ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شيء إنما يُخرجُها من حرام إلى حلال » .
وهذا ما أفتى به الخميني في تحرير الوسيلة ( 2/292 ) من جواز التمتع بالزانية على كراهة ، فقال : « يجوز التمتع بالزانية على كراهة ، خصوصاً لو كانت من العواهر المشهورات بالزنا » !!
وكيف يعقل عن مسلم فعل مثل هذا والله تعالى يقول : { وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُها إِلاَّ زَان أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } (التوبة : 3) .
5 - الوقت المحدد للمتعة : ليس هناك من حد للتمتع بهذا الأمر وكما ذكر الخميني في كتاب تحرير الوسيلة ( 2/295 ) : « يجوز أن تحدد للمتعة مدة قليلة مثلاً كليلة أو يوماً ، كما يمكن أن يحدد وقت أقل كساعة أو ساعتين » .
حيدر : ولكن هذا هو الفساد بعينه ، وينبغي أن تعلم يا أخ خالد أن تحليل المتعة ، لم يشذ فيه الشيعة بالجواز فيه لوحدهم .
خالد : بل هو الشذوذ ، فلم يقل أحد من المذاهب الشيعية بالجواز إلا الشيعة الإمامية الاثنى عشرية ، والله سبحانه لم يرضَ لنا إلا كل طيب .
فمَنْ هذا الذي يكون سليم العقل ، ويرفض الطيّب من كل شيء ! وهو الزواج الدائم ولمَ لا نأمر الشباب بأخذ الطيب ؟ والذي فيه كما أخبر الله المودة والسكن وَالذرية الصالحة التي ترث من أبويها خيري الدنيا والآخرة ، فالطيب يحب الطيب ، جعلنا الله منهم أجمعين .
الوضوء
خالد : لا زلت أراك تمسح على قدميك في الوضوء ، في حال نزع الجوربين ، وأنت تعلم أن هذا الأمر مخالف لآية الوضوء !
حيدر : ولكن القراءة الصحيحة للآية بينت أن المسح للأقدام هو الصحيح في الوضوء .
خالد : لنفصل القول في هذه القضية ، إذ إن صحة الوضوء فيه صحة لصلاتنا ، والآية الكريمة من قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلَى الصلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } (المائد ة : 6)
فيها قراءتان لكلمة « أرجلكم » بالكسر لحرف اللام عطفاً على المسح ، وبالفتح عطفاً على الغسل ، وكَلاهما تأكد من فعل النبي صلى اللّه عليه وسلم ، أنه صلى اللّه عليه وسلم كان يغسل رجليه بالماء إلى الكعبين ، ويأمر أصحابه بذلك .
والمسح قد ثبت في البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة لما أراد أن ينزع خفي النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال له : « دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين » ، ومسح على خفيه .
حيدر : هذا عن المسح ، ولكن الأحاديث الواردة في غسل الرجلين كما نص عليها مراجعنا الأفاضل جميعاً لم تثبت وغير صحيحة .
خالد : التصحيح والتضعيف لا يثبت بدون أن يُبحث بحال الرواة ومتن الحديث ، وإلا فقد جاء في مسند أحمد عن أنس رضي الله عنه : أن رجلاً توضأ وترك على قدمه موضع الظفر لم يُصبه الماء فأمره صلى اللّه عليه وسلم أن يُحسن الوضوء .
وأحاديث بيان كيفية وضوء النبي صلى اللّه عليه وسلم منتشرة ومتواترة في كتب الحديث والفقه المعتمدة .
حيدر : لعل هذه الروايات ضعيفة ، وخالف فيها الإخوة السُّنة الصحيح في المذهب الشيعي .
خالد : إن كانت الروايات ضعيفة لأنها وردت في كتب أهل السُّنة ، فاعلم أن الأمر ثابت في كتب الشيعة أيضاً ، وموافق للحكم الذي جاء عند أهل السّنة ، فلقد جاء في كتاب الغارات للثقفي ( 1/244 ) ومستدرك الوسائل ( 1/44 ) : أن عليَّا كتب إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر ... « ثم الوضوء فإنه من تمام الصلاة ، اغسل كفيك ثلاث مرات وتمضمض ثلاث مرات واستنشق ثلاث مرات واغسل وجهك ثلاث مرات إلى المرفق ثم امسح رأسك ثم اغسل رجلك اليمنى ثلاث مرات ثم اغسل رجلك اليسرى ثلاث مرات ، فإني رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم هكذا يتوضأ ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « الوضوء نصف الدين » .
وجاء في كتاب الاستبصار للطوسي ( 1/65 ) بسنده عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال : جلست أتوضأ فأقبل رسول الله صلى اللّه عليه وسلم حين ابتدأت في الوضوء فقال لي : « تمضمض واستنشق واسنن ثم اغسل ثلاثاً ، فقال : قد يجزيك من ذلك المرتان ، فغسلت ذراعي ومسحت رأسي مرتين ، فقال : قد يجزيك من ذلك المرة ، وغسلت قدمي ، فقال لي : « يا علي خلل بين الأصابع لا تخلل بالنار » .
وهذا الأثر ذُكر أيضاً في تهذيب الأحكام ( 1/93 ) ووسائل الشيعة للحر العاملي ( 1/296 ) .
حيدر : الذى بلغني عن العلماء الثقات والأئمة العدول أن جميع الأحاديث الواردة في غسل الرجلين باطلة ، ولا يلتفت اليها .
خالد : الكتب السابقة هي الكتب التي ينبغي الرجوع إليها في الخلاف وليست الكتب المعاصرة التي غالب أهلها قليلوا البضاعة في العلم ، والغسل للرجلين جاء في أصح كتب الشيعة وهو فروع الكافي ( 3/35 ) فجاء عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إذا نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثم ذراعك بعد الوجه ، فإن أنت بدأت بذراعك اليسرى قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثم اغسل اليسار ، وإن أنت نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك » ، وهذه الرواية ذكرها الطوسي في تهذيب الأحكام ( 1/99 ) .
فالأمر واضح جلي لا لبس فيه لمن سعى خلف الحق وأخلص النية ، ولم يتبع قول ذلك الذي ينكر كل شيء وينقاد فقط خلف هواه ومعتقده وإن جانب الصواب .
علي ولي الله
حيدر : أجد من بعض الإخوة السنة امتعاضاً وعبوساً في وجوههم ، كلما رفع إخوانهم الشيعة النداء بالصلاة ، دلالة منهم على استنكارهم لمقولة صادقة في الأذان وهي : « أشهد أن علياً ولي الله » .
خالد : إليك أخي الكريم بعضاً من الحقائق التي لابد أن تؤصّل في النفوس :
1 - الأذان عبادة توقيفية ، وهو دعاء مخصوص ، في وقت مخصوص ، لسبب مخصوص ، بكيفية مخصوصة ، فلا زيادة ولا نقصان فيه ، ولا شأن للنيات الطيبة في استحسان أو وضع ما تشاء في هذا الذكر المبارك .
2 - الوَلاية هي محبة من الله تعالى لأحد عباده بسبب طاعته لله ولرسوله ، والوَلاية ليست حصراً على فرد دون غيره ، لأننا نحتاج إلى سند شرعي على التخصيص ، ولا يكون التحديد وفق هوى عاطفي .
والصحابة مرضي عنهم بنص القرآن ، فهل نقحم أسماءهم في الأذان ؟
3 - البعض يضع اسم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في الأذان ، بسبب الظلم الذي وقع عليه ، وأن الخلافة قد اغتصبت منه ، ومنذ متى كان الظلم سبباً مقنعاً للزيادة في النصوص الشرعية الثابتة ؟ وإلا لكان أدنى ظلم ، دافعاً لصاحبه إلى قول ما يشاء على الله ، والله يقول : { قُلْ إنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } ( آل عمران : 31 ) .
4 - جاء في كتاب مستمسك العروة الوثقى لعلامة الشيعة السيد محسن الحكيم ( 5/437 ) ما يلي : « هذا هو الأذان الصحيح ، لا يُزاد فيه ولا يُنقص منه ، والمفوضة لعنهم الله قد وضعو أخباراً زادوا بها في الأذان « محمد وآل محمد خير البرية » مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد « أشهد أن محمداً رسول الله » « أشهد أن علياً ولي الله » مرتين .
ومنهم من روى بدل ذلك « أشهد أن عليَا أمير المؤمنين حقاً » مرتين ، ولاشك أن عليًا ولي الله وأمير المؤمنين حقاً ، وأن محمداً وآله صلى الله عليهم خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان » ، وهذا القول أيضاً مذكور في كتاب من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي ( 1/188 ) .
5 - لو أن كل مسلم أعلن في الأذان المبادئ التي يريد الإفصاح عنها ، لكان الأذان بعد سنين عديدة يملأ مجلداً أو عدة كتب ، ولا يوافق على ذلك عاقل !
فعلى ضوء هذا ، ينبغي علينا التقيد بما ورد ، وكما نعلم فإن الأذان والصلاة والوضوء من أشهر العبادات التي وقعت في زمن النبوة ، وعلمها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، فما الذي خفي عليهم رضي اللهَ عنهم فعلمه الذين من بعدهم ؟
حيدر : الخلفاء الثلاثة الأول ، لم يُظهروا هذا الأمئرعلى الملأ من المسلمين .
خالد : جاء من بعدهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وحكم قرابة أربع سنوات فما الذي منعه من أن يُظهر هذا الأمر ، وهو رضي الله عنه في الكوفة بين مناصريه ومؤيديه !!
ولكنه رضي الله عنه تمسك بالحق ، وهو ما كان عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وسار عليه من بعده الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم أجمعين .
التكتف في الصلاة
حيدر : لا أعلم لماذا تتكتفون في الصلاة ، وتضعون أيديكم اليمنى على اليسرى ، وهذا الأمر لم تأتِ به الشريعة .
خالد : المسلم يعلم يقيناً بأن خير الهدي هدي محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ويتذكر في الصلاة الحديث الصحيح المشهور : « صلوا كما رأيتموني أصلي » ، ومن المعلوم بداهة في الدين الإسلامي أن أشهر عبادة فعلها النبي صلى اللّه عليه وسلم هي الصلاة ، وقد نقل الصحابة رضوان الله عليهم هذا الأمر مثل ما ذكر البخاري في صحيحه تحت باب « وضع اليمنى على اليسرى » عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : « كان الناس يُؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة » .
وجاء أيضاً في سنن أبي داود حديث : « إن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشدّ بهما على صدره وهو في الصلاة » وأخرج الإمام أحمد بن حنبل من حديث قبيصة عن أبيه قال : « رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره ، ورأيته يضع هذه على صدره ، وصَفّ يحي ( راوي الحديث ) اليمنى على اليسرى فوق المفصل » .
حيدر : وماذا نقول للذى لا يفعل هذا الأمر !
خالد : الأمر لا يبلغ إلى حد اللوم أو الجهالة على المسلمين كما جاء في كتاب تحرير الوسيلة للخميني ( 1/186 ) : « التكفير هو وضع إحدى اليدين على الأخرى نحو ما يضعه غيرنا ( أهل السُّنة ) ، ولا بأس به حال التقية » .
بل نعذره لأن وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة من المستحبات وليس من الواجبات أو الأركان ، ولكن يحذر المسلم أن لا يطبق شيء من هدي النبي صلى اللّه عليه وسلم وفعله فقط لأجل مخالفة مَن يكره ، من غير مذهبه ، فالحق أحق أن يُتبع .
الجمع بين الصلاتين
خالد : لا زلت أراك حريصاً على الجمع بين الصلوات ، وإن لم يكن هناك من عذر أو حاجة ضرورية تدعوك إلى الجمع !
حيدر : حِرصُ الشيعة على الجمع بين الصلوات في الأوقات المفروضة ، نابع من تحريهم للحق الثابت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فلمَ نجده يقُابَل بالاستنكار من بعض السنة ؟ والشيعة فعلهم موافق تماماً لقوله تعالى : { أَقِم الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودا } (الإسراء : 78 .) وموافق للحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال : « جمع رسول الله صلى اللّه عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر » .
خالد : الأحكام الشرعية نرجع فيها إلى المصادر الأصلية ، وإلى فهم العلماء ، فقد جاء في تفسير بيان السعادة للحاج سلطان الجنابذي الشيعي ( 2/450 ) ما يلي : « ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) اللام بمعنى في ، أي في وقت دلوك الشمس وزوالها ( إلى غسق الليل ) إلى شدة ظلمته ، وفسر في الأخبار بانتصاف الليل ، وقد بين الآية في الأخبار بالصلوات الأربع ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء ( وقرآن الفجر ) وقت اجتماع الفجر باعتراضه في الأفق إشارة إلى صلاة الصبح » .
حيدر : ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك خمس صلوات ، اثنتان تؤديان في وقت متشابك ، واثنتان في وقت متشابك آخر ويتبقى لدينا الصبح تؤدى في وقت منفرد .
خالد : ما ذكرته قد يقوله مَنْ لم ينظر إلى بقية أقوال العلماء ، فقد جاء في تفسير كنز الدقائق للميرزا محمد المشهدي القمي ( 5/584 ) بيان لتفصيل الصلوات في أوقاتها فمن ذلك : « وفي مَن لا يحضره الفقيه : وروى بكر بن محمد عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال : وأول وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلي غسق الليل ، يعني نصف الليل » .
ثم قال المشهدي : « وفي الكافي : ... عن يزيد بن خليفة قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال أبوعبدالله ( عليه السلام ) : إذاً لا يكذب علينا ، قلت : ذكر أنك قلت إن أول صلاة افترضها الله على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) الظهر ، وهو قول الله ( عز وجل ) : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر } فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ، ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة ، وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر ، فلم يزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين ، وذلك المساء ، فقال : صدق » .
وراجع تفسير كنز الدقائق ( 5/486 ) لتقرأ حديث الحسن بن عبدالله عن آبائه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وحين أجاب اليهود عن الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى جعل للصلوات خمس مواقيت .
حيدر : وما قولك في حديث ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد جمع بين الصلوات من غير عذر ؟
خالد : ما ذكرت من الأدلة صحيح ، ولكن ما شأنها مع الصلوات الخمس اليومية ؟ لذا ينبغي علينا أن نتذكر الآتي :
ا - الصلاة من أشهر العبادات التي فعلها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، لهذا لم نجد لبساً فيها عند الصحابة في شروطها وأركانها وواجباتها ...
2 - فعل النبي عليه الصلاة والسلام يوضح أو يخصص المجمل أو العام الذي في القرآن ، والأوقات المذكورة في الآية هي الأوقات الأساسية من حيث إن هناك صلاة للنهار وصلاة لليل ، وصلاة ، بينهما وهي الفجر .
والتفصيل أتى من النبي صلى اللّه عليه وسلم ، مثل ما فصّل في نصاب الزكاة وكيفية الحج والعمرة ، وعدد ركعات الصلاة وغيرها من العبادات .
3 - حديث ابن عباس رضي الله عنه واضح في أنه ذكر الحالات التي يُباح الجمع فيها من فعل النبي صلى اللّه عليه وسلم ومنها الخوف والمطر ، فلمّا فعل صلى اللّه عليه وسلم أمراً جديداً ، بينّ ابن عباس السبب بقوله : « لئلا يُحرّج ( يشق ) على أمته » .
حيدر : يفُهم من هذا الأمر أنه لا حرج ولا لوم على من أخذ برخصة الجمع في الصلوات المفروضة اقتداء بفعل النبي صلى اللّه عليه وسلم .
خالد : الرخصة تُأخذ بقدرها ، والجمع من غير سبب مسوغ على الدوام عليه ، مخالف لما واظب عليه النبي عليه الصلاة والسلام ، والدليل على ذلك ما جاء في الوسائل ( 5/227 ) أن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه كتب لمحمد بن أبي بكر عندما ولاه على مصر : « وانظر إلى صلاتك كيف هي ، فإنك إمام لقومك ، ثم ارتقب وقت الصلاة فصلها لوقتها ، ولا تعجل بها قبله لفراغ ، ولا تؤخرها عنه لشغل ، فإن رجلاً سأل رسول الله صلى اللّه عليه وسلم عن أوقات الصلاة فقال : « أتاني جبريل ( ع ) فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ، ثم أراني وقت العصر وكان ظل كل شيء مثله ، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس ، ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق ، ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة ، فصلِ لهذه الأوقات والزم السُّنة المعروفة والطريق الواضح » .
فإذا كانت هذه الآثار دالةً على الفعل الصحيح ، فعلى أي أساس إذن يقوم الشيعة دائماً بالجمع بين الصلاتين ؟ !
وهناك من يزعم أن علياً رضي الله عنه قد رد الشمس من مغربها لأداء صلاة العصر ، فهو إذاً يصليها لوحدها وليست جمعاً مع الظهر .
أليس من مظاهر توحد القلوب توحد الأفعال الظاهرة وتشابهها ؟
بناء المساجد
حيدر : لا زلت أعجب لحال البعض من إخواننا السُّنة ، على معارضتهم الدائمة لإخوانهم الشيعة ، من السماح لهم ببناء مساجد لهم في مناطق الكويت .
خالد : وأنا أيضاً أخي الكريم ، أعجب من إخواننا الشيعة في استمرار مطالبتهم للحكومة في بناء مساجد لهم !
حيدر : سبحان الله ، وهل تريد أن تمنع مساجد الله من أن يذُكر فيها اسم الله وأن يعُبد فيها ؟
خالد : من خلال الحوار الذي يجري بيننا ، هل تشعر أن هناك من اختلافاً بين الشيعة والسُّنة يا أخ حيدر ؟
حيدر : وفق ما ذكرت من دلائل ، فليس هناك فرق ، ولله الحمد .
خالد : إذن ، لم الحاجة في تخصيص مسجد للسُّنة وآخر للشيعة ، وأنت قد علمت على ضوء ما تم نقاشه ، كيف أن الدين واحد ، والهدي النبوي واحد ، فلِمَ التفرق ؟
حيدر : وهل تظن أن الإخوة الشيعة ، لو دخلوا مسجداً من مساجد السنة ، فسيجدون الترحاب وعدم الإنكار ؟
خالد : أقسم بالله ، إنهم سيجدون كل محبة وتوقير ، لكل من يدخل بيت الله طائعاً لله ، يريد عبادة الله والصلاة له سبحانه ، وفق هدي المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ، ووفق ما نقله إلينا أحبابه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .
حيدر : ولكن الواقع يخبرنا بأن صلاة الشيعة ووضوءهم يختلف عن إخواننا السنة !
خالد : من خلال هذا الحوار الذي نستمتع به ، هل أجدك مقتنعاً بهذا الواقع المخالف للأدلة من كتب العلماء المعتمدة ، أم أنك تعتمد على تلك الروايات التي تفرّق بين المسلمين ؟
حيدر : لا والله ، أنا على اقتناع بما نقله إلينا العلماء في كتب الحديث المعتمدة ، كالكافي ومن لا يحضره الفقيه وغيرها ، بل إن جمع شمل أهل الإسلام هو أقصى ما أتمناه في هذه الساعة .
خالد : وعلى هذا تعلم يا أخي حيدر ، أن من يعارض إقامة مساجد منفصلة للشيعة ، إنما يعارض هذا التنافر في جعل أهل القبلة الواحدة يتفرقون في أعظم العبادات وهي الصلاة ، ويتمكن من بعد ذلك الشقاق والتنافر بين الجيران من الشيعة والسُّنة ، وليس القصد من المعارضة الوقوف في وجه إخوة لهم في المنطقة الواحدة ، وهل قرأت عن مسجد تم بناؤه من قبل الحكومة أنه خصص لطائفة معينة دون غيرها ؟
وأيضاً أليس دلالة الاتحاد والتماسك في القلوب يتمثل باتحادنا في باطننا ، والذي يتحقق بالصلاة والدعاء في بيت واحد يجمع أهل الحي الواحد ، وفق ما ثبت لنا بالنص الصحيح عن كيفية صلاة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ونقله إلينا الصحابة رضي الله عنهم .
رؤية الهلال
حيدر : أرى من بعض الإخوة السُّنة تساهلاً واضحاً في قضية تعُد عند جمع من العلماء من أهم الأحكام الفقهية ، ألا وهي قضية وقت الصيام والإفطار في رمضان .
خالد : وكيف يقع مثل هذا التساهل إن التزم المسلم بالأحاديث الواردة عن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كحديث : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته » .
حيدر : نجد أن هناك مَن يستعجل بالإفطار قبل أن يدخل الليل ، فما أن تغيب الشمس نجده يبادر فوراً إلى الأكل والشرب ، وهذا مخالف لقوله تعالى : { ثمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ } (البقرة : 187) ومعلوم أن الليل إنما يتبين إذا غاب في السماء .
خالد : هذا القول من أعجب ما سمعت ، وللعلم فإنه مخالف لما ذهب إليه علماء الشيعة والسُّنه في كتبهم .
حيدر : لم أقل هذه المقولة إلا نقلاً عن الأئمة المعتبرين .
خالد : أنت لم تنقل هذه الفتوى مباشرة من الكتب أليس كذلك يا أخ حيدر ؟ حيدر : الأمر كما تقول ، فلقد سمعتها من أحد علماء الدين في الحسينية قبل رمضان ، ونقلتها إليك كما حدثنا الشيخ .
خالد : يا ليتك رجعت وبحثت هذه القضية من أحد الكتب المعتمدة ، والأمر الصحيح كما سأخبرك ، جاء في وسائل الشيعة ( 7/90 ) عن الصادق قال : « إذا غابت الشمس ، فقد حل الإفطار ووجبت الصلاة » .
وروى الحر العاملي في الوسائل أيضاً ( 7/87 ) عن زرارة قال : قال أبوجعفر عليه السلام : « وقت المغرب إذا غاب القرص » .
وجاء في كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه ( 1/142 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « كان رسول الله !صلى اللّه عليه وسلم يصلي المغرب ، ويصلي معه حي من الأنصار يُقال لهم بنو سلمه ، منازلهم على نصف ميل ، فيصلون معه ، ثم ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع سهامهم » .
ونقل عن الشيخ البروجردي في جامع أحاديث الشيعة ( 9/165 ) عن صاحب الدعائم قوله : « روينا عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين بإجماع فيما علمناه من الرواة عنهم ، أن دخول الليل الذي يحل الفطر للصائم هو غياب الشمس في أفق المغرب بلا حائل دونها يسترها من جبل أو حائط ولا غير ذلك ، فإذا غاب القرص في الأفق فقد دخل الليل وحل الفطر » .
بل أفعال الأئمة تشهد على حرصهم على هدي أبي القاسم صلى اللّه عليه وسلم مثل ما جاء في وسائل الشيعة ( 7/91 ) وجامع أحاديث الشيعة ( 9/166 ) عن حسين ابن أبي العرندس قال : رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام في المسجد الحرام في شهر رمضان ، وأتاه غلام له أسود بين ثوبين أبيضين ومعه قلة وقدح ، فحين قال المؤذن : الله أكبر ، صب له وناوله وشرب .
حيدر : إذن الإسراع في الفطر هو الأصل في هذه العبادة ، والاحتياط على ضوء ما ذكرت تكلفٌ في غير محله .
خالد : الاحتياط من العبد في دينه دليل على ورعه ، وخوفه من الله ، ولا يكون هذا الاحتياط بتأخير المواقيت أو تقديمها ، كالإفطار والصلاة وغيرها ، ولكن بالتأكد من سماع المؤذن وهو يعلن دخول المغرب ، وبالتأكد من أن الفجر دخل بسماع الأذان والمسلم مأمور باتباع ما ثبت عن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ونَقَله إلينا الأئمة الأعلام ، وليس هناك أجمل من توحد المسلمين في صلاتهم وصيامهم وفرحهم في الأعياد ، ليكونوا جسداً واحداً ، يسير وفق مرضاة الله ، وعلى نور من الله ، لينالوا حب الله سبحانه .
مشاورة النساء
حيدر : الحياة يا أخي أصبحت معقدة ، وتحتاج إلى مزيد من التعاون والبذل بين الرجل والمرأة .
خالد : التعاون والتفاهم والمشاركة في أعباء الحياة ، هدف نبيل ومقصد مبارك ، ينبغي أن يتحلى به الزوج مع الزوجة ، لمجابهة الحياة ومشاقها ، ولتأسيس بيت يحبه الله تعالى .
حيدر : ليس هذا ما عنيته ، ولكن التعاون والتفاهم في تحمل المسئولية السياسية ، وصنع القرار المناسب في البلد .
خالد : هل بالإمكان توضيح المقصد ؟
حيدر : أعني أن المرأة قد أثبتت كفاءتها في تحمل المسئولية ، ونالت من العلم أفضل المراتب والشهادات ، وكل هذه الأمور دالة على جودة عقلها ، وأنها جديرة بأخذ رأيها في تشريع القوانين النافعة لبلدنا الحبيب الكويت ، ووفق ما أعلم ، فليس هناك من مانع شرعي حيال هذا الأمر !
خالد : يا أخ حيدر ، لنأخذ الأمر بروية ، قبل أن تجرفنا العاطفة ، هل هذه القضية ، وهي مشاركة المرأة للرجل في تشريع القوانين ، والتي نصطلح عليه باختصار في الكويت بـ « المجلس البرلماني » ، هل كانت وليدة الزمن الحاضر ، أو لها جذور وارتباط بشريعتنا السمحاء ؟
حيدر : هي وليدة الزمن الحاضر منذ أن تم وضع الدستور في الكويت ، ولم يعهد لها سابق أمر في الدين الإسلامي .
خالد : لنراجع التاريخ قليلاً ، ولنتذكر كيف وصل الصديق ( رضي الله عنه ) إلى الخلافة ، أليس بانتخاب الصحابة ( رضي الله عنهم ) ومبايعتهم له ، أليست هذه صورة من صور الانتخاب ؟ كيف بلغ عثمان رضي الله عنه إلى سُدة الحكم ، أليس بترشيح من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ؟ ثم باختيار أهل المدينة له من بين الستة نفر من المرشحين ، فإذاً قضية الانتخاب والترشيح ليست بدعة جديدة طارئة علينا ، نحتاج فيها إلى رؤية جديدة .
حيدر : ولكن في ضوء تلك الممارسات ، أما كان للمرأة من مساهمة وتفاعل !
خالد : الصحابة رضوان عليهم علموا حق العلم ، دور المرأة الصحيح في المجتمع ، وكذلك الصحابيات رضي الله عنهن علمن ما هو دورهن في مسألة انتخاب خليفة المسلمين ، فعلمن أنهن غير مأمورات بمزاحمة الرجال في هذا المجال ، والواجب عليهن هو ملازمة البيوت .
حيدر : إذاً الأمر ليس فيه نص شرعي قاطع بعدم ترشيح المرأة أو انتخابها أو مشاورتها في تشريع القوانين !
خالد : أما عن النصوص الشرعية الدالة على عدم الجواز ، فمن ذلك ما ذكره الإمام البخاري ( رحمه الله ) في صحيحه من قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : « ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » ، وذلك بمقابل ما فعله الفرس من تولي زمام الحكم عندهم لامرأة .
ونص مشابه لهذا النص ذكره الحاج حسين الطبرسي في مستدرك الوسائل ( 14/263 ) قال : دخل الغاضري على الحسن عليه السلام فقال : « إني عصيت رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : بئس ما عملت ، كيف ؟ قال : قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم : لا يفلح قوم مُلكت عليهم امرأة ، وقد ملكت عليّ امرأتي ، وأمرتني أن أشتري عبداً ، فاشتريته فأبق مني ..... » .
فإذا كان هذا الرجل ظن أنه عصى النبي صلى اللّه عليه وسلم لاستماعه إلى رأي زوجته في أمر المنزل ، فماذا نقول للذي يملّكها زمام حياته كلها لتشرع له جميع القوانين ؟ !
بل لقد بلغ الترهيب من مشاورة النساء في المذهب الشيعي إلى اللعن !
حيدر : سبحان الله ، إلى هذا الحد من المنع !
خالد : نعم ، فقد جاء في فروع الكافي ( 5/517 ) قول أمير المؤمنين عليه السلام : « كلُّ امرئ تدبره امرأة ، فهو ملعون » .
وجاء في مستدرك الوسائل ( 4 1/261 ) وبحار الأنوار ( 53 1/223 ) عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : « لا تطيعوا النساء على حال ، ولا تأمنوهن على مال ، ولا تثقوا بهن في الفعال ، فإنهن لا عهد لهن عند عاهدهن ، ولا ورع لهن عند حاجتهن » .
وجاء أيضاً في فروع الكافي ( 5/516 ) قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : « طاعة المرأة ندامة » .
حيدر : لعل الأمر لا يصل إلى حد منع المشاورة مع النساء !
خالد : حتى المشاورة جاء المنع فيها في المذهب الشيعي ، وهذا المنع ثابت في كتاب فروع الكافي عن أبي جعفر رحمه الله تعالى بقوله : « لا تشاوروهن في النجوى ، ولا تطيعوهن في ذي قرابة » ، وجاء في حاشية الكتاب معنى النجوى : أي الأمر الذي ينبغي إخفاؤه ، فإنهن يفشين ذلك .
وجاء عن أبي عبدالله قوله : « إياكم ومشاورة النساء ، فإن فيهن الضعف والوهن والعجز » ، أو مقولة : شاوروهن وخالفوهن .
حيدر : المرأة قد حازت في زمننا الحاضر ، أعلى المناصب في الوظيفة ، وكان لها الدور الفعال في مجريات الأحداث ، فكيف نغفل من دورها في المجتمع ، ونمنعها من أن تتولى أمور الولاية !
خالد : ما يميز أهل الإسلام تقيدهم الوثيق بدينهم وشرعهم ، وإن خالف هواهم أو ما عليه الكثير من الناس ، وخاصة أهل الباطل ، وقد جاء النص صريحاً في كتب الشيعة المعتمدة من عدم جواز تولي المرأة أي شيء يتعلق بالولاية العامة ، مثل القضاء والوزارة والحكم ، ففي كتاب بحار الأنوار (103/254 ) من وصية النبي صلى اللّه عليه وسلم لعلي عليه السلام : « يا علي ليس للنساء جمعة ولا جماعة .... ثم قال : ولا تولى القضاء ولا تستشار » .
وهذه النصيحة وصى بها الصادق رحمه الله كما جاء في بحار الأنوار بقوله : « ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا جماعة .... ثم قال : ولا تولى القضاء ولا تولى الإمارة ولا تستشار ... » .
فأظن أنه ليس بعد هذا الوضوح من توضيح يا أخ حيدر .
حيدر : هل أفهم أن المرأة لا دور لها في المجتمع ؟
خالد : لم يقل هذا أحد من المسملين ، فالمرأة نصف المجتمع ، ولها دور مهم وعظيم في بناء المجتمع ، مثل تنشئة الأولاد وحفظ البيت ورعاية الزوج ، ولقد جاء في بحار الأنوار ( 103/245 ) : « إن جهاد المرأة حسن التبعل » ، فلهذا لم يكن أمر الله سبحانه للنساء عامة ولنساء النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة بالاستقرار في البيت إلا لأمر عظيم ومقصد كبير واضح لمَنْ تفكر فيه .
حيدر : البعض من الناس ، يظن أن عدم إعطاء المرأة حقها السياسي بالانتخاب والترشيح يعد احتقاراً لها ونقصاً في كرامتها .
خالد : هذا من التناقض العجيب ، ومن هو الذي منحها مثل هذا الحق ، حتى نقول إن لها حقاً سياسياً ، سلبه منها ، فيحاول البعض إرجاعه إليها !
وأيضاً هل إبعاد المرأة عن معارك الكلام والتجريح الانتخابي ، يعد تحقيراً لها ! بل هو تكريم وتشريف لها ، وصيانة لها عن مواقع الشبهة ، فإننا نعلم جميعاً أن أيام الانتخابات ، في أي بقعة من العالم ، قلما تخلو من تجريح أو قذف أو إشاعة مغرضة تمس الأعراض أو النوايا للمرشحين ، وهذا حاصل بين الرجال ، فما الظن إن نزل مثل هذا الشرر على كريمات الأسر العفيفة ، فهل هناك مَن يرضى بأن تتعرض إحدى نسائه لمثل هذا الكلام الجارح ؟ !
حيدر : أخواتنا النساء ، وخاصة المثقفات ، يردن أن يدُلين بآرائهن المستنيرة التي تنفع البلاد والعباد ، وخاصة في ظل الأوضاع الراهنة المتقلبة .
خالد : الرأي لم يُحجر على أحد ، وكما قيل المرء كثير بإخوانه ، فما علاقة نصح المرأة ، وإدلائها برأيها أو اقتراحاتها ، بالانتخاب والترشيح ؟ وللعلم حتى النصح وإبداء الاقتراحات ، ينبغي ألا يخالف الشرع .
حيدر : وكيف ذلك ؟
خالد : جاءت نصوص واضحة في كتب الشيعة تنص على أن المرأة ينبغي عليها ألا تخرج من منزلها إلا للضرورة ، ولا تتكلم مع الأجانب إلا في حال الضرورة ، فمما جاء في هذا الأمر في كتاب بحار الأنوار ( 103/242 ) : « أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نهى أن تتكلم المرأة عند غير زوجها ، وغير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لابد لها منه » .
ومما أوصى به أمير المؤمنين ابنه الحسن : « أياك ومشاورة النساء ، فإن رأيهن إلى أفن ، وعزمهن إلى وهن ، فاكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن ، فإن شدة الحجاب أبقى عليهن ، وليس خروجك بأشد من إدخالك مَنْ لا يوثق وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل » .
فهذه نصوص لا تُجوِّز للمرأة محادثة الأجانب ، وفي المجلس البرلماني حوار ونقاش وكثرة كلام ، فهل هناك من نصوص شرعية تجوّز لها هذا الأمر ؟
بل إن النبي صلى اللّه عليه وسلم كما ثبت في بحار الأنوار ( 103/250 ) يقول : « النساء عي ( أي جاهلات ) حمقاوات وعورة ، فداووا عيهن بالسكوت ، وعوراتهن بالبيوت » .
حيدر : هناك نماذج وأمثلة باهرة تدل على جواز تولي المرأة للمناصب القيادية أو ما يطلق عليه بالولاية العامة .
خالد : لعلك تعني ملكة سبأ وشجرة الدر ، ومَنْ تولى زمام رئاسة الوزراء من نساء مشركات أو مسلمات في زمننا الحاضر .
حيدر : هذا ما أردت أن أذكره ، فهل نحجب التاريخ ، ونغض الطرف عن مثل هذه النماذج الرائعة وأيضاً مثل مشاركة خولة بنت الأزور للرجال في القتال ؟
خالد : هناك حقائق تاريخية لا ينكرها إلا المكابر ، ولكن لنسأل أنفسنا ، ما علاقة هذه الأمثلة بما ذكرته لك آنفاً من نصوص شرعية من كتب أهل السنة أو الشيعة ، والدالة على تجنيب المرأة الخوض في غمار الترشيح والانتخاب ؟
فهل نحن مأمورون بشرع ملكة سبأ الكافرة في اليمن ؟ والتي لما تبين لها الحق دخلت في الإسلام مع نبي الله سليمان ، وكانت بعد ذلك تحت أمره وحكمه ، وهل نحن مأمورون بأن تقتدي نساؤنا بشجرة الدر ، والتي حاولت أن تخفي موت الملك ليستمر لها تنفيذ ما تريد في الحكم ، فهل تمت مبايعتها على الحكم من الشعب ، أم أن الأمر حازته لفترة قصيرة بالكذب والخداع ، ثم عوقبت من جراء ما فعلته من خديعة .
وهل بلغ بنا الحد من الجهل حتى نستدل بشخصيات وهمية وأسماء لا وجود لها في التاريخ مثل اسم خولة بنت الأزور في تنظيم حياتنا ؟
وما شأننا بأحوال الكفار في الغرب أو الشرق أليس لنا دين يعصم أمرنا ويقود حياتنا أم أننا نتبع كل ناعق بما يقول ؟
حيدر : على ضوء ما ذكرت ، يتبين لي أن المذاهب الإسلامية جميعها تُبعد المرأة من الولاية العامة ، والمتمثةا بتشريع القوانن أو القضاء وما شابهه .
خالد : لا أقول جميع المذاهب ، ولكن أهل السُّنة وكذلك الشيعة الإمامية لديهم الأدلة الواضحة على أن المرأة لا يجوز لها أن ترشح نفسها في مجلس الأمة أو المجالس التشريعية التي تحمل صفة الولاية العامة للأمة ، وهذا الأمر مناط بالرجل وحده ، وذلك لحكم النبي صلى اللّه عليه وسلم على المرأة بأنها ضعيفة ، وكما قال علي رضي الله عنه : « جمال الرجال في عقولهم » ، فلمَ لا نصون هذه الجوهرة ونحفظها في مملكتها ، والتي تهتم فيها ببيتها وزَوجها وأولادها ، الذين هم أس المجتمع وعماده ؟ ولنعلم أن حق الزوج عليها كبير كما جاء في بحار الأنوار ( 103/247 ) قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : « لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها » .
فلنتقِ الله ولا نُخرج المرأة الضعيفة من بيتها ، الذي هو سترها وحياؤها وجمالها ، إلى وحل السياسة ، والذي زلت فيه أقدام فرسان وشجعان .
توقير آل البيت رضوان الله عليهم
حيدر : آل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم ، حبهم وتوقيرهم ونصرتهم ، ودفع السوء عنهم أمر واجب مفترض على كل مسلم .
خالد : هذا الأمر مجمع عليه بين المسلمين من وجوب نصر آل بيت المصطفى صلى اللّه عليه وسلم من نسل علي أو جعفر أو عقيل أو كل بني هاشم وقيل معهم بنو المطلب بن عبدمناف ، مع زوجات النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ولا نلتفت إلى أقوال الشواذ ممن أنقصوا من قدر آل البيت أو قللوا من شأنهم ، وننبذ الروايات التي تحط من منزلتهم.
حيدر : مثل هذه الروايات السقيمة في فحواها لن تجدها إلا في كتب شاذة لا يلتفت لمؤلفيها ، بل هم مغمورون لا يأبه بهم .
خالد : أبداً ! بل هم من أوثق الرواة وأجل العلماء عند أصحابهم ، ولأضرب لك بعض الأمثلة :
* جاء في « رجال الكشي » وفي معجم رجال الحديث للخوئي عن زياد بن أبي الحلال قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئاً فقبلناه منه وصدقناه ، وقد أحببت أن أعرضه عليك فقال :
هاته ، فقلت : يزعم أنه سألك عن قول الله - عز وجل - : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } ( آل عمران : 97) ، فقلت : من زاد وراحلة ، فقال ( أي زرارة ) : كل من ملك زاداً أو راحلة فهو مستطيع للحج وإن لم يحج ؟ فقلت له : نعم . فقال أبو عبدالله : « ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت ، كذب علي والله ، كذب علي والله ، كذب علي والله ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، إنما قال لي : من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج ؟ قلت : قد وجب عليه . قال ( أي زرارة ) : فمستطيع هو ؟ فقلت : لا ، حتى يؤذن له » . قلت ( أي زياد ) : فَأخْبر زرارة بذلك ؟ قال : نعم . قال زياد : فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبوعبد الله ، وسكتُّ عن لعنه قال ( أي زرارة ) : أما إنه أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم ، وصاحبكم هذا ( أي أبا عبدالله ) ليس له بُعد ( بصر ) بكلام الرجال . وجاء أيضاً في كتاب تنقيح المقال أن زرارة قال عن الباقر والصادق : رحم الله أبا جعفر ، وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة ، فقلت له ( أي راوي الحديث ) : وما حمل زرارة على هذا ؟ قال : حمله على هذا أن أبا عبدالله أخرج مخازيه .
وللعلم فـ ( زرارة ) هذا يعد أكثر الرجال رواية لأحاديث آل البيت وأوثقهم .
حيدر : هل حكم أحد من العلماء على مثل هذه الروايات بعدم القبول ؟
خالد : لم أعهد أن هناك كتباً فندت مثل هذه الروايات ، وللعلم فإن هذه الروايات لا تحتمل التقية ، لأن السؤال خرج من أحد شيعة المذهب ، وليس من رجل عامي ، يُتقى من أمره .
وحب الآل واجب على كل مسلم كما قال الصديق ( رضي الله عنه ) : « فوالله لإن أصل آل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم أحب اليَّ من أن أصل قرابتي » .
وكما قال الإمام الذهبي في كتابه المنصف القيم « سير أعلام النبلاء » في ( ج 13/120 ، 121 ) مبيناً اعتقاد أهل السُّنة في أئمة آل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال رحمه الله تعالى : « فمولانا علي من الخلفاء الراشدين ، المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم ، نحبه أشد الحب ، ولا ندعي عصمته ولا عصمة أبي بكر الصديق ، وابناه الحسن والحسين ، سبطا رسول الله صلى اللّه عليه وسلم وسيدا شباب أهل الجنة ، لو استُخلفا لكانا أهلاً لذلك .
وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة العلماء العاملين ، يصلح للإمامة ، وله نظراء ، وغيره أكثر فتوى منه ، وأكثر رواية .
وكذلك ابنه أبوجعفر الباقر : سيدٌ ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة .
وكذا ولده جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور .
وكان ولده موسى : كبير القدر ، جيد العلم ، أولى بالخلافة من هارون ، وله نظراء في الشرف والفضل .
وابنه علي بن موسى الرضا : كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيره المأمون ولي عهده لجلالته ، فتُوفي سنة ثلاث ومائتين .
وابنه محمد الجواد : من سادة قومه ، لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه . وكذا ولده الملقب بالهادي : شريف جليل.
وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري ( رحمهم الله تعالى ) فأما محمد بن الحسن ، خاتمة الإثنى عشر سيد ، الذي تدعي الإمامية عصمتهم - ولا عصمة إلا لنبي - الذين يزعمون أنه الخلف ، الحجة ، وأنه صاحب الزمان ، وأنه صاحب السرداب بسامراء ، وأنه حي لا يموت حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً وقِسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ، فوددنا ذلك - والله - وهم بانتظاره من أربعمائة سنة ( وقت الإمام الذهبي ) ومن أحالك على غائب لم ينصفك ، فكيف بمن أحالك على مستحيل ؟ والإنصاف عزيز ، فنعوذ بالله من الجهل والهوى » .
والله نسأل أن يوفقنا إلى الحق والإنصاف دائماً .
مسلم وكافر
خالد : من أقسى الأمور وقعاً على نفس المسلم ، أن يجد الإنسان أناساً من المسلمين ، يقذفون بالكلام الشنيع على عوام المسلمين !
حيدر : هذا أمر خطير والواجب على المسلم أن يحُب لأخيه ما يحب لنفسه .
خالد : إطلاق كلمة الكفر والضلال ، على عباد الله أمر كبير وخطير ، ينبغي على المسلم أن يتثبت من هذه الكلمة ، قبل أن يرسلها على أحد من الخلق .
حيدر : قلوب الشيعة ولله الحمد ، تمتلئ بالحب والتسامح مع بقية الخلق ، وحتى مع المخالفين ، وكما يقال : الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية .
خالد : هذا الأمر واقعياً غير متحقق يا أخ حيدر .
حيدر : بيّن ما ترمي إليه ، فالمثال يفسر المقال .
خالد : حسب ما أقرأ ، فإن علماء الشيعة قد كفَّروا كُلَّ مَن لم يدخل في مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية .
حيدر : إن كان ما تقول صواباً ، فوالله إن هذا لهو الافتراء الشنيع الذي لم يسُبق إليه أحد .
خالد : جاء في كتاب « رجال الكشي (6) » بسنده عن « ... حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم إلا ثلاثة ، فقلت : ومن الثلاثة ؟ فقال : المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، ثم عرف الناس بعد يسير ، وقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا ، وأبوا أن يبايعوا لأبي بكر ، حتى جاءوا بأمير المؤمنين ، مكرهاً فبايع » .
ولربما زاد العدد في بعض الروايات فبلغ السبعة ، وأما البقية من الصحابة ، فتقول الروايات أنهم قد هلكوا !
حيدر : ولكن الذين كانوا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع قد ناهزعددهم المائة ألف مسلم ، فأين هم؟
خالد : سؤالك سديد ، والروايات الشيعية تجيب عليه ، مثل الرواية السابقة ، ولم يقتصر الحكم بالتكفير على الصحابة فقط ، بل تجاوزه إلى تكفير ولعن أهل الإسلام في كل زمان ومكان !
حيدر : المسلمون كما أخبر الله إخوة متحابون ، فكيف يأتي إنسان ويكفرهم ؟
خالد : التكفير واقع لاشك فيه على كل مَنْ لم يعتقد إمامة الأئمة مثل ما ذكر البحراني في الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ( 18/153 ) : « وليت شعري أي فرق بين مَن كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله ، وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام ، مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين » .
وبيّن الملا محمد المجلسي في بحار الأنوار ( 23/390 ) نتيجة تكفير منكر الإمامة فقال : « اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على مَن لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام وفضّل عليهم غيرهم ، يدل أنهم مخلدون في النار » .
وقال ابن بابويه في الاعتقادات ( 112 ) : « فمن ادعى الإمامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون ، ومن وضع الإمامة في غير أهلها ، فهو ظالم ملعون » .
فهذا تكفير للحاكم والمحكوم ، من قِبل رجل ظلم أهل الإسلام .
ولم يقتصر الأمر على عوام المسلمين بل تعداه إلى تكفير آل البيت !
حيدر : سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم !!
خالد : المسلم العاقل يسمع ثم يحكم ولا يلقي الكلام جزافاً ، من المعلوم يا أخ حيدر أن ابن عباس من آل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم لأنه ابن عمه ، فماذا تقول فيمن يدعو عليه باللعنة ، وأن يعمي الله بصره وبصيرته هو ووالده ، وأنه سخيف العقل وجاهل ؟
حيدر : أحكم عليه بالجهل وسوء القول .
خالد : إذاً فهذه المقولة موجودة في كتاب تفسير العياشي ( 1/99 ) وكتاب البرهان ( 1/319 ) وتفسير الصافي ( 1/389 ) ، ولم يتوقف التكفير عند حد معين بل اتسعت دائرته لتشمل كل آل البيت إن لم يتبعوا المذهب الإمامي ، فنص صاحب الكافي ( 1/372 ) في رواياته على أن كل مَن لم يؤمن بالإثنى عشر فهو كافر ، وإن كان علوياً فاطمياً .
حيدر : ولكن لربما هذه الأحكام في حق مَن أنكر شيئاً من الدين ، أو جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة ؟
خالد : يا أخ حيدر ، النصوص واضحة ، دالة دلالة لا لبس فيها على أن المؤمن هو الشيعي الاثنى عشري وما سواه - ولا حول ولا قوة إلا بالله - نحكم عليه بالكفر ، ومع أن النبي صلى اللّه عليه وسلم طوال دعوته لم يكفر أحداً من الذين كانوا حوله ، شيوخاً أو شباباً ، رجالاً أو نساءً ممن دخلوا في دين الإسلام بسبب قضية الإمامة أو الجهل فيها ، ولربما يأتيه الأعرابي من الصحراء ويسأل عن الإسلام فيجيبه النبي صلى اللّه عليه وسلم بأمور ليس فيها الإمامة أو ولاية علي رضي الله عنه ، فهل نحن أعلم بالدين من سيد البشر صلى اللّه عليه وسلم ؟ فحذار يا أخ حيدر أن نرسل كلمة الكفر على أحد من أهل التوحيد والصلاة ، فديننا دين خير ومحبة ، وليس دين لعن وتكفيرً بين الأخوة المؤمنين .
التاريخ والبطولات
خالد : تاريخنا يا أخ حيدر ، مليء بنماذج طيبة يُحتذى بها في كل ميدان من ميادين الحياة .
حيدر : وأيضاً يا أخي خالد ، كتب التاريخ ولله الحمد موجودة ومتيسر الحصول عليها ، وفيها التحقيق والتثبت من الروايات .
خالد : أما الكثرة فهي كذلك ، وأما التثبت فيخفى أمره على الكثير من العوام .
حيدر : هلاّ أوضحت هذا الأمر إن أمكن ؟
خالد : كتب التاريخ الماضية ، مثل كتاب إمام المؤرخين محمد بن جرير الطبري ( رحمه الله ) ، لم يشترط فيه ذكر الروايات التاريخية الصحيحة فقط ، ولكنه جمع جُل ما بلغه من روايات ، وذكر اسم الشخص الذي تعوّل عليه الرواية ، فقال ( رحمه الله ) في مقدمة تاريخه ( تاريخ الأمم والملوك ) :
« وليعلم الناظر في كتابنا هذا ، أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكرَه فيه ، مما شرطت أني راسمه فيه ، إنما هو على ما رُويتُ من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه ، واللآثار التي أنا مُسندها إلى رواتها فيه ... ثم يقول : فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه ، أو يستشنعه سامعه ، من أجل أًنه لم يُعرف له وجهاً في الصحة ، ولا معنىً في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يُؤتَ في ذلك من قبَلنا ، وإنما أتي من قبَل بعض ناقليه إلينا ، وإنا إنما أدينا ذلك ، على نحو ما أُدَي إلينا » .
حيدر : إذاً مَن يأتي وينسب حادثة موجودة في أي كتاب تاريخ ، فينبغي عليه أن يتحقق من صدق الراوي ، ولا يعول على اسم الكتاب أو المؤلف فقط .
خالد : مثل ما قلت يا حيدر ، ومع هذا لنرجع إلى ما أحببنا الحوار حوله ، وهو وجود نماذج من الأسماء المباركة التي يقتدي بها المسلم .
حيدر : مما لا شك فيه أنك تعني وتقصد آل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم جميعهم ، فهم لهم نصيب الأسد بالاقتداء ، وضرب المثل ، فيما قدموه وما فعلوه من خير في سبيل الله .
خالد : أعني بالدرجة الأولى الذين كانوا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فإن ذكرت الشجاعة فعليك بأبي بكر رضي الله عنه الذي دافع عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أكثر من مرة في مكة قبل الهجرة وبعدها ، وكذلك أبي الحسن علي رضي الله عنه ، الذي كان يُضرب به المثل في المبارزة ، وأيضاً خالد بن الوليد ( سيف الله المسلول ) والبراء بن مالك وجعفر بن أبي طالب وغيرهم كثير رضي الله عنهم .
حيدر : ولكن بعض الأسماء التي ذكرتها ، يشكك بعض العلماء في إخلاصها للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، وأنها إنما أسلمت خوفاً من سيوف المسلمين .
خالد : ومَنْ الذي أعلمنا بما في صدور العالمين ؟ وهل أمرنا الله أن نفتش وننظر في قلوب الناس ؟ أم أننا فقط ننظر إلى أعمالهم وتضحياتهم ، والله يتولى السرائر .
ولا يشك مطلع على التاريخ ، بأن خالد بن الوليد ( رضي الله عنه ) قد كتب الله على يديه من الخير ، ما لم ينله غيره ، فهو الذي أذل رقاب الفرس والروم بجيشه وأفنى حياته في سبيل الله ، فهل يأتي جاهل في التاريخ يقول عنه : أنه كان خائفاً من سيوف المسلمين ، أو إن إسلامه فيه شكٌ ، وهل نتذكر قطرة السوء ونقفل عن بحار الحسنات ؟
حيدر : وهل هناك ميادين أخرى تميز بها الصحابة رضي الله عنهم ؟
خالد : إن شئت فقل حازوا الفضل كله في جميع الميادين ، العلم ، الكرم ، التضحية ، حب النبي صلى اللّه عليه وسلم ، حفظ القرآن الكريم ، حماية النبي صلى اللّه عليه وسلم ، الطاعة المطلقة لأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم ... بل لنقل اختصاراً كل ميادين الاقتداء .
حيدر : هذا ليس بالشيء الجديد لنذكره ، فهو موجود في كتب علماء الشيعة المباركة ، وقد تناولوا هذا الجانب وبينوه أفضل بيان .
خالد : هذا من أعجب الكلام الذي سمعته منك يا أخ حيدر ، فالواقع والمكتوب يناقض تماماً لما تذكره .
حيدر : وكيف هذا ؟ ومجالس العلم والحوزات العلمية ، تعلِّم شباب المسلمين ما فعله هذا الجيل الفريد .
خالد : هل بالإمكان أن تذكر لي اسم كتاب سطر فيه مؤلفه أمثلة لبطولات الصحابة ، والأعمال الجليلة التي بذلوها للإسلام ونصرته ؟
حيدر : لا يحضرني الآن اسم كتاب في هذا المجال .
خالد : لو قلبت كتاب « الإصابة في تمييز الصحابة » لابن حجر العسقلاني ، أو كتاب « الاستيعاب في الأصحاب » لابن عبد البر الأندلسي ، أو كتب تراجم الرجال ، لعلمت الذي أريده منك ، بل هل جلست ذات مرة في مجلس علم وسمعت عالماً أو إماماً يتحدث عن غزوة بدر أو الخندق أو فتح مكة أو الفتوحات الإسلامية المباركة التي تمت في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه ؟
حيدر : في الحقيقة ، لم أسمع ، ولكنني قد قرأت شيئاً يسيراً في هذا الموضوع .
خالد : هذا ما أريد أن أوصله لك يا أخ حيدر ، لو تعطرت مجالسنا بتناول سيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم وما حدث فيها من بطولات وتضحيات وأمثلة ، يعجزُ أحدنا أن يتخيل حدوثها في هذا الزمان ، فهل ستجد مَنْ ينتقص أحداً من صحابة النبي صلى اللّه عليه وسلم أو يشكك في إسلامه ، أو حتى يظن فيه الظن السوء ، فالظن السيء لا يأتي إلا من قِبل الذي جهل حال الكرام ، ولم يبلغ درجتهم في الفضل .
ميراث النبي صلى اللّه عليه وسلم
حيدر : أقسى شيء في الحياة ، أن الإنسان يُمنع من حقٍ قد ثبت له !
خالد : وخاصة إذا كان هذا الحق قد ثبت له بطريق صحيح ، ولا يشوبه أي شائبة .
حيدر : إذاً ما قولك يا أخ خالد ، في ذلك الذي يمنع سيدة نساء العالمين عليها السلام من إرثها المستحق لها من سيد المرسلين صلى اللّه عليه وسلم ، هل يكون قد أنصفها أو ظلمها ؟
خالد : لعلك تريد أن نتحاور حول أرض فدك ، وادعاء سيدة نساء العالمين فاطمة رضي الله عنها أن لها نصيباً في هذه الأرض ، من بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وأن الصديق رضي الله عنه رفض أن يعطيها إياه ؟
حيدر : ولمِ الحوار والنقاش ، وأنت توافقني في أن أبابكر رضي الله عنه قد خالف المتعارف عليه بين المسلمين من حق البنت في تركة والدها ؟
خالد : الإرث معلوم أمره في الشريعة الإسلامية ، والصديق رضي الله عنه لم يمنع فاطمة رضي الله عنها فقط ، فللعلم إن أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم لهن نصيب في هذا الميراث ، كعائشة وحفصة رضي الله عنهما فهما تشتركان في الثمن مع باقي النسوة ، وأيضاً العباس رضي الله عنه ، له نصيب وهو من العصبة فيأخذ الباقي تعصيباً.
فلمَ الدفاع عن فاطمة رضي الله عنها وحدها ، ولا نتكلم عن البقية الذين لم يحَصلوا على حقهم إن كان لهم حق ؟
حيدر : لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد قال : « فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويوذيني ما آذاها » ، وهذا الحديث في البخاري ، ففاطمة اذاً مميزة من البقية . وقال : « إن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها » .
خالد : ما ذكرته من الاستدلال صحيح ، ولكنها من رواية الإمام مسلم وليس البخاري ، أما الأثر الثاني فرواية البخاري هي : « فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني » ، ولكن الصديق رضي الله عنه لا يظن به إنسان عاقل من أنه تعمد أو حاول إيذاء بنت رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ، ولكنه ( رضي الله عنه ) امتثل لأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم أن الأنبياء ما يتركونه خلفهم ، إنما هو صدقة للمسلمين .
حيدر : سبحان الله ! المولى سبحانه يقول في القرآن : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ } (النمل : 16) وأنت تخالف هذا الأمر وتزعم أن هناك حديثاً ينقض القرآن !
خالد : على رسلك قليلاً يا أخ حيدر ، ولنأخذ الأمور بتروٍ .
الآية تبين أن نبي الله سليمان قد ورث أمراً ما من والده داود عليهما الصلاة والسلام ، ولم تحدد الآية الكريمة نوع هذا الموروث ، فجاءت السنة الصحيحة لتبين لنا بوضوح أن هذا الموروث هو العلم والنبوة ، وليس شيئاً من متاع الدنيا وزينتها . لأن يعقوب له من الذرية غير سليمان فتم تحديد سليمان بالأرث لنعلم أنه ورث غير المتعاهد والمعروف بين الناس .
حيدر : ولكن الحديث اللذي ذهبت إليه غير صحيح ، ولا يُحتح به .
خالد : هذا من أعجب الأقوال التي سمعتها أذني !
حيدر : ولم ذلك ؟
خالد : إذا كان الحديث الذي يدعم رأيك يصبح صحيحاً ، والذي يُبطل كلامك يكون ضعيفاً وغير صحيح ، فأين الإنصاف وميزان العدل في المناقشة ؟
وللعلم فقد جاء الحديث الذي يرد عليك في البخاري ومسلم من قوله صلى اللّه عليه وسلم : « لا يقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً وما تركت - بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي - فهو صدقة » .
وللعلم يا أخ حيدر الحديث الذي يدل على أن الموروث من الأنبياء هو العلم قد رواه علماء السنة والشيعة .
حيدر : لم أقل هذا القول من عندي ولكني أستند على قول الإمام الخميني في كتاب كشف الأسرار ( 132 ) يقول : « ما نسبه أبو بكر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما هو مخالف للآيات الصريحة حول إرث الأنبياء ومنها ، وورث سليمان داود ، فهل يجوز أن نكذب الله ، أو نقول بأن النبي قال كلاماً يخالف أقوال الإله أم نقول إن الحديث المنسوب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم لا صحة له ... » ، فما هو ردك يا أخ خالد ؟
خالد : لعل الخميني لم يقرأ كتاب أصول الكافي ، أو لعله نسي أو وهم عما جاء فيه في كتاب العلم ، تحت باب ( ثواب العالم والمتعلم ج/1 - ص/26 ) . :
فعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبدالله قال : « قال رسول الله عليه السلام : من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة ، ... وفضل العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر » .
فمن نصدق الآن الحديث الثابت أم الكلام الإنشائي !
ولمزيد من التثبت في الأمر ، فقد جاء في تفسير كنز الدقائق للميرزا محمد المشهدي ( 7/318 ) تحت قوله تعالى :{ وَوَرِثَ سُلَيمَانُ دَاوُدَ } ما يلي :
« وورث سليمان داود : قيل النبوة والعلم أو الملك ، بأن قام مقامه في ذلك دون سائر الأنبياء ، وكانوا تسعة عشر » ، وهل تعلم ما السبب الذي لأجله منع الصديق رضي الله عنه فاطمة من أن تأخذ إرثها ، كما يراه الخميني ؟
حيدر : لا أعلم .
خالد : يقول الخميني في كتابه ( كشف الأسرار 132 ) بعد أن بيّن مخالفة الصديق للآية فقال : « ... وأنه قيل من أجل استئصال ذرية النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فهل آل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم سوف يفنيهم أبو بكر رضي الله عنه ، بمنعهم من بعض متاع الدنيا الفانية ؟ وهل تعلم لماذا ذكرت إسناد الحديث الذي جاء في كتاب الكافي ؟
حيدر : لا ، وما السبب ؟
خالد : لأن الخميني قد ذكر في كتابه الحكومة الإسلامية ( ص 93 ) هذا الحديث وعلق عليه : « الحديث صحيح ، وحتى أبوعلي بن إبراهيم ( وهو : إبراهيم بن هاشم ) فهو من كبار الثقاة في نقل الحديث » .
حيدر : على ضوء ما ذكرت من روايات صحيحة في المذهب ، اذاً ما قولك فيمن قال إن فاطمة عليها السلام ، غضبت على الخليفه الأول ( رضي الله عنه ) ؟
خالد : ما حدث بين فاطمة وأبي بكر رضي الله عنهما من أمر إنما كان من جهة أن أبا بكر ما فعل الذي فعل إلا امتثالاً لأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فعلمنا أنه حكم الله ورسوله ، فمن طلب أن يُحكم له بغير حكم الله ورسوله ، فغَضبَ وحلفَ أن لا يكلم الحاكم ، لم يكن هذا مما يُحمد عليه ، ولا يُذم به الحاكَم ، بل هذا إلى أن يكون جرحاً أقرب منه أن يكون مدحاً .
حيدر : لتعلم يا أخ خالد أن سيدة نساء العالمين عليها السلام من شدة غضبها على الصديق فقد أوصت بأن تدفن ليلاً ، ولا يحضر لها أحدٌ في الصلاة عليها .
خالد : هل تريد أن تمدح سيدة نساء العالمين ، وتكون في صفها ، أو أن تذمها ؟
حيدر : ماذا تقول أنا أدافع عنها ، وأذود عنها ما حييت أبداً .
خالد : الروايات تقول : « فلم تكلمه » ، فمن هذا الذي عاش بينهما في زمانهما ثم جاءنا فقال : إن فاطمة لم تكلم الصديق رضي الله عنه في أي حديث ؟
غاية ما في الأمر ، أن فاطمة لم تكلم أبا بكر رضي الله عنه في موضوع الإرث مرة ثانية ، بل المعروف أن الصديق رضي الله عنه ذهب إلى فاطمة وترضاها حتى رضيت ، وذُكرت هذه الرواية في فتح الباري ( 6/233 ) .
حيدر : إذاً القضية ليست صحيحة وإنما كان اجتهاداً من سيدة نساء العالمين رضي الله عنها ، وحسم الأمر أبو بكر رضي الله عنه .
خالد : الأمر كما تقول ، وليست القضية كما توهمها البعض من اعتداء واستإصال لآل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم . وغيره من الأمور التي لا سند لها إلا التوهم والخيال ، ونثر لبذور الخلاف بين المسلمين .
السحر والتنجيم
خالد : قرأت قوله تعالى : { وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } (طه : 69) فاندهشت لبلاغة اللفظ في الآية الكريمة ، من أن سحر السحرة كله إلى باطل .
حيدر : وأنا أوافقك على هذا ، فما الجديد في الأمر والمسلمون ولله الحمد يبتعدون عن مثل هذه السخافات الدالة على نقص الثقة بالله ، والتوكل عليه ، وعلى ضعف الإيمان به سبحانه .
خالد : المستغرب يا أخ حيدر ، أن أشاهد من فئة ، متزايدة من الإخوة الشيعة ، تأييدهم لمثل هذه الترهات والخزعبلات ، والبعض يؤمن ويتعلق بها ، ويعتقد بنفعها وتأثيرها على حياته اليومية !
حيدر : هذا من أعجب ما سمعت منك ، الشيعة كما قلت لك مراراً يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويعتقدون أن الله بيده كل شيء سبحانه ، ولنبتعد عن تأثيم العوام ، ولنحسن بهم الظن .
خالد : على المسلم أن يلتمس العذر للعوام في ارتكابهم الخطأ فيقول إنهم جهال ، ولم يعلموا الصواب ، فندعوا لهم بالهداية والصلاح ، ولكن ما العذر الذي نلتمسه لأهل الفتوى والمرجع في تحريضهم المسلمين على الاعتماد على غير الله ؟
حيدر : هذه طامة أشنع من سابقتها ، لِمَ لا تضع النقاط على الحروف .
خالد : جاء في كتاب بحار الأنوار ( ص 193/ج 94 ) ما نصه : « حرز لأمير المؤمنين صلوات الله عليه للمسحور ، والتوابع ( أي : الجني الذي يتبع الإنسان حيث يذهب ، وهو القرين ) والمصروع والسم والسلطان ( أي : أمير المسلمين ) والشيطان وجميع ما يخافه الإنسان ... وهذه كتابته : بسم الله الرحمن الرحيم أي كنوش أي كنوش أرشش عطنيطنيطح يا مطيطرون فريالسنون ... » إلى آخر هذه الشعوذات والطلاسم ، ثم رسم رموزاً غريبة على شكل خطوط متداخلة .
حيدر : ولكن مثل هذا الكلام غير مفهوم ، ولعله غيرعربي ؟
خالد : لأجل هذا يقول العلامة الصغاني في كتابه الموضوعات ( 63 ) : « وربما يكون التلفظ بتلك الكلمات كفراً ، لأنا لا نعرف معناها بالعربية ، وقد قال تعالى : { مَّا فرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْء } (الأنعام : 38) ، بل والبعض من العلماء الشيعة يحث على نداء الجن لجلب الخير ودفع الضر » .
حيدر : ماذا تقول : العلماء ينصحون العوام بسؤال الخير من الجن ؟
خالد : ذكر ابن بابويه في كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه ( 2/195 ) والبرقي في المحاسن ( 362 ) ووسائل الشيعة ( 8/325 ) عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال : إذا ضللت الطريق فناد : « يا صالح أو يا أبا صالح ، أرشدونا إلى الطريق ، يرحمكم الله » .
وجاء الكشف عن هوية « صالح » في مسائل الشيعة ( 8/325 ) وكذلك الخصال لابن بابويه ( 2/618 ) بإسناده عن علي في حديث الأربعمائة قال : « ومن ضل منكم في سفر ، وخاف على نفسه ، فليناد : يا صالح أغثني ، فإن في إخوانكم من الجن جَنيَاً يسمى صالح ، يسيح في البلاد لمكانكم ، محتسباً نفسه لكم ، فإذا سمع الصوت أجاب وأرشد الضال منكم ، وحبس عليه دابته ( أي : أمسك له الدابة ) » .
حيدر : ولكن التعامل مع الجن كما أعلم لم يثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ولعل فيه فتح باب عظيم من الشر .
خالد : أذكرك بقوله تعالى : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَال مِّنَ الأنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ من الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } ( الجن : 6 ) وهذا ما كان يفعله المشركون في السابق يعوذون ( أي : يلتجئون ) بعظيم ذلك المكان من الجن أن يصيبهم بشيء يسوءهم ، فزاد الجن الإنس رهقاً ، أي خوفاً وإرهاباً وذعراً وإثما ، لأنهم استعاذوا بغير الله ، فما الفرق بين المشركين في السابق ومثل هذه الروايات الشنيعة ؟
بل وماذا نقول للذي يعلق حياته اليومية ، وما يحدث فيها بفعل الكواكب وحركتها ، من إقبال على الخير ، أو تجنبٍ عن الشر ؟
حيدر : هل بلغ الجهل وعدم التوكل على الله في العوام هذا المبلغ ؟
خالد : يا ليت الأمر كان من فعل العوام ، ولكن هناك المؤلفات بهذا الشأن ، التي تعلم العوام السحر ، والأعمال التي فيها تعلق بغير الله ، مثل كتاب « بُلغة الأمل إلى الشفاء العاجل بالطب الروحاني » وهو من تأليف السيد مصطفى مرتضى العاملي ، وفيه الأشياء العجيبة الخطيرة التى ترشد العامي إلى التعامل بالسحر من طريق أن هذا من الهدي النبوي والثابت عن طريق آل البيت ( رضي الله عنهم ) .
والواجب على المسلم ، أن يحذر من كل أمر لم يعمله النبي صلى اللّه عليه وسلم ، أو يحث عليه بل ينبغي عليه أن يتأكد لعله محرّمٌ عليه فعله ، ولعل هذه الأعمال والأقوال لم تقع في القرون الثلاثة المباركة من بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فالخير في اتباع من سلف ، والشر في اتباع من خلف ، إن لم يكونوا على الجادة الصحيحة .
تربة السجود
حيدر : أعجب منكم أيها السُّنة من سجودكم على السجاد والملبوس من الثياب ، ولا تسجدون على الأرض مباشرة .
خالد : ولِمَ كل هذا الاستغراب ، ولم يأتِ نص بالأمر أو النهي بعدم السجودعلى شيء معين إلا النجاسات .
حيدر : وما قولك من حديث « وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » ؟
خالد : حديث صحيح ويُعمل به ، ولكن أين التخصيص والتقييد بأن السجود لا يكون إلا على الشيء الذي لا يلبس أو يأكل ؟ ، فالحديث فيه دلالة على أن السجود يكون مقبولاً على كل شيء ، فإن الصلاة ليست مقصورة ومقبولة فقط في المساجد بل تستطيع أن تؤدي الصلاة في أي مكان في الأرض إن كان طاهراً .
حيدر : النبي صلى اللّه عليه وسلم كان مسجده من الحصى ومن سعف النخيل ( الحصير ) وكانت عنده الأموال فلم يفرش المساجد بالسجاد ، ولم يثبت عنه أو عن أحد من الصحابة أنه سجد على الثياب .
خالد : النبي صلى اللّه عليه وسلم كان أزهد الناس ، ومسجده لم يكن له سقف يمنع من دخول المطر وأشعة الشمس ، وقد ثبت عند البخاري في صحيحه عن أنس أنه قال : « كنا نصلي مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في شدة الحر ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه » .
فالأمر فيه سعة ويسر ، وليس فيه تخصيص لشيء دون شيء ، ولكني أعجب ممن منعوا السجود على البساط وفضلوا تربة من الأرض عن غيرها من الأراضي .
حيدر : أتعني ما يضعه الشيعه تحت جباههم ، حال السجود ، فهذا الأمر كل ما فيه أنهم لا يستطيعون تغيير ما في المساجد من سجاد فيضعون هذه التربة حتى لا يقعوا في المحذور من السجود على القماش .
خالد : يا ليت الأمر اقتصر على مثل هذا المفهوم ، ولكن آل الأمر بأن يعتقد فئة من الشيعة بأن هذه التربة لها قداسة خاصة بها .
حيدر : هذا افتراء عظيم ليس لك به من دليل .
خالد : جاء في بحار الأنوار ( 101/ص 118 ) روايات قاربت ثلاثاً وثمانين رواية دالة على أن تربة كربلاء لها فضل عظيم جداً ومن ذلك أن رجلاً أتى إلى أبي عبد الله فقال : إني رجل كثير العلل والأمراض ، وما تركت دواءً إلا تداويت به ، فقال لي : « أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي فإن فيه شفاء من كل داء ، وأمناً من كل خوف » .
فالأمر ابتدأ بعدم السجود على أمر مخصوص ، فجرنا إلى البديل وهو تربة الحسين ، ومما جاء في فضل هذه التربة ما ذُكر في بحار الأنوارعن أبي عبدالله قال : « حنكوا أولادكم بتربة الحسين فإنه أمان » .
وجاء في مصباح المتهجد للطوسي ( 511 ) وبحار الأنوار ( 101/135 ) بأنها تخرق الحجب السبعة .
ولو كان هذا الأمر صحيحاً ومشروعاً أما كان ينبغي أن يكون هذا الفضل لقبر النبي صلى اللّه عليه وسلم أو حتى لقبر علي أو الحسن رضي الله عنهما ، ولكن الجهل يعمي ويصم .
حيدر : هب أن المسلم لم يسجد على تربة الحسين ، فهل هناك من أفتى بإمكان السجود على ما يأكل أو يلبس ؟
خالد : المسلم متبع ، وليس مبتدعاً ، فقد جاء في كتب الشيعة مثل : الاستبصار ( 1/332 ) وتهذيب الأحكام ( 2/307 ) ووسائل الشيعة ( 2/595 ) عن الحسين بن علي بن كيسان أنه قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث أسأل عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب إليَّ : « ذلك جائز » .
وجاء في كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه ( 1/174 ) ووسائل الشيعة ( 3/609 ) عن الصادق أنه قال : « السجود على الأرض فريضة وعلى غير ذلك سُنَّةٌ » .
وإن كان الأمر غير جائز ، فلماذا إذن نجد مساجد الشيعة قد تم فرشها بالسجاد الفاخر ، وبذلت الأموال الباهظة لهذا الأمر ، وهو محرم عند كثير من رجال الدين الشيعة ، مع العلم بأن جميع مساجد الشيعة مسقوفة ، فلمَ لا يدعونها تراباً ليتم تطبيق السجود الصحيح ؟
فالأمر إذاً واضح جلي من جواز السجود على كل شيء طاهر معلوم .
القرآن المحرف ومصحف فاطمة
خالد : لنعد مرة أخرى إلى مسألة فوجئت بأن القائلين بها هم كبار علماء الشيعة ، ولا تجد عالماً صنَّف كتاباً في السابق إلا ويصرح ويؤكد هذه القضية وهي أن القرآن فيه زيادة ونقص ، أي باختصار أنه محرف .
حيدر : هل هناك من تهمة وفرية أعطم جرماً من هذه التهمة ، والعلماء هم ورثة الأنبياء فكيف بلغ الأمر بك أن تقول مثل هذا الإفك ؟
خالد : لنتصفح الكتب المعتمدة ، لأرشدك إلى الكتب التي تناولت هذا الأمر :
ا - علي بن إبراهيم القمي في مقدمة التفسير ( 1/36 ) ذكر الأمثلة على التحريف من سورة البقرة وآل عمران .
2 - نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية ( 2/357 ) .
3 - الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ( ص 40 ) .
4 - أبو منصور أحمد الطبرسي في كتاب الاحتجاج ( 1/155 ) .
5 - محمد باقر المجلسي في كتاب مرآة العقول ( 12/525 ) .
6 - محمد بن محمد النعمان الملقب بالمفيد في أوائل المقالات ( ص 48 ) .
7 - يوسف البحراني في الدرر النجفية ( ص 298 ) .
8 - النوري الطبرسي في « فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب » .
9 - الحاج ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي في منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة الجزء (2) صفحة ( 197 ).
حيدر : مَن تبقى إذن من كبار علمائنا ؟ ومن المعلوم أن المعاصرين إنما يتبعون ويسترشدون بالقدامى ، فهل هناك من أنكر على هذه المقولة الملحدة ؟
خالد : للأمانة فهناك نفر من علماء الشيعة أنكروا هذا الأمر كالصدوق والسيد المرتضى وأبي علي الطبرسي « مجمع البيان » والشيخ الطوسي في « التبيان » .
وأما عن البقية المقرة بهذه النقيصة فلا زالت كتبهم تطبع وهؤلاء العلماء يُقدَّسون وكأن شيئاً لم يكتب من قبلهم عن القرآن ! ومن ذلك ما ذُكر في كتاب أوائل المقالات للمفيد ص 48 : « أن أئمة الضلال !! خالفوا في كثير من تأليف القرآن ، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسُّنة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، بل هناك تفاسير ذكرت الآيات والكلمات التي حرفت أو أنقصت من القرآن كما ذكر ذلك علي بن إبراهيم القمي في تفسيره » .
حيدر : لعل ما قصده رجال الدين الشيعة من وجود النقص في القرآن هو شيء يسير لم يكتبه الصحابه بعد وفاته صلى اللّه عليه وسلم .
خالد : شيء يسير ! لعل رواية الكافي في الأصول ( 2/634 ) لم تمر على بصرك يا أخ حيدر حيث جاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إن القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم سبعة عشر ألف آية » .
مع العلم أن القرآن الموجود بين أيدينا ستة آلاف وستمائة وست وستون آية ، أي كأن الثلثين سقط ، ولم يتبقَ إلا الثلث فقط .
وهل اليسير يجوز والكثير من التحريف والنقص لا يجوز ؟
حيدر : الله سبحانه قال : { إِنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (سورة الحجر : 9) فمَن يتهم الشيعة بأنهم قد قالوا بمقولة التحريف تجرأ على الله بدلالة الآية أن الله هو الذي تكفل بحفظ القرآن .
خالد : قولك سليم ، لذا مَنْ حاول بأن يحرف أو يزيد لم يتمكن من فعل هذا لأن الحفظ بيد الله وحده وليس البشر ، ولأخبرك شيئاً لعلك لم تعلمه من قبل ، استدلالك بهذه الآية الكريمة لا يوافق عليه علماؤكم الشيعة .
حيدر : هذا غير ممكن ، فما قلته هو الصحيح !
خالد : يقول الملا خليل القزويني في كتاب الصافي شرح الكافي ( 75 ) : « وهكذا الاستدلال بآية « إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون » استدلار ضعيف ، لأن الآية هنا بصيغة الماضي وفي سورة مكية وقد نزلت سور عديدة بمكة بعد هذه السورة ، وهذا ما عدا السور التي نزلت بالمدينة بعدها بكثير ، فلادلالة فيها على أن جميع القرآن محفوظ ... » . فما قولك يا أخ حيدر ؟
حيدر : إذا كان ما قاله الملا القزويني صحيح ، فإن جميع السور المدنية محرفة ، وليس لها ضابط من الصحة أو الخطأ ، وليست محفوظة عند أحد من المسلمين ، وهذا كلام غريب .
خالد : نعم هذا ما يترتب على مقولة هذا الملا ، أما مَنْ يحفظ القرآن كاملاً فقد أجاب شارح نهج البلاغة ميرزا الخوئي ( 2/203 ) فقال : « إن أصل القرآن الكريم محفوظ عند الأئمة عليهم السلام » .
فمما يترتب على ما قاله الخوئي أن الذي فعله الصحابة وعلى رأسهم أبوبكر وعثمان - رضي الله عنهما - مع الصحابة ، كله تجميع للمحرف من القرآن ، والذي يقرأه المسلمون في جميع أنحاء الأرض ، إنما هو القرآن المحرف وليس الصحيح !
حيدر : ولكنكم تصروق على نسبة أمرٍ إلى الشيعة وهو خرافة لا وجود له وهو أن للشيعة مصحف يقال له مصحف فاطمة !
خالد : أدع الكليني صاحب كتاب الكافي ليجيب ، فقد جاء في أصول الكافي في كتاب الحجة ( 1/295 ) عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريك ما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : قلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد . قال : قلت : هذا والله العلم » .
ولعل الأمر لا يتجاوز في حده هذه الرواية وبعض الآيات الباطلة مثل سورة الولاية ، وهذا المصحف ينكره الكثير من الشيعة ، فلماذا لا نسمع أحداً من العلماء يطعن في مثل هذه الروايات ويتكلم حول تلك الروايات المتناثرة في كتب التفسير والتي تدل على وجود آيات ناقصة من القرآن الكريم .
حيدر : القول بالتحريف هل له من مسوغ ، أو سبب برأيك !
خالد : الجواب كما يلي :
ا - لم يأت في القرآن الذي جمعه أبوبكر وعثمان رضي الله عنهما ذكر لقضيَة الإمامة التي هي الأصل الذي تعتقد به الشيعة وتفارق به جميع الفرق التي تنتسب إلى الإسلام .
2 - وللتخلص من التناقض الذي سيواجه عوام الشيعة من وجود مدح للصحابة في القرآن ، وبين ما هو موجود في عقيدتهم من ذم للصحابة .
3 - القول بالتحريف سبيل للقول بأسماء الأئمة وفضائلهم والاعتقادات التي خالفوا فيها القرآن .
حيدر : ان كان ما تقوله صحيحا ، اذاً لماذا لم نشاهد هذا القرآن الصحيح الذي تقول الشيعة به ؟
خالد : التعليلات من قبل علماء الشيعة عديدة ، أولاها مقولة التقية والتي لا يمكن الرد عليها في النقاش ، ومنهم من قال إنه سيظهر الشنعة والمخازي على من سبقه فوجب كتمه وستره ، وهذا في الأنوار النعمانية ( 2/360 ) ومنهم مَنْ قال حتى يستمر المخالفون على عصيان أمير المؤمنين إلى يوم القيامة فيستحقون الخزي العظيم وهذا ذُكر في البراعة في شرح نهج البلاغة للخوئي ( 2/225 ) .
حيدر : هل يعُقل أن يصُدق مسلم بتحريف القرآن ثم لا يكون معه مصدر لمعرفة الأحكام الشرعية ؟
خالد : تناقض موجود ومستمر ، ومأزق وقع فيه الكثير ممن اعتقد بمبدأ تحريف القرآن ، وهناك مخرج أوجده نعمة الله الجزائري حيث قال في الأنوار النعمانية ( 2/360 ) : « روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن ! في الصلاة وغيرها ، والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين ( ع ) فيُقرأ ويُعمل بأحكامه » .
فعلى ضوء هذا فالقرآن الموجود بين أيدينا سيُرفع إلى السماء ، وأتساءل حول هذا التبرير ، ولم رفع القرآن إلى الأعلى ؟ والعلو كما نعلم دلالة على الكرامة والرفعة ، وأيَضا كيف نجرأ أن نقول إن عليّا - رضي الله عنه - ألف قرآنا ، بمعنى من عنده أو آنزل عليه ... !
ويا أخ حيدر كما ترى أن التقية لا تزال تهب برياحها على المعاصرين ليقولوا بعدم التحريف ، ومجاراة مَنْ يصدق بكمال وتمام القرآن الموجود بين أيدي المسلمين ، لخداعهم بأنهم معهم في الاعتقاد بسلامة القرآن وهل الحق إلا واحد ؟
أنا مظلوم ... من أهة مظلومة
خالد : لا زلت أعجب من أولئك النفر الذين علقوا في رقابهم ، وساروا في حياتهم على مبدأ « رفع الظلم ، وإبادة الظالمين » !
حيدر : وهل هناك من ظلم أعظم من ذلك الذي وقع على سيد شباب أهل الجنة الحسين عليه السلام ؟
خالد : الأمر يا أخ حيدر ليس هكذا ، ولكن نجد من بعض الإخوة الشيعة توهم لا دليل عليه لأوهام خطيرة تأصلت في نفوسهم ، وتجذرت في قلوبهم ، من أنهم شعب مظلوم مضطهد ، وتظهر صورة هذا الوهم جلية إذا لم يُقبل أحدهم في مكان ما أو في وظيفة معينة ، تجده سريعاً ما يثور ويزبد ويقول : أنتم تفرقون بين الشيعة والسُّنة ! وأين موقع هذا الكلام من أنك لم تقبل في وظيفة ما ؟
حيدر : لا تنكر أرجوك يا أخ خالد ، من أن بعض السنة يحاولون دائماً التصيد في الماء العكر ، وأنهم يحاولون التفريق بين المسلمين المتحابين من الشيعة والسُّنة !
خالد : ومن هذا الذي يؤيد التفريق بين المسلمين المجتمعين على محبة الله تعالى وعلى اتباع هدي حبيبنا محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ولكن الذي أراه جلياً ومنتشراً ، أن عقدة التفريق راسخة في نفوس بعض الإخوة الشيعة ، وكأن أي محاولة ليست موافقة لهواهم ، تعتبر تأكيداً لمبدأ أن السني ظالم للشيعي ، وأنه يضطهده في العمل أو في أي مكان .
حيدر : لا يصل الأمر إلى هذا الفهم يا خالد ، ولكن الظلم تأباه النفوس الأبية .
خالد : شعار إننا مظلومون ، والثورة على الظالمين ، وتجديد العهد مع المهدي وآل البيت ، في كل مناسبة حزينة ، يجدد ويرسخ هذا المفهوم في ذهني ، من أن الشيعة دائماً يحاولون رفع شعار الاضطهاد والضعف ، والمسكنة ، لا لشيء إلا أن العقدة ترسخت في الأذهان ثم في القلوب ، من بعد عصور السرية لمبادئ المذهب ثم تأصيل مبدأ التقية ، والآن مبدأ المخالفة في كل شيء .
حيدر : المخالفة في كل شيء ، وكيف ذلك ؟
خالد : نعم المخالفة في كل شيء ، وإلا قل لي بربك كيف يقترب السني إلى الشيعي وهو يراه يبتعد عنه دائماً ، بوضع خاتم غريب في أصابعه ، ثم بوضع شعار على سيارته ، ثم بلبس حجاب مميز لبناتهم عن حجاب السُّنة ، ثم بسلام ملفت للأسماع بينهم ، وغيرها من الصفات التي لا تقرب ، وإنما تزيد من هوة - الشقاق خنادق سحيقة ، والكثير منهم لا يعلم دليلاً من الشرع على هذه الأمور التي يعملها .
حيدر : لعلك تريد أن توصل إلى ذهني قضية معينة ؟
خالد : نعم يا أخ حيدر ، المسلم عزيز بدينه ، وبقربه من خالقه سبحانه وتعالى ، وليس فيه من عُقد نفسية تتأصل وتتجذر في قلبه ونفسه مع مرور الأيام ، بل يرى أن كل المسلمين أحباب له ، يريد أن ينصحهم ويوجههم إلى ما فيه خيرهم ورشادهم ، ولا يظن أنه شاذ منبوذ مضطهد ، كأن المجتمع قد لفظه ورفضه ، بل واجب عليه أن يُحسن الظن بإخوانه ويلتمس لهم العذر والنية الحسنة دائماً ، وإن أخطأوا في حقه .
ميراث الجاهلية
خالد : ما رأيك في أن نتحاور حول ميراث الجاهلية ؟
حيدر : هذا أعجب طلب ، وأغرب سؤال ، فهلا أوضحت عن مرادك ؟
خالد : أقصد من ذلك ، تلك الأمور التي نفانا عن فعلها النبي صلى اللّه عليه وسلم لأنها من أفعال الجاهلية ، أي أهل الشرك ، ولا يزال لها تعلق بقلوب فئة من المسلمين .
حيدر : وهل هناك من مسلم يحب أو يتشبث بتلك الشركيات ، أو يتشبه بأفعال المشركين التي نهانا عنها النبي صلى اللّه عليه وسلم .
خالد : قبل أن أذكر مَن يفعل ، أو مَنْ يحث عليها ، سأضرب مثالاً للأمر الذي أريد الحديث عنه .
الله - سبحانه وتعالى - أمرنا باجتناب الميسر ( وهو لعب القمار أو الرهان ) وكذلك الاستقسام بالأزلام ، وهو أن يجعل الرجل أمره بالفعل أو الترك للسهام التي في جعبته ، ومكتوب على السهام افعل أو لا تفعل ، فهل تذكرت هذا الفعل ؟
حيدر : ما قلته صحيح ، وهذا ثابت بالقرآن الكريم في قوله تعالى : { وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ } (المائدة : 3) ، بعد أن ذكر الله المحرمات ، ولكن السؤال هل هناك من يفتي بجواز هذه الترهات الجاهلية !
خالد : جاء في فروع الكافي اللكليني (1/131 ) والتهذيب اللطوسي (1/306 )
ووسائل الشيعة ( العاملي 5/208 ) عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا أردت أمراً فخُذ ست رقاع ( مثل الأوراق ) فاكتب في ثلاث منها : « بسم الله الرحمن الرحيم ، خيرة من الله العزيز الحكيم ، لفلان بن فلانة ( لاحظ : لا يذكر الأب ولكن الأم !! ) افعل » وفي ثلاث منها :
« بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة ، لا تفعل » ثم ضعها تحت مُصلاك ، ثم صلِ ركعتين ، فإذا فرغت ، فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرة : أستخير الله برحمته ، خيرة في عافية ، ثم استوِ جالساً وقل : « اللهم خر لي واختر لي في جميع أموري ، في يسر منك وعافية » ، ثم اضرب بيدك إلى الرقاع ، فشوشها وأخرج واحدة واحدة .
فإن خرج ثلاث متواليات : « افعل » ، فافعل الأمر الذي تريده ، وإن خرج ثلاث متواليات : « لا تفعل » ، فلا تفعله ، وإن خرجت واحدة افعل والأخرى لا تفعل ، فأخرج من الرقاع إلى خمس ، فانظر أكثرها فاعمل ، ودع السادسة لا تحتاج إليها » .
حيدر : ولكن هذه المقولة من شواذ الأقوال ، والتي لو انتاشرت ، لأصبح لا فرق بيننا وبين أهل الجاهلية والعياذ بالله.
خالد : الحر العاملي عقد لهذه الرواية وغيرها باباً بعنوان « باب استحباب الاستخارة بالرقاع وكيفيتها » ومجموع الأحاديث بلغت خمس روايات ، والمجلسي ذكر أنواع أخرى للاستخارة ، ليس بالرقاع وحدها ، ولكن أيضاً بالبنادق ( البندق ) وذلك في كتاب ( بحار الأنوار 91/226 ) والسبحة والحصى ( بحار الأنوار 91/247 ) .
والمسلم العامي الشيعي سوف تنطلي عليه مثل هذه الأمور الجاهلية ، لأنها غُلِّفت بغلاف الإسلام ، من صلاة ودعاء لله سبحانه ، وذكرت في كتب تعد من المصادر الأصيلة في الدين .
حيدر : الجاهل والعامي ، لا إثم عليهما ، وعقيدتهما سليمة لأنهما قد قالا الشهادتين .
خالد : الشهادة في معناها القلبي التصديق والإقرار بتوحيد الله سبحانه ، وألا نجعل شيئاً من خصائص الله لشيء من الخلق ، وهذا الفعل - وهو مشابهة أهل الجاهلية بالاستقسام بالأزلام - يزعم فاعله أن الاستقسام هو عين ما أراد الله ، فيُلزم نفسه به ، وهل علم هذا العامي المسكين الغيب ؟ والله - سبحانه - يقول : { وَمَا تَدْرِي نَفْس مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } (لقمان : 34) ، فهل نأتمر وننقاد بالحصى والجمادات ، أو بالتوكل على الله - سبحانه - وبما أمرنا به الحبيب محمد صلى اللّه عليه وسلم ؟
وما هو حال الأبناء إن رأوا الآباء يفعلون مثل هذه السخافات ، ويظنون أنها من الحق الذي أنزِل إليهم من ربهم ، وثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وتجد منهم الانقياد والطاعة ، ويظنون أن هذا من ميراث النبوة ؟ وما هو - في الحقيقة - إلا دجل وباطل ما أنزل الله به من سلطان ، وليس بشيء إلا أنه من ميراث الجاهلية .
مبدأ المخالفة
حيدر : اتحاد المسلمين أُمنية لكل مسلم ، واتفاقهم في الأصول وأيضاً في الفروع حلم لكل مؤمن مخلص ، فلمِ هذا الشقاق وازدياد هوة الخلاف !
خالد : هذا الأمر كما قلت حلم وأمنية ، وليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، إن كان هناك من مانع دون إمكانية الالتقاء في أي قضية شرعية .
حيدر : أتقول بأنّ التقارب مستحيل بين الشيعه والسنة ؟
خالد : التقارب والالتقاء محال في ضوء الأمور والنصوص التالية :
1 - ذكر الحر العاملي في وسائل الشيعة ( 18/84 ) عن عبدالرحمن بن أبي عبدالرحمن قال : قال الصادق عليه السلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه ، فإن لم تجدوها في كتاب الله فاعرضوها على أخبار العامة ( السُّنة ) فما وافق أخبارهم فذروه ( أي : اتركوه ) ، وما خالف أخبارهم فخذوه » .
2 - أفتى الخميني في كتاب الرسائل ( 2/83 ) : « وعلى أي حال لا إشكال في أن مخالفة العامة ( أي : السُّنة ) من مرجحات باب التعارض » .
3 - أورد الحر العاملي في الوسائل ( 18/85 ) والموسوي الخميني في الرسائل ( 2/81 ) ومحمد باقر الصدر في تعارض الأدلة الشرعية صفحة ( 359 ) عن محمد باقر بن عبدالله قال : قلت للرضا عليه السلام : « كيف تصنع بالخبرين المختلفين ؟ فقال : إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف العامة ( أي : السُّنة ) » .
حيدر : الحق لا يتعدد يا أخ خالد ، فلماذا نحث العوام على المخالفة ؟
خالد : الخميني يحث دائماً على المخالفة لأقوال وأحكام الأعداء ويعني بهم أهل السُّنة ، مثل ما قال في كتابه تحرير الوسيلة ( 82 ) : « شيعتنا : المسلمون لأمرنا ، والآخذون بقولنا ، المخالفون لأعدائنا ، فمَن لم يكن كذلك فليس منا ، فخذوه وانظروا ما يوافق أخبارهم فدعوه » .
فمثل هذه الرويات والفتاوى عن كبار المراجع الدينية ما هي إلا سد منيع في وجه مَن ينادي بإخلاص لفكرة التقارب وتوحيد الصفوف ، وهل الكويت تتقبل هذا النوع من الفتاوى الممزقة للوحدة الوطنية ؟ !
توحيد كلمة المسلمين
حيدر : قبل أن نختم حوارنا الشيق ، هل بالإمكان أن تبين لي أهم الأسباب المفضية إلى التباعد والتنافر بين الشيعة والسُّنة .
خالد : إنَّ من أهم الأسباب :
ا - وجود نصوص تكفر مَنْ لا يتبع مذهب الشيعة .
2 - تجديد مناسبات الشتم واللعن والتحقير لسلف الأمة وغرسها في القلوب .
3 - التقليد الأعمى ، وتقديس الرجال ، المفضي إلى عدم سؤالهم عن مصدر فتاويهم .
4 - وجود متعالمين جهال ، يحسبهم العوام أنهم من أهل الفتوى والإجابة ، وذلك بسبب اللباس أو العمامة أو الادعاء من بعضهم أنهم من آل البيت ( رضي الله عنهم ) ، وهم لا ناقة لهم ولا جمل في فهم النصوص الشرعية ، بل وحتى في فهم اللغة العربية وعلومها .
5 - العاطفة العمياء التي تقود المسلمين كبارهم وصغارهم ، بعيداً عن النظر إلى الحق والصواب بعقل متجرد عن الهوى .
حيدر : وما السبيل إلى توحيد كلمة المسلمين ؟
خالد : الأمر بغاية الوضوح والإشراق :
ا - تحكيم الكتاب والسّنة النبوية الصحيحة ، وفق فهم مَن نزل في زمنهم القرآن وقيلت لهم الأحاديث .
2 - تمييز الخبيث من الطيب في كل ما يَرِدُ علينا من روايات .
3 - تمكين جانب العقيدة الصافية البعيدة عن الشرك والشوائب في قلوب الأبناء ، مع اجتناب كل ما يخدش هذا الركن من قول أو فعل أو اعتقاد .
4 - العلم بأن أعداء الدين يريدون منا أن نتفرق ، وتذهب ريحنا ، فنكون لقمة سائغة لهم ، وباتحادنا نحمي ديننا وأعراضنا ومقدساتنا من الأعداء .
حيدر : أسال الله أن يجمعنا على طاعته وأن يوحد كلمة المسلمين .
خالد : آمين يا أرحم الراحمين .
وسائل التقارب
حيدر : وختاماً وبعد هذا الحوارالممتع ، أظن أن ملامح ووسائل التقارب بين الشيعة والسنة أصبحت ظاهرة ، وأن سبب الخلاف أصبح معلوماً ، فمن وجهة نظرك هل بالإمكان تحقيق التقارب في الواقع .
خالد : اتحاد صفوف المسلمين ، هدف عند كل مسلم غيور على دينه ، ويحب أن يعلو الإسلام في وجه كل حاقد ، ولا يمكن توحيد الصفوف إلا بتوحيد الذي في القلوب ، اعتقاداً وفعلاً وقولاً .
حيدر : الحمد لله أننا أهل قبلة واحدة ، وكل المسلمين يعرفون لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله ، وأيضاً حب النبي وآله ملأ قلوبهم .
خالد : المعرفة بالشهادتين لا تغني صاحبها شيئاً إن لم يصاحبها اعتقاد سليم وقول صحيح ، موافق لما ثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فمقولة « لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله » هي المفتاح لدخول الجنة وهذا المفتاح له أسنان لفتح الباب ، والأسنان هي الأعمال الصالحة التي ثبتت عن حبيبنا محمد صلى اللّه عليه وسلم وليست عن مشرع آخر من الخلق . كما قال تعالى : { فَمَن كَانَ يَرْجُو لقَاءَ رَبِّهِ فَلْيعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (الكهف : 110) والعمل لا يكون صالحا إلا بتحقيق الإخلاص والمتابعة لأبي القاسم صلى اللّه عليه وسلم .
والتقارب له أمثلة دالة عليه نتمكن من بعدها القول بإمكانية تحقيق هذا الأمر المرجو وهي :
ا - أن يوافق الباطنُ الظاهرَ ، أي الصدق المتكامل في المسلم .
2 - إخلاص الأعمال صغيرها وكبيرها لله وحده لا شريك له ، وسد أي باب يفضي إلى الشرك .
3 - من خالف ما كان عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم نبين له خطأه ، وننصحه لتغيير باطله ، ونحذر المسلمين من هذا الخطأ .
4 - نطهّر قلوبنا وألسنتنا من أن نقع في السابقين الأولين من أهل الإسلام ، ونعذرهم ، ونغض الطرف عن زلتهم ونفوض أمرهم إلى الله ونقول : { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنّكَ رَءُوفٌ رحِيم } ( الحشر : 10 ) .
حيدر : وهل هناك من معوقات واقعية ، تمنع من التقارب بين الإخوة الشيعة والسُّنة .
خالد : نعم يا أخ حيدر ، هناك معوقات بثها كبار رجال الدين ، من أولئك الذين كنا ننتظر منهم توحيد شمل المسلمين ولكن صدرت منهم فتاوى تزيد الخرق على الراقع ومن أمثلة ذلك :
ا - الحرص والتأكيد على كثير من الأدعية الباطلة ، التي تقدح في الدين ، وتطعن في الصحابة رضي الله عنهم ، كما أفتى بذلك الخوئي والخميني .
2 - تثبيت قضية الاعتقاد بأن الإمام له من الخصائص والصفات التي لا ينبغي أن تكون إلا لله سبحانه ( بأن الكون كله يخضع للإمام ، وأن علياً هو التجلي العظيم لله ) ، كما جاء في تفسير الخميني للقرآن .
3 - التأكيد الدائم على أن ولاية آل البيت شرط في قبول الأعمال عند الله - سبحانه - بل هو شرط في قبول الإيمان بالله والنبي الأكرم صلى اللّه عليه وسلم ، كما ذكر ذلك الخميني في ( الأربعون حديثاً ص 512 ) .
3 - الطعن المستمر في الصحابة ولعنهم واتهامهم بالزندقة مثل ما جاء في كتاب كشف الأسرار ( ص 137 ) .
4 - غرس مبدأ الاعتقاد بأن النواصب ( أي : أهل السُّنة ) والخوارج ، ملعونان وأنهما نجسان ، لجحودهما الراجع إلى إنكار الرسالة ، كما ذُكر ذلك في كتاب الحكومة الإسلامية للخميني .
5 - الإفتاء بحِل مال غير الشيعي ، وأنه من أهل الحرب وهذا أفتى به الخميني في كتاب تحرير الوسيلة ( 1/352 ) ومحسن المعلم في كتاب النصب والنواصب ( 615 ) .
6 - تعليم العوام بأن الزكاة لا تجوز على السُّني ، وإن كان فقيراً ، وإن كان حتى من الأقارب ، لأنه مخالف للمعتقد ، ذكر ذلك في كتاب تحرير الوسيلة ( 1/191 ) .
7 - ذبيحة أهل السُّنة لا تحل ، حيث قال الخميني في تحريرالوسيلة ( 2/146 ) : « وتحل ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا الناصب ، وإن أظهر الإسلام » .
وزاد الخميني هذا الأمر حرمة ، إن كان في الصيد فقال : « فلو أرسل - كلب صيد - كافر بجميع أنواعه ، أو من كان بحكمه كالنواصب لعنهم الله لم يحل ما قتله » . ومعلوم أن النواصب هم أهل السُّنة ، مثل ما زعم بعض علماء الشيعة .
8 - عدم النكاح والتزوج من السُّنة ، واستدل الخميني برواية عن أبي عبدالله أنه سُئلَ عن نكاح الناصب ؟ فقال : « لا ، والله ما يحل » ، ذكره في تحرير الوسيلة ( 2/286 ) .
والنواصب يُقصد بهم يا أخ حيدر « أهل السنة » كما صرَّح بذلك جمع من علماء أهل الشيعة مثل التيجاني في « الشيعة هم أهل السنة ص 161 ) ، فقال : « وغني عن التعريف بأن مذهب النواصب هو مذهب أهل السنة والجماعة » .
وبهما قال الدرازي الشيعي في كتاب ( المحاسن النفسانية ص 147 ) : « بل أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يُقال عنه أنه سنياً » .
وغيرها من الفتاوى الدالة على التفريق وزرع البغض بين المسلمين ، وإشاعة أعمال الشرك بين صفوف العوام من المسلمين .
ولعلنا بعد تثبيت الدعائم وإزالة المعوقات ، من قبل المخلصين ، سنجد القلوب المتقاربة ، والأبدان المتلاحمة حول الحب الصحيح للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، والاتباع السليم البعيد عن الغلو والبدع والإفتاء بغير دليل ، ولتوحدت الصفوف ، لما فيه خير البلاد والعباد .
حيدر : آمين يا رب العالمين .
كتب نافعة ننصح بقراءتها
خالد : وفي الختام ، أقدم لك يا أخ حيدر مجموعة طيبة مباركة بإذن الله من كتب قيمة في محتواها ، لعلك من بعد قراءتك لبعض منها ، تزداد رسوخاً في الحق الذي جاء به النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وسار عليه الصحابة وآل البيت ( رضي الله عنهم ) أجمعين ، ومن هذه الكتب :
ا - سلسة الأحاديث الصحيحة ... للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ( رحمه الله تعالى ) .
2 - الإصابة في تمييز الصحابة ... للحافظ ابن حجر العسقلاني ( رحمه الله تعالى ) .
3 - أصول مذهب الشيعة ... للدكتور ناصر القفاري .
4 - البداية والنهاية ... للعلامة ابن كثير ( رحمه الله تعالى ) .
5 - بل ضللت ... للشيخ خالد العسقلاني .
6 - تاريخ الطبري ... للمؤرخ محمد بن جرير الطبري ( رحمه الله تعالى ) .
7 - حقبة من التاريخ ... للشيخ عثمان الخميس .
8 - الخميني بين التطرف والاعتدال ... للدكتور عبدالله الغريب .
9 - الخميني والوجه الآخر ... الدكتور زيد العيص .
10 - حتى لا ننخدع ... للشيخ عبد الله الموصلي .
11 - الشيعة وأهل البيت ... للشيخ إحسان إلهي ظهير ( رحمه الله تعالى ) .
12 - الشيعة الاثنى عشرية وتحريف القرآن : محمد عبدالرحمن السيف .
13 - الشيعة والسنة . . للشيخ إحسان إلهي ظهير ( رحمه الله تعالى ) .
14 - الصراع بين الإسلام والوثنية ... عبدالله القصيمي .
15 - عبدالله بن سبأ وإمامة على بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ... للشيخ علي عبد الرحمن .
16 - كسر الصنم ( نقض كتاب الكافي ) ... لآية الله البرقعي .
17 - كشف الجاني محمد التيجاني ... للشيخ عثمان الخميس .
18 - مجموع الفتاوى ( للعلامة ابن تيمية رحمه الله ) جمع عبد الرحمن القاسم رحمه الله .
19 - مختصر التحفة الاثنى عشرية ... لشاه عبدالعزيز غلام الدهلوي رحمه الله .
20 - منهاج السنة النبوية ... لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية ( رحمه الله تعالى ) .
حيدر : أسأل الله تعالى أن يعينني على قراءتها ، وأن يوفقني وأياك يا أخ خالد إلى ما يحبه ويرضاه ، وأن يحشرنا في زمرة نبيه الكريم صلى اللّه عليه وسلم وآله الطاهرين ، وأصحابه الميامين ، إنه نعم المولى ونعم المجيب .
خالد : آمين .
خاتمة اللقاء
أحي القارئ
من بعد هذه الحوارات الهادئة ، والكلام المتعقل ، المستند على الأدلة من أمهات الكتب ، والمصادر الأصيلة ، ينبغي على النفوس أن تؤوب إلى الحق ، وأن تتريث قبل أن تصدر أي حكم على الطرف الآخر .
ولا يخفى على أحد أن الحوار بين الشيعي والسني ، حوار يتسم غالباً بالحدة والانفعال غير المجدي .
وقبل الحوار أو أي كلام ينبغي على كلا الطرفين أن يخلصا النية لله وأن يقصدا في نقاشهما الوصول إلى طريق الحق ، والحق ليس له إلا سبيل واحد ، هو ما أردنا في هذه الرسالة الوصول إليه بإذن الله تعالى .
وليحذر المسلم من أقوال لا أرض لها ولا سماء ، ولا حجة فيها إلا جميل البيان وقوة البلاغة وفصاحة اللسان ، وهي في مضمونها خاوية من القرآن أو الحديث الصحيح ... وهذه الأقوال رائجة بين العوام وغيرهم .
والقارئ الكريم يجد في هذه الأوراق عدم التجريح في الذات أو الطعن في الأسماء ، ولكن القول والفتوى هما اللذان عليهما مدار الحوار والنقاش الهادئ المثمر .
وهذه الرسالة قد لا تكون احتوت على جميع المسائل الشائكة بين الشيعة والسنة ولكنها ولله الحمد والمنة أضاءت دروب بعض القضايا ، وأنارت على زوايا مظلمة في أفكار البعض من الإخوة ، من الذين كانوا يتلقون علومهم بالاستماع فقط ، ولم تقترب أيديهم من مصادر هذه العلوم .
والله أسأل أن يجعل لهذه الأوراق القبول الحسن عند إخوة لا نريد منهم إلا أن يكونوا من أتباع محمد صلى اللّه عليه وسلم وفق ما ثبت عنه بالدليل الصحيح ، وأن يحشرنا جميعاً تحت مظلة الإسلام إخوة أحباباً مجتمعين على الحق .
إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
[1] البخاري ومسلم .
[2] وهو ضرب الرأس بالسيف .
[3] قال ابن تيمية رحمه الله ( في الفتاوى ج 4/487 ) : ( من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا تقبل منهم صرفاً ولا عدلاً ) .
[4] عجل الله فرجه .
[5] لاحظ : لم يذكر محمد الباقر اسم المهدي ، لأن في عقيدة الشيعة لا يجوز ذكر اسم المهدي صراحة وقد يصل الحكم إلى التكفير .