Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

مأزق "الشيعة" في لبنان ..

فؤاد سلامة
في مقالته المنشورة في موقع "المدن" بتاريخ 15/04/2013 يحاول برهان غليون تبيان أوجه الأزمة التي يعيشها حزب الله نتيجة انخراطه بشكل مكثّف في الصراع الدائر في سوريا إلى جانب النظام الأسدي، بناء على طلب من القيادة الإيرانية التي مولت حزب الله وسلّحته في الماضي، ولا زالت تفعل ذلك من دون توقف. الأزمة المشار إليها، لم تعد تقتصر على تنظيم عسكري، بل أصبحت أزمة بنيوية خطيرة داخل طائفة رئيسية في لبنان، البلد الذي يحدد أبناؤه انتماءهم بالصفة الطائفية وليس بالصفة الوطنية. يحاول غليون "إفهام" قيادة حزب الله بأنه ليس من مصلحتها، ولا من مصلحة شيعة لبنان الاستمرار في القتال إلى جانب الأسد، الذي لا بد أنه ساقط، كما أن هناك احتمالاً لأن تغير القيادة الإيرانية سياستها، ما سيضرّ بمصداقية حزب الله أمام جمهوره اللبناني الشيعي، الذي يزج الحزب بأبنائه في الحرب دفاعاً عن نظام إجرامي لا أمل ببقائه.
الرسالة واضحة: حزب الله ارتكب خطأً فادحاً بالقتال إلى جانب الأسد، بتوجيه وضغط من القيادة الإيرانية المشهورة ببراغميتها، والتي يمكن أن تغير سياستها عندما تحين الظروف. على حزب الله أن يسارع بالانسحاب من القتال، قبل أن تتعقد الأمور، ويتجه الصراع أكثر باتجاه حرب سنية - شيعية على امتداد العالم العربي والإسلامي، سيكون الشيعة فيها خاسرين حتماً لأنهم أقلية. على حزب الله أن يتخلى عن سياسة تحالف الأقليات، التي ورطه فيها النظام الأسدي دفاعاً عن سلطته، في وجه أكثرية شعبه.


لا يخفى على أحد أن صرف مبالغ ضخمة من قبل إيران على تنظيم سياسي - عسكري، في بلد بعيد كلبنان، له هدف استراتيجي أوحد هو بناء ذراع قوية لإيران في المنطقة، تستطيع استعمالها في صراع النفوذ مع القوى الدولية، الذي تخوضه إيران منذ قيام جمهوريتها الإسلامية قبل ثلاثين سنة ونيف. بناء على ذلك يصبح كلام قادة الحزب عن مال نظيف وحلال، له استعمال محلي هو دعم المقاومة في جنوب لبنان، مجرد تمويه للهدف البعيد والأساسي الذي هو استتباع الطائفة الشيعية في لبنان في سياسة بناء القوة الإيرانية. هذا ما يتأكد لنا بعد أكثر من ثلاثة عقود على قيام حزب الله إذ نرى كيف أصبح أكثرية الشيعة في لبنان مجندين كتلة متراصة وعمياء، في خدمة السياسة الإيرانية في المنطقة، بعد أن كان الشيعة تاريخياً خزان التيارات القومية واليسارية في لبنان. وكان التنوع والاعتدال ظاهرة لافتة في أوساطهم.
هل ما زال حزب الله قادراً على اتخاذ قرار منفرد بالخروج من الصراع العسكري في سوريا؟ الوقائع والأحداث المتلاحقة في لبنان، منذ اغتيال الحريري مروراً بحرب تموز و"النصر الإلهي"، انتهاء بالمشاركة الكثيفة في الصراع العسكري في سوريا، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك الارتباط العضوي الذي لا فكاك منه للحزب المذكور بسياسة إيران واستراتيجياتها التوسعية في المنطقة. لو كانت المسألة تقتصر على مجرد تنظيم صغير لهان الأمر، ولكن، أصبح جلياً أن حزب الله قد "ابتلع" الطائفة الشيعية في لبنان بعد عقود من النشاط والبناء والتمويل والتحصين، وبالأخص الضخ الأيديولوجي الذي يمكن تشبيهه بعملية غسل دماغ ضخمة شهدنا مثلها في إيطاليا وألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية، وكانت تمهيداً لحرب دمرت القارة الأوروبية.


في مثال معبر عما يتداوله السوريون من أحاديث وكتابات، تقول الأديبة والناشطة السورية المعارضة ديانا الجابري المقيمة في لندن، على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوك): "إيران تقاتل في سوريا اليوم ليس دفاعاً عن الأسد، هي تحارب عن وجودها وعن محافظتها الـ35، وعن مشروع عمرها، الفارسي المذهبي، في هلال شيعي كاد أن يصبح بدراً، وفي هذا لا يختلف الإيراني المؤيد لحكومته مع المعارض. إيران المعارضة مشكلتها مع حكومتها سياسية داخلية على عروش وكراسي حكم في المقام الأول، ولا تختلف بالشأن الخارجي (نحونا) قيد أنملة. مشكلتنا مع الشيعي والمتعاطف مع الفكر الشيعي هي عندما تكون إيران مرجعيته السياسية والروحية والفكرية".
من الواضح أن "الشيعة" اللبنانيين، الذين يحددون أنفسهم كطائفة (كمعظم اللبنانيين) في مأزق كبير لا يحسدهم عليه أحد. فبعد أن كانوا عنواناً عربياً وإسلامياً وحتى عالمياً للمقاومة ضد الإحتلال، ها هم يواصلون انحدارهم من القمة التي مكثوا فيها لسنوات نحو الهاوية التي ينجرفون إليها بسرعة ولا يستطيعون حتى أن يدوسوا على كوابح مركبتهم المندفعة نحو القاع. ماذا حصل؟ مؤامرة، يقول منظرو حزب الله ومن بقي من داعميه اليساريين المتهاوين بدورهم.. إذا كانوا يعرفون أنها مؤامرة لجر حزب الله للقتال في سوريا ضد المتشددين السنة، كما يُفهم من قول زعيم حزب الله عندما حذر جماعة القاعدة من القدوم إلى سوريا لكي لا يتعرضوا للإبادة هناك. فلماذا يدفع حزب الله بأبنائه إلى سوريا لقتال الجهاديين ليعود مقاتلوه بالأكفان إلى القرى الشيعية؟ "الجهاديون" الشيعة والسنة يتبادلون حرب الإبادة.. من سيوقف هذه الحرب؟ الإسرائيلي أو الأميركي، الذين يردد الجميع أن مصلحتهما هي في استمرار القتال حتى تدمير سوريا وفناء الجميع، وخروج إيران وحزب الله منهكين ومهزومين فوق ذلك؟


يُخشى أن يصبح صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، ردم الهوة التي تتوسع بين أكثرية الشعب السوري وأكثرية الشيعة اللبنانيين، خصوصاً وأن هذه الهوة ما فتئت تمتلئ بدماء الضحايا من الجانبين. مفهوم أن نتكلم عن ضحايا عندما يموت الناس على أرض بلدهم دفاعاً عن التراب الوطني. ينطبق هذا الوصف على السوريين داخل سوريا، ولكن يصعب الكلام عن ضحايا لبنانيين يسقطون على الأرض السورية، دفاعاً عن نظام ديكتاتوري، بحجج واهية، مثل الدفاع عن مقامات دينية لا أحد يهددها. هؤلاء اللبنانيون هم في الواقع ضحايا سياسة الاستكبار وغطرسة القوة، التي يمارسها القادة الإيرانيون ويسوقون إليها لبنانيين، مجندين مذهبياً، سوق النعاج إلى المسلخ.
ما سميناه مأزق الشيعة في لبنان، صار بمرور الزمن مأزق لبنان مع الشيعة، باعتبار واقع وجود جيش مذهبي مدجج بالسلاح إلى جانب الجيش الوطني يشكل حائلاً بنيوياً دون إعادة بناء الدولة، وإطلاق عجلة المؤسسات، بشكل طبيعي، وعودة الاستقرار السياسي والاقتصادي إلى البلد. وفي الواقع فإن هذا المأزق، هو في التحليل الأخير، نتيجة لمسببين: الجار الإسرائيلي الخبيث والصيغة الطائفية الخبيثة أيضاً. إنه وضع فريد في العالم يفسر فرادة الأزمة اللبنانية واستعصاء الحلول السياسية الطبيعية، ما يستوجب الحاجة لاجتراح صيغة جديدة ومتينة تقبل بها المكونات الطائفية الأخرى في لبنان، طالما أن البلد محكوم بالتوازنات الطائفية، كما يعترف الجميع.
لا نجد أفضل مما ختم به غليون مقالته المذكورة أعلاه في "المدن": "لن يربح أحد لا من الشيعة ولا من السنة من تفجير الحرب الطائفية السنية - الشيعية". "ولن تستطيع دولة إقليمية، أو أجنبية، مهما حظيت به من قوة وتقنية ونخبة طموحة، أن تسيطر على الدول الأخرى وتعلن سلطانها عليها. كل ما سنحصده هو الدخول في المنطق الجبان والمهزوم نفسياً وسياسياً الذي ورط الأسد نفسه فيه، أي حرق المشرق بأكمله، وتسعير الطائفية، وإنجاب نخب عنصرية على الطريقة النازية التي انتهت بتدمير ألمانيا وموت أجيال عديدة من شبابها في حروب عظمة فصامية".