ظاهرة الصدر والحرب اللبنانية ..
كان موسى الصدر قطب الرحى في العلاقات الايرانية السورية، وكانت له صلات وثيقة مع الرئيس النصيري حافظ الأسد، ولعب دورا رئيسا في الحرب اللبنانية بالتنسيق مع النظام السوري، وأقام علاقات وطيدة مع جميع الأطراف والهيئات:
مع منظمة التحرير، والموارنة، واليساريين، والمسلمين في لبنان، ومعظم الحكام العرب.
والحديث عن التقارب النصيري الرافضي يقتضي تسليط الأضواء على شخصية موسى الصدر:
موسى بن الصدر الدين الصدر ايراني المولد والجنسية، مواليد عام 1928 تخرج من جامعة طهران _ كلية الحقوق والاقتصاد والسياسة _ ومن هنا نعلم أن الصدر سياسي وليس عالما من علماء الشيعة، ورد أنصاره على هذه التهمة بأنه درس في النجف بعد تخرجه من جامعة طهران، وبعضهم يقول درس في قم وليس في النجف، وكان تلميذا لهذا الخميني.
وصل الصدر لبنان عام 1958 ونزل ضيفا على آل شرف الدين في مدينة صور، وكان مجرد عالم شيعي موفد من النجف للقيام بنشاط ديني في أوساط الشيعة.
هذا الذي يظهر بمهمته أما حقيقة العرض الذي جاء من أجله فيشير إليه السياسي الايراني الدكتور موسى الموسوي فيقول:
-410 -
(في عام 1958 أرسل الجنرال بختيار مدير الأمن العام الايراني موسى الصدر الى لبنان وزوده بالأموال اللازمة .. وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ أصبح هذا الشخص رئيسا للمجلس الشيعي الأعلى. وقد صرفت الحكومة الايرانية لتوليته هذا المنصب أكثر من مليون ليرة لبنانية) "5".
وفور وصول الصدر الى لبنان وجد كل دعم من الرئيس اللبناني فؤاد شهاب، وقد منحه الجنسية بموجب مرسوم جمهوري، علما بأن منح الجنسية لغير النصارى في لبنان أمر في غاية المشقة، فهناك قبائل ومواطنون لبنانيون منذ القديم ولا يحملون الجنسية اللبنانية فكيف سارع شهاب الى هذا الكرم الحاتمي ومنح الجنسية لايراني ابن ايراني وليس له إلا أيام في لبنان؟!.
ولمع نجم الصدر في لبنان كلها، وساهمت السلطة المارونية في ذلك حيث كانت أصعب القضايا تحل عن طريق الامام، وبطاقته عند السلطة لا ترد فقام ببناء المدارس والنوادي والحسينيات في سائر أنحاء لبنان وجعلها مراكز لنشاطه السياسي ومن المؤسسات التي أنشأها: جمعية بيت الفتاة، ومؤسسة التعليم المهني، ومعهد الدراسات الاسلامية، وجمعية البر والاحسان.
وفي عام 1969 نجح الصدر في انشاء المجلس الشيعي الأعلى، وكانت هذه أول خطوة ينفصل بموجبها الشيعة عن السنة في لبنان، وصار الشيعة في لبنان طائفة مستقلة كالموارنة والسنة، وكان ذلك بموجب مرسوم صادر عن رئيس الجمهورية.
(5) انظر كتاب ايران في ربع قرن للدكتور موسى الموسوي ص165.
-411 -
ويقول كامل الأسعد في حديث نشرته مجلة الحوادث اللبنانية في 3/ 1/75:
لقد أبدى أقطاب النهج"6"، الذين كانوا وراء مطلب انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، تحبيذهم لتعيين السيد موسى الصدر رئيسا للمجلس، ثم قال الأسعد:
(والجميع يذكر كيف كان السيد موسى الصدر خلال تلك الفترة التي امتدت عدة سنوات تابعا للعهد ولزعماءه).
وأضاف قائلا:
(إن هناك أكثر من علامة استفهام تدور حول الخطة التي ينفذها السيد موسى الصدر والأشخاص الذين يؤيدونه هنا وفي الخارج، وأبعاد هذه الخطة في لبنان والخارج).
والذي قاله الأسعد موافق لأقوال كل من كتب عن الصدر فالدستور الصادرة في فرنسا أشارت الى هذه الحقيقة في عددها الصادر بتاريخ 26/ 6/1978، والقبس 19/ 9/1978، والأنباء الكويتية 29/ 9/1978، هذه الصحف وغيرها تحدثت عن شخصية الصدر المشبوهة.
(6) النهج هم أنصار الرئيس فؤاد شهاب، وكان حكمه قائما على المخابرات _ المكتب الثاني _ ومن أبرز ضباط المخابرات الذين برزوا في عصره (أميل البستاني، غابي لحود، سامي الخطيب)، واستمر حكم النهج طيلة عهد شهاب وخلفه شارل الحلووهومن أنصاره، وانتهى نفوذهم في عهد سليمان فرنجيه، ثم عاد من جديد في عهد إلياس سركيس الذي قام بإعادة ضباط المكتب الثاني الذين كانوا في عهد شهاب.
-412 -
وفي بداية السبعينات أنشأ الصدر حركة المحرومين ووضع لها شعارات براقة: كالإيمان بالله، والحرية، والتراث اللبناني!!، العدالة الاجتماعية، الوطنية وخاصة الجنوب، تحرير فلسطين، الحركة لجميع المحرومين وليست خاصة بالشيعة.
كما أنشأ الصدر جناحا عسكريا لحركة المحرومين أسماه (أمل)، وحرص على أن يكون سريا، بل كان يتظاهر بأنه ضد التسلح، واعتصم في مسجد العاملية في بيروت احتجاجا على (المليشيات) والتسلح، واندلاع الحرب، وبعد أيام قليلة من انهاء اعتصامه انفجر لغم في مخيم للتدريب تابع لمنظمة أمل في البقاع أدى الى مقتل 36 شخصا وجرح 43 شخصا .. وبعد هذه الفضيحة أعلن عن انشاء أمل في 6 يوليو1975.
وفي عام 1974 نقلت الصحف اللبنانية مجموعة من خطب الصدر في مناطق متعددة من لبنان ومن ذلك قوله: (الثورة لم تمت في رمال كربلاء بل تدفقت في مجرى حياة العالم الاسلامي). كان هذا في أوائل شباط. (وابتداء من اليوم لن نشكوولن نبكي فاسمنا ليس _ المتاولة _ بل اسمنا _ الرافضون _ رجال الثأر .. لقد واجه الحسين العدوومعه سبعون رجلا، وكان العدوكثير العدد، أما اليوم فنحن نعد أكثر من سبعين، ولا يعد عدونا ربع سكان العالم).
ومعظم الذين كانوا يحضرون احتفالات الصدر كانوا مسلحين، وكأنه كان يهيئهم لخوض غمار المعارك.
بدأت الحرب اللبنانية، فكانت خطة الصدر فيها على الشكل التالي:
له منظمة مسلحة _ أمل _ في الجنوب وبيروت والبقاع، وكانت منظمته متعاونة مع القوات الوطنية، وكان للشيعة تواجد في جيش لبنان العربي، فكان مساعدو
-413 -
أحمد الخطيب منهم وكان للصدر وشيعته صلات وثيقة مع منظمة التحرير، وكان يتصدر اجتماعات مع جميع الأطراف _ وخاصة الموارنة _ لإنهاء الحرب.
وأكثر الجهات التي كان الصدر يتعاون معها النظام النصيري في سورية. ولقد رأينا في الصفحات الماضية أنه استصدر مرسوما حكوميا أصبح نصيريوالشمال اللبناني بموجبه شيعة، وعين لهم مفتيا جعفريا، وعندما هلك والد حافظ الأسد استدعى الصدر ولقنه الكلمات التي تلقن لموتاهم وهم في حالة النزاع، وكان الامام الساعد الأيمن لكل مسؤول سوري يدخل لبنان من أجل التوسط في النزاع القائم بين المسلمين والفلسطينيين من جهة والموارنة من جهة ثانية.
أما المسلمون السنة أينما كانوا _ في منظمة التحرير أوجيش لبنان أوالتجمع الاسلامي أو.. _ فما كانوا يخفون سرا على أنصارهم الشيعة، بل كانوا يتعاملون معهم بدون أي خلفية.
وبعد المجزرة التي ارتكبها الموارنة في (الكرنتينا) هب المسلمون في لبنان، وتمكنت القوات الوطنية من احتلال: شاتورة، وزحلة، وزغرتا، والدامور، والسعديات، وسقط معظم لبنان بأيديهم، وحاصروا الصليبيين في عقر دارهم، وبدأت مدافع جيش لبنان العربي تدك قصر بعبدا لولا تدخل منظمة الصاعقة النصيرية وفرار سليمان فرنجيه من قصره .. وبات مؤكدا أن لبنان ستتحكم من قبل القوات الوطنية.
ونشرت الصحف اللبنانية في هذه الفترة مقابلة مع عبد الحليم خدام وزير الخارجية السورية قال فيها أن طلبا رسميا من لبنان تقدمت به لأمريكا لتتدخل كما تدخلت عام 1958 فرفضت أمريكا وتراجعت اسرائيل، كلام خدام صحيح وقد ورد في بيانات رسمية صدرت عن أمريكا من جهة وعن شخصيات لبنانية من جهة ثانية.
-414 -
ولحظة دخول الجيش النصيري الى لبنان استبدل موسى الصدر وجهه الوطني الاسلامي بوجه باطني استعماري وقام بالدور التالي:
أمر الضابط ابراهيم شاهين فانشق عن الجيش العربي، وأسس طلائع الجيش اللبناني الموالية لسورية، كما انشق الرائد أحمد المعماري شمال لبنان وانضم للجيش النصيري، وكان جيش لبنان العربي أكبر قوة ترهب الموارنة، فانهار لأنه ما كان يتوقع أن يأتيه الخطر من داخله من قاسم شاهين وغيره. وأمر الصدر منظمة أمل فتخلت عن القوات الوطنية، وانضم معظم عناصرها لجيش الغزاة.
وبدأ الصدر بمهاجمة منظمة التحرير. نقلت وكالة الأنباء الفرنسية في 12/ 8/1976 اتهام الصدر للمنظمة بالعمل على قلب النظم العربية الحاكمة وعلى رأسها النظام اللبناني، ودعا الأنظمة الى مواجهة الخطر الفلسطيني، ونقلت بعض الصحف اللبنانية تصريحه هذا.
وكانت ضربة الصدر للفلسطينيين مؤلمة مما جعل ممثل المنظمة في القاهرة يصدر تصريحا يندد فيه بمؤامرة الصدر على الشعب الفلسطيني وتآمره مع الموارنة والنظام السوري.
وما من معركة خاضها جيش لبنان العربي والقوات اللبنانية الفلسطينية إلا ووجدوا ظهورهم مكشوفة أمام الشيعة. فمثلا خاضوا معركة قرب بعلبك والهرمل فاتصل الشيخ سليمان اليحفوفي المفتي الجعفري هناك بالجيش النصيري وسار أمامه حتى دخل بعلبك فاتحا على أشلاء المسلمين.
وما اكتفى الصدر بهذا القدر من الأعمال بل أوعز الى قيادة أمل بأن لا يقاوموا الموارنة فى حي النبعة والشياح، وهذا يعني أنه سلم مناطق الشيعة في بيروت للموارنة،
-415 -
وتركهم يقتلون ويأسرون كيفما يشاؤون، وهوالذي كان يقول: السلاح زينة الرجال، وأنهم رجال الثأر، وأن ثورتهم لم تمت في رمال كربلاء.
فأين السلاح، وأين الثأر، وأين كل تلك التهديدات التي كان يطلقها، ومتى يستعملها إن لم يستخدمها وهويرى القتل والابادة في سكان الشياح وحي النبعة؟!.
وتحت حماية أسنة الغزاة المحتلين راح الصدر يتحرك، كعميل للنظام النصيري، وكمساعد لعبد الحليم خدام وزير الخارجية السوري .. فعندما طلب الوزير خدام من زعماء المسلمين أن يوقعوا على ميثاق وطني تكرس بموجبه رئاسة الجمهورية للمارون، رفض الزعماء المسلمون جميعا هذا الطلب إلا موسى الصدر وافق عليه.
وفي 5/ 8/1976 نقلت وكالة الأنباء الفرنسية أن الصدر دعا الى اجتماع ضم أساقفة الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك والموارنة الكاثوليك وعددا من أعيان البقاع ونوابها، وتم عقد الاجتماع في قاعدة رياق الجوية من أجل تشكيل حكومة محلية في المنطقة التي يسيطر عليها السوريون النصيريون.
أدرك المسلمون في لبنان _ ونقصد بالمسلمين القوات الفلسطينية اللبنانية المشتركة وسائر المنتسبين للاسلام بغض النظر فيما لوكانوا مسلمين فعلا أم لا _ على مختلف نحلهم حقيقة الدور الذي يقوم به الصدر، فحاولوا اغتياله ونسفوا بيته في بعلبك لكنه نجا من الموت، وضاقت عليه الأرض بما رحبت فالتجأ الى دمشق وسكن في حي الروضة تحت حراسة اخوانه النصيريين، وصار يمثله في المؤتمرات والمفاوضات في لبنان نائبه الشيخ محمد يعقوب ..
-416 -
وبدأ الامام بدور جديد بعد الاحتلال السوري للبنان فقام بزيارات لمعظم البلاد العربية ظاهرها السعي من أجل ايجاد حل للمشكلة اللبنانية، وحقيقتها أخذ مساعدات لتوزيعها على المحرومين!!، ويبدوأن مواقفه المتناقضة أثارت حنق القذافي، فألقي القبض عليه خلال زيارته الأخيرة لطرابلس، واختفى الامام وما زال مختفيا مع اثنين من مرافقيه، ويقال أنه كان قد أخذ من القذافي أكثر من عشرين مليونا من الدولارات.
أطراف المؤامرة:
المؤامرة التي دبرها أعداء الاسلام على أرض لبنان لم تنه، ولم تقتصر على لبنان بل سوف يمتد لهيبها ليحرق العالم الاسلامي إن لم تلحظه عناية الله. والذي يهمنا هنا أن نحدد أطراف المؤامرة:
1_ الصدر وشيعته:
هذا الجاسوس الايراني الذي أرسله الشاه الى ايران فمنحه الموارنة الجنسية اللبنانية، وأعطوه صلاحيات واسعة لم يحلم بها أقطاب الشيعة كصبري حمادة، وكامل الأسعد، وعادل عسيران، ويكفي أن يحمل المواطن اللبناني بطاقة من موسى الصدر لتحل أكبر مشكلة له عند السلطة.
وخلال سنوات قصيرة فصل الصدر الشيعة عن السنة وأنشأ حركة المحرومين ومنظمة أمل ووحد الشيعة مع النصيرية، وأخيرا مكن الجيش النصيري من احتلال لبنان، وتنكر للفلسطينيين ولمنظمة التحرير بعد أن جعل لهم بندا خاصا بهم في منهج حركة المحرومين، وصار يتهمهم بالتآمر على قلب الأنظمة العربية وكأنه محام عن مصالح هذه الأنظمة وطالب باخراج الفلسطينيين من جنوب لبنان وتعديل اتفاق القاهرة، ولا يخجل من
-417 -
القول: لسنا في حالة حرب مع اسرائيل والعمل الفدائي في الجنوب يحرجنا (الدستور الصادرة في فرنسا 26/ 6/1978).
2_ النصيريون:
هم الذين خططوا في أوائل الستينات للاستيلاء على الحكم في سورية، ولاتخاذ حزب البعث جسر يمرون من فوقه الى هدفهم المنشود، وقائدهم حافظ الأسد هوالذي أذاع بلاغ سقوط القنيطرة عام 1967، والجنود السوريون ما زالوا مرابطين على حدود فلسطين المحتلة، والعالم كله يشهد بأن سقوط القنيطرة مؤامرة رهيبة، وخيانة ما بعدها خيانة.
وبعد سقوط القنيطرة قامت مفاوضات بين النصيريين الذين يحكمون سورية وزعماء النظام الصهيوني، وبعض هذه المفاوضات كان سريا وكشف، وبعضها علنيا عن طريق أمريكا وغيرها.
واستقبل النظام النصيري اليهودي المتعصب كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابق، وعقد معهم اتفاقات الخطوة خطوة مع اسرائيل، وقدمت الولايات المتحدة قروضا سخية لنظام حافظ الأسد، ويكفيه ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية في 29/ 9/1976:
(صرح اليوم شمعون بيريز _ وزير دفاع العدووقتذاك _ ان هدف اليهود هونفس هدف دمشق بالنسبة للمسألة اللبنانية وقال:
يجب أن نمنع وقوع لبنان تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية).
لقد دخل الجيش النصيري لبنان لينفذ مؤامرة عالمية اتفق عليها قادة الشرق والغرب وعندما اتخذ حافظ الأسد قراره في التدخل كان رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي في دمشق، وأعلن خلال لقاءاته مع الأسد بأنه مع سورية في سياستها ازاء لبنان،
-418 -
وأن الاتحاد السوفياتي موافق على تدخل الجيش السوري. وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية تأييدها لتدخل الجيش السوري ووصفته بأنه خطوة عملية بناءة، وفي 2/ 6/1976 كتبت التايمز تقول:
(ان تدخل النظام السوري في لبنان يلقى ترحيب اليمين المسيحي بدون تحفظ، كما يلقى الموافقة الهادئة من الولايات المتحدة واسرائيل).
وأعلن اسحق رابين رئيس وزراء العدوالصهيوني السابق في تصريح نقلته اذاعتهم:
(ان اسرائيل لا تجد سببا يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان. فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين وتدخلنا عندئذ سيكون بمثابة تقديم المساعدة للفلسطينيين، ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحسنة بالنسبة لنا).
3_ الموارنة:
منذ القديم يعملون على الاستقلال بلبنان، ولم ينكروا تعاونهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، واسرائيل، ودول الغرب، وفي اسرائيل وألمانيا الغربية وفرنسا كانوا يتدربون على السلاح، ومن هذه الدول والولايات المتحدة الأمريكية جاءتهم شحنات الأسلحة والمساعدات المادية.
وأقام الموارنة علاقات وطيدة مع زعماء النصيرية خلال حكم الأسد وقبله، وهناك صلات أسرية وتعاون تاريخي بين الطرفين.
كما أنهم قدموا المساعدات لموسى الصدر وجعلوا منه زعيما لبنانيا قبل الحرب وخلالها
-419 -
واستغرب الناس خيانة الصدر في حي النبعة ولماذا سلمها للموارنة بدون مقاومة، وجاء سكرتير المجلس الاسلامي الأعلى للشيعة الشيخ محمد يعقوب ليكشف _ من حيث لا يشعر _ سر هذه المؤامرة.
نقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن الرئيس سليمان فرنجيه قرر منح المجلس الأعلى للشيعة عشرة ملايين ليرة لبنانية مقابل الأضرار التي لحقت بحي النبعة والشياح، وتم هذا خلال لقاء فرنجيه مع سكرتير المجلس الشيعي، وحضور المقدم السوري ابراهيم هويجي، وأضاف المسؤول الشيعي قائلا:
ان الرئيس فرنجيه والرئيس المنتخب الياس سركيس متفقان على ذلك، تم ذلك في أوائل اكتوبر عام 1976.
فالنصيريون، والنصارى الموارنة، والشيعة، والدول الكبرى، واسرائيل طرف واحد طرف الحرب اللبنانية، أما المسلمون السنة من اللبنانيين والفلسطينيين فهم الطرف الآخر المغلوب على أمره.
ومن أجل هذا جاء موسى الصدر الى لبنان! ومن أجل هذه المؤامرة وغيرها اتحد النصيريون مع الشيعة!!.
كلمة لابد أن تقال:
لوكانت قيادة المسلمين في لبنان _ نقصد زعماء منظمة التحرير والقوات الوطنية اللبنانية _ اسلامية حقا لم تخدع مرارا بالصدر والأسد، لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، أما هذه القيادات فلقد خدعت مرات ومرات.
ففي داخل سورية خدع النصيريون شركاءهم في ثورة الثامن من آذار عام 1963
-420 -
وأعدموا عددا كبيرا من الفلسطينيين لأنهم ناصريون"7" ولولا الناصرية لما نجح البعثيون في الثامن من آذار.
وبعد اقصاء الناصرية وانفراد حزب البعث في حكم سورية غدر النصيريون بمؤسس حزب البعث وفيلسوفه ميشال عفلق ونعتوه بالرجعية والعمالة وألحقوا به الرجل الثاني في الحزب صلاح البيطار.
وبعد أن أدى أمين الحافظ رئيس الجمهورية السورية دوره في طرد عفلق والبيطار، واستقرت الأمور غدروا به وحاولوا قتله ثم اعتقلوه مدة وطردوه من سورية.
ثم جاءوا بعد طرد عفلق بمنيف الرزاز لأنه من شخصيات الحزب القديمة، وعندما أدى دوره غدروا به ففر من حيث جاء _ أي الى الأردن.
ثم استخدموا الطبيب نور الدين الأتاسي رئيسا للجمهورية، (وزعين) رئيسا للوزراء، ثم غدروا بهما بعد أن تحملا خيانة حرب 1967، وألحقوا بهما ناجي جميل بعد أن تحمل وزر الحرب اللبنانية.
وفي جميع هذه الأدوار استمر حافظ الأسد يحرك الأمور من وراء ستار، وكان يستعين دوما بوجوه محسوبة على الاسلام لتتحمل الغرم ويبقى له ولطائفته الغنم.
أما على الصعيدي العربي فكان جمال عبد الناصر أول من غدر به النصيريون، واستدرجوه وفرضوا عليه حرب 1967 ثم وصموه بالخيانة، ومن بعده غدروا بأنور السادات فكانوا يتفقون معه على كل شيء، ثم يسلقونه بألسنتهم.
(7) كان ذلك في 18/ 7/1963.
-421 -
واذا هيأ لهم الجوالمناسب قاموا بنفس العمل الذي قام به.
ثم غدروا بكمال جنبلاط وقتلوه، وغدروا بمنظمة التحرير، وباخوانهم حكام العراق.
وعلى الصعيد الوطني: سلموا الجولان لاسرائيل عام 1967، ثم قدموا لها جيوبا أخرى في حرب 1973، ثم فاوضوا اسرائيل عن طريق اليهودي كيسنجر، وأقاموا علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأخذوا منها الهبات والقروض، وتعاونوا مع موارنة لبنان ضد المسلمين.
أما موسى الصدر وشيعته: فما اكتفى بالتعاون مع حكام سورية، ولم يقتصر دوره على التنديد صراحة بالفلسطينيين، بل انبرى زعماء الشيعة يطالبون بوقف العمل الفدائي في جنوب لبنان ويلمحون باخراج الفلسطينيين من الجنوب، ومن جراء ذلك وقعت صدامات مسلحة بين الشيعة والفلسطينيين، ونظم الشيعة اضرابا عاما في صيدا طالبوا فيه باخراج المنظمات المسلحة من الجنوب.
وكان الصدر أول من طالب بقوات طوارئ دولية تتمركز في الجنوب، وزعم ان لبنان في هدنة مع اسرائيل ولا يجوز ان يخرقها الفلسطينيون، وعندما جاءت قوات الطوارئ نجح في أن تكون نسبة كبيرة من هذه القوات من ايران.
وتعاون معظم زعماء الشيعة في الجنوب مع اليهود في فلسطين المحتلة، ومع سعد حداد، وعندما اتخذت الحكومة اللبنانية قرارا بارسال الجيش اللبناني الى الجنوب ثار موضوع تعاون الموارنة مع اليهود، فقال بيار الجميل زعيم الكتائب:
-422 -
ان الشيعة تعاملوا مع اسرائيل قبل الموارنة، وقال سعد حداد:
ان أعيان الشيعة في منطقة الحدود يؤيدون هذه الدولة.
ولمحت منظمة التحرير الى تعاون الشيعة مع اليهود في الجنوب.
ومن أجل ذلك عقد المجلس الشيعي الأعلى اجتماعا، وأصدروا بيانا ناشدوا فيه شيعة الجنوب مساندة الجيش اللبناني الشرعي حتى يتمكن من أداء مهمته، وردوا على سعد حداد فقالوا بأن أعيان الشيعة في الجنوب لم يتعاونوا مع اليهود ولكن التزموا الصمت خوفا من التعرض لعمليات القمع. بيروت وكالات الأنباء 20/ 4/79.
انظر الى تهافت ردهم وضعفه في قولهم:
ان اعيانهم التزموا الصمت خوفا من التعرض لعمليات القمع.
أليس من المؤسف جدا بعد هذا كله أن يقبل مؤيدومنظمة التحرير رأي قيادتهم في اعادة التعاون مع النظام النصيري السوري، بل عاد هؤلاء يغنون لأبي سليمان _ حافظ الأسد _ في أفراحهم؟!.
هل رأيتم شعبا كشعبنا يتقرب لجلاديه ويهتف بحياة قاتليه"8"؟!.
(8) من زعماء الشيعة الذين صدرت عنهم تصريحات ضد الفلسطينيين تلميحا أوتصريحا:
موسى الصدر، كامل الأسعد، عادل عسيران، كاظم الخليل، حسين الحسيني:
وتصريحاتهم في الصحف اللبنانية: انظر مثلا:
النهار العربي والدولي 4/ 2/1978.
وكالات الأنباء 20/ 4/1979.
الدستور الصادرة في فرنسا 26/ 6/1978 في مقابلة مع الصدر.
-423 -
موسى الصدر وثورة الخميني:
كنا اذا التقينا مع بعض المثقفين الشيعة وذكرنا لهم أدوار موسى الصدر المريبة، ووضعنا لهم النقاط على الحروف نستغرب جرأتهم في مشاركتنا الهجوم على الصدر، وأنه لا يمثل القيادة الشيعية، وأن الخميني وحده الذي يمثل هذه القيادة _ كان قولهم هذا قبل أن ينتشر اسم الخميني بين عامة الناس _.
وجاءت ثورة الخميني بأدلة تنقض أقوالهم، وتزيدنا قناعة بأن هذا الشبل من ذاك الأسد:
فالخميني والصدر ينتسبان الى الأسياد الذين ينحدرون في تاريخ الطائفة الشيعية من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم _ ومتى كان آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرس، كم انتسب لهذا البيت من الناس كذبا وزورا، وكم ظلم هذا البيت في مختلف حقب تاريخنا الاسلامي!! _.
وهناك وجوه أخرى للقرابة، فابن الخميني أحمد متزوج من بنت أخت موسى الصدر، وابن أخت الصدر مرتضى الطبطبائي متزوج من حفيده الخميني. والصدر _ كما يقولون_ تتلمذ على الخميني في قم.
ونائب رئيس وزراء ايران الحالي الدكتور صادق الطبطبائي _ ابن شقيقة الصدر _ وعاش معه مدة طويلة في لبنان، وموسى الصدر هوالذي أوفده الى ألمانيا لدراسة الكيمياء حيث نال شهادة الدكتوراه فيها، اضافة الى هوايته المفضلة في عزف الموسيقى.
والدكتور صادق الطبطبائي أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية في ايران، وأحد أعضاء مجلس الثورة الايراني.
-424 -
وكان للصدر صلات قوية مع الدكتور مهدي بازركان والدكتور ابراهيم يازدي، وصادق قطب زاده، وقدم لهم كل عون ومساعدة خلال اقامتهم في لبنان عام 1974 "9".
والكتور مصطفى جمران وزير الدفاع الأيراني من أكبر أعوان موسى الصدر. فلقد كان مديرا لمدرسة في صور أنشأها الصدر، وكان يتولى الأشراف على فروع منظمة (أمل) العسكرية قبل نشوب الثورة الأيرانية "10".
وزير الدفاع الأيراني كان يسمى في لبنان مصطفى شمران، وفي ايران مصطفى جمران، وهكذا لا يعرف التخطيط الشيعي وطنا ففي عام من الأعوام تراه زعيما لبنانيا، وفي عام آخر تراه زعيما ايرانيا وقبل أن تطأ قدماه الأراضي اللبنانية أتقن اللغة العربية ليلعب الدور المعد له بحنكة ومهارة فهل يستيقظ الاسلاميون من سبات نومهم ويتحرروا من جهلهم؟!
ولموسى الصدر علاقات وثيقة مع آية الله شريعتمداري، ومن الآيات الكبيرة في ايران شقيقه الأكبر رضا الصدر.
وفور سماع الخميني بخبر اختطاف الصدر أرسل برقية لعرفات يطالبه بحل المشكلة، كما أبرق الى رئيس النظام النصيري حافظ الأسد خلال مؤتمر الصمود، وأدلى بحديث تلفزيوني الى شبكة س. ب. اس الأمريكية قبل يومين من مغادرته باريس الى طهران قال:
(9) الحوادث، العدد 1164، تاريخ 23/ 2/1979 في لقاء لها مع حسين الحسيني أمين عام حركة أمل.
(10) الوطن العربي، العدد 138، تاريخ 4_10/ 10/1979.
-425 -
لقد استقبلت مسؤولين ليبيين من أجل قضية الامام الصدر، وحتى الآن لم أتلق للأسف أي جواب، ولسوف أتخذ الخطوات اللازمة.
وأوفد الخميني صادق قطب زاده الى ليبيا لبحث مشكلة الصدر، كما قابل حافظ الأسد من أجل الغرض نفسه، وقام _ زاده _ بتحريك الطلبة الايرانيين في أوروبا وأمريكا فأبرقوا للقذافي، وأثاروا القضية من الوجهة الاعلامية.
الوطن العربي العدد 110 كانت هذه الأنشطة كلها والخميني ما زال في فرنسا.
واهتم جميع علماء الشيعة باختفاء الصدر وأبرقوا لمعظم الرؤساء العرب، ومن الذين أبرقوا للأسد خلال مؤتمر الصمود:
آية الله الخميني، آية الله شريعتمداري، آية الله الكلبايكاني، وآية الله النجفي، وآية الله الحاج آقا حسن القمي من كرج، وآية الله رضا الصدر.
جاءت هذه المعلومات في لقاء للسيد علي الحجتي الكرماني زوج بنت رضا الصدر مع الحوادث بعد الاطاحة بالشاه.
وقال مهدي بازركان رئيس الوزراء الايراني في عدد من اللبنانيين الذين التقى بهم في العاصمة الايرانية: إن أول مهمة خارجية لحكومته ستكون العمل على الافراج عن موسى الصدر"11".
(11) الحوادث 16/ 2/1979 العدد 1163.
-426 -
ولخص الدكتور صادق الطبطبائي نائب رئيس الوزراء والناطق الرسمي باسم الحكومة الايرانية موقف حكومته من قضية الصدر فقال:
(إننا نسعى وراء كشف قضية الامام الصدر وحل لغز اختفائه أولا. وهذا الحل له طرق دبلوماسية وطرق غير دبلوماسية. وسنتخذ أي طريق للوصول الى هدفنا.
والمهم أننا مطمئنون أن الامام الصدر لم يخرج من ليبيا حتى الآن، وكل الاشاعات التي أطلقت كان هدفها تحوير هذه الحقيقة.
ان موضوع الامام الصدر كما قال الامام الخميني تجاوز علني على الحقوق الاسلامية، ولا يستفيد من اخفائه إلا الامبريالية والصهيونية عموما، أن يتحدوا ضد الذين ينتهكون الحرية والحرمة الاسلامية"12".
الطبطبائي أكثر من ذكر الامبريالية _ أمريكا _ والصهيونية لأنه أدلى بهذا التصريح في لبنان وبين حلفائهم الفلسطينيين والمقام يقتضي اجترار هذه العبارات.
ورفض الخميني قائد الثورة الايرانية استقبال العقيد معمر القذافي أواقامته علاقات دبلوماسية مع ليبيا مالم تحل مشكلة اختفاء موسى الصدر.
هذا هوموقف الثورة الايرانية من موسى الصدر: فهوقريب للخميني، وصديق لشريعتمداري، ومقرب من جميع الآيات، ورفيق لبازركان وقطب زاده واليزدي ...
(12) النهار العربي والدولي 8_14/ 10/1979.
-427 -
ويمثله في الحكومة ومجلس الثورة رجلان مرشحان لرئاسة الجمهورية: مصطفى شمران وصادق الطبطبائي.
أما في لبنان فرغم كل ما حصل فما زال الصدر زعيما شيعيا لا ينافس، وما زال رئيسا للمجلس الشيعي، ومن أجله خرج شيعة لبنان في مظاهرة من البقاع الى دمشق خلال مؤتمر الصمود وقابلوا الرؤساء العرب ومنهم القذافي، وجابوا شوارع دمشق المنكوبة هاتفين باسم الصدر، واذا قدر للصدر الظهور بعد اختفائه فسيجعل الشيعة منه الامام المنتظر، وستفوق شهرته شهرة استاذه الخميني"13".
النصيريون وثورة الخميني:
قال نائب رئيس الوزراء الايراني الدكتور صادق الطبطبائي في حديث أدلى به لصحيفة تشرين الحكومية:
ان الحكومة السورية بقيادة الرئيس حافظ الأسد قدمت كل أشكال الدعم للثورة الايرانية، وكان للمساعدات السورية أكبر الأثر في انتصار الثورة على نظام الشاه"14".
اعترف الطبطبائي بأن الحكومة النصيرية كانت على صلة مع الخميني وثورته، وأقر بأن المساعدات السورية كان لها أكبر الأثر في انتصار الثورة على نظام الشاه، ولكنه لم يتحدث عن شكل هذه المساعدات:
(13) هناك بوادر تشير الى أن الخلاف الايراني الليبي سيحل، ولن يحل إلا بثمن تدفعه الأخيرة كأن تفرج عن الصدر، أوتطلق يد علماء الشيعة في الدعوة الى نحلتهم في ليبيا والله أعلم.
(14) وكالات الأنباء 19/ 9/1979.
-428 -
هل كان النظام النصيري يقوم على تدريب الايرانيين كما فعلت منظمة التحرير؟!.
أم كان يقدم لهم المساعدات المادية ويؤوي الفارين منهم، أم أنه لعب دورا مهما في ربط شيعة لبنان وسورية مع شيعة ايران، أم أنه كان يقدم لبعضهم جوازات السفر كما فعل مع صادق قطب زاده؟!.
ومن أجل مزيد من المعلومات عن علاقة النظام النصيري بثوار الخميني لا بد لنا من العودة الى الفترة الزمنية التي خرج الخميني فيها من العراق، ونسير مع الثورة حتى يومنا هذا:
_ في (1) مارس عام 1979 أجرى مراسل (الهدف) فهمي هويدي حوارا مع الخميني، وسئل قائد الثورة عن مشكلته مع حكومة الكويت وكيف اعتذرت عن استقباله فكان مما قاله:
بأنه كان ينوي الاقامة يومين أوثلاثة في الكويت ثم يتوجه بعدها للاقامة الدائمة في سورية.
لم يقل الخميني لماذا ألغى التوجه لسورية ثم توجه الى فرنسا، لعل في ذلك سرا ليس من مصلحته كشفه، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا اختار سورية على غيرها من البلدان، وكان لديه عروض من دول أخرى؟!.
_ في 27/ 1/1979 ذكرت صحيفة القبس الكويتية الخبر التالي:
يتوقع أن يمر الخميني بمطار دمشق وهوفي طريق عودته الى ايران خلال اليومين المقبلين، وسيجتمع مع الرئيس حافظ الأسد لعرض انعكاسات الأوضاع الايرانية الجديدة على المنطقة. انتهى
-429 -
وجدت ظروف في طهران اقتضت أن يعود الخميني من فرنسا من طهران مباشرة دون أن يمر بمطار دمشق.
_ وبعد رحيل بختيار وتشكيل حكومة بازركان كان حافظ الأسد أول مهنئ للخميني، وأشاد بالثورة الاسلامية في برقية أرسلها لقائد الثورة، وكان من أسباب تجميد المباحثات العراقية السورية موقف الأخيرة من ثورة الخميني _ على ذمة الحوادث _.
وما توقف الأسد عند تأييد الثورة بل راح يسهل سفر المهنئين الى طهران.
فالنظام السوري هوالذي قدم الطائرة التي أقلت عرفات ومن معه الى طهران، وكان للغارديان البريطانية التعليق التالي:
وربما لم يكن من قبيل المصادفة أن يقوم السوريون التواقون لاقامة أفضل العلاقات مع النظام الايراني الجديد لتزويد عرفات بوسيلة نقله الى طهران، إنها جزء من لعبة تكافؤ الضدين التي يقوم بها الرئيس حافظ الأسد وهي كيل المديح لمن يمكن أن يخشاه العراقيون شركاؤه المحتملون في الوحدة.
12/ 2/1979. تاريخ الترجمة.
وليس مهما عندنا تعليق الغارديان وتفسيرها للأمر، وإنما الأهم أن اقدام النظام السوري على تقديم طائرة لعرفات أثار دهشة الصحافة الغربية.
وفي نهاية يناير قام المطران كابوشي بزيارة تهنئة للخميني وحكومة طهران، وغادر مطار دمشق على متن طائرة سورية، وأقام له حافظ الأسد مأدبة غداء حضرها رئيس الوزراء
-430 -
وأجرى مفاوضات مع الكتائبيين والنظام السوري قبل زيارته لايران.
كانت نشرة (الشهيد) هي لسان حال الثورة الايرانية قبل نجاح الثورة _ توزع بشكل كثيف في أمريكا وأوروبا وخاصة بين الطلاب الايرانيين والعرب، وتصدر الآن على شكل صحيفة أسبوعية مؤيدة للخميني.
وبين أيدينا أعداد كثيرة من الشهيد وابرزها: العدد 12 تاريخ 12/ 12/1978. العدد 11 تاريخ 20/ 11/1978. 6/ 11/1978. 10/ 10/1978 حركة التحررالاسلامية في ايران. 12/ 1/1979 العدد 13.
في هذه الأعداد تهاجم الشهيد الأنظمة في العالم الاسلامي كله إلا النظام السوري:
تهاجم الأنظمة الملكية: كدول الخليج وشبه الجزيرة العربية والأردن والمغرب، وعمان.
وتهاجم الأنظمة الثورية الجمهورية: كمصر، والعراق، وباكستان، وأفغانستان، ولبنان.
وتخص النظام العراقي بأشد ما عندها من هجوم ولا تتوقف عند الهجوم على نظام البعث بل تتجاوزه الى الأنظمة التي سبقته في العراق وإليكم مقطعا من كلامه (إن هذه الحركة _ تنظيم الشيعة في العراق _ هي التي قاومت المد الأحمر أيام عبد الكريم قاسم. وقاومت نزوات عبد السلام عارف. وسخافات عبد الرحمن عارف، وهي التي تقاوم الآن عملاء بريطانيا، صدام وزمرته الخائنة.
-431 -
ان هذه الحركة، هي التي تضع الشعب العراقي على طريق الحرية والعدالة والتقدم والتطوير .. وان جماهير العراق تلتف حول هذه الحركة باطراد وسوف تنتصر بإذن الله"15").
قد لا نستغرب هجومهم على الأنظمة في العالم الاسلامي، وأن يذكروا كل نظام باسمه ولكننا نستغرب أشد الاستغراب عدم التعرض أوالهجوم على النظام السوري.
ويزداد استغرابنا من هجومهم على نظام البعث في العراق وسكوتهم على نظام البعث في سوريا:
فمبادئ الحزب واحدة، وشعاراته واحدة، وأهداف واحدة، والخلاف بينهم شخصي، وكل منهما يتهم الآخر بخيانة مبادئ الحزب، وزيادة على ذلك فبعث حافظ الأسد هوالذي نعق في اذاعة دمشق قائلا:
آمنت بالبعث ربا لا شريك له
وبالعروبة دينا ما له ثاني
وبعث الأسد هوالذي وضع الله في المتحف تعالى سبحانه وتعالى عن كفرهم علوا كبيرا.
وبعث الأسد هوالذي هدم جامع السلطان في مدينة حماة، والمسجد الأموي في مدينة دمشق، وفتك بالمسلمين المصلين في هذين المسجدين.
(15) غرة محرم 1399 محاضرة في حسينية الزهراء للأستاذ مهدي الحسين تحت عنوان (الامام الحسين .. ثورة الغد).
-432 -
وبعث الأسد هوالذي أذاع بلاغ سقوط قنيطرة، والأسد نفسه هوالذي أذاع هذا البيان هندما كان وزيرا للدفاع.
وبعث الأسد هوالذي فاوض اليهود، وأعاد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتحالف مع موارنة لبنان.
وبعث الأسد هوالذي زرع الرذيلة، ونشر الفساد، وأشاع الباحية والرشوة في كل صقع من بلاد الشام.
وبعث الأسد هوالذي يبالغ في اضطهاد الدعاة الى الله، وهوالذي يطارد الشباب المؤمن، وفي كل عام يقدم قافلة منهم الى أعواد المشانق، ويحاربهم في أرزاقهم، ويزج بهم في أقبيته وسجونه التي تفوق (سافاك الشاه) كما وكيفا.
كيف نجمع بين ثورة تزعم أنها اسلامية وتردد شعار لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وتنادي بحرب الالحاد والكفر ثم تقيم أفضل العلاقات مع حزبالبعث الحاكم في سورية، وتشن هجوما على جميع الأنظمة في العالمين العربي والاسلامي، وتستثنيه من هذا الهجوم؟!.
ليس مهما عند ثوار الخميني العقيدة التي يدين بها النظام الحاكم في دمشق، وهل هوعلماني كافر أم اسلامي مؤمن .. وإنما المهم أن يكون هذا النظام مواليا للطغمة الحاكمة في طهران، وأن يكون مجوسيا في نسبة أواعتقاده، وأن يكون مستعدا للمشاركة في الدور الباطني الذي يخطط له الشيعة في العالم الاسلامي.
_ تبادل النظامان الايراني والسوري الزيارات الودية، ففي 15/ 4/1979 قام أحمد اسكندر وزير الاعلام السوري بزيارة لطهران وسلم الخميني (في قم) رسالة من الرئيس
-433 -
حافظ الأسد وأكد دعم بلاده للثورة الايرانية، وحمل رسالة جوابية من الخميني لحافظ الأسد وفيها دعوة له لزيارة ايران، ونقلت بعض الصحف التي تحدثت عن الزيارة أن لقاءات مغلقة تمت بين أحمد اسكندر والخميني.
كان من المفروض أن يحمل رسالة الأسد للخميني عبد الحليم خدام وزير الخارجية السورية، لكنه لم يحرز هذا الشرف وحمل الرسالة رجل نصيري _ أحمد اسكندر _ وله مكانة رفيعة في قيادة الطائفة.
وتوالت الزيارات بينهما فزار عبد الحليم خدام ايران في نهاية شهر رمضان وقابل الخميني وسلمه رسالة من الأسد، وألقى قائد الثورة كلمة عبر فيها عن شكره لرئيس النظام النصيري وتمنياته له بالنجاح والتوفيق وأثنى على نظامه.
وبعد انتهاء مؤتمر دول عدم الانحياز قام الدكتور ابراهيم يزدي وزير خارجية ايران بزيارة لسورية، وعقد اجتماعا مغلقا مع رئيس النظام النصيري لم يحضره عبد الحليم خدام، ولم تنقل أجهزة الاعلام السورية ما ذا تم في هذا الاجتماع وكانت زيارة يزدي في منتصف الشهر التاسع من عام 1979.
وخلال هذه الفترة الزمنية زار سورية: آية الله خلخالي رئيس المحاكم الثورية الايرانية، حسين الخميني حفيد الزعيم الايراني، الدكتور صادق طبطبائي نائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة.
ومن المقرر أن يقوم الرئيس النصيري بزيارة الخميني في (قم)، ولقد تأجلت زيارته أكثر من مرة لأسباب سياسية أهمها توتر العلاقات الايرانية العراقية في وقت كانت تجري
-434 -
مباحثات وحدة بين سورية والعراق، ثم توتر العلاقات الايرانية مع دول الخليج.
فزيارة الأسد في تلك الظروف احراج له.
ان الناس جميعا يعلمون حقيقة العلاقات الايرانية النصيرية لأن البلدين صارا يتعاملان بشكل مكشوف بعد أن كان التعامل سريا وفي الخفاء، ومن المؤسف أن معظم الاسلاميين ينكرون هذه الحقيقة، ويبلغ بهم هذا الانكار درجة الغفلة والسطحية، فالذين قرروا تفجير الأوضاع في سوريا ضد النظام الحاكم ما زالت علاقتهم قوية مع الخميني وثورته، وما زالوا يقولون _ في صحفهم وفي نشراتهم الخاصة _ ان قائد الثورة الايراينة الامام الخميني يرى كفر الطائفة النصيرية، ثم ينكرون أي تعاون لثورة ايران مع النظام السوري!!.
ولن تفلح أمة أوجماعة يتزعمها هؤلاء المغفلون الذين لا يفرقون بين العدوالصديق، ويفضون بأسرارهم الى أعدى أعدائهم .. ياللعجب ألم ير هؤلاء تأييد الخميني للنظام الحاكم في سورية وتقريظه للأسد بعد المذابح التي ارتكبها الأسد ونظامه بالاسلاميين؟!.
ألم ير هؤلاء خذلان الخميني لهم في محنتهم، ماذا صنع لهم هل هدد النظام النصيري بقطع العلاقات معه اذا استمر في اضطهاده للاسلاميين؟! ان كان قطع العلاقات من الحلول الناجعة!!
ان الذي فعله الخميني تأييد حافظ الأسد وطائفته ضد الاسلاميين، ويبدوأنه يعلم أبعاد العقلية التي يفكر بها الاسلاميون، وأنه واثق من تأييدهم له مهما فعل بهم أوأنه ليس مهتما بأي موقف يقفونه!!.
_ في 10/ 8/1399 قام الدكتور حسن الترابي بزيارة لايران، ونسوق فيما يلي رواية
-435 -
وكالة الأنباء الايرانية عن زيارته ثم نستدل بكلام صرح به بعد عودته:
رواية وكالة الأنباء الايرانية:
قال الزعيم الايراني الامام الخميني أن الثورة الايرانية أثرت بصورة ايجابية على الدول الاسلامية.
وأضاف أن ايران قررت تنفيذ المبادئ الاسلامية في البلاد بدءا بإنشاء بنك اسلامي بدون فوائد وذكرت وكالة الأنباء الايرانية (بانا) أن تعليقات الامام الخميني جاءت خلال مقابلته للوفد السوداني برئاسة الدكتور حسن الترابي مساعد الأمين العام للاتحاد الاشتراكي للاعلام والشؤون الخارجية الذي سلم للامام الخميني رسالة من الرئيس جعفر نميري.
وأضافت الوكالة أن الامام الخميني أعرب عن تقديره لموقف حكومة وشعب السودان كما أعرب عن أمله في أن تنبذ الدول الاسلامية النزعات الانفصالية وتتوحد.
فالدكتور حسن الترابي زار ايران الخميني بصفته أمينا عاما مساعدا للاتحاد الاشتراكي للاعلام واشؤون الخارجية، وموفدا من قبل الرئيس السوداني جعفر نميري، وزار عددا من البلدان العربية بعد ايران، ليشرح للمسؤولين فيها ملابسات موقف النميري من (كامب ديفد)، ويبدوأن الترابي تناسى أنه بالأمس القريب كان وجماعته يقولون بأن النميري طاغوت مجرم سفك دماء الدعاة الى الله بأمر من أسياده الأمريكان وما زال وفيا لهم، وحريصا على استشارتهم والتزام أوامرهم.
-436 -
وبعد هذا الأستطراد الذي لا بد منه نعود الى نتائج زيارة الدكتور حسن الترابى لأيران، قال الدكتور الترابي لعدد من الثقات أن الدكتور ابراهيم يزدي وزير الخارجية الايراني قال له: (لا تهاجموا النصيريين لأنه مسلمون طيبون، ولكن هاجموا حزب البعث في سورية)
والعجيب أن دفاع اليزدي عن النصيريين لم يغير من تأييد الترابي للثورة الايرانية، واعجابه بها، وليس هناك من فرق عنده ما بين السنة والشيعة.
والكلام الذي سمعه الدكتور حسن الترابي من وزير الحارجية الايراينى سمعناه من مصادر كثيرة من الشيعة، لقد قلنا لهم:
أئمتكم يرون كفر النصيرية منذ القديم، وفي مصادركم أن الحسن العسكري كتب الى أحد مواليه:
(اني أبرأ الى الله من ابن نصير الفهري، وابن بابا القمي، فأبرأ منهما، واني محذرك وجميع مواليى، ومخبرك أني ألعنهما عليهما لعنة الله فتانين مؤذيين آذاهما الله"16").
فقالوا:
نحن نقول عن النصيرية ما قاله الامام الحسن العسكري، ولكن الطائفة التي تسكن منطقة اللاذقية علوية شيعية جعفرية امامية وليست نصيرية.
(16) الشيعة في التاريخ للشيخ محمد حسين الزين ص225، مكتبة دار الآثار في بيروت.
-437 -
والذين دأبوا على الكذب لا يعجزهم أن يخترعوا الأكاذيب ويوهما الناس أنها الحقيقة، ونصيريوسورية ما كانوا في يوم من الأيام جعفرية امامية، ولم يبدلوا أويغيروا من عقيدتهم التي نادى بها محمد بن نصير ومنها: أن ابن نصير نبي، وأن عليا إله، ويؤمنون بالتناسخ ويرون اباحة المحارم.
وأهل بلاد الشام أعلم بالنصيرية والنصيريين من سكان طهران وشيراز وقم، وسيكشف الله الباطل وأهله.