Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية - شيخ الإسلام ابن تيمية - ج1 ..

بسم الله الرحمن الرحيم 

اسم الكتاب

منهاج السنة النبوية

اسم المؤلف

شيخ الإسلام بن تيمية

عدد الاجزاء

دار النشر

مدينة النشر

سنة النشر

رقم الطبعة

8

مؤسسة قرطبة

 

1406

الأولى

اسم المحقـق

د. محمد رشاد سالم

الجزء

الصفحة

محتوى الصفحة

1

1

منهاج السنة النبوية ج لابن تيمية

1

3

بسم الله الرحمن وبه نستعين قال الشيخ الإمام العالم الحبر الكامل الأوحد العلامة الحافظ الخاشع القانت إمام الأئمة ورباني الأمة شيخ الإسلام بقية الأعلام تقي الدين خاتمة المجتهدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني قدس الله روحه ونور ضريحه الحمد لله الذي بعث النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وأشهد

1

4

أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما شهد هو سبحانه وتعالى أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم سورة آل عمران وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختم به أنبياءه وهدى به أولياءه ونعته بقوله في القرآن الكريم لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سورة التوبة صلى الله عليه وعلى آله أفضل صلاة وأفضل تسليم أما بعد فإنه قد أحضر إلى طائفة من أهل السنة والجماعة كتابا صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقا لهذه البضاعة يدعو به إلى مذهب الرافضة الإمامية من أمكنه دعوته من ولاة الأمور وغيرهم أهل الجاهلية ممن قلت معرفتهم بالعلم والدين ولم

1

5

يعرفوا أصل دين المسلمين وأعانه على ذلك من عادتهم إعانة الرافضة من المتظاهرين بالإسلام من أصناف الباطنية الملحدين الذين هم في الباطن من الصابئة الفلاسفة الخارجين عن حقيقة

1

6

متابعة المرسلين الذين لا يوجبون اتباع دين الإسلام ولا يحرمون اتباع ما سواه من الأديان بل يجعلون الملل بمنزلة المذاهب والسياسات التي يسوغ اتباعها وأن النبوة نوع من السياسة العادلة التي وضعت لمصلحة العامة في الدنيا فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال ويكشف ما في خلافها من الافك والشرك والمحال وهؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيبا مطلقا بل هم يؤمنون ببعض أحوالها ويكفرون ببعض الأحوال وهم متفاوتون فيما يؤمنون به ويكفرون به من تلك الخلال فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل الجهالات

1

7

والرافضة والجهمية هم الباب لهؤلاء الملحدين منهم يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الله وآيات كتابه المبين كما قرر ذلك رؤوس المحلدة من القرامطة الباطنية وغيرهم من المنافقين وذكر من أحضر هذا الكتاب أنه من أعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم عند من مال إليهم من الملوك وغيرهم وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه فيه خدابنده وطلبوا مني بيان ما في هذا

1

8

الكتاب من الضلال وباطل الخطاب لما في في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين وبيان بطلان أقوال المفترين الملحدين فأخبرتهم أن هذا الكتاب وإن كان من أعلى ما يقولونه في باب الحجة والدليل فالقوم من أضل الناس عن سواء السبيل فإن الأدلة إما نقلية وإما عقلية والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول في المذاهب والتقرير وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير سورة الملك والقوم من أكذب الناس في النقليات ومن أجهل الناس في العقليات يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل ويكذبون بالمعلوم من الأضطرار المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلا بعد جيل ولا يميزون في نقلة العلم ورواة الأحاديث والأخبار بين المعروف بالكذب أو الغلط أو الجهل بما ينقل وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم بالآثار

1

9

وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد وإن ظنوا إقامته بالبرهانيات فتارة يتبعون المعتزلة والقدرية وتارة يتبعون المجسمة والجبرية وهم من أجل هذه الطوائف بالنظريات ولهذا كانوا عند عامة أهل العلم والدين من أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين

1

10

ومنهم من أدخل على الدين من الفساد مالا يحصيه إلا رب العباد فملاحدة الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم من الباطنية

1

11

المنافقين من بابهم دخلوا وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا واستولوا بهم على بلاد الإسلام وسبوا الحريم وأخذوا الأموال وسفكوا الدم الحرام وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلا رب العالمين إذ كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته علي أمير المؤمنين رضي الله عنه فحرق منهم طائفة بالنار وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه البتار وتوعد بالجلد طائفة مفترية فيما عرف عنه من الأخبار إذ قد تواتر عنه من الوجوه الكثيرة أنه قال على منبر الكوفة وقد أسمع من حضر خير هذه

1

12

الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر وبذلك أجاب ابنه محمد بن الحنفية فيما رواه البخاري في صحيحه وغيره من علماء الملة الحنيفية

1

13

ولهذا كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليا أو كانوا في ذلك الزمان لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر حتى ذكر مثل ذلك أبو القاسم البلخي قال سأل سائل شريك بن عبد الله ابن أبي نمر فقال له أيهما أفضل أبو بكر أو علي فقال له أبو بكر فقال له السائل أتقول هذا وأنت من الشيعة فقال نعم إنما الشيعي من قال مثل هذا والله لقد رقى علي هذا الأعواد فقال ألا إن خير هذه الأمة

1

14

بعد نبيها أبو بكر ثم عمر أفكنا نرد قوله أكنا نكذبه والله ما كان كذابا ذكر هذا أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي اعتراضه على الجاحظ نقله عنه القاضي عبد الجبار الهمداني

1

15

في كتاب تثبيت النبوة فصل فلما ألحوا في طلب الرد لهذا الضلال المبين ذاكرين أن في الإعراض عن ذلك خذلانا للمؤمنين وظن أهل الطغيان نوعا من العجز عن رد هذا البهتان فكتبت ما يسره الله من البيان وفاء بما أخذه الله من الميثاق على أهل العلم والإيمان وقياما بالقسط وشهادة

1

16

لله كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تفعلون خبيرا سورة النساء واللي هو تغيير الشهادة والإعراض كتمانها والله تعالى قد أمر بالصدق والبيان ونهى عن الكذب والكتمان فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى سورة المائدة

1

17

ومن أعظم الشهادات ما جعل الله آمة محمد شهداء عليه حيث قال وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا سورة البقرة وقال تعالى وجاهدوا في الله حق جهاده هو أجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس سورة الحج والمعنى عند الجمهور أن الله سماهم المسلمين من قبل نزول القرآن وفي القرآن وقال تعالى ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله سورة البقرة وقال تعالى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه سورة آل عمران وقال تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم سورة البقرة لا سيما الكتمان إذا لعن آخر هذه الأمة أولها كما في الأثر إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فليظهره فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد

1

18

وذلك أن أول هذه الأمة هم الذين قاموا بالدين تصديقا وعلما وعملا وتبليغا فالطعن فيهم طعن في الدين موجب للإعراض عما بعث الله به النبين وهذا كان مقصود أول من أظهر بدعة التشيع فإنما كان قصده الصد عن سبيل الله وإبطال ما جاءت به الرسل عن الله ولهذا كانوا يظهرون ذلك بحسب ضعف الملة فظهر في الملاحدة حقيقة هذه البدع المضلة لكن راج كثير منها على من ليس من المنافقين الملحدين لنوع من الشبهة والجهالة المخلوطة بهوى فقبل معه الضلالة وهذا أصل كل باطل قال الله تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى سورة النجم إلى قوله أفرأيتم آللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم ؤآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى سورة النجم فنزه الله رسوله عن الضلال والغي والضلال عدم العلم والغي اتباع الهوى

1

19

كما قال تعالى وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا سورة الأحزاب فالظلوم غاو والجهول ضال إلا من تاب الله عليه كما قال تعالى ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما سورة الأحزاب ولهذا أمرنا الله أن أن نقول في صلاتنا أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فالضال الذي لم يعرف الحق كالنصارى والمغضوب عليه الغاوي الذي يعرف الحق ويعمل بخلافة كاليهود والصراط المستقيم يتضمن معرفة الحق والعمل به كما في الدعاء المأثور اللهم أرني الحق حقا ووفقني لاتباعه وأرني الباطل باطلا ووفقني لاجتنابه ولا تجعله مشتبها علي فأتبع الهوى وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم فمن خرج

1

20

عن الصراط المستقيم كان متبعا لظنه وما تهواه نفسه ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين وهذا حال أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة فإنهم إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ففيهم جهل وظلم لا سيما الرافضة فإنهم أعظم ذوي الأهواء جهلا وظلما يعادون خيار أولياء الله تعالى من بعد النبيين من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين فتجدهم أو كثيرا منهم إذا اختصم خصمان في ربهم من المؤمنين والكفار واختلف الناس فيما جاءت به الأنبياء فمنهم من آمن ومنهم من كفر سواء كان الاختلاف بقول أو عمل كالحروب التي بين المسلمين وأهل الكتاب والمشركين تجدهم يعاونون المشركين وأهل الكتاب على المسلمين أهل القرآن كما قد جربه الناس منهم غير مرة في مثل إعانتهم للمشركين من الترك وغيرهم على أهل الإسلام بخراسان والعراق والجزيرة والشام وغير

1

21

ذلك وإعانتهم للنصارى على المسلمين بالشام ومصر وغير ذلك في وقائع متعددة من أعظمها الحوادث التي كانت في الإسلام في المائة الرابعة والسابعة فإنه لما قدم كفار الترك إلى بلاد الإسلام وقتل من المسلمين ما لا يحصى عدده إلا رب الأنام كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين ومعاونة للكافرين وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير حتى جعلهم الناس لهم كالحمير فصل وهذا المصنف سمي كتابه منهاج الكرامة في معرفة الإمامة وهو خليق بأن يسمى منهاج الندامة كما أن من أدعى الطهارة وهو من الذين لم يرد الله أن يظهر قلوبهم بل من أهل الجبت والطاغوت والنفاق كان وصفه بالنجاسة والتكدير أولى من وصفه بالتطهير

1

22

ومن أعظم خبث القلوب أن يكون في قلب العبد غل لخيار المؤمنين وسادات أولياء الله بعد النبيين ولهذا لم يجعل الله تعالى في الفيء نصيبا لمن بعدهم إلا الذين يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم سورة الحشر ولهذا كان بينهم وبين اليهود من المشابهة في الخبث واتباع الهوى وغير ذلك من أخلاق اليهود وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو والجهل وغير ذلك من أخلاق النصارى ما أشبهوا به هؤلاء من وجه وهؤلاء من وجه وما زال الناس يصفونهم بذلك ومن أخبر الناس بهم الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة وقد ثبت عن الشعبي أنه قال ما رأيت أحمق من الخشبية لو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا والله لو طلبت منهم أن

1

23

يملئوا لي هذا البيت ذهبا على أن أكذب على علي لأعطوني ووالله ما أكذب عليه أبدا وقد روى هذا الكلام مبسوطا عنه أكثر من هذا لكن الأظهر أن المبسوط من كلام غيره كما روى أبو حفص بن شاهين في كتاب اللطيف في السنة حدثنا محمد بن أبي القاسم بن هارون حدثنا أحمد بن الوليد الواسطي حدثني جعفر بن نصير الطوسي الواسطي عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال قال لي الشعبي أحذركم هذه الأهواء المضلة وشرها الرافضة لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة ولكن مقتا لأهل الإسلام وبغيا عليهم قد حرقهم علي رضي الله عنه بالنار ونفاهم إلى البلدان منهم عبد الله ابن سبأ يهودي من يهود صنعاء نفاه الى ساباط وعبد الله بن يسار نفاه إلى خازر

1

24

وآية ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود قالت اليهود لا يصلح الملك إلا في آل داود وقالت الرافضة لا تصلح الإمامة إلا في

1

25

ولد علي وقالت اليهود لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سيف من السماء وقالت الرافضة لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء واليهود يؤخرون الصلاة إلى اشتباك النجوم وكذلك الرافضة يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تزال أمتي على الفطرة مالم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم واليهود تزول عن القبلة شيئا وكذلك الرافضة واليهود تنود في الصلاة وكذلك الرافضة واليهود تسدل أثوابها في الصلاة وكذلك الرافضة واليهود لا يرون على النساء عدة وكذلك الرافضة واليهود حرفوا التوراة وكذلك الرافضة حرفوا القرآن واليهود قالوا افترض الله علينا خمسين صلاة وكذلك الرافضة واليهود لا يخلصون السلام على

1

26

المؤمنين إنما يقولون السام عليكم والسام الموت وكذلك الرافضة واليهود لا يأكلون الجري والمرماهى والذناب وكذلك الرافضة واليهود لا يرون المسح على الخفين وكذلك الرافضة واليهود يستحلون أموال الناس كلهم وكذلك الرافضة وقد أخبرنا الله عنهم بذلك في القرآن أنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل سورة آل عمران وكذلك الرافضة واليهود تسجد على

1

27

قرونها في الصلاة وكذلك الرافضة واليهود لا تسجد حتى تخفق برؤوسها مرارا شبه الركوع وكذلك الرافضة واليهود تبغض جبريل ويقولون هو عدونا من الملائكة وكذلك الرافضة يقولون غلط جبريل بالوحي على محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك الرافضة وافقوا النصارى في خصلة النصارى ليس لنسائهم صداق إنما يتمتعون بهن تمتعا وكذلك الرافضة يتزوجون بالمتعة ويستحلون المتعة وفضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين سئلت اليهود من خير أهل ملتكم قالوا أصحاب موسى وسئلت النصاري من خير أهل ملتكم قالوا حواري عيسى وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم قالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة ولا تجاب لهم دعوة

1

28

دعوتهم مدحوضة وكلمتهم مختلفة وجمعهم متفرق كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله قلت هذا الكلام بعضه ثابت عن الشعبي كقوله لو كانت الشيعة من البهائم لكانوا حمرا ولو كانت من الطير لكانوا رخما فإن هذا ثابت عنه قال ابن شاهين حدثنا محمد بن العباس النحوي حدثنا إبراهيم الحربي حدثنا ابو الربيع الزهراني حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا مالك بن مغول فذكره وأما السياق المذكور فهو معروف عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه عن الشعبي وروى أبو عاصم خشيش بن أصرم في كتابه ورواه من طريقه أبو عمرو الطلمنكي في كتابه في الأصول قال أبو عاصم حدثنا أحمد بن محمد وعبد الوارث ابن إبراهيم حدثنا السندي بن سليمان

1

29

الفارسي حدثنى عبد الله بن جعفر الرقى عن عبدالرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال قلت لعامر الشعبي ما ردك عن هؤلاء القوم وقد كنت فيهم رأسا قال رأيتهم يأخذون بأعجاز لا صدور لها ثم قال لي يا مالك لو أردت أن يعطوني رقابهم عبيدا أو يملئوا لي بيتي ذهبا أو يحجوا إلى بيتي هذا على أن أكذب على علي رضي الله عنه لفعلوا ولا والله لا أكذب عليه أبدا يا مالك إني قد درست الأهواء فلم أر فيها أحمق من الخشبية فلو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من الدواب لكانوا حمرا يا مالك لم يدخلوا في الإسلام رغبة فيه لله ولا رهبة من الله ولكن مقتا من الله عليهم وبغيا منهم على أهل الإسلام يريدون أن يغمصوا دين الإسلام كما غمص بولص بن يوشع ملك اليهود دين النصرانية ولا تجاوز

1

30

صلاتهم آذانهم قد حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار ونفاهم من البلاد منهم عبد الله بن سبأ يهودي من يهود صنعاء نفاه إلى ساباط وأبو بكر الكروس نفاه إلى الجابية وحرق منهم قوما أتوه فقالوا أنت هو فقال من أنا فقالوا أنت ربنا فأمر بنار فاججت فألقوا فيها وفيهم قال على رضى الله عنه لما رأيت الأمر أمرا منكرا اججت ثاري ودعوت قنبرا يا مالك إن محنتهم محنة اليهود قالت اليهود لا يصلح الملك إلا في آل داود وكذلك قالت الرافضة لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي وقالت اليهود لا جهاد في سبيل الله حتى يبعث الله المسيح الدجال وينزل سيف من السماء وكذلك الرافضة قالوا لا جهاد في

1

31

سبيل الله حتى يخرج الرضا من ال محمد وينادي مناد من السماء اتبعوه وقالت اليهود فرض الله علينا خمسين صلاة في كل يوم وليلة وكذلك الرافضة واليهود لا يصلون المغرب حتى تشتبك النجوم وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تزال أمتي على الإسلام ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم مضاهاة لليهود وكذلك الرافضة واليهود إذا صلوا زالوا عن القبلة شيئا وكذلك الرافضة واليهود تنود في صلاتها وكذلك الرافضة واليهود يسدلون أثوابهم في الصلاة وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل سادل ثوبه فعطفه عليه واليهود يسجدون في صلاة الفجر

1

32

الكندرة وكذلك الرافضة واليهود لا يخلصون بالسلام إنما يقولون سام عليكم وهو الموت وكذلك الرافضة واليهود حرفوا التوراة وكذلك الرافضة حرفوا القرآن واليهود عادوا جبريل فقالوا هو عدونا وكذلك الرافضة قالوا أخطأ جبريل بالوحي واليهود يستحلون أمول الناس وقد نبأنا الله عنهم أنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل سورة آل عمران وكذلك الرافضة يستحلون مال كل مسلم واليهود يستحلون دم كل مسلم وكذلك الرافضة واليهود يرون غش الناس وكذلك الرافضة

1

33

واليهود لا يعدون الطلاق شيئا إلا عند كل حيضة وكذلك الرافضة واليهود ليس لنسائهم صداق إنما يمتعوهن وكذلك الرافضة يستحلون المتعة واليهود لا يرون العزل عن السرارى وكذلك الرافضة واليهود يحرمون الجري والمرماهى وكذلك الرافضة واليهود حرموا الأرنب والطحال وكذلك الرافضة واليهود لا يرون المسح على الخفين وكذلك الرافضة واليهود لا يلحدون وكذلك الرافضة وقد ألحد لنبينا صلى الله عليه وسلم واليهود يدخلون مع موتاهم في الكفن سعفة رطبة وكذلك الرافضة ثم قال لي يا مالك وفضلتهم اليهود والنصارى بخصلة قيل لليهود من خير أهل ملتكم قالوا أصحاب موسى وقيل للنصارى من خير أهل ملتكم قالوا حواري عيسى وقيل للرافضة من شر أهل ملتكم قالوا حواري محمد يعنون بذلك طلحة والزبير

1

34

أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة ودعوتهم مدحوضة ورايتهم مهزومة وأمرهم متشتت كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساد والله لا يحب المفسدين وقد روى أبو القاسم الطبري في شرح أصول السنة نحو هذا الكلام من حديث وهب بن بقية الواسطي عن محمد بن حجر الباهلي عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول فهذا الأثر قد روى عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول من وجوه متعددة يصدق بعضها بعضا وبعضها يزيد على بعض لكن عبد الرحمن بن مالك ابن مغول ضعيف وذم الشعبي لهم ثابت من طرق أخرى لكن لفظ الرافضة إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين في خلافة هشام وقصة زيد بن علي بن الحسين كانت بعد العشرين

1

35

ومائة سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين ومائة في اواخر خلافة هشام قال أبو حاتم البستي قتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة سنة اثنتين وعشرين ومائة وصلب على خشبة وكان من أفاضل أهل البيت وعلمائهم وكانت الشيعة تنتحله قلت ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما رفضه قوم فقال لهم رفضتموني فسموا رافضة لرفضهم إياه وسمى من لم يرفضه من الشيعة زيديا لانتسابهم إليه ولما صلب كانت العباد تأتي إلى خشبته بالليل فيتعبدون عندها والشعبي توفى في أوائل خلافة هشام أو آخر خلافة يزيد بن عبد الملك أخيه سنة خمس ومائة أو قريبا

1

36

من ذلك فلم يكن لفظ الرافضة معروفا إذ ذاك وبهذا وغيره يعرف كذب لفظ الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة ولكن كانوا يسمون بغير ذلك الاسم كما كانوا يسمون الخشبية لقولهم إنا لا نقاتل بالسيف إلا مع إمام معصوم فقاتلوا بالخشب ولهذا جاء في بعض الروايات عن الشعبي قال ما رأيت أحمق من الخشبية فيكون المعبر عنهم بلفظ الرافضة ذكره بالمعنى مع ضعف عبد الرحمن ومع أن الظاهر أن هذا الكلام إنما هو نظم عبدالرحمن بن مالك بن مغول وتأليفه وقد سمع طرفا منه عن الشعبي وسواء كان هو ألفه أو نظمه لما رآه من أمور الشيعة في زمانه ولما سمعه عنهم أو لما سمع من أقوال أهل العلم فيهم أو بعضه أو مجموع الأمرين أو بعضه لهذا وبعضه لهذا فهذا الكلام معروف بالدليل لا يحتاج إلى نقل وإسناد وقول القائل إن الرافضة تفعل كذا وكذا المراد به بعض الرافضة

1

37

كقوله تعالى وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله سورة التوبة وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم سورة المائدة لم يقل ذلك كل يهودي بل قاله بعضهم وكذلك قوله تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم سورة آل عمران المراد به جنس الناس وإلا فمعلوم أن القائل لهم غير الجامع وغير المخاطبين المجموع لهم وما ذكره موجود في الرافضة وفيهم أضعاف ما ذكر مثل تحريم بعضهم للحم الأوز والجمل مشابهة لليهود ومثل جمعهم بين الصلاتين دائما فلا يصلون إلا في ثلاثة أوقات مشابهة لليهود ومثل قولهم إنه لا يقع الطلاق إلا بإشهاد على الزوج مشابهة لليهود ومثل تنجيسهم لأبدان غيرهم من المسلمين وأهل الكتاب وتحريمهم لذبائحهم وتنجيس ما يصيب ذلك من المياه والمائعات وغسل الآنية التي يأكل منها غيرهم مشابهة للسامرة الذين هم شر اليهود ولهذا يجعلهم الناس في

1

38

المسلمين كالسامرة في اليهود ومثل استعمالهم التقية وإظهار خلاف ما يبطنون من العداوة مشابهة لليهود ونظائر ذلك كثير وأما سائر حماقاتهم فكثيرة جدا مثل كون بعضهم لا يشرب من نهر حفره يزيد مع أن النبي صلى الله عليه وسلم والذين معه كانوا يشربون من آبار وأنهار حفرها الكفار وبعضهم لا يأكل من التوت الشامي ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه كانوا يأكلون مما يجلب من بلاد الكفار من الجبن ويلبسون ما تنسجه الكفار بل غالب ثيابهم كانت من نسج الكفار ومثل كونهم يكرهون التكلم بلفظ العشرة أو فعل شيء يكون عشرة حتى في البناء لا يبنون على عشرة أعمدة ولا بعشرة جذوع ونحو ذلك

1

39

لكونهم يبغضون خيار الصحابة وهم العشرة المشهود لهم بالجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم يبغضون هؤلاء إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويبغضون سائر المهاجرين والأنصار من السابقين الأولين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة وقد أخبر الله أنه قد رضي عنهم وثبت في صحيح مسلم وغيره عن جابر أيضا أن أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال يا رسول الله والله ليدخلن حاطب النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذبت إنه شهد بدرا والحديبية وهم يبرأون من جمهور هؤلاء بل يتبرأون من سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا نحو بضعة عشر ومعلوم أنه لو فرض في العالم عشرة من أكفر الناس لم يجب هجر هذا

1

40

الاسم لذلك كما أنه سبحانه وتعالى لما قال وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون سورة النمل لم يجب هجر اسم التسعة مطلقا بل اسم العشرة قد مدح الله مسماه في مواضع كقوله تعالى في متعة الحج فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة سورة البقرة وقال تعالى وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة سورة الأعراف وقال تعالى والفجر وليال عشر سورة الفجر وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله تعالى وقال في ليلة القدر التمسوها في العشر الأواخر وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب

1

41

إلى الله من هذه الأيام العشر ونظائر ذلك متعددة ومن العجب أنهم يوالون لفظ التسعة وهم يبغضون التسعة من العشرة فإنهم يبغضونهم إلا عليا وكذلك هجرهم لأسم أبي بكر وعمر وعثمان ولمن يتسمى بذلك حتى إنهم يكرهون معاملته ومعلوم أن هؤلاء لو كانوا من أكفر الناس لم يشرع أن لا يتسمى الرجل بمثل أسمائهم فقد كان في الصحابة من اسمه الوليد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت له في الصلاة ويقول اللهم أنج الوليد بن الوليد وأبوه الوليد بن المغيرة كان من أعظم الناس كفرا وهو الوحيد المذكور في قوله تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا وفي الصحابة من اسمه عمرو وفي المشركين من

1

42

اسمه عمرو مثل عمرو بن عبدود وأبو جهل اسمه عمرو بن هشام وفي الصحابة خالد بن سعيد بن العاص من السابقين الأولين وفي المشركين خالد بن سفيان الهذلي وفي الصحابة من اسمه هشام مثل هشام بن حكيم وأبو جهل كان اسم أبيه هشاما وفي الصحابة من اسمه عقبة مثل أبي مسعود عقبة ابن عمرو البدري وعقبة بن عامر الجهني وكان في المشركين عقبة بن أبي معيط وفي الصحابة علي وعثمان وكان في المشركين من اسمه علي مثل علي بن أمية بن خلف قتل يوم بدر كافرا ومثل عثمان بن أبي طلحة قتل قبل أن يسلم ومثل هذا كثير فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يكرهون اسما من الأسماء لكونه قد تسمى به كافر من الكفار فلو قدر أن المسمين بهذه

1

43

الأسماء كفار لم يوجب ذلك كراهة هذه الأسماء مع العلم لكل أحد بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم بها ويقر الناس على دعائهم بها وكثير منهم يزعم أنهم كانوا منافقين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنهم منافقون وهو مع هذا يدعوهم بها وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قد سمى أولاده بها فعلم أن جواز الدعاء بهذه الأسماء سواء كان ذلك المسمى بها مسلما أو كافرا أمر معلوم من دين الإسلام فمن كره أن يدعو أحدا بها كان من أظهر الناس مخالفة لدين الإسلام ثم مع هذا إذا تسمى الرجل عندهم باسم علي أو جعفر أو حسن أو حسين أو نحو ذلك عاملوه وأكرموه ولا دليل لهم في ذلك على أنه منهم بل أهل السنة يتسمون بهذه الأسماء فليس في التسمية بها ما يدل على أنهم منهم والتسمية بتلك الأسماء قد تكون فيهم فلا يدل على أن المسمى بها من أهل السنة لكن القوم

1

44

في غاية الجهل والهوى وينبغي أيضا أن يعلم أنه ليس كل ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلا بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعض والصواب مع من وافقهم لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها فمن الناس من يعد من بدعهم الجهر بالبسملة وترك المسح على الخفين إما مطلقا وإما في الحضر والقنوت في الفجر ومتعة الحج ومنع لزوم الطلاق البدعي وتستطيح القبور وإسبال اليدين في الصلاة ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة وقد يكون الصواب فيها القول الذي يوافقهم كما يكون الصواب هو القول الذي يخالفهم لكن المسألة اجتهادية فلا تنكر إلا إذا صارت شعارا لأمر لا يسوغ فتكون دليلا على ما يجب إنكاره وإن كانت نفسها يسوغ فيها الاجتهاد ومن هذا وضع الجريد على القبر فإنه منقول عن بعض الصحابة وغير ذلك من المسائل ومن حماقتهم أيضا أنهم يجعلون للمنتظر عدة مشاهد ينتظرونه فيها كالسرادب الذي بسامرا الذي يزعمون أنه غاب فيه ومشاهد أخر وقد

1

45

يقيمون هناك دابة إما بغلة وإما فرسا وإما غير ذلك ليركبها إذا خرج ويقيمون هناك إما في طرفي النهار وإما في أوقات أخر من ينادي عليه بالخروج يا مولانا أخرج يا مولانا أخرج ويشهرون السلاح ولا أحد هناك يقاتلهم وفيهم من يقول في أوقات الصلاة دائما لا يصلى خشية أن يخرج وهو في الصلاة فيشتغل بها عن خروجه وخدمته وهم في

1

46

أماكن بعيدة عن مشهده كمدينة النبي صلى الله عليه وسلم إما في العشر الأواخر من شهر رمضان وإما في خير ذلك يتوجهون إلى المشرق وينادونه بأصوات عالية يطلبون خروجه ومن المعلوم أنه لو كان موجودا وقد أمره الله بالخروج فإنه يخرج سواء نادوه أو لم ينادوه وإن لم يؤذن له فهو لا يقبل منهم وأنه إذا خرج فإن الله يؤيده ويأتيه بما يركبه وبمن يعينه وينصره لا يحتاج إلى أن يوقف له دائما من الأدميين من ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا والله سبحانه قد عاب في كتابه من يدعو من لا يستجيب له دعاءه فقال تعالى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن دعوتهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير سورة فاطر هذا مع أن الأصنام موجودة وكان يكون فيها أحيانا شياطين تتراءى لهم وتخاطبهم ومن خاطب معدوما كانت حالته أسوأ من حال من خاطب موجودا وإن كان جمادا فمن دعاء المنتظر الذي لم يخلقه الله كان

1

47

ضلاله أعظم من ضلال هؤلاء وإذا قال أنا اعتقد وجوده كان بمنزلة قول أولئك نحن نعتقد أن هذه الأصنام لها شفاعة عند الله فيعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله والمقصود أن كليهما يدعو من لا ينفع دعاؤه وإن كان أولئك اتخذوهم شفعاء آلهة وهؤلاء يقولون هو إمام معصوم فهم يوالون عليه ويعادون عليه كموالاة المشركين على آلهتهم ويجعلونه ركنا في الإيمان لا يتم الدين إلا به كما يجعل بعض المشركين آلهتهم كذلك وقد قال تعالى ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم

1

48

تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيامركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون سورة آل عمران فإذا كان من يتخذ الملائكة والنبيين أربابا بهذه الحال فكيف بمن يتخذ إماما معدوما لا وجود له وقد قال تعالى أتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون سورة التوبة وقد ثبت في الترمذي وغيره من حديث عدي بن حاتم أنه قال يا رسول الله ما عبدوهم فقال إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم فهؤلاء اتخذوا أناسا موجودين أربابا وهؤلاء يجعلون الحلال والحرام معلقا بالإمام المعدوم الذي لا حقيقة له ثم يعملون الكل ما يقول المنتسبون إليه إنه يحلله ويحرمه وإن خالف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة حتى أن طائفتهم

1

49

إذا اختلفت على قولين قالوا القول الذي لا يعرف قائله هو الحق لأنه قول هذا الإمام المعصوم فيجعلون الحلال ما حلله والحرام ما حرمه هذا الذي لا يوجد وعند من يقول إنه موجود لا يعرفه أحد ولا يمكن أحد أن ينقل عنه كلمة واحدة ومن حماقاتهم تمثيلهم لمن يبغضونه بالجماد أو حيوان ثم يفعلون بذلك الجماد والحيوان ما يرونه عقوبة لمن يبغضونه مثل اتخاذهم نعجة وقد تكون نعجة حمراء لكون عائشة تسمى الحميراء يجعلونها عائشة ويعذبونها بنتف شعرها وغير ذلك ويرون أن ذلك عقوبة لعائشة ومثل اتخاذهم جلسا مملوءا سمنا ثم يبعجون بطنه فيخرج السمن فيشربونه ويقولون هذا مثل ضرب عمر وشرب دمه ومثل تسمية بعضهم لحمارين من حمر الرحا أحدهما بأبي بكر والآخر بعمر ثم يعاقبون الحمارين جعلا منهم تلك العقوبة عقوبة لأبي بكر وعمر

1

50

وتارة يكتبون أسماءهم على أسفل أرجلهم حتى أن بعض الولاة جعل يضرب رجلي من فعل ذلك ويقول إنما ضربت أبا بكر وعمر ولا أزال أضربهما حتى أعدمهما ومنهم من يسمى كلابه باسم أبي بكر وعمر ويلعنهما ومنهم من إذا سمى كلبه فقيل له بكير يضارب من يفعل ذلك ويقول تسمى كلبي باسم أصحاب النار ومنهم يعظم أبا لؤلؤة المجوسي الكافر الذي كان غلاما للمغيرة بن شعبة لما قتل عمر ويقولون واثارت أبي لؤلؤة فيعظمون كافرا مجوسيا باتفاق المسلمين لكونه قتل عمر رضي الله عنه ومن حماقتهم إظهارهم لما يجعلونه مشهدا فكم كذبوا الناس وادعوا أن في هذا المكان ميتا من أهل البيت وربما جعلوه مقتولا فيبنون ذلك مشهدا وقد يكون ذلك قبر كافر أو قبر بعض الناس ويظهر ذلك بعلامات كثيرة ومعلوم أن عقوبة الدواب المسماة بذلك ونحو هذا الفعل لا يكون إلا من فعل أحمق الناس وأجهلهم فإنه من المعلوم أنا لو أردنا أن نعاقب فرعون وأبا لهب وأبا جهل وغيرهم ممن ثبت بإجماع المسلمين أنهم من أكفر الناس مثل هذه العقوبة لكان هذا من أعظم الجهل لأن

1

51

ذلك لا فائدة فيه بل إذا قتل كافر يجوز قتله أو مات حتف أنفه لم يجز بعد قتله أو موته أن يمثل به فلا يشق بطنه ولا يجدع أنفه وأذنه ولا تقطع يده إلا أن يكون ذلك على سبيل المقابلة فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا بعث أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله تعالى وأوصاه بمن معه من المسلمين خيرا وقال أغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وفي السنن أنه كان في خطبته يأمر بالصدقة وينهى عن المثلة مع أن

1

52

التمثيل بالكافر بعد موته منه نكاية بالعدو لكن نهى عنه لأنها زيادة إيذاء بلا حاجة فإن المقصود كف شره بقتله وقد حصل فهؤلاء الذين يبغضونهم لو كانوا كفارا وقد ماتوا لم يكن لهم بعد موتهم أن يمثلوا بأبدانهم لا يضربونهم ولا يشقون بطونهم ولا ينتفون شعورهم مع أن في ذلك نكاية فيهم فأما إذا فعلوا ذلك بغيرهم ظنا أن ذلك يصل إليهم كان غاية الجهل فكيف إذا كان بمحرم كالشاة التي يحرم إيذاؤها بغير حق فيفعلون مالا يحصل لهم به منفعة أصلا بل ضرر في الدين والدنيا والآخرة مع تضمنه غاية الحمق والجهل ومن حماقتهم إقامة المأتم والنياحة على من قد قتل من سنين عديدة ومن المعلوم أن المقتول وغيره من الموتى إذا فعل مثل ذلك بهم عقب موتهم كان ذلك مما حرمه الله ورسوله فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس منا من لطم الخدود وشق

1

53

الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية وثبت في الصحيح عنه أنه بريء من الحالقة والصالقة والشاقة فالحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة والصالقة هي التي ترفع صوتها عند المصيبة بالمصيبة والشاقة التي تشق ثيابها وفي الصحيح عنه أنه قال إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنها تلبس

1

54

يوم القيامة درعا من جرب وسربالا من قطران وفي الصحيح عنه أنه قال من ينح عليه فإنه يعذب بما ينح عليه والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وهؤلاء يأتون من لطم الخدود وشق الجيوب ودعوى الجاهلية وغير

1

55

ذلك من المنكرات بعد موت الميت بسنين كثيرة ما لو فعلوه عقب موته لكان ذلك من أعظم المنكرات التي حرمها الله ورسوله فكيف بعد هذه المدة الطويلة ومن المعلوم أنه قد قتل من الأنبياء وغير الأنبياء ظلما وعدوانا من هو أفضل من الحسين قتل أبوه ظلما وهو أفضل منه وقتل عثمان بن عفان وكان قتله أول الفتن العظيمة التي وقعت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وترتب عليه من الشر والفساد أضعاف ما ترتب على قتل الحسين وقتل غير هؤلاء ومات وما فعل أحد لا من المسلمين ولا غيرهم مأتما ولا نياحة على ميت ولا قتيل بعد مدة طويلة من قتله إلا هؤلاء الحمقى الذين لو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا ومن ذلك أن بعضهم لا يوقد خشب الطرفاء لأنه بلغه أن دم الحسين وقع على شجرة من الطرفاء ومعلوم أن أن تلك الشجرة بعينها لا يكره وقودها ولو كان عليها من أي دم كان فكيف بسائر الشجر الذي لم يصبه الدم وحماقاتهم يطول وصفها لا يحتاج إلى أن تنقل بإسناد ولكن ينبغي

1

56

أن يعلم مع هذا أن المقصود أنه من ذلك الزمان القديم يصفهم الناس بمثل هذا من عهد التابعين وتابعيهم كما ثبت بعض ذلك إما عن الشعبي وإما أن يكون من كلام عبد الرحمن وعلى التقديرين فالمقصود حاصل فإن عبد الرحمن كان في زمن تابعي التابعين وإنما ذكرنا هذا لأن عبد الرحمن وكثير من الناس لا يحتج بروايته المفردة إما لسوء حفظه وإما لتهمة في تحسين الحديث وإن كان له علم ومعرفة بأنواع من العلوم ولكن يصلحون للاعتضاد والمتابعة كمقاتل بن سليمان ومحمد بن عمر الواقدي وأمثالهما فإن كثرة الشهادات والأخبار قد توجب العلم وإن لم يكن كل من المخبرين ثقة حافظا حتى يحصل العلم بمخبر الأخبار المتواترة وإن كان المخبرون من أهل الفسوق إذا لم يحصل بينهم تشاعر وتواطؤ والقول الحق الذي يقوم عليه الدليل يقبل من كل من قاله وإن لم يقبل بمجرد إخبار المخبر به فلهذا ذكرنا ما ذكره عبد الرحمن بن مالك بن مغول فإن غاية ما فيه أنه قاله ذاكرا لا آثرا وعبد الرحمن هذا يروي عن أبيه وعن الأعمش وعن

1

57

عبيد الله بن عمر ولا يحتج بمجرد مفراته فإنه ضعيف ومما ينبغي أن يعرف أن ما يوجد في جنس الشيعة من الأقوال والأفعال المذمومة وإن كان أضعاف ما ذكر لكن قد لا يكون هذا كله في الإمامية الاثنى عشرية ولا في الزيدية ولكن يكون كثير منه في الغالية وفي كثير من عوامهم مثل ما يذكر عنهم من تحريم لحم الجمل وأن الطلاق يشترط فيه رضا المرأة ونحو ذلك مما يقوله بعض عوامهم وإن كان علماؤهم لا يقولون ذلك لكن لما كان أصل مذهبهم مستندا إلى جهل كانوا أكثر الطوائف كذبا وجهلا فصل ونحن نبين إن شاء الله تعالى طريق الاستقامة في معرفة هذا الكتاب منهاج الندامة بحول الله وقوته وهذا الرجل سلك مسلك

1

58

سلفه شيوخ الرافضة كابن النعمان المفيد ومتبعيه كالكراجكى وأبي القاسم الموسوي والطوسي وأمثالهم فإن الرافضة في الأصل ليسوا أهل علم وخبرة بطريق النظر والمناظرة ومعرفة الأدلة وما يدخل فيها من المنع والمعارضة كما أنهم من أجهل الناس بمعرفة المنقولات والأحاديث والأثار والتمييز بين صحيحها وضعيفها وإنما عمدتهم في المنقولات على تواريخ منقطعة الإسناد وكثير منها من وضع المعروفين بالكذب بل وبالإلحاد وعلماؤهم يعتمدون على نقل مثل أبي مخنف

1

59

لوط بن يحيى وهشام بن محمد بن السائب وأمثالهما من المعروفين بالكذب عند أهل العلم مع أن أمثال هؤلاء هم من أجل من يعتمدون عليه في النقل إذ كانوا يعتمدون على من هو في غاية الجهل والافتراء ممن لا يذكر في الكتب ولا يعرفه أهل العلم بالرجال وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف والكذب فيهم قديم ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب قال أبو حاتم الرازي سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول قال أشهب بن عبد العزيز سئل مالك عن

1

60

الرافضة فقال لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون وقال أبو حاتم حدثنا حرملة قال سمعت الشافعي يقول لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة وقال مؤمل بن إهاب سمعت يزيد بن هارون يقول يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة فإنهم يكذبون وقال محمد بن سعيد الأصبهاني سمعت شريكا يقول أحمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا وشريك هذا هو شريك بن عبد الله القاضي فاضى الكوفة من أقران الثوري وأبي حنيفة وهو من الشيعة الذي يقول بلسانه أنا من الشيعة وهذه شهادته فيهم وقال أبو معاوية سمعت الأعمش يقول أدركت الناس وما يسمونهم إلا الكذابين يعني

1

61

أصحاب المغيرة بن سعيد قال الأعمش ولا عليكم ألا تذكروا هذا فإني لا آمنهم أن يقولوا إنا أصبنا الأعمش مع امرأة وهذه آثار ثابتة رواها أبو عبد الله بن بطة في الإبانة الكبرى هو وغيره وروى أبو القاسم الطبري كلام الشافعي فيهم من وجهين من رواية الربيع قال سمعت الشافعي يقول ما رأيت في أهل الأهواء قوما

1

62

أشهد بالزور من الرافضة ورواه أيضا من طريق حرملة وزاد في ذلك ما رأيت أشهد على الله بالزور من الرافضة وهذا المعنى وإن كان صحيحا فاللفظ الأول هو الثابت عن الشافعي ولهذا ذكر الشافعي ما ذكره أبو حنيفة وأصحابه أنه يرد شهادة من عرف بالكذب كالخطابية ورد شهادة من عرف بالكذب متفق عليه بين الفقهاء وتنازعوا في شهادة سائر أهل الأهواء هل تقبل مطلقا أو ترد مطلقا أو ترد شهادة الداعية إلى البدع وهذا القول الثالث هو الغالب على أهل الحديث لا يرون الرواية عن الداعية إلى البدع ولا شهادته ولهذا لم يكن في كتبهم الأمهات كالصحاح والسنن والمسانيد الرواية عن المشهورين بالدعاء إلى البدع وإن كان فيها الرواية عمن فيه نوع من

1

63

بدعة كالخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية وذلك لأنهم لم يدعوا الرواية عن هؤلاء للفسق كما يظنه بعضهم ولكن من أظهر بدعته وجب الإنكار عليه بخلاف من أخفاها وكتمها وإذا وجب الإنكار عليه كان من ذلك أن يهجر حتى ينتهي عن إظهار بدعته ومن هجره أن لا يؤخذ عنه العلم ولا يستشهد وكذلك تنازع الفقهاء في الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور منهم من أطلق الإذن ومنهم من اطلق المنع والتحقيق أن الصلاة خلفهم لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين ومن هذا الباب ترك عيادتهم وتشييع جنائزهم كل هذا من باب الهجر المشروع في إنكار المنكر للنهى عنه وإذا عرف أن هذا هو من باب العقوبات الشرعية علم أنه يختلف

1

64

باختلاف الأحوال من قلة البدعة وكثرتها وظهور السنة وخفائها وأن المشروع قد يكون هو التأليف تارة والهجران أخرى كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف أقواما من المشركين ممن هو حديث عهد بالإسلام ومن يخاف عليه الفتنة فيعطى المؤلفة قلوبهم مالا يعطى غيرهم قال في الحديث الصحيح إني أعطى رجالا وأدع رجالا والذي أدع أحب إلى من الذي أعطى أعطى رجالا لما جعل الله في قلوبهم من الهلع والجزع وأدع رجالا لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب وقال إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه خشية أن يكبه الله على

1

65

وجهه في النار أو كما قال وكان يهجر بعض المؤمنين كما هجر الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك لأن المقصود دعوة الخلق إلى طاعة الله بأقوم طريق فيستعمل الرغبة حيث تكون اصلح والرهبة حيث تكون أصلح ومن عرف هذا تبين له أن من رد الشهادة والرواية مطلقا من أهل البدع المتأولين فقوله ضعيف فإن السلف قد دخلوا بالتأويل في أنواع عظيمة ومن جعل المظهرين للبدعة أئمة في العلم والشهادة لا ينكر عليهم بهجر ولا ردع فقوله ضعيف أيضا وكذلك من صلى خلف المظهر للبدع والفجور من غير إنكار عليه ولا استبدال به من هو خير منه مع القدرة على ذلك فقوله ضعيف وهذا يستلزم إقرار المنكر الذي يبغضه الله ورسوله مع القدرة على إنكاره وهذا لا يجوز ومن أوجب الإعادة على كل

1

66

من صلى خلف كل ذي فجور وبدعه فقوله ضعيف فإن السلف والأئمة من الصحابة والتابعين صلوا خلف هؤلاء وهؤلاء لما كانوا ولاة عليهم ولهذا كان من أصول أهل السنة أن الصلوات التي يقيمها ولاة الأمور تصلى خلفهم على أي حال كانوا كما يحج معهم ويغزى معهم وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع والمقصود هنا أن العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف أهل القبلة ومن تأمل كتب الجرح والتعديل المصنفة في أسماء الرواة والنقلة وأحوالهم مثل كتب يحيى بن سعيد القطان وعلي ابن المديني ويحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازي والنسائي وأبي حاتم بن حبان وأبي أحمد بن عدي والدارقطني وإبراهيم ابن يعقوب الجوزجاني السعدي ويعقوب بن سفيان الفسوي وأحمد بن عبد الله بن صالح العجلي والعقيلي ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي والحاكم النيسابوري والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة ونقاد وأهل معرفة بأحوال الإسناد رأى المعروف عندهم بالكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف حتى أن أصحاب الصحيح كالبخاري لم

1

67

يرو عن أحد من قدماءالشيعة مثل عاصم بن ضمرة والحارث الأعور وعبد الله بن سلمة وأمثالهم مع أن هؤلاء من خيار الشيعة وإنما يروي أصحاب الصحيح حديث علي من أهل بيته كالحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وكاتبه عبيدالله بن أبي رافع أو عن أصحاب عبدالله بن مسعود كعبيدة السلماني والحارث بن قيس أو عمن يشبه هؤلاء وهؤلاء ائمة النقل ونقاده من أبعد الناس عن الهوى وأخبرهم بالناس وأقولهم بالحق لا يخافون في الله لومة لائم والبدع متنوعة فالخوارج مع أنهم مارقون يمرقون من الإسلام كما

1

68

يمرق السهم من الرمية وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم واتفق الصحابة وعلماء المسلمين على قتالهم وصح فيهم الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه رواها مسلم في صحيحه روى البخاري ثلاثة منها ليسوا ممن يتعمد الكذب بل هم معروفون بالصدق حتى يقال إن حديثهم من أصح الحديث لكنهم جهلوا وضلوا في بدعتهم ولم تكن بدعتهم عن زندقة وإلحاد بل عن جهل وضلال في معرفة معاني الكتاب وأما الرافضة فأصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد وتعمد الكذب كثير فيهم وهم يقرون بذلك حيث يقولون ديننا التقية وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه وهذا هو الكذب والنفاق ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق فهم في ذلك كما قيل رمتني بدائها وانسلت

1

69

إذ ليس في المظهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم ولا يوجد المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم واعتبر ذلك بالغالية من النصيرية وغيرهم وبالملاحدة الإسماعيلية وأمثالهم وعمدتهم في الشرعيات ما نقل لهم عن بعض أهل البيت وذلك النقل منه ما هو صدق ومنه ما هو كذب عمدا أو خطأ وليسوا أهل معرفة بصحيح المنقول وضعيفه كأهل المعرفة بالحديث ثم إذا صح النقل عن بعض هؤلاء فإنهم بنوا وجوب قبول قول الواحد من هؤلاء على ثلاثة أصول علي أن الواحد من هؤلاء معصوم مثل عصمة الرسول وعلي أن ما يقوله أحدهم فإنما يقول نقلا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأنهم قد علم منهم أنهم قالوا مهما قلنا فإنما نقوله نقلا عن الرسول ويدعون العصمة في أهل النقل والثالث أن إجماع العترة حجة ثم يدعون أن العترة هم الاثنا عشر ويدعون أن ما نقل عن أحدهم فقد أجمعوا كلهم عليه فهذه أصول الشرعيات عندهم وهي أصول فاسدة كما سنبين ذلك في موضعه لا يعتمدون على القرآن ولا على الحديث ولا على إجماع إلا لكون المعصوم منهم ولا على القياس وإن كان واضحا جليا

1

70

وأما عمدتهم في النظر والعقليات فقد اعتمد متأخروهم على كتب المعتزلة ووافقوهم في مسائل الصفات والقدر والمعتزلة في الجملة أعقل وأصدق وليس في المعتزلة من يطعن في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله تعالى عليهم أجمعين بل هم متفقون على تثبيت خلافة الثلاثة وأما التفضيل فأئمتهم وجمهورهم كانوا يفضلون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وفي متأخريهم من توقف في التفصيل وبعضهم فضل عليا فصار بينهم وبين الزيدية نسب واشج من جهة المشاركة في التوحيد والعدل والإمامة والتفضيل وكان قدماء المعتزلة وأئمتهم كعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وغيرهم متوقفين في عدالة

1

71

علي فيقولون أو من يقول منهم قد فسقت إحدى الطائفتين إما علي وإما طلحة والزبير لا يعينها فإن شهد هذا وهذا لم تقبل شهادتهما لفسق أحدهما لا يعينه وإن شهد علي مع شخص آخر عدل ففي قبول شهادة علي بينهم نزاع وكان متكلموا الشيعة كهشام بن الحكم وهشام بن الجواليقي ويونس بن عبد الرحمن القمى وأمثالهم يزيدون في إثبات الصفات على مذهب أهل السنة فلا يقنعون بما يقوله أهل السنة والجماعة من

1

72

أن القرآن غير مخلوق وأن الله يرى في الآخرة وغير ذلك من مقالات أهل السنة والحديث حتى يبتدعون في الغلو في الإثبات والتجسيم والتبعيض والتمثيل ما هو معروف من مقالاتهم التي ذكرها الناس ولكن في أواخر المائة الثالثة دخل من دخل من الشيعة في أقوال المعتزلة كابن النوبختي صاحب كتاب الآراء والديانات وأمثاله وجاء بعد هؤلاء المفيد بن النعمان وأتباعه ولهذا تجد المصنفين في المقالات كالأشعري لا يذكرون عن أحد من الشيعة أنه وافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم إلا عن بعض متأخريهم وإنما يذكرون عن بعض قدمائهم التجسيم وإثبات القدر وغيره وأول من عرف عنه في الإسلام أنه قال إن الله جسم

1

73

هو هشام بن الحكم بل قال الجاحظ في كتابه الحجج في النبوة ليس على ظهرها رافضي إلا وهو يزعم أن ربه مثله وأن البدوات تعرض له وأنه لا يعلم الشيء قبل كونه إلا بعلم يخلقه لنفسه وقد كان ابن الرواندي وأمثاله من المعروفين بالزندقة والإلحاد صنفرا لهم كتبا أيضا على أصولهم فصل قال المصنف الرافضي أما بعد فهذه رسالة شريفة ومقالة لطيفة اشتملت على

1

74

أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين وهي مسألة الإمامة التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة وهي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان والتخلص من غضب الرحمن فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات ولم يعرف إمام زمانه ميتة جاهلية خدمت بها خزانة السلطان الأعظم مالك رقاب الأمم ملك ملوك طوائف العرب والعجم مولى النعم ومسدي الخير والكرم شاهنشاه المكرم غياث الملة والحق والدين الجايتو خدابنده قد لخصت فيه خلاصة الدلائل وأشرت إلى رءوس المسائل وسميتها منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ورتبتها على فصول الفصل الأول في نقل المذاهب في هذه المسألة ثم ذكر الفصل الثاني في أن مذهب الإمامية واجب

1

75

الإتباع ثم ذكر الفصل الثالث في الأدلة على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الفصل الرابع في الاثنى عشر ثم ذكر الفصل الخامس في إبطال خلافة أبي بكر وعمر وعثمان فيقال الكلام على هذا من وجوه أحدها أن يقال أولا إن قول القائل إن مسألة الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين كذب بإجماع المسلمين سنيهم وشيعيهم بل هذا كفر فإن الإيمان بالله ورسوله أهم من مسألة الإمامة وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام فالكافر لا يصير مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهذا هو الذي قاتل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار أولا كما استفاض عنه في الصحاح وغيرها أنه قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وفي رواية ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني

1

76

دماءهم وأموالهم إلا بحقها وقد قال تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم سورة التوبة فأمر بتخلية سبيلهم إذا تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وكذلك قال لعلي لما بعثه إلى خيبر وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في الكفار فيحقن دماءهم بالتوبة من الكفر لا يذكر لهم الإمامة بحال وقد قال تعالى بعد هذا فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين سورة التوبة فجعلهم إخوانا في الدين بالتوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولم يذكر الإمامة بحال ومن المتواتر أن الكفار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أسلموا أجرى عليهم أحكام الإسلام ولم يذكر لهم الإمامة

1

77

بحال ولا نقل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من أهل العلم لا نقلا خاصا ولا عاما بل نحن نعلم بالاضطرار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يذكر للناس إذا أرادوا الدخول في دينه الإمامة لا مطلقا ولا معينا فكيف تكون أهم المطالب في أحكام الدين ومعا يبين ذلك أن الإمامة بتقدير الاحتياج إلى معرفتها لا يحتاج إليها من مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة ولا يحتاج إلى التزام حكمها من عاش منهم إلى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون أشرف مسائل المسلمين وأهم المطالب في الدين لا يحتاج إليه أحد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو ليس الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته واتبعوه باطنا وظاهرا ولم يرتدوا ولم يبدلوا هم أفضل الخلق باتفاق المسلمين أهل السنة والشيعة فكيف يكون أفضل المسلمين لا يحتاج إلى أهم المطالب في الدين وأشرف مسائل المسلمين فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في حياته وإنما يحتاج إلى الإمام بعد مماته فلم تكن هذه المسألة أهم مسائل الدين

1

78

في حياته وإنما صارت أهم مسائل الدين بعد موته قيل الجواب عن هذا من وجوه أحدها أنه بتقدير صحة ذلك لا يجوز أن يقال إنها أهم مسائل الدين مطلقا بل في وقت دون وقت وهي في خير الأوقات ليست أهم المطالب في أحكام الدين ولا أشرف مسائل المسلمين الثاني أن يقال الإيمان بالله ورسوله في كل زمان ومكان أعظم من مسألة الإمامة فلم تكن في وقت من الأوقات لا الأهم ولا الأشرف الثالث أن يقال فقد كان يجب بيانها من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته الباقين من بعده كما بين لهم أمور الصلاة والزكاة والصيام والحج وعين أمر الإيمان بالله وتوحيده واليوم الآخر ومن المعلوم أنه ليس بيان مسألة الإمامة في الكتاب والسنة كبيان هذه الأصول فإن قيل بل الإمامة في كل زمان هي الأهم والنبي صلى الله عليه وسلم كان نبيا إماما وهذا كان معلوما لمن آمن به أنه كان إمام ذلك الزمان قيل الاعتذار بهذا باطل من وجوه

1

79

أحدها أن قول القائل الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين إما أن يريد به إمامة الاثنى عشر أو إمام كل زمان بعينه في زمانه بحيث يكون الأهم في زماننا الإيمان بإمامة محمد المنتظر والأهم في زمان الخلفاء الأربعة الإيمان بإمامة علي عندهم والأهم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بإمامته وإما أن يراد به الإيمان بأحكام الإمامة مطلقا غير معين وإما أن يراد به معنى رابعا أما الأول فقد علم بالاضطرار أن هذا لم يكن معلوما شائعا بين الصحابة ولا التابعين بل الشيعة تقول إن كل واحد إنما يعين بنص من قبله فبطل أن يكون هذا أهم أمور الدين وأما الثاني فعلي هذا التقدير يكون أهم المطالب في كل زمان الإيمان بإمام ذلك الزمان ويكون الإيمان من سنة ستين ومائتين إلى هذا التاريخ إنما هو الإيمان بإمامة محمد بن الحسن ويكون هذا أعظم من الإيمان بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ومن الإيمان بالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الواجبات وهذا مع أنه معلوم فساده بالاضطرار من دين

1

80

المسلمين فليس هو مذهب الإمامية فإن اهتمامهم بعلي وإمامته أعظم من اهتمامهم بإمامة المنتظر كما ذكره هذا المصنف وأمثاله من شيوخ الشيعة وأيضا فإن كان هذا هو أهم المطالب في الدين فالإمامية أخسر الناس صفقة في الدين لأنهم جعلوا الإمام المعصوم هو الإمام المعدوم الذي لم ينفعهم في دين ولا دنيا فلم يستفيدوا من أهم الأمور الدينية شيئا من منافع الدين ولا الدنيا فإن قالوا إن المراد أن الإيمان بحكم الإمامة مطلقا هو أهم أمور الدين كان هذا أيضا باطلا للعلم الضروري أن غيرها من أمور الدين أهم منها وإن أريد معنى رابع فلا بد من بيانه لنتكلم عليه الوجه الثاني أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم تجب طاعته على الناس لكونه إماما بل لكونه رسول الله إلى الناس وهذا المعنى ثابت له حيا وميتا فوجوب طاعته على من بعده كوجوب طاعته على أهل زمانه وأهل زمانه فيهم الشاهد الذي يسمع أمره ونهيه وفيهم الغائب الذي بلغه الشاهد أمره ونهيه فكما يجب على الغائب عنه في حياته طاعة

1

81

أمره ونهيه يجب ذلك على من يكون بعد موته وهو صلى الله عليه وسلم امره شامل عام لكل مؤمن شهده أو غاب عنه في حياته وبعد موته وليس هذا لأحد من الأئمة ولا يستفاد هذا بالإمامة حتى أنه صلى الله عليه وسلم إذا أمر ناسا معينين بأمور وحكم في أعيان معينة بأحكام لم يكن حكمه وأمره مختصا بتلك المعينات بل كان ثابتا في نظائرها وأمثاله إلى يوم القيامة فقوله صلى الله عليه وسلم لمن شهده لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود هو حكم ثابت لكل مأموم بإمام أن لا يسبقه بالركوع ولا بالسجود وقوله لمن قال لم اشعر فحلقت قبل أن أرمى قال أرم ولا حرج ولمن قال نحرت قبل أن أحلق قال احلق ولا حرج أمر لمن كان مثله وكذلك قوله لعائشة رضي الله عنها لما حاضت وهي معتمرة اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا

1

82

تطوفي بالبيت وأمثال هذا كثير بخلاف الإمام إذا أطيع وخلفاؤه بعده في تنفيذ أمره ونهيه كخلفائه في حياته فكل آمر بأمر يجب طاعته فيه إنما هو منفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله أرسله إلى الناس وفرض عليهم طاعته لا لأجل كونه إماما له شوكة وأعوان أو لأجل أن غيره عهد إليه بالإمامة أو غير ذلك فطاعته لا تقف على ما تقف عليه طاعة الأئمة من عهد من قبله أو موافقة ذوي الشوكة أو غير ذلك بل تجب طاعته صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن معه أحد وإن كذبه جميع الناس وكانت طاعته واجبة بمكة قبل أن يصير له أنصار وأعوان يقاتلون معه فهو كما قال سبحانه فيه وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقبكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين سورة آل عمران بين

1

83

سبحانه وتعالى أنه ليس بموته ولا قتله ينتقض حكم رسالته كما ينتقض حكم الإمامة بموت الأئمة وقتلهم وأنه ليس من شرطه أن يكون خالدا لا يموت فإنه ليس هو ربا وإنما هو رسول الله قد خلت من قبله الرسل وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وعبدالله حتى أتاه اليقين من ربه فطاعته واجبة بعد مماته وجوبها في حياته وأوكد لأن الدين كمل واستقر بموته فلم يبق فيه نسخ ولهذا جمع القرآن بعد موته لكماله واستقراره بموته فإذا قال القائل إنه كان إماما في حياته وبعده صار الإمام غيره إن أراد بذلك أنه صار بعده من هو نظيره يطاع كما يطاع الرسول فهذا باطل وإن أراد أنه قام من يخلفه في تنفيذ أمره ونهيه فهذا كان حاصلا في حياته فإنه إذا غاب كان هناك من يخلفه وإن قيل إنه بعد موته لا يباشر معينا بالأمر بخلاف حياته قيل مباشرته بالأمر ليست شرطا في وجوب طاعته بل تجب طاعته على من بلغه أمره ونهيه كما تجب طاعته على من سمع كلامه وقد كان يقول ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع وإن قيل إنه في حياته كان يقضي في قضايا معينة مثل إعطاء شخص بعينه وإقامة الحد على شخص بعينه وتنفيذ جيش بعينه

1

84

قيل نعم وطاعته واجبة في نظير ذلك إلى يوم القيامة بخلاف الأئمة لكن قد يخفى الاستدلال على نظير ذلك كما يخفى العلم على من غاب عنه فالشاهد أعلم بما قال وأفهم له من الغائب وإن كان فيمن غاب وبلغ أمره من هو أوعى له من بعض السامعين لكن هذا التفاضل الناس في معرفة أمره ونهيه لا لتفاضلهم في وجوب طاعته عليهم فما تجب طاعة ولي الأمر بعده إلا كما تجب طاعة ولاة الأمور في حياته فطاعته واجبة شاملة لجميع العباد شمولا واحدا وإن تنوعت طرقهم في البلاغ والسماع والفهم فهؤلاء يبلغهم من أمره لم يبلغ هؤلاء وهؤلاء يسمعون من أمره ما لم يسمعه هؤلاء وهؤلاء يفهمون من أمره ما لم يفهمه هؤلاء وكل من أمر بما أمر به الرسول وجبت طاعته طاعة الله ورسوله لا له وإذا كان للناس ولي أمر قادر ذو شوكة فيأمر بما يأمر ويحكم بما يحكم انتظم الأمر بذلك ولم يجز أن يولى غيره ولا يمكن بعده أن يكون شخص واحد مثله إنما يوجد من هو أقرب إليه من غيره فأحق الناس بخلافة نبوته أقربهم إلى الأمر بما يأمر به والنهي عما نهى عنه ولا يطاع أمره طاعة ظاهرة غالبة إلا بقدرة وسلطان يوجب الطاعة كما لم يطع أمره

1

85

في حياته طاعته ظاهرة غالبة حتى صار معه من يقاتل على طاعة أمره فالدين كله طاعة لله ورسوله وطاعة الله ورسوله هي الدين كله فمن يطع الرسول فقد اطاع الله ودين المسلمين بعد موته طاعة الله ورسوله وطاعتهم لولي الأمر فيما أمروا بطاعته فيه هو طاعة لله ورسوله وأمر ولي الأمر الذي أمر الله أن يأمرهم به وقسمه وحكمه هو طاعة لله ورسوله فأعمال الأئمة والأمة في حياته ومماته التي يحبها الله ويرضاها كلها طاعة لله ورسوله ولهذا كان أصل الدين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا قيل هو كان إماما وأريد بذلك إمامة خارجة عن الرسالة أو إمامة يشترط فيها ما لا يشترط في الرسالة أو إمامة تعتبر فيها طاعته بدون طاعة الرسول فهذا كله باطل فإن كل ما يطاع به داخل في رسالته وهو في كل ما يطاع فيه يطاع بأنه رسول الله ولو قدر أنه كان إماما مجردا لم يطع حتى تكون طاعته داخلة في طاعة رسول آخر فالطاعة إنما تجب لله ورسوله ولمن أمرت الرسل بطاعتهم فإن قيل أطيع بإمامته طاعة داخلة في رسالته كان هذا عديم التأثير فإن مجرد رسالته كافية في وجوب طاعته بخلاف الإمام فإنه إنما يصير

1

86

إماما بأعوان يتفذون أمره وإلا كان كآحاد أهل العلم والدين إن كان من أهل العلم والدين فإن قيل إنه صلى الله عليه وسلم لما صار له شوكة بالمدينة صار له مع الرسالة إمامة القدرة قيل بل صار رسولا له أعيان وأنصار ينفذون أمره ويجاهدون من خالفه وهو ما دام في الأرض من يؤمن بالله ورسوله ويجاهد في سبيله له أعوان وأنصار ينفذون أمره ويجاهدون من خالفه فلم يستفد بالأعوان ما يحتاج أن يضمه إلى الرسالة مثل كونه إماما أو حاكما أو ولي أمر إذ كان هذا كله داخلا في رسالته ولكن بالأعوان حصل له كمال قدره أوجبت عليه من الأمر والجهاد ما لم يكن واجبا بدون القدرة والأحكام تختلف باختلاف حال القدرة والعجز والعلم وعدمه كما تختلف باختلاف الغنى والفقر والصحة والمرض والمؤمن مطيع لله في ذلك كله وهو مطيع لرسول الله في ذلك كله ومحمد رسول الله فيما أمر به ونهى عنه مطيع لله في ذلك كله وإن قالت الإمامية الإمامة واجبة بالعقل بخلاف الرسالة فهي أهم من هذا الوجه

1

87

قيل الوجوب العقلي فيه نزاع كما سيأتي وعلى القول بالوجوب العقلي فما يجب من الإمامة جزء من أجزاء الواجبات العقلية وغير الإمامة أوجب من ذلك كالتوحيد والصدق والعدل وغير ذلك من الواجبات العقلية وأيضا فلا ريب أن الرسالة يحصل بها هذا الواجب فمقصودها جزء من مقصود الرسالة فالإيمان بالرسول يحصل به مقصود الإمامة في حياته وبعد مماته بخلاف الإمامة وأيضا فمن ثبت عنده أن محمدا رسول الله وأن طاعته واجبة عليه واجتهد في طاعته حسب الامكان إن قيل إنه يدخل الجنة فقد استغنى عن مسألة الإمامة وإن قيل لا يدخل الجنة كان هذا خلاف نصوص القرآن فإنه سبحانه أوجب الجنة لمن اطاع الله ورسوله في غير موضع كقوله تعالى ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا سورة النساء وقوله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم سورة النساء وأيضا فصاحب الزمان الذي يدعون إليه لا سبيل للناس إلى معرفته ولا معرفة ما يأمرهم به وما ينهاهم عنه وما يخبرهم به فإن

1

88

كان أحد لا يصير سعيدا إلا بطاعة هذا الذي لا يعرف أمره ولا نهيه لزم أنه لا يتمكن أحد من طريق النجاة والسعادة وطاعة الله وهذا من أعظم تكليف مالا يطاق وهم من أعظم الناس إحالة له وإن قيل بل هو يأمر بما عليه الإمامية قيل فلا حاجة إلى وجوده ولا شهوده فإن هذا معروف سواء كان هو حيا أو ميتا وسواء كان شاهدا أو غائبا وإذا كان معرفة ما أمر الله به الخلق ممكنا بدون هذا الإمام المنتظر علم أنه لا حاجة إليه ولا يتوقف عليه طاعة الله ورسوله ولا نجاة أحد ولا سعادته وحينئذ فيمتنع القول بجواز إمامة مثل هذا فضلا عن القول بوجوب إمامة مثل هذا وهذا أمر بين لمن تدبره لكن الرافضة من أجهل الناس وذلك أن فعل الواجبات العقلية الشرعيه وترك المستقبحات العقلية والشرعية إما أن يكون موقوفا على معرفة ما يأمر به وينهى عنه هذا المنتظر وإما أن لا يكون موقوفا فإذا كان موقوفا لزم تكليف مالا يطاق وأن يكون فعل الواجبات وترك المحرمات موقوفا على شرط لا يقدر عليه عامة الناس بل ولا أحد منهم فإنه ليس في الأرض من يدعي دعوى صادقة أنه رأى هذا المنتظر أو سمع كلامه وإن لم يكن موقوفا على ذلك أمكن فعل الواجبات العقلية والشرعية وترك القبائح العقلية والشرعية بدون هذا المنتظر فلا يحتاج إليه ولا يجب وجوده ولا شهوده

1

89

وهؤلاء الرافضة علقوا نجاة الخلق وسعادتهم وطاعتهم لله ورسوله بشرط ممتنع لا يقدر عليه الناس بل ولا يقدر عليه أحد منهم وقالوا للناس لا يكون أحد ناجيا من عذاب الله بذلك ولا يكون سعيدا إلا بذلك ولا يكون أحد مؤمنا إلا بذلك فلزم أحد أمرين إما بطلان قولهم وإما أن يكون الله قد آيس عباده من رحمته وأوجب عذابه لجميع الخلق المسلمين وغيرهم وعلى هذا التقدير فهم أول الاشقياء المعذبين فإنه ليس لأحد منهم طريق إلى معرفة أمر هذا الإمام الذي يعتقدون أنه موجود غائب ولا نهيه ولا خبره بل عندهم من الأقوال المنقولة عن شيوخ الرافضة ما يذكرون أنه منقول عن الأئمة المتقدمين على هذا المنتظر وهم لا ينقلون شيئا عن المنتظر وإن قدر أن بعضهم نقل عنه شيئا علم أنه كاذب وحينئذ فتلك الأقوال إن كانت كافية فلا حاجة إلى المنتظر وإن لم تكن كافية فقد أقروا بشقائهم وعذابهم حيث كانت سعادتهم موقوفة على آمر لا يعلمون بماذا أمر وقد رأيت طائفة من شيوخ الرافضة كابن العود الحلى يقول إذا اختلفت الإمامية على قولين أحدهما يعرف قائله والآخر لا يعرف قائله كان القول الذي لا يعرف قائله هو القول الحق الذي يجب اتباعه لأن المنتظر المعصوم في تلك الطائفة

1

90

وهذا غاية الجهل والضلال فإنه بتقدير وجود المنتظر المعصوم لا يعلم أنه قال ذلك القول إذ لم ينقله عنه أحد ولا عمن نقله عنه فمن أين يجزم بأنه قوله ولم لا يجوز أن يكون القول الآخر هو قوله وهو لغيبته وخوفه من الظالمين لا يمكنه إظهار قوله كما يدعون ذلك فيه فكان أصل دين هؤلاء الرافضة مبنيا على مجهول ومعدوم لا على موجود ولا معلوم يظنون أن إمامهم موجود معصوم وهو مفقود معدوم ولو كان موجودا معصوما فهم معترفون بأنهم لا يقدرون أن يعرفوا امره ونهيه كما كانوا يعرفون أمر آبائه ولهيم والمقصود بالإمام إنما هو طاعة أمره فإذا كان العلم بأمره ممتنعا كانت طاعته ممتنعة فكان المقصود به ممتنعا فكان المقصود به ممتنعا وإذا كان المقصود به ممتنعا لم يكن في إثبات الوسيلة فائدة أصلا بل كان إثبات الوسيلة التي لا يحصل بها مقصودها من باب السفه والعبث والعذاب القبيح باتفاق أهل الشرع وباتفاق العقلاء القائلين بتحسين العقول وتقبيحها بل باتفاق العقلاء مطلقا فإنهم إذا فسروا القبح بما يضر كانوا متفقين على أن معرفة الضار يعلم بالعقل والإيمان بهذ الإمام الذي

1

91

ليس فيه منفعة بل مضرة في العقل والنفس والبدن والمال وغير ذلك قبيح شرعا وعقلا ولهذا كان المتبعون له من أبعد الناس عن مصلحة الدين والدنيا لا تنتظم لهم مصلحة دينهم فدنياهم إلا بالدخول في طاعة من هو خارج عن دينهم فهم ي وجود الإمام المنتظر المعصوم لأن مصلحة الدين والدنيا لا تحصل إلا به عندهم وهم لم يحصل لهم بعد المنتظر مصلحة في الدين ولا في الدنيا والذين كذبوا به لم تفتهم مصلحة في الدين ولا في الدنيا بل كانوا أقوم بمصالح الدين والدنيا من أتباعه فعلم بذلك أن قولهم في الإمامة لا ينال به إلا ما يورث الخزي والندامة وأنه ليس فيه شيء من الكرامة وأن ذلك إذا كان أعظم مطالب الدين فهم أبعد الناس عن الحق والهدى في أعظم مطالب الدين وإن لم يكن أعظم مطالب الدين ظهر بطلان ما أدعوه من ذلك فثبت بطلان قولهم على التقديرين وهو المطلوب فإن قال هؤلاء الرافضة إيماننا بهذا المنتظر المعصوم مثل إيمان كثير من شيوخ الزهد والدين بإلياس والخضر والغوث والقطب ورجال

1

92

الغيب ونحو ذلك من الأشخاص الذين لا يعرف وجودهم ولا بماذا يأمرون ولا عماذا ينهون فكيف يسوغ لمن يوافق هؤلاء أن ينكر علينا ما ندعيه قيل الجواب من وجوه أحدها أن الإيمان بوجود هؤلاء ليس واجبا عند أحد من علماء المسلمين وطوائفهم المعروفين وإذا كان بعض الغلاة يوجب على أصحابه الإيمان بوجود هؤلاء ويقول إنه لا يكون مؤمنا وليا لله إلا من يؤمن بوجود هؤلاء في هذه الأزمان كان قوله مردودا كقول الرافضة فإن من قال من هؤلاء الغلاة إنه لا يكون وليا لله إن لم يعتقد الخضر ونحو ذلك كان قوله مردودا كقول الرافضة الوجه الثاني أن يقال من الناس من يظن أن التصديق بهؤلاء يزداد به

1

93

الرجل إيمانا وخيرا وموالاة لله وأن المصدق بوجود هؤلاء أكمل وأشرف وأفضل عند الله ممن لم يصدق بوجود هؤلاء وهذا القول ليس مثل قول الرافضة من كل وجه بل هو مشابه له من بعض الوجوه لكونهم جعلوا كمال الدين موقوفا على ذلك وحينئذ فيقال هذا القول أيضا باطل باتفاق علماء المسلمين وأئمتهم فإن العلم بالواجبات والمستحبات وفعل الواجبات والمستحبات كلها ليس موقوفا على التصديق بوجود أحد من هؤلاء ومن ظن من أهل النسك والزهد والعامة أن شيئا من الدين واجبه أو مستحبه موقوفا على التصديق بوجود هؤلاء فهو جاهل ضال باتفاق أهل العلم والإيمان العالمين بالكتاب والسنة إذ قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته التصديق بوجود هؤلاء ولا أصحابه كانوا يجعلون ذلك من الدين ولا أئمة المسلمين وأيضا فجميع هذه الألفاظ لفظ الغوث والقطب والأوتاد والنجباء وغيرها لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد معروف أنه

1

94

تكلم بشيء منها ولا أصحابه ولكن لفظ الأبدال تكلم به بعض السلف ويروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف وقد

1

95

بسطنا الكلام على ذلك في عير هذا الموضوع الوجه الثالث أن يقال القائلون بهذه الأمور منهم من ينسب إلى أحد هؤلاء ما لا تجوز نسبته إلى أحد من البشر مثل دعوى بعضهم أن الغوث أو القطب هو الذي يمد أهل الأرض في هداهم ونصرهم ورزقهم فإن هذا لا يصل إلى أحد من أهل الأرض إلا بواسطة نزوله على ذلك الشخص وهذا باطل بإجماع المسلمين وهو من جنس قول النصارى في الباب وكذلك ما يدعيه بعضهم من أن الواحد من هؤلاء قد يعلم كل ولي لله كان ويكون واسمه واسم ابيه ومنزلته من الله ونحو ذلك من

1

96

المقالات الباطلة التي تتضمن أن الواحد من البشر يشارك الله في بعض خصائصه مثل أنه بكل شيء عليم أو على كل شيء قدير ونحو ذلك كما يقول بعضهم في النبي صلى الله عليه وسلم وفي شيوخه إن علم أحدهم ينطبق على علم الله وقدرته منطبقة على قدرة الله فيعلم ما يعلمه الله ويقدر على ما يقدر الله عليه فهذه المقالات وما يشبهها من جنس قول النصارى والغالية في علي وهي باطلة بإجماع علماء المسلمين ومنهم من ينسب إلى الواحد من هؤلاء ما تجوز نسبته إلى الأنبياء وصالحي المؤمنين من الكرامات كدعوة مجابة ومكاشفة من مكاشفات الصالحين ونحو ذلك فهذا القدر يقع كثيرا من الأشخاص الموجودين المعاينين ومن نسب ذلك إلى من لا يعرف وجوده فهؤلاء وإن كانوا مخطئين في نسبة ذلك إلى شخص معدوم فخطؤهم كخطأ من اعتقد أن في البلد الفلاني رجالا من أولياء الله وليس فيه أحد أو اعتقد في ناس معينين أنهم أولياء الله ولم يكونوا كذلك ولا ريب أن هذا خطأ وجهل وضلال يقع فيه كثير من الناس لكن خطأ الإمامية وضلالهم أقبح وأعظم الوجه الرابع أن يقال الصواب الذي عليه محققو العلماء أن إلياس

1

97

والخضر ماتا وأنه ليس أحد من البشر واسطة بين الله وبين خلقه في رزقه وخلقه وهداه ونصره وإنما الرسل وسائط في تبليغ رسالاته لا سبيل لأحد إلى السعادة إلا بطاعة الرسل وأما خلقه ورزقه وهداه ونصره فلا يقدر عليه إلا الله تعالى فهذا لا يتوقف على حياة الرسل وبقائهم بل بل ولا يتوقف نصر الخلق ورزقهم على وجود الرسل أصلا بل قد يخلق الله ذلك بما شاء من الأسباب بواسطة الملائكة أو غيرهم وقد يكون لبعض البشر في ذلك من الأسباب ما هو معروف في البشر وأما كون ذلك لا يكون إلا بواسطة البشر أو أن أحدا من البشر يتولى ذلك كله ونحو ذلك فهذا كله باطل وحينئذ فيقال للرافضة إذا احتجوا بضلال الضلال ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتهم أنكم في العذاب مشتركون سورة الزخرف

1

98

وأيضا فمن المعلوم أن أشرف مسائل المسلمين وأهم المطالب في الدين ينبغي أن يكون ذكرها في كتاب الله أعظم من غيرها وبيان الرسول لها أولى من بيان غيرها والقرآن مملوء بذكر توحيد الله وذكر أسمائه وصفاته وآياته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقصص والأمر والنهي والحدود والفرائض بخلاف الإمامة فكيف يكون القرآن مملوءا بغير الأهم الأشرف وأيضا فإن الله تعالى قد علق السعادة بما لا ذكر فيه للإمامة فقال ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا سورة النساء وقال تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين سورة النساء فقد بين الله في القرآن أن من أطاع الله ورسوله كان سعيدا في الآخرة ومن عصى الله ورسوله وتعدى حدوده كان معذبا فهذا هو الفرق بين السعداء والأشقياء ولم يذكر الإمامة فإن قال قائل إن الإمامة داخلة في طاعة الله ورسوله قيل غايتها أن تكون كبعض الوجبات كالصلاة والزكاة والصيام

1

99

والحج وغير ذلك مما يدخل في طاعة الله ورسوله فكيف تكون هي وحدها أشرف مسائل المسلمين وأهم مطالب الدين فإن قيل لا يمكننا طاعة الرسول إلا بطاعة إمام فإنه هو الذي يعرف الشرع قيل هذا هو دعوى المذهب ولا حجة فيه ومعلوم أن القرآن لم يدل على هذا كما دل على سائر أصول الدين وقد تقدم أن هذا الإمام الذي يدعونه لم ينتفع به أحد في ذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى أن ما جاء به الرسول لا يحتاج في معرفته إلى أحد من الأئمة الوجه الثاني أن يقال أصول الدين عن الإمامية أربعة التوحيد والعدل والنبوة والإمامة فالإمامة هي آخر المراتب والتوحيد والعدل والنبوة قبل ذلك وهم يدخلون في التوحيد نفى الصفات والقول بأن القرآن مخلوق وأن الله لا يرى في الآخرة ويدخلون في العدل التكذيب بالقدر وأن الله لا يقدر أن يهدى من يشاء ولا يقدر أن يضل من يشاء وأنه قد يشاء مالا يكون ويكون مالا يشاء وغير ذلك فلا يقولون إنه

1

100

خالق كل شيء ولا إنه على كل شيء قدير ولا إنه ما شاء كان ومالم يشأ لم يكن لكن التوحيد والعدل والنبوة مقدم على الإمامة فكيف تكون الإمامة أشرف وأهم وأيضا فإن الإمامة إنما أوجبوها لكونها لطفا في الواجبات فهي واجبة الوسائل فكيف تكون الوسيلة أهم وأشرف من المقصود الوجه الثالث أن يقال إن كانت الإمامة أهم مطالب الدين وأشرف مسائل المسلمين فأبعد الناس عن هذا الأهم الأشرف هم الرافضة فإنهم قد قالوا في الإمامة أسخف قول وأفسده في العقل والدين كما سنبينه إن شاء الله تعالى إذا تكلمنا عن حججهم ويكفيك أن مطلوبهم بالإمامة أن يكون لهم رئيس معصوم يكون لطفا في مصالح دينهم ودنياهم وليس في الطوائف أبعد عن مصلحة اللطف والإمامة منهم فإنهم يحتالون على مجهول ومعدوم لا يرى له عين ولا أثر ولا يسمع له حس ولا خبر فلم يحصل لهم من الأمر المقصود بإمامته شيء وأي من فرض إماما نافعا في بعض مصالح الدين والدنيا كان خيرا ممن

1

101

لا ينتفع به في شيء من مصالح الإمامة ولهذا تجدهم لما فاتهم مصلحة الإمامة يدخلون في طاعة كافرا أو ظالم لينالوا به بعض مقاصدهم فبينما هم يدعون الناس إلى طاعة إمام معصوم أصبحوا يرجعون إلى طاعة ظلوم كفور فهل يكون أبعد عن مقصود الإمامة وعن الخير والكرامة ممن سلك منهاج الندامة وفي الجملة فالله تعالى قد علق بولاة الأمور مصالح في الدين والدنيا سواء كانت الإمامة أهم الأمور أو لم تكن والرافضة أبعد الناس عن حصول هذه المصلحة لهم فقد فاتهم على قولهم الخير المطلوب من أهم مطالب الدين وأشرف مسائل المسلمين ولقد طلب منى أكابر شيوخهم الفضلاء أن يخلو بي وأتكلم معه في ذلك فخلوت به وقررت له ما يقولونه في هذا الباب كقولهم إن الله أمر العباد ونهاهم لينالوا به بعض مقاصدهم فيجب أن يفعل بهم اللطف الذي يكونون عنده أقرب إلى فعل الواجب وترك القبيح لأن من دعا شخصا ليأكل طعامه فإذا كان مراده الأكل فعل ما يعين على ذلك من الأسباب كتلقيه بالبشر وإجلاسه في مجلس يناسبه وأمثال ذلك وإن لم يكن مراده أن يأكل عبس في وجهه وأغلق الباب ونحو ذلك وهذا أخذوه من المعتزلة ليس هو من أصول شيوخهم القدماء ثم قالوا والإمام لطف لأن الناس إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب

1

102

وينهاهم عن القبيح كانوا أقرب إلى فعل المأمور وترك المحظور فيجب أن يكون لهم إمام ولا بد أن يكون معصوما لأنه إذا لم يكن معصوما لم يحصل به المقصود ولم تدع العصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا لعلي فتعين أن يكون هو إياه للإجماع على انتفاء ما سواه وبسطت له العبارة في هذه المعاني ثم قالوا وعلى نص على الحسن والحسن على الحسين إلى أن انتهت النوبة إلى المنتظر محمد بن الحسن صاحب السرداب الغائب فاعترف بأن هذا تقرير مذهبهم على غاية الكمال قلت له فأنا وأنت طالبان للعلم والحق والهدى وهم يقولون من لم يؤمن بالمنتظر فهو كافر فهذا المنتظر هل رأيته أو رأيت من رآه أو سمعت له بخبر أو تعرف شيئا من كلامه الذي قاله هو أو ما أمر به أو ما نهى عنه مأخوذا عنه كما يؤخذ عن الأئمة قال لا قلت فأى فائدة في إيماننا هذا وأي لطف يحصل لنا بهذا ثم كيف يجوز أن يكلفنا الله بطاعة شخص ونحن لا نعلم ما يأمر به ولا ما ينهانا عنه ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه وهم من أشد الناس

1

103

إنكارا لتكليف مالا يطاق فهل يكون في تكليف مالا يطاق أبلغ من هذا فقال إثبات هذا مبني على تلك المقدمات قلت لكن المقصود لنا من تلك المقدمات هو ما يتعلق بنا نحن وإلا فما علينا ما مضى إذا لم يتعلق بنا منه أمر ولا نهى وإذا كان كلامنا في تلك المقدمات لا يحصل لنا فائدة ولا لطفا ولا يفيدنا إلا تكليف مالا يقدر عليه علم أن الإيمان بهذا المنتظر من باب الجهل والضلال لا من باب المصلحة واللطف والذي عنه الإمامية من النقل عن الأئمة الموتى إن كان حقا يحصل به سعادتهم فلا حاجة بهم إلى المنتظر وإن كان باطلا فهم أيضا لم ينتفعوا بالمنتظر في رد هذا الباطل فلم ينتفعوا بالمنتظر لا في إثبات حق ولا في نفي باطل ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر ولم يحصل لواحد منهم به شيء من المصلحة واللطف المطلوب من الإمامة والجهال الذين يعقلون أمورهم بالمجهولات كرجال الغيب والقطب

1

104

والغوث والخضر ونحو ذلك مع جهلهم وضلالهم وكونهم يثبتون ما لم يحصل لهم به مصلحة ولا لطف ولا منفعة لا في الدين ولا في الدنيا أقل ضلالا من الرافضة فإن الخضر كان موجودا وقد ذكره الله في القرآن وفي قصته عبرة وفوائد وقد يرى أحدهم شخصا صالحا يظنه الخضر فينتفع به وبرؤيته وموعظته وإن كان غالطا في اعتقاده أنه الخضر فقد يرى أحدهم بعض الجن فيظن أنه الخضر ولا يخاطبه الجني إلا بما يرى أنه يقبله منه ليربطه على ذلك فيكون الرجل أتى من نفسه لا من ذلك المخاطب له ومنهم من يقول لكل زمان خضر ومنهم من يقول لكل ولي خضر وللكفار كاليهود مواضع يقولون إنهم يرون الخضر فيها وقد يرى الخضر على صور مختلفة وعلى صورة هائلة وأمثال ذلك وذلك لأن هذا الذي يقول إنه الخضر هو جني بل هو شيطان يظهر لمن يرى أنه يضله وفي ذلك حكايات كثيرة يضيق هذا الموضع عن ذكرها وعلى كل تقدير فأصناف الشيعة أكثر ضلالا من هؤلاء فإن منتظرهم ليس عنده نقل ثابت عنه ولا يعتقدون فيمن يرونه أنه المنتظر ولما دخل السرداب كان عندهم صغيرا لم يبلغ سن التمييز

1

105

وهم يقبلون من الأكاذيب أضعاف ما يقبله هؤلاء ويعرضون عن الاقتداء بالكتاب والسنة أكثر من إعراض هؤلاء ويقدحون في خيار المسلمين قدحا يعاديهم عليه هؤلاء فهم أضل عن مصالح الإمامة من جميع طوائف الأمة فقد فاتهم على قولهم أهم الدين وأشرفه الوجه الرابع أن يقال قوله التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة كلام باطل فإن مجرد معرفة الإنسان إمام وقته وإدراكه بعينه لا يستحق به الكرامة إن لم يوافق أمره ونهيه وإلا فليست معرفة إمام الوقت بأعظم من معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن عرف أن محمدا رسول الله فلم يؤمن به ولم يطع أمره لم يحصل له شيء من الكرامة ولو آمن بالنبي وعصاه فضيع الفرائض وتعدى الحدود كان مستحقا للوعيد عند الإمامية وسائر طوائف المسلمين فكيف بمن عرف الإمام وهو مضيع للفرائض متعد للحدود

1

106

وكثير من هؤلاء يقول حب علي حسنة لا يضر معها سيئة وإن كانت السيئات لا تضر مع حب علي فلا حاجة إلى الإمام المعصوم الذي هو لطف في التكليف فإنه إذا لم يوجد إنما توجد سيئات ومعاص فإن كان حب علي كافيا فسواء وجد الإمام أو لم يوجد الوجه الخامس قوله وهي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان فيقال له من جعل هذا من الإيمان إلا أهل الجهل والبهتان وسنتكلم إن شاء الله على ما ذكره من ذلك والله تعالى وصف المؤمنين وأحوالهم والنبي صلى الله عليه وسلم قد فسر الإيمان وذكر شعبه ولم يذكر الله ولا رسوله الإمامة في أركان الإيمان ففي الحديث الصحيح حديث جبريل لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة أعرابي وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان قال له الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت قال والإيمان أن

1

107

تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره ولم يذكر الإمامة قال والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهذا الحديث متفق على صحته متلقى بالقبول أجمع أهل العلم بالنقل على صحته وقد أخرجه أصحاب الصحيح من غير وجه فهو متفق عليه من حديث أبي هريرة وفي أفراد مسلم من حديث عمر وهؤلاء وإن كانوا لا يقرون بصحة هذه الأحاديث فالمصنف قد احتج بأحاديث موضوعة كذب باتفاق أهل المعرفة فإما أن نحتج بما يقوم الدليل على صحته ونحن وهم أو لا نحتج بشيء من ذلك لا نحن ولا هم فإن تركوا الرواية رأسا أمكن أن نترك الرواية وأما إذا رووا هم فلا بد من معارضة الرواية بالرواية والاعتماد على ما تقوم به

1

108

الحجة ونحن نبين الدلائل الدالة على كذب ما يعارضون به أهل السنة من الروايات الباطلة والدلائل الدالة على صحة ما نقله أهل العلم بالحديث وصححوه وهب أن لا نحتج بالحديث فقد قال الله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم سورة الأنفال فشهد لهؤلاء بالايمان من غيرذكر للإمامة وقال تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون سورة الحجرات فجعلهم صادقين في الإيمان من غير ذكر للإمامة وقال تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون سورة البقرة ولم يذكر الإمامة وقال تعالى الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين

1

109

يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون سورة البقرة فجعلهم مهتدين مفلحين ولم يذكر الإمامة وأيضا فنحن نعلم بالإضطرار من دين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أسلموا لم يجعل إيمانهم موقوفا على معرفة الإمامة ولم يذكر لهم شيئا من ذلك وما كان أحد أركان الإيمان لا بد أن يبينه الرسول لأهل الإيمان ليحصل لهم به الإيمان فإذا علم بالاضطرار أن هذا مما لم يكن الرسول يشترطه في الإيمان علم أن اشتراطه في الإيمان من أقوال أهل البهتان فإن قيل قد دخلت في عموم النصوص أو هي من باب مالا يتم الواجب إلا به أو دل عليها نص آخر قيل هذا كله لو صح لكان غايته أن تكون من بعض فروع الدين لا تكون من أركان الإيمان فإن ركن الإيمان مالا يحصل الإيمان إلا به كالشهادتين فلا يكون الرجل مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فلو كانت الإمامة ركنا في الإيمان لا يتم إيمان أحد إلا به لوجب أن يبين ذلك الرسول بيانا عاما قاطعا للعذر كما بين

1

110

الشهادتين والإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر فكيف ونحن نعلم بالاضطرار من دينه أن الناس الذين دخلوا في دينه أفواجا لم يشترط على أحد منهم في الإيمان الإيمان بالإمامة لا مطلقا ولا معينا الوجه السادس قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية يقال له أولا من روى هذا الحديث بهذا اللفظ وأين إسناده وكيف يجوز أن يحتج بنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير بيان الطريق الذي به يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله وهذا لو كان مجهول الحال عند أهل العلم بالحديث فكيف وهذا الحديث بهذا اللفظ لا يعرف إنما الحديث المعروف مثل ما روى مسلم في صحيحه عن نافع قال جاء عبد الله ابن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد ابن معاوية فقال اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة

1

111

فقال إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله سمعته يقول من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية وهذا حدث به عبد الله بن عمر لعبد الله بن مطيع بن الأسود لما خلعوا طاعة أمير وقتهم يزيد مع أنه كان فيه من الظلم ما كان ثم إنه اقتتل هو وهم وفعل بأهل الحرة أمورا منكرة فعلم أن هذا الحديث دل على ما دل عليه سائر الأحاديث الآتية من أنه لا يخرج على ولاة أمور المسلمين بالسيف وأن من لم يكن مطيعا لولاة الأمور مات ميتة جاهلية وهذا ضد قول الرافضة فإنهم أعظم الناس مخالفة لولاة الأمور وأبعد الناس عن طاعتهم إلا كرها ونحن نطالبهم أولا بصحة النقل ثم بتقدير أن يكون ناقله واحدا فكيف يجوز أن يثبت أصل الإيمان بخبر مثل هذا الذي لا يعرف له ناقل وإن عرف له ناقل أمكن خطؤه وكذبه وهل يثبت أصل الإيمان إلا بطريق علمي الوجه السابع أن يقال إن كان هذا الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم

1

112

فليس في حجة لهذا القائل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ومن مات ميتة جاهلية في أمور ليست من أركان الإيمان التي من تركها كان كافرا كما في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية وهذا الحديث يتناول من قاتل في العصبية والرافضة رءوس هؤلاء ولكن لا يكفر المسلم بالاقتتال في العصبية كما دل على ذلك الكتاب والسنة فكيف يكفر بما هو دون ذلك وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات

1

113

مات ميتة جاهلية وهذا حال الرافضة فإنهم يخرجون عن الطاعة ويفارقون الجماعة وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإن من فارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية وفي لفظ من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإن من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية وهذه النصوص مع كونها صريحة في حال الرافضة فهي وأمثالها المعروفة عند أهل العلم لا بذلك اللفظ الذي نقله الوجه الثامن أن هذا الحديث الذي ذكره حجة على الرافضة لأنهم لا يعرفون إمام زمانهم فإنهم يدعون أنه الغائب المنتظر محمد بن الحسن الذي دخل

1

114

سرداب سامرا سنة ستين ومائتين أو نحوها ولم يميز بعد بل كان عمره إما سنتين أو ثلاثا أو خمسا أو نحو ذلك وله الآن على قولهم أكثر من أربعمائة وخمسين سنة ولم ير له عين ولا أثر ولا سمع له حسن ولا خبر فليس فيهم أحد يعرفه لا بعينه ولا صفته لكن يقولون إن هذا الشخص الذي لم يره أحد ولم يسمع له خبر هو إمام زمانهم ومعلوم أن هذا ليس هو معرفة بالإمام ونظير هذا أن يكون لرجل قريب من بني عمه في الدنيا ولا يعرف شيئا من أحواله فهذا لا يعرف ابن عمه وكذلك المال الملتقط إذا عرف أن له مالكا ولم يعرف عينه لم يكن عارفا لصاحب اللقطة بل هذا أعرف لأن هذا يمكن ترتيب بعض أحكام الملك والنسب عليه وأما المنتظر فلا يعرف له حال ينتفع به في الإمامة فإن معرفة الإمام يخرج الإنسان فن الجاهلية هي المعرفة التي يحصل بها طاعة وجماعة خلاف ما كان عليه أهل الجاهلية فإنهم لم يكن لهم إمام يجمعهم ولا جماعة تعصمهم والله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وهداهم به إلى الطاعة والجماعة وهذا المنتظر لا

1

115

يحصل بمعرفته طاعة ولا جماعة فلم يعرف معرفة تخرج الإنسان من حال الجاهلية بل المنتسبون إليه أعظم الطوائف جاهلية وأشبههم بالجاهلية وإن لم يدخلوا في طاعة غيرهم إما طاعة كافر وإما طاعة مسلم هو عندهم من الكفار أو النواصب لم ينتظم لهم مصلحة لكثرة اختلافهم وافتراقهم وخروجهم عن الطاعة والجماعة وهذا يتبين بالوجه التاسع وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس لا بطاعة معدوم ولا مجهول ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتماع والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف ولم يأمر بطاعة الأئمة مطلقا بل أمر بطاعتهم في طاعة

1

116

الله دون معصيته وهذا يبين أن الأئمة الذين أمر بطاعتهم في طاعة الله ليسوا معصومين ففي صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنوكم قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة وفي صحيح مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برىء ومن أنكر سلم ولكن من رضى وتابع قالوا يا رسول الله أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا

1

117

وهذا يبين أن الأئمة هم الأمراء ولاة الأمور وأنه يكره وينكر ما يأتونه من معصية الله ولا تنزع اليد من طاعتهم بل يطاعون في طاعة الله وأن منهم خيارا وشرارا من يحب ويدعى له ويحب الناس ويدعو لهم ومن يبغض ويدعو على الناس ويبغضونه ويدعون عليه وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمر قال فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم فقد أخبر أن بعده خلفاء كثيرين وأمر أن يوفى ببيعة

1

118

الأول فالأول وأن يعطوهم حقهم وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم وفي لفظ ستكون أثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول فما تأمرنا قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وعلى أثره علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم

1

119

وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة فإن قال أنا أردت بقولي إنها أهم المطالب في الدين وأشرف مسائل المسلمين المطالب التي تنازعت الأمة فيها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهذه هي مسألة الإمامة قيل له فلا لفظ فصيح ولا معنى صحيح فإن ما ذكرته لا يدل على هذا المعنى بل مفهوم اللفظ ومقتضاه أنها أهم المطالب في الدين مطلقا وأشرف مسائل المسلمين مطلقا وبتقدير أن يكون هذا مرادك فهو معنى باطل فإن المسلمين تنازعوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل أشرف من هذه وبتقدير أن تكون هي الأشرف فالذي ذكرته فيها أبطل المذاهب وأفسد المطالب وذلك أن النزاع في الإمامة لم يظهر إلا في خلافة علي رضي الله عنه وأما على عهد الخلفاء الثلاثة فلم يظهر نزاع إلا ما جرى يوم السقيفة

1

120

وما انفصلوا حتى اتفقوا ومثل هذا لا يعد نزاعا ولو قدر أن النزاع فيها كان عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم فليس كل ما تنوزع فيه عقب موته صلى الله عليه وسلم يكون أشرف مما تنوزع فيه بعد موته بدهر طويل وإذا كان كذلك فمعلوم أن مسائل القدر والتعديل والتجوير والتحسين والتقبيح والتوحيد والصفات والإثبات والتنزيه أهم وأشرف من مسائل الإمامة ومسائل الأسماء والأحكام والوعد والوعيد والعفو والشفاعة والتخليد أهم من مسائل الإمامة ولهذا كل من صنف في أصول الدين يذكر مسائل الإمامة في الآخر حتى الإمامية يذكرون مسائل التوحيد والعدل والنبوة قبل مسائل الإمامة وكذلك المعتزلة يذكرون أصولهم الخمس التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والخامس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبه تتعلق مسائل الإمامة ولهذا كان جماهير الأمة نالوا الخير بدون مقصود الإمامة التي تقولها الرافضة فإنهم يقرون بأن الأمام الذي هو صاحب الزمان مفقود لا ينتفع به أحد وأنه دخل السرداب سنة ستين ومائتين أو قريبا من ذلك وهو الآن غائب أكثر من أربعمائة وخمسين سنه فهم في هذه المدة لم ينتفعوا

1

121

بإمامته لا في دين ولا في دنيا بل يقولون إن عندهم علما منقولا عن غيره فإن كانت أهم مسائل الدين وهم لم ينتفعوا بالمقصود منها فقد فاتهم من الدين أهمه وأشرفه وحينئذ فلا ينتفعون بما حصل لهم من التوحيد والعدل لأنه يكون ناقصا بالنسبة إلى مقصود الإمامة فيستحقون العذاب كيف وهم يسلمون أن مقصود الإمامة إنما هو في الفروع الشرعية وأما الأصول العقلية فلا يحتاج فيها إلى الإمام وتلك هي أهم وأشرف ثم بعد هذا كله فقولكم في الإمامة من أبعد الأقوال عن الصواب ولو لم يكن فيه إلا أنكم أوجبتم الإمامة لما فيها من مصلحة الخلق في دينهم ودنياهم وإمامكم صاحب الوقت لم يحصل لكم من جهته مصلحة لا في الدين ولا في الدنيا فأي سعى أضل من سعى من يتعب التعب الطويل ويكثر القال والقيل ويفارق جماعة المسلمين ويلعن السابقين والتابعين ويعاون الكفار والمنافقين ويحتال بأنواع الحيل ويسلك ما أمكنه من السبل ويعتضد بشهود الزور ويدلى أتباعه بحبل الغرور ويفعل ما يطول وصفه ومقصوده بذلك أن يكون له إمام يدله على أمر الله ونهيه ويعرفه ما يقربه إلى الله تعالى ثم إنه لما علم اسم ذلك الإمام ونسبه لم يظفر بشيء من مطلوبه ولا وصل إليه شيء من تعليمه وإرشاده ولا أمره ولا نهيه ولا حصل له

1

122

من جهته منفعة ولا مصلحة أصلا إلا إذهاب نفسه وماله وقطع الأسفار وطول الانتظار بالليل والنهار ومعاداة الجمهور لداخل في سرادب ليس له عمل ولا خطاب ولو كان موجودا بيقين لما حصل به منفعة لهؤلاء المساكين فكيف عقلاء الناس يعلمون أنه ليس معهم إلا الإفلاس وأن الحسن بن علي العسكري لم ينسل ولم يعقب كما ذكر ذلك محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن قانع وغيرهما من أهل العلم بالنسب وهم يقولون إنه دخل السرداب بعد موت أبيه وعمره إما سنتان وإما ثلاث وإما وإما خمس نحو ذلك ومثل هذا بنص القرآن يتيم يجب أن يحفظ له ماله حتى يؤنس منه الرشد ويحضنه من يستحق حضانته من أقربائه فإذا صار له سبع سنين امر بالطهارة والصلاة فمن لا توضأ ولا صلى وهو تحت حجر وليه في نفسه وماله بنص القرآن لو كان موجودا يشهده العيان لما جاز أن يكون هو إمام أهل الإيمان فكيف إذا كان معدوما أو مفقودا مع طول هذه الغيبة

1

123

والمرأة إذا غاب عنها وليها زوجها الحاكم أو الولي الحاضر لئلا تفوت مصلحة المرأة بغيبة الولي المعلوم الموجود فكيف تضيع مصلحة الأمة مع طول هذه المدة مع هذا الإمام المفقود فصل قال المصنف الرافضي الفصل الأول في نقل المذاهب في هذه المسألة ذهبت الإمامية إلى أن الله عدل حكيم لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب وأن أفعاله إنما تقع لغرض صحيح وحكمه وأنه لا يفعل الظلم ولا العبث وأنه رءوف بالعباد يفعل ما هو الأصلح لهم والأنفع وأنه تعالى كلفهم تخييرا لا إجبارا ووعدهم الثواب وتوعدهم بالعقاب على لسان أنبيائه ورسله المعصومين بحيث لا يجوز عليهم الخطأ ولا النسيان ولا المعاصي

1

124

وإلا لم يبق وثوق بأقوالهم وأفعالهم فتنتقى فائدة البعثة ثم أردف الرسالة بعد موت الرسول بالإمامة فنصب أولياء معصومين ليأمن الناس من غلطهم وسهوهم وخطئهم فينقادون إلى أوامرهم لئلا يخلى الله العالم من لطفه ورحمته وأنه لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم قام بنقل الرسالة ونص على أن الخليفة بعده علي بن أبي طالب عليه السلام ثم من بعده علي ولده الحسن الزكي ثم على ولده الحسين الشهيد ثم على علي بن الحسين زيد العابدين ثم على محمد بن علي الباقر ثم على جعفر بن محمد الصادق ثم على موسى بن جعفر الكاظم ثم على علي بن موسى الرضا ثم على محمد بن علي الجواد ثم على بن محمد الهادي ثم على الحسن بن علي العسكري ثم على الخلف الحجة

1

125

محمد بن الحسن عليهم الصلاة والسلام وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا عن وصية بالإمامة قال وأهل السنة ذهبوا إلى خلاف ذلك كله فلم يثبتوا العدل والحكمة في أفعاله تعالى وجوزوا عليه فعل القبيح والإخلال بالواجب وأنه تعالى لا يفعل لغرض بل كل أفعاله لا لغرض من الأغراض ولا لحكمة ألبتة وأنه يفعل الظلم والعبث وأنه لا يفعل ما هو الأصلح لعباده بل ما هو الفساد في الحقيقة لأن فعل المعاصي وأنواع الكفر والظلم وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم مسندة إليه تعالى الله عن ذلك وأن المطيع لا يستحق ثوابا والعاصي لا يستحق عقابا

1

126

بل قد يعذب المطيع طول عمره المبالغ في امتثال أوامره تعالى كالنبي صلى الله عليه وسلم ويثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي وأبلغها كإبليس وفرعون وأن الأنبياء غير معصومين بل قد يقع منهم الخطأ والزلل والفسوق والكذب والسهو وغير ذلك وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على إمام وأنه مات عن غير وصية وأن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر بن أبي قحافة بمبايعة عمر بن الخطاب له برضاء أربعة أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد بن عبادة ثم من بعده عمر بن الخطاب بنص أبي بكر عليه ثم

1

127

عثمان بن عفان بنص عمر على ستة هو أحدهم فاختاره بعضهم ثم علي بن أبي طالب لمبايعة الخلق له ثم اختلفوا فقال بعضهم إن الإمام بعده الحسن وبعضهم قال إنه معاوية ابن أبي سفيان ثم ساقوا الإمامة في بني أمية إلى أن ظهر السفاح من بني العباس فساقوا الإمامة إليه ثم انتقلت الإمامة منه إلى أخيه المنصور ثم ساقوا الإمامة في بني العباس إلى المستعصم قلت فهذا النقل لمذهب أهل السنة والرافضة فيه من الكذب والتحريف ما سنذكر بعضه والكلام عليه من وجوه أحدها أن إدخال مسائل القدر والتعديل والتجوير في هذا الباب كلام باطل

1

128

من الجانبين إذ كل من القولين قد قال به طوائف من أهل السنة والشيعة فالشيعة فيهم طوائف تثبت القدر وتنكر مسائل التعديل والتجوير والذين يقرون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان فيهم طوائف تقول بما ذكره من التعديل والتجوير كالمعتزلة وغيرهم ومعلوم أن المعتزلة هم أصل هذا القول وأن شيوخ الرافضة كالمفيد والموسوي والطوسي والكراجكي وغيرهم إنما أخذوا ذلك من المعتزلة وإلا فالشيعة القدماء لا يوجد في كلامهم شيء من هذا وإن كان ما ذكره في ذلك ليس متعلقا بمذهب الإمامة بل قد يوافقهم على قولهم في الإمامية من لا يوافقهم على قولهم في القدر وقد تقول بما ذكره في القدر طوائف لا توافهم على الإمامة كان ذكر هذا في مسألة الإمامة بمنزلة سائر مسائل النزاع التي وافقوا فيها بعض المسلمين كمسائل فتنة القبر ومنكر ونكير والحوض والميزان والشفاعة وخروج أهل الكبائر من النار وأمثال ذلك من المسائل التي لا تتعلق بالإمامة بل هي مسائل مستقلة بنفسها وبمنزلة المسائل العملية كمسائل الخلاف التي صنفها الموسوي وغيره من شيوخ الإمامية فتبين أن إدخال مسائل القدر في مسألة الإمامية إما جهل وإما تجاهل

1

129

الوجه الثاني أن يقال ما نقله عن الإمامية لم ينقله على وجهه فإنه من تمام قول قول الإمامية الذي حكاه وهو قول من وافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم من متأخري الشيعة أن الله لم يخلق شيئا من أفعال الحيوان لا الملائكة ولا الأنبياء ولا غيرهم بل هذه الحوادث التي تحدث تحدث بغير قدرته ولا خلقه ومن قولهم أيضا إن الله تعالى لا يقدر أن يهدي ضالا ولا يقدر أن يضل مهتديا ولا يحتاج أحد من الخلق إلى أن يهديه الله بل الله قد هداهم هدى البيان وأما الاهتداء فهذا يهتدى بنفسه لا بمعونة الله له وهذا يهتدى بنفسه لا بمعونة الله له ومن قولهم إن هدى الله للمؤمنين والكفار سواء ليس له على المؤمنين نعمة في الدين أعظم من نعمته على الكافرين بل قد هدى علي بن أبي طالب كما هدى أبا جهل بمنزلة الأب الذي يعطي أحد بنيه دراهم ويعطى الآخر مثلها لكن هذا أنفقها في طاعة الله وهذا في معصيته

1

130

فليس للأب من الإنعام على هذا في دينه أكثر مما له من الإنعام على الآخر ومن أقوالهم إنه يشاء الله مالا يكون ويكون مالا يشاء فإن قيل فيهم من يقول إنه يخص بعضهم ممن علم منه أنه إذا خصه بمزيد لطف من عنده اهتدى بذلك وإلا فلا قيل فهذا هو حقيقة قول أهل السنة المثبتين للقدر فإنهم يقولون كل من خصه الله بهدايته إياه صار مهتديا ومن لم يخصه بذلك لم يصر مهتديا فالتخصيص والاهتداء متلازمان عند أهل السنة فإن قيل بل قد يخصه بما لا يوجب الاهتداء كما قال تعالى ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون سورة الأنفال قيل هذا التخصيص حق لكن دعوى لا تخصيص إلا هذا غلط كما سيأتي بل كل ما يستلزم الاهتداء هو من التخصيص وفي الجملة فالقوم لا يثبتون لله مشيئة عامة ولا قدرة تامة ولا خلقا متناولا لكل حادث وهذا القول أخذوه عن المعتزلة هم أئمتهم فيه

1

131

ولهذا كانت الشيعة فيه على قولين الوجه الثالث أن قوله إنه نصب أولياء معصومين لئلا يخلى الله العالم من لطفه ورحمته إن أراد بقوله إنه نصب أولياء أنه مكنهم وأعطاهم القدرة على سياسة الناس حتى ينتفع الناس بسياستهم فهذا كذب واضح وهم لا يقولون ذلك بل يقولون إن الأئمة مقهورون مظلومون عاجزون ليس لهم سلطان ولا قدرة ولا مكنة ويعلمون أن الله لم يمكنهم ولم يملكهم فلم يؤتهم ولاية ولا ملكا كما أتى المؤمنين والصالحين ولا كما آتى الكفار والفجار فإنه سبحانه قد آتى الملك لمن آتاه من الأنبياء كما قال في داود وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء سورة البقرة وقال تعالى أم يحسدون الناس على آتاهم الله من فضله فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما سورة النساء وقال تعالى وقال الملك ائتوني به سورة يوسف وقال وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا سورة الكهف

1

132

وقال تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الله الملك سورة البقرة فقد آتى الملك لبعض الكفار كما آتاه لبعض الأنبياء ومن بعد علي رضي الله عنه والحسن لم يؤت الملك لأحد من هؤلاء كما أوتيه الأنبياء والصالحون ولا كما أوتيه غيرهم من الملوك فبطل أن يكون الله نصب هؤلاء المعصومين على هذا الوجه فإن قيل المراد بنصبهم أنه أوجب على الخلق طاعتهم فإذا أطاعوهم هدوهم لكن الخلق عصوهم فيقال فلم يحصل بمجرد ذلك في العالم لا لطف ولا رحمة بل إنما حصل تكذيب الناس لهم ومعصيتهم إياهم وأيضا فالمؤمنون بالمنتظر لم ينتفعوا به ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة مع كونهم يحبونه ويوالونه فعلم أنه لم يحصل به لطف ولا مصلحة لا لمن أقر بإمامته ولا لمن جحدها فبطل ما يذكرون أن العالم حصل فيه اللطف والرحمة بهذا المعصوم وعلم بالضرورة أن هذا العالم لم يحصل فيه بهذا المنتظر شيء من ذلك لا لمن آمن به ولا لمن كفر به بخلاف الرسول والنبي الذي بعثه الله

1

133

وكذبه قوم فإنه انتفع به من آمن به وأطاعه فكان رحمة في حق المؤمن به المطيع له وأما العاصي فهو المفرط وهذا المنتظر لم ينتفع به لا مؤمن به ولا كافر به وأما سائر الاثنى عشر سوى علي فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أهل العلم والدين من جنس تعليم العلم والتحديث والافتاء ونحو ذلك وأما المنفعة المطلوبة من الأئمة ذوي السلطان والسيف فلم تحصل لواحد منهم فتبين أن ما ذكره من اللطف والمصلحة بالأئمة تلبيس محض وكذب الوجه الرابع أن قوله عن أهل السنة إنهم لم يثبتوا العدل والحكمة وجوزوا عليه فعل القبيح والإخلال بالواجب نقل باطل عنهم من وجهين أحدهما أن كثير من أهل السنة الذين لا يقولون في الخلافة بالنص على علي ولا بإمامة الاثنى عشر يثبتون ما ذكره من العدل والحكمة على الوجه الذي قاله هو وشيوخه عن هؤلاء أخذوا ذلك كالمعتزلة وغيرهم ممن وافقهم متأخرو الرافضة على القدر فنقله عن جميع أهل السنة

1

134

الذين هم في اصطلاحه واصطلاح العامة من سوى الشيعة هذا القول كذب بين منه الوجه الثاني أن سائر أهل السنة الذين يقرون بالقدر ليس فيهم من يقول إن الله تعالى ليس بعدل ولا من يقول إنه ليس بحكيم ولا فيهم من يقول إنه يجوز أن يترك واجبا ولا أن يفعل قبيحا فليس في المسلمين من يتكلم بمثل هذا الكلام الذي أطلقه ومن أطلقه كان كافرا مباح الدم باتفاق المسلمين ولكن هذه مسألة القدر والنزاع فيها معروف بين المسلمين فأما نفاة القدر كالمعتزلة ونحوهم فقولهم هو الذي ذهب إليه متأخرو الإمامية وأما المثبتون للقدر وهو جمهور الأمة وأئمتها كالصحابة والتابعين لهم بإحسان وأهل البيت وغيرهم فهؤلاء تنازعوا في تفسير عدل الله وحكمته والظلم الذي يجب تنزيهه عنه وفي تعليل أفعاله وأحكامه ونحو ذلك فقالت طائفة إن الظلم ممتنع منه غير مقدور وهو محال لذاته كالجمع بين النقيضين وإن كل ممكن مقدور فليس هو ظلما وهؤلاء

1

135

هم الذين قصدوا الرد عليهم وهؤلاء يقولون إنه لو عذب المطيعين ونعم العصاة لم يكن ظالما وقالوا الظلم التصرف فيما ليس له والله تعالى له كل شيء أو هو مخالفة الأمر والله لا آمر له وهذا قول كثير من أهل الكلام المثبتين للقدر ومن وافقهم من الفقهاء أصحاب الأئمة الأربعة وقال طائفة بل الظلم مقدور ممكن والله تعالى منزه لا يفعله لعدله ولهذا مدح الله نفسه حيث أخبر أنه لا يظلم الناس شيئا والمدح إنما يكون بترك المقدور عليه لا بترك الممتنع قالوا وقد قال تعالى ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما سورة طه قالوا الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره والهضم أن يهضم حسناته وقال تعالى ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم سورة هود فأخبر أنه لم يظلمهم لما أهلكهم بل أهلكهم بذنوبهم وقال تعالى وجيء بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون سورة الزمر فدل على أن القضاء بينهم بغير القسط ظلم والله منزه عنه وقال تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس

1

136

شيئا سورة الأنبياء أي لا تنقص من حسناتها ولا تعاقب بغير سيئاتها فدل على أن ذلك ظلم ينزه الله عنه وقال تعالى قال لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد سورة ق وإنما نزه نفسه عن أمر يقدر عليه لا عن الممتنع لنفسه ومثل هذا في القرآن في غير موضع مما يبين أن الله ينتصف من العباد ويقضي بينهم بالعدل وأن القضاء بينهم بغير العدل ظلم ينزه الله عنه وأنه لا يحمل على أحد ذنب غيره وقال تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى سورة الأنعام فإن ذلك ينزه الله عنه بل لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا فقد حرم على نفسه الظلم كما كتب على نفسه الرحمة في قوله كتب ربكم على نفسه الرحمة سورة الأنعام

1

137

وفي الحديث الصحيح لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو موضوع عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي والأمر الذي كتبه الله على نفسه أو حرمه على نفسه لا يكون إلا مقدورا له سبحانه فالممتنع لنفسه لا يكتبه على نفسه ولا يحرمه على نفسه وهذا القول قول أكثر أهل السنة والمثبتين للقدر من أهل الحديث والتفسير والفقه والكلام والتصوف من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم وعلى هذا القول فهؤلاء هم القائلون بعدل الله تعالى وإحسانه دون من يقول من القدرية إن من فعل كبيرة حبط إيمانه فإن هذا نوع من الظلم الذي نزه الله سبحانه نفسه عنه وهو القائل فمن يعمل

1

138

مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره سورة الزلزلة وأما من اعتقد أن منته على المؤمنين بالهداية دون الكافرين ظلم منه فهذا جهل لوجهين أحدهما أن هذا تفضل منه كما قال تعالى بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين سورة الحجرات وكما قالت الأنبياء إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده سورة إبراهيم وقال تعالى وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين سورة الأنعام فتخصيص هذا بالإيمان كتخصيص هذا بمزيد علم وقوة وصحة وجمال ومال قال تعالى أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا سورة الزخرف وإذا خص أحد الشخصين بقوة وطبيعة تقضي غذاء صالحا خصه بما يناسب ذلك من الصحة والعافية وإذا لم يعط الاخر ذلك نقص عنه وحصل له ضعف ومرض

1

139

والظلم وضع الشيء في غير موضعه فهو لا يضع العقوبة إلا في المحل الذي يستحقها لا يضعها على محسن أبدا وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه والقسط بيده الأخرى يقبض ويبسط فبين أنه سبحانه يحسن ويعدل ولا يخرج فعله عن العدل والإحسان ولهذا قيل كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل ولهذا يخبر أنه تعالى يعاقب الناس بذنوبهم وأن إنعامه عليهم إحسان منه كما في الحديث الصحيح الإلهي يقول الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن

1

140

وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه وقد قال تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك سورة النساء أي ما أصابك من نعم تحبها كالنصر والرزق فالله أنعم بذلك عليك وما أصابك من نقم تكرهها فبذنوبك وخطاياك فالحسنات والسيئات هنا أراد بها النعم والمصائب كما قال تعالى وبلوناهم بالحسنات والسيئات سورة الأعراف وكما قال تعالى إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل سورة التوبة وقوله تعالى إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها سورة آل عمران ومثل هذا قوله تعالى وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون سورة الروم فأخبر أن ما يصيب به الناس من الخير فهو رحمة منه أحسن بها إلى

1

141

عباده وما أصابهم به من العقوبات فبذنوبهم وتمام الكلام على هذا مبسوط في مواضع أخر وكذلك الحكمة أجمع المسلمون على أن الله تعالى موصوف بالحكمة لكن تنازعوا في تفسير ذلك فقالت طائفة الحكمة ترجع إلى علمه بأفعال العباد وإيقاعها على الوجه الذي أراده ولم يثبتوا إلا العلم والإرادة والقدرة وقال الجمهور من أهل السنة وغيرهم بل هو حكيم في خلقه وأمره والحكمة ليست مطلق المشيئة إذ لو كان كذلك لكن كل مريد حكيما ومعلوم أن الإرادة تنقسم إلى محمودة ومذمومة بل الحكمة تتضمن ما في خلقه وأمره من العواقب المحمودة والغايات المحبوبة والقول بإثبات هذه الحكمة ليس هو قول المعتزلة ومن وافقهم من الشيعة فقط بل هو قول جماهير طوائف المسلمين من أهل التفسير والفقه والحديث والتصوف والكلام وغيرهم قائمة الفقهاء متفقون على إثبات الحكمة والمصالح في أحكامه الشرعية وإنما ينازع في ذلك

1

142

طائفة من نفاة القياس وغير نفاته وكذلك ما في خلقه من المنافع والحكم والمصالح لعباده معلوم وأصحاب القول الأول كجهم بن صفوان وموافقيه كالأشعري ومن وافقه من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم يقولون ليس في القرآن لام التعليل في أفعال الله بل ليس فيه إلا لام العاقبة وأما الجمهور فيقولون بل لام التعليل داخلة في أفعال الله تعالى وأحكامه والقاضي أبو يعلى وأبو الحسن بن الزاغوني ونحوهما من أصحاب أحمد وإن كانوا قد يقولون بالأول فهم يقولون بالثاني أيضا في غير موضع وكذلك أمثالهم من الفقهاء أصحاب مالك والشافعي وغيرهما

1

143

وأما ابن عقيل والقاضي في بعض المواضع وأبو خازم بن القاضي أبي يعلى وأبو الخطاب فيصرحون بالتعليل والحكمة في أفعال الله تعالى موافقة لمن قال ذلك من أهل النظر والحنفية هم من أهل السنة القائلين بالقدر وجمهورهم يقولون بالتعليل والمصالح والكرامية وأمثالهم هم أيضا من القائلين

1

144

بالقدر المثبتين لخلافة الخلفاء المفضلين لأبي بكر وعمر وعثمان وهم أيضا يقولون بالتعليل والحكمة وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد يقولون بالتعليل والحكمة وبالتحسين والتقبيح العقلين كأبي بكر القفال وأبي علي بن أبي هريرة وغيرهم من أصحاب الشافعي وأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب من أصحاب أحمد وفي الجملة النزاع في تعليل أفعال الله وأحكامه مسألة لا تتعلق بالإمامة أصلا وأكثر أهل السنة على إثبات الحكمة والتعليل ولكن الذين أنكروا ذلك من أهل السنة احتجوا بحجتين

1

145

أحداهما أن ذلك يستلزم التسلسل فإنه إذا فعل لعلة فتلك العلة أيضا حادثة فتفتقر إلى علة إن وجب ان يكون لكل حادث علة وإن عقل الإحداث بغير علة لم يحتج إلى إثبات علة فهم يقولون إن أمكن الإحداث بغير علة لم يحتج إلى علة ولم يكن ذلك عبثا وإن لم يكن وجود الإحداث إلا لعلة فالقول في حدوث العلة كالقول في حدوث المعلول وذلك يستلزم التسلسل الحجة الثانية أنهم قالوا من فعل لعلة كان مستكملا بها لأنه لو لم يكن حصول العلة أولى من عدمها لم تكن علة والمستكمل بغيره ناقص بنفسه وذلك ممتنع على الله وأوردوا على المعتزلة ومن وافقهم من الشيعة حجة تقطعهم على أصولهم فقالوا العلة التي فعل لأجلها إن كان وجودها وعدمها بالنسبة إليه سواء امتنع أن تكون علة وإن كان وجودها أولى فإن كانت منفصلة عنه لزم أن يستكمل بغيره وإن كانت قائمة به لزم أن يكون محلا للحوادث وأما المجوزون للتعليل فهم متنازعون فالمعتزلة وأتباعهم من الشيعة تثبت من التعليل مالا يعقل وهو أنه فعل لعلة منفصلة عن الفاعل مع كون وجودها وعدمها بالنسبة إليه سواء وأما أهل السنة القائلون بالتعليل فإنهم يقولون إن الله يحب

1

146

ويرضى كما دل على ذلك الكتاب والسنة ويقولون إن المحبة والرضا أخص من الإرادة وأما المعتزلة وأكثر أصحاب الأشعري فيقولون إن المحبة والرضا والإرادة سواء فجمهور أهل السنة يقولون إن الله لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يرضاه وإن كان داخلا في مراده كما دخلت سائر المخلوقات لما في ذلك من الحكمة وهو وإن كان شرا بالنسبة إلى الفاعل فليس كل ما كان شرا بالنسبة إلى شخص يكون عديم الحكمة بل لله في المخلوقات حكم قد يعلمها بعض الناس وقد لا يعلمها وهؤلاء يجيبون عن التسلسل بجوابين أحدهما أن يقال هذا التسلسل في الحوادث المستقبلة لا في الحوادث الماضية فإنه إذا فعل فعلا لحكمة كانت الحكمة حاصلة بعد الفعل فإذا كانت تلك الحكمة يطلب منها حكمة أخرى بعدها كان تسلسلا في المستقبل وتلك الحكمة الحاصلة محبوبة له وسبب لحكمة ثانية فهو لا يزال سبحانه يحدث من الحكم ما يحبه ويجعله سببا لما يحبه قالوا والتسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين وغيرهم من أهل الملل وغير أهل الملل فإن نعيم الجنة وعذاب النار دائمان مع تجدد الحوادث فيهما وإنما أنكر ذلك الجهم بن صفوان

1

147

فزعم أن الجنة والنار يفنيان وأبو الهذيل العلاف زعم أن حركات أهل الجنة والنار تنقطع ويبقون في سكون دائم وذلك أنهم لما اعتقدوا أن التسلسل في الحوادث ممتنع في الماضي والمستقبل قالوا هذا القول الذي ضللهم به أئمة الإسلام وأما تسلسل الحوادث في الماضي فقيه أيضا قولان لأهل الإسلام لأهل الحديث والكلام وغيرهم فمن يقول إنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ولم يزل فعالا إذا شاء أفعالا تقوم بنفسه بقدرته ومشيئته شيئا بعد شيء يقول إنه لم يزل يتكلم بمشيئته ويفعل بمشيئته شيئا بعد شيء مع قوله إن كل ما سوى الله محدث مخلوق كائن بعد أن لم يكن وإنه ليس في

1

148

العالم شيء قديم مساوق لله كما تقوله الفلاسفة القائلون بقدم الأفلاك وأنها مساوقة لله في وجوده فإن هذا ليس من أقوال المسلمين وقد بينا فساد قول هؤلاء في غير هذا الموضع وبينا أن قولهم بأن المبدع علة تامة موجب بذاته هو نفسه يستلزم فساد قولهم فإن العلة التامة تستلزم معلولها فلا يجوز أن يتأخر عنها شيء من معلولها فالحوادث مشهودة في العالم فلو كان الصانع موجبا بذاته علة تامة مستلزمة لمعلولها لم يحدث شيء من الحوادث في الوجود إذ الحادث يمتنع أن يكون صادرا عن علة تامة أزلية فلو كان العالم قديما لكان مبدعة علة تامة والعلة التامة لا يتخلف عنها شيء من معلولها فيلزم من ذلك أن لا يحدث في العالم شيء فحدوث الحوادث دليل على أن فاعلها ليس بعلة تامة في الأزل وإذا انتفت العلة التامة في الأزل بطل القول بقدم شيء من العالم لكن هذا لا ينفى أن الله لم يزل متكلما إذا شاء ولم يزل حيا فعالا لما يشاء وعمدة الفلاسفة على قدم العالم هو قولهم يمتنع حدوث الحوادث بلا سبب حادث فيمتنع تقدير ذات معطلة عن الفعل لم تفعل ثم فعلت من غير حدوث سبب وهذا القول لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم لا الأفلاك ولا

1

149

غيرها إنما يدل على أنه لم يزل فعالا وإذا قدر أنه فعال لأفعال تقوم بنفسه أو مفعولات حادثة شيئا بعد شيء كان ذلك وفاء بموجب هذه الحجة مع القول بأن كل ما سوى الله محدث مخلوق بعد أن لم يكن كما أخبرت الرسل أن الله خالق كل شيء وإن كان النوع لم يزل متجددا كما في الحوادث المستقبلة كل منها حادث مخلوق وهي لا تزال تحدث شيئا بعد شيء قال هؤلاء والله قد أخبر أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش وأخبر أنه خالق كل شيء ولا يكون المخلوق إلا مسبوقا بالعدم فالقرآن يدل على أن كل ما سوى الله مخلوق مفعول محدث فليس شيء من الموجودات مقارنا لله تعالى كما يقوله دهرية الفلاسفة إن العالم معلول له وهو موجب له مفيض له وهو متقدم عليه بالشرف والعلية والطبع وليس متقدما عليه بالزمان فإنه لو كان

1

150

علة تامة موجبة يقترن بها معلولها كما زعموا لم يكن في العالم شيء محدث فإن ذلك المحدث لا يحدث عن علة تامة أزلية يقارنها معلولها فإن المحدث المعين لا يكون أزليا وسواء قيل إنه حدث بوسط أو بغير وسط كما يقولون إن الفلك تولد عنه بوسط عقل أو عقلين أو غير ذلك مما يقال فإن كل قول يقتضى أن يكون شيء من العالم قديما لازما لذات الله فهو باطل لأن ذلك يستلزم كون البارىء موجبا بالذات بحيث يقارنه موجبه إذ لولا ذلك لما قارنه بذلك الشيء ولو كان موجبا بالذات لم يتأخر عنه شيء من موجبه ومقتضاه فكان يلزم أن لا يكون في العالم شيء محدث ولو قيل إنه موجب بذاته للفلك وأما حركات الفلك فيوجبها شيئا بعد شيء كان هذا باطلا من وجوه أحدها أن يقال إن كانت حركة الفلك لازمة له كما هو قولهم امتنع إبداع الملزوم دون لازمه وكونه موجبا بالذات علة تامة للحركة ممتنع لأن الحركة تحدث شيئا فشيئا والعلة التامة الموجبة لمعلولها في الأزل لا يتأخر عنها شيء من معلولها فلا تكون الحركة معلولة

1

151

للموجب بذاته في الأزل الذي يلزمه معلوله وإن لم تكن لازمة له فهي حادثة فتقتضى سببا واجبا حادثا وذلك بالحادث لا يحدث عن العلة التامة الأزلية إذ الموجب بذاته لا يتأخر عنه موجبه ولهذا كان قول هؤلاء الذين يجعلون الحوادث صادرة عن علة تامة أزلية لا يحدث فيها ولا منها شيء أشد فسادا من قول من يقول حدثت عن القادر بدون سبب حادث لأن هؤلاء أثبتوا فاعلا ولم يثبتوا سببا حادثا وأولئك يلزمهم نفى الفاعل للحوادث لأن العلة التامة الموجبة بذاتها في الأزل لا تكون محدثة لشيء أصلا ولهذا كانت الحوادث عندهم إنما تحدث بحركة الفلك وهم لا يجعلون فوق الفلك شيئا أحدث حركته بل قولهم في حركات الأفلاك وسائر الحوادث من جنس قول القدرية في أفعال الحيوان وحقيقة ذلك أنها تحدث بلا محدث لكن القدرية خصوا ذلك بأفعال الحيوان وهؤلاء قالوا ذلك في كل حادث علوي وسفلي الوجه الثاني أن الفاعل سواء كان قادرا أو موجبا بذاته أو قيل هو قادر يوجب بمشيئته وقدرته لا بد أن يكون موجودا عند وجود المفعول ولا يجوز أن يكون معدوما عند وجود المفعول إذ المعدوم لا يفعل موجودا ونفس

1

152

إيجابه وفعله واقتضائه وإحداثه لا بد أن يكون ثابتا بالفعل عند وجود المفعول الموجب المحدث فلا يكون فاعلا حقيقة إلا مع وجود المفعول فلو قدر أنه فعله واقتصاه فوجد بعد عدم للزم أن يكون فعله وإيجابه عند عدم المفعول الموجب وعند عدمه فلا إيجاب ولا فعل وإذا كان كذلك فالموجب لحدوث الحوادث إذا قدر أنه يفعل الثاني بعد الأول من غير أن يحدث له حال يكون بها فاعلا للثاني كان المؤثر التام معدوما عند وجود الأثر وهذا محال فإن حاله عند وجود الأثر وعدمه سواء وقبله كان يمتنع أن يكون فاعلا له فكذلك عنده أو يقال قبله لم يكن فاعلا فكذلك عنده إذ لو جوز أن يحدث الحادث الثاني من غير حدوث حال للفاعل بها صار فاعلا لزم حدوث الحوادث كلها بلا سبب وترجيح الفاعل لأحد طرفي الممكن بل لوجود الممكن بلا مرجح لأن حاله قبل ومع وبعد سواء فتخصيص بعض الأوقات بذلك الحادث تخصيص بلا مخصص فإن كان هذا جائزا جاز حدوث كل الحوادث بلا سبب

1

153

حادث وبطل قولهم وإن لم يكن جائزا بطل أيضا قولهم فثبت بطلان قول هؤلاء المتفلسفة الدهرية على تقدير النقيضين وذلك يستلزم بطلانه في نفس الأمر والواحد من الناس إذا قطع مسافة وكان قطعه للجزء الثاني مشروطا بالأول فإنه إذا قطع الأول حصل له أمور تقوم به من قدرة أو إرادة أو غيرهما تقوم بذاته بها صار حاصلا في الجزء الثاني لا أنه بمجرد عدم الأول صار قاطعا للثاني فإذا شبهوا فعله للحوادث بهذا لزمهم أن يتجدد لله أحوال تقوم به عند إحداث الحوادث وإلا فإذا كان هو لم يتجدد له حال وإنما وجد الحادث الثاني بمجرد عدم الأول فحاله قبل وبعد سواء فاختصاص أحد الوقتين بالإحداث لا بد له من مخصص ونفس صدور الحوادث لا بد له من فاعل والتقدير أنه على حال واحدة من الأزل إلى الأبد فيمتنع مع هذا التقدير اختصاص وقت دون وقت بشيء أو

1

154

أن يكون فاعلا للحوادث فإنه إذا كان ولا يفعل هذا الحادث وهو الآن كما كان فهو الآن لا يفعل هذا الحادث وابن سينا وأمثاله من القائلين بقدم العالم بهذا احتجوا على أهل الكلام من المعتزلة والجهمية ومن وافقهم فقالوا إذا كان في الأزل ولا يفعل وهو الآن على حالة فهو الآن لا يفعل وقد فرض فاعلا هذا خلف وإنما لزم ذلك من تقدير ذات معطلة عن الفعل فيقال لهم هذا بعينه حجة عليكم في إثبات ذات بسيطة لا يقوم بها فعل ولا وصف مع صدور الحوادث عنها فإن كان بوسائط لازمة لها فالوسط اللازم لها قديم بقدمها وقد قالوا إنه يمتنع صدور الحوادث عن قديم هو على حال واحد كما كان الوجه الثالث أن يقال هم يقولون بأن الواجب فياض دائم الفيض وإنما يتخصص بعض الأوقات بالحدوث لما يتجدد من حدوث الاستعداد والقبول وحدوث الاستعداد والقبول هو سبب حدوث الحركات وهذا كلام باطل فإن هذا إنما يتصور إذا كان الفاعل الدائم الفيض ليس هو المحدث لاستعداد القبول كما يدعونه في العقل

1

155

الفعال فيقولون إنه دائم الفيض ولكن يحدث استعداد القوابل بسبب حدوث الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية وتلك ليست صادرة عن العقل الفعال وإنما في المبدع الأول فهو المبدع لكل ما سواه فعنه يصدر الاستعداد والقبول والقابل والمقبول وحينئذ فيقال إذا كان علة تامة موجبا بذاته وهو دائم الفيض لا يتوقف فيضه على شيء غيره أصلا لزم أن يكون كل ما يصدر عنه بواسطة أو بغير واسطة لازما له قديما بقدمه فلا يحدث عنه شيء لا بوسط ولا بغير وسط لأن فعله وإبداعه لا يتوقف على استعداد أو قبول يحدث عن غيره ولكن هو المبدع للشرط والمشروط والقابل والمقبول والاستعداد وما يفيض على المستعد وإذا كان وحده هو الفاعل لذلك كله امتنع أن يكون علة تامة أزلية مستلزمة لمعلولها لأن ذلك يوجب أن يكون معلوله كله أزليا قديما بقدمه وكل ما سواه معلول له فيلزم أن يكون كل ما سواه قديما أزليا وهذا مكابرة للحس ومن تدبر هذا وفهمه تبين له أن فساد قول هؤلاء معلوم بالضرورة بعد التصور التام وإنما عظمت حجتهم وقويت شوكتهم على أهل الكلام المحدث المبتدع الذي ذمه السلف والأئمة من الجهمية والمعتزلة ومن

1

156

وافقهم من الأشعرية والكرامية والشيعة ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم فإن هؤلاء لما اعتقدوا أن الرب في الأزل كان يمتنع منه الفعل والكلام بمشيئته وقدرته وكان حقيقة قولهم أنه لم يكن قادرا في الأزل على الكلام والفعل بمشيئته وقدرته لكون ذلك ممتنعا لنفسه والممتنع لا يدخل تحت المقدور صاروا حزبين حزبا قالوا إنه صار قادرا على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادرا عليه لكونه صار الفعل والكلام ممكنا بعد أن كان ممتنعا وإنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي وهذا قول المعتزلة والجهمية ومن وافقهم من الشيعة وهو قول الكرامية وأئمة الشيعة كالهاشمية وغيرهم وحزبا قالوا صار الفعل ممكنا بعد أن كان ممتنعا منه وأما الكلام فلا يدخل تحت المشيئة والقدرة بل هو شيء واحد لازم لذاته وهو قول ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما

1

157

أو قالوا إنه حروف أو حروف وأصوات قديمة الأعيان لا تتعلق بمشيئته وقدرته وهو قول طوائف من أهل الكلام والحديث والفقه ويعزى ذلك إلى السالمية وحكاه الشهرستاني عن السلف والحنابلة وليس هو قول جمهور أئمة الحنابلة ولكنه قول طائفة منهم من أصحاب مالك والشافعي وغيرهم وأصل هذا الكلام كان من الجهمية أصحاب جهم بن صفوان وأبي الهذيل العلاف ونحوهما قالوا لأن الدليل قد دل على أن دوام

1

158

الحوادث ممتنع وأنه يجب أن يكون للحوادث مبدأ لامتناع حوادث لا أول لها كما قد بسط في غير هذا الموضع قالوا فإذا كان الأمر كذلك وجب أن يكون كل ما تقارنه الحوادث محدثا فيمتنع أن يكون البارىء لم يزل فاعلا متكلما بمشيئته وقدرته بل يمتنع أن يكون لم يزل قادرا على ذلك لأن القدرة على الممتنع ممتنعة فيمتنع أن يكون قادرا على دوام الفعل والكلام بمشيئته وقدرته قالوا وبهذا يعلم حدوث الجسم لأن الجسم لا يخلو عن الحوادث وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ولم يفرق هؤلاء بين مالا يخلو عن نوع الحوادث وبين مالا يخلو عن عين الحوادث ولا فرقوا فيما لا يخلو عن الحوادث بين أن يكون مفعولا معلولا أو أن يكون فاعلا واجبا بنفسه فقال لهؤلاء أئمة الفلاسفة وأئمة أهل الملل وغيرهم فهذا الدليل الذي أثبتم به حدوث العالم هو يدل على امتناع حدوث العالم وكان ما ذكرتموه إنما يدل على نقيض ما قصدتموه وذلك لأن الحادث إذا حدث بعد أن لم يكن محدثا فلا بد أن

1

159

يكون ممكنا والإمكان ليس له وقت محدود فما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت قبله فليس لإمكان الفعل وجواز ذلك وصحته مبدأ ينتهى إليه فيجب أنه لم يزل الفعل ممكنا جائزا صحيحا فيلزم أنه لم يزل الرب قادرا عليه فيلزم جواز حوادث لا نهاية لأولها قال المناظر عن أولئك المتكلمين من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم نحن لا نسلم أن إمكان الحوادث لا بداية له لكن نقول إمكان الحوادث بشرط كونها مسبوقة بالعدم لا بداية له وذلك لأن الحوادث عندنا يمتنع أن تكون قديمة النوع بل يجب حدوث نوعها ويمتنع قدم نوعها لكن لا يجب الحدوث في وقت بعينه فإمكان الحوادث بشرط كونها مسبوقة العدم لا أول له بخلاف جنس الحوادث فيقال لهم هب أنكم تقولون ذلك لكن يقال إمكان جنس الحوادث عندكم له بداية فإنه صار جنس الحدوث عندكم ممكنا بعد أن لم يكن ممكنا وليس لهذا الإمكان وقت معين بل ما من وقت يفرض إلا والإمكان ثابت قبله فيلزم دوام الإمكان وإلا لزم انقلاب الجنس من الإمكان إلى الامتناع من غير حدوث شيء ولا تجدد شيء

1

160

ومعلوم أن انقلاب حقيقة جنس الحدوث أو جنس الحوادث أو جنس الفعل أو جنس الإحداث أو ما يشبه هذا من العبارات من الامتناع إلى الإمكان هو مصير ذلك ممكنا جائزا بعد أن كان ممتنعا من غير سبب تجدد وهذا ممتنع في صريح العقل وهو أيضا انقلاب الجنس من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي فإن ذات جنس الحوادث عندهم تصير ممكنة بعد أن كانت ممتنعة وهذا الانقلاب لا يختص بوقت معين فإنه ما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت قبله فيلزم أنه لم يزل هذا الانقلاب فيلزم أنه لم يزل الممتنع ممكنا وهذا أبلغ في الامتناع من قولنا لم يزل الحادث ممكنا فقد لزمهم فيما فروا إليه أبلغ مما لزمهم فيما فروا منه فإنه يعقل كون الحادث ممكنا ويعقل أن هذا الإمكان لم يزل وأما كون الممتنع ممكنا فهو ممتنع في نفسه فكيف إذا قيل لم يزل إمكان هذا الممتنع وأيضا فما ذكروه من الشرط وهو أن جنس الفعل أو جنس الحوادث بشرط كونها مسبوقة بالعدم لم يزل ممكنا فإنه يتضمن الجمع بين النقيضين أيضا فإن كون هذا لم يزل يقتضى أنه لا بداية لإمكانه

1

161

وإن إمكانه قديم أزلي وكونه مسبوقا بالعدم يقتضى أن له بداية وأنه ليس بقديم أزلي فصار قولهم مستلزما أن الحوادث يجب أن يكون لها بداية وأنه لا يجب أن يكون لها بداية وذلك لأنهم قدروا تقديرا ممتنعا والتقدير الممتنع قد يلزمه حكم ممتنع كقوله تعالى لو كان فيهما إلهة إلا الله لفسدتا سورة الأنبياء فإن قولهم إمكان جنس الحوادث بشرط كونها مسبوقة بالعدم لا بداية له مضمونة أن ما له بداية ليس له بدايه فإن المشروط بسبق العدم له بداية وإن قدر أنه لا بداية له كان جمعا بين النقيضين وأيضا فيقال هذا تقدير لا حقيقة له في الخارج فصار بمنزلة قول القائل جنس الحوادث بشرط كونها ملحوقة بالعدم هل لإمكانها نهاية أم ليس لإمكانها نهاية فكما أن هذا يستلزم الجمع بين النقيضين في النهاية فكذلك الأمل يستلزم الجمع بين النقيضين في البداية وأيضا فالممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح تام يجب به الممكن وقد يقولون لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح تام يستلزم وجود ذلك الممكن وهذا الثاني أصوب كما عليه نظار المسلمين المثبتين فإن بقاءه

1

162

معدوما لا يفتقر إلى مرجح ومن قال إنه يفتقر إلى مرجح قال عدم مرجحه يستلزم عدمه ولكن يقال هذا مستلزم لعدمه لا أن هذا هو الأمر الموجب لعدمه ولا يجب عدمه في نفس الأمر بل عدمه في نفس الأمر لا علة له فإن عدم المعلول يستلزم عدم العلة وليس هو علة له والملزوم أعم من كونه علة لأن ذلك المرجح التام لو لم يستلزم وجود الممكن لكان وجود الممكن مع المرجح التام جائزا لا واجبا ولا ممتنعا وحينئذ فيكون ممكنا فيتوقف على مرجح لأن الممكن لا يحصل إلا بمرجح فدل ذلك على أن الممكن إن لم يحصل مرجح يستلزم وجوده امتنع وجوده وما دام وجوده ممكنا جائزا غير لازم لا يوجد وهذا هو الذي يقوله أئمة أهل السنة المثبتين للقدر مع موافقة أئمة الفلاسفة لهم وهذا مما احتجوا به على أن الله خالق أفعال العباد والقدرية من المعتزلة وغيرهم تخالف في هذا وتزعم أن القادر يمكنه ترجيح الفعل على الترك بدون ما يستلزم ذلك وادعوا أنه إن لم يكن القادر كذلك لزم أن يكون موجبا بالذات لا قادرا قالوا والقادر المختار هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك فمتى قيل إنه لا يفعل إلا مع لزوم أن يفعل لم يكن مختارا بل مجبورا فقال لهم الجمهور من أهل الملة وغيرهم بل هذا خطأ فإن

1

163

القادر هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك ليس هو الذي إن شاء الفعل مشيئة جازمة وهو قادر عليه قدرة تامة يبقى الفعل ممكنا جائزا لا لازما واجبا ولا ممتنعا محالا بل نحن نعلم أن القادر المختار إذا أراد الفعل إرادة جازمة وهو قادر عليه قدرة تامة لزم وجود الفعل وصار واجبا بغيره لا بنفسه كما قال المسلمون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وما شاء سبحانه فهو قادر عليه فإذا شاء شيئا حصل مرادا له وهو مقدور عليه فيلزم وجوده وما لم يشأ لم يكن فإنه ما لم يرده وإن كان قادرا عليه لم يحصل المقتضى التام لوجوده فلا يجوز وجوده قالوا ومع القدرة التامة والإرادة الجازمة يمتنع عدم الفعل ولا يتصور عدم الفعل إلا لعدم كمال القدرة أو لعدم كمال الإرادة وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه وهو معروف بالأدلة اليقينية فإن فعل المختار لا يتوقف إلا على قدرته وإرادته فإنه قد يكون قادرا ولا يريد الفعل فلا يفعله وقد يكون مريدا للفعل لكنه عاجز عنه فلا يفعل أما مع كمال قدرته وإرادته فلا يتوقف الفعل على شيء غير ذلك والقدرة التامة والإرادة الجازمة هي المرجح التام للفعل الممكن فمع وجودهما يجب وجود ذلك الفعل والرب تعالى قادر مختار يفعل بمشيئته لا مكره له وليس هو موجبا

1

164

بذاته بمعنى أنه علة أزلية مستلزمة للفعل ولا بمعنى أنه يوجب بذات لا مشيئة لها ولا قدرة بل هو يوجب بمشيئته وقدرته ما شاء وجوده وهذا هو القادر المختار فهو قادر مختار يوجب بمشيئته ما شاء وجوده وبهذا التحرير يزول الإشكال في هذه المسألة فإن الموجب بذاته إذا كان أزليا يقارنه موجبه فلو كان الرب تعالى موجبا بذاته للعالم في الأزل لكان كل ما في العالم مقارنا له في الأزل وذلك ممتنع بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فكل ما شاء الله وجوده من العالم فإنه يجب وجوده بقدرته ومشيئته وما لم يشأ يمتنع وجوده إذ لا يكون شيء إلا بقدرته ومشيئته وهذا يقتضي وجوب وجود ما شاء تعالى وجوده ولفظ الموجب بالذات فيه إجمال فإن أريد به أنه يوجب ما يحدثه بمشيئته وقدرته فلا منافاة بين كونه فاعلا بالقدرة والاختيار وبين كونه موجبا بالذات بهذا التفسير وإن أريد بالموجب بالذات أنه يوجب شيئا من الأشياء بذات مجردة عن القدرة والاختيار فهذا باطل ممتنع وإن

1

165

أريد أن علة تامة أزلية تستلزم معلولها الأزلى بحيث يكون من العالم ما هو قديم بقدمه لازم لذاته أزلا وأبدا الفلك أو غيره فهذا أيضا باطل فالموجب بالذات إذا فسر بما يقتضى قدم شيء من العالم مع الله أو فسر بما يقتضى سلب صفات الكمال عن الله فهو باطل وإن فسر بما يقتضى أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فهو حق فإن ما شاء وجوده فقد وجب وجوده بقدرته ومشيئته لكن لا يقتضى هذا أنه شاء شيئا من المخلوقات بعينه في الأزل بل مشيئته لشيء معين في الأزل ممتنع لوجوه متعددة ولهذا كان عامة العقلاء على أن الأزلي لا يكون مرادا مقدورا ولا أعلم نزاعا بين النظار أن ما كان من صفات الرب أزليا لازما لذاته لا يتأخر منه شيء لا يجوز أن يكون مرادا مقدورا وأن ما كان مرادا مقدورا لا يكون إلا حادثا شيئا بعد شيء وإن كان نوعه لم يزل موجودا أو كان نوعه كله حادثا بعد أن لم يكن ولهذا كان الذين اعتقدوا أن القرآن قديم لازم لذات الله متفقين على أنه لم يتكلم بمشيئته وقدرته وإنما يكون بمشيئته وقدرته خلق إدراك في العبد لذلك المعنى القديم والذين قالوا كلامه قديم وأرادوا أنه

1

166

قديم العين متفقون على أنه لم يتكلم بمشيئته وقدرته سواء قالوا هو معنى واحد قائم بالذات أو قالوا هو حروف أو حروف وأصوات قديمة أزلية الأعيان بخلاف أئمة السلف الذين قالوا إنه يتكلم بمشيئته وقدرته وإنه لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء فإن هؤلاء يقولون الكلام قديم النوع وإن كلمات الله لا نهاية لها بل لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته ولم يزل يتكلم كيف شاء إذا شاء ونحو ذلك من العبارات والذين قالوا إنه يتكلم بمشيئته وقدرته وكلامه حادث بالغير قائم بذاته أو مخلوق منفصل عنه يمتنع عندهم أن يكون قديما فقد اتفقت الطوائف كلها علي أن المعين القديم الأزلي لا يكون مقدورا مرادا بخلاف ما كان نوعه لم يزل موجودا شيئا بعد شيء فهذا مما يقول أئمة السلف وأهل السنة والحديث إنه يكون بمشيئته وقدرته كما يقول ذلك جماهير الفلاسفة الأساطين الذين يقولون بحدوث الأفلاك وغيرها وأرسطو وأصحابه الذين يقولون بقدمها فأئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة يقولون إن الأفلاك محدثة كائنة بعد أن لم تكن مع قولهم إنه لم يزل النوع المقدور المراد موجودا شيئا بعد شيء ولكن كثيرا من أهل الكلام يقولون ما كان مقدورا مرادا يمتنع أن

1

167

يكون لم يزل شيئا بعد شيء ومنهم من يقول بمنع ذلك في المستقبل أيضا وهؤلاء هم الذين ناظرهم الفلاسفة القائلون بقدم العالم ولما ناظروهم واعتقدوا أنهم قد خصموهم وغلبوهم اعتقدوا أنهم قد خصموا أهل الملل مطلقا لاعتقادهم الفاسد الناشىء عن جهلهم بأقوال أئمة أهل الملل بل وبأقوال أساطين الفلاسفة القدماء وظنهم أنه ليس لأئمة الملل وأئمة الفلاسفة قول إلا قول هؤلاء المتكلمين وقولهم أو قول المجوس والحرانية أو قول من يقول بقدم مادة بعينها ونحو ذلك من الأقوال التي قد يظهر فسادها للنظار وهذا مبسوط في موضع آخر والمقصود هنا أن عامة العقلاء مطبون عل أن العلم بكون الشىء المعين مرادا مقدورا يوجب العلم بكونه حادثا كائنا بعد أن لم يكن بل هذا عند العقلاء من المعلوم بالضرورة ولهذا كان مجرد تصور العقلاء أن الشيء مقدور للفاعل مراد له فعله بمشيئته وقدرته موجب للعلم بأنه حادث بل مجرد تصورهم كون الشيء مفعولا أو مخلوقا أو مصنوعا أو نحو ذلك من العبارات يوجب العلم بأنه محدث كائن بعد أن لم يكن ثم بعد هذا قد ينظر في أنه فعله بمشيئته وقدرته وإذا

1

168

علم أن الفاعل لا يكون فاعلا إلا بمشيئته وقدرته وما كان مقدورا مرادا فهو محدث كان هذا أيضا دليلا ثانيا على أنه محدث ولهذا كان كل من تصور من العقلاء أن الله تعالى خلق السموات والأرض أو خلق شيئا من الأشياء كان هذا مستلزما لكون ذلك المخلوق محدثا كائنا بعد أن لم يكن وإذا قيل لبعضهم هو قديم مخلوق أو قديم محدث وعنى بالمخلوق والمحدث ما يعنيه هؤلاء المتفلسفة الدهرية المتأخرون الذين يريدون بلفظ المحدث أنه معلول ويقولون إنه قديم أزلى مع كونه معلولا ممكنا يقبل الوجود والعدم فإذا تصور العقل الصريح هذا المذهب جزم بتناقضه وأن أصحابه جمعوا بين النقيضين حيث قدروا مخلوقا محدثا معلولا مفعولا ممكنا أن يوجد وأن يعدم وقدروه مع ذلك قديما أزليا واجب الوجود بغيره يمتنع عدمه وقد بسطنا هذا في مواضع في الكلام على المحصل وغيره وذكرنا أن ما ذكره الرازي عن أهل الكلام من أنهم يجوزون وجود مفعول

1

169

معلول أزلي للموجب بذاته لم يقله أحد منهم بل هم متفقون على أن كل مفعول فإنه لا يكون إلا محدثا وما ذكره هو أمثاله موافقة لابن سينا من أن الممكن وجوده وعدمه قد يكون قديما أزليا قول باطل عند جماهير العقلاء من الأولين والآخرين حتى عند أرسطو وأتباعه القدماء والمتأخرين فإنهم موافقون لسائر العقلاء في أن كل ممكن يمكن وجوده وعدمه لا يكون إلا محدثا كائنا بعد أن لم يكن وأرسطو إذا قال إن الفلك قديم لم يجعله مع ذلك ممكنا يمكن وجوده وعدمه والمقصود أن العلم بكون الشيء مقدورا مرادا يوجب العلم بكونه محدثا بل العلم بكونه مفعولا يوجب العلم بكونه محدثا فإن الفعل والخلق والإبداع والصنع ونحو ذلك لا يعقل إلا مع تصور حدوث المفعول وأيضا فالجمع بين كون الشيء مفعولا وبين كونه قديما أزليا مقارنا لفاعله في الزمان جمع بين المتناقضين ولا يعقل قط في الوجود

1

170

فاعل قارنة مفعوله المعين سواء سمى علة فاعلة أو لم يسم ولكن يعقل كون الشرط مقارنا للمشروط والمثل الذي يذكرونه من قولهم حركت يدي فتحرك خاتمي أو كمي أو المفتاح ونحو ذلك حجة عليهم لا لهم فإن حركة اليد ليست هي العلة التامة ولا الفاعل لحركة الخاتم بل الخاتم مع الإصبع كالإصبع مع الكف فالخاتم متصل بالإصبع والإصبع متصلة بالكف لكن الخاتم يمكن نزعها بلا ألم بخلاف الإصبع وقد يعرض بين الإصبع والخاتم خلو يسير بخلاف أبعاض الكف ولكن حركة الإصبع شرط في حركة الخاتم كما أن حركة الكف شرط في حركة الإصبع أعني في الحركة المعينة التي مبدؤها من اليد بخلاف الحركة التي تكون للخاتم أو للإصبع إبتداء فإن هذه متصلة منها إلى الكف كمن يجر إصبع غيره فيجر معه كفه وما يذكرونه من أن التقدم والتأخر يكون بالذات والعلة كحركة

1

171

الإصبع ويكون بالطبع كتقدم الواحد على الاثنين ويكون بالمكانة كتقدم العالم على الجاهل ويكون بالمكان كتقدم الصف الأول على الثاني وتقدم مقدم المسجد على مؤخره ويكون بالزمان كلام مستدرك فإن التقدم والتأخر المعروف هو التقدم والتأخر بالزمان فإن قبل وبعد ومع ونحو ذلك معانيها لازمة للتقدم والتأخر الزماني وأما التقدم بالعلية أو الذات مع المقارنة في الزمان فهذا لا يعقل ألبتة ولا له مثال مطابق في الوجود بل هو مجرد تخيل لا حقيقة له وأما تقدم الواحد على الاثنين فإن عنى به الواحد المطلق فهذا لا وجود له في الخارج ولكن في الذهن والذهن يتصور الواحد المطلق قبل الاثنين المطلق فيكون متقدما في التصور تقدما زمانيا وإن لم يعن به هذا فلا تقدم بل الواحد شرط في الاثنين مع كون الشرط لا يتأخر عن المشروط بل قد يقارنه وقد يكون معه فليس هنا تقدم واجب غير التقدم الزماني وأما التقدم بالمكان فذاك نوع آخر وأصله من التقدم بالزمان فإن

1

172

مقدم المسجد تكون فيه الأفعال المتقدمة بالزمان على مؤخره فالإمام يتقدم فعله بالزمان لفعل المأموم فسمى محل الفعل المتقدم متقدما وأصله هذا وكذلك التقدم بالرتبة فإن أهل الفضائل مقدمون في الأفعال الشريفة والأماكن وغير ذلك على من هو دونهم فسمى ذلك تقدما وأصله هذا وحينئذ فإن كان الرب هو الأول المتقدم على كل ما سواه كان كل شيء متأخرا عنه وإن قدر أنه لم يزل فاعلا فكل فعل معين ومفعول معين هو متأخر عنه وإذا قيل الزمان مقدار الحركة فليس هو مقدار حركة معينة كحركة الشمس أو الفلك بل الزمان المطلق مقدار الحركة المطلقة وقد كان قبل أن يخلق الله السماوات والأرض والشمس والقمر حركات وأزمنة وبعد أن يقيم الله القيامه فتذهب الشمس والقمر تكون في الجنة حركات وأزمنة كما قال تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا سورة مريم وجاء في الآثار أنهم يعرفون الليل والنهار بأنوار تظهر من جهة

1

173

العرش وكذلك لهم في الآخرة يوم المزيد يوم الجمعة يعرف بما يظهر فيه من الأنوار الجديدة القوية وإن كانت الجنة كلها نورا يزهر ونهرا يطرد لكن يظهر بعض الأوقات نور آخر يتميز به النهار عن الليل فالرب تعالى إذا كان لم يزل متكلما بمشيئته فعالا بمشيئته كان مقدار كلامه وفعاله الذي لم يزل هو الوقت الذي يحدث فيه ما يحدث من مفعولاته وهو سبحانه متقدم على كل ما سواه التقدم الحقيقي المعقول ولا تحتاج أن نجيب عن هذا بما ذكره الشهرستاني والرازي وغيرهما من أن في أنواع التقدمات تقدم أجزاء الزمان على بعض وأن هذا نوع آخر وأن تقدم الرب على العالم هو من هذا الجنس فإن هذا قد يرد لوجهين أحدهما أن تقدم بعض أجزاء الزمان على بعض هو بالزمان فإنه

1

174

ليس المراد بالتقدم بالزمان أن يكون هناك زمان خارج عن التقدم والمتقدم وصفاتهما بل المراد أن المتقدم يكون قبل المتأخر القبلية المعقولة كتقدم اليوم على غد وأمس على اليوم ومعلوم أن تقدم طلوع الشمس وما يقارنه من الحوادث على الزوال نوع واحد فلا فرق بين تقدم نفس الزمان المتقدم على المتأخر وبين تقدم ما يكون في الزمان المتقدم على ما يكون في الزمان المتأخر الوجه الثاني أن يقال أجزاء الزمان متصلة متلاحقة ليس فيها فصل عن الزمان ومن قال إن الباري لم يزل غير فاعل ولا يتكلم بمشيئته ثم صار فاعلا و متكلما بمشيئته وقدرته يجعل بين هذا وهذا من الفصل مالا نهاية له فكيف يجعل هذا بمنزلة تقدم أجزاء الزمان بعضها على بعض وبالجملة فالعلم بأن الفاعل بمشيئته وقدرته بل الفاعل مع قطع النظر عن كونه إنما يفعل بمشيئته وقدرته وإن كان هذا لازما له في نفس الأمر فالعلم بمجرد كونه فاعلا للشيء المعين يوجب العلم بأنه

1

175

أبدعه وأحدثه وصنعه ونحو ذلك من معاني العبارات التي تقتضي أن المفعول كان بعد أن لم يكن وأن ما فعله بقدرته وإرادته كان بعد أن لم يكن وإن قدر دوام كونه فاعلا بقدرته وإرادته فعلم أن إرادته لشيء معين في الأزل ممتنع لأن إرادة وجوده تقتضي إرادة وجود لوازمه لأن وجود الملزوم بدون وجود اللازم محال فتلك الإرادة القديمة لو اقتضت وجود مراد معين في الأزل لاقتضت وجود لوازمه وما من وجود معين من المرادات إلا وهو مقارن لشيء آخر من الحوادث كالفلك الذي لا ينفك عن الحوادث وكذلك العقول والنفوس التي يثبتها هؤلاء الفلاسفة هي لا تزال مقارنة للحوادث وإن قالوا إن الحوادث معلولة لها فإنها ملازمة مقارنة لها على كل تقدير وذلك أن الحوادث مشهودة في العالم فإما أن تكون لم تزل مقارنة للعالم أو تكون حادثة فيه بعد أن لم تكن فإن لم تزل مقارنة له ثبت أن العالم لم يزل مقارنا للحوادث وإن قيل إنها حادثة فيه بعد أن لم تكن كان العالم خاليا عن الحوادث ثم حدثت فيه وذلك يقتضي حدوث الحوادث بلا سبب حادث وهذا ممتنع على ما تقدم وكما سلموه هم

1

176

فإن قيل إن هذا جائز أمكن وجود العالم بما فيه من الحوادث مع القول بأن الحوادث حدثت بعد أن لم تكن حادثة أعني نوع الحوادث وإلا فكل حادث معين فهو حادث بعد أن لم يكن وإنما النزاع في نوع الحوادث هل يمكن دوامها في المستقبل والماضي أو في المستقبل فقط أو لا يمكن دوامها لا في الماضي ولا في المستقبل على ثلاثة أقوال معروفة عند أهل النظر من المسلمين وغيرهم أضعفها قول من يقول لا يمكن دوامها لا في الماضي ولا في المستقبل كقول جهم ابن صفوان وأبي الهذيل العلاف وثانيها قول من يقول يمكن دوامها في المستقبل دون الماضي كقول كثير من أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من الكرامية والأشعرية والشيعة ومن وافقهم من الفقهاء وغيرهم والقول الثالث قول من يقول يمكن دوامها في الماضي والمستقبل كما يقوله أئمة أهل الحديث وأئمة الفلاسفة وغيرهم لكن القائلون بقدم الأفلاك كأرسطو وشيعته يقولون بدوام حوادث الفلك وأنه ما من دورة إلا وهي مسبوقة بأخرى لا إلى أول وأن الله

1

177

لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام بل حقيقة قولهم إن الله لم يخلق شيئا كما بين في موضع آخر وهذا كفر باتفاق أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى وهؤلاء القائلون بقدمها يقولون بأزلية الحوادث في الممكنات وأما الذين يقولون إن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وما سواه مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن فهم يفرقون بين الخالق الواجب والمخلوق الممكن في دوام الحوادث وهذا قول أئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة القدماء فهم وإن قالوا إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء ولم يزل حيا فعالا فإنهم يقولون إن ما سواه مخلوق حادث بعد أن لم يكن والمقصود هنا أن الفلاسفة القائلين بقدم العالم إن جوزوا حدوث الحوادث بلا سبب حادث بطلت عمدتهم في قدم العالم وإن منعوا ذلك امتنع خلو العالم عن الحوادث وهم لا يسلمون أنه لم يخل من الحوادث وإذا كان كل موجود معين من مرادات الله التي يخلقها فإنه مقارن

1

178

للحوادث مستلزم لها امتنع إرادته دون إرادة لوازمه التي لا ينفك عنها والله رب كل شيء وخالقه لا رب غيره فيمتنع أن يكون بعض ذلك بإرادته وبعضه بإرادة غيره بل الجميع بإرادته وحينئذ فالإرادة الأزلية القديمة إما أن تكون مستلزمة لمقارنة مرادها لها وإما أن لا تكون كذلك فإن كان الأول لزم أن يكون المراد ولوازمه قديما أزليا والحوادث لازمة لكل مراد مصنوع فيجب أن تكون مرادة له وأن تكون قديمة أزلية إذ التقدير أن المراد مقارن للإرادة فيلزم أن تكون جميع الحوادث المتعاقبة قديمة أزلية وهذا ممتنع لذاته وإن قيل إنه أراد القديم بإرادة قديمة وأراد الحوادث المتعاقبة عليه بإرادات متعاقبة كما قد يقوله طائفة من الفلاسفة وهو يشبه قول صاحب المعتبر

1

179

قيل أولا كون الشيء مرادا يستلزم حدوثه بل وتصور كونه مفعولا يستلزم حدوثه فإن مقارنة المفعول المعين لفاعله ممتنع في بداية العقول وقيل ثانيا إن جاز أن يكون له إرادات متعاقبة دائمة النوع لم يمتنع أن يكون كل ما سواه حادثا بتلك الإرادات فالقول حينئذ بقدم شيء من العالم قول بلا حجة أصلا وقيل ثالثا إن الفاعل الذي من شأنه أن يفعل شيئا بعد شيء بإرادات متعاقبة يمتنع قدم شيء معين من إراداته وأفعاله وحينئذ فيمتنع قدم شيء من مفعولاته فيمتنع قدم شيء من العالم وقيل رابعا إذا قدر أنه في الأزل كان مريدا لذلك المعين كالفلك إرادة مقارنة للمراد لزم أن يكون مريدا للوازمه إرادة مقارنة للمراد فإن وجود الملزوم بدون اللازم محال واللازم له نوع الحوادث وإرادة النوع إرادة مقارنة له في الأزل محال لامتناع وجود النوع كله في الأزل وإذا قيل اللازم له دوام الحوادث فيكون مستلزما لدوام الإرادة لتلك الحوادث

1

180

قيل معلوم أن إرادة هذا الحادث ليست إرادة هذا الحادث وأن جوزوا هذا لزمهم أن يجوزوا وجود جميع الكائنات بإرادة واحدة قديمة أزلية كما يقوله من يقول من المتكلمين كابن كلاب وأتباعه وحينئذ يبطل قولهم وإذا كان كذلك فالمعلول المعين القديم إذا قدر كان مرادا بإرادة قديمة أزلية باقية ولم يقترن بها إرادة شيء من الحوادث لأن الحادث لا يكون قديما ونوع الإرادات والحوادث ليس فيه شيء بعينه قديم لكن قد يقال يقترن بها النوع الدائم لكن هذا ممتنع من وجوه قد ذكر بعضها وإن قيل إن الإرادة القديمة الأزلية ليست مستلزمة لمقارنة مرادها لها لم يجب أن يكون المراد قديما أزليا ولا يجوز أن يكون حادثا لأن حدوثه بعد أن لم يكن يفتقر إلى سبب حادث كما تقدم وإن جاز أن يقال إن الحوادث تحدث بالإرادة القديمة الأزلية من غير تجدد أمر من الأمور كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام

1

181

من الأشعرية والكرامية وغيرهم ومن وافقهم من أتباع الأئمة أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم كان هذا مبطلا لحجة هؤلاء الفلاسفة على قدم العالم فإن أصل حجتهم أن الحوادث لا تحدث إلا بسبب حادث فإذا جوزوا حدوثها عن القادر المختار بلا سبب حادث أو جوزوا حدوثها بالإرادة القديمة الأزلية بطلت عمدتهم وهم لا يجوزون ذلك وأصل هذا الدليل أنه لو كان شيء من العالم قديما للزم أن يكون صدر عن مؤثر تام سواء سمى علة تامة أو موجبا بالذات أو قيل إنه قادر مختار وأختياره أزلي مقارن لمراده في الأزل ويمتنع أن يكون في الأزل ويمتنع أن يكون في الأزل قادر مختار يقارنه مراده سواء سمى ذلك علة تامة أو لم يسم وسواء سمى موجبا بالذات أو لم يسم بل يمتنع أن يكون شيء من المفعولات المعينة العقلية مقارنا لفاعله الأزلى في الزمان وامتناع هذا معلوم بصريح العقل عند جماهير العقلاء من الأولين والآخرين ويمتنع أن يكون في الأزل علة تامة أو موجب بالذات سواء سمى قادرا مختارا أو لم يسم

1

182

وسر ذلك أن ما كان كذلك لزم أن يقارنه أثره المسمى معلولا أو مرادا أو موجبا بالذات أو مبدعا أو غير ذلك من الأسماء لكن مقارنة ذلك له في الأزل تقتضي أن لا يحدث عنه شيء بعد أن لم يكن حادثا ولو لم يكن كذلك لم يكن للحوادث فاعل بل كانت حادثة بنفسها وهذا ممتنع بنفسه فإثبات موجب بالذات أو فاعل مختار يقارنه مراده في الأزل يستلزم أن لا يكون للحوادث فاعل وهذا محال لا سيما قول من يقول إن العالم صدر عن ذات بسيطة لا يقوم بها صفة ولا فعل كما يقوله ابن سينا وأمثاله فإن هؤلاء يقولون بصدور الأمور المختلفة عن ذات بسيطة وإن العلة البسيطة التامة الأزلية توجب معلولات مختلفة وهذا من أعظم الأقوال امتناعا في صريح المعقول ومهما أثبتوه من الوسائط كالعقول وغيرها فإنه لا يخلصهم من هذا القول الباطل فإن تلك الوسائط كالعقول صدرت عن غيرها وصدر عنها غيرها فإن كانت بسيطة من كل وجه فقد صدر المختلف الحادث عن البسيط الأزلي وإن كان فيها اختلاف أو قام بها حادث فقد صدرت أيضا المختلفات والحوادث عن البسيط التام الأزلي

1

183

وكلاهما باطل فهم مع القول بأن مبدع العالم علة له أبعد الناس عن مراعاة موجب التعليل وهؤلاء يقولون أيضا إنه علة تامة أزلية لبعض العالم كالأفلاك مثلا وليس علة تامة في الأزل لشيء من الحوادث بل لا يصير علة تامة لشيء من الحوادث إلا عند حدوثه فيصير علة بعد أن لم يكن علة مع أن حاله قبل ومع وبعد حال واحدة فاختصاص كل وقت بحوادثه وبكونه صار علة تامة فيه لتلك الحوادث لا بد له من مخصص ولا مخصص ولا مخصص إلا الذات البسيطة وحالها في نفسها واحد أزلا وأبدا فكيف يتصور أن يخص بعض الأوقات بحوادث مخصوصة دون بعض مع تماثل أحوالها في نفسها وهذا بعينه تخصيص لكل حال من الأحوال الحادثة المتماثلة عن سائر أمثاله بذلك الإحداث وبتلك المحدثات من غير مخصص يختص به ذلك المثل فقد وقع هؤلاء في أضعاف ما فروا منه وأضعاف أضعافه إلى مالا يتناهى

1

184

وإذا قيل حدوث الحادث الأول أعد الذات لحدوث الثاني قيل لهم فالذات نفسها هي علة الجميع ونسبتها إلى الجميع نسبة واحدة فما الموجب لكونها جعلت ذلك يعدها لهذا دون العكس مع أنه لم يقم بها شيء يوجب التخصيص وأيضا فكيف تصير هي فاعلة لهذا الحادث بعد أن لم تكن فاعلة له من غير أمر يقوم بها وأيضا فكيف يكون معلولها يجعلها فاعلة بعد أن لم تكن فاعلة بدون فعل يقوم بها وإذا قالوا أفعالها تختلف وتحدث لاختلاف القوابل والشرائط وحدوث ذلك الاستعداد وسبب ذلك الحدوث هو الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية قيل لهم هذا إن كان ممكنا فإنما يمكن فيما يكون فيه فاعل الإعداد غير فاعل الإمداد كالشمس التي يفيض نورها وحرارتها على العالم ويختلف فعلها ويتأخر كمال تأثيرها عن شروقها لاختلاف القوابل وحدوثها والقوابل ليست من فعل الشمس وكذلك ما يدعونه من العقل الفعال الذي يختلف فيضه في هذا العالم باختلاف قوابله فإن القوابل اختلفت باختلاف حركات الأفلاك وليست حركات كل الأفلاك عن العقل الفياض

1

185

فأما الذات التي منها الإعداد ومنها الإمداد ومنها الفيض ومنها القبول وهي الفاعلة للقابل والمقبول والشرط والمشروط فلا يتصور أن يقال إنما اختلف فعلها أو فيضها أو إيجابها وتأخر لاختلاف القوابل والشروط أو لتأخر ذلك فإنه يقال القول في اختلاف القوابل والشروط وتأخرها كالقول في اختلاف المقبول والمشروط وتأخر ذلك فليس هناك سبب وجودي يقتضي ذلك إلا مجرد الذات التي هي عندهم بسيطة وهي عندهم علة تامة أزلية فهل هذا القول إلا من أفسد الأقوال في صريح المعقول وإن قالوا السبب في ذلك أنه لم يكن إلا هذا وأن الممكنات لا تقبل إلا هذا قيل الممكنات قبل وجودها ليس لها حقيقة موجودة تجعل هي السبب في تخصيص أحد الموجودين بالوجود دون الآخر ولكن بعد وجودها يعقل كون الممكن شرطا لغيره ومانعا لغيره كوجود اللازم فإنه شرط في الضدين فإنه مانع من الآخر دون غيره ووجود اللازم فإنه شرط في وجود الملزوم أي لا بد من وجوده مع وجوده سواء وجدا معا أو سبق أحدهما الآخر

1

186

وإنما يقدر وجود شيء من الممكنات فكيف يعقل أن أحد الممكنين الجائزين اللذين لم يوجد واحد منهما هو الذي أوجب في الذات البسيطة أن يوجد هذا دون هذا ويجعل هذا قديما دون هذا مع أنها واحدة بسيطة نسبتها إلى جميع الممكنات نسبة واحدة وإذا قيل ماهية الممكن أوجبت ذلك دون وجوده قيل الجواب من وجهين أحدهما أن الماهية المجردة عن الوجود إنما تعقل في العلم الذي يعبر عنه بالوجود الذهني دون الوجود الخارجي والعلم تابع للمعلوم فإن لم يكن من الذات الفاعلة سبب يقتضي تخصيص ماهية دون ماهية بالوجود بل كانت بسيطة لا اختصاص لها بشيء من الماهيات لم يعقل اختصاص إحدى الماهيتين بالوجود دون الأخرى ومعلوم أن الفاعل إذا تصور ما يريد فعله قبل أن يفعله فلا بد من أن يكون فيما يراد فعله سبب يوجب تخصيصه بالإرادة والعبد لإرادته أسباب خارجة عنه توجب التخصيص وأما الرب تعالى فلا يخرج عنه إلا ما هو منه وهو مفعوله فإن لم يكن في ذاته ما يوجب التخصيص امتنع التخصيص منه فامتنع الفعل الثاني أن يقال هب أن ماهية الممكن ثابتة في الخارج لكن القول في تخصيص تلك الماهيات المقارنة لوجودها بالوجود دون

1

187

بعض كالقول في تخصيص وجودها إذ كان كل ما يقدر وجوده فماهيته مقارنة له وإن قيل إن الماهيات أمر محقق في الخارج غني عن الفاعل فهذا تصريح بأنها واجبة بنفسها مشاركة للرب في إبداع الوجود وهذا باطل وهذا يتوجه على القول بأن المعدوم ليس بشيء وهو الصواب و على قول من قال إنه شيء في الخارج أيضا فصل ثم إنه يمكن تحرير هذا الدليل بطريق التقسيم على كل تقدير تقوله طائفة من طوائف المسلمين مثل أن يقال إن الحوادث إما أن يمتنع دوامها ويجب أن يكون لها ابتداء وإما أن لا يمتنع دوامها بل يجوز حوادث لا أول لها فإن كان الأول لزم وجود الحوادث عن القديم الواجب الوجود بنفسه من غير حدوث شيء من الأشياء كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام

1

188

سواء قالوا إنها تصدر عن القادر المختار ولم يثبتوا له إرادة قديمة كما تقوله المعتزلة والجهمية أو قالوا إنها تصدر عن القادر المختار المريد بإرادة قديمة أزلية كما تقوله الكلابية والأشعرية والكرامية وعلى هذا القول فيمتنع قدم شيء من العالم فإنه من شيء من العالم إلا وهو مقرون بالحوادث لم يسبقها سواء جعل كل ذلك جسما أو قيل إن هناك عقولا ونفوسا ليست أجساما فإنه لا ريب أنها مقارنة للحوادث فإنها فاعلة مستلزمة لها فإذا امتنع وجود حوادث لا أول لها امتنع أن يكون للحوادث علة مستلزمة لها سواء كانت ممكنة أو واجبة وعلى هذا التقدير فالإرادة القديمة لا تستلزم وجود المراد معها لكن يجب وجود المراد في الوقت المتأخر عن الإرادة وإن قيل إنه يمكن دوام الحوادث وأن لا يكون لها ابتداء فيقال على هذا التقدير يمتنع أن يكون شيء من العالم قديما أزليا لا الأفلاك ولا العقول ولا النفوس ولا المواد العنصرية ولا الجواهر المفردة ولا غير ذلك لأن كل ما كان قديما من العالم أزليا فلا بد أن

1

189

يكون فاعله موجبا له بالذات سواء سمى علة تامة أو مرجحا تاما أو سمى قادرا مختارا لكن وجود الموجب بالذات في الأزل محال لأنه يستلزم أن يكون موجبه ومقتضاه أزليا وهذا ممتنع لوجوه منها أن المفعول المعين للفاعل يمتنع أن يكون مقارنا له في الزمان أزليا معه لا سيما إذا اعتبر مع ذلك أن يكون فاعلا بإرادته وقدرته فإن مقارنة مقدورة المعين له بحيث يكون أزليا معه محال بل هذا محال ممتنع فيما يقدر قائما به فإنه يمتنع كونه مرادا أزليا فلأن يكون ممتنعا فيما هو منفصل عنه بطريق الأولى ومنها أنه إذا قدر علة تامة موجبا بذاته لزم أن يقارنه معلوله مطلقا فيكون كل شيء من العالم أزليا وهذا محال خلاف المشاهدة وإجماع العقلاء وإذا قيل إن بعض العالم أزلي كالأفلاك ونوع الحركات وبعضه ليس بأزلي كآحاد الأشخاص والحركات قيل هذا يقتضي بطلان قولهم من وجوه أحدها أنه إذا جاز كونه فاعلا للحوادث شيئا بعد شيء أمكن أن يكون كل ما سواه حادثا فالقول بقدم شيء معين من العالم قول بلا حجة

1

190

الثاني أن كونه محدثا للحوادث شيئا بعد شيء بدون قيام سبب به يوجب الإحداث ممتنع فإن الذات إذا كان حالها قبل هذا وبعد هذا ومع هذا واحدة امتنع أن تخص هذا بالإحداث دون هذا بل امتنع أن تحدث شيئا الثالث أنه إن جوز أن تحدث شيئا بدون سبب يقوم بها جاز أن يكون لجميع الحوادث ابتداء فلا يكون في العالم شيء قديم وإن لم يجوز ذلك بطل قولهم بأنها تحدث الحوادث بدون سبب يقوم بها الرابع أن إحداث الحوادث إن لم يجز بدون سبب يقوم بها بطل قولهم وإن افتقر إلى سبب يقوم بها لزم أن يقوم بها تلك الأمور دائما شيئا بعد شيء فلا تكون فاعلة قط إلا مع قيام ذلك بها فيمتنع أن يكون لها مفعول معين أزلا وأبدا لأن صدور ذلك عن ذات تفعل ما يقوم بها شيئا بعد شيء ممتنع لأن ما تفعل بهذه الواسطة لا يكون فعلها إلا شيئا بعد شيء فيمتنع أن يكون لها فعل معين لازم لها وإذا امتنع ذلك امتنع أن يكون لها مفعول معين لازم لها الخامس أنه إذا قدر أن شيئا من معلولاتها لازم لها أزلا وأبدا لم يكن ذلك إلا لكون الذات علة تامة موجبة له ومعلوم أن المعين

1

191

مخصوص بقدر وصفه وحال وهذا التخصيص الذي فيه يستلزم أن يكون الاختصاص في علته وإلا فالعلة التي لا اختصاص لها لا توجب ما هو مختص بقدر وحال وصفة ومعلوم أنه إذا قدر أن الفاعل هو الذات المجردة عن الأحوال المتعاقبة عليها سواء قيل إنه لا يقوم بها الأحوال أو قيل إنها تقوم بها لكن على التقديرين لا تكون موجبة لشيء قديم أزلي إلا لمجرد الذات المجردة عن الأحوال المتعاقبة لأن الأحوال المتعاقبة آحادها موجودة شيئا بعد شيء فيمتنع أن تكون موجبة لشيء قديم أزلي فإن الموجب القديم المعين الأزلي أولى أن يكون قديما أزليا معينا والأحوال المتعاقبة ليس منها شيء قديم معين أزلي فيمتنع أن يكون الموجب المشروط بها قديما أزليا فإذا قدر أنه قديم أزلي لم يكن ذلك إلا بتقدير أن تكون الذات المجردة هي الموجبة والذات المجردة ليس فيها اختصاص يوجب تخصيص الفلك دون غيره بكونه معلولا بخلاف ما إذا قيل إنه حدث بعد أن لم يكن لأسباب أوجبت الحدوث والتخصيص فإن هذا السؤال يندفع وهذا دليل مستقل في المسألة ولم يتقدم بعد ذكره في هذا الكتاب

1

192

السادس أنه إذا كانت الأحوال لازمة لها كان بتقدير فعلها بدون الأحوال تقديرا ممتنعا وحينئذ فالذات المستلزمة للأحوال المتعاقبة لا تفعل بدونها وإذا كان الفاعل لا يفعل إلا بأحوال متعاقبة امتنع قدم شيء من مفعولاته لأن القديم يقتضي علة تامة أزلية وما يستلزم الأحوال المتعاقبة لا يكون اقتضاؤه في الأزل لشيء معين تاما أزليا بل إنما يتم اقتضاؤه لكل مفعول عند وجود الأحوال التي بها يصير فاعلا السابع أنه إن جاز أن يقوم بالفاعل الأحوال المتعاقبة جاز بل وجب حدوث كل ما سواه وإن لم يجز ذلك فإما أن يقال يمتنع حدوث شيء ومعلوم وجود الحوادث وإما أن يقال بل تحدث بلا سبب حادث في الفاعل وحينئذ فيلزم جواز حدوث كل ما سوى الله تعالى فإنه إذا جاز أن يحدث الحوادث دائما بلا سبب يقتضي حدوثها فلأن تحدث جميعها بلا سبب يقتضي حدوثها أولي فإن هذا أقل محذورا فإذا جاز الحدوث مع المحذور الأعظم فمع الأخف أولى وأيضا فالأول إن كان مستلزما لتلك الحوادث كان الجميع قديما وهو ممتنع كما تقدم وإن لم يكن مستلزما لتلك الحوادث كانت حادثة بعد أن لم تكن فيلزم حدوث الحوادث بدون سبب حادث وإن كان مستلزما لنوعها دون الآحاد فقد عرف بطلان ذلك من وجوه ولو جاز حدوث الحوادث بدون سبب حادث لجاز حدوث العالم

1

193

وإذا جاز الحدوث العالم امتنع قدمه لأنه لا يكون قديما إلا لقدم العلة الموجبة له وإذا قدر أن ثم علة موجبة له فإنه يجب القدم ويمتنع الحدوث وإذا جاز حدوثه امتنع قدمه فكذلك إذا جاز قدمه امتنع حدوثه فإنه لا يجوز قدمه إلا القدم موجبه ومع ذلك يمتنع حدوثه فكما أن الممكن الذهني الذي يقبل الوجود والعدم إذا حصل المقتضى التام وجب وجوده وإلا وجب عدمه فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وليس في الخارج إلا ما وجب وجوده بنفسه أو بغيره أو ما امتنع وجوده بنفسه أو بغيره فكذلك القول في قدم الممكن وحدوثه ليس في الخارج إلا ما يجب قدمه أو يمتنع قدمه فإذا حصل موجب قدمه بنفسه أو بغيره وإلا امتنع قدمه ولزم إما دوام عدمه وإما حدوثه فمع القول بجواز حدوثه يمتنع قدم العلة الموجبة له فيمتنع قدمه فلا يمكن أن يقال إنه يجوز حدوثه مع إمكان أن يكون قديما بل إذا ثبت جواز حدوثه ثبت امتناع قدمه ولهذا كان كل من جوز حدوث الحوادث بدون سبب حادث يقول بحدوثه ومن قال بقدمه لم يقل أحد منهم بجواز حدوث الحوادث بدون سبب حادث وإن كان هذا القول مما يخطر بالبال تقديره بأن

1

194

يقال يمكن حدوث الحوادث بلا سبب حادث لأن الفاعل القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح ويمكن مع ذلك قدم العالم بأن يكون المختار رجح قدمه بلا مرجح فإن هذا القول لظهور بطلانه لم يقله أحد من العقلاء فيما نعلم لأنه مبني على مقدمتين كل منهما باطلة في نظر العقول وإن كان من العقلاء من التزم بعضهما فلا يعرف من التزمهما معا إحداهما كون الفاعل المختار يرجح بلا سبب فإن أكثر العقلاء يقولون إن فساد هذا معلوم بالضرورة أو هو قطعي غير ضروري والثانية كون القادر المختار يكون فعله مقارنا له لا يحدث شيئا بعد شيء فإن هذا أيضا مما يقول العقلاء أو جمهورهم إن فساده معلوم بالضرورة أو قطعا بل جمهور العقلاء يقولون إن مفعول الفاعل لا يكون مقارنا له أبدا ثم من النظار من قال بإحدى المقدمتين دون الأخرى فالقدرية وبعض الجهمية يقولون بالأولى وبعض الجبرية يقولون بالأولى في حق الرب دون العبد وأما الثانية فلم يقل بها إلا من جعل الفاعل مريدا أو جعل بعض العالم قديما كأبي البركات ونحوه

1

195

وأما القائلون بقدم شيء من العالم فلا يقولون بأن الفاعل مريد وهؤلاء قولهم أفسد من قول أبي البركات وأمثاله فإن كون المفعول المعين لم يزل مقارنا لفاعله هو مما يقول جمهور العقلاء إنه معلوم الفساد بالضرورة فإذا قيل مع ذلك إن الفاعل غير مريد كان زيادة ضلال ولم يكن هذا مما يقوى قولهم بل نفس كون الفاعل فاعلا لمفعوله المعين يمنع مقارنته له وما يذكرونه من حركة الخاتم مع اليد وحركة الشعاع مع الشمس وأمثال ذلك ليس فيه أن المفعول قارن فاعله وإنما قارن شرطه وليس في العالم فاعل لم يزل مفعوله مقارنا له وأما سائر القائلين بقدم شيء من العالم فلا يقولون بأن الفاعل مريد ثم كل من الطائفتين من أعظم الناس إنكارا لمقدمة القدرية وهو أن الفاعل المختار يرجح بلا مرجح حادث ومتى جوزوا ذلك بطل قولهم بقدم شيء من العالم فإن أصل قولهم إنما هو أن الفاعل يمتنع أن يصير فاعلا بعد أن لم يكن لامتناع حدوث الحوادث بلا سبب فيمتنع أن يكون معطلا ثم يصير فاعلا بل إذا قدر أنه كان معطلا لزم دوام تعطيله

1

196

فإذا قدر أنه فاعل لزم دوام فعله وعندهم يمتنع ما قاله أولئك المتكلمون من جواز تعطيله ثم فعله فمتى جوزوا أن يكون معطلا لم يفعل لم يمكنهم نفي ما قاله أولئك ولا القول بقدم شيء من العالم لكن غاية من جوز هذا أن يصير شاكا يقول هذا ممكن وهذا ممكن ولا أدرى أيهما الواقع وحينئذ فيمكن أن يعلم أحدهما بالسمع ومعلوم أن الرسل صلوات الله عليهم أخبرت بأن الله خالق كل شيء وأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام فمن قدر أن عقله جوز الأمرين فبقي شاكا أمكنه أن يعلم وقوع أحد الجائزين بالسمع والعلم بصدق الرسول ليس موقوفا على العلم بحدوث العالم وهذه طريقة صحيحة لمن سلكها فإن المقدمات الدقيقة الصحيحة العقلية قد لا تظهر لكل أحد والله تعالى قد وسع طريق الهدى لعباده فيعلم أحد المستدلين المطلوب بدليل ويعلمه الآخر بدليل آخر ومن علم صحة الدليلين معا كان كل منهما يدله على المطلوب وكان

1

197

اجتماع الأدلة يوجب قوة العلم وكل منهما يخلف الآخر إذا عزب الآخر عن الذهن ولكن مع كون أحد من العقلاء لم يعلم أنه قال هذا ومع كون نقيضه مما يعلم بالسمع فنحن نذكر دلالة العقل على فساده أيضا فنقول كما أنه ما يثبت قدمه امتنع عدمه فما جاز عدمه امتنع قدمه فإنه لو كان قديما لامتنع عدمه والتقدير أنه جائز العدم فيمتنع قدمه وما جاز حدوثه لم يمتنع عدمه بل جاز عدمه وقد تقدم أن ما جاز عدمه امتنع قدمه لأنه لو كان قديما لم يجز عدمه بل امتنع عدمه وتلك المقدمة متفق عليها بين النظار متكلمهم ومتفلسفهم وغيرهم وبيان صحتها أن ما يثبت قدمه فإما أن يكون قديما بنفسه أو بغيره فالقديم بنفسه واجب بنفسه والقديم بغيره واجب بغيره ولهذا كان كل من قال إن العالم أو شيئا منه قديم فلا بد من أن يقول هو واجب بنفسه أو بغيره ولا يمكنه مع ذلك أن يقول ليس هو بواجب بنفسه ولا بغيره فإن القديم بنفسه لو لم يكن واجبا بنفسه لكان ممكنا مفتقرا إلى غيره فإن كان محدثا لم يكن قديما وإن كان قديما بغيره لم يكن قديما بنفسه وقد فرض أنه قديم بنفسه فثبت أن ما هو قديم بنفسه فهو واجب بنفسه وأما القديم بغيره فأكثر العقلاء يقولون يمتنع أن يكون شيء قديما بفاعل ومن جوز ذلك فإنه يقول قديم بقدم موجبه الواجب بنفسه

1

198

ففاعله لا بد أن يوجبه فيكون علة موجبة أزلية إذ لو لم يوجبه بل جاز وجوده وجاز عدمه وهو من نفسه ليس له إلا العدم لوجب عدمه ومع وجوب العدم يمتنع وجوده فضلا عن قدمه فما لم يكن موجودا بنفسه ولا قديما بنفسه إذا لم يكن له في الأزل ما يوجب وجوده لزم عدمه فإن المؤثر التام إذا حصل لزم وجود الأثر وإن لم يحصل لزم عدمه وإذا قيل التأثير أولى به مع إمكان عدم التأثير قيل هذه مقدمة باطلة كما تقدم وأنتم تسلمون صحتها والذين ادعوا صحتها لم يقولوا بباطل قولكم فلم يجمع أحد بين هذين القولين الباطلين ونحن في مقام الاستدلال فإن قلتم نحن نقول هذا على طريق الإلزام لمن قال هذا من الجبرية والقدرية الذين يجوزون ترجيح القادر المختار بدون مرجح تام يوجب الفعل فنقول لهم هلا قلتم بأن الرب فاعل مختار وهو مع هذا فعله لازم له قيل لكم هؤلاء يقولون إن الفعل القديم ممتنع لذاته ولو قدر أن الفاعل غير مختار فكيف إذا كان الفاعل مختارا فقد علم أن فعل القادر المختار يمتنع أن يكون مقارنا له ويقولون لا يعقل الترجيح إلا مع الحدوث ويقولون إن الممكن لا يعقل ترجيح وجوده على عدمه إلا مع كونه حادثا فأما الممكن المجرد بدون الحدوث فلا يعقل كونه مفعولا بل يقولون إن هذا معلوم

1

199

بالضرورة وهو كون الممكن مما يمكن وجوده بدلا من عدمه وعدمه بدلا من وجوده وهذا إنما يكون فيما يمكن أن يكون موجودا ويمكن أن يكون معدوما وما وجب قدمه بنفسه أو بغيره امتنع أن يكون معدوما فيمتنع أن يكون ممكنا قالوا وهذا ما اتفق عليه جماهير العقلاء حتى أرسطو وأتباعه القدماء يقولون إن الممكن لا يكون إلا محدثا وكذلك ابن رشد الحفيد وغيره من متأخريهم وإنما قال إن الممكن يكون قديما طائفة منهم كابن سينا وأمثاله واتبعه على ذلك الرازي وغيره ولهذا ورد على هؤلاء من الإشكالات ما ليس لهم عنه جواب صحيح كما أورد بعض ذلك الرازي في محصلة ومحققوهم لا يقولون إن المحرج إلى الفاعل هو مجرد الحدوث حتى يقولوا إن المحدث في حال بقائه غني عن الفاعل بل يقولون إنه محتاج إلى الفاعل في حال حدوثه وحال بقائه وإن الممكن لا يحدث ولا يبقى إلا بالمؤثر فهذا الذي عليه جماهير المسلمين بل عليه جماهير العقلاء لا يقولون إن شيئا من العالم غنى عن الله في حال بقائه بل يقولون متى قدر أنه ليس بحادث امتنع أن يكون مفعولا محتاجا إلى المؤثر فالقدم

1

200

عندهم ينافي الحاجة إلى الفاعل وينافى كونه مفعولا فالحدوث عندهم من لوازم كون الشيء مفعولا فيمتنع عندهم أن يكون مفعول قديما وهذا ليس قول القدرية والجبرية فقط بل هذا قول جماهير العقلاء من أهل الملل وغير أهل الملل وهو قول جماهير أئمة الفلاسفة وأما كون الفلك مفعولا قديما فإنما هو قول طائفة قليلة من الفلاسفة وعند جمهور العقلاء أنه معلوم الفساد بالضرورة ولهذا كل من تصور من العقلاء أن الله خلق السموات والأرض تصور أنها كانت بعد أن لم تكن وكل من تصور أن شيئا من الموجودات مصنوع مفعول لله تصور أنه حادث فأما تصور أنه مفعول وأنه قديم فهذا إنما تتصوره العقول تقديرا له كما يتصور الجمع بين النقيضين تقديرا له والذي يقول ذلك يتعب تعبا كثيرا في تقدير إمكان ذلك وتصويره كما يتعب سائر القائلين بأقوال ممتنعة ثم مع هذا فالفطر ترد ذلك وتدفعه ولا تقبله وأعجب من ذلك تسمية هؤلاء العالم محدثا ويعنون بكونه محدثا

1

201

أنه معلول العلة القديمة وإذا سئل أحدهم هل العالم محدث أو قديم يقول هو محدث وقديم ويعني بذلك أن الفلك قديم بنفسه لم يزل وأنه محدث يعنون بكونه محدثا له أنه معلول علة قديمة وهذه العبارة يقولها ابن سينا وأمثاله من الباطنية فإنهم يأخذون عبارات المسلمين فيطلقونها على معانيهم كما قال مثل ذلك في لفظ الأفول فإن أهل الكلام المحدث لما احتجوا بحدوث الأفعال على حدوث الفاعل الذي قامت به الأفعال وزعموا أن إبراهيم الخليل احتج بهذا وأن المراد بالأقول الحركة والانتقال وأنه استدل بذلك على حدوث المتحرك والمنتقل نقل ابن سينا هذه المادة إلى أصله وذكر هذا في إشاراته فجعل هذا الأفول عبارة عن الإمكان وقال إن ما هوى في حظيرة الإمكان هوى في حظيرة الأفول ولفظه فإن الهوى في حظيرة الإمكان أفول ما وذلك أنه أراد أن يقول بقول سلفه الفلاسفة مع قوله بما يشبه طريقة المتكلمين والمتكلمون استدلو على حدوث الجسم بطريقة التركيب

1

202

فجعل هو التركيب دليلا على الإمكان والمتكلمون جعلوا دليلهم هو دليل إبراهيم الخليل بقوله لا أحب الآفلين سورة الأنعام وفسروه بأن الأفول هو الحركة فقال ابن سينا قال قوم إن هذا الشيء المحسوس موجود لذاته واجب لنفسه لكنك إذا تذكرت ما قيل في شرط واجب الوجود لم تجد هذا المحسوس واجبا وتلوت قوله تعالى لا أحب الآفلين فإن الهوى في حظيرة الإمكان أفول ما ويريد بالشرط أنه ليس بمركب وأن المركب ممكن ليس بواجب والممكن آفل الإمكان أفول ما والآفل عندهم هو الذي يكون موجودا بغيره ويقولون نحن نستدل بإمكان الممكنات على الواجب ونقول العالم قديم لم يزل ولا يزال ونجعل معنى قوله تعالى لا أحب الآفلين أي لا أحب الممكنين وإن كان الممكن واجب الوجود بغيره قديما لم يزل ولا يزال ومعلوم أن كلا القولين من باب تحريف الكلم عن مواضعه وإنما الأفول هو المغيب والاحتجاب ليس هو الإمكان ولا الحركة

1

203

وإبراهيم الخليل لم يحتج بذلك على حدوث الكواكب ولا على إثبات الصانع وإنما احتج بالأفول على بطلان عبادتها فإن قومه كانوا مشركين يعبدون الكواكب ويدعونها من دون الله لم يكونوا يقولون إنها هي التي خلقت السموات والأرض فإن هذا لا يقوله عاقل ولهذا قال يا قوم إني برئ مما تشركون سورة الأنعام وقال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين سورة الشعراء وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع والمقصود هنا أن هؤلاء القوم يأخذون عبارات المسلمين التي عبروا بها عن معنى فيعبرون بها عن معنى آخر يناقض دين المسلمين ليظهر بذلك أنهم موافقون للمسلمين في أقوالهم وأنهم يقولون العالم محدث وأن كل ما سوى الله فهو عندنا آفل محدث يمعنى أنه معلول له وإن كان قديما أزليا معه واجبا به لم يزل ولا يزال وإذا كان جماهير العقلاء يقولون إن المفعول لا يكون إلا حادثا لا سيما المفعول لفاعل باختياره فإذا كان من هؤلاء من قال إنه يفعل بدون سبب حادث وإنه يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح لم

1

204

يلزمه أن يقول مع هذا إن مفعوله قديم رجحه بلا مرجح فإنه يقول إن هذا القول باطل وقولي الآخر إن كان باطلا فلا أجمع بين قولين باطلين وإن كان حقا فقول الحق لا يوجب علي أن أقول الباطل فإن الحق لا يستلزم الباطل بل الباطل قد يستلزم الحق وهذا لا يضر الحق فإنه إذا وجد الملزوم وجد اللازم فالحق لازم سواء قدر وجود الباطل أو عدمه أما الباطل فلا يكون لازما للحق لأن لازم الحق حق والباطل لا يكون حقا فلا يلزم من قال الحق أن يقول الباطل وهذا ظاهر والمقصود هنا أنه متى قيل بجواز حدوث الحوادث بدون سبب حادث أمكن أن يفعل الفاعل الحوادث بعد أن لم يكن فاعلا بدون سبب حادث كما يقول ذلك من يقوله من طوائف النظار من متكلمة المسلمين وغيرهم من القدرية والجبرية وغيرهم وحتى كان ذلك ممكنا في نفس الأمر لم يجب دوام الفاعل فاعلا وأمكن حدوث الزمان والمادة وغير ذلك كما يقول ذلك من يقوله من النظار من أهل الكلام والفلسفة ومتى كان ذلك ممكنا بطل كل ما يحتج به على قدم شيء من العالم فبطل القول بقدم العالم وعلم أيضا امتناع قدمه لأنه لا يكون

1

205

قديما إلا إذا كان واجبا بنفسه أو كان الفاعل مستلزما بنفسه له فإذا لم يكن هناك فاعل مستلزم له امتنع أن يكون قديما وكان كل من حجج القائلين بالحدوث والقائلين بالقدم مبطلة لهذا القول أما القائلون بالقدم فعمدتهم أن المؤثر التام يستلزم أثره فيمتنع عندهم القول بمفعول قديم من غير علة تامة موجبة لأنه أثر عن غير مؤثر تام وأما القائلون بالحدوث فعمدتهم أن الفاعل المختار بل الفاعل مطلقا لا يكون مفعول إلا حادثا وأن مفعولا قديما ممتنع فصار عمدة هؤلاء وهؤلاء مبطلة لهذا القول الذي لم يقله أحد ولكن يقال على سبيل الإلزام لكل من الطائفتين إذا التزمت فاسد قولها دون صحيحة فإذا التزمت القدمية جواز حدوث الحوادث بلا سبب وأن الأثر لا يحتاج إلى مؤثر تام بل القادر يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح والتزمت الحدوثية أن المفعول مطلقا أو المفعول بالقدرة والاختيار لم يزل قديما أزليا مع فاعله مقارنا له لزم من هذين اللازمين إمكان أن يكون الفاعل قادرا مختارا يرجح بلا مرجح ومفعوله مع هذا قديما

1

206

بقدمه لكن أحد من العقلاء لم يلتزم هذين فيما علمناه وإن قدر أنه التزم ذلك فقد التزم ملزومين باطلين كل منهما باطل بالبرهان والجمع بينهما لم يقله أحد من العقلاء وكان كل من العقلاء يرد عليه ببرهان قاطع ولكن هو يعارض كلام كل طائفة بكلام الطائفة الأخرى وغايته فساد بعض قول هؤلاء وفساد بعض قول هؤلاء لكن لا يلزم أن يسلم له الجميع بين فساد كل من القولين ولا الجمع بين هذا الفساد وهذا الفساد بل هذا يكون أبلغ في رد قوله وأيضا فإن كلا من الطائفتين فرت من أحد الفسادين وظنت الآخر ليس بفاسد ولم تهتد إلى الجمع بين الصحيح كله والسلامة من الفاسد كله فليس له أن يلزمها ما علمت فساده مع ما لم تعلم فساده فيلزمها الفاسد كله ويخرجها من الصحيح كله فإن غاية قولها أبلق أن يكون فيه بياض وسواد والأبلق خير من الأسود فإن الطائفة التي قالت إن القادر يمكنه ترجيح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح إنما قالته لما علمت أن القادر الفاعل لا بد أن يكون فعله حادثا وأن كونه فاعلا مع كونه الفعل قديما جمع بين المتناقضين ولم يهتدوا إلى الفرق بين نوع الفعل وبين عينه بل

1

207

اعتقدت أيضا أن حوادث لا أول لها ممتنع فقالت حينئذ فيمتنع دوام الفعل فيلزم كونه فاعلا بعد أن لم يكن فيلزم ترجيح القادر لأحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح لأن القادريه لا تختص ولم تزل وإن قيل باختصاصها أو حدوثها لزم حدوث القادرية لا محدث وتخصيصها بغير مخصص وأنه صار قادرا بعد أن لم يكن بغير سبب وانتقل الفعل من الامتناع إلى الإمكان بدون سبب يوجب هذا الانتقال وإذا جاز ذلك فجواز كونه مرجحا لأحد مقدوريه أولى بالجواز وهذه اللوازم وإن قال الجمهور ببطلانها فإنهم يقولون ألجأنا إليها تلك الملزومات لما ذكرناه من ظنهم أنه لا فرق بين النوع والعين وإذا قيل لهم فقولوا مع هذه اللوازم بانتفاء تلك الملزومات فقالوا إن القادر يرجح أحد المقدورين على الآخر بلا مرجح ويحدث الحوادث بلا سبب مع أن الفاعل القادر يقارنه مفعوله المعين وأنه لا أول لعين الفعل والمفعول فقد لزمهم أن يقولوا باللوازم التي يظهر بطلانها مع نفي الملزومات التي أوجبت تلك في نظرهم التي فيها ما يظهر بطلانه وفيها ما يخفي بطلانه فقد لزمهم أن يقولوا باللازم الباطل

1

208

الذي لا حاجة بهم إليه مع نفي ما أحوجهم إليه مع أن فيه حقا أو فيه حقا وباطلا وكذلك الطائفة التي قالت بقدم العالم فإنها لما اعتقدت أن الفاعل يمتنع أن يصير فاعلا بعد أن لم يكن وأن يحدث حادثا لا في وقت ويمتنع الوقت في العدم المحض ولم يهتدوا إلى الفرق بين دوام النوع ودوام العين ظنت أنه يلزم قدم عين المفعول فالتزمت مفعولا قديما أزليا لفاعل ثم قال من قال منهم لا يعقل كون الفاعل فاعلا بالاختيار مع كون مفعوله قديما مقارنا له فقالوا هو موجب بالذات لا فاعل بالاختيار والتزموا ما هو معلوم الفساد عند حمهور العقلاء من مفعول معين مقارن لفاعله أزلا وأبدا حذرا من إثبات كونه يصير فاعلا بعد أن لم يكن فإذا قيل لهم فقولوا بهذه الأقوال مع قولكم إنه يمكن أن يصير فاعلا بعد أن لم يكن فيرجح أحد مقدوريه بلا مرجح فقد لزمهم أن يقولوا الباطل كله وأن يقولا باللازم الذي يظهر بطلانه بدون الملزوم الذي فيه حق وباطل الذي ألجأهم إلى هذا اللازم

1

209

وأيضا فإنه على هذا التقدير الذي نتكلم عليه وهو تقدير أن لا يكون الأزلى مستلزما لتلك الحوادث بل كانت حادثة بعد أن لم تكن فيلزم أن العالم كان خاليا عن جميع الحوادث ثم حدثت فيه بلا سبب حادث وهو شبيه بقول الحرانيين القائلين بالقدماء الخمسة الواجب بنفسه والمادة والمدة والنفس والهيولي كما يقوله ديمقراطيس وابن زكريا الطبيب ومن وافقهما أو بقول يحكى عن بعض القدماء وهو أن جواهر العالم أزلية وهو القول بقدم المادة

1

210

وكانت متحركة على غير انتظام فاتفق اجتماعها وانتظامها فحدث هذا العالم وكلا القولين في غاية الفساد وأما الأولون فيقولون إن النفس عشقت الهيولي فعجز الرب عن تخليصها من الهيولي حتى تذوق وبال اجتماعها بالهيولي وهم قالوا هذا فرارا من حدوث حادث بلا سبب وقد وقعوا فيما فروا منه وهو حدوث محبة النفس للهيولي فيقال لهم ما الموجب لذلك فقد لزمهم حدوث حادث بلا سبب ولزمهم ما هو أشنع من ذلك وهو حدوث الحوادث بدون صدورها عن رب العالمين والقول بقدماء معه فإن قالوا بوجوب وجودها لزم كون واجب الوجود مستحيلا موصوفا بما يستلزم حدوثه ونقصه وإمكانه وإن لم تكن واجبة بأنفسها بل به لزم أن يكون موجبا لها دون غيرها والعلة القديمة تستلزم معلولها فيلزم من ذلك تغير معلولها واستحالته من حال إلى حال بدون فعل منها واستحالة المعلول اللازم بدون تغير في العلة محال وإلا لم يكن معلولا لها وإن جوزوا ذلك فليجوزوا كون العالم قديما أزليا لازما لذات الرب وهو مع هذا ينتقض وتنشق السماء وتنفطر وتقوم القيامة بدون فعل من الرب ولا حدوث شيء منه أصلا بل بمجرد حدوث حادث في العالم بلا محدث

1

211

وإن قالوا هو بغض النفس للهيولي كان من جنس قولهم إن سبب حدوثه محبة النفس للهيولي فإذا جاز أن يحدث بمحبة النفس بدون اختيار الرب تعالى جاز أن ينتقض بغض النفس بدون اختيار الرب وأما الآخرون فإنهم أثبتوا حدوث العالم فإن كانوا ينفون الصانع بالكلية فقد قالوا بحدوث الحوادث بلا محدث وإن كانوا يقولون بالصانع فقد أثبتوا إحداثه لهذا النظام بلا سبب حادث إن قالوا إن الرب لم يكن يحركها قبل انتظامها وإن قالوا إنه كان يحركها قبل انتظامها ثم إنه ألفها فهؤلاء قائلون بإثبات الصانع وحدوث هذا العالم وقولهم خير من قول القائلين بقدم هذا العالم ثم إن قولهم يحتمل شيئين أحدهما إثبات شيء من العالم قديم بعينه فيكون قولهم بعض قول القائلين بقدم هذا العالم وهو من جنس قول القائلين بالقدماء الخمسة من حيث أثبتوا قديما معينا غير الأفلاك وهو من جنس قول أهل الأفلاك حيث أثبتوا حوادث لم تزل ولا تزال إن كانوا يقولون بأن تلك المواد لم تزل متحركة وإن قالوا بل كانت ساكنة ثم تحركت فقولهم من جنس قول أهل القدماء الخمسة فما دل على فساد قول هؤلاء وهؤلاء يدل على فساد قولهم

1

212

وما ذكرنا من التقسيم يأتي على كل قول وإن كان كل قول باطل له دلائل خاصة تدل على فساده وأيضا فالمتكلمون الذين يثبتون الجوهر الفرد أو يقولون إن الحركة والسكون أمران وجوديان كجمهور المعتزلة والأشعرية وغيرهم يقولون إن العالم لم يخل من الحركة والسكون ومن الاجتماع والافتراق وهي حادثة فالعالم مستلزم للحوادث وهذا مبسوط في موضعه وفيه نزاع بين النظار ومقدماته فيها طول ونزاع وقد لا يتقرر بعضها فلا نبسطه في هذا الموضع إذ لا حاجة بنا إليه وهو من الكلام المذموم فإن كثيرا من النظار يقولون إن السكون أمر عدمي ونقول إثبات الجوهر الفرد باطل والأجسام ليست مركبة من الجواهر الفردة ولا من الهيولى والصورة بل الجسم واحد في نفسه وأما كون الأجسام كلها تقبل التفريق أو لا يقبله إلا بعضها فليس هذا موضع بسطه وبتقدير أن يقبل ما يقبل التفريق فلا يجب أن يقبله إلى غير غاية بل يقبله إلى غاية وبعدها يكون الجسم صغيرا لا يقبل التفريق الفعلي بل يستحيل إلى جسم آخر كما يوجد في أجزاء الماء إذا تصغرت فإنها تستحيل هواء مع أن أحد جانبيها متميز عن

1

213

الآخر فلا يحتاج إلى إثبات جزء لا يتميز منه جانب عن جانب ولا يحتاج إلى إثبات تجزئة وتفريق لا يتناهى بل تتصغر الأجسام ثم تستحيل إذا تصغرت فهذا القول أقرب إلى العقول من غيره فلما كان دليل أولئك مبنيا على إحدى هاتين المقدمتين إثبات الجواهر الفردة وأن الأجسام مركبة منها أو إثبات أن السكون أمر وجودي والنزاع في ذلك مشهور والبرهان عند التحقيق لا يقوم إلا على نقيض ذلك لم يبسط الكلام في تقريره ولا يحتاج في إثبات شيء مما جاءت به الرسل إلى طرق باطلة مثل هذه الطرق وإن كان الذين دخلوا فيها أعلم وأعقل من المتفلسفة المخالفين وأقرب إلى صريح المعقول وصحيح المنقول لكن بسبب ما غلطوا فيه من السمعيات والعقليات شاركهم في بعض الغلط في ذلك أهل الباطل من المتفلسفة وغيرهم وضموا إليه أمورا أخرى أبعد عن العقل والشرع منه وصاروا يحتجون على أولئك المتكلمين الذين هم أولى بالشرع والعقل منهم ببطلان ما خالفوهم فيه وخالفوا فيه

1

214

الحق وصاروا يجعلون ذلك حجة على مخالفة الحق مقدرين أنه لا حق عند الرسل وأتباعهم إلا ما يقوله هؤلاء المتكلمون وصاروا بمنزلة من جاور بعض جهال المسلمين وفساقهم من المشركين وأهل الكتاب فصار يورد بعض ما أولئك فيه من الجهل والظلم ويجعل ذلك حجة على بطلان دين المسلمين مقدرا أن دين المسلمين هو ما أولئك عليه مع كونه هو أجهل وأظلم منهم كما يحتج طائفة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى على القدح في دين المسلمين بما يجدون في بعضهم من الفواحش إما بنكاح التحليل وإما غيره وما يجدونه من الظلم أو الكذب أو الشرك فإذا قوبلوا على وجه الإنصاف وجدوا الفواحش والظلم والكذب والشرك فيهم أضعاف ما يجدونه في المنتسبين إلى دين الإسلام وإذا بين لهم حقيقة الإسلام تبين أنه ليس فيه شيء من تلك الفواحش والظلم والكذب والشرك فإنه ما من ملة إلا وقد دخل في بعض أهلها نوع من الشر لكن الشر الذي دخل في غير المسلمين أكثر مما دخل في المسلمين والخير الذي يوجد في المسلمين أكثر مما يوجد في غيرهم وكذلك أهل السنة في الإسلام

1

215

الخير فيهم أكثر منه في أهل البدع والشر الذي في أهل البدع أكثر منه في أهل السنة فإن قيل ما ذكرتموه يدل على أنه يمتنع أن يكون العالم خاليا على الحوادث ثم تحدث فيه لكن نحن نقول إنه لم يزل مشتملا على الحوادث والقديم هو أصل العالم كالأفلاك ونوع الحوادث مثل جنس حركات الأفلاك فأما أشخاص الحوادث فإنها حادثة بالاتفاق وحينئذ فالأزلي مستلزم لنوع الحوادث لا لحادث معين فلا يلزم قدم جميع الحوادث ولا حدوث جميعها بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها كما يقول أئمة أهل السنة منكم إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء ويقولون إن الفعل من لوازم الحياة والرب لم يزل حيا فلم يزل فعالا وهذا معروف من قول أئمتكم كأحمد بن حنبل والبخاري صاحب الصحيح ونعيم ابن حماد الخزاعي وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم ممن قبلهم مثل ابن عباس وجعفر الصادق وغيرهما ومن بعدهم وهم ينقلون ذلك عن أئمة أهل السنة ويقولون إن من خالف هذا

1

216

القول فهو مبتدع ضال وهؤلاء وأمثالهم عندكم هم أئمة أهل السنة والحديث وهم من أعلم الناس بمقالة الرسول والصحابة والتابعين لهم بإحسان ومن أتبع الناس لها وهؤلاء وغيرهم كسفيان بن عيينة احتجوا على أن كلام الرب غير مخلوق بأن الله لم يخلق شيئا إلا ب كن فلو كانت كن مخلوقة لزم التسلسل المانع من الخلق وهذا التسلسل فلو كانت كن مخلوقة لزم التسلسل في أصل كونه خالقا وفاعلا فهو تسلسل في أصل التأثير وهو ممتنع باتفاق العقلاء بخلاف التسلسل في الآثار المعينة فإنه إذا لم يكن خالقا إلا بقوله كن امتنع أن يكون القول مخلوقا كما إذا قيل لا يكون خالقا إلا بعلم وقدرة امتنع أن يكون العلم والقدرة مخلوقين لأنه يلزم أن يكون ذلك المخلوق يمتنع وجوده إلا بعد وجوده فإنه لا يكون خالقا إلا به فيجب كونه متقدما على كل مخلوق فلو كان مخلوقا للزم تقدمه على نفسه وهذه حجة صحيحة عقلية شرعية

1

217

بخلاف ما إذا قيل إنه يخلق هذا بكن وهذا بكن أخرى فإن هذا يستلزم وجود أثر بعد أثر وهذا في جوازه نزاع بين العقلاء وأئمة السنة منكم ثم إن أساطين الفلاسفة وكثيرا من أهل الكلام يجيز ذلك والمقصود أنكم إذا جوزتم وجود حادث بعد حادث عن القديم الأزلي الذي هو الرب عندكم فكذلك يقول هؤلاء في حوادث العالم التي تحدث في الفلك وغيره قيل هذا قياس باطل وتشبيه فاسد وذلك أن هؤلاء إذا قالوا هذا قالوا الرب نفسه يفعل شيئا بعد شيء أو أن يتكلم بشيء وهذا ليس بممتنع بل هو جائز في صريح العقل فإن غاية ما يقال أن يكون وجود الأول وانقضاؤه شرطا في الثاني كما يكون وجود الوالد شرطا في وجود الولد وأن يكون تمام فاعلية الثاني إنما حصلت عند عدم الأول ويكون عدم الأول إذا اشترط في الثاني فهو من جنس اشتراط عدم أحد الضدين في وجود الضد الآخر مع أن الفاعل للضد الحادث ليس هو عدم الأول فكيف إذا كان هو المعدم للأول وإذا قيل فعله للثاني مشروط بعدم الأول كان من باب اشتراط عدم الضد لوجود ضده ثم إن كان الشرط إعدام الأول كان فعله مشروطا بفعله والإعدام أمر وجودي وأيضا فالفاعل عند عدم الضد

1

218

المانع يتم كونه مريدا قادرا وتلك أمور وجودية وهو المقتضى لها إما بنفسه أو بما منه فلم يحصل موجود إلا منه وعنه وأما هؤلاء فيقولون إن الفاعل الأول لا تقوم به صفة ولا فعل بل هو ذات مجردة بسيطة وإن الحوادث المختلفة تحدث عنها دائما بلا أمر يحدث منه وهذا مخالفة لصريح المعقول سواء سموه موجبا بالذات أو فاعلا بالاختيار فإن تغير المعلولات واختلافها بدون تغير العلة واختلافها أمر مخالف لصريح المعقول وفعل الفاعل المختار لأمور حادثة مختلفة بدون ما يقوم به من الإرادة بل من الإرادات المتنوعة مخالف لصريح المعقول وهؤلاء يقولون مبدأ الحوادث كلها حركة الفلك وليس فوقه أمور حادثة توجب حركته مع أن حركات الفلك تحدث شيئا بعد شيء بلا أسباب حادثة تحدثها وحركات الأفلاك هي الأسباب لجميع الحوادث عندهم فإذا لم يكن لها محدث كان حقيقة قولهم أنه ليس لشيء من الحوادث محدث وإن كان للفلك عندهم نفس ناطقة

1

219

فحقيقة قولهم في جميع الحوادث من جنس قول القدرية في فعل الحيوان ولهذا اضطر ابن سينا في هذا الموضع إلى جعل الحركة ليست شيئا يحدث شيئا بعد شيء بل هو أمر واحد لم يزل موجودا كما قد ذكرنا ألفاظه وبينا فسادها وأنه إنما قال ذلك لئلا يلزمه أنه يحدث عن العلة التامة حادث بعد حادث فخالف صريح العقل والحس في حدوث الحركة شيئا بعد شيء ليسلم له ما أدعاه من أن رب العالمين لم يحدث شيئا لأنه عنده علة تامة وقد اعترف حذاقهم بفساد قولهم وأما من قال منهم بقيام الإرادات المتعاقبة به كأبي البركات وأمثاله فهؤلاء يقولون إنه موجب بذاته للأفلاك وموجب للحوادث المتعاقبة فيه بما يقوم به من الإرادات المتعاقبة فيقال لهؤلاء أولا من جنس ما قيل لإخوانهم والحجة إليهم أقرب فإنهم أقرب إلى الحق فيقال لهم إذا جاز أن يحدث الحوادث شيئا بعد شيء لما يقوم به من الإرادات شيئا بعد شيء فلماذا لا يجوز أن تكون الأفلاك حادثة بعد أن لم تكن لما يقوم به من الإرادات المتعاقبة

1

220

وقد تفطن لهذا طائفة من حذاق هؤلاء النظار كالأثير الأبهري فقال يجوز أن يحدث جميع ذلك لما يقوم به من إرادة وإن كانت مسبوقة بإرادة أخرى لا إلى غاية ويقال لهم أيضا لم لا يجوز أن تكون السماوات والأرض بأنفسها مسبوقة بمادة بعد مادة لا إلى غاية وكل ما سوى الله مخلوق حادث كائن بعد أن لم يكن وإن كان كل حادث قبله حادث كما يقوله من يقوله في الأمور القائمة بذاته من إرادات أو غيرها فإن تسلسل الحوادث ودوامها إن كان ممكنا فهذا ممكن وإن كان ممتنعا لزم إمتناع قدم الفلك فعلى التقديرين لا يلزم قدم الفلك ولا حجة لكم على قدمه مع أن الرسل قد أخبرت بأنه مخلوق فما الذي أوجب مخالفة ما أتفقت عليه الرسل وأهل الملل وأساطين الفلاسفة القدماء من غير أن يقوم على مخالفته دليل عقلي أصلا إذ غاية ما يقولونه إنما هو إثبات قدم نوع الفعل لا عينه فإن جميع ما يحتج به القائلون بقدم العالم لا يدل على قدم شيء بعينه من

1

221

العالم بل إذا قالوا اعتبار أسباب الفعل وهو الفاعل والغاية والمادة والصورة يدل على قدم الفعل فإنما يدل ذلك إن دل على قدم نوعه لا عينه وقدم نوعه ممكن مع القول بموجب سائر الأدلة العقلية الدالة على أن الفعل لا يكون إلا حادثا وإن كان حادثا شيئا بعد شيء وأن الفاعل مطلقا أو الفاعل بالاختيار لا يكون فعله إلا حادثا ولو كان شيئا بعد شيء وأن دوام الحوادث لمخلوق معين قديم أزلي ممتنع وكذلك المفعول المعين المقارن لفاعله لم يزل معه ممتنع مع أن الرسل قد أخبرت بأن الله تعالى خالق كل شيء وأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام فكيف عدلتم عن صحيح المنقول وصريح المعقول إلى ما يناقضه بل أثبتم قدم ما لا يدل دليل إلا على حدوثه لا على قدمه ثم يقال لهؤلاء أيضا إذا كان الرب فاعلا بإراداته كما سلمتموه وكما دلت عليه الأدلة بل إذا كان فاعلا كما سلمتموه أنتم وإخوانكم القائلون بأنه قديم عن موجب قديم وموجبه فاعله فلا يعقل فاعل مفعوله مقارن له لم يتقدم عليه بزمان ابتداء بل تقدير هذا في العقل تقدير لا يعقل

1

222

وأنتم شنعتم على مخالفيكم لما أثبتوا حدوثا في غير زمان وقلتم هذا لا يعقل فيقال لكم ولا يعقل أيضا فعل في غير زمان أصلا ولا يعقل مفعول مقارن لفاعله لم يتقدم عليه بزمان أصلا وما ذكرتموه من أن التقدم بالذات أمر معقول وهو تقدم العلة على المعلول أمر قدرتموه في الأذهان لا وجود له في الأعيان فلا يعقل في الخارج فاعل يقارنه مفعوله سواء سميتموه علة تامة أو لم تسموه وما تذكرونه من كون الشمس فاعله للشعاع وهو مقارن لها في الزمان مبني على مقدمتين على أن مجرد الشمس هي الفاعله وأنه مقارن لها بالزمان وكلتا المقدمتين باطلة فمعلوم أن الشعاع لا يكفي في حدوثه مجرد الشمس بل لا بد من حدوث جسم قابل له ولا بد مع ذلك من زوال الموانع وأيضا فلا نسلم لكم أن الشعاع مقارن للشمس في الزمان بل قد يقال إنه متأخر عنها ولو بجزء يسير من الزمان وهكذا ما تمثلون به من قول القائل حركت يدي فتحرك المفتاح أوكمى مبنى على هاتين المقدمتين الباطلتين فمن الذي يسلم أن حركة اليد هي العلة التامة لحركة الكم والمفتاح بل الفاعل للحركتين واحد لكن تحريكه للثاني

1

223

مشروط بتحريكه الأول فالحركة الأولى شرط في الثانية لا فاعلة لها والشرط يجوز أن يقارن المشروط وإذا قدر أن أحدهما فاعل للآخر لم يسلم أنه مقارن له في الزمان بل يعقل تحريك الإنسان لما قرب منه قبل تحريكه لما بعد منه فتحريكه لشعر جلده متقدم على تحريكه لباطن ثيابه وتحريكه لباطن ثيابه متقدم على تحريكه لظاهرها وتحريكه لقدمه متقدم على تحريكه لنعله وتحريكه ليده متقدم على تحريكه لكمه والمقارنة يراد بها شيئان أحدهما الاتصال كاتصال أجزاء الزمان وأجزاء الحركة الحادثة شيئا بعد شئ فكل واحد يكون متصلا بالآخر يقال إنه مقارن له لإتصاله به وإن كان عقبه يقال أيضا لما هو معه من غير تقدم في الزمان أصلا ومعلوم أن الأجسام المتصل بعضها ببعض إذا كان مبدأ الحركة من أحد طرفيها فإن الحركة تحصل فيها شيئا بعذ شئ فهي متصلة مقترنة بالاعتبار الأول ولا يقال إنها مقترنة في الزمان بالمعنى الثاني ومبدأ ما يحركه الإنسان منه فإذا حرك يده تحرك الكم المتصل بها وتحرك ما اتصل بالكم لكن حركة اليد قبل حركة الكم مع اتصالها وهكذا سائر النظائر

1

224

والإنسان إذا حرك حبلا بسرعة فإنه تتصل الحركة بعضها ببعض مع العلم بأن الطرف الذي يلي يده تحرك قبل الطرف الآخر ولا يعقل قط فعل من الأفعال إلا حادثا شيئا بعد شئ لا يعقل فعل مقارن لفاعله في الزمان أصلا وإذا قيل إن الفاعل لم يزل فاعلا كان المعقول منه أنه لم يزل يحدث شيئا بعد شئ لم يعقل منه أنه لم يزل مفعوله المعين مقارنا له لم يتقدم عليه بزمان أصلا وأيضا فالرب تعالى إذا لم يحدث شيئا إلا بقدرته ومشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون سورة يس فلا بد أن يريد الفعل قبل أن يفعله ولا بد أن يكون الفعل قبل المفعول وإن كانت لإرادة والفعل موجودين عند وجود المفعول كما يقول أهل السنة إن القدرة لا بد أن تكون مع الفعل لكن إذا قيل لم يزل المفعول لازما للفاعل لم يكن فرق بين الصفة القائمة به وبين المفعول المخلوق له فلا يكون فرق بين حياته وبين مخلوقاته بل ولا بين الخالق والمخلوق والعقلاء يعلمون الفرق بين ما يفعله الفاعل لا سيما ما يفعله

1

225

باختياره وبين ما هو صفة له من لوازم ذاته ويعلمون أن لون الإنسان وطوله وعرضه ليس مرادا له ولا مقدورا له ولا مفعولا له لأنه لازم له لا يدخل تحت قدرته ومشيئته وأما أفعاله الداخلة تحت قدرته ومشيئته فهي أفعال له مقدورة مرادة فإذا قدر أن هذه لازمة لذاته كاللون والقدر كان هذا غير معقول بل كان هذا مما يعلم به أن هذه ليست أفعال له ولا مفعولات بل صفات له وأيضا فإذا كان العالم لم يخل من نوع الحوادث كما سلمتموه وكما يقوم عليه البرهان بل كما اتفق عليه جماهير العقلاء لم يمكن فعل العالم بدون الحوادث لامتناع وجود الملزوم بدون اللازم ولم يمكن أن يكون ملزوم الحوادث المصنوع المفعول قديما وكل جزء من أجزاء العالم يمتنع أن يخلو من الحوادث وما يدعيه هؤلاء المتفلسفة من أن العقول خالية عن الحوادث من أبطل الكلام لو كان للعقول وجود في الخارج فكيف ولا حقيقة لها في الخارج وذلك أن معلول العقول عندهم وهي النفوس

1

226

الفلكية أو الأفلاك أو ما شئت من العالم مستلزم للحوادث فإن النفوس والأفلاك لا يمكن خلوها من الحوادث عندهم ولو خلت لم تكن نفوسا بل تكون عقولا وحينئذ فإذا كان المعلول لم يخل عن الحوادث لزم أن تكون علته لم تخل من الحوادث وإلا لزم حدوث الحوادث في المعلول بلا علة وهو ممتنع فإنه لا بد للحوادث من سبب تحدث عنده فإن لم يكن في علة النفوس والأفلاك ما يقتضي ذلك بطل أن تكون علة لها لامتناع صدور الحوادث المختلفة عن علة بسيطة على حال واحدة وهذا مما استدل به أئمتهم وغير أئمتهم القائلون بأن الرب تقوم به الأمور الاختيارية قالوا لأن المفعولات فيها من التنوع والحدوث ما يوجب أن يكون سبب ذلك عن الفاعل وإلا لزم حدوث الحوادث بلا محدث وإذا كان كل جزء من أجزاء العالم ملزوما للحوادث وهو مصنوع فإبداعه بدون الحوادث ممتنع وإحداث الحوادث شيئا بعد شيء مع قدم ذات محلها المعلول ممتنع لأن القديم الموجب

1

227

لذاته لا يوجها إلا مع الحوادث فلا يكون موجبا لها قط إلا مع فعل حادث يقوم به وإذا كان لا يفعل إلا بفعل حادث امتنع أن يكون المفعول قديما لأن قدم المفعول يقتضي قدم الفعل بالضرورة وإذا قيل فعل الملزوم قديم وفعل الحوادث حادث شيئا بعد شيء لزم أن يقوم بذات الفاعل فعلان أحدهما فعل للذات القديمة وهو قديم بقدمها دائم بدوامها والآخر أفعال لحوادثها وهي حادثة شيئا بعد شيء فتكون ذات الفاعل فاعلة للملزوم بفعل وفاعلة للازم بفعل آخر أو أفعال وفعلها للملزوم يوجب فعلها للازم لامتناع انفكاك الملزوم عن اللازم وإرادتها للملزوم توجب إرادتها للازم لأن المريد للملزوم العالم بأن هذا يلزمه إن لم يرد اللازم لكان إما غير مريد لوجود الملزوم وإما غير عالم بالملزوم والرب تعالى مريد للملزوم وعالم بالملزوم فيمتنع أن يريد الملزوم دون اللازم وهذا وإن كان لا بد منه فيما يريد إحداثه ويريد أن يحدث له حوادث متعاقبة كما يحدث الإنسان ويحدث له أحوالا متجددة شيئا بعد شيء ويحدث الأفلاك ويحدث حوادثها شيئا بعد شيء لكنه إذا فرض أن الملزوم غير محدث له لم يعقل كونه مفعولا له ولا يعقل أيضا كونه معلولا له قديما بقدمه فإن المعلول له صفات ومقادير

1

228

مختصة به والعلة المجردة عن الأحوال الاختيارية إنما تستلزم ما يكون من لوازمها وإنما يكون من لوازمها ما يناسبها مناسبة المعلول لعلته والمعلول فيه من الأقدار والأعداد والصفات المختلفة ما يمتنع وجود ما يشابه ذلك في علته فتمتنع المناسبة وإذا امتنعت المناسبة امتنع كونه علة له وأيضا فإذا قدر أنها موجب أزلي للمعلول الأزلي كان إيجابها له إما بالذات مجردة عن أحوالها المتعاقبة وإما مع أحوالها والأول ممتنع فإن خلو الذات عن لوازمها ممتنع والثاني ممتنع لأن الذات المستلزمة لصفاتها وأحوالها لا تفعل إلا بصفاتها وأحوالها والأحوال المتعاقبة يمتنع أن يكون لها معلول معين قديم أزلي ويمتنع أن تكون شرطا في المعلول الأزلي لأن المعلول الأزلي لا بد أن يكون مجموع علة أزلية والأحوال المتعاقبة لا يكون مجموعها ولا شيء منها أزليا وإنما الأزلي هو النوع القديم الذي يوجد شيئا فشيئا وهذا يمتنع أن يكون شرطا في الأزل وهذا كما لو قيل إن الفلك المتحرك دائما يوجب ذاتا أزلية متحركة أو غير متحركة فإن هذا ممتنع عندهم وعند غيرهم فإن ما كان فعله مشروطا بالحركة يمتنع أن يكون مفعوله المعين قديما ولو قدر أن

1

229

المتحرك الأزلي يوجب متحركا أزليا لم يوجب إلا ما يناسبه وأما المتحركات المختلفة في قدرها وصفاتها وحركاتها فيمتنع صدورها عن متحرك حركة متشابهة وأيضا فإن المفعول المخلوق مفتقر إلى الفاعل من جميع الوجوه ليس له شيء إلا من الفاعل والفاعل الخالق غني عنه من جميع الوجوه واقترانهما أزلا وأبدا يمنع كون أحدهما فاعلا غنيا والآخر مفعولا فقيرا بل يمنع كونه متولدا عنه ويوجب كونه صفة له فإن الولد وإن تولد عن والده بغير قدرته وإرادته واختياره ومشيئته فهو حادث عنه وأما كون المتولد عن الشيء ملازما للمتولد عنه مقارنا له في وجوده فهذا أيضا لا يعقل ولهذا كان قول من قال من مشركي العرب إن الملائكة أولاد الله وإنهم بناته مع ما في قولهم من الكفر والجهل فقول هؤلاء أكفر منه من وجوه فإن اولئك يقولون إن الملائكة حادثة كائنة بعد أن لم تكن وكانوا يقولون إن الله خلق السماوات والأرض لم يكونوا يقولون بقدم العالم وأما هؤلاء فيقولون إن العقول والنفوس التي يسمونها الملائكة

1

230

والسماوات قديمة بقدم الله لم يزل الله والدا لها فهم مع قولهم بأن الله ولدها يقولون لم تزل معه وهذا أمر لا يعقل لا في الولد ولا في الفعل فكان قولهم مخالفا لما تعرفه العقول من جميع الجهات وسر الأمر أنهم جمعوا بين النقيضين فأثبتوا فعلا وصنعا وإبداعا من غير إبداع ولا صنع ولا فعل وقولهم في فعل الرب كقولهم في ذاته وصفاته فأثبتوا واجب الوجود ووصفوه بما يستلزم أن يكون ممتنع الوجود وأثبتوا صفاته وقالوا فيها ما يوجب نفي صفاته فهم دائما يجمعون في أقوالهم بين النقيضين وذلك أنهم في الأصل معطلة محضة ولكن أثبتوا ضربا من الإثبات وأرادوا أن يجمعوا بين الإثبات والتعطيل فلزمهم التناقض ولهذا يمتنعون من أن يوصف بنفي أو إثبات فمنهم من يقول لا يقال هو موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت وقد يقولون لا يقال هو موجود ولا يقال ليس بموجود ولا يقال هو حي ولا يقال ليس بحي فيرفعون النقيضين جميعا أو يمتنعون من إثبات أحد النقيضين ورفع النقيضين ممتنع كما أن جمع النقيضين ممتنع والامتناع من إثبات أحد النقيضين هو الإمساك عن النفي والإثبات

1

231

والحق والباطل وذلك جهل وامتناع عن معرفة الحق والتكلم به ومدار ذلك على أن الله لا يعرف ولا يذكر ولا يمجد ولا يعبد وهو من أنواع السفسطة فإن السفسطة منها ما هو نفي للحق ومنها ما هو نفي للعلم به ومنها ما هو تجاهل وامتناع عن إثباته ونفيه ويسمى أصحاب هذا القول اللاأدرية لقولهم لا ندري كما قال فرعون وما رب العالمين سورة الشعراء متجاهلا أنه لا يعرفه وأنه منكور لا يعرف فخاطبة موسى بما بين له أنه أعرف من أن ينكر وأعظم من أن يجحد فقال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين سورة الشعراء وكذلك قالت الرسل لمن قال من قومهم إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم سورة إبراهيم إلى أمثال ذلك وهذا المقام مبسوط في موضعه ولكن نبهنا عليه هنا لاتصال الكلام به والمقصود هنا أنه إذا جوزنا حدوث الحوادث بلا سبب حادث امتنع القول بقدم العالم كما سنبين امتناع ذلك على القول بامتناع حدوث

1

232

الحوادث بلا سبب فيلزم القول بامتناع قدمه على التقديرين فيلزم امتناع القول بقدمه على تقدير النقيضين وهو المطلوب وهذا التقدير الذي نريد أن نتكلم عليه وهو تقدير إمكان دوام الحوادث وتسلسلها وإمكان حوادث لا أول لها وعلى هذا القول فيمتنع حدوث حادث بلا سبب حادث بالضرورة واتفاق العقلاء فيما نعلم لأن ذلك ترجيح لأحد طرفي الممكن بلا مرجح تام مع إمكان المرجح التام وحدوث الحوادث بلا سبب حادث مع إمكان حدوث السبب الحادث دائما وهذا لم يقله أحد من العقلاء فيما نعلم وهو باطل لأن ذلك يقتضي ترجيح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح وذلك لأنه إذا كان نسبة الحادث المعين إلى جميع الأوقات نسبة واحدة ونسبتها إلى قدرة الفاعل القديم وإرادته في جميع الأحوال نسبة واحدة والفاعل على حال واحدة لم يزل عليها كان من المعلوم بالضرورة أن تخصيص وقت بدون وقت بالإحداث ترجيح لأحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح وأيضا فإذا قيل إن هذا جائز ونحن نتكلم على تقدير جواز دوام الحوادث جاز أن يريد حادثا بعد حادث لا إلى أول لا يقتضى أن يريد حادثا بعينه في الأزل لأن وجود الحادث المعين في الأزل محال

1

233

بالضرورة واتفاق العقلاء فإن المحدث المعين لا يكون قديما إذ هذا جمع بين النقيضين وإنما النزاع في دوام نوع الحوادث لا في قدم حادث معين وفي الجملة فإذا قيل بجواز دوام الحوادث وأن نوعها قديم لم يقل إن نوعها حادث بعد أن لم يكن فإن ما جاز قدمه امتنع عدمه والمراد هنا الجواز الخارجي لا مجرد الجواز الذهني الذي هو عدم العلم بالامتناع فإن ذلك لا يدل على قدم شيء بخلاف الأول وهو العلم بإمكان قدمه لأنه إذا جاز قدمه لم يكن إلا لوجوبه بنفسه أو لصدوره عن واجب الوجود وعلى التقديرين فما كان واجبا بنفسه أو لازما للواجب بنفسه لزم كونه قديما وامتنع كونه معدوما لأن الواجب بنفسه يجب قدمه ويمتنع عدمه ويمتنع وجود الملزوم بدون اللازم فيجب قدم لوازمه ويمتنع عدمها وإذا قيل بجواز دوام الحوادث جاز قدم نوعها وإنما يجوز قدمها ويمتنع عدم نوعها إذا كان له موجب أزلي وحينئذ فيجب قدم نوعها ويمتنع عدم نوعها فلا يجب أن يكون بعض العالم أزليا ثم إنه

1

234

يحدث فيه الحوادث مع القول بجواز دوامها بل يمتنع ذلك كما تقدم وهذه كلها مقدمات بينة لمن تدبرها وفهمها فتبين أنه لو كان شيء من العالم أزليا قديما للزم أن يكون فاعله موجبا بالذات ولو كان فاعل العالم موجبا بالذات لم يحدث في العالم شيء من الحوادث والحوادث فيه مشهودة فامتنع أن يكون فاعل العالم موجبا بذاته فامتنع أن يكون العالم قديما كما قاله أولئك الدهرية بل ويمتنع أيضا أن يكون المعين الذي هو مفعول الفاعل أزليا لا سيما مع العلم بأنه فاعل باختياره فيمتنع أن يكون في العالم شيء أزلي على هذا التقدير الذي هو تقدير إمكان الحوادث ودوامها وامتناع صدور الحوادث بلا سبب حادث وإذا قيل إن فاعل العالم قادر مختار كما هو مذهب المسلمين وسائر أهل الملل وأساطين الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطو فإنه لا بد أن يكون الفاعل المبدع مريدا لمفعولاته حين فعله لها كما قال تعالى إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون سورة النحل ولا يكفي وجود إرادة قديمة تتناول جميع المتجددات بدون تجدد إرادة ذلك الحادث المعين لأنه على هذا التقدير يلزم جواز حدوث الحوادث بلا سبب حادث

1

235

ونحن نتكلم على التقدير الآخر وهو امتناع حدوثها بدون سبب حادث وإذا كان على هذا التقدير لا بد من ثبوت الإرادة عند وجود المراد ولا بد من إرادة مقارنة للمراد مستلزمة له آمتنع أن يكون في الأزل إرادة يقارنها مرادها سواء كانت عامة لكل ما يصدر عنه أو كانت خاصة ببعض المفعولات فإن مرادها هو مفعول الرب وهذه الإرادة هي إرادة أن يفعل ومعلوم أن الشيء الذي يريد الفاعل أن يفعله لا يكون شيئا قديما أزليا لم يزل ولا يزال بل لا يكون إلا حادثا بعد أن لم يكن وهذا معلوم بضرورة العقل عند عامة العقلاء وهو متفق عليه عند نظار الأمم المسلمين وغير المسلمين وجماهير الفلاسفة الأولين والآخرين حتى ارسطو وأتباعه ولم ينازع في ذلك إلا شرذمة قليلة من المتفلسفة جوز بعضهم أن يكون مفعولا ممكنا وهو قديم أزلي كابن سينا وأمثاله وجوز بعضهم مع ذلك أن يكون مرادا وأما جماهير العقلاء فيقولون إن فساد كل من هذين القولين معلوم بضرورة العقل حتى المنتصرون لأرسطو وأتباعه كابن رشد الحفيد وغيره أنكروا كون الممكن يكون قديما أزليا على إخوانهم كابن سينا وبينوا أنهم خالفوا في هذا القول أرسطو وأتباعه وهو كما قال هؤلاء

1

236

وكلام ارسطو بين في ذلك في مقالة اللام التي هي آخر كلامه في علم ما بعد الطبيعة وغير ذلك وأرسطو وقدماء أصحابه مع سائر العقلاء يقولون إن الممكن الذي يمكن وجوده وعدمه لا يكون إلا محدثا كائنا بعد أن لم يكن والمفعول لا يكون إلا محدثا وهم إذا قالوا بقدم الأفلاك لم يقولوا إنها ممكنة ولا مفعولة ولا مخلوقة بل يقولون إنها تتحرك للتشبه بالعلة الأولى فهي محتاجة إلى العلة الأولى التي يسميها ابن سينا وأمثاله واجب الوجود من جهة أنه لا بد في حركتها من التشبه به فهو لها من جنس العلة الغائية لا أنه علة فاعلة لها عند أرسطو وذويه وهذا القول وإن كان من أعظم الأقوال كفرا وضلالا ومخالفة لما عليه جماهير العقلاء من الأولين والآخرين ولهذا عدل متأخروا الفلاسفة عنه وأدعوا موجبا وموجبا كما زعمه ابن سينا وأمثاله

1

237

وأساطين الفلاسفة قبل أرسطو لم يكونوا يقولون بقدم العالم بل كانوا مقرين بأن الأفلاك محدثة كائنة بعد أن لم تكن مع نزاع منتشر لهم في المادة فالمقصود هنا أن هؤلاء مع ما فيهم من الضلال لم يرضوا لأنفسهم أن يجعلوا الممكن الذي يمكن وجوده وعدمه قديما أزليا بل قالوا إنه لا يكون إلا محدثا ولا رضوا لأنفسهم أن يقولوا إن المفعول المصنوع المبدع قديم أزلي ولا أن المراد الذي أراد الباري فعله هو قديم أزلي فإن فساد هذه الأقوال ظاهر في بداية العقول وإنما ألجأ إليها من قالها من متأخريهم ما التزموه من الأقوال المتناقضة التي ألجأتهم إليها كما أن كثيرا من أهل الكلام ألجأتهم أصول لهم فيها إلى أقوال يعلم فسادها بضرورة العقل مثل إرادة أو كلام لا في محل ومثل شيء واحد بالعين يكون حقائق متنوعة ومثل أمر سبق بعضه بعضا يكون قديم الأعيان لم يزل كل شيء منه قديما أزليا وأمثال ذلك وما يذكره الرازي وأمثاله في هذه المسألة وغيرها من إجماع الحكماء كدعواه إجماعهم على علة الافتقار هي الإمكان وأن الممكن المعلول يكون قديما أزليا فهو إنما يذكر ما وجده في كتب ابن سينا ويظن أن هذا إجماع الفلاسفة

1

238

ولما كان كون المفعول لا يعقل إلا بعد العدم ظاهرا كان الفلاسفة يجعلون من جملة علل الفعل العدم ويجعلون العدم من جملة المبادىء وعندهم من جملة الأجناس العالية للأعراض أن يفعل وأن ينفعل ويعبرون عنهما بالفعل والانفعال فإذا قيل إن البارىء فعل شيئا من العالم لزم أن يقوم به أن يفعل وهو الفعل فيقوم به الصفات التي سموها الأعراض ولزم أن الفعل لا يكون إلا بعد عدم لا يكون مع كون المفعول قديما أزليا وقالوا لما كان ما يسمونه الحركة أو التغير أو الفعل محتاجا إلى العدم والعدم ليس بمحتاج إليه كان العدم مبدءا له بهذا الاعتبار ومرادهم أنه شرط في ذلك فإنه لا يكون حركة ولا فعل ونحو ذلك مما قد يسمونه تغيرا واستكمالا إلا بوجود بعد عدم إما عدم ما كان موجودا وإما عدم مستمر كعدم المستكمل ما كان معدوما له ثم حصل فإذن هذا المتغير والمستكمل والمتحرك والمفعول محتاج إلى العدم والعدم غير محتاج إليه فصار العدم مبدءا له بهذا الاعتبار ولهذا كان الفعل والانفعال المعروف في العالم إنما هو ما يحدث من تأثير الفاعل وتأثير الفعل لا يعقل فعل ولا انفعال بدون حدوث شيء بعد عدم

1

239

ثم هؤلاء الشذوذ من المتأخرين الذين زعموا أن الفعل لا يشترط فيه تقدم العدم قد ذكروا لهم حججا ذكرها ابن سينا وغيره من متأخريهم واستقصاها الرازي في مباحثه المشرقية وذكر في ذلك ما سماه عشرة براهين وكلها باطلة قال الأول المحتاج إلى العدم السابق إما أن يكون هو وجود الفعل وإما أن يكون هو تأثير الفاعل فيه ومحال أن يكون المفتقر إلى العدم السابق هو وجود الفعل لأن الفعل لو افتقر في وجوده إلى العدم لكان ذلك العدم مقارنا له والعدم المقارن مناف لذلك الوجود ومحال أن يكون المفتقر إليه تأثير الفاعل لأن تأثير الفاعل يجب أن يكون مقارنا للأثر ووجود الأثر ينافي عدمه والمنافي لما يجب أن يكون مقارنا يجب أن يكون منافيا والمنافي لا يكون شرطا فإذن لا الفعل

1

240

في كونه موجودا ولا حاصلا ولا الفاعل في كونه مؤثرا يفتقر إلى العدم المنافى فيقال في الجواب إنه ليس المراد بكون المفعول أو فعل الفاعل مفتقرا إلى العدم أن العدم مؤثر فيه حتى يجب أن يكون مقارنا له بل المراد أنه لا يكون إلا بعد العدم كما قالوا هم إن العدم من جملة المبادىء سواء جعلوه مبدءا لمطلق الفعل أو الحركة أو الحركة والتغير والاستكمال فالمقصود أنهم جعلوا ذلك مفتقرا إلى العدم بمعنى أنه لا يكون إلا بعد عدم شيء لا بمعنى أن العدم مقارن له ومعلوم أنه إذا قيل إن الحركة لا تكون إلا شيئا بعد شيء أو الصوت كان الحادث من ذلك موقوفا على وجود ما قبله وإن لم يكن مقارنا له وأيضا فالشيء المعدوم إذا عدم بعد وجوده كان هذا العدم الحادث مفتقرا إلى ذلك الوجود السابق ولم يكن مقارنا له وأيضا فهذا الذي قاله يلزمه في كل ما يحدث فإن كل ما يحدث فإنما يحدث بعد عدمه فحدوثه متوقف على عدمه السابق لوجوده مع أن ذلك العدم ليس مقارنا له فإن طردوا حجتهم لزمهم

1

241

أن لا يحدث حادث وهذه مكابرة وهذا شأنهم في عامة حججهم التي يذكرونها في قدم العالم فإن مقتضاها أن لا يحدث شيء وحدوث الحوادث في العالم مشهود فكانت حججهم مما يعلم أنها من جنس شبه السوفسطائية وهذا كحجتهم العظمى التي يحتجون بها على أنه مؤثر تام في الأزل وأن المؤثر التام يستلزم أثره فإن مقتضاها أن لا يحدث شيء وهم ضلوا حيث لم يفرقوا بين مطلق المؤثر وبين المؤثر في كل ممكن فإذا قالوا كونه مؤثرا إما أن يكون لذاته المخصوصة أو لأمر لازم لها أو لأمر منفصل عنها والثالث ممتنع لأن ذلك المنفصل هو من جملة آثاره فيمتنع أن يكون مؤثرا فيه لامتناع الدور في العلل وعلى الأول والثاني يلزم دوام كونه مؤثرا قيل لهم كونه مؤثرا يراد به أنه مؤثر في وجود كل ما صدر عنه ويراد به أنه مؤثر في شيء معين من العالم ويراد به أنه مؤثر في الجملة مثل أن يكون مؤثرا في شيء بعد شيء

1

242

والأول والثاني ممتنعان في الأزل لا سيما الأول فإنه لا يقوله عاقل والحجة لا تدل على تأثيره في كل شيء في الأزل ولا في شيء معين في الأزل وأما الثالث فيناقض قولهم لا يوافقه بل يقتضي حدوث كل ما سواه فإذا كان تأثيره من لوازم ذاته والحوادث مشهودة بل التأثير لا يعقل إلا مع الإحداث كان الإحداث الثاني مشروطا بسبق الأول وبأنقصائه أيضا وذلك من لوازم ذاته شيئا بعد شيء فلا يكون في الحجة ما يدل على قولهم ولا على ما يناقض ما أخبرت به الرسل وإن دل على بطلان قول طائفة من أهل الكلام المحدث في دين الإسلام من الجهمية والقدرية ومن اتبعهم وكذلك ما يحتجون به على بطلان الإحداث والتأثير ونحو ذلك من الشبه المقتضية نفي التأثير ونفي ترجيح وجود الممكن على عدمه ونفي كونه فاعلا لحكمة أو لا لحكمة وغير ذلك مما يذكر في هذا الباب فإن جميعها تقتضي أن لا يحدث في العالم حادث وهذا خلاف المشاهدة وكل حجة تقتضي خلاف المشهود فهي من جنس حجج السفسطة وهو كلهم متفقون على أن العدم من جملة العلل وهو مأخوذ عن

1

243

أرسطو قال أرسطو في مقالة اللام التي هي منتهى فلسفته وهي علم ما بعد الطبيعة وأما على طريق المناسبة فأخلق بنا إن نحن اتبعنا ما وصفنا ان نبين أن مبادىء جميع الأشياء الموجودة الثلاثة العنصر والصورة والعدم مثال ذلك في الجوهر المحسوس أن الحر نظير الصورة والبرد نظير العدم والعنصر هو الذي له هذان بالقوة وفي باب الكيف يكون البياض نظير الصورة والسواد نظير العدم والشيء الموضوع لهما هو السطح في قياس العنصر ويكون الضوء نظير الصورة والظلمة نظير العدم والجسم القابل للضوء هو الموضوع لهما فليس يمكن على الإطلاق أن تجد عناصر هي بأعيانها عناصر لجميع الأشياء وأما على طريق المناسبة والمقايسة فأخلق بها أن توجد قال وليس طلبنا الآن طلب عنصر الأشياء الموجودة لكن قصدنا إنما هو طلب مبدئها وكلاهما سبب لها إلا أن المبدأ قد يجوز أن يوجد خارجا عن الشيء مثل السبب المحرك وأما العناصر فلا يجوز أن تكون إلا في الأشياء التي هي منها وما كان عنصرا فليس مانع يمنع من أن يقال له مبدأ وما كان مبدءا فليس له عنصر لا محالة وذلك أن المبدأ المحرك قد يجوز أن يكون خارجا عن المحرك ولكن المحرك القريب من الأشياء الطبيعية هو مثل الصورة وذلك أن

1

244

الإنسان إنما يلده إنسان وأما في الأشياء الوهمية فالصورة أو العدم مثال ذلك الطب والجهل به والبناء والجهل به وفي كثير من الأمور يكون السبب المحرك هو الصورة من ذلك أن الطب من وجه ما هو الصحة لأنها المحركة وصورة البيت من وجه ما هي البناء والإنسان إنما يلده إنسان وليس قصدنا لطلب المحرك القريب لكن قصدنا للمحرك الأول الذي منه يتحرك جميع الأشياء فالأمر فيه بين أنه جوهر وذلك أنه مبدأ الجواهر ولا يجوز أن يكون مبدأ الجواهر إلا جوهرا وهو مبدأ الجواهر ومبدأ جميع الأشياء الموجودة ولم يكن التهيب من التصريح بهذا فيما تقدم صوابا فإن سائر الأشياء إنما هي أحداث وحالات للجوهر وحركات له وينبغي أن نبحث عن هذا الجوهر الذي يحرك الجسم كله ما هو هل يجب أن نضع أنه نفس أو أنه عقل أو أنه غيرهما بعد أن نحذر ونتوقى أن نحكم على المبدأ الأول بشيء من الأعراض التي تلزم الأواخر من الأشياء الموجودة ولكنه قد يوجد في أواخر الأشياء الموجودة ما هو بالقوة وأن يكون الشيء في الأوقات المختلفة على حالات مختلفة وأن لا يكون دائما على حال واحدة والأشياء التي تقبل الكون والفساد هي التي توجد بهذه الحال فإنك تجد الشيء فيها بعينه مرة بالقوة ومرة بالفعل

1

245

مثال ذلك أن الخمر توجد بالفعل بعد أن تغلى وتسكر وقد تكون موجودة بالقوة في وقت آخر إذا كانت الرطوبة التي فيها تتولد إنما هي في نفس الكرم واللحم وربما كان بالفعل وربما كان بالقوة في العناصر التي عنها تتولد وإذا قلنا بالقوة أو بالفعل فليس نعني شيئا غير الصورة والعنصر ونعني بالصورة التي يمكن أن تنفرد من المركب من الصورة والعنصر فأما المنفرد فمثل الضوء والظلمة إذ كان يمكن فيها أن تنفرد عن الهواء والمركب منهما فمثل البدن الصحيح والبدن السقيم وأعني بالعنصر الشيء الذي يمكن فيه أن يحتمل الحالتين كلتيهما مثل البدن فربما كان صحيحا وربما كان سقيما فهذا الشيء الذي بالفعل والذي بالقوة قد يختلف لا في العناصر الموجودة في الأشياء المركبة منهما أعني من الصورة والعنصر لكن في الأشياء الخارجة عن الأشياء المركبة أيضا التي لم يكن عنصرها عنصر الأشياء التي تكون عنها ولا صورتها لكن غيرها فينبغي أن يكون هذا الأمر قائما في وهمك إذا قصدت البحث عن السبب الأول أن بعض العلل المحركة موافقة في الصورة للشيء المتحرك قريبة منه وبعضها أبعد منه أما العلة القريبة فمثل الأب

1

246

وأما الشمس فهي علة أبعد وأبعد من الشمس الفلك المائل وهذه الأشياء ليست عللا على طريق عنصر الشيء الحادث أو على طريق صورة ولا على طريق عدم لكنها إنما هي محركة وهي محركة لا على أنها موافقة في الصورة قريبة مثل الأب لكنها أبعد وأقوى فعلا إذا كانت هي ابتداء العلل القريبة أيضا وذكر كلاما آخر ليس هذا موضع بسطه ثم ذكر الرازي البرهان الثاني وهو أن الفعل ممكن الوجود في الأزل لثلاثة أوجه أحدها أنه لو لم يكن كذلك لكان ممتنعا ثم صار ممكنا ولكان الممتنع لذاته قد انقلب ممكنا لذاته وهذا يرفع الأمان عن القضايا العقلية

1

247

وثانيهما أنه ممكن فيما لا يزال فإن كان إمكانه لذاته أو لعلة دائمة لزم دوام الإمكان وإن كان لعلة حادثة كان باطلا لأن الكلام في إمكان حدوث تلك العلة كالكلام في إمكان حدوث غيرها فيلزم دوام إمكان الفعل وثالثها أن امتناع الفعل إن كان لذاته أو لسبب واجب لذاته لزم دوام الامتناع وهو باطل بالحس والضرورة وإجماع العقلاء لوجود الممكنات وإن كان لسبب غير واجب امتنع كونه قديما فإن ما وجب قدمه امتنع عدمه ثم الكلام فيه كالكلام في الأول فكونه ممتنعا في الأزل لعلة حادثة ظاهر البطلان فإن القديم لا يكون لعلة حادثة قال فثبت أنه لا يمكن دعوى امتناع حصول الممكنات في الأزل ولا يمكن أن يقال المؤثر ما كان يمكن أن يؤثر فيه ثم صار يمكن فإن القول في امتناع التأثير وإمكانه كالقول في امتناع وجود الأثر وإمكانه قال فثبت أن استناد الممكنات إلى المؤثر لا يقتضي تقدم العدم عليها

1

248

قال وعلى هذه الطريقة إشكال لأنا نقول الحادث إذا اعتبرناه من حيث كونه مسبوقا بالعدم فهو مع هذا الشرط لا يمكن أن يقال بأن إمكانه يتخصص بوقت دون وقت لما ذكرتموه من الأدلة فإذن إمكانه ثابت دائما ثم لا يلزم من دوام إمكانه خروجه عن الحدوث لأنا لما أخذناه من حيث كونه مسبوقا بالعدم كانت مسبوقيته بالعدم جزءا ذاتيا له والجزء الذاتي لا يرفع وإذا لم يلزم من إمكان حدوث الحادث من حيث إنه حادث خروجه عن كونه حادثا فقد بطلت هذه الحجة قال فهذا شك لا بد من حله قلت فيقال هذا الشك هو المعارضة التي اعتمد عليها في كتبه الكلامية كالأربعين وغيره وعليها اعتمد الآمدي في دقائق الحقائق وغيره وهي باطلة لوجهين أحدهما أنه ليس فيها جواب عن حجتهم بل هي معارضة محضة الثاني أن يقال قوله الحادث

1

249

إذا اعتبر من حيث هو حادث أتعني به إذا قدر أن الحوادث كلها لها أول فإذا اعتبر مع ذلك إمكانها فلا أول له أم تعني به أن كل حادث تعتبره إذا اعتبر إمكانه فإن عنيت الأول قيل لك لا نسلم إمكان هذا التقدير فإنك قدمت أنه لا بد لكل حادث من أول وجملة الحوادث مسبوقة بالعدم وأن لا يكون الفاعل أحدث شيئا ثم أحدث وقدرت مع ذلك أن إحداثه لم يزل ممكنا ونحن لا نسلم إمكان الجمع بين هذين فأنت إنما منعت دوام كونه محدثا في الأزل لامتناع حوادث لا أول لها ومع امتناع ذلك يستحيل أن يكون الإحداث لم يزل ممكنا فقد قدرت إمكان دوام الحدوث مع امتناع دوامه وهذا تقدير لاجتماع النقيضين وأما إن عنيت بما تقدره حدوث حادث معين فلا نسلم أن إمكانه أزلي بل حدوث كل حادث معين جاز أن يكون مشروطا بشروط تنافي أزليته وهذا هو الواقع كما يعلم ذلك في كثير من الحوادث فإن حدوث ما هو مخلوق من مادة يمتنع قبل وجود المادة ولكن الجواب عن هذه الحجة أنها لا تقتضي إمكان قدم شيء بعينه كما قد بسط في موضع آخر فلا يلزم من ذلك إمكان قدم شيء بعينه من الممكنات وهو المطلوب

1

250

قال الرازي البرهان الثالث الحوادث إذا وجدت واستمرت فهي في حال استمرارها محتاجة إلى المؤثر لأنها ممكنة في حال بقائها كما كانت ممكنة في حال حدوثها والممكن يفتقر إلى المؤثر فيقال هذه الحجة إنما تدل على أن الممكنات المحدثة تحتاج حال بقائها إلى المؤثر ونحن نسلم هذا كما سلمه جمهور النظار من المسلمين وغيرهم وإنما نازع في ذلك طائفة من متكلمي المعتزلة وغيرهم لكن هذا لا يدل على أن الممكن أن يوجد وأن يعدم يمكن مقارنته للفاعل أزلا وأبدا إلا إذا بين إمكان كونه أزليا أبديا مع إمكان وجوده وعدمه وهذا محل النزاع كيف وجمهور العقلاء يقولون لا يعقل ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد إلا ما يكون حادثا وأما القديم الأزلي الواجب بنفسه أو بغيره فلا يعقل فيه أن يمكن أن يوجد وأن لا يوجد فإن عدمه ممتنع وإذا قيل هو باعتبار ذاته يقبل الأمرين قيل عن هذا جوابان أحدهما أنه مبني على أن له حقيقة في الخارج غير وجوده الثابت في الخارج وهذا باطل

1

251

الثاني أنه لو قدر أن الأمر كذلك فمع وجوب موجبه الأزلي يكون واجبا أزلا وأبدا فيمتنع العدم كما يقوله أهل السنة في صفات الرب تعالى وهذا لا يعقل فيه أنه يمكن وجوده وعدمه ولا أن له فاعلا يفعله كما أنه لا يعقل مثل ذلك في الصفات اللازمة للقديم تعالى قال الرازي البرهان الرابع أن افتقار الأثر إلى المؤثر إما لأنه موجود في الحال أو لأنه كان معدوما أو لأنه سبقه عدم ومحال أن يكون العدم السابق هو المقتضى فإن العدم نفي محض فلا حاجة له إلى المؤثر أصلا ومحال أن يكون هو كونه مسبوقا بالعدم لأن كون الوجود مسبوقا بالعدم كيفية تعرض للوجود بعد حصوله على طريق الوجوب لأن وقوعه على نعت المسبوقية بالعدم كيفية لازمة بعد وقوعه فإنه يستحيل أن يقع إلا كذلك والواجب غني عن المؤثر فإذن المفتقر هو الوجود والوجود عارض للماهية فلا يعتبر في افتقاره إلى الفاعل تقدم العدم

1

252

والجواب أن يقال قوله افتقاره إلى المؤثر إما أن يكون لكذا أو لكذا إما أن يريد به إثبات السبب الذي لأجله صار مفتقرا إلى المؤثر وإما أن يريد به إثبات دليل يدل على كونه مفتقرا إلى المؤثر فإن ما يقرن بحرف اللام على جهة التعليل قد يكون علة للوجود في الوجود الخارجي وقد يكون علة للعلم بذلك وثبوته في الذهن وهذا يسمى دليلا وبرهانا وقياس الدلالة وبرهان الدلالة والأول إذا استدل به سمى قياس العلة وبرهان العلة وبرهان لم لأنه يفيد علة الأثر في الخارج وفي الذهن فقول القائل الآفتقار إلى المؤثر إما أن يكون لأجل الحدوث أو الإمكان أو لمجموعهما وما يذكره طائفة من المتأخرين من الأقوال الثلاثة في ذلك فحقيقه أن يقال أتريدون البحث عن نفس العلة الموجبة في نفس الأمر لهذا الافتقار أم البحث عن الدليل الدال على هذا الافتقار فإن أردتم الأول قيل لكم هذا فرع ثبوت كون افتقار المفعول إلى الفاعل إنما هو لعلة أخرى ولم تثبتوا ذلك بل لقائل أن يقول كل ما سوى الله مفتقر اليه لذاته وحقيقته لا لعلة أوجبت كون ذاته وحقيقته مفتقرة إلى الله ومن المعلوم أنه لا يجب في كل حكم وصفة توصف بها الذوات أن تكون ثابتة لعلة فإن هذا يستلزم التسلسل الممتنع

1

253

فإن افتقار كل ما سوى الله إلى الله هو حكم وصفة ثبت لما سواه فكل ما سواه سواء سمى محدثا أو ممكنا أو مخلوقا أو غير ذلك هو مفتقر محتاج إليه لا يمكن استغناؤه عنه بوجه من الوجوه ولا في حال من الأحوال بل كما أن غنى الرب من لوازم ذاته ففقر الممكنات من لوازم ذاتها وهي لا حقيقة لها إلا إذا كانت موجودة فإن المعدوم ليس بشيء فكل ما هو موجود سوى الله فإنه مفتقر إليه دائما حال حدوثه وحال بقائه وإن أريد بعلة الافتقار إلى الفاعل ما يستدل به على ذلك فيقال كون الشيء حادثا بعد أن لم يكن دليل على أنه مفتقر إلى محدث يحدثه وكونه ممكنا لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح تام دليل على أنه مفتقر إلى واجب يبدعه وكونه ممكنا محدثا دليلان لأن كلا منهما دليل على افتقاره وهذه الصفات وغير ذلك من صفاته مثل كونه محدثا وكونه فقيرا وكونه مخلوقا ونحو ذلك تدل على احتياجه إلى خالقه فأدلة احتياجه إلى خالقه كثيرة وهو محتاج إليه لذاته لا لسبب آخر

1

254

وحينئذ فيمكن أن يقال وجوده دليل على افتقاره إلى خالقه وعدمه السابق دليل على افتقاره إلى الخالق وكونه موجودا بعدم العدم دليل على افتقاره إلى الخالق فلا منافاة بين الأقسام وعلى هذا فلا يصح قوله العدم نفى محض فلا حاجة له إلى المؤثر أصلا وذلك أنا إذا جعلنا عدمه دليلا على أنه لا يوجد بعد العدم إلا بفاعل لم يجعل عدمه هو المحتاج إلى المؤثر بل نظار المسلمين يقولون إن الممكن لا يفتقر إلى المؤثر إلا في وجوده وأما عدمه المستمر فلا يفتقر فيه إلى المؤثر وأما هؤلاء الفلاسفة كابن سينا ومن تبعه كالرازي فيقولون إنه لا يترجح أحد طرفي الممكن على الآخر إلا بمرجح فيقولون لا يترجح عدمه على وجوده إلا بمرجح كما يقولون لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح ثم قالوا مرجح العدم عدم المرجح فعله كونه معدوما عدم علة كونه موجودا وأما نظار المسلمين فينكرون هذا غاية الإنكار كما ذكر ذلك

1

255

القاضي أبو بكر والقاضي أبو يعلى وغيرهما من نظار المسلمين وهذا هو الصواب وقول أولئك علة عدمه عدم علته فيقال لهم أتريدون أن عدم علته مستلزم لعدمه ودليل على عدمه أم تريدون أن عدم علته هو الذي جعله معدوما في الخارج أما الأول فصحيح ولكن ليس هو قولكم وأما الثاني فباطل فإن عدمه المستمر لا يحتاج إلى علة إلا كما يحتاج عدم العلة إلى علة ومعلوم أنه إذا قيل عدم لعدم علته قيل وذلك العدم أيضا لعدم علته وهذا مع أنه يقتضي التسلسل في العلل والمعلولات وهو باطل بصريح العقل فبطلانه ظاهر ولكن المقصود بيان بعض تناقض هؤلاء الملاحدة المتفلسفة المخالفين لصريح المعقول وصحيح المنقول وكذلك قوله لأن كونه مسبوقا بالعدم كيفية تعرض للوجود بعد حصوله وهي لازمة له لا علة له فيقال هذا ليس بصفة ثبوتية له بل هي صفة إضافية معناها أنه كان بعد أن لم يكن ثم لو قدر أنها صفة لازمة له فالمراد أنها دليل على افتقاره إلى المؤثر وأيضا فأنت قدرت هذا علة افتقاره لم تقدره معلول افتقاره فكونه غنيا لا يمنع كونه علة وإنما يمنع كونه معلولا

1

256

وإن قال هذه متأخرة عن افتقاره والمتأخر لا يكون علة للمتقدم قيل هذا ذكرته في مواضع أخر لا هاهنا وجوابه أنه دليل على الافتقار لا موجب له والدليل متأخر عن المدلول عليه باتفاق العقلاء فإن قيل إن كان الحدوث دليلا على الافتقار إلى المؤثر لم يلزم أن يكون كل مفتقر إلى المؤثر حادثا لأن الدليل يجب طرده ولا يجب عكسه قيل نعم انتفاء الدلالة من هذا الوجه لا ينفي الدلالة من وجوه أخر مثل أن يقال شرط افتقاره إلى الفاعل كونه محدثا والشرط يقارن المشروط وهذا أيضا مما يبين به الاقتران فيقال علة الافتقار بمعنى شرط افتقاره كونه محدثا أو ممكنا أو مجموعهما والجميع حق ومثل أن يقال إذا أريد بالعلة المقتضى لافتقاره إلى الفاعل هو حدوثه أي كونه مسبوقا بالعدم فإن كل ما كان مسبوقا بالعدم هو ثابت حال افتقاره إلى الفاعل فإن افتقاره إلى الفاعل هو حال حدوثه وتلك الحال هو فيها مسبوق بالعدم فإن كل ما كان مسبوقا بالعدم كان كائنا بعد أن لم يكن وهذا المعنى يوجب افتقاره إلى الفاعل

1

257

قال الرازي البرهان الخامس أنه إما أن يتوقف جهة افتقار الممكنات إلى المؤثر أو جهة تأثير المؤثرات فيها على الحدوث أو لا تتوقف والأول قد أبطلناه في باب القدم والحدوث فثبت أن الحدوث غير معتبر في جهة الافتقار فيقال ما ذكرته في ذلك قد بين إبطاله أيضا وأن كل ما يفتقر إلى الفاعل لا يكون إلا حادثا وأما القديم الأزلي فيمتنع أن يكون مفعولا والذي ذكرته في كتاب الحدوث والقدم في المباحث المشرقية هو الذي جرت عادتك بذكره في المحصل وغيره وهو أن الحدوث عبارة عن كون الوجود مسبوقا بالعدم وبالغير فهو صفة للوجود فيكون متأخرا عنه وهو متأخر عن تأثير المؤثر فيه المتأخر عن احتياجه إليه المتأخر عن علة الحاجة فلو كان الحدوث علة الحاجة إلى الحدوث أو شرطها لزم تأخر الشيء عن نفسه بأربع مراتب جوابه أن هذا ليس صفة وجودية قائمة به حتى يتأخر عن وجوده بل معناه أنه كان بعد أن لم يكن وهو إنما يحتاج إلى المؤثر في هذه الحال وهو في هذه الحال مسبوق بالعدم والتأخرات المذكورات هنا اعتبارات عقلية ليست تأخرات زمانية والعلة هنا المراد بها المعنى الملزوم لغيره ليس المراد بها أنها فاعل متقدم على مفعوله بالزمان

1

258

واللازم والملزوم قد يكون زمانهما جميعا كما يقولون الصفة تفتقر إلى الموصوف والعرض إلى الجوهر وإن كانا موجودين معا ويقولون إنما افتقر العرض إلى الموصوف لكونه معنى قائما بغيره وهذا المعنى مقارن لافتقاره إلى الموصوف قال الرازي البرهان السادس أن الممكن إذا لم يوجد فعدمه إما أن يكون لأمر أو لا لأمر ومحال أن يكون لا لأمر فإنه حينئذ يكون معدوما لما هو هو وكل ما هويته كافية في عدمه فهو ممتنع الوجود فإذن الممكن العدم ممتنع الوجود هذا خلف فتبين أن يكون الأمر ثم ذلك المؤثر لا يخلو إما أن يشترط في تأثيره فيه تجدده أولا يشترط ومحال أن يشترط ذلك فإن الكلام مفروض في العدم السابق على وجوده والعدم المتجدد هو العدم بعد الوجود فإذن لا يشترط في استناد عدم الممكنات إلى ما يقتضى عدمها تجدده وإذا كان العدم الممكن مستندا إلى

1

259

المؤثر من غير شرط التجدد علمنا أن الحاجة والافتقار لا يتوقف على التجدد وهو المطلوب فيقال من العجائب بل من أعظم المصائب أن يجعل مثل هذا الهذيان برهانا في هذا المذهب الذي حقيقته أن الله لم يخلق شيئا بل الحوادث تحدث بلا خالق وفي إبطال أديان أهل الملل وسائر العقلاء من الأولين والأخرين لكن هذه الحجج الباطلة وأمثالها لما صارت تصد كثيرا من أفاضل الناس وعقلائهم وعلمائهم عن الحق المحض الموافق لصريح المعقول وصحيح المنقول بل تخرج أصحابها عن العقل والدين كخروج الشعرة من العجين إما بالجحد والتكذيب وإما بالشك والريب احتجنا إلى بيان بطلانها للحاجة الى مجاهدة أهلها وبيان فسادها من أصلها إذ كان فيها من الضرر بالعقول والأديان ما لا يحيط به إلا الرحمن والجواب من وجوه أحدها أن يقال قد تقدم قولكم قبل هذا بأسطر إن العدم نفى محض فلا حاجة به إلى المؤثر أصلا وجعلتم هذا مقدمة في الحجة التي قبل هذه فكيف تقولون بعد هذا بأسطر المعدوم الممكن لا يكون عدمه إلا لموجب

1

260

وقدمنا أن جماهير نظار المسلمين وغيرهم يقولون إن العدم لا يفتقر إلى علة وما علمت أحدا من النظار جعل عدم الممكن مفتقرا إلى علة إلا هذه الطائفة القليلة من متأخري المتفلسفة كابن سينا وأتباعه وإلا فليس هذا قول قدماء الفلاسفة لا أرسطو ولا أصحابه كبرقلس والإسكندر الأفروديسي شارح كتبه وثامسطيوس ولا غيرهم من

1

261

الفلاسفة ولا هو قول أحد من النظار كالمعتزلة والأشعرية والكرامية وغيرهم فليس هو قول طائفة من طوائف النظار لا المتكلمة ولا المتفلسفة ولا غيرهم الوجه الثاني أن يقال قوله محال أن يكون معدوما لا لأمر فإنه حينئذ يكون معدوما لما هو هو وكل ما هويته كافية في عدمه فهو ممتنع الوجود فيقال هذا تلازم باطل فإنه إذا كان معدوما لا لأمر لم يكن معدوما لا لذاته ولا لغير ذلك فقولك فإنه حينئذ يكون معدوما لما هو هو باطل فإنه يقتضي أنه معدوم لأجل ذاته وأن ذاته هي العلة في كونه معدوما كالممتنع لذاته وهذا يناقض قولنا معدوم لا لأمر فكيف يكون نفى الشيء لازما لثبوته فإن قيل مراده إما أن يكون لأمر أو لا لأمر خارجي قيل فتكون القسمة غير حاصرة وهو أن يكون معدوما لا لعلة الوجه الثالث أن يقال الفرق معلوم بين قولنا ذاته لا تقتضي وجوده ولا عدمه أو لا تستلزم وجوده ولا عدمه أو لا توجب وجوده ولا عدمه وبين قولنا تقتضي وجوده أو عدمه أو تستلزم ذلك أو توجه فإن ما استلزمت ذاته وجوده كان واجبا بنفسه وما استلزمت عدمه كان ممتنعا وما لم تستلزم واحدا منهما لم يكن واجبا ولا ممتنعا بل كان هو الممكن

1

262

فإذا قيل إنه معدوم لا لأمر لم يوجب أن يكون هناك أمر يستلزم عدمه بل يقتضي ألا يكون هناك أمر يستلزم وجوده ومعلوم أنه على هذا التقدير لا يكون ممتنع الوجود ولهذا يقول المسلمون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فمشيئته مستلزمة لوجود مراده وما لا يشاؤه لا يكون فعدم مشيئته مستلزم لعدمه لا أن العدم فعل شيئا بل هو ملزوم له وإذا فسرت العلة هنا بالملزوم وكان النزاع لفظيا ولم يكن لهم فيه حجة وقولنا ذاته استلزمت وجوده أو استلزمت عدمه لا ينبغي أن يفهم منه أن في الخارج شيئا كان ملزوما لغيره فإن الممتنع ليس بشيء أصلا في الخارج باتفاق العقلاء ولكن حقيقة الأمر أن نفسه هي اللازم والملزوم إما الوجود وإما العدم فعدم الممتنع ملزوم عدمه ووجود الواجب ملزوم وجوده وأما الممكن فليس له من نفسه وجود ولا عدم ملزوم لوجود ولا عدم بل إن حصل ما يوجده وإلا بقي معدوما الوجه الرابع أن يقال إذا كان كل ممكن لا يعدم إلا بعلة

1

263

معدومة مؤثرة في عدمه فتلك العلة المعدومة إن كان عدمها واجبا كان وجودها ممتنعا فإن المعلول يجب بوجوب علته ويمتنع بامتناعها وحينئذ فيكون عدم الممكن علته واجبة ووجوده ممتنعا فإن المعلول يجب بوجوب علته ويمتنع بامتناعها وحينئذ كل ممكن يقدر إمكانه فإنه ممتنع وهذا فيه من الجمع بين النقيضين ما هو في غاية الاستحالة كيفية وكمية وإن قيل عدم علته يفتقر إلى عدم يؤثر في وجودها وعدم ذاك المؤثر لعدم مؤثر فيه وهلم جرا فلذلك يستلزم التسلسل الباطل الذي هو أبطل من تسلسل المؤثرات الوجودية الوجه الخامس أن يقال إنه لو فرض أن العدم المستمر له علة قديمة وأن المعلول إذا كان عدما مستمرا كانت علته التي هي عدم مستمر علة أزلية لم يلزم من ذلك أن يكون الموجود المعين الذي يمكن أن يوجد وأن يعدم قديما أزليا ويكون الفاعل له لم يزل فاعلا له بحيث يكون فاعل الموجودات لم يحدث شيئا قط فإن قياس الموجود الواجب القديم الأزلي الخالق فاعل الموجودات المخلوقة على العدم المستمر المستلزم لعدم مستمر من أفسد القياس وهو قياس محض من غير جامع فكيف يجوز الاحتجاج بمثل هذا التشبيه الفاسد في مثل هذا

1

264

الأصل العظيم ويجعل خلق رب العالمين لمخلوقاته مثل كون العدم علة للعدم وهل هذا إلا أفسد من قول الذين ذكر الله عنهم إذ قال فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين سورة الشعراء فإذا كان هذا حال من سوى بينه وبين بعض الموجودات فكيف بمن سوى بينه وبين العدم المحض قال الرازي البرهان السابع واجب الوجود لذاته يمتنع أن يكون أكثر من واحد فإذن صفات واجب الوجود وهي تلك الأمور الإضافية والسلبية على رأي الحكماء والصفات والأحوال والأحكام على اختلاف آراء المتكلمين في ذلك ليس شيء منها واجب الثبوت بأعيانها بل هي بما هي ممكنة الثبوت في نفسها واجبة الثبوت نظرا إلى ذات واجب الوجود فثبت أن التأثير لا يتوقف على سبق العدم وتقدمه

1

265

فلئن قالوا تلك الصفات والأحكام ليست من قبيل الأفعال ونحن إنما نوجب سبق العدم في الأفعال فنقول إن مثل هذه المسائل العظيمة لا يمكن التعويل فيها على مجرد الألفاظ فهب أن ما لا يتقدمه العدم لا يسمى فعلا لكن ثبت أن ما هو ممكن الثبوت لما هو هو يجوز استناده إلى مؤثر يكون دائم الثبوت مع الأثر وإذا كان ذلك معقولا لا يمكن دعوى الامتناع فيه في بعض المواضع اللهم إلا أن يمتنع صاحبه عن إطلاق لفظ الفعل وذلك مما لا يعود إلى فائدة عظيمة فيقال الجواب عن هذه الحجة من وجوه أحدها أن قوله واجب الوجود لذاته يمتنع أن يكون أكثر من واحد إن أريد به يمتنع أن يكون أكثر من إله واحد أو رب واحد أو خالق واحد أو معبود واحد أو حي واحد أو قيوم واحد أو صمد واحد أو قائم بنفسه واحد ونحو ذلك فهذا صحيح لكن لا يستلزم ذلك أن لا يكون له صفات من لوازم ذاته يمتنع تحقق ذاته بدونها وأن لا يكون واجب الوجود هو تلك الذات المستلزمة لتلك الصفات والمراد بكونه واجب الوجود أنه موجود بنفسه يمتنع عليه العدم بوجه من الوجوه ليس له فاعل ولا ما يسمى علة فاعلة ألبتة وعلى هذا فصفاته داخلة في مسمى اسمه ليست ممكنة الثبوت فإنها

1

266

ليست ممكنة يمكن أن توجد ويمكن أن تعدم ولا تفتقر إلى فاعل يفعلها ولا علة فاعلة بل هي من لوازم الذات التي هي بصفاتها اللازمة لها واجبة الوجود فدعوى المدعي أن الصفات اللازمة ممكنة الثبوت تقبل الوجود والعدم كدعواه أن الذات الملزومة تقبل الوجود والعدم وإن أراد بقوله واجب الوجود واحد أن واجب الوجود هو ذات مجردة عن صفات كان هذا ممنوعا ولم يذكر عليه دليلا الوجه الثاني أن يقال دعوى المدعي أن واجب الوجود هو الذات دون صفاتها وأن صفاتها هي ممكنة الوجود إن أراد بواجب الوجود أنه يمتنع عدمه من غير فاعل فعله فكلاهما يمتنع عدمه من غير فاعل فعله وإن أراد بواجب الوجود أنه القائم بنفسه الذي لا يفتقر إلى محل كان حقيقة هذا أن الصفات لا بد لها من محل تقوم به بخلاف الذات لكن هذا لا يقتضي أنها ممكنة الثبوت مفتقرة إلى فاعل وإن أراد بواجب الوجود مالا يمكن عدمه وبممكن الوجود ما يمكن وجوده وعدمه فمعلوم أن الصفات لا يمكن عدمها كما لا يمكن عدم الذات فوجوب الوجود يتناولهما وإن أراد بواجب الوجود مالا ملازم له لم يكن في الوجود شيء واجب الوجود لا سيما على قولهم بأنه ملازم لمفعولاته فلا يكون واجب الوجود ومن تناقض هؤلاء ومن اتبعهم كصاحب الكتب المضنون بها

1

267

صاحب المضنون الكبير أنهم يفسرون واجب الوجود بأنه مالا يلازم غيره لينفوا بذلك صفاته اللازمة له ويقولون لو قلنا إن له صفات لازمة له لم يكن واجب الوجود ثم يجعلون الأفلاك وغيرها لازمة له أزلا وأبدا ويقولون إن ذلك لا ينافي كونه واجب الوجود فأي تناقض أعظم من هذا الوجه الثالث أن يقال الواحد المجرد عن جميع الصفات ممتنع الوجود كما بسط في غير هذا الموضع وبين أنه لا بد من ثبوت معان ثبوتية مثل كونه حيا وعالما وقادرا وأنه يمتنع أن يكون كل معنى هو الآخر أو أن تكون تلك المعاني هي الذات وما كان ممتنع الوجود امتنع أن يكون واجب الوجود فإذا ما زعم أنه واجب الوجود فهو ممتنع فضلا عن أن يقال إنه فاعل لصفاته كما هو فاعل لمخلوقاته أو إنه مؤثر

1

268

ومقتص ومستلزم لمخلوقاته كما هو مؤثر ومقتض ومستلزم لصفاته الوجه الرابع أن يقال قوله وهي تلك الأمور الإضافية والسلبية على رأي الحكماء إنما هو على رأي نفاة الصفات منهم كأرسطو وأتباعه وأما أساطين الفلاسفة فهم مثبتون للصفات كما قد نقلنا أقوالهم في غير هذا الموضع وكذلك كثير من أئمتهم المتأخرين كأبي البركات وأمثاله وأيضا فنفاة الصفات منهم كابن سينا وأمثاله متناقضون يجمعون بين نفيها وإثباتها كما قد بسط الكلام عليهم في غير الموضع فإن كان مثبتيها فهم كسائر المثبتين وإن كانوا نفاة قيل لهم أما السلب فعدم محض وأما الإضافة مثل كونه فاعلا أو مبدءا فإما أن تكون وجودا أو عدما فإن كانت وجودا لأنها من مقوله أن يفعل وأن ينفعل وهذه المقولة من جملة الأجناس العالية العشرة التي هي أقسام الموجودات كانت الإضافة التي يوصف بها وجودا فكانت صفاته الإضافية وجودية قائمة به وإن كانت الإضافة عدما محضا فهي داخلة في السلب فجعل الإضافة قسما ثالثا ليس وجودا ولا عدما خطأ وحينئذ فإذا لم يثبتوا صفة ثبوتية لم تكن ذاته مستلزمة لشيء من

1

269

الصفات إلا أمرا عدميا وأما المخلوقات فإنها موجودات جواهر وأعراض ومعلوم أن اقتضاء الواجب وغير الواجب للعدم المحصن ليس كاقتضائه للوجود وسواء سمي ذلك استلزاما أو إيجابا أو فعلا أو غير ذلك فإن وجود الشيء يستلزم عدم ضده ولا يقول عاقل إنه فاعل لعدم ضده ووجود الشيء يناقض عدم نفسه ولا يقول عاقل إن وجوده هو الفاعل لعدم عدمه فإن عدم عدمه هو وجوده ووجوده واجب لا يكون مفعولا ولا معلولا وأيضا فالعدم المحض إما أن لا يكون له علة كما هو عند جمهور العقلاء وإما أن يقال علته عدم علة وجوده فيجعل علة العدم عدما ولا يجعل للعدم الممكن علة وجودية فالعدم الواجب أولى ألا يفتقر إلى علة وجودية فإن العدم الواجب اللازم لذاته عدم واجب فلا الى علة وجودية فإن العدم الواجب يتصف به الممتنع والممتنع الذي يمتنع وجوده لا يفتقر إلى علة وجودية وعدم وجود الرب ممتنع لنفسه كما أن وجود الرب واجب لنفسه فلا يكون له علة الوجه الخامس قوله والصفات والأحوال والأحكام على اختلاف آراء المتكلمين في ذلك

1

270

فيقال له إثبات الصفات لله هو مذهب جماهير الأمة سلفها وخلفها وهو مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين المتبعين وأهل السنة والجماعة وسائر طوائف أهل الكلام مثل الهشامية والكرامية والكلابية والأشعرية وغيرهم وإنما نازع في ذلك الجهمية وهم عند سلف الأمة وأئمتها وجماعتها من أبعد الناس عن الإيمان بالله ورسوله ووافقهم المعتزلة ونحوهم ممن هم عند الأمة مشهورون بالابتداع وأما الأحكام فهي الحكم على الله بأنه حي عالم قادر وهذا هو الخبر عنه بذلك وهذا تثبته المعتزلة كلهم مع سائر المثبتة لكن غلاة الجهمية ينفون أسماءه ويجعلونها مجازا فيجعلون الخبر عنه كذلك وهؤلاء هم من النفاة وعلى قولهم فالذات لم تقتض شيئا لأن كلام المخبرين وحكمهم أمر قائم بهم ليس قائما بذات الرب وأما من لم يثبت الأحكام كأبي هاشم وأتباعه فهؤلاء يقولون هي لا موجودة

1

271

ولا معدومة فلا يجعل ذلك كالموجودات بقي الكلام على مثبتة الصفات الذين يقولون صفاته موجودة قائمة به ومخلوقاته موجودة بائنة عنه فهؤلاء عندهم صفاته واجبة الثبوت يمتنع عليها العدم لا يقال إنها يمكن أن تكون موجودة ويمكن أن تكون معدومة كما يقال مثل ذلك في الممكنات التي أبدعها ولا يقولون إن الصفات لها ذوات ثابتة غير وجودها وتلك الذوات تقبل الوجود والعدم كما يقول ذلك من يقوله في الممكنات المفعولة فتبين أن تمثيل صفاته بمخلوقاته في غاية الفساد على قول كل طائفة الوجه السادس قوله ليس شيء منها واجب الثبوت بأعيانها بل هي بما هي ممكنة الثبوت في نفسها واجبة الثبوت نظرا إلى ذات واجب الوجود كلام ممنوع بل باطل بل الصفات ملازمة للذات لا يمكن وجود الذات بدون صفاتها اللازمة ولا وجود الصفات اللازمة بدون الذات وكل منهما لازم للآخر ملزوم له ودعوى المدعى أن

1

272

الذات هي واجبة الوجود دون الصفات ممنوع وباطل وهو بمنزلة قول من يقول الصفات واجبة الوجود دون الذات لكن الذات واجبة نظرا إلى وجوب الصفات سواء فسروا واجب الوجود بالموجود نفسه أو بما لا يقبل العدم أو بما لا فاعل ولا علة فاعلة أو نحو ذلك وإنما يفترقان إذا فسر الواجب بالقائم بنفسه والممكن بالقائم بغيره ومعلوم أن تفسيره بذلك باطل ووضع محض وغايته منازعة لفظية لا فائدة فيها الوجه السابع قوله فثبت أن التأثير لا يتوقف على سبق العدم فيقال له هذا إنما يصح إذا كانت الذات المستلزمة لصفاتها هي المؤثرة في الصفات وحينئذ فلفظ التأثير إن أريد به الاستلزام فكلاهما مؤثر في الآخر إذ هو مستلزم له فيلزم أن يكون كل منهما واجبا بنفسه لا ممكنا وهو باطل وإن أريد بلفظ التأثير أن أحدهما أبدع الآخر أو فعله أو جعله موجودا ونحو ذلك مما يعقل في ابداع المصنوعات فهذا باطل فإن عاقلا لا يقول إن الموصوف أبدع صفاته اللازمة ولا خلقها ولا صنعها ولا فعلها ولا جعلها موجودة ولا نحو ذلك مما يدل على هذا المعنى

1

273

بل ما يحدث في الحي من الأعراض والصفات بغير اختياره مثل الصحة والمرض والكبر ونحو ذلك لا يقول عاقل إنه فعل ذلك أو أبدعه أو صنعه فكيف بما يكون من الصفات لازما له كحياته ولوازمها وكذلك لا يقول عاقل هذا في غير الحي مثل الجماد والنبات وغيرهما من الأجسام لا يقول عاقل إن شيئا من ذلك فعل قدره اللازم وفعل تخيره وغير ذلك من صفاته اللازمة بل العقلاء كلهم المثبتون للأفعال الطبيعية والإرادية والذين لا يثبتون إلا الإرادية ليس فيهم من يجعل ما يلزم الذات من صفاتها مفعولا لها لا بالأرادة ولا بالطبع بل يفرقون بين آثارها الصادرة عنها التي هي أفعال لها ومفعولات وبين صفاتها اللازمة لها بل وغير اللازمة وقد يكون للذات تأثير في حصول بعض صفاتها العارضة فيضاف ذلك إلى فعلها لحصول ذلك به كحصول العلم بالنظر والاستدلال وحصول الشبع والري بالأكل والشرب بخلاف اللازمة وما يحصل بدون قدرتها وفعلها واختيارها فإن هذا لا يقول عاقل إنها مؤثرة فيه وإنه من أثرها بل يقول إنه لازم لها وصفة لها وهي مستلزمة له وموصوفة به وقد يقول إن ذلك مقوم لها ومتمم لها ونحو ذلك وهم يسلمون

1

274

أن فاعل الشيء هو فاعل صفاته اللازمة لامتناع فعل الشيء بدون صفاته اللازمة وأيضا فالذات مع تجردها عن الصفات يمتنع أن تكون مؤثرة في شيء فضلا عن أن تكون مؤثرة في صفات نفسها فإن شرط كونها مؤثرة أن تكون حية عالمة قادرة فلو كانت هي المؤثرة في كونها حية عالمة قادرة لكانت مؤثرة بدون اتصافها بهذه الصفات وهذا مما يعلم امتناعه بصريح العقل بل صفاتها اللازمة لها أكمل من كل موجود فإذا امتنع أن يؤثر في شيء من الموجودات بذات مجردة عن هذه الصفات فكيف يؤثر في هذه الصفات بمجرد هذه الذات فتبين أنه ليس ههنا تأثير بوجه من الوجوه في صفاتها إلا أن يسمى المسمى الاستلزام تأثيرا كما تقدم وحينئذ فيقال له مثل هذه المسائل العظيمة لا يمكن التعويل فيها على مجرد الألفاظ فإن تسميتك لاستلزام الذات المتصفة بصفاتها اللازمة لها تأثيرا لا يوجب أن يجعل هذا كإبداعها لمخلوقاتها فهب أنك سميت كل استلزام تأثيرا لكن دعواك بعد هذا أن المخلوق المفعول ملازم لخالقه وفاعله مما يعلم فساده ببديهة العقل كما اتفق على ذلك جماهير العقلاء من الأولين والآخرين وأنت لا تعرف هذا في شيء من الموجودات لا يعرف قط شيء أبدع شيئا وهو مقارن له بحيث يكونان متقارنين في الزمان

1

275

لم يسبق أحدهما الآخر بل من المعلوم بصريح العقل أن التأثير الذي هو إبداع الشيء وخلقه وجعله موجودا لا يكون إلا بعد عدمه وإلا فالموجود الأزلي الذي لم يزل موجودا لا يفتقر قط إلى مبدع خالق يجعله موجودا ولا يكون ممكنا يقبل الوجود والعدم بل ما وجب قدمه امتنع عدمه فلا يمكن أن يقبل العدم الوجه الثامن أن تسمية تأثير الرب في مخلوقاته فعلا وصنعا وإبداعا وإبداء وخلقا وبرءا وأمثال ذلك من العبارات هو مما تواتر عن الأنبياء بل ومما اتفق عليه جماهير العقلاء وذلك من العبارات التي تتداولها الخاصة والعامة تداولا كثيرا ومثل هذه العبارات لا يجوز أن يكون معناها المراد بها أو الذي وضعت له ما لا يفهمه إلا الخاصة فإن ذلك يستلزم أن لا يكون جماهير الناس يفهم بعضهم عن بعض ما يعنونه بكلامهم ومعلوم أن المقصود من الكلام الإفهام وأيضا فلو كان المراد بها غير المفهوم منها لكان الخطاب بها تلبيسا وتدليسا وإضلالا وأيضا فلو قدر أنهم أرادوا بها خلاف المفهوم لكان ذلك مما يعرفه خواصهم ومن المعلوم بالاضطرار أن خواص الصحابة وعوامهم كانوا يقرون أن

1

276

الله خالق كل شيء ومليكه وأن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام وأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما فحدثت هذه المخلوقات بعد أن لم تكن وإذا كان كذلك حصل لنا علم بمراد الأنبياء وجماهير العقلاء بهذه العبارات واستفدنا بذلك أن من قصد بها غير هذا المعنى لم يكن موافقا لهم في المراد بها فإذا ادعى أن مرادهم هو مراده في كونها ملازمة للرب أزلا وأبدا علم أنه كاذب على الأنبياء وجماهير العقلاء كذبا صريحا كما يصنعون مثل ذلك في لفظ الإحداث فإن الإحداث معناه معقول عند الخاصة والعامة وهو مما تواتر معناه في اللغات كلها وهؤلاء جعلوا لهم وضعا مبتدعا فقالوا الحدوث يقال على وجهين أحدهما زماني ومعناه حصول الشيء بعد أن لم يكن له وجود في زمان سابق والثاني أن لا يكون الشيء مستندا إلى ذاته بل إلى غيره سواء كان ذلك الاستناد مخصوصا بزمان معين أو كان مستمرا في كل الزمان قالوا وهذا هو الحدوث الذاتي

1

277

وكذلك القدم فسروه بهذين المعنيين وجعلوا القدم بأحد معنييه معناه معنى الوجوب قالوا والدليل على إثبات الحدوث الذاتي أن كل ممكن لذاته فإنه لذاته يستحق العدم ومن غيره يستحق الوجود وما بالذات أقدم مما بالغير فالعدم في حقه أقدم من الوجود تقدما بالذات فيكون محدثا حدوثا ذاتيا وقد أورد عليهم الرازي سؤالا وهو أنه لا يجوز أن يقال الممكن يستحق العدم من ذاته فإنه لو استحق العدم من ذاته لكان ممتنعا لا ممكنا بل الممكن يصدق عليه أنه ليس من حيث هو موجود ولا يصدق عليه أنه من حيث هو ليس بموجود والفرق بين الاعتبارين معروف بل كما أن الممكن يستحق الوجود من وجود علته فإنه يستحق العدم من عدم علته وإذا كان استحقاقه الوجود والعدم من الغير ولم يكن واحد منها من مقتضيات الماهية لم يكن لأحدهما تقدم على الآخر فإذن لا يكون لعدمه تقدم ذاتي على وجوده قال ولعل المراد من هذه الحجة هو إن الممكن يستحق من

1

278

ذاته لا استحقاقية الوجود والعدم وهذه اللا استحقاقية وصف عدمي سابق على الاستحقاق فتقرر الحدوث الذاتي من هذا الوجه فيقال هذا السؤال سؤال صحيح يبين بطلان قولهم مع ما سلمه لهم من المقدمات الباطلة فإن هذا الكلام مبني على أن المعين في الخارج ذات تقبل الوجود والعدم وغير الوجود الثابت في الخارج وهذا باطل ومبني أيضا على أن عدم الممكن معلل بعدم علته وهو باطل وأما الاعتذار بأن المراد أنه لا يستحق من ذاته وجودا أو عدما فيقال إذا قدر أن هذا هو المراد لم يكن مستحقا للعدم بحال فإن نفسه لم تقتض وجوده ولا عدمه ولكن غيره اقتضى وجوده ولم يقتض عدمه فيبقى العدم لم يحصل من نفسه ولا من موجود آخر بخلاف الوجود فلا يكون عدمه سابقا لوجوده بحال وقوله اللا استحقاقية وصف عدمي جوابه أن هذا العدمي هو عدم النقيضين جميعا الوجود والعدم ليس هو عدم الوجود فقط والنقيضين لا يرتفعان كما لا يجتمعان فيمتنع أن يقال إن ارتفاع النقيضين جميعا سابق لوجوده وإن أريد أنه ليس واحد من

1

279

النقيضين منه فهذا حق وليس فيه سبق أحدهما للآخر وهم يقولون عدمه سابق لوجوده مع أنه موجود دائما فعلمت أنهم مع قولهم إن الممكن قديم أزلي يمتنع أن يكون هناك عدم يسبق وجوده بوجه من الوجوه وإنما كلامهم جمع بين النقيضين في هذا وأمثاله فإن مثل هذا التناقض كثير في كلامهم ولكن الإمكان الذي أثبته جمهور العقلاء وأثبته قدماؤهم أرسطو وأتباعه هو إمكان أن يوجد الشئ وأن يعدم وهذا الإمكان مسبوق بالعدم سبقا حقيقيا فإن كل ممكن محدث كائن بعد أن لم يكن وبسط هذه الأمور له موضع آخر والمقصود هنا أنهم أفسدوا الأدلة السمعية بما أدخلوه فيها من القرمطة وتحريف الكلم عن مواضعه كما أفسدوا الأدلة العقلية بما أدخلوه فيها من السفسطة وقلب الحقائق المعقولة عما هي عليه وتغيير فطرة الله التي فطر الناس عليها ولهذا يستعملون الألفاظ المجملة والمتشابهة لأنها أدخل في التلبيس والتمويه مثل لفظ التأثير والاستناد ليقولوا ثبت أن ما هو ممكن الثبوت لما هو هو يجوز استناده إلى مؤثر يكون دائم الثبوت مع الأثر والمراد في الأصل الذي قاسوا عليه على قولهم إنه عدم لازم لوجوده في الفرع أنه مبدع لمبدع ومخلوق لخالق فأين هذا الاستناد من هذا الاستناد وأين هذا التأثير من هذا التأثير الوجه التاسع أن يقال حقيقة هذه الحجة هي قياس مجرد بتمثيل

1

280

مجرد خال عن الجامع فإن المدعي يدعي أنه لا يشترط في فعل الرب تعالى أن يكون بعد عدم كما أن صفاته لازمة لذاته بلا سبق عدم وصاغ ذلك بقياس شمول بقوله إن التأثير لا يشترط فيه سبق العدم فيقال له لا نسلم أن بينهما قدرا مشتركا كما يدل عليه ما ذكرته من اللفظ بل لا نسلم أن بينهما قدرا مشتركا يخصهما بل القدر المشترك الذي بينهما يتناول كل لازم لكل ملزوم فيلزمه أن يجعل كل لازم مفعولا لملزومه وإن سلمنا أن بينهما قدرا مشتركا فلا نسلم أنه مناط الحكم في الأصل حتى يلحق به الفرع وإن ادعى ذلك دعوى كلية وصاغه بقياس شمول قيل له الدعوى الكلية لا تثبت بالمثال الجزئي فهب أن ما ذكرته في الأصل أحد أفراد هذه القضية الكلية فلم قلت إن سائر أفرادها كذلك غايتك أن ترجع إلى قياس التمثيل ولا حجة معك على صحته هنا ثم بعد هذا نذكر نحن الفروق الكثيرة المؤثرة وهذا الوجه يتضمن الجواب من وجوه متعددة قال الرازي البرهان الثامن لوازم الماهية معلولة لها وهي غير متأخرة عنها زمانا فإن كون المثلث مساوي الزوايا لقائمتين ليس إلا لأنه مثلث وهذا الاقتضاء من لوازم المثلث بل نزيد فنقول إن الأسباب مقارنة

1

281

لمسبباتها مثل الإحراق يكون مقارنا للاحتراق والألم عقيب سوء المزاج أو تفرق الاتصال بل نذكر شيئا لا ينازعون فيه ليكون أقرب إلى الغرض وهو كون العلم علة للعالمية والقدرة للقادرية عند من يقول به وكل ذلك يوجد مقارنة لآثارها غير متقدمة عليها فعلمنا أن مقارنة الأثر والمؤثر في الزمان لا تبطل جهة الاستناد والحاجة والجواب أن يقال إن أريد بالماهية ما هو موجود في الخارج مثل المثلثات الموجودة فصفات تلك الماهية اللازمة لها ليست صادرة عنها بل الفاعل للملزوم هو الفاعل للصفة اللازمة له القائمة به ويمتنع فعله لأحدهما بدون الآخر ومن قال إن الموصوف علة للازمه فإن أراد بالعلة أنه ملزوم فلا حجة له فيه وإن أراد أنه فاعل أو مبدع أو علة فاعلة فقوله معلوم الفساد ببديهة العقل فإن الصفات القائمة بالموصوف اللازمة له إنما يفعلها من فعل الموصوف فإنه يمتنع فعله للموصوف بدون فعله لصفته اللازمة له وإن أريد بالماهية ما يقدر في الذهن فتلك صورة علمية والكلام فيها كالكلام في الخارجية

1

282

فالفاعل للملزوم هو الفاعل للازمه لم يكن الملزوم علة فاعلة للازم وقولهم هذا الاقتضاء من لوازم المثلث إن أرادوا بالاقتضاء والتعليل الاستلزام فهو حق ولا حجة فيه وإن أرادوا أنه علة فاعلة فهذا معلوم الفساد وأما الأسباب والمسببات الموجودة في الخارج كما في سوء المزاج والألم فمن الذي سلم أن زمانهما واحد والمستدلون أنفسهم قد قالوا في حجتهم إن وجود الألم عقب سوء المزاج وما يوجد عقب الشيء يكون وجوده بعده لكن غايته أن يكون بلا فصل لكن لا يكون معه في الزمان فإن ما مع الشيء في الزمان لا يقال إنه إنما يوجد عقبه وهكذا القول في كل الأسباب لا نسلم أن زمان وجودها كلها هو زمان وجود المسببات بل لا بد من حصول تقدم زماني وكذلك الكسر والانكسار والإحراق والاحتراق فإن الكسر هو فعل الكاسر الذي يقوم به مثل الحركة القائمة بالإنسان والانكسار هو التفرق الحاصل بالمكسور وذلك يحصل بحركة في زمان ومعلوم أن زمان تلك الحركة قبل زمان هذه لكن قد يتصل الزمان بالزمان والمتصل يقال إنه معه لكن فرق بين ما يكون زمانهما واحدا وما يكون زمانهما متعاقبا ومن الأسباب ما يقتضي مسببه شيئا فشيئا فإذا كمل السبب كمل مسببه مثل الأكل والشرب مع الشبع والري والسكر فكلما حصل بعض

1

283

الأكل حصل جزء من الشبع لا يحصل المسبب إلا بعد حصول السبب لا معه وهذا قول جماهير العقلاء من أهل الكلام والفقه والفلسفة وغيرهم يقرون بأن المسبب يحصل عقب السبب ولهذا كان أئمة الفقهاء وجماهيرهم على أنه إذا قال إذا مات أبي فأنت حرة أو طالق أو غيرهما أنه إنما يحصل المسبب عقب الموت لا مع الموت وشذ بعض المتأخرين فظن حصول الجزاء مع السبب وقال إن هذا بمنزلة العلة مع المعلول وأن المعلول يحصل زمن العلة ولفظ العلة مجمل يراد به المؤثر في الوجود ويراد به الملزوم فإذا سلم الاقتران في الثاني لم يسلم الاقتران في الأول فلا يعرف في الوجود مؤثر في وجود غيره مقارن له في الزمان من كل وجه بل لا بد أن يتقدم عليه زمانا ولا بد أن يحصل وجوده بعد عدم ولهذا جعل الفلاسفة العدم من جملة المبادىء كما قد ذكرنا كلامهم ومما يمثلون به حصول الصوت مع الحركة كالطنين مع النقرة وأن المسبب هنا مع السبب وهذا أيضا ممنوع فإن وجود الحركة التي هي

1

284

سبب الصوت يتقدم وجود الصوت وإن كان وجود الصوت متصلا بوجود الحركة لا ينفصل عنه لكن المقصود أنه لا يكون إلا بعده وليس أول زمن الحركة يكون أول زمن الصوت بل لا بد من وجود الحركة والصوت يعقبها ولهذا يعطف المسبب على السبب بحرف الفاء الدالة على التعقيب فيقال كسرته فانكسر وقطعته فانقطع ويقال ضربته بالسيف فمات أو فقتلته وأكل فشبع وشرب فروى وأكل حتى شبع وشرب حتى روى ونحو ذلك فالكسر والقطع فعل يقوم بالفاعل مثل أن يضربه بيده أو بآلة معه فإذا وصل إليه الأثر انكسر وانقطع فأحدهما يعقب الآخر لا يكون أول زمان هذا أول زمان هذا ولا آخر زمان هذا آخر زمان هذا بل يتقدم زمان السبب ويتأخر زمان المسبب ولهذا تنازع الناس في المسبب المتولد عن فعل الإنسان فقالت طائفة هو فعله وقالت طائفة هو فعل الرب وقالت طائفة بل الإنسان مشارك في فعله وهو حاصل بفعله وبسبب آخر مثل خروج السهم من القوس ومثل حصول الشبع والري بالأكل والشرب ولولا تقدم السبب على المسبب لم يحصل هذا النزاع فإن السبب حاصل في العبد في محل قدرته وحركته والمسبب حاصل في غير محل قدرته وحركته ومن هذا الباب حركة الكم مع حركة اليد وحركة آخر الحبل مع حركة أوله ونظائره كثيرة فعلم أنهم لم يجدوا في الوجود مفعولا يكون زمانه زمان فاعله بلا

1

285

تأخر أصلا لا مع الاتصال ولا مع الانفصال كما يدعونه في فعل رب العالمين خالق كل شيء ومليكه من أن السماوات لم تزل معه مقارنة له في الزمان زمان وجودها هو زمان وجوده لا يجوز أن يتقدم عليها بشيء من الزمان ألبتة وأما ما ذكره من كون العلم علة للعالمية فهذا أولا قول مثبتي الأحوال كالقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وقبلهما أبو هاشم وجمهور النظار يقولون إن العلم هو العالمية وهذا هو الصواب وعلى قول أولئك فلا يقولون إن العلم هنا علة فاعلة لا بإرادة ولا بذات ولا بغير ذلك بل المعلول عندهم لا يوصف بالوجود فقط ومعنى العلة عندهم الاستلزام وهذا لا نزاع فيه قال الرازي البرهان التاسع هو أن الشيء حال اعتبار وجوده من حيث هو موجود واجب الوجود لامتناع عدمه مع وجوده وكذلك هو في حال عدمه واجب العدم لامتناع كونه موجودا معدوما والحدوث عبارة عن ترتب هاتين الحالتين فإذا كانت الماهية في كلتا الحالتين

1

286

على كلتا الصفتين واجبة فالماهية من حيث هي واجبة غير مفتقرة إلى مؤثر فإن الواجب من حيث هو واجب يمتنع استناده إلى المؤثر فإذن الحدوث من حيث هو حدوث مانع عن الحاجة فإن لم تعتبر الماهية من حيث هي هي لم يرتفع الوجوب أي وجوب الوجود في زمنه ووجوب العدم في زمنه وهو بهذا الاعتبار لا يحتاج إلى المؤثر فعلمنا أن الحدوث من حيث هو حدوث مانع عن الحاجة وإنما المحوج هو الإمكان والجواب أن في هذه الحجة مغالطات متعددة وجوابها من وجوه أحدها أن يقال هب أنه في حال وجوده واجب الوجود لكنه واجب الوجود بغيره وذلك لا يناقض كونه مفتقرا إلى الفاعل مفعولا له محدثا بعد أن لم يكن فإذا لم يكن هذا الوجوب مانعا مما يستلزم افتقاره إلى الفاعل لم يمتنع كونه مفتقرا إلى الفاعل مع هذا الوجوب الثاني أن قوله الحدوث عبارة عن ترتب هاتين الحالتين يقال له الحدوث يتضمن هاتين الحالتين وهو يتضمن مع ذلك أنه وجد بفاعل أوجده هو مفتقر إليه لا يوجد بدون إيجاده له بعد أن لم يكن

1

287

موجودا فالحدوث يتضمن هذا المعنى أو يستلزمه وإذا كان الحدوث متضمنا للحاجة إلى الفاعل أو مستلزما للحاجة إلى الفاعل لم يجز أن يقال هو مانع عن الحاجة فإن الشيء لا يمنع لازمه وإنما يمنع ضده الثالث قوله الواجب من حيث هو واجب يمتنع استناده إلى المؤثر ممنوع بل الواجب بنفسه هو الذي يمتنع استناده إلى المؤثر وأما الواجب بغيره فلا يمتنع استناده إلى المؤثر بل نفس كونه واجبا بغيره يتضمن استناده إلى المؤثر ويستلزم ذلك فكيف يقال إن الوجوب بالغير يمنع الاستناد إلى الغير وإن قال أنا أريد الواجب من حيث هو واجب مع قطع النظر عن كونه واجبا بنفسه أو بغيره قيل له ليس في الخارج إلا واجب بنفسه أو بغيره وإذا أخذ مطلقا عن القيدين فهو أمر يقدر في الأذهان لا يوجد في الأعيان ثم يقال لا نسلم أن الواجب إذا أخذ مطلقا يمتنع استناده إلى المؤثر بل الواجب إذا أخذ مطلقا لا يستلزم المؤثر ولا ينفي المؤثر فإن من الواجب ما يستلزم المؤثر وهو الواجب بغيره ومنه ما ينفيه وهو الواجب

1

288

بنفسه وصار هذا كاللون إذا أخذ مجردا لا يستلزم السواد ولا ينفيه والحيوان إذا أخذ مجردا لا يستلزم النطق ولا ينفيه وكذلك سائر المعاني العامة التي تجري مجرى الأجناس إذا أخذت مع قطع النظر عن بعض الأنواع لم تكن مستلزمة لذلك ولا مانعة منه الرابع أن قول القائل الحدوث من حيث هو حدوث مانع عن الحاجة إلى المؤثر مما يعلم فساده ببديهة العقل والعلم بفساد ذلك أظهر من العلم بفساد قول من يقول الإمكان من حيث هو إمكان مانع عن الحاجة إلى المؤثر فإن علم الناس بأن ما حدث بعد أن لم يكن لا بد له من محدث أظهر وأبين من علمهم بأن ما قبل الوجود والعدم لا بد له من مرجح فإذا كانت الحجة النافية لهذا سوفسطائية فتلك أولى أن تكون سوفسطائية الخامس أن هذه الحجة مبنية على أن في الخارج ماهية غير الوجود الحاصل في الخارج وأنه يعتقب عليها الوجود والعدم وهذا ممنوع وباطل السادس أنه لو سلم ذلك فالماهية من حيث هي هي لا تستحق وجودا ولا عدما ولا تفتقر إلى فاعل فإن من يقول ذلك يقول الماهيات غير مجعولة وأن المجعول اتصافها بالوجود وإنما تفتقر إلى الفاعل إذا كانت

1

289

موجودة وإذا كانت موجودة فوجودها واجب فعلم أن افتقارها إلى الفاعل في حال وجوب وجودها بالغير لا في الحال التي لا تستحق فيها وجودا ولا عدما السابع أنه لو سلم أن هذه الماهية ثابتة في الخارج وإنما هي من حيث هي هي مفتقرة إلى المؤثر فليس في هذا ما يدل على وجوب كونها أزلية بل ولا على إمكان ذلك وإذا لم يكن فيه ما يدل على ذلك لم يمتنع أن يكون هذا الافتقار لا يثبت لها إلا مع الحدوث ولكون الحدوث شرطا في هذا الافتقار الثامن أنا إذا سلمنا أن علة الافتقار إلى الفاعل هو الإمكان فالإمكان الذي يعقله الجمهور إمكان أن يوجد الشيء وإمكان أن يعدم الشيء وهذا الإمكان ملازم للحدوث فلا يعقل إمكان كون الشيء قديما أزليا واجبا بغيره وهو مع ذلك يفتقر إلى الفاعل وهذا هو الذي يدعونه التاسع أنهم إذا جعلوا الوجوب مانعا من الاستناد إلى الغير وإن كان وجوبا حادثا فالوجوب القديم الأزلي أولى أن يكون مانعا من الاستناد إلى الغير والأفلاك عندهم واجبة الوجود أزلا وأبدا ووجوب ذلك

1

290

بغيرها فإذا كان هذا الوجوب لازما للماهية والوجوب مانع من الافتقار إلى الغير كان لازم الماهية مانعا لها من الافتقار فلا تزال الماهة القديمة ممنوعة من الإفتقار إلى الغير فيلزم أن لا تفتقر إلى الغير أبدا وهذا هو الذي يقوله جماهير العقلاء وأن ما كان قديما يمتنع أن يكون مفعولا العاشر أنه إذا قدر أن الإمكان هو المحوج إلى الغير المؤثر فالتأثير هو جعل الشيء موجودا وإبداع وجوده جعل ما يمكن عدمه موجودا لا يعقل إلا بإحداث وجود له بعد أن لم يكن وإلا فما كان وجوده واجبا أزليا يمتنع عدمه لا يعقل حاجته إلى من يجعله موجودا وإذا قالوا هو واجب الوجود أزلا وأبدا يمتنع عدمه وقالوا مع ذلك إن غيره هو الذي أبدعه وجعله موجودا وإنه يمكن وجوده وعدمه فقد جمعوا في كلامهم من التناقض أعظم مما يذكرونه عن غيرهم الحادي عشر أنه لو كان مجرد الإمكان مستلزما للحاجة إلى الفاعل لكان كل ممكن موجودا كما أنا إذا قلنا الحدوث هو المحوج إلى المؤثر كان كل محدث موجودا لأن المحتاج إلى الفاعل إنما يحتاج إليه إذا فعله الفاعل وإلا فبتقدير أن لا يفعله لا حاجة به إليه وإذا فعله الفاعل لزم

1

291

وجوده فيلزم وجود كل ممكن وهو معلوم الفساد بضرورة العقل فإن قيل المراد أن الممكن لا يوجد إلا بفاعل قيل فيكون الإمكان مع الوجود يستلزم الحاجة إلى الفاعل وحينئذ فيحتاجون إلى بيان أنه يمكن كون وجود الممكن أزليا وأن الفاعل يمكنه أن يكون مفعوله المعين أزليا وهذا إذا إثبتموه لم تحتاجوا إلى ما تقدم فإنه لا تثبت حاجة الممكن إلى الفاعل إلا في حال وجوده فعلم أن الاستدلال بمجرد الإمكان باطل قال الرازي البرهان العاشر جهة الاحتياج لابد وأن لا تبقى مع المؤثر كما كانت لا مع المؤثر وإلا لبقيت الحاجة مع المؤثر إلى مؤثر آخر فلو جعلنا الحدوث جهة الاحتي إلى المؤثر والحدوث مع المؤثر كهو لا مع المؤثر لأن الحدوث هو الوجود بعد العدم وسواء كان ذلك الوجود بالفاعل أو لا بالفاعل فهو وجود بعد العدم وسواء أخذ حال الحدوث أو حال البقاء فهو في كليهما وجود بعد العدم فإذن هو مع المؤثر كهولا مع

1

292

المؤثر فيلزم المحال المذكور أما إذا جعلنا الإمكان جهة الاحتياج فهو عند المؤثر لا يبقى كما كان عند عدم المؤثر فإن الماهية مع المؤثر لا تبقى ممكنة ألبتة فعلم أن الحدوث لا يصلح جهة الاحتياج فيقال هذا من جنس الذي قبله والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال كون الماهية مع المؤثر لا تبقى ممكنة ألبتة هو وصف ثابت لها مع الحدوث أيضا بل لا يعلم ذلك إلا مع الحدوث فإن الممكن الذي يعلم أنه يصير واجبا بالفاعل هو المحدث أما القديم الأزلي فهو مورد النزاع وجمهور العقلاء يقولون نعلم ببديهة العقل أنه لا يكون له فاعل وبتقدير أن تكون المسألة نظرية فالمنازع لم يقم على ذلك دليلا ألبتة إذ لا دليل يدل على قدم شيء من العالم ألبته وإنما غاية الأدلة الصحيحة أن تدل على دوام الفاعلية وذلك يحصل بإحداث شيء بعد شيء وبكل حال فلا ريب أن الممكن المحدث واجب بفاعله وحينئذ فيقال الحدوث بعد العدم إذا كان بالفاعل اقتضى وجوب المحدث وأما إذا لم يكن بالفاعل امتنع الحدوث فلم يكن الحدوث بعد العدم مع المؤثر كهو لا مع المؤثر فأنه في هذه الحال واجب وفي هذه ممتنع كما أن الممكن مع المؤثر واجب وبدون المؤثر ممتنع

1

293

وإذا كان واجبا مع المؤثر مع كونه حادثا لم يحتج مع ذلك إلى مؤثر آخر والجواب الثاني أن يقال قوله الماهية مع المؤثر لا تبقى ممكنة ألبتة إن أراد به أنها لا تبقى محتاجة إلى المؤثر أو لا يبقى علة احتياجها هو الإمكان فهذا باطل وهو خلاف ما يقولونه دائما وإن أراد به أنها لا تبقى ممكنة العدم لوجوبها بالغير فهذا يناقض ما يقولونه من أنها باعتبار ذاتها يمكن وجودها وعدمها مع كونها واجبة بالغير وحينئذ فبطل قولهم إن القديم الأزلي يكون ممكنا فليس شيء من القديم الأولى بممكن وهذا ينعكس بانعكاس النقيض فلا يكون شيء من الممكن بقديم أزلي فثبت أن كل ممكن لا يوجد إلا بعد عدمه وهو المطلوب وإذا بطل المذهب بطلت جميع أدلته لأن القول لازم عن الأدلة فإذا انتفى اللازم انتفت الملزومات كلها والجواب الثالث قوله جهة الاحتياج لا بد وأن لا تبقى مع المؤثر كما كانت لا مع المؤثر أتريد به أن المحتاج إلى المؤثر لا يكون مع عدم المؤثر كما يكون مع المؤثر أم تريد أن علة احتياجه أو شرط احتياجه أو دليل احتياجه يختلف في الحالين فإن أردت الأول فهذا صحيح فإن المحدث بعد العدم لا يكون مع المؤثر كما كان مع عدم المؤثر فإنه

1

294

مع عدمه معدوم بل واجب العدم ومع وجوده موجود بل واجب الوجود وقوله لأن الحدوث هو الوجود بعد العدم سواء كان الوجود بالفاعل أو بغير الفاعل تقدير ممتنع فإن كونه بغير الفاعل ممتنع فلا يكون حدوث بعد العدم بغير الفاعل حتى يسوى بينه في هذه الحال وفي حال عدمها بل هذا مثل أن يقال رجحان وجوده على عدمه سواء كان بالفاعل أو بغير الفاعل وإن أردت بذلك أنه ما كان علمة أو دليلا أو شرطا في أحد الحالين لا يكون كذلك في الحال الأخرى فهذا باطل فإن علة احتياج الأثر إلى المؤثر إذا قيل هو الإمكان أو الحدوث أو مجموعهما فهو كذلك مطلقا فإنا نعلم أن المحدث لا يحدث إلا بفاعل سواء حدث أو لم يحدث والممكن لا يترجح وجوده إلا بمرجح سواء ترجح أو لم يترجح لكن هذا الاحتياج إنما يحقق في حال وجوده إذ ما دام معدوما فلا فاعل له وقولك وإلا لبقيت الحاجة مع المؤثر إلى موثر آخر إنما يدل على المعنى المسلم دون الممنوع فإنه يدل على أنه بالمؤثر يحصل وجوده لا يفتقر مع المؤثر إلى شيء آخر لا يدل على أنه مع المؤثر لا يكون

1

295

علة حاجتها أو دليلها أو شرطها الحدوث أو الإمكان أو مجموعهما بل هذا المعنى هو ثابت له حال وجوده أظهر من ثبوته له حال عدمه فإنه إنما يحتاج إلى ذلك حال وجوده لا حال عدمه وحينئذ فإذا قلنا احتاج إلى المؤثر لحدوثه بعد العدم وهذا الوصف ثابت له حال وجوده كنا قد أثبتنا علة حاجته وقت وجوده والعلة حاصلة وإذا قلنا العلة هي الإمكان وادعينا انتفاءها عند وجوده كنا قد عللنا حاجته إلى المؤثر بعد وقت وجوده بعلة منتفية وقت وجوده وهذا يدل على أن ما ذكره حجة عليهم لا لهم وهذا بين لمن تدبره وهذا وغيره مما يبين أن القوم لما غيروا فطرة الله التي فطر عليها عباده فخرجوا عن صريح المعقول وصحيح المنقول ودخلوا في هذا الإلحاد الذي هو من أعظم جوامع الكفر والعناد صار في أقوالهم من التناقض والفساد مالا يعلمه إلا رب العباد مع دعواهم أنهم أصحاب البراهين العقلية والمعارف الحكمية وأن العلوم الحقيقية فيما يقولونه لا فيما جاءت به رسل الله الذين هم أفضل الخليقة وأعلمهم بالحقيقة وهؤلاء الملاحدة يخالفون المعقولات والمسموعات بمثل هذه الضلالات إذ من البين أن المحتاج إلى الخالق الذي خلقه هو محتاج إليه في حال وجوده وكونه مخلوقا أما إذا قدر أنه باق على العدم ففي تلك الحال لا يحتاج عدمه إلى خالق لوجوده بل ولا فاعل لعدمه وهم

1

296

وإن قالوا عدمه يفتقر إلى فالمرجح فالمرجح عندهم عدم العلة فالجميع عدم لم يقولوا إن العدم يفتقر إلى موجود وإذا كان هذا بينا فقوله جهة الاحتجاج لا بد وأن لا تبقى مع المؤثر كما كانت لا مع المؤثر هو كلام ملبس فإن الاحتجاج إنما هو في حال كون المؤثر مؤثرا فكيف تزول حاجته إلى المؤثر في الحال التي هو فيها محتاج إلى المؤثر وكيف يكون محتاجا إلى المؤثر حين لم يؤثر فيه وهو معدوم لا يحتاج إلى مؤثر أصلا وفي حال احتياجه إليه لا يكون محتاجا إليه وإن قالوا هو في حال عدمه لا يمكن وجوده إلا بمؤثر قلنا فهذا بعض ما ذكرنا فإن كونه لا يوجد إلا بمؤثر أمر لازم له لا يقال إنه ثابت له في حال عدمه دون حال وجوده وإذا تبين أن الفعل مستلزم لحدوث المفعول وأن إرادة الفاعل أن يفعل مستلزمة لحدوث المراد فهذا يبين أن كل مفعول وكل ما أريد فعله فهو حادث بعد أن لم يكن عموما وعلم بهذا أنه يمتنع أن يكون ثم إرادة أزلية لشيء من الممكنات يقارنها مرادها أزلا وأبدا سواء كانت عامة لكل ما يصدر عنه أو كانت خاصة ببعض المفعولات ثم يقال أما كونها عامة لكل ما يصدر عنه فامتناعه ظاهر متفق

1

297

عليه بين العقلاء فإن ذلك يستلزم أن يكون كل ما صدر عنه بواسطة أو بغير واسطة قديما أزليا فيلزم أن لا يحدث في العالم شيء وهو مخالف لما يشهده الخلق من حدوث الحوادث في السماء والأرض وما بينهما من حدوث الحركات والأعيان والأعراض كحركة الشمس والقمر والكواكب وحركة الرياح وكالسحاب والمطر وما يحدث من الحيوان والنبات والمعدن وأما إرادة شيء معين فلما تقدم ولأنه حينئذ إما أن يقال ليس له إلا تلك الإرادة الأزلية وإما أن يقال له إرادات تحصل شيئا بعد شيء فإن قيل بالأول فإنه على هذا التقدير يكون المريد الأزلي في الأزل مقارنا لمراده الأزلي فلا يريد شيئا من الحوادث لا بالإرادة القديمة ولا بإرادة متجددة لأنه إذا قدر أن المريد الأزلي يجب أن يقارنه مرادة كان الحادث حادثا إما بإرادة أزلية فلا يقارن المريد مراده وإما حادثا بإرادة حادثة مقارنة له وهذا باطل لوجهين أحدهما أن التقدير أنه ليس له إلا إرادة واحدة أزلية الثاني أن حدوث تلك الإرادة يفتقر إلى سبب حادث والقول في ذلك السبب الحادث كالقول في غيره يمتنع أن يحدث بالإرادة الأزلية المستلزمة لمقارنة مرادها لها ويمتنع أن يحدث بلا إرادة لامتناع حدوث الحادث بلا إرادة فيجب على هذا التقدير أن تكون إرادة

1

298

الحادث المعين مشروط بإرادة له وبإرادة للحادث الذي قبله وأن الفاعل المبدع لم يزل مريدا لكل ما يحدث من المرادات وهذا هو التقدير الثاني وهو أن يقال لو أراد أن يحصل شيئا بعد شيء فكل مراد له محدث كائن بعد أن لم يكن وهو وحده المنفرد بالقدم ولأزلية وكل ما سواه مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن وعلى هذا التقدير فليس فيه إلا دوام الحوادث وتسلسلها وهذا هو التقدير الذي تكلمنا عليه ويلزم أن يقوم بذات الفاعل ما يريده ويقدر عليه وهذا هو قول أئمة أهل الحديث وكثير من أهل الكلام والفلسفة بل قول أساطينهم من المتقدمين والمتأخرين فتبين أنه يجب القول بحدوث كل ما سوى الله سواء سمى جسما أو عقلا أو نفسا وأنه يمتنع كون شيء من ذلك قديما سواء قيل بجواز دوام الحوادث وتسلسلها وأنه لا أول لها أوقيل بامتناع ذلك وسواء قيل بأن الحادث لا بد له من سبب حادث أو قيل بامتناع ذلك وأن القائلين بقدم العالم كالأفلاك والعقول والنفوس قولهم باطل في صريح العقل الذي لم يكذب قط على كل تقدير وهذا هو المطلوب وقد بسط الكلام على ما يتعلق يهذا في غير هذا الموضع فإن هذا الأصل هو الأصل الذي تصادمت فيه أئمة الطوائف من أهل

1

299

الفلسفة والكلام والحديث وغيرهم وهو الكلام في الحدث والقدم في أفعال الله وكلامه ويدخل في ذلك الكلام في حدوث العالم والكلام في كلام الله وأفعاله والكلام في هذين الأصلين من محارات العقول فالفلاسفة القائلون بقدم العالم كانوا في غاية البعد عن الحق الذي جاءت به الرسل الموافق لصريح المعقول وصحيح المنقول ولكنهم ألزموا أهل الكلام الذين وافقوهم على نفي قيام الأفعال والصفات بذاته أو على نفي قيام الأفعال بذاته بلوازم قولهم فظهر بذلك من تناقض أهل الكلام ما استطال به عليهم هؤلاء الملحدون وذمهم به علماء المؤمنين من السلف والأئمة وأتباعهم وكان كلامهم من الكلام الذي ذمهم به السلف لما فيه من الخطأ والضلال الذي خالفوا به الحق في مسائلهم ودلائلهم فبقوا فيه مذبذبين متناقضين لم يصدقوا بما جاءت به الرسل على وجهه ولا قهروا أعداء الملة بالحق الصريح المعقول وسبب ذلك أنهم لم يحققوا ما أخبرت به الرسل ولم يعلموه ولم يؤمنوا به ولا حققوا موجبات العقول فنقصوا في علمهم بالسمعيات والعقليات وإن كان لهم منهما نصيب كبير فوافقوا في بعض ما

1

300

قالوا الكفار الذين قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير سورة الملك وفرعوا من الكلام في صفات الله وأفعاله ما هو بدعة مخالفة للشرع وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فهي مخالفة للعقل كما هي مخالفة للشرع والذي نبهنا عليه هنا يعلم به دلالة العقل الصريح على ما جاءت به الرسل ولا ريب أن كثيرا من طوائف المسلمين يخطئ في كثير من دلائله ومسائله فلا يسوغ ولا يمكن نصر قوله مطلقا بل الواجب أن لا يقال إلا الحق قال تعالى ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق سورة الأعراف وإذا كان المقصود نصر حق اتفق عليه أهل الملة أو رد باطل اتفقوا على أنه باطل نصر بالطريق الذي يفيد ذلك وإن لم يستقم دليله على طريقة طائفة من طوائف أهل القبلة بين كيف يمكن إثباته بطريقة مؤلفة من قولها وقول طائفة أخرى فإن تلك الطائفة أن توافق طائفة من طوائف المسلمين خير لها من أن تخرج عن دين الإسلام وكذلك أن توافق المعقول الصريح خير من أن تخرج عن المعقول بالكلية والقول كلما كان أفسد في الشرع كان أفسد في العقل فإن الحق لا يتناقض والرسل إنما أخبرت بالحق والله فطر عباده على معرفة الحق والرسل بعثت بتكميل الفطرة لا بتغيير الفطرة قال تعالى سنريهم آياتنا في

1

301

الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق سورة فصلت فأخبر أنه سيريهم الآيات الأفقية والنفسية المبينة لأن القرآن الذي أخبر به عباده حق فتتطابق الدلالة البرهانية القرآنية والبرهانية العيانية ويتصادق موجب الشرع المنقول والنظر المعقول لكن أهل الكلام المحدث الذي ذمه السلف والأئمة من الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم من المنتسبين إلى السنة من المتأخرين ابتدعوا في أصول دينهم حكما ودليلا فأخبروا عن قول أهل الملل بما لم ينطق به كتاب ولا سنة واستدلوا على ذلك بطريقة لا أصل لها في كتاب ولا سنة فكان القول الذي أصلوه ونقلوه عن أهل الملل والدليل عليه كلاهما بدعة في الشرع لا أصل لواحد منهما في كتاب ولا سنة مع أن أتباعهم يظنون أن هذا هو دين المسلمين فكانوا في مخالفة المعقول بمنزلتهم في مخالفة المنقول وقابلتهم الملاحدة المتفلسفة الذين هم أشد مخالفة لصحيح المنقول وصريح المعقول وما ذكرناه هنا هو مما يعلم به حدوث كل ما سوى الله وامتناع قدم شيء بعينه من العالم بقدم الله يفيد المطلوب على كل تقدير من التقديرات ويمكن التغيير عنه بأنواع من العبارات وتأليفه على وجوه من التأليفات فإن المادة إذا كانت مادة صحيحة أمكن تصويرها بأنواع من الصور وهي في ذلك يظهر أنها صحيحة بخلاف الأدلة

1

302

المغالطية التي قد ركبت على وجه معين بألفاظ معينة فإنها متى غير ترتيبها وألفاظها ونقلت من صورة إلى صورة ظهر خطؤها فالأولى كالذهب الصحيح فإنه إذا نقل من صورة إلى صورة لم يتغير جوهره بل يتبين أنه ذهب وأما المغشوش فإنه إذا غير من صورة ظهر أنه مغشوش وهذه الأدلة المذكورة دالة على حدوث كل ما سوى الله وأن كل ما سوى الله حادث كائن بعد أن لم يكن سواء قيل بدوام نوع الفعل كما يقوله أئمة أهل الحديث وأئمة الفلاسفة أو لم يقل ولكن من لم يقل بذلك يظهر بينه وبين طوائف أهل الملل وغيرها من النزاع والخصومات والمكابرات ما أغنى الله عنه من لم يشركه في ذلك أو تتكافأ عنده الأدلة ويبقى في أنواع من الحيرة والشك والاضطراب قد عافى الله منها من هداه وبين له الحق قال تعالى كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم سورة البقرة

1

303

فالخالق سبحانه يمتنع أن يكون مقارنا له في القدم شيء من العالم كائنا ما كان سواء قيل إنه يخلق بمشيئته وقدرته كما يقوله المسلمون وغيرهم أو قيل إنه موجب بذاته أو علة مستلزمة للمعلول أو سمى مؤثرا لكون لفظ التأثير يعم هذه الأنواع فيدخل فيه الفاعل باختياره ويدخل فيه بذاته وغير ذلك بل هو المختص بالقدم الذي استحق ما سواه كونه مسبوقا بالعدم ولكن الاستدلال على ذلك بالطريقة الجهمية المعتزلية طريقة الأعراض والحركة والسكون التي مبناها على أن الأجسام محدثة لكونها لا تخلو عن الحوادث وامتناع حوادث لا أول لها طريقة مبتدعة في الشرع باتفاق أهل العلم بالسنة وطريقة مخطرة مخوفة في العقل بل مذمومة عند طوائف كثيرة وإن لم يعلم بطلانها لكثرة مقدماتها وخفائها والنزاع فيها عند كثير من أهل النظر كالأشعري في رسالته إلى أهل الثغر ومن سلك سبيله في ذلك كالخطابي وأبي عمر

1

304

الطلمنكي وغيرهم وهي طريقة باطلة في الشرع والعقل عند محققي الأئمة العالمين بحقائق المعقول والمسموع والاستدلال بهذه الطريق أوجب نفي صفات الله القائمة به ونفى أفعاله القائمة به وأوجبت من بدع الجهمية ما هو معروف عند سلف الأمة وسلطت بذلك الدهرية على القدح فيما جاءت به الرسل عن الله فلا قامت بتقرير الدين ولا قمعت أعداءه الملحدين وهي التي أوجبت على من سلكها قولهم إن الله لم يتكلم بل كلامه مخلوق فإنه بتقدير صحتها تستلزم هذا القول وأما ما أحدثه ابن كلاب ومن اتبعه من القول بقدم شيء منه معين إما معنى واحد وإما حروف وأصوات معينة يقترن بعضها ببعض أزلا وأبدا فهي أقوال محدثة بعد حدوث القول بخلق القرآن وفيها من الفساد شرعا وعقلا ما يطول وصفه لكن القائلون بها

1

305

بينوا فساد قول من قال هو مخلوق من الجهمية والمعتزلة فكان في كلام كل طائفة من هؤلاء من الفائدة بيان فساد قول الطائفة الأخرى لا صحة قولها إذ الأقوال المخالفه للحق كلها باطلة وكان الناس لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم في ضلال عظيم كما في صحيح مسلم من حديث عياش بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وإن ربي قال لي قم في قريش فأنذرهم فقلت أي رب إذن يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة فقال إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان فابعث جندا ابعث مثليهم وقاتل بمن أطاعك من عصاك وأنفق أنفق عليك وقال إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا الحديث بطوله

1

306

وكان المسلمون على ما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحق الموافق لصحيح المنقول وصريح المعقول فلما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ووقعت الفتنة فاقتتل المسلمون بصفين مرقت المارقة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولي الطائفتين بالحق وكان مروقها لما حكم الحكمان وافترق الناس على غير اتفاق وحدثت أيضا بدعة التشيع كالغلاة المدعين لإلاهية علي والمدعين النص على علي رضي الله عنه السابين لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فعاقب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الطائفتين قاتل المارقين وأمر بإحراق أولئك الذين ادعوا فيه الإلاهية فإنه خرج ذات يوم فسجدوا له فقال لهم ما هذا فقالوا أنت هو قال من أنا قالوا أنت الله الذي لا إله إلا هو فقال ويحكم

1

307

هذا كفر ارجعوا عنه وإلا ضربت أعناقكم فصنعوا به في اليوم الثاني والثالث كذلك فأخرهم ثلاثة أيام لأن المرتد يستتاب ثلاثة أيام فلما لم يرجعوا أمر بأخاديد من نار فخدت عند باب كندة وقذفهم في تلك النار وروى عنه أنه قال لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا وقتل هؤلاء واجب باتفاق المسلمين لكن في جواز تحريقهم نزاع فعلي رضي الله عنه رأى تحريقهم وخالفه ابن عباس وغيره من الفقهاء قال ابن عباس أما أنا فلو كنت لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ولضربت أعناقهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه وهذا الحديث في صحيح البخاري وأما السبابة الذين يسبون أبا بكر وعمر فإن عليا لما بلغه ذلك

1

308

طلب ابن السوداء الذي بلغه ذلك وقيل إنه أراد قتله فهرب منه إلى أرض قرقيسيا وأما المفضلة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر فروى عنه أنه قال لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري وقد تواتر عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر روى ذلك عنه من أكثر من ثمانين وجها ورواه البخاري وغيره ولهذا كانت الشيعة المتقدمون كلهم متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر كما ذكر ذلك غير واحد فهاتان البدعتان بدعة الخوارج والشيعة حدثنا في ذلك الوقت لما وقعت الفتنة ثم إنه في أواخر عصر الصحابة حدثت بدعة القدرية

1

309

والمرجئة فأنكر ذلك الصحابة والتابعون كعبد الله بن عمر وعبد الله ابن عباس وجابر بن عبد الله وواثلة بن الأسقع ثم إنه في أواخر عصر التابعين من أوائل المائة الثانية حدثت بدعة الجهمية منكرة الصفات وكان أول من أظهر ذلك الجعد بن درهم فطلبه خالد بن عبد الله القسري فضحى به بواسط فخطب الناس يوم النحر وقال أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل فذبحه ثم ظهر بهذا المذهب الجهم بن صفوان ودخلت فيه بعد ذلك المعتزلة وهؤلاء أول من عرف عنهم في الإسلام أنهم أثبتوا حدوث

1

310

العالم بحدوث الإجسام وأثبتوا حدوث الأجسام بحدوث ما يستلزمها من الأعراض وقالوا الأجسام لا تنفك عن أعراض محدثة وما لا ينفك عن الحوادث أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها ثم إنهم تفرقوا عن هذا الأصل فلما قالوا بامتناع دوام الحوادث في الماضي عورضوا بالمستقبل فطرد إماما هذه الطريقة هذا الأصل وهما إمام الجهمية الجهم بن صفوان وأبو الهذيل العلاف إمام المعتزلة وقالا بامتناع دوام الحوادث في المستقبل والماضي ثم إن جهما قال إذا كان الأمر كذلك لزم فناء الجنة والنار وأنه يعدم كل ما سوى الله كما كان ما سواه معدوما وكان هذا مما أنكره السلف والأئمة على الجهمية وعدوه من كفرهم وقالوا إن الله تعالى يقول إن هذا لرزقنا ماله من نفاد سورة ص وقال تعالى أكلها دائم وظلها سورة الرعد إلى غير ذلك من النصوص الدالة على بقاء نعيم الجنة وأما أبو الهذيل فقال إن الدليل إنما دل على انقطاع الحوادث فقط فيمكن بقاء الجنة والنار لكن تنقطع الحركات فيبقى أهل الجنة والنار ساكنين ليس فيهما حركة أصلا ولا شيء يحدث ولزمه على ذلك أن يثبت أجساما باقية دائمة خالية عن الحوادث فيلزم وجود أجسام بلا

1

311

حوادث فينتقض الأصل الذي أصلوه وهو أن الأجسام لا تخلو عن الحوادث وهذا هو الأصل الذي أصله هشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي وغيرهما من المجسمة الرافضة وغير الرافضة كالكرامية فقالوا بل يجوز ثبوت جسم قديم أزلي لا أول لوجوده وهو خال عن جميع الحوادث وهؤلاء عندهم الجسم القديم الأزلي يخلو عن الحوادث وأما الأجسام المخلوقة فلا تخلو عن الحوادث ويقولون ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث لكن لا يقولون إن كل جسم فإنه لا يخلو عن الحوادث ثم إن هؤلاء الجهمية أصحاب هذا الأصل المبتدع احتاجوا أن يلتزموا طرد هذا الأصل فقالوا إن الرب لا تقوم به الصفات ولا الأفعال فأنها أعراض وحوادث وهذه لا تقوم إلا بجسم والأجسام محدثة فيلزم أن لا يقوم بالرب علم ولا قدرة ولا كلام ولا مشيئة ولا رحمة ولا رضا ولا غضب ولا غير ذلك من الصفات بل جميع ما يوصف به من ذلك فإنما هو مخلوق منفصل عنه

1

312

والجهمية كانوا يقولون قولنا إنه يتكلم هو مجاز والمعتزلة قالوا إنه متكلم حقيقة لكن المعنى واحد فكان أصل هؤلاء هو المادة التي تشعبت عنها هذه البدع فجاء ابن كلاب بعد هؤلاء لما ظهرت المحنة المشهورة وامتحن الإمام أحمد بن حنبل وغيره من ائمة السنة وثبت الله الإمام أحمد بن حنبل وجرت أمور كثيرة معروفة وانتشر بين الأمة النزاع في هذه المسائل قام أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري وصنف في الرد على الجهمية والمعتزلة مصنفات وبين تناقضهم فيها وكشف كثيرا من عوراتهم لكن سلم لهم ذلك الأصل الذي هو ينبوع البدع فاحتاج لذلك أن يقول إن الرب لا تقوم به الأمور الاختيارية ولا يتكلم بمشيئته وقدرته ولا نادى موسى حين جاء الطور بل ولا يقوم به نداء حقيقي ولا يكون إيمان العباد وعملهم الصالح هو السبب في رضاه ومحبته ولا كفرهم هو السبب في سخطه وغضبه فلا يكون بعد أعمالهم لا حب ولا رضا ولا سخط ولا فرج ولا غير ذلك مما أخبرت به نصوص الكتاب والسنة قال تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله سورة

1

313

آل عمران وقال تعالى ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم سورة محمد وقال تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم سورة الزخرف وقال تعالى إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم سورة الزمر وقال تعالى إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون سورة آل عمران وقال تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة أسجدوا لآدم سورة الأعراف وأمثال ذلك من نصوص الكتاب والسنة التي لا تحصى إلا بكلفة وهي تبلغ مئين من نصوص القرآن والحديث كما ذكرنا طرفا منها في غير هذا الموضع وذكرنا كلام السلف والخلف في هذا الأصل وذكرنا مذاهب القدماء من الفلاسفة أيضا وموافقة أساطينهم على هذا الأصل ثم إنه بسبب ذلك تفرق الناس في مسألة القرآن فاحتاج ابن كلاب ومتبعوه إلى أن يقولوا هو قديم وإنه لازم لذات الله وإن الله لم يتكلم بمشيئته وقدرته وجعلوا جميع ما يتكلم به قديم العين لم يقولوا إنه

1

314

يتكلم بمشيئته وقدرته أزلا وأبدا وإن كلامه قديم بمعنى أنه قديم النوع لم يزل الله متكلما بمشيئته كما قاله السلف والأئمة ثم قالوا إنه قديم العين وافترقوا على حزبين حزب قالوا يمتنع أن يكون القديم هو الحروف والأصوات لامتناع البقاء عليها وكونها توجد شيئا بعد شيء لأن المسبوق بغيره لا يكون قديما فالقديم هو المعنى ويمتنع وجود معان لا نهاية لها في آن واحد والتخصيص بعدد دون عدد لا موجب له فالقديم معنى واحد هو الأمر بكل مأمور والخبر عن كل مخبر وهو معنى التوراة والإنجيل والقرآن وهو معنى آية الكرسي وآية الدين وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وأنكروا أن يكون الكلام العربي كلام الله والحزب الثاني قالوا بل الحروف أو الحروف والأصوات قديمة أزلية الأعيان وقالوا الترتيب في ذاتها لا في وجودها وفرقوا بين الحقيقة وبين وجود الحقيقة كما يفرق كثير من أهل الكلام بين وجود الرب وبين حقيقته وكثير منهم ومن الفلاسفة يفرق بين وجود الممكنات وبين حقيقتها وقالوا الترتيب هو في حقيقتها لا في وجودها بل هي موجودة أزلا وأبدا لم يسبق منها شيء شيئا وإن كانت حقيقتها

1

315

مرتبة ترتيبا عقليا كترتيب الذات على الصفات وكترتيب المعلول على العلة كما يقوله المتفلسفة القائلون بقدم العالم حيث قالوا إن الرب متقدم على العالم بذاته وحقيقته ولم يتقدم عليه تقدما زمانيا وقالوا في تقدم بعض كلامه على بعض كما قال هؤلاء في تقدمه على معلوله وهؤلاء يجعلون التقدم والتأخر والترتيب نوعين عقليا ووجوديا ويدعون أن ما أثبتوه من الترتيب والتقدم والتأخر هو عقلي لا وجودي وأما جمهور العقلاء فينكرون هذا ويقولون إن قول هؤلاء معلوم الفساد بالضرورة وإن الترتيب والتقدم والتأخر لا يعقل إلا وجود الشيء بعد غيره لا يمكن مع كونه معه إلا أن يكون بعده كما يقولون إن المعلول لا يكون إلا بعد العلة ولا يكون إلا معها وهذه الأمور قد بسطت في غير هذا الموضع بسطا كبيرا ولكن ذكر هنا ما تيسر والمقصود أن هذه الطريق الكلامية التي ابتدعتها الجهمية والمعتزلة وأنكرها سلف الأمة وأئمتها صارت عند كثير من النظار المتأخرين هي دين الإسلام بل يعتقدون أن من خالفها فقد خالف دين الإسلام مع أنه لم ينطق بما فيها من الحكم والدليل لا آية من كتاب الله ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة والتابعين لهم

1

316

بإحسان فكيف يكون دين الإسلام بل أصل أصول دين الإسلام مما لم يدل عليه لا كتاب ول سنة ولا قول أحد من السلف ثم حدث بعد هذا في الإسلام الملاحدة من المتفلسفة وغيرهم حدثوا وانتشروا بعد انقراض العصور المفضلة وصار كل زمان ومكان يضعف فيه نور الإسلام يظهرون فيه وكان من أسباب ظهورهم أنهم ظنوا أن دين الإسلام ليس إلا ما يقوله أولئك المبتدعون ورأوا ذلك فسادا في العقل فرأوا دين الإسلام المعروف فاسدا في العقل فكان غلاتهم طاعنين في دين الإسلام بالكلية باليد واللسان كالخرمية أتباع بابك الخرمي وقرامطة البحرين أتباع أبي سعيد الجنابي وغيرهم

1

317

وأما مقتصدوهم وعقلاؤهم فرأوا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فيه من الخير والصلاح مالا يمكن القدح فيه بل اعترف حذاقهم بما قاله ابن سينا وغيره من أنه لم يقرع العالم ناموس أفضل من ناموس محمد صلى الله عليه وسلم وكان هذا موجب عقلهم وفلسفتهم فإنهم نظروا في أرباب النواميس من اليونان فرأوا أن الناموس الذي جاء به موسى وعيسى أعظم من نواميس أولئك بأمر عظيم ولهذا لما ورد ناموس عيسى بن مريم عليه السلام على الروم انتقلوا عن الفلسفة اليونانية إلى دين المسيح وكان أرسطو قبل المسيح بن مريم عليه السلام بنحو ثلاثمائة سنة كان وزيرا للإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي غلب على الفرس وهو الذي يؤرخ له اليوم بالتاريخ الرومي تؤرخ له اليهود والنصارى وليس هذا الإسكندر هو ذا القرنين المذكور في القرآن كما يظن ذلك

1

318

طائفة من الناس فإن ذلك كان متقدما على هذا وذلك المتقدم هو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج وهذا المقدوني لم يصل إلى السد وذاك كان مسلما موحدا وهذا المقدوني كان مشركا هو وأهل بلده اليونان كانوا مشركين يعبدون الكواكب والأوثان وقد قيل إن آخر ملوكهم كان هو بطليموس صاحب المجسطى وأنهم بعده انتقلوا إلى دين المسيح فإن الناموس الذي بعث به المسيح كان أعظم وأجل بل النصارى بعد أن غيروا دين المسيح وبدلوا هم أقرب إلى الهدى ودين الحق من أولئك الفلاسفة الذين كانوا مشركين وشرك أولئك الغليظ هو مما أوجب إفساد دين المسيح كما ذكره طائفة من أهل العلم قالوا كان أولئك يعبدون الأصنام ويعبدون الشمس والقمر والكواكب ويسجدون لها

1

319

والله تعالى إنما بعث المسيح بدين الإسلام كما بعث سائر الرسل بدين الإسلام وهو عبادة الله وحده لا شريك له قال تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون س سورة الزخرف وقال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فأعبدون سورة الأنبياء وقال تعالى ولقد بعثنا في كل أمه رسولا أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة سورة النحل وقد أخبر الله تعالى عن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وغيرهم من الرسل والمؤمنين إلى زمن الحواريين أن دينهم كان الإسلام قال تعالى عن نوح عليه السلام إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءهم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم أقضوا إلى ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين سورة يونس وقال تعالى عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه

1

320

نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون سورة البقرة وقال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين سورة يونس وقال إن أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا سورة المائدة وقال عن بلقيس رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين سورة النمل وقال عن الحواريين وإذ أوحيت إلى الحواديين أن أمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأننا مسلمون سورة المائدة ولما كان المسيح صلوات الله عليه قد بعث بما بعث به المرسلون قبله من عباده الله وحده لا شريك له وأحل لهم بعض ما كان حرم عليهم في التوراة وبقي أتباعه على ملته مدة قيل أقل من مائة سنة ثم ظهرت فيهم البدع بسبب معاداتهم لليهود صاروا يقصدون خلافهم فغلوا في المسيح وأحلوا أشياء حرمها وأباحوا الخنزير وغير ذلك

1

321

وابتدعوا شركاء بسبب شرك الأمم فإن أولئك المشركين من اليونان والروم وغيرهم كانوا يسجدون للشمس والقمر والأوثان فنقلتهم النصارى عن عبادة الأصنام المجسدة التي لها ظل إلى عبادة التماثيل المصورة في الكنائس وابتدعوا الصلاة إلى المشرق فصلوا إلى حيث تظهر الشمس والقمر والكواكب واعتاضوا بالصلاة إليها والسجود إليها عن الصلاة لها والسجود لها والمقصود أن النصارى بعد تبديل دينهم كان ناموسهم ودينهم خيرا من دين أولئك اليونان أتباع الفلاسفة فلهذا كان الفلاسفة الذين رأوا دين الإسلام يقولون إن ناموس محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع النواميس ورأوا أنه أفضل من نواميس النصارى والمجوس وغيرهم فلم يطعنوا في دين محمد صلى الله عليه وسلم كما طعن أولئك المظهرون للزندقة من الفلاسفة ورأوا أن ما يقوله أولئك المتكلمون فيه ما يخالف صريح المعقول فطعنوا بذلك عليهم وصاروا يقولون من أنصف ولم يتعصب ولم يتبع الهوى لا يقول ما يقوله هؤلاء في المبدأ والمعاد وكان لهم أقوال فاسدة في العقل أيضا تلقوها من سلفهم الفلاسفة ورأوا ما تقوله فيه ما يخالف العقول وطعنوا بذلك

1

322

الفلاسفة ورأوا أن ما تواتر عن الرسل يخالفها فسلكوا طريقتهم الباطنية فقالوا إن الرسل لم تبين العلم والحقائق التي يقوم عليها البرهان في الأمور العلمية ثم منهم من قال إن الرسل علمت ذلك وما بينته ومنهم من يقول إنها لم تعلمه وإنما كانوا بارعين في الحكمة العملية دون الحكمة العلمية ولكن خاطبوا الجمهور بخطاب تخييلي خيلت لهم في أمر الإيمان بالله واليوم الآخر ما ينفعهم اعتقاده في سياستهم وإن كان ذلك اعتقادا باطلا لا يطابق الحقائق وهؤلاء المتفلسفة لا يجوزون تأويل ذلك لأن المقصود بذلك عندهم التخييل والتأويل يناقض مقصوده وهم يقرون بالعبادات لكن يقولون مقصودها إصلاح أخلاق النفس وقد يقولون إنها تسقط عن الخاصة العارفين بالحقائق فكانت بدعة أولئك المتكلمين مما أعانت إلحاد هؤلاء الملحدين وقد بسط الكلام في كشف أسرارهم وبيان مخالفتهم لصريح المعقول وصحيح المنقول في غير هذا الموضع وذكر أن المعقولات الصريحة موافقة لما أخبرت به الرسل لا تناقض ذلك ونبهنا في مواضع على ما يستوجب الاستغناء عن الطرق الباطلة المبتدعة وما به يعلم

1

323

ما يوافق خير الرسول وبينا أن الطرق الصحيحة في المعقول هي مطابقة لما أخبر به الرسول مثل هذه الطرق وغيرها فإنه يعلم بصريح المعقول أن فاعل العالم إذا قيل إنه علة تامة أزلية والعلة التامة تستلزم معلولها لزم أن لا يتخلف عنه في القدم شيء من المعلول فلا يحدث عنه شيء لا بواسطة ولا بغير واسطة ويمتنع أن يصير علة لمفعول بعد مفعول من غير أن يقوم به ما يصير علة للثاني فيمتنع مع تماثل أحواله أن تختلف مفعولاته ويحدث منها شيء وهذا مما لا ينازع فيه عاقل تصوره تصورا جيدا وحذاقهم معترفون بهذا كما يذكره ابن رشد الحفيد وأبو عبد الله الرازي وغيرهما من أن صدور المتغيرات المختلفة عن الواحد البسيط مما تنكره العقول وكذلك إذ سمى موجبا بالذات وكذلك إذا قيل مؤثر تام التأثير في الأزل أو مرجح تام الترجيح في الأزل أو نحو ذلك وكذلك إذا قيل هو قادر مختار يستلزم وجود مراده في الأزل فإنه إذا استلزم وجود مراده في الأزل لزم أن لا يحدث شيء من مراده فلا يحدث في العالم شيء إذ لا يحدث شيء إلا بإرادته فلو كانت إرادته أزلية مستلزمة لوجود مرادها معها في الأزل لزم أن لا يكون شيء من المرادات حادثا

1

324

فلا يكون في العالم حادث وهو خلاف المشاهدة وهم لا يقولون به ولا يقول عاقل إنه علة تامة أزلية لجميع معلولاتها ولا موجب أزلي لجميع العالم حتى أشخاصه ولا يقول أحد إن جميع مراده مقارن له في الأزل بل يقولون إن أصول العالم كالأفلاك والعناصر هي الأزلية القديمة بأعيانها وإن الحركات والمولدات قديمة النوع أو يقولون إن مواد هذا العالم كالجواهر المفردة أو الهيولى أو غير ذلك هي قديمة أزلية بأعيانها وهذا كله باطل إذ كان قدم شيء من ذلك يستلزم أن يكون فاعله مستلزما له في الأزل سواء سمى موجبا له بذاته في الأزل أو علة تامة قديمة مستلزمة لمعلولها أو قيل إنه فاعل بإرادته الأزلية المستلزمة للمفعول المراد في الأزل وإذا قيل هو علة تامة لأصول العالم دون حوادثه أو هو مريد بإرادة أزلية مستلزمة لاقتران مرادها بها في الأزل لكن تلك الإرادة الأزلية المقارنة لمرادها إنما تعلقت بأصول العالم دون حوادثه قيل لهم هذا باطل من وجوه منها أن مقارنة المفعول المعين لفاعله لا سيما مقارنته له أزلا

1

325

وأبدا ممتنع في صرائح العقول بل وفي بداية العقول بعد التصور التام وإذا قالوا العلوم الضرورية لا يجتمع على جحدها طائفة من العقلاء الذين لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب قيل لهم لا جرم هذا القول لم يتفق عليه طائفة من العقلاء من غير تواطؤ بل جماهير العقلاء من الأولين والآخرين ينكرونه غاية الإنكار وإنما تقوله طائفة واحدة بعضهم عن بعض على سبيل مواطأة بعضهم لبعض وتلقى بعضهم عن بعض ومع المواطأة تجوز المواطأة على تعمد الكذب وعلى الأمور المشتبهة كالمذاهب الباطلة التي يعلم فسادها بالضرورة وقد توارثها طائفة تلقاها بعضهم عن بعض بخلاف الأقوال التي يقر بها الناس عن غير مواطأة فتلك لا يكون منها ما يعلم فساده ببديهة العقل ولهذا كان في عامة أقوال الكفار وأهل البدع من المشركين والنصارى والرافضة والجهمية وغيرهم ما يعلم فساده بضرورة العقل ولكن قاله طائفة تلقاه بعضهم عن بعض ومنها أن يقال لو كان هذا حقا لامتنع حدوث الحوادث في العالم جملة ولم يكن للحوادث محدث أصلا وهذا من أظهر ما يعلم فساده بضرورة العقل فإن العلة إذا كانت تامة أزلية قارنها معلولها وكان ما

1

326

يحدث غير معلولها لأنه لو كان معلولا لها لكان قد تأخر المعلول أو بعض المعلول عن علته التامة والعلة التامة لا يجوز أن يتأخر عنها لا معلولها ولا بعض معلولها فكل ما حدث لا يحدث عن علة تامة أزلية وواجب الوجود عندهم علة تامة أزلية فيلزم أن لا يحدث عنه حادث لا بواسطة ولا بغير واسطة وما يعتذرون به في هذا المكان من قولهم إنما تأخرت الحوادث لتأخر الاستعداد ونحوه من أفسد الأقوال فإن هذا إنما يمكن أن يقال فيما يكون علة وجوده غير علة استعداده وقبوله كما يحدث عن الشمس فإنها تارة تلين وترطب كما تلين الثمار بعد يبسها بسبب ما يحصل فيها من الرطوبة فتجتمع الرطوبة المائية والسخونة الشمسية فتنضج الثمار وتلين وتارة تجفف وتيبس كما يحصل للثمار بعد تناهي نضجها فإنه ينقطع عنها الاستمداد من الرطوبة فتبقى حرارة تفعل في رطوبة من غير إمداد فتجففها كما تجفف الشمس والنار وغيرهما لغير ذلك من الأجسام الرطبة والمقصود أنه في مثل ذلك قد يتأخر فعل الفاعل لعدم استعداد القابل ولو قدر أن ما يدعونه من العقل الفعال له حقيقة لكان تأخر فيضه حتى تستعد القوابل من هذا الباب وأما واجب الوجود الفاعل لكل

1

327

ما سواه الذي لا يتوقف فعله على أمر آخر من غيره لا إعداد ولا إمداد ولا قبول ولا غير ذلك بل نفسه هي المستلزمة لفعله فلو قدر أنه علة تامة أزلية لوجب أن يقارنه معلوله كله ولا يتأخر عنه شيء من مفعولاته وإذا تأخر شيء من مفعولاته ولو كان مفعولا بواسطة علم أنه لم يكن علة تامة له في الأزل وأنه صار علة بعد أن لم يكن وإذا قيل الحركة الفلكية هي سبب حدوث الحوادث قيل وهذا أيضا مما يعلم بطلانه فإن الحركة الحادثة شيئا بعد شيء يمتنع أن يكون الموجب لها علة تامة أزلية فإن هذه يقارنها معلولها أزلا وأبدا والحركة الحادثة شيئا بعد شيء يمتنع أن تكون مقارنة لعلتها في الأزل فعلم أن الموجب لحدوثها ليس علة تامة أزلية بل لا بد أن يكون الرب متصفا بأفعال تقوم به شيئا بعد شيء بسبب ما يقوم به يحدث عنه ما يحدث مثل مشيئته القائمة بذاته وكلماته القائمة بذاته وأفعاله الاختيارية القائمة بذاته ومنها أن الحوادث بعد ذلك لا بد لها من محدث ويمتنع أن يحدثها غيره لأنه لا رب غيره ولأن القول فيه في ذلك الحدث كالقول فيه إما أن يكون علة تامة في الأزل وإما أن لا يكون ويعود التقسيم وإذا قالوا إنما تأخر الثاني لتأخر حدوث القوابل والشروط التي بها قبل الفيض

1

328

قيل لهم هذا يعقل فيما إذا كان حدوث القوابل من غيره كما في حدوث الشعاع عن الشمس وكما يقولونه في العقل الفعال وأما إذا كان هو الفاعل للقابل والمقبول والشرط والمشروط وهو علة تامة أزلية لما يصدر عنه وجب مقارنة معلوله كله له ولم يجز أن يتأخر عنه شيء فإنه يمتنع أن يصير فاعلا بعد أن لم يكن من غير إحداثه لشيءوإحداثه لشيء مع كونه علة تامة أزلية ممتنع وكونه علة لنوع الحوادث مع عدم حدوث فعل يقوم به ممتنع ولأن صدور العالم عن فاعلين ممتنع سواء كانا مشتركين في جميعه أو كان هذا فاعلا لبعضه وهذا فاعلا لبعضه كما قد بسط في غير هذا الموضع وهذا مما لا نزاع فيه فإنه لم يثبت أحد من العقلاء أن العالم صدر عن اثنين متكافئين في الصفات والأفعال ولا قال أحد من العقلاء إن أصول العالم القديمة صدرت عن واحد وحوادثه صدرت عن آخر فإن العالم لا يخلو من الحوادث وفعل الملزوم بدون لازمه ممتنع ولو كان الفاعل للوازمه غيره لزم أن لا يتم فعل واحد منهما إلا بالآخر فيلزم الدور في الفاعلين وكون كل واحد من الربين لا يصير ربا إلا بالآخر ولا يصير قادرا إلا بالآخر ولا يصير فاعلا إلا بالأخر فلا

1

329

يصير هذا قادرا حتى يجعله الآخر قادرا ولا يصير هذا قادرا حتى يجعله الآخر قادرا فيمتنع والحال هذه أن يصير واحد منهما قادرا وهذا مبسوط في موضعه وذلك مما يبين أنه لا فاعل للحوادث إلا هو وحينئذ فإن حدثت عنه بدون سبب حادث لزم حدوث الحادث بلا سبب حادث وهذا إذا جاز جاز حدوث العالم كله بلا سبب حادث وأيضا فإنه يلزم أن يكون العالم قديما أزليا خاليا عن شئ من الحوادث وأن الحوادث حدثت فيه بعد ذلك بدون سبب حادث وهذا ممتنع بالاتفاق والبرهان لوجوه كثيرة مثل اقتضائه عدم القديم الواجب بنفسه أو بغيره فإنه إذا قدر معلول قديم أزلي على حال من الأحوال ثم حدثت فيه الحوادث فلا بد أن يتغير من صفة إلى صفة يزول ما كان موجودا ويحدث ما لم يكن موجودا وزوال ما كان موجودا ممتنع فإن القديم إنما يكون قديما إذا كان واجبا بنفسه أو بغيره فإن ما كان واجبا بنفسه أو بغيره يمتنع عدمه وما كان قديما يمتنع عدمه أيضا بل القديم لا يكون قديما إلا إذا كان واجبا بنفسه

1

330

أو بغيره فما علم أنه كان قديما واجبا بنفسه أو بغيره يكون العلم بامتناع عدمه أوكد وأوكد والعالم إذا كان شيء منه قديما أزليا لا حادث فيه ثم حدث فيه حادث فقد غيره من الحال القديمة الأزلية الواجبة بنفسها أو بغيرها إلى حال أخرى تخالفها وهذا مع أنه ممتنع فإذا كان هذا بدون سبب حادث كان ممتنعا من هذا الوجه ومن هذا الوجه وأيضا فالعالم لا يتصور انفكاكه عن مقارنة الحوادث فإن الأجسام لا تخلو عن مقارنة الحوادث الحركة وغيرها والعالم ليس فيه إلا ما هو قائم بنفسه أو بغيره بلا نزاع بين العقلاء وتلك الأعيان لا تخلو عن مقارنة الحوادث فإنها لو خلت عنها ثم قارنتها للزم حدوث الحوادث بلا سبب وهذا باطل وإن لم يكن هذا باطلا جاز حدوث الحوادث بلا سبب فبطل القول بقدم العالم ثم كثير من النظار يقول ليس في العالم إلا جسم أو عرض وهؤلاء منهم من يفسر الجسم بما يشار إليه ويمنع كون كل جسم مركبا من الجواهر المفردة أو من المادة والصورة فلا يلزمهم من الإشكال ما يتوجه على غيرهم وإن قدر أن فيه ما يخرج عن ذلك كما يذكره من يثبت العقول

1

331

والنفوس ويقول إنها ليست أجساما فالنفوس لا تفارق الأجسام بل هي مقارنة لها مدبرة لها فلا تفارق الحوادث وأيضا فالنفوس لا تنفك عن تصورات وإرادات حادثة فهي دائما مقارنة للحوادث والعقول علة لذلك مستلزمة لمعلولها لا يتقدم عليها بالزمان فيمتنع أن يكون في العالم ما يسبق الحوادث فيمتنع أن يكون شيء منه قديما أزليا سابقا للحوادث وحينئذ فالمبدع لشيء منه يمتنع أن يبدعه بدون إبداع لوازمه ولوازمه يمتنع وجودها في الأزل فيمتنع وجود شيء منه في الأزل فإذا قيل فهو علة تامة أزلية للفلك مع حركته لزم أن يكون علة أزلية تامة للفلك مع حركته فتكون حركته أزلية والحركة لا توجد إلا شيئا فشيئا فيمتنع أن يكون جميع حركته أزليه وإذا قيل هو علة تامة أزلية للفلك دون حركته احتاجت حركته إلى مبدع آخر ولا مبدع غيره وإن قيل هو علة للحركة شيئا بعد شيء لم يكن علة تامة للحركة في الأزل لكن يصير علة تامة لشيء منها بحسب وجوده فتكون عليته وفاعليته وإرادته حادثة بعد أن لم تكن فيمتنع أن يكون علة تامة في

1

332

الأزل وهذا القول ظاهر لا ينازع فيه من فهمه وهو مما يبين امتناع كونه علة تامة أزلية لكل موجود وامتناع كونه علة تامة للفلك مع حركته الدائمة وهم لا يقولون إنه في الأزل علة لكل موجود بل يقولون إنه في الأزل علة لما كان قديما بعينه كالأفلاك وهو دائما علة لنوع الحوادث ويصير علة تامة للحادث المعين بعد أن لم يكن علة تامة له فهذا حقيقة قولهم فيقال لهم كونه يصير علة تامة لشيء بعد أن لم يكن علة له من غير أمر يحدث منه ممتنع لذاته لأنه لا محدث للحوادث سواه فيمتنع أن غيره يحدث فاعليته وكونه علة فلا يحدث كونه فاعلا للمعين إلا هو فيلزم أن يكون هو المحدث لكونه علة للمعين وفاعلا له وهذه الفاعلية كانت بعد أن لم تكن فيمتنع أن تكون صدرت عن علة تامة أزلية لأن العلة الأزلية يقارنها معلولها فتبين أنه أنه يمتنع أن يصير فاعلا لشيء بعد أن لم يكن مع القول بأنه لم يزل علة تامة أزلية وأنه لا بد أن يقوم به من الأحوال ما يوجب كونه فاعلا لما يحدث عنه من الحوادث سواء أحدثت بواسطة أم بغير واسطة وأيضا فإذا قدر أنه كما يقولون حاله قبل أن يحدث المعين ومع

1

333

إحداث المعين وبعد إحداث المعين سواء امتنع إحداث المعين فيمتنع أن يحدث شيئا وأيضا فلم يكن إحداثه للأول بأولى من إحداثه للثاني ولا تخصيص الأول بقدره ووصفه الثاني إذا كان الفاعل لم يكن منه قط سبب يوجب التخصيص لا بقدر ولا بوصف ولا غير ذلك وهم أنكروا على من قال من النظار إنه فعل بعد أن لم يكن فاعلا وقالوا العقل الصريح يعلم أن من فعل بعد أن لم يكن فاعلا فلا بد أن يتجدد له إما قدرة وإما إرادة وإما علم وإما زوال مانع وإما سبب ما فيقال لهم والعقل الصريح يعلم أن من فعل هذا الحادث بعد أن لم يكن فاعلا له فلا بد أن يتجدد له سبب اقتضى فعله فأنتم أنكرتم على غيركم ابتداء الفعل بلا سبب والتزمتم دوام المفعولات الحادثة بلا سبب فكان ما التزمتموه من حدوث الحوادث بلا سبب أعظم مما نفيتموه بل قولكم مستلزم أنه لا فاعل للحوادث ابتداء بل تحدث بلا فاعل فأن الموجب للحوادث عندكم هو حركة الفلك وحركة الفلك حركة نفسانية تتحرك بما يحدث لها من التصورات والإرادات المتعاقبة وإن

1

334

كانت تابعة لتصور كلي وإرادة كلية ثم تلك التصورات والإرادات والحركات تحدث بلا محدث لها أصلا على قولكم لأن واجب الوجود عندكم ليس فيه ما يوجب فعلا حادثا أصلا بل حاله قبل الحادث وبعده ومعه سواء وكون الفاعل يفعل الأمور الحادثة المختلفة مع أن حاله قبل وبعد ومع سواء أبعد من كونه يحدث حادثا مع أن حاله قبل وبعد ومع سواء وإذا قيل تغير فعله لتغير المفعولات قيل فعله إن كان هو المفعولات عندكم كما يقوله ابن سينا ونحوه من جهمية الفلاسفة نفاة الصفات والأفعال فالمتغير هو المنفصلات عنه وهي المفعولات وليس هنا فعل هو غيرها يوصف بالتغير فما الموجب لتغيرها واختلافها وحدوث ما يحدث منها مع أن الفاعل هو على حال واحدة وفساد هذا في صريح العقل أظهر من فساد ما أنكرتموه على غيركم وإن كان فعله قائما بنفسه كما يقوله مثبتة الأفعال الاختيارية من أئمة أهل الملل ومن الفلاسفة المتقدمين والمتأخرين فمن المعلوم أن تغير المفعولات إنما سببه هذه الأفعال

1

335

وهو سبحانه المحدث لجميع المفعولات المتغيرة وتغيراتها فيمتنع أن تكون هي المؤثرة في تغير فعله القائم بنفسه لأن هذا يوجب كون المعلول المخلوق المصنوع هو المؤثر في الخالق الصانع الذي يسمونه علة تامة وهذا يوجب الدور الممتنع فإن كون كل من الشيئين مؤثرا في الآخر من غير أن يكون هناك أمر ثالث غيرهما يؤثر فيهما هو من الدور القبلي الممتنع فإن أحد الفاعلين لا يفعل في الآخر حتى يفعل الآخر فيه كما في هذه الصورة فإن التغير الحادث لا يحدث حتى يحدثه هو لما يقوم به من الفعل فلو كان ذلك الفعل لا يقوم حتى يحدثه ذلك التغير لزم أن لا يوجد حتى يوجد ذاك ولا يوجد ذاك حتى يوجد هذا فيلزم أن لا يوجد واحد منهما حتى يوجد هو قبل أن يوجد بمرتبتين فيلزم اجتماع النقيضين مرتين وإن قيل المفعول المتغير الأول أحدث في الفاعل تغيرا وذلك التغير أوجب تغيرا ثانيا قيل فذلك الأول إنما صدر عن فعل قائم بالفاعل فالفاعل ما قام به من الفعل هو الفاعل لكل ما سواه من الحوادث المتغيرة أولا وآخرا ولم يؤثر فيه غيره ألبتة وإن قيل وجود مفعوله الثاني مشروط بمفعوله الأول فهو الفاعل للأول والثاني فلم يحتج في شيء من فعله إلى غيره ولا أثر فيه

1

336

شيء سواه وهذا كما أنه سبحانه يلهم العباد أن يدعوه فيدعونه فيستجيب لهم ويلهمهم أن يطيعوه فيطيعونه فيثيبهم فهو سبحانه الفاعل للإجابة والإثابة كما أنه أولا جعل العباد داعين مطيعين ولم يكن في شيء من ذلك مفتقرا إلى غيره ألبتة وكل من تدبر هذه الأمور تبين له أنه سبحانه خالق كل شيء من الأعيان وصفاتها وأفعالها بأفعاله الاختيارية القائمة بنفسه كما دلت على ذلك نصوص الأنبياء واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها ووافقهم على ذلك أساطين الفلاسفة القدماء وهذا مما يبين حدوث كل ما سواه وأنه ليس علة أزلية لمعلول قديم مع أنه دائم الفاعلية ولا يلزم من دوام كونه فاعلا أن يكون معه مفعول معين قديم بل هذا من أبطل الباطل وهؤلاء المتفلسفة القائلون بقدم العالم عن موجب بذاته هو علة تامة أزلية له يسلمون أنه ليس علة تامة في الأزل لكل حادث فإن هذا لا يقوله من يتصور ما يقول فإن العلة التامة هي التي تستلزم معلولها وتستعقبه فإذا كان المعلول حادثا بعد أن لم يكن لم يكن المستلزم له أزليا لما في ذلك من تأخر المعلول وتراخيه زمانا لا نهاية له عن العلة التامة الأزلية فإن كل حادث يوجد في العالم متأخر عن الأزل تأخرا لا نهاية له فلو كانت علته التامة ثابتة في الأزل لكان المعلول

1

337

متأخرا عن العلة التامة تأخرا لا نهاية له والعلة التامة لا يكون بينها وبين معلولها فصل أصلا بل النزاع هل يكون معها في الزمان أو يكون عقبها في الزمان ويكون معها كالجزء الثاني من الزمان مع الذي قبله هذا مما يتكلم فيه الناس إذ كانوا متفقين على أنه متأخر عنها تأخرا عقليا وأنه لا ينفصل عنها وهل يتصل بها اتصالا زمانيا أو يقترن بها اقترانا زمانيا هذا محل نظر الناس والمقصود هنا أن كل ما يحدث العالم فلا تكون علته التامة المستلزمة تامة قبله بحيث يكون بينهما انفصال فكيف تتقدم عليه تقدما لا نهاية له لكن غاية ما يقولون إنه علة تامة أزلية لما كان قديما من العالم كالأفلاك وأما ما يحدث فيه فإنما يصير علة تامة له عند حدوثه ويقولون إن حدوث الأول شرط في حدوث الثاني كالماشي الذي يقطع أرضا بعد أرض وكحركة الشمس التي تقطع بها مسافة بعد مسافة كالمتحرك لا يقطع المسافة الثانية حتى يقطع الأولى فقطع

1

338

الأولى بحركته شرط في قطع الثانية بحركته والعلة التامة لقطع الثانية إنما وجدت بعد الأولى وهذا غاية ما يقولونه ويعبرون عنه بعبارات فتارة يقولون فيض العلة الأولى والمبدأ الأول أو واجب الوجود وهو الله تعالى دائم لكن يتأخر ليحصل الاستعداد والقوابل وسبب الاستعداد والقوابل عند كثير منهم أو أكثرهم هو حركة الفلك فليس عند هؤلاء سبب لتغيرات العالم إلا حركة الفلك كما يقوله ابن سينا وأمثاله وهذا هو المعروف عند أصحاب أرسطو وأما آخرون أعلى من هؤلاء كأبي البركات وغيره فيقولون بل سبب التغيرات ما يقوم بذات الرب من إرادات متجددة بل ومن إدراكات كما قد بسطه في كتابه المعتبر فأولئك كابن سينا وأمثاله يقولون هو بنفسه علة تامة أزلية للعالم بما فيه من الحوادث المتجددة وإن الحادث الأول كان شرطا أعد القابل للحادث الثاني وهذا القول في غاية الفساد وهو ايضا في غاية المناقضة لأصولهم وذلك أن علة الحادث الثاني لا بد أن تكون بتمامها موجودة عند وجوده وعند وجود الحادث الثاني لم يتجدد للفاعل الأول أمر به يفعل إلا عدم الأول ومجرد عدم الأول لم يوجد عندهم للفاعل لا قدرة ولا إرادة ولا

1

339

غير ذلك فإن الأول عندهم لا يقوم به شيء من الصفات والأفعال ولا له أحوال متنوعة أصلا فكيف يتصور أن يصدر عنه الثاني بعد أن كان صدوره ممتنعا منه وحاله حاله لم يتجدد إلا أمر عدمي لم يوجب له زيادة قدرة ولا إرادة ولا علم ولا غير ذلك وهذا بخلاف ما يمثلون به من حركة الإنسان وغيره من المتحركة بالإرادة أو بالطبع فإن المتحرك إذا قطع المسافة الأولى صار له من القدرة ما لم يكن له قبل ذلك وحصل عنده من الإرادة ما لم يكن قبل ذلك كما يجده الإنسان من نفسه إذا مشى فإنه يجد من نفسه عجزا عن قطع المسافة البعيدة حتى يصل إليها وهو قبل وصوله عازم على قطعها إذا وصل ليس هو مريدا في هذا الحال لقطعها في هذا الحال فإذا وصل إليها صار مريدا لقطعها قادرا على قطعها وعند الإرادة الجازمة والقدرة التامة يجب وجود المراد فحينئذ تقطع لا لمجرد عدم الحركة التي بها قطع الأولى بل لما تجدد له من القدرة والإرادة فهذا المتجدد المقتضى له هو ما في نفسه من الإرادة الكلية

1

340

والاستعداد للقدرة وكان قطع الأولى مانعا من ذلك فلما زال المانع عمل المقتضى عمله فتمت إرادته وقدرته فقطع المسافة وهكذا حركة الحجر من فوق إلى أسفل كلما نزل تجدد فيه قوة وقبل ذلك لم يكن فيه ذلك وكذلك حركة الشمس والكواكب لا سيما وهم يقولون إن حركتها اختيارية لما يتجدد لها من التصورات الجزئية والإرادات الجزئية التي تحدث لها شيئا فشيئا هكذا صرح به أئمتهم أرسطو وغيره فإن حركتها عندهم نفسانية فالمقتضى التام للجزء الثاني من الحركة إنما وجد عنها لم يكن المقتضى التام موجودا قبل وهو قائم بنفس المتحرك او المحرك وهو النفس التي يتجدد لها تصورات وإرادات جزئية وقوة جزئية يتحرك بها شيئا بعد شيء كحركة الماشي فلا يمكنهم أن يذكروا محركا ولا متحركا حاله قبل الحركة وبعدها سواء والحركة تصدر عنه شيئا فشيئا فإن هذا لا وجود له والعقل الصريح يحيل ذلك فإن الحادث لا يحدث إلا عند حدوث موجبه التام وهو علته التامة وإن شئت قلت لا يترجح إلا إذا وجد مرجحه التام المستلزم له

1

341

والمستلمون يقولون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فالحركة الثانية لو كان مرجحها التام حاصلا عند الأولى لوجب حصولها عند الأولى بل إنما يتم حصولها عند حصول المرجح التام إما مقترنة به في الزمان أو متصلة به في الزمان وإذا كان المرجح التام لا بد أن يحصل بعد أن لم يكن حاصلا فلا بد أن يحصل للحركة سبب حادث يوجب أن يصيرها حادثة بعد أن لم تكن حادثة وكذلك السبب الأول القريب من الحركة وإن كان الفاعل له إرادة تامة عامة كلية لما يحدث شيئا بعد شيء فتلك وحدها لا تكفي بل لا بد من إرادة أخرى جزئية لحادث حادث يقارنه كما يجده الإنسان في نفسه إذا مشى في سفر أو غيره إلى مكة أو غيرها فلا ريب أن المقتضى العام إما بإرادة أو غيرها قد يكون مقتضاه عاما مطلقا لكن يتأخر لتأخر الاستعدادات والقوابل إذا كانت من غيره كما في طلوع الشمس فإنه من جهتها فيض عام لكن يتوقف على استعداد من القوابل وارتفاع الموانع ولهذا يختلف تأثيرها ويتأخر بحسب القوابل والشروط وتلك ليست منها وكذلك هم يقولون إن العقل الفعال دائم الفيض عنه يفيض كل

1

342

ما في العالم من الصور النفسانية والجسمانية فعنه تفيض العلوم والإرادات وغير ذلك وهم عندهم رب كل ما تحت فلك القمر لكن ليس مستقلا عندهم بل فيضه يتوقف على حصول الاستعدادات والقوابل التي تحصل بحركات الأفلاك وتلك الحركات التي فوق فلك القمر ليست منه بل من غيره وهذا العقل هو رب البشر عندهم ومنه يفيض الوحي والإلهام وقد يسمونه جبريل وقد يجعلون جبريل ما قام بنفس النبي من الصورة الخيالية وهذا كله كلام من أبطل الباطل كما قد بسط في موضعه لكن المقصود هنا أنهم يمثلون فيض واجب الوجود بفيض العقل الفعال وفيض الشمس وهو تمثيل باطل لأن المفيض هنا ليس مستقلا بالفيض بل فيضه متوقف على ما يحدثه غيره من الاستعداد والقبول وإحداث غيره له من فعل غيره فأما رب العالمين فهم يسلمون أنه لا شريك له في الفيض ولا يتوقف شيء من فيضه على فعل من غيره بل هو رب القابل والمقبول رب المستعد والمستعد له ومنه الإعداد ومنه الإمداد

1

343

فإذا قالوا بعد هذا إنه علة تامة أزلية وإن فيضه عام لكنه يتوقف على حدوث القوابل والاستعدادات إما بحدوث الأشكال الفلكية والاتصالات الكوكبية وإما بغير ذلك قيل لهم إن قلتم هو علة أزلية لهذا الحادث لزم وجوده في الأزل وإن قلتم لا يصير علة تامة إلا بحدوث القوابل قيل لكم فإذا كان حدوث القوابل منه فهو المحدث لهما جيمعا فقبل إحداثهما لم يكن علة تامة لا لهذا ولا لهذا ثم أحدثهما جميعا القابل والمقبول فإذا كان أحدثهما بدون تجدد شيء لزم أن يكون لم يزل علة تامة لهما أو لم يصر علة تامة لهما فيلزم إما قدم هذين الحادثين وإما عدمهما فإنه إن لم يزل علتهما لزم قدمهما وإن لم يحدث لزم عدمهما وأنتم تجعلون علة هذين الحادثين حدثت بعد أن لم تكن أي حدثت بتمامها بعد أن لم تكن وليس هنا شيء أوجب حدوث التمام فإن الفاعل للتمام حالة بعد التمام وحالة قبل التمام سواء فيمتنع أن

1

344

يكون علة تامة له في إحدى الحالين دون الأخرى وكل ما يقدرونه مما حصل تمام العلة هو أيضا حادث عن الأول فحقيقة قولكم أن حوادث العالم تحدث عنه مع أنه لم يزل علة تامة لها أو مع أنه لم يصر علة تامة مع أن العلة التامة إنما تكون تامة عند معلولها لا قبل ولا بعد وهذا يتقضي عدم الحوادث أو قدم الحوادث وكلاهما مخالف للمشاهدة ولهذا كان حقيقة قولهم إن الحوادث تحدث بلا محدث لها وقولهم في حركة الفلك يشبه قول القدرية في حركة الحيوان فإن القدرية تقول إن الحيوان قادر مريد وإنه يفعل ما يفعل بدون سبب أوجب الفعل بل مع كون نسبة الأسباب الموجبة للحدوث إلى هذا الحادث وهذا الحادث سواء فإن عندهم كل ما يؤمن به المؤمن ويطيع به المطيع قد حصل لكل من أمر بالإيمان والطاعة لكن المؤمن المطيع رجح الإيمان والطاعة بدون سبب اختص به حصل به الرجحان والكافر بالعكس

1

345

وهذا يقوله هؤلاء في حركة الفلك إنه يتحرك دائما بإرادته وقدرته من غير سبب أوجب كونه مريدا قادرا مع أن إرادته وقدرته وحركاته حادثة بعد أن لم تكن حادثة من غير شيء جعله مريدا متحركا فقد حصل الممكن بدون المرجح التام الذي أوجب رجحانه وحصل الحادث بدون السبب التام الذي أوجب حدوثه ثم إنهم ينكرون على القدرية قولهم إن القادر يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح بل بإرادة يحدثها هو من غير أن يحدث له غيره تلك الإرادة ويقولون إنه أوجب الإرادة بلا إرادة وهؤلاء يقولون ما هو أبلغ من ذلك في حركة الفلك وهو يناقض أصولهم الصحيحة فإذا كانوا يسلمون أن الإرادات الحادثة والحركات الحادثة لا تحدث إلا بسبب يوجب حدوثها وأنه عند كمال السبب يجب حدوثها وعند نقصه يمتنع حدوثها علموا أن ما قالوه في قدم العالم وسبب الحوادث باطل فإنه ليس فوق الفلك عندهم سبب يوجب حدوث ما يحدث له من التصورات والإرادات إلا من جنس ما للمخلوق الفقير إلى واجب

1

346

الوجود ومعلوم أن ما كان بالقوة لا يخرج إلى الفعل إلا بمخرج فلا بد أن يكون فوق الفلك ما يوجب حدوث حركته وما يذكره أرسطو وأتباعه أن الأول هو يحرك الفلك حركة المعشوق لعاشقه وأن الفلك يتحرك للتشبه به وأنه بذلك علة العلل وبه قوام الفلك إذ كان قوام الفلك بحركته وقوام حركته بإرادته وشوقه وقيام إرادته وشوقه بوجود المحبوب السابق المراد الذي تحرك للتشبه به فهذا الكلام مع ما فيه من الكلام الباطل الذي بين في غير هذا الموضع غايته إثبات العلة الغائية لحركة الفلك ليس فيه بيان العلة الفاعلية لحركته إلا أن يقولوا هو المحدث لتصوراته وحركاته من غير احتياج إلى واجب الوجود وإلى العلة الأولى في كونه فاعلا لذلك كما أن المحب العاشق لا يحتاج إلى المحبوب المعشوق من جهة كونه فاعلا للحركة إليه بل من جهة كونه هو المراد المطلوب بالحركة وهذا قول باستغناء الحركات المحدثة والمتحركات عن رب العالمين وأنه لا يفعل شيئا من هذه الحوادث ولا هو ربها فإن قالوا مع ذلك بأنه لم يبدع الفلك بل هو قديم واجب الوجود بنفسه لم يكن رب شيء من العالم وإن قالوا هو الذي أبدعه كان تناقضا منهم كتناقض القدرية فإن إبداعه لذاته وصفاته يوجب أن لا

1

347

يحدث منه شيء إلا بفعل الرب لذلك وإحداثه له كما لا يحدث من سائر الحيوانات حادث إلا بخلق الرب لذلك وإحداثه له فقولهم متردد بين التعطيل العام وبين التعطيل الخاص الذي يكونون فيه شرا من القدرية وردهم إنما كان على القدرية وهم خير منهم على كل تقدير وقد ذكر ما ذكروه من كلام أرسطو في هذا المقام وبين ما فيه من الخطأ والضلال في غير هذا الموضع وأن القوم من أبعد الناس عن معرفة الله ومعرفة خلقه وأمره وصفاته وأفعاله وأن اليهود والنصارى خير منهم بكثير في هذا الباب وهذه الطريقة التي سلكها أرسطو والقدماء في إثبات العلة الأولى هي طريق الحركة الإرادية حركة الفلك وأثبتوا علة غائية كما ذكر فلما رأى ابن سينا وأمثاله من المتأخرين ما فيها من الضلال عدلوا إلى طريقة الوجود والوجوب والإمكان وسرقوها من طريق المتكلمين المعتزلة وغيرهم فإن هؤلاء احتجوا بالمحدث على المحدث فاحتج أولئك بالممكن على الواجب وهي طريقة تدل على إثبات وجود واجب وأما إثبات تعيينه فيحتاجون فيه إلى دليل آخر وهم سلكوا

1

348

طريقة التركيب وهي أيضا مسروقة من كلام المعتزلة وإلا فكلام أرسطو في الإلهيات في غاية القلة مع كثرة الخطأ فيه ولكن ابن سينا وأمثاله وسعوه وتكلموا في الإلهيات والنبوات وأسرار الآيات ومقامات العارفين بل وفي معاد الأرواح بكلام لا يوجد لأولئك وما فيه من الصواب فجروا فيه على منهاج الأنبياء وما فيه من خطأ بنوه على أصول سلفهم الفاسدة ولهذا كان ابن رشد وأمثاله من المتفلسفة يقولون إن ما ذكره ابن سينا في الوحي والمنامات وأسباب العلم بالمستقبلات ونحو ذلك هو أمر ذكره من تلقاء نفسه ولم يقله قبله المشاءون سلفه وأما أبو البركات صاحب المعتبر ونحوه فكانوا بسبب عدم تقليدهم لأولئك وسلوكهم طريقة النظر العقلي بلا تقليد واستنارتهم بأنوار النبوات أصلح قولا في هذا الباب من هؤلاء وهؤلاء فأثبت علم الرب بالجزئيات ورد على سلفه ردا جيدا وكذلك أثبت صفات الرب وأفعاله وبين ما بينه من خطاء سلفه ورأى فساد قولهم في أسباب الحوادث فعدل عن ذلك إلى أن أثبت للرب ما يقوم به الإرادات الموجبة للحوادث وقولهم مبسوط في غير هذا الموضع فهؤلاء يقولون إنما حدثت الحوادث شيئا بعد شيء لما يقوم بذات الرب من الأسباب الموجبة لذلك فلا يثبتون أمورا متجددات مختلفة

1

349

عن واحد بسيط لا صفة له ولا فعل كما قال أولئك بل وافقوا قول أساطين الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطو الذين يثبتون ما يقوم بذات الرب من الصفات والأفعال ويقولون إن الحادث المعين إنما حدث لما حصلت علته التامة التي لم تتم إلا عند حدوثه وتمام العلة كان بما يحدثه الرب تعالى وما يقوم به من إرادته وأفعاله أو غير ذلك مما يقولونه في هذا المقام ولهذا يقولون إنه لا يمكن أن يكون الرب مدبرا لهذا العالم إلا على قولنا بحدوث الحوادث فيه من الإرادات والعلوم وغيرها ويقولون إن من نفى ذلك من أصحابنا وغيرهم فلم ينفه بدليل عقلي دل على ذلك بل لمجرد تنزيه وإجلال مجمل وإنه يجب التنزيه والإجلال من هذا التنزيه والإجلال فإذا قيل لهؤلاء فعند حدوث الحادث الثاني لا بد من وجود العلة التامة ولا يكفي عدم الأول قالوا بل حصل من كمال الإرادة الجازمة والقدرة التامة ما أوجب حدوث المقدور ولا نقول إن حال الفاعل قبل وبعد واحد لم يتجدد أمر يفعل به الثاني بل تتنوع أحوال الفاعل ونفسه هي الموجبة لتلك الأحوال القائمة به لكن وجود الحال الثاني مشروط بعدم ما

1

350

يضاده ونفس الفاعل هي الموجبة للأمور الوجودية الموجبة للحال الثاني فواجب الوجود لا يحتاج ما يحدث عنه أن يضاف إلى غيره كما في الممكنات بل نفسه الواجبة هي الموجبة لكل ما يحدث عنه وهو سبحانه الفاعل للملزوم ولوازمه والفاعل لأحد المتنافيين عند عدم الآخر وهو على كل شيء قدير لكن اجتماع الضدين ليس بشيء باتفاق العقلاء بل هو قادر على تحريك الجسم بدلا عن تسكينه وعلى تسكينه بدلا عن تحريكه وعلى تسويده بدلا عن تبيضه وعلى تبيضه بدلا عن تسويده وهو يفعل أحد الضدين دون الآخر إذا حصلت إرادته التامة مع قدرته الكاملة ونفسه هي الموجبة لذلك كله وإن كان فعلها للأول شرطا في حصول الثاني فليست في تلك مفتقرة إلى غيرها بل كل ما سواها فقير إليها وهي غنية عن كل ما سواها وهؤلاء تخلصوا مما ورد على من قبلهم ومن فساد تمثيلهم وكان هؤلاء إذا مثلوا قولهم بما يعقل من حركة الحيوان والشمس لا يرد عليهم من الفرق والنقض وغير ذلك ما يرد على من قبلهم لكن هؤلاء يقال لهم من أين لكم قدم شيء من العالم وليس في

1

351

العقل ما يدل على شيء من ذلك وأنتم فجميع ما تذكرونه أنتم وأمثالكم إنما يدل على دوام الفعل لا على دوام فعل معين ولا مفعول معين فمن أين لكم دوام الفلك أو مادة الفلك أو العقول أو النفوس أو غير ذلك مما يقول القائلون بالقدم إنه قديم أزلي لم يزل ولا يزال مقارنا للرب تعالى قديما بقدمه أبديا بأبديته فيخاطبون أولا مخاطبة المطالبة بالدليل وليس لهم على ذلك دليل صحيح أصلا بل إنما طمعوا في مناظرتهم من أهل الكلام والفلسفة الذين قالوا إن جنس الكلام والفعل صار ممكنا بعد أن كان ممتنعا من غير تجدد شيء وصار الفاعل قادرا على ذلك بعد أن لم يكن وأنه يحدث الحوادث لا في زمان وإنه لم يزل القديم معطلا عن الفعل والكلام لا يتكلم ولا يفعل من الأزل إلى أن تكلم وفعل ثم يقول كثير منهم إنه يتعطل عن الفعل والكلام فتفنى الجنة والنار أو تفنى حركتهما كما قاله الجهم بن صفوان في فناء الجنة والنار وكما قاله أبو الهذيل العلاف في فناء الحركات وجعلوا مدة فعل الرب وكلامه مدة في غاية القلة بالنسبة إلى الأزل والأبد

1

352

فطمع هؤلاء في هؤلاء المبتدعين من الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم في أصولهم وأقاموا الشناعة على أهل الملل بسبب هؤلاء المتكلمين والمبتدعين وظنوا أن لا قول إلا قول هؤلاء المبتدعين أو قول أولئك الفلاسفة الملحدين ورأوا أن العقل يفسد قول هؤلاء المبتدعين ورأوا السمع إلى هؤلاء المبتدعين أقرب وعن الملحدين أبعد فقالوا إن الأنبياء ضربوا الأمثال وخيلوا ولم يمكنهم الإخبار بالحقائق ودخلوا من باب الإلحاد وتحريف الكلم عن مواضعه بحسب ما أنكروه من السمعيات وإن كان أولئك الفلاسفة الذين نفوا صفات الرب وأفعاله القائمة به الذين قبل هؤلاء أعظم إلحادا وتحريفا للكلم عن مواضعه من هؤلاء الذين أثبتوا الصفات والأمور الأختيارية القائمة به وقالوا مع ذلك بقدم العالم وكلتا الطائفتين خرجت عن صريح المعقول كما خرجت عن صحيح المنقول بحسب ما أخطأته في هذا الباب وكل من أقر بشيء من الحق كان ذلك أدعى له إلى قبول غيره وكان يلزمه من قبوله ما لم يلزم من لم يعرف ذلك الحق وكان القول بنفي الصفات والأفعال

1

353

القائمة بالرب باختياره ينافى كونه فاعلا ومحدثا ولهذا لما ذكر ابن سينا في إشاراته أقوال القائلين بالقدم والحدوث لم يذكر إلا قول من أثبت قدماء مع الله تعالى غير معلولة كالقول الذي يحكي عن ذيمقراطيس بالقدماء الخمسة واختاره ابن زكريا المتطبب وقول المجوس القائلين بأصلين قديمين وقول المتكلمين من المتعزلة ونحوهم وقول أصحابه فلم يذكر قول أئمة الملل ولا أئمة الفلاسفة الذين أثبتوا ما يقوم بالرب من الأمور الاختيارية وأنه لم يزل متكلما بمشيئته إذا شاء فعالا بمشيئته وذكر حجج هؤلاء وهؤلاء ثم أمر الناظر أن يختار أي القولين ترجح مع تمسكه بالتوحيد الذي هو عنده نفي الصفات فإن هذا جعله أصلا متفقا عليه بينه وبين خصومه واعترض عليه الرازي بأن مسألة الصفات لا تتعلق بمسألة حدوث العالم وليس الأمر كما قاله الرازي بل نفى الصفات مما يقوي شبهة

1

354

القائلين بالقدم ومع إثبات الصفات والأفعال القائمة به يتبين فساد أدلتهم إلى الغاية بل فساد قولهم مع أن نفي الصفات يدل على فساد قوله أكثر مما يدل على فساد قول منازعيه ولكن ابن سينا نشأ بين المتكلمين النفاة للصفات وابن رشد نشأ بين الكلابية وأبو البركات نشأ ببغداد بين علماء السنة والحديث فكان كل من هؤلاء بعده عن الحق بحسب بعده عن معرفة آثار الرسل وقربه من الحق بحسب قربه من ذلك وهؤلاء المتفلسفة رأوا ما قاله أولئك في مسألة حدوث العالم باطلا ورأوا أنهم إذا أبطلوا قول هؤلاء بقي قولهم وجعلوا القول بدوام الفاعلية مجملا كما جعل أولئك قولهم إن مالا يسبق الحوادث فهو حادث مجملا فقول هؤلاء أوجب أن ظن كثير ممن سمع قول هؤلاء امتناع كون الرب تعالى لم يزل متكلما إذا شاء إذ لم يفرقوا بين النوع والعين وقول أولئك أوجب أن ظن كثير ممن سمع قولهم دوام الفلك أو شئ من العالم إذ لم يفرقوا بين النوع والعين أيضا

1

355

ودوام الفاعلية مجمل يراد به دوام الفاعلية المعينة ودوام الفاعلية المطلقة ودوام الفاعلية العامة ومعلوم أن دوام الفاعلية العامة وهو دوام المفعولات كلها مما لا يقوله عاقل ودوام الفاعلية المعينة لمفعول معين مما ليس لهم عليه دليلا أصلا بل الأدلة العقلية تنفيه كما نفته الأدلة السمعية وأما دوام الفاعلية المطلقة فهذه لا تثبت قولهم بل إنما تثبت خطأ أولئك النفاة الذين خاصموهم من أهل الكلام والفلسفة ولا يلزم من بطلان هذا القول صحة القول الآخر إلا إذا لم يكن إلا هذان القولان فأما إذا كان هناك قول ثالث لم يلزم صحة أحد القولين فكيف إذا كان ذلك الثالث هو موجب الأدلة العقلية والنقلية والمقصود هنا أن كلتا الطائفتين التي قالت بقدم الأفلاك ملحدة سواء قالت بقيام الصفات والأفعال بالرب أو لم تقل ذلك فهؤلاء الفلاسفة مع كونهم متفاضلين في الخطأ والصواب في العلوم الإلاهية إنما ردهم المتوجه لهم على البدع التي أحدثها من أحدثها من أهل الكلام ونسبوها إلى الملة

1

356

وأولئك المتفلسفة أبعد عن معرفة الملة من أهل الكلام فمنهم من ظن أن ذلك من الملة ومنهم من كان أخبر بالسمعيات من غيره فجعلوا يردون من كلام المتكلمين مالم يكن معهم فيه سمع وما كان معهم فيه سمع كانوا فيه على أحد قولين إما أن يقروه باطنا وظاهرا إن وافق معقولهم وإلا ألحقوه بأمثاله وقالوا إن الرسل تكلمت به على سبيل التمثيل والتخييل للحاجة وابن رشد ونحوه يسلكون هذه الطريقة ولهذا كان هؤلاء أقرب إلى الإسلام من ابن سينا وأمثاله وكانوا في العمليات أكثر محافظة لحدود الشرع من أولئك الذين يتركون واجبات الإسلام ويستحلون محرماته وإن كان في كل من هؤلاء من الإلحاد والتحريف بحسب ما خالف به الكتاب والسنة ولهم من الصواب والحكمة بحسب ما وافقوا فيه ذلك ولهذا كان ابن رشد في مسألة حدوث العالم ومعاد الأبدان مظهرا للوقف ومسوغا للقولين وإن كان باطنه إلى قول سلفه أميل وقد رد على أبي حامد في تهافت التهافت ردا أخطأ في كثير منه والصواب مع أبي حامد وبعضه جعله من كلام ابن سينا لا من كلام سلفه وجعل الخطأ فيه من ابن سينا وبعضه استطال فيه على أبي حامد ونسبه فيه إلى قلة الإنصاف لكونه بناه على أصول كلامية فاسدة مثل كون الرب لا يفعل شيئا بسبب ولا لحكمة وكون القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح وبعضه حار فيه جميعا لاشتباه المقام

1

357

وقد تكلمت على ذلك وبينت تحقيق ما قاله أبو حامد في ذلك من الصواب الموافق لأصول الإسلام وخطأ ما خالفه من كلام ابن رشد وغيره من الفلاسفة وأن ما قالوه من الحق الموافق للكتاب والسنة لا يرد بل يقبل وما قصر فيه أبو حامد من إفساد أقوالهم الفاسدة فيمكن رده بطريق أخرى يعان بها أبو حامد على قصده الصحيح وإن كان هذا وأمثاله إنما استطالوا عليه بما وافقهم عليه من أصول فاسدة وبما يوجد في كتبه من الكلام الموافق لأصولهم وجعل هذا وأمثاله ينشدون فيه يوما يمان إذا ما جئت ذا يمن وإن لقيت معديا فعدناني ولهذا جعلوا كثيرا من كلامه برزخا بين المسلمين والفلاسفة المشائين فالمسلم يتفلسف به على طريقة المشائين تفلسف مسلم والفيلسوف يسلم به إسلام فيلسوف فلا يكون مسلما محضا ولا فيلسوفا محضا على طريقة المشائين وأما نفي الفلسفة مطلقا أو إثباتها فلا يمكن إذ ليس للفلاسفة مذهب معين ينصرونه ولا قول يتفقون عليه في الإلهيات والمعاد والنبوات والشرائع بل وفي الطبيعيات والرياضيات بل ولا في كثير من المنطق ولا يتفقون إلا على ما يتفق عليه جميع بني آدم من الحسيات المشاهدة

1

358

والعقليات التي لا ينازع فيها أحد ومن حكى عن جميع الفلاسفة قولا واحدا في هذه الأجناس فإنه غير عالم بأصنافهم واختلاف مقالاتهم بل حسبه النظر في طريقة المشائين أصحاب أرسطو كثامسطيوس والإسكندر الأفروديسي وبرقلس من القدماء وكالفارابي وابن سينا والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد وأبي البركات ونحوهم من المتأخرين وإن كان لكل من هؤلاء في الإلهيات والنبوات والمعاد قول لا ينقل عن سلفه المتقدمين إذ ليس لهم في هذا الباب علم تستفيده الأتباع وإنما عامة علم القوم في الطبيعيات فهناك يسرحون ويتبجحون وبه بنحوه عظم من عظم أرسطو واتبعوه لكثرة كلامه في الطبيعيات وصوابه في أكثر ذلك فأم الإلهيات فهو وأتباعه من أبعد الناس عن معرفتها وجميع ما يوجد في كلام هؤلاء وغيرهم من العقليات الصحيحة ليس فيه ما يدل على خلاف ما أخبرت به الرسل وليس لهم أصلا دليل ظني فضلا عن قطعي على قدم الأفلاك بل ولا على قدم شيء منها وإنما عامة أدلتهم أمور مجملة تدل على الأنواع العامة لا تدل على قدم شيء بعينه من العالم فما أخبرت به الرسل أن الله خلقه كإخبارها أن الله

1

359

خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام لا يقدا أحد من الناس أن يقيم دليلا عقليا صحيحا على نفي ذلك وأما الكلام الذي يستدل به المتكلمون في الرد على هؤلاء وغيرهم فمنه صواب ومنه خطأ ومنه ما يوافق الشرع والعقل ومنه ما يخالف ذلك وبكل حال فهم أحذق في النظر والمناظرة والعلوم الكلية الصادقة وأعلم بالمعقولات المتعلقة بالإلهيات وأكثر صوابا وأسد قولا من هؤلاء المتفلسفة والمتفلسفة في الطبيعيات والرياضيات أحذق ممن لم يعرفها كمعرفتهم مع ما فيها من الخطأ والمقصود هنا أن يقال لأئمتهم وحذاقهم الذين ارتفعت عقولهم ومعارفهم في الإلهيات عن كلام أرسطو وأتباعه وكلام ابن سينا وأمثاله ما الموجب أولا لقولكم بقدم شيء من العالم وأنتم لا دليل لكم على قدم شيء من ذلك وأصل الفلسفة عندكم مبني على الإنصاف واتباع العلم والفيلسوف هو محب الحكمة والفلسفة محبة الحكمة وأنتم إذا نظرتم في كلام كل من تكلم في هذا الباب وفي غير ذلك لم تجدوا في ذلك ما يدل على قدم شيء من العالم مع علمكم أن جمهور العالم من جميع الطوائف يقولون بأن كل ما سوى الله مخلوق كائن بعد أن لم يكن وهذا قول الرسل وأتباعهم من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم

1

360

وذلك القول بحدوث هذا العالم هو قول أساطين الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطو بل هم يذكرون أن أرسطو أول من صرح بقدم الأفلاك وأن المتقدمين قبله من الأساطين كانوا يقولون إن هذا العالم محدث إما بصورته فقط وإما بمادته وصورته وأكثرهم يقولون بتقدم مادة هذا العالم على صورته وهذا موافق لما أخبرت به الرسل صلوات الله عليهم فإن الله أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء سورة هود وأخبر أنه استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض آئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين سورة فصلت وقد ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه علي الماء

1

361

وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض وفي رواية ثم خلق السموات والأرض والآثار متواترة عن الصحابة والتابعين بما يوافق القرآن والسنة من أن الله خلق السماوات من بخار الماء الذي سماه الله دخانا وقد تكلم علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في أول هذه المخلوقات على قولين حكاهما الحافظ أبو العلاء الهمداني وغيره أحدهما أنه هو العرش والثاني أنه هو القلم ورجحوا القول الأول لما دل عليه الكتاب والسنة أن الله تعالى لما قدر مقادير الخلائق بالقلم الذي أمره أن يكتب في اللوح كان عرشه على الماء فكان العرش مخلوقا قبل القلم وقالوا والآثار المروية أن أول ما خلق الله

1

362

القلم معناها من هذا العالم وقد أخبر الله أنه خلقه في ستة أيام فكان حين خلقه زمن يقدر به خلقه ينفصل إلى أيام فعلم أن الزمان كان موجودا قبل أن يخلق الله الشمس والقمر ويخلق في هذا العالم الليل والنهار وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته عام حجة الوداع إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا ومنها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان وفي

1

363

الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم وهكذا في التوراة ما يوافق خبر الله في القرآن وأن الأرض كانت مغمورة بالماء والهواء يهب فوق الماء وأن في أول الأمر خلق الله السماوات والأرض وأنه خلق ذلك في أيام ولهذا قال من قال من علماء أهل الكتاب ما ذكره الله في التوراة يدل على أنه خلق هذا العالم من مادة أخرى وأنه خلق ذلك في زمان قبل أن يخلق الشمس والقمر وليس فيما أخبر الله تعالى به في القرآن وغيره أنه خلق السماوات والأرض من غير مادة ولا أنه خلق الإنس أو الجن أو الملائكة من غير مادة بل يخبر الله أنه خلق ذلك من مادة وإن كانت المادة مخلوقة من مادة أخرى كما خلق الإنس من آدم وخلق آدم من طين وفي صحيح

1

364

مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خلقت الملائكة من نور وخلقت الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم والمقصود هنا أن المنقول عن أساطين الفلاسفة القدماء لا يخالف ما أخبرت به الأنبياء من خلق هذا العالم من مادة بل المنقول عنهم أن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن وأما قولهم في تلك المادة هل هي قديمة الأعيان أو محدثة بعد أن لم تكن أو محدثة من مادة أخرى بعد مادة قد تضطرب النقول عنهم في هذا الباب والله أعلم بحقيقة ما يقوله كل من هؤلاء فإنها أمة عربت كتبهم ونقلت من لسان إلى لسان وفي مثل ذلك قد يدخل من الغلط والكذب ما لا يعلم حقيقته ولكن ما تواطأت به النقول عنهم يبقى مثل المتواتر وليس لنا غرض معين في معرفة قول كل واحد منهم بل تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون سورة البقرة لكن الذي لا ريب فيه أن هؤلاء أصحاب التعاليم كأرسطو وأتباعه كانوا مشركين يعبدون المخلوقات ولا يعرفون النبوات ولا المعاد البدني وأن اليهود والنصارى خير منهم في الإلهيات والنبوات والمعاد

1

365

وإذا عرف أن نفس فلسفتهم توجب عليهم أن لا يقولوا بقدم شيء من العالم علم أنهم مخالفون لصريح المعقول كما أنهم مخالفون لصحيح المنقول وأنهم في تبديل القواعد الصحيحة المعقولة من جنس اليهود والنصارى في تبديل ما جاءت به الرسل وهذا هو المقصود في هذا الباب ثم إنه إذا قدر أنه ليس عندهم من المعقول ما يعرفون به أحد الطرفين فيكفي في ذلك إخبار الرسل باتفاقهم عن خلق السماوات والأرض وحدوث هذا العالم والفلسفة الصحيحة المبنية على المعقولات المحضة توجب عليهم تصديق الرسل فيما أخبرت به وتبين أنهم علموا ذلك بطريق يعجزون عنها وأنهم أعلم بالأمور الإلهية والمعاد وما يسعد النفوس ويشقيها منهم وتدلهم على أن من اتبع الرسل كان سعيدا في الآخرة ومن كذبهم كان شقيا في الآخرة وأنه لو علم الرجل من الطبيعيات والرياضيات ما عسى أن يعلم وخرج عن دين الرسل كان شقيا وأن من أطاع الله ورسوله بحسب طاقته كان سعيدا في الآخرة وإن لم يعلم شيئا من ذلك ولكن سلفهم أكثروا الكلام في ذلك لأنهم لم يكن عندهم من آثار الرسل ما يهتدون به إلى توحيد الله وعبادته وما ينفع في الآخرة وكان

1

366

الشرك مستحوذا عليهم بسبب السحر والأحوال الشيطانية وكانوا ينفقون أعمارهم في رصد الكواكب ليستعينوا بذلك على السحر والشرك وكذلك الأمور الطبيعية وكان منتهى عقلهم أمورا عقلية كلية كالعلم بالوجود المطلق وانقسامه إلى علة ومعلول وجوهر وعرض وتقسيم الجواهر ثم تقسيم الأعراض وهذا هو عندهم الحكمة العليا والفلسفة الأولى ومنتهى ذلك العلم بالوجود المطلق الذي لا يوجد إلا في الأذهان دون الأعيان ومن هنا دخل من سلك مسلكهم من المتصوفة المتفلسفة كابن عربي وابن سبعين والتلمساني وغيرهم فكان منتهى معرفتهم

1

367

الوجود المطلق ثم ظن من ظن منهم أن ذلك هو الوجود الواجب وفي ذلك من الضلال ما قد بسط في غير هذا الموضع وجعلوا غاية سعادة النفس أن تصير عالما معقولا مطابقا للعالم الموجود وليس في ذلك إلا مجرد علوم مطلقة ليس فيها علم بموجود معين لا بالله ولا بالملائكة ولا بغير ذلك وليس فيها محبة لله ولا عبادة لله فليس فيها علم نافع ولا عمل صالح ولا ما ينجى النفوس من عذاب الله فضلا على أن يوجب لها السعادة وهذا مبسوط في غير هذا الموضع وإنما جاء ذكره هنا بالعرض لننبه على أن من عدل عن طريق المرسلين فليس معه في خلافهم لا معقول صريح ولا منقول صحيح وأن من قال بقدم العالم أو شيء منه فليس معه إلا مجرد الجهل والاعتقاد الذي لا دليل عليه وهذا الخطاب كاف في هذا الباب وتفصيله مذكور في غير هذا الموضع وقد سلك هذا المسلك غير واحد من أهل الملل المسلمين واليهود

1

368

والنصارى وغيرهم فبينوا فساد ما سلكه القائلون بقدم العالم من العقليات وذكروا الحجج المنقولة عن أرسطو وغير واحدة واحدة وبينوا فسادها ثم قالوا نتلقى هذه المسألة من السمع فالرسل قد أخبرت بما لا يقوم دليل عقلي على نقيضه فوجب تصديقهم في هذا ولم يمكن تأويل ذلك لوجوه أحدها أنه قد علم بالاضطرار مرادهم فليس في تأويل ذلك إلا التكذيب المحض للرسل والثاني أن هذا متفق عليه بين أهل الملل سلفهم وخلفهم باطنا وظاهرا فيمتنع مع هذا أن تكون الرسل كانت مضمرة لخلاف ذلك كما يقوله من يقوله من هؤلاء الباطنية الثالث أنه ليس في العقل ما ينافي ذلك بل كل ما ينافيه من المعقولات فهو فاسد يعلم فساده بصريح العقل الرابع أن في العقليات ما يصدق ذلك ثم كل منهم يسلك في ذلك ما تيسر له من العقليات الخامس أنه معلوم بالفطرة والضرورة أنه لا بد من محدث

1

369

للمحدثات وفاعل للمصنوعات وأن كون المفعول مقارنا لفاعله لم يزل ولا يزال معه ممتنع في فطر العقول وهذا مما يحتج به على هؤلاء كما قد بسط في موضعه فإنه إذا بين لهم فساد قول إخواتهم وتبين لهم أن الفاعل لا بد أن يقوم به من الأحوال مما يصير به فاعلا امتنع مع هذا أن يكون مفعوله المعين مقارنا له أزلا وأبدا فإن هذا إخراج له من أن يكون مفعولا له السادس أن يقال لهؤلاء وهؤلاء جميعا أصل ما أنتم عليه الرجوع إلى الوجود والفلسفة معرفة الوجود على ما هو عليه والفلسفة الحقيقية هي العلوم الوجودية التي بها يعرف الوجود وأنتم لا تثبتون شيئا في الغالب إلا بقياس إما شمولي وإما تمثيلي فهل علمتم فاعلا يلزمه مفعوله أو يقارنه في زمانه لا يحدث شيئا فشيئا سواء كان فاعلا بالإرادة أو بالطبع وهل علمتم فاعلا لم يزل موجبا لمفعوله ولم يزل مفعوله معلولا له فهذا شيء لا تعقلونه أنتم ولا غيركم فكيف تثبتون بالمعقول ما لا يعقل أصلا معينا فضلا عن أن يعقل مطلقا والمطلق فرع

1

370

المعين فما لا يكون موجودا معينا لا يعقل لا معينا ولا مطلقا ولكن يقدر تقديرا في الذهن كما تقدر الممتنعات يبين ذلك أن العلم بكون الشيء ممكنا في الخارج يكون العلم بوجوده أو بوجود ما ذلك الشيء أولى بالوجود منه كما يذكره الله في كتابه في تقرير إمكان المعاد كقوله لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس سورة غافر وقوله وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه سورة الروم وقوله ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والاثنى أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى سورة القيامة وقوله أو لم يروا أن الله خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى إنه على كل شيء قدير سورة الأحقاف وقوله وضرب لنا مثلا ونسي خلقه سورة يس إلى قوله أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى سورة يس وأمثال ذلك مما يدل على أن إعادة الخلق أولى بالإمكان من ابتدائه وخلق الصغير أولى بالإمكان من خلق العظيم فأما مالا يعلم أنه ممكن إذا عرض على العقل ولم يعلم امتناعه فإمكانه ذهني بمعنى عدم العلم بالامتناع ليس إمكانه خارجيا بمعنى العلم بالإمكان في الخارج ولهذا ما تذكره طائفة من النظار كالآمدي وغيره أراد أن يقرر

1

371

إمكان الشيء بأنه لو قدر وجوده لم يلزم منه محال مجرد دعوى وغايته أن يقول لا نعلم أنه يلزم منه محال وعدم العلم ليس علما بالعدم فهؤلاء إذا أرادوا أن يثبتوا إمكان كون المفعول لازما لفاعله لا بد أن يعلموا ثبوت ذلك في الخارج أو ثبوت ما ذاك أولى بالإمكان منة وكلاهما منتف فلا يعلم قط فاعل إلا فاعلا يحدث فعله أو مفعوله لا يقارنه مفعوله المعين ويلازمه بل هذا إلى نفي كونه فاعلا ووصفه بالعجز عن نفي اللازم له أقرب منه إلى كونه فاعلا قادرا فقد جعلوا الله مثل السوء وهذا باطل والواجب في الأدلة الإلهية أن يسلك بها هذا المسلك فيعلم أن كل كمان كان لمخلوق فالخالق أحق به فإن كمال المخلوق من كمال خالقه وعلى اصطلاحهم كمال المعلول من كمال العلة ولأن الواجب أكمل من الممكن فهو أحق بكل كمال ممكن لا نقص فيه من كل ممكن ويعلم أن كل نقص تنزه عنه مخلوق فالخالق أحق بتنزيهه عنه فإن النقص يناقض الكمال فإذا كان أحق بثبوت الكمال كان أحق بنفي النقص وهذه برهانية يقينية وهم يسلمونها وهم يقولون أيضا إن الفعل صفة كمال ويردون على من يقول من

1

372

أهل الكلام إنه ليس صفة كمال ولا نقص وقد قال تعالى أفمن يخلق كمن لا بخلق أفلا تذكرون سورة النحل وإذا كان كذلك فمن المعقول أن الفاعل الذي يفعل بقدرته ومشيئته أكمل ممن لا قدرة له ولا إرادة والفاعل القادر المختار الذي يفعل شيئا بعد شيء أكمل ممن يكون مفعوله لازما له يقدر على إحداث شيء ولا تغييره من حال إلى حال إن كان يعقل فاعلا يلزمه مفعوله المعين فإن الذي يقدر أن يفعل مفعولات متعددة ويقدر على تغييرها من حال إلى حال أكمل ممن ليس كذلك فلماذا يصفون واجب الوجود بالفعل الناقص إن كان ذلك ممكنا كيف وما ذكروه ممتنع لا يعقل فاعل على الوجه الذي قالوه بل من قدر شيئا فاعلا للازمه الذي لا يفارقه بحال كان مخالفا لصريح المعقول عند الناس وقيل له هذا صفة له أو مشارك له ليس مفعولا له ولو قيل لعامة العقلاء السليمي الفطرة إن الله خلق السماوات والأرض ومع هذا فلم تزالا معه لقالوا هذا ينافي خلقه لهما فلا يعقل خلقه لهما إلا إذا خلقهما بعد أن لم تكونا موجودتين وأما إذا قيل لم تزالا موجودتين كان القول مع ذلك بأنه خلقهما جميعا

1

373

بين المتناقضين في فطر الناس وعقولهم التي لم تغير عن فطرتها ولهذا كان مجرد إخبار الرسل بأن الله خلق السماوات والأرض ونحو ذلك كافيا في الإخبار بحدوثهما لم يحتاجوا مع ذلك أن يقولوا خلقهما بعد عدمهما ولكن أخبروا بزمان خلقهما كما في قوله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام سورة يونس والإنسان لما كان يعلم أنه خلق بعد أن لم يكن ذكر بذلك ليستدل به على قدرة الخالق على تغيير العادة ولهذا ذكر تعالى ذلك في خلق يحيى بن زكريا عليه السلام وفي النشأة الثانية قال تعالى يا زكريا إنا نبشرك بغلام أسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا قال رب أني يكون لي غلام وكانت أمرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا سورة مريم وقال تعالى ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا سورة مريم فذكر الإنسان بما يعلمه من أنه خلقه ولم يك شيئا ليستدل بذلك على قدرته على مثل ذلك وعلى ما هو أهون منه

1

374

الوجه السابع إن هؤلاء الذين قالوا بقدم العالم عن علة قديمة قالوا مع ذلك بأنه في نفسه ممكن ليس له وجود من نفسه وإنما وجوده من مبدعه فوصفوا الموجود الذي لم يزل موجودا الواجب بغيره بأنه ممكن الوجود فخالفوا بذلك طريق سلفهم وما عليه عامة بني آدم من أن الممكن لا يكون إلا معدوما ولا يعقل ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد إلا ما كان معدوما وهذا قول أرسطو وقدماء الفلاسفة ولكن ابن سينا وأتباعه خالفوا هؤلاء وقد تعقب ذلك عليهم ابن رشد وغيره وقالوا إنه لا يعقل الممكن إلا ما أمكن وجوده أمكن عدمه فجاز أن يكون موجودا وأن يكون معدوما أي مستمر العدم ولهذا قالوا إن الممكن لا بد له من محل كما يقال يمكن أن تحمل المرأة وأن تنبت الأرض وأن يتعلم الصبي فمحل الإمكان هو الرحم والأرض والقلب فيمكن أن يحدث في هذه المحال ما هي قابلة له من الحرث والنسل والعلم أما الشيء الذي لم يزل ولا يزال إما بنفسه وإما بغيره فكيف يقال يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد وإذا قيل هو باعتبار ذاته يقبل الأمرين قيل إن أردتم بذاته ما هو موجود في الخارج فذاك لا يقبل الأمرين فإن الوجود الواجب بغيره لا يقبل العدم إلا أن يريدوا أنه يقبل أن يعدم بعد وجوده وحينئذ فلا يكون واجبا بغيره دائما فمتى قبل العدم

1

375

في المستقيل أو كان معدوما لم يكن أزليا أبديا قديما واجبا بغيره دائما كما يقول هؤلاء في العالم فإن أريد بقبول الوجود والعدم في حال واحدة فهو ممتنع وإن أريد في الحالين أي يقبل الوجود تارة والعدم أخرى امتنع أن يكون أزليا أبديا لتعاقب الوجود والعدم عليه وإن أريد أن ذاته التي تقبل الوجود والعدم شيء غير الوجود في الخارج فذاك ليس بذاته وإن قيل يريد به أن ما يتصوره في النفس يمكن أن يصير موجودا في الخارج ومعدوما كما يتصوره الإنسان في نفسه من الأمور قيل هذا أيضا يبين أن الإمكان مستلزم للعدم لأن ما ذكرتموه إنما هو في شيء يتصوره الفاعل في نفسه يمكن أن يجعله موجودا في الخارج ويمكن أن يبقى معدوما وهذا إنما يعقل فيما يعدم تارة ويوجد أخرى وأما ما لم يزل موجودا واجبا بغيره فهذا لا يعقل فيه الإمكان أصلا وإذا قال قائل ذاته تقبل الوجود والعدم كان متكلما بما لا يعقل وهذا الموضع قد تفطن له أذكياء النظار فمنهم من أنكره على ابن سينا وأتباعه كما أنكر ذلك ابن رشد ومنهم من جعل هذا سؤالات واردة على الممكن كما يفعله الرازي وأتباعه ولم يجيبوا عنه بجواب صحيح

1

376

وسبب ذلك أنهم اتبعوا ابن سينا في تجويزه أن يكون الشيء ممكنا بنفسه واجبا بغيره دائما أزلا وأبدا بل هذا باطل كما عليه جماهير الأمم من أهل الملل والفلاسفة وغيرهم وعليه نظر المسلمين وعليه أئمة الفلاسفة أرسطو وأتباعه لا يكون الممكن عندهم إلا ما يكون معدوما تارة وموجودا أخرى فالإمكان والعدم متلازمان وإذا كان ما سوى الرب تعالى ليس موجودا بنفسه بل كان ممكنا وجب أن يكون معدوما في بعض الأحوال ولا بد ليصح وصفه بالإمكان وهذا برهان مستقل في أن كل ما سوى الله محدث كائن بعد أن لم يكن وأنه سبحانه خالق كل شيء بعد أن لم يكن شيئا فسبحان من تفرد بالبقاء والقدم وألزم ما سواه بالحدوث عن العدم يوضح ذلك أنه إما أن يقال وجود كل شيء في الخارج عين ماهيته كما هو قول نظار أهل السنة الذين يقولون إن المعدوم ليس بشيء في الخارج أصلا ويقولون إنه ليس في الخارج للموجودات ماهيات غير ما هو الموجود في الخارج فيخالفون من يقول المعدوم شيء من المعتزلة وغيرهم ومن قال إن وجود كل شيء الثابت في الخارج مغاير لماهيته ولحقيقته الثابتة في الخارج كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة ونحوهم

1

377

وإما أن يقال وجود الشيء في الخارج زائد على ماهيته فإن قيل بالأول لم يكن للعالم في الخارج ذات غير ما هو موجود في الخارج حتى يقال إنها تقبل الوجود والعدم وإذا قيل بالثاني فإن قدر أنه لم يزل موجودا لم يكن للذات حال تقبل الوجود والعدم بل لم تزل متصفة بالوجود فقول القائل إن الممكن هو الذي يقبل الوجود والعدم مع قوله بأنه لم يزل موجودا جمع بين قولين متناقضين وإذا قيل هو ممكن باعتبار ذاته كان قوله أيضا متناقضا سواء عني بذاته الوجود في الخارج أو شيئا آخر يقبل الوجود في الخارج فإن تلك إذا لم تزل موجودة ووجودها واجب لم تكن قابلة للعدم أصلا ولم يكن عدمها ممكن أصلا وقول القائل هي باعتبار ذاتها غير موجودة مع قوله إنها لم تزل موجودة معناه أن الذات لم تزل موجودة واجبة بغيرها يمتنع عدمها هي باعتبار الذات تقبل الوجود والعدم ويمكن فيها هذا وهذا وبسط هذا بتمام الكلام على الممكن كما قد بسطوه في موضعه يبين ذلك أن الممكن هو الفقير الذي لا يوجد بنفسه وإنما يوجده غيره فلا بد أن يكون هنا شيء يوصف بالفقر والإمكان وقبول

1

378

العدم ثم يوصف بالغنى والوجود فأما ما لم يزل موجودا غنيا فكيف يوصف بفقر وإمكان فإنه إن حكم بالفقر والإمكان وقبول العدم على الموجود الغنى كان ذلك ممتنعا فيه كما تقدم إذا كان لا يقبل العدم ألبتة وإن حكم بالفقر والإمكان وقبول العدم على ما في الذهن بمعنى أنه يفتقر وجوده في الخارج إلى فاعل فهذا يؤيد ما قلناه من أنه لا بد أن يكون معدوما ثم يوجد وإن قيل بل فاعله يتصوره في نفسه مع دوام فعله له والممكن هو ما في النفس قيل ما في النفس الواجب واجب به لا يقبل العدم وما في الخارج واجب به لا يقبل العدم فأين القابل للوجود والعدم وإن قيل ما تصور في النفس يقبل الوجود والعدم في الخارج قيل هذا ممتنع مع وجوب وجوده دائما في الخارج بل هذا معقول فيما يعدم تارة ويوجد أخرى فإذا كان كل ما سوى الله ممكنا فقيرا وجب أن يكون موجودا تارة ومعدوما أخرى وهذا الدليل مستقر في فطر الناس فكل من يتصور شيئا من الأشياء محتاجا إلى الله مفتقرا إليه ليس موجودا بنفسه بل وجوده بالله تصور أنه مخلوق كائن بعد أن لم يكن فأما إذا قيل هو فقير مصنوع محتاج وأنه دائما معه لم يحدث عن عدم لم يعقل هذا ولم يتصور إلا كما

1

379

تتصور الممتنعات بأن يقدر في الذهن تقديرا لا يتصور تحققه في الخارج فإن تحققها في الخارج ممتنع وعلى هذا فإذا قيل المحوج إلى المؤثر هو الإمكان أو هو الحدوث لم يكن بين القولين منافاة فإن كل ممكن حادث وكل حادث ممكن فهما متلازمان ولهذا جمع بين القولين من قال إن المحوج إلى المؤثر هو الإمكان والحدوث جميعا فالأقوال الثلاثة صحيحة في نفس الأمر وإنما وقع النزاع لما ظن من ظن أنه يكون الشيء ممكنا مع كونه غير حادث وهذا الذي قرر في امتناع كون العالم قديما وامتناع كون فاعله علة قديمة أزلية صحيح سواء قيل إنه مريد بإرادة أزلية مستلزمة لاقتران مرادها بها أو قيل ليس بمريد وسواء قيل إنه علة للفلك مع حركته أو للفلك بدون حركته وهكذا القول في كل ما يقدر قديما معه فإنه لا بد أن يكون مقارنا لشيء من الحوادث أو ممكنا أن يقارنه شيء من الحوادث وعلى التقديرين يمتنع أن يكون قديما مع الله تعالى لأن القديم لا يكون إلا عن موجب تام مستلزم لموجبه وثبوت هذا في الأزل يقتضي أنه لا يحدث عنه شيء والحوادث لا تحدث إلا عنه فلا يكون موجب أزلي

1

380

إلا إذا حدث عنه شيء ولكن فاعل العالم يمتنع أن لا يحدث عنه شيء فيمتنع أن يكون موجبا بالذات في الأزل وإذا قيل هو مريد بإرادة أزلية مقارنة لمرادها الذي هو العالم أو يتأخر عنها مرادها الذي هو حوادثه كان القول كذلك فإنه إذا لم يكن له إلا إرادة أزلية مقارنة لمرادها امتنع أن تحدث عنه الحوادث لكنه يمتنع أن لا تحدث عنه الحوادث فيمتنع أن لا يكون له إلا إرادة أزلية مقارنة لمرادها مع أن الإرادة لمفعولات لازمة للفاعل غير معقول بل إنما يعقل في حق الفاعل بإراداته أن يفعل شيئا بعد شيء ولهذا لم يقل أحد إن الرب يتكلم بمشيئته وقدرته وإن الكلام المقدور المعين قديم لازم لذاته فإذا لم يعقل هذا في المقدور القائم به فكيف يعقل في المباين له وإذا قيل له إرادة أزلية مقارنة للمراد وإرادة أخرى حادثة مع الحوادث قيل فحدوث هذه الإرادة الحادثة إن كان بتلك الإرادة الأزلية التي يجب مقارنة مرادها لها كان ذلك ممتنعا لأن الثانية حادثة فيمتنع أن

1

381

تكون مقارنة للقديمة التي قارنها مرادها وإن كان بدون تلك الإرادة لزم حدوث الحوادث بدون إرادته وهذا يقتضي جواز حدوث الحوادث بدون إرادته فلا يكون فاعلا مختارا فإن الإرادة الحادثة إن كانت فعله فقد حدثت بغير إرادة وإن لم تكن فعله كان قد حدث حادث بلا فعله وهذا ممتنع وهو مما أنكره جماهير الناس على المعتزلة البصريين في قولهم بحدوث إرادة الله بدون إرادة أخرى وبقيام إرادته لا في محل وإن قيل بل لم تزل تقوم به الإرادات للحوادث كما يقول ذلك من يقوله من أهل الحديث والفلاسفة الذي يقولون لم يزل يتكلم إذا شاء ولم يزل فعالا لما يشاء قيل فعلى هذا التقدير ليس هنا إرادة قديمة لمفعول قديم وإن قيل يجتمع فيه هذا وهذا قيل فهذا ممتنع من جهة امتناع كون المفعول المعين للفاعل لا سيما المختار ملازما له ومن جهة كون المفعول بالإرادة لا بد وأن تتقدمه الإرادة وأن تثبت إلى أن يوجد بل هذا في كل مفعول ومن جهة أن ما قامت به الإرادات المتعاقبة كانت مراداته أيضا متعاقبة وكذلك أفعاله القائمة بنفسه وكانت تلك الإرادات من لوازم نفسه

1

382

لم يجز أن تكون مرادة لإرادة قديمة لأنها إن كانت ملزومة لمرادها لزم كون الحادث المعين في الأزل وإن كان مرادها متأخرا عنها كانت تلك الإرادة كافية في حصول المرادات المتأخرة فلم يكن هناك ما يقتضي وجودها فلا توجد إذ الحادث لا يوجد إلا لوجود مقتضيه التام فإن قدر أن الفاعل يريد شيئا بعد شيء ويفعل شيئا بعد شيء لزم أن يكون هذا من لوازم نفسه فتكون نفسه مقتضية لحدوث أفعاله شيئا بعد شيء فتكون مفعولاته شيئا بعد شيء بطريق الأولى والأحرى وإذا كان كذلك كانت نفسه مقتضية لحدوث كل من هذه الأفعال والمفعولات وإذا كانت نفسه مقتضية لذلك امتنع مع ذلك أن يكون مقتضية لقدم فعل ومفعول مع إرادتهما المستلزمة لهما فإن ذاته تكون مقتضية لأمرين متناقضين لأن اقتضاءهما حدوث أفراد الفعل والمفعول وقدم النوع مناقض لاقتضائها قدم عين الفعل والمفعول

1

383

وإن قدر أن هذا المفعول غير تلك المفعولات فإنه ملزوم لها لا يوجد بدونها ولا توجد إلا به فهما متلازمان وإذا تلازمت المفعولات فتلازم أفعالها وإرادتها أولى فيكون كل من القدماء الثلاثة الإرادة المعينة وفعلها ومفعولها ملزوما لحوادث لا نهاية لها لازما وحينئذ فالذات في فعلها للمفعول المعين علة تامة أزلية موجبة له وهي في سائر الحوادث ليست علة أزلية تحدث فاعليتها وتمام إيجابها شيئا بعد شيء والذات موصوفة بغاية الكمال الممكن فإن كان كمالها في أن يكون ما فيها بالقوة هو بالفعل من غير إمكان ذلك ولا كون دوام الإحداث هو أكمل من أن لا يحدث عنها شيء كما قد يقوله هؤلاء الفلاسفة فيجب أن لا يحدث عنها شيء أصلا ولا يكون في الوجود حادث وإن كان كمالها في أن تحدث شيئا بعد شيء لأن ذلك أكمل من أن لا يمكنها إحداث شيء بعد شيء ولأن الفعل صفة كمال والفعل لا يعقل إلا على هذا الوجه ولأن حدوث الحوادث دائما أكمل من أن لا يحدث شيء ولأن هذا الذي بالقوة هو جنس الفعل وهذا بالفعل دائما وأما كون كل من المفعولات أو شيء من المفعولات أزليا فهذا ليس

1

384

بالقوة فيمتنع أن يكون بالفعل فليس في مقارنة مفعولها المعين لها كمال سواء كان ممتنعا أو كان نقصا ينافي الكمال الواجب لها لا سيما ومعلوم أن إحداث نوع المفعولات شيئا بعد شيء أكمل من أن يكون منها ما هو مقارن الفاعل أزليا معه فعلى التقديرين يجب نفيه عنها فلا يكون لها مفعول مقارن لها فلا يكون في العالم شيء قديم وهو المطلوب وهذا برهان مستقل متلقى من قاعدة الكمال الواجب له وتنزهه عن النقص ومما يوضح ذلك أن يقال من المعلوم بالضرورة أن إحداث مفعول بعد مفعول لا الى نهاية أكمل من أن لا يفعل إلا مفعولا واحدا لازما لذاته إن قدر ذلك ممكنا وإذا كان ذلك أكمل فهو ممكن لأن التقدير أن الذات يمكنها أن تفعل شيئا بعد شيء بل يجب ذلك لها وإذا كان هذا ممكنا بل هو واجب لها وجب اتصافها به دون نقيضه الذي هو أنقض منه وليس في هذا تعطيل عن الفعل بل هو اتصاف بالفعل على أكمل الوجوه وبيان هذا أن الفعل المعين والمفعول المعين المقارن له أزلا وأبدا إما أن يكون ممكنا وإما أن يكون ممتنعا فإن كان ممتنعا امتنع قدم

1

385

شيء من العالم وهو المطلوب وإن كان ممكنا فإما أن يكون هو الأكمل أو لا يكون فإن كان هو الأكمل وجب أن لا يحدث شيء وإحداثه حينئذ عدول عن الأكمل وهو محال وإن لم يكن هو الأكمل فالأكمل نقيضه وهو إحداث شيء بعد شيء فلا يكون شيء من الأفعال قديما وهذا لا يرد عليه إلا سؤالا معلوم الفساد وهو أن يقال ما كان يمكن إلا هذا فلا يمكن في الفلك أن يتأخر وجوده ولا في الحوادث أن يكون منها شيء قديم قيل إن أردتم امتناع هذا لذاته فهو مكابرة فإنه لو قدر قبل الفلك فلك وقبله فلك لم يكن امتناع هذا بأعظم من امتناع دوام الفلك بل إذا كان الواحد من النوع دوامه فدوام النوع أولي ولهذا لا يعقل أن يكون واحد من البشر قديما أزليا مع امتناع قدم نوعه واحدا بعد واحد وإن قدرتم إنه ممتنع لأمر يرجع إلى غيره لوجود مضاد له أو لانتفاء حكمة الفاعل ونحو ذلك فكل أمر ينافي قدم نوع المفعول فهو أشد منافاة لقدم عينه فإن جاز قدم عينه فقدم النوع من حدوث الأفراد أجوز وإن امتنع هذا الثاني فالأول أشد امتناعا وكل شيء أوجب حدوث أفراد بعض المفعولات الممكن قدمها فهو أيضا موجب لحدوث نظيره وهب أنهم يقولون الحركة لذاتها لا تقبل البقاء لكن الحوادث جواهر كثيرة شيئا بعد شيء فالعناصر الأربعة إن أمكن أن تكون قديمة

1

386

الأعيان أمكن إبقاؤها قديمة الصورة فلا يجوز استحالتها من حال إلى حال وهو خلاف المشاهدة وإن لم يمكن قدم أعيانها حصل المطلوب وإن قيل هذا ممكن دون هذا كان مكابرة وإن قيل الموجب لاستحالتها حركة الأفلاك قيل من المعلوم بالاضطرار إمكان تحرك الأفلاك دون استحالة العناصر كما أمكن تحرك الفلك الأعلى دون استحالة الثاني وتقدير استحالة الفلك الثاني والثالث وبقائهما كتقدير استحالة العناصر وبقائها لا يمكن أن يقال هذا ممكن لذاته دون الآخر فعلم إن ذلك يرجع إلى أمر خارج يتعلق بالمفعولات المتعلقة بمشيئة الفاعل وحكمته وهذا لا ريب فيه فإننا لا ننازع أن فعل الشيء يوجب فعل لوازمه وينافى وجود أضداده وأن الحكمة المطلوبة من فعل شيء قد يكون لها شروط وموانع فالخالق الذي اقتضت حكمته إحداث أنواع الحيوانات والنباتات والمعادن اقتضت أن تنقل موادها من حال إلى حال ولكن المقصود أنه ليس لأحد الجسمين حقيقة اقتضت

1

387

اختصاصه بالقدم بحسب ذاته دون الأخرى لا سيما ولا حقيقة لوجود شيء سوى الموجود الثابت في الخارج فلا اقتضاء لحقيقته قبل وجود حقيقته ولكن الباري تعالى يعلم ما يريد أن يفعله فعلمه وإرادته هو الذي يوجب الاختصاص فقد تبين أنه إذا كان مقارنة المفعول المعين للفاعل أزلا وأبدا ممتنعا أو نقصا امتنع قدم شيء من العالم فكيف إذا كان كل منهما ثابتا هو ممتنع ومع تقدير إمكانه فهو نقص فإن قدم نوعه أكمل من قدم عينه وهو أولى بالإمكان منه فإذا كان أولى بالإمكان وهو أكمل امتنع أن يكون نقيضه هو الممكن وإذا امتنع ذلك قدم شيء من العالم وعلي هذا فكل ما يذكرونه من دوام فاعلية الرب هو حجة عليهم فإن فاعلية النوع أكمل من فاعلية الشخص وهو الذي يشهد به الشخص قطعا وحسا فإنا نشهد بفاعلية نوع شيئا بعد شي فإن كان دوام الفاعلية ممكنا فهذا ممكن لوجوده ولسنا نعلم دوام الفاعلية لشيء معين فلا يلزم من علمنا بدوام الفاعلية دوام شيء معين أصلا ودوام النوع يقتضى حدوث أفراده فكل ما سوى الله حادث بعد أن لم يكن وهو المطلوب فتبين أن القول بمقارنة مراده له في الأزل ممتنع يمنع صدور الحوادث عنه وهذا لا يحتاج فيه إلى أن يقال الإرادة الحادثة لا يقارنها مرادها

1

388

بل يمكن أن يقال مع ذلك إن الإرادة الحادثة يقارنها مرادها كما يقولون إن القدرة الحادثة يقارنها مقدورها وإن كان من الناس من ينازع في ذلك والمقصود هنا أنه إذا قيل بأن الإرادة يجب أن يقارنها مرادها وكان ذلك دليلا على حدوث كل ما سوى الله وإن قيل يجوز أن يقارنها مرادها ويجوز أن لا يقارنها أو قيل يمتنع مقارنة مرادها لها فعلى التقديرات الثلاثة يجب حدوث كل ما سوى الله أما على تقدير وجوب مقارنة المراد للإرادة فلأنه إن كانت الإرادة أزلية لزم أن يكون جميع المرادات أزلية فلا يحدث شيء وهو خلاف الحس والعيان وهذا مثل قولنا لو كان موجبا بذاته أزليا أو علة تامة لمعلوله لزم أن يكون جميع موجبه ومعلوله مقارنا له أزليا فيمتنع حدوث شيء عنه وإن كان هناك إرادة حادثة فإن الكلام فيها كالكلام في غيرها من الحوادث إن حدثت عن تلك الإرادة الأزلية التي يجب مقارنة مرادها لها كان ممتنعا وإن حدثت بلا إرادة ولا سبب حادث كان ذلك ممتنعا فتبين أنه على القول بوجوب مقارنة المراد للإرادة يمتنع قدم شيء من

1

389

العالم سواء قيل بقدم الإرادة أو حدوثها أو قدم شيء منها وحدوث شيء آخر وإن قيل بأن المراد يجوز مقارنته للإرادة ويجوز تأخره عنها فإنه على هذا التقدير يجوز حدوث جميع العالم بإرادة قديمة إزلية من غير تجدد شيء كما تقول ذلك الكلابية ومن وافقهم من الأشعرية والكرامية والفقهاء المنسوبين إلى الأئمة الأربعة وغيرهم وعلى هذا التقدير فإنه يجوز حدوث الحوادث بلا سبب حادث وترجيح أحد المتماثلين على الآخر بمجرد الإرادة القديمة وعلى هذا التقدير فإنه يبطل حجة القائلين بقدم العالم وهؤلاء إنما قالوا هذا لاعتقادهم بطلان التسلسل في الآثار وامتناع حوادث لا أول لها فإن كان ما قالوه حقا وأنه يمتنع حوادث لا أول لها لزم حينئذ حدوث العالم وامتنع القول بقدمه لأنه لا يخلو شيء منه عن مقارنة شيء من الحوادث حتى العقول والنفوس عند من يقول بإثباتها فإنها عندهم لا بد أن تقارن الحوادث فإذا امتنع حوادث لا أول لها كان ما لم يسبق الحوادث بمنزلتها يمتنع قدمه كما يمتنع قدمها وإن كان ما قاله هؤلاء باطلا أمكن دوام الحوادث وعلى هذا التقدير فيجوز مقارنة المراد للإرادة في الأزل ويمتنع حدوث شيء إلا بسبب حادث وحينئذ فيمتنع كون شيء من العالم أزليا وإن جاز أن

1

390

يكون نوع الحوادث دائما لم يزل فإن الأزل ليس هو عبارة عن شيء محدد بل ما من وقت يقدر إلا وقبله وقت آخر فلا يلزم من دوام النوع قدم شيء بعينه وإنما قيل يمتنع قدم شيء بعينه لأنه إذا جاز أن يقارنها المراد في الأزل وجب أن يقارنها المراد لأن الإرادة التي يجوز مقارنة مرادها لها لا يتخلف عنها مرادها إلا لنقص في القدرة وإلا فإذا كانت القدرة تامة والإرادة التي يمكن مقارنة مرادها لها حاصلة لزم حصول المراد لوجود المقتضى التام للفعل إذ لو لم يلزم مع كون المراد ممكنا لكان حصوله بعد ذلك يستلزم ترجيح أحد المتماثلين على الآخر بدون مرجح وهو باطل على هذا التقدير ولهذا كان الذين يقولون بامتناع شيء من الحوادث في الأزل يقولون إن حصول شيء من الإرادات في الأزل ممتنع لا يقولون بأنه ممكن وأنه يمكن مقارنة مراده له لكن أورد الناس عليهم أنه إذا كان نسبة جميع الأوقات والحوادث إلى الإرادة الأزلية نسبة واحدة فترجيح أحد الوقتين أو ما يقدر فيه الوقت بالحدوث ترجيح بلا مرجح وتخصيص لأحد المتماثلين بلا مخصص

1

391

وهذا الكلام لا يقدح في مقصودنا هنا فإنا لم ننصر هذا القول ولكن بينا امتناع قدم شيء من العالم على كل تقدير وأن دوام الحوادث سواء كان ممكنا أو ممتنعا فإنه يجب حدوث كل شيء من العالم على التقديرين وأن الإرادة سواء قيل بوجوب مقارنة مرادها لها أو بجواز تأخره عنها يلزم حدوث كل شيء من العالم على كل من التقديرين فإن القائلين بتأخر مرادها إنما قالوا ذلك فرارا من القول بدوام الحوادث ووجود حوادث لا أول لها وعلى هذا التقدير فيلزم حدوث العالم وإلا فلو جاز دوام الحوادث لجاز عندهم وجود المراد في الأزل ولو جاز ذلك لم يقولوا بتأخر المراد عن الإرادة القديمة الأزلية مع ما في ذلك من ترجيح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح وما في ذلك من الشناعة عليهم ونسبة كثير من العقلاء إلى أنهم خالفوا صريح المعقول فإنهم إنما صاروا إلى هذا القول لاعتقادهم امتناع حوادث لا أول لها فاحتاجوا لذلك أن يثبتوا إرادة قديمة أزلية يتأخر عنها المراد ويحدث بعد ذلك من غير سبب حادث واحتاجوا أن يقولوا إن نفس الإرادة تخصص أحد المتماثلين على الآخر وإلا فلو اعتقدوا جواز دوام الحوادث وتسلسلها لأمكن أن يقولوا بأنه

1

392

تحدث الإرادات والمرادات ويقولون بجواز قيام الحوادث بالقديم ولرجعوا عن قولهم بأن نفس الإرادة القديمة تخصص أحد المثلين في المستقبل وعن قولهم بحدوث الحوادث بلا سبب حادث وكانوا على هذا التقدير لا يقولون بقدم شيء من العالم بل يقولون إن كل ما سوى الله فإنه حادث كائن بعد أن لم يكن وكان هذا لازما على هذا التقدير لأنه حينئذ إذا لم يجز حدوث شيء من الحوادث إلا بسبب حادث ولم يترجح أحد الوقتين بحدوث شيء فيه إلا بمرجح يقتضى ذلك لا يكون تأخر المراد عن الإرادة إلا لتعذر المراد إذ لو كان المراد ممكنا أن يقارن الإرادة وممكنا أن يتأخر عنها لكان تخصيص أحد الزمانين بالإحداث تخصيصا بلا مخصص فعلم أنه يجب أحد الأمرين على هذا التقدير وجوب مقارنة المراد للإرادة أو أمتناعه وأنه يجب مقارنته للإرادة إذا كان ممكنا وأنه لا يتأخر إلا لتعذر مقارنته إما لامتناعه في نفسه وإما لامتناع لوازمه

1

393

وامتناع اللازم يقتضي امتناع الملزوم لكن يكون امتناعه لغيره لا لنفسه كما يقول المسلمون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فما شاء الله وجب كونه بمشيئته لا بنفسه وما لم يشأ يمتنع كونه لا بنفسه بل لأنه لا يكون إلا بمشيئته فإذا لم يشأ امتنع كونه وإذا كان على هذا التقدير أحد الأمرين لازما إما مقارنة المراد للإرادة وإما امتناعه لنفسه أو لغيره دل ذلك على أنه لو كان شيء من العالم يمكن أن يكون قديما لوجب أن يكون قديما لوجوب مقارنته له في الأزل إذ التقدير أنه لا بد من وجوب المقارنة أو امتناع المراد فإن كان المراد ممكنا في الأزل لزم وجوب المقارنة لكن وجوب المقارنة ممتنع لأن ذلك يستلزم أن لا يحدث شيء من الحوادث كما تقدم فلزم القسم الآخر وهو امتناع شيء من المراد المعين في الأزل وهو المطلوب فأما إذا قيل بأنه يجب تأخر المراد عن الإرادة كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام فبتقدير كونه مريدا يمتنع قدم شيء من العالم وهو المطلوب فتبين حدوث كل ما سوى الله على كل تقدير وهو المطلوب واعلم أن من فهم هذه الطريق استفاد بها أمورا

1

394

أحدها ثبوت حدوث كل ما سوى الله حتى إذا قدر أن هناك موجودا سوى الأجسام كما يقول من يثبت العقول والنفوس من المتفلسفة والمتكلمة إنها جواهر قائمة بأنفسها وليست أجساما فإن هذه الطريق يعلم بها حدوث ذلك وطائفة من متأخري أهل الكلام كالشهرستاني والرازي والأمدي وغيرهم قالوا إن قدماء أهل الكلام لم يقيموا دليلا على نفي هذه ودليلهم على حدوث الأجسام لا يتناول هذه وقد بين في غير هذا الموضع أن هؤلاء النظار كأبي الهذيل والنظام والهشامين وابن كلاب وابن كرام والأشعري والقاضي أبي بكر وأبي

1

395

المعالي وأبي علي وأبي هاشم وأبي الحسين البصري وأبي بكر بن العربي وأبي الحسن التميمي والقاضي أبي يعلى وأبي الوفاء بن

1

396

عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني وغير هؤلاء يثبتون امتناع وجود موجود ممكن قائم بنفسه لا يشار إليه فبينوا بطلان ثبوت تلك المجردات في الخارج لكن منهم من أبطل ثبوت ما لا يشار إليه مطلقا ومنهم من أبطل ذلك في الممكنات ومما يستفاد بهذه الطريق التي قررناها الخلاص عن إثبات الحدوث بلا سبب حادث والخلاص عن نفي ما يقوم بذات الله من صفاته وأفعاله ومما يستفاد بذلك أنها برهان باهر على بطلان قول القائلين بقدم العالم أو شيء منه وهو متضمن الجواب عن عمدتهم ومما يستفاد بذلك الاستدلال على المطلوب من غير احتياج إلى الفرق بين الموجب بالذات والفاعل بالاختيار وذلك أن كثيرا من أهل النظر غلطوا في الفرق بين هذا وهذا من المعتزلة والشيعة وصار كثير من الناس كالرازي وأمثاله مضطربين في هذا المقام فتارة يوافقون المعتزلة على الفرق وتارة يخالفونهم وإذا خالفوهم فهم مترددون بين أهل السنة وبين الفلاسفة أتباع أرسطو وأصل ذلك أنا نعلم أن القادر المختار يفعل بمشيئته وقدرته لكن هل يجب وجود المفعول عند وجود الإرادة الجازمة والقدرة التامة أم لا

1

397

فمذهب الجمهور من أهل السنة المثبتين للقدر وغيرهم من نفاة القدر أنه يجب وجود المفعول عند وجود المقتضي التام وهو الإرادة الجازمة والقدرة التامة وطائفة أخرى من مثبتة القدر الجهمية وموافقيهم ومن نفاة القدر المعتزلة وغيرهم لا توجب ذلك بل يقولون القادر هو الذي يفعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب ويجعلون هذا هو الفرق بينه وبين الموجب بالذات وهؤلاء يقولون إن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح كالجائع مع الرغيفين والهارب مع الطريقين ثم القدرية من هؤلاء يقولون العبد قادر يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح كما يقولون مثل ذلك في الرب ولهذا كان من قول هؤلاء القدرية إن الله لم ينعم على أهل الطاعة بنعم خصهم بها حتى أطاعوه بها بل تمكينه للمطيع وغيره سواء لكن هذا رجح الطاعة بلا مرجح بل بمجرد قدرته من غير سبب أوجب ذلك وهذا رجح المعصية بمجرد قدرته من غير سبب أوجب ذلك وأما الجبرية كجهم وأصحابه فعندهم أنه ليس للعبد قدرة ألبتة

1

398

والأشعري يوافقهم في المعنى فيقول ليس للعبد قدرة مؤثرة ويثبت شيئا يسميه قدرة يجعل وجوده كعدمه وكذلك الكسب الذي يثبته وهؤلاء لا يمكنهم أن يحتجوا على بطلان قول القدرية بأن رجحان فاعلية العبد على تاركيته لا بد لها من مرجح كما يفعل ذلك الرازي وطائفة من الجبرية ولهذا لم يذكر الأشعري وقدماء أصحابه هذه الحجة وطائفة من الناس كالرازي وأتباعه إذا ناظروا المعتزلة في مسائل القدر أبطلوا هذا الأصل وبينوا أن الفعل يجب وجوده عند وجود المرجح التام وأنه يمتنع فعله بدون المرجح التام ونصروا أن القادر المختار لا يرجح أحد مقدوريه على الآخر إلا بالمرجح التام وإذا ناظروا الفلاسفة في مسألة حدوث العالم وإثبات الفاعل المختار وإبطال قولهم بالموجب بالذات سلكوا مسلك المعتزلة والجهمية في القول بأن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح وعامة الذين سلكوا مسلك أبي عبدالله بن الخطيب وأمثاله تجدهم يتناقضون هذا التناقض

1

399

وفصل الخطاب أن يقال أي شيء يراد بلفظ الموجب بالذات إن عنى به أنه يوجب بذات مجردة عن المشيئة والقدرة فهذه الذات لا حقيقة لها ولا ثبوت في الخارج فضلا عن أن تكون موجبة والفلاسفة يتناقضون فإنهم يثبتون للأول غاية ويثبتون العلل الغائية في إبداعه وهذا يستلزم الإرادة وإذا فسروا الغاية بمجرد العلم وجعلوا العلم مجرد الذات كان هذا في غاية الفساد والتناقض فإنا نعلم بالضرورة أن الإرادة ليست مجرد العلم وأن العلم ليس هو مجرد العالم لكن هذا من تناقض هؤلاء الفلاسفة في هذا الباب فإنهم يجعلون المعاني المتعددة معنى واحدا فيجعلون العلم هو القدرة وهو الإرادة ويجعلون الصفة هي نفس الموصوف كما يجعلون العلم هو نفس العالم والقادر هو القدرة والإرادة هي المريد والعشق هو العاشق وهذا قد صرح به فضلاؤهم وحتى المنتصرون لهم مثل ابن رشد الحفيد الذي رد على أبي حامد الغزالي في تهافت التهافت وأمثاله وأيضا فلو قدر وجود ذات مجردة عن المشيئة والاختيار فيمتنع أن يكون العالم صادرا عن موجب بالذات بهذا التفسير لأن الموجب

1

400

بالذات بهذا الاعتبار يستلزم موجبه ومقتضاه فلو كان مبدع العالم موجبا بالذات بهذا التفسير لزم أن لا يحدث في العالم شيء وهو خلاف المشاهدة فقولهم بالموجب بالذات يستلزم نفي صفاته ونفي أفعاله ونفي حدوث شيء من العالم وهذا كله معلوم البطلان وأبطل من ذلك أنهم جعلوه واحدا بسيطا وقالوا إنه لا يصدر عنه إلا واحد ثم احتالوا في صدور الكثرة عنه بحيل تدل على عظيم حيرتهم وجهلهم بهذا الباب كقولهم إن الصادر الأول هو العقل الأول وهو موجود واجب بغيره ممكن بنفسه ففيه ثلاث جهات فصدر عنه باعتبار وجوبه عقل آخر وباعتبار وجوده نفس وباعتبار إمكانه فلك وربما قالوا وباعتبار وجوده صورة الفلك وباعتبار إمكانه مادته وهم متنازعون في النفس الفلكية هل هي جوهر مفارق له أم عرض قائم به ولهذا أطنب الناس في بيان فساد كلامهم وذلك أن هذا الواحد الذي فرضوه لا يتصور وجوده إلا في الأذهان لا في الأعيان ثم قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية وهم لو علموا ثبوتها في بعض الصور لم يلزم أن تكون كلية إلا بقياس التمثيل فكيف وهم لا يعلمون واحدا صدر عنه شيء

1

401

وما يمثلون به من صدور التسخين عن النار والتبريد عن الماء باطل فإن تلك الآثار لا تصدر إلا عن شيئين فاعل وقابل والأول تعالى كل ما سواه صادر عنه ليس هناك قابل موجود وإن قالوا الماهيات الثابتة في الخارج الغنية عن الفاعل هي القابل كان هذا باطلا من وجوه منها أن هذا بناء على أصلهم الفاسد وهو إثبات ماهيات موجودة في الخارج مغايرة للأعيان الموجودة وهذا باطل قطعا وما يذكرونه من أن المثلث يتصور قبل أن يعلم وجوده لا يدل على ثبوت المثلث في الخارج بل يدل على ثبوته في الذهن ولا ريب في حصول الفرق بين ما في الأذهان وما في الأعيان ومن هنا كثر غلطهم فإنهم تصوروا أمورا في الأذهان فظنوا ثبوتها في الأعيان كالعقول والماهيات الكلية والهيولي ونحو ذلك ومنها أن الماهيات هي بحسب ما يوجد فكل ما وجد له عندهم ماهية كما يقوله من يقول إن المعدوم شيء من المعتزلة والشيعة فلا يجوز قصر الموجودات على أمور لتوهم أنه لا ماهية تقبل الوجود غيرها

1

402

ومنها أن يقال الماهيات الممكنة في نفسها لا نهاية لها ومنها أن يقال الواحد المشهود الذي تصدر عنه الآثار له قوابل موجودة والباري تعالى هو المبدع لوجود كل ما سواه فلا يعلم أمر صادر عن ممكن إلا عن شيئين فصاعدا مع أنه قد يكون هناك مانع يمنع التأثير وليس في الموجودات ما يصدر عنه وحده شيء إلا الله تعالى فقولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية إن أدرجوا فيها ما سوى الله فذاك لا يصدر عنه وحده شيء وإن لم يريدوا بها إلا الله وحده فهذا محل النزاع وموضع الدليل فكيف يكون المدلول عليه هو الدليل وذلك الواحد لا يعلمون حقيقته ولا كيفية الصدور عنه وأيضا فالواحد الذي يثبتونه هو وجود مجرد عن الصفات الثبوتية عن بعضهم كابن سينا وأتباعه أو عن الثبوتيه والسلبية عند بعضهم وهذا لا حقيقة له في الخارج بل يمتنع تحققه في الخارج وإنما هو أمر يقدر في الأذهان كما تقدر الممتنعات ولهذا كان ما ذكره ابن سينا في هذا الباب مما نازعه فيه ابن رشد وغيره من الفلاسفة وقالوا إن هذا ليس هو قول أئمة الفلاسفة وإنما ابن

1

403

سينا وأمثاله أحدثوه ولهذا لم يعتمد عليه أبو البركات صاحب المعتبرة وهو من أقرب هؤلاء إلى اتباع الحجة الصحيحة بحسب نظره والعدول عن تقليد سلفهم مع أن أصل آمرهم وحكمتهم أن العقليات لا تقليد فيها وأيضا فإذا لم يصدر عنه إلا واحد كما يقولونه في العقل الأول فذلك الصادر الأول إن كان واحدا من كل وجه لزم أن لا يصدر عنه إلا واحد وهلم جرا وإن كان فيه كثرة ما بوجه من الوجوه والكثرة وجودية كان قد صدر عن الأول أكثر من واحد وإن كانت عدمية لم يصدر عنها وجود فلا يصدر عن الصادر الأول واحد وأما احتجاجهم على ذلك بقولهم لو صدر عنه شيئان لكان مصدر هذا غير مصدر ذلك ولزم التركيب فيقال أولا ليس الصدور عن الباري كصدور الحرارة عن النار بل هو فاعل بالمشيئته والاختيار ولو قدر تعدد المصدر فهو تعدد أمور إضافية وتعدد الإضافات والسلوب ثابتة له بالاتفاق ولو فرض أنه تعدد صفات فهذا يستلزم القول بثبوت الصفات وهذا حق وقولهم إن هذا تركيب والتركيب ممتنع قد بينا فساده بوجوه

1

404

كثيرة في غير هذا الموضع وبينا أن لفظ التركيب والافتقار والجزء والغير ألفاظ مشتركة مجملة وأنها لا تلزم بالمعنى الذي دل الدليل على نفيه وإنما تلزم بالمعنى الذي لا ينفيه الدليل بل يثبته الدليل والمقصود هنا أن الموجب بالذات إذا فسر بهذا فهو باطل وأما إذا فسر الموجب بالذات بأنه الذي يوجب مفعوله بمشيئته وقدرته لم يكن هذا المعنى منافيا لكونه فاعلا بالاختيار بل يكون فاعلا بالاختيار موجبا بذاته التي هي فاعل قادر مختار وهو موجب بمشيئته وقدرته وإذا تبين أن الموجب بالذات يحتمل معنيين أحدهما لا ينافى كونه فاعلا بمشيئته وقدرته والآخر ينافي كونه فاعلا بمشيئته وقدرته فمن قال القادر لا يفعل إلا على وجه الجواز كما يقوله من يقوله من القدرية والجهمي يجعل الفعل بالاختيار منافيا للإيجاب لا يجامعه بوجه من الوجوه ويقولون إن القادر المختار لا يكون قادرا مختارا إلا إذا فعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب

1

405

والجمهور من أهل السنة وغيرهم يقولون القادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل لكنه إذا شاء أن يفعل مع قدرته لزم وجود فعله فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فإنه قادر على ما يشاء ومع القدرة التامة والمشيئة الجازمة يجب وجود الفعل ولهذا صارت الأقوال ثلاثة فالفلاسفة يقولون بالموجب بالذات المجردة عن الصفات أو الموصوف بالصفات الذي يجب أن يقارنه موجبه المعين أزلا وأبدا والقدرية من المعتزلة وغيرهم من الجهمية ومن وافقهم من غيرهم يقولون بالفاعل المختار الذي يفعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب ثم منهم من يقول يفعل لا بإرادة بل المريد عندهم هو الفاعل العالم ومنهم من يقول بحدوث الإرادة وما يحدثه من إرادة أو فعل فهو يحدثه بمجرد القدرة فإن القادر عندهم يرجح بلا مرجح ثم القدرية من هؤلاء يقولون يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد وقد يشاء ما لا يكون ويكون مالا يشاء بخلاف المجبرة

1

406

والجمهور من أهل السنة وغيرهم المثبتين للقدر والصفات يقولون إنه فاعل بالاختيار وإذا شاء شيئا كان وإرادته وقدرته من لوازم ذاته سواء قالوا بإرادة واحدة قديمة أو بإرادات متعاقبة أو بإرادات قديمة تستوجب حدوث إرادات أخر فعلى كل قول من هذه الأقوال الثلاثة يجب عندهم وجود مراده وإذا فسر الإيجاب بالذات بهذا المعنى كان النزاع لفظيا فالدليل الذي ذكرناه يمكن تصوره بلفظ الموجب بالذات ولفظ العلة والمعلول ولفظ المؤثر والأثر ولفظ الفاعل المختار وهو بجميع هذه العبارات يبين امتناع قدم شئ من العالم ووجوب حدوث كل ما سوى الله وهنا أمر آخر وهو أن الناس تنازعوا في الفاعل المختار هل يجب أن تكون إرادته قبل الفعل ويمتنع مقارنتها له أم يجب مقارنة إرادته التي هي القصد للفعل وما يتقدم الفعل يكون عزما لا قصدا أم يجوز كل من الأمرين على ثلاثة أقوال ونحن قد بينا وجوب حدوث كل ما سوى الله على كل قول من الأقوال الثلاثة قول من يوجب المقارنة وقول من يقول بأن المقارنة ممتنعة وقول من يجوز الأمرين

1

407

وكذلك تنازعوا في القدرة هل يجب مقارنتها للمقدور ويمتنع تقديمها أم يجب تقدمها على المقدور ويمتنع مقارنتها أم تتصف بالتقدم والمقارنة على ثلاثة أقوال أيضا وفصل الخطاب أن الإرادة الجازمة مع القدرة التامة مستلزمة للفعل ومقارنة له فلا يكون الفعل بمجرد قدرة متقدمة غير مقارنة ولا بمجرد إرادة متقدمة غير مقارنة بل لا بد عند وجود الأثر من وجود المؤثر التام ولا يكون الفعل بفاعل معدوم حين الفعل ولا بقدرة معدومة حين الفعل ولا بإرادة معدومة حين الفعل وقبل الفعل لا تجتمع الإرادة الجازمة والقدرة التامة فإن ذلك مستلزم للفعل فلا يوجد إلا مع الفعل لكن قد يوجد قبل الفعل قدرة بلا إرادة وإرادة بلا قدرة كما قد يوجد عزم على أن يفعل فإذا حضر وقت الفعل قوي العزم فصار قصدا فتكون الإرادة حين الفعل أكمل مما كانت قبله وكذلك القدرة حين الفعل أكمل مما كانت قبله وبهذا كان العبد قادرا قبل الفعل القدرة المشروطة في الأمر التي بها

1

408

يفارق العاجز كما قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم سورة التغابن وقوله ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا سورة آل عمران وقوله فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا سورة المجادلة فإن هذه الاستطاعة لو لم تكن إلا مقارنة للفعل لم يجب الحج على من لم يحج ولا وجب على من لم يتق الله أن يتقي الله ولكان كل من لم يصم الشهرين المتتابعين غير مستطيع للصيام وهذا كله خلاف هذه النصوص وخلاف إجماع المسلمين فمن نفى هذه القدرة من المثبتين للقدر وزعم أن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل فقد بالغ في مناقضة القدرية الذين يقولون لا تكون الاستطاعة إلا قبل الفعل فإن هؤلاء أخطأوا حيث زعموا ذلك وقالوا إن كل ما يقدر به العبد على الإيمان والطاعة فقد سوى الله فيه بين المؤمن والكافر بل سوى بينهما في كل ما يمكن أن يعطيه للعبد مما به يؤمن ويطيع وهذا القول فاسد قطعا فإنه لو كانا متساويين في جميع أسباب الفعل لكان اختصاص أحدهما بالفعل دون الآخر ترجيحا لأحد المتماثلين على الآخر من غير مرجح وهذا هو أصل هؤلاء القدرية

1

409

الذين يقولون إن الفاعل القادر يرجح أحد طرفي مقدورية على الآخر بلا مرجح وهذا باطل وإن وافقهم عليه بعض المثبتين للقدر وإما المثبتون للقدر المخالفون لهم في هذا الأصل فمنهم طائفة إذا تكلموا في مسائل القدر وخلق أفعال العباد قالوا إن القادر لا يرجح احد مقدورية على الآخر إلا بمرجح لكن إذا تكلموا في مسائل فعل الله وحدوث العالم والفرق بين الموجب والمختار ومناظرة الدهرية تجد كثيرا منهم يناظرهم مناظرة من قال من القدرية والجهمية المجبرة بأن الفاعل المختار يرجح أحد مقدورية بلا مرجح وبهذا ظهر اضطرابهم في هذه الأصول الكبار التي يدورون فيها بين أصول القدرية والجهمية المجبرة المعطلة لحقيقة الأمر والنهي والوعد والوعيد ولصفة الله في خلقه وأمره وبين أصول الفلاسفة الدهريه المشركين وإن كانوا من الصابئين فهم من الصابئين المشركين لا من الصابئين الحنفاء الذين أثنى عليهم القرآن فإن أولئك يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل ويتخذون فيها الأصنام وهذا دين

1

410

المشركين وهو دين أهل مقدونية وغيرها من مدائن هؤلاء الفلاسفة الصابئة المشركين والإسكندر الذي وزر له أرسطو هو الإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ له اليهود والنصارى وكان قبل المسيح عليه السلام بثلاثمائة عام ليس هو ذا القرنين المذكور في القرآن فإن هذا كان متقدما عليه وهو من الحنفاء وذاك هو ووزيره أرسطو كفار يقولون بالسحر والشرك ولهذا كانت الإسماعيلية أخذت ما يقوله هؤلاء في العقل والنفس وما تقوله المجوس من النور والظلمة فركبوا من ذلك ومن التشيع وعبروا عن ذلك بالسابق والتالي كما قد بسط في موضعه وأصل المشركين والمعطلة باطل وكذلك أصل المجوس والقدرية تخرج بعض الحوادث عن خلق الله وقدرته ويجعلون له شريكا في الملك وهؤلاء الدهرية شر منهم في ذلك فإن قولهم يستلزم إخراج جميع الحوادث عن خلق الله وقدرته وإثبات شركاء كثيرين له في الملك بل يستلزم تعطيل الصانع بالكلية ولهذا كان معلمهم الأول أرسطو

1

411

وأتباعه إنما يثبتون الأول الذي يسمونه العلة الأولى بالاستدلال بحركة الفلك فإنهم قالوا هي اختيارية شوقية فلا بد أن يكون لها محرك منفصل عنها وزعموا أن المتحرك بالإرادة لا بد له من محرك منفصل عنه وإن كان هذا قولا لا دليل عليه بل هو باطل قالوا والمحرك لها يحركها كما يحرك الإمام المقتدي به للمأموم المقتدي وقد يشبهونها بحركة المعشوق للعاشق فإن المحبوب المراد يتحرك إليه المحب المريد من غير حركة من المحبوب قالوا وذلك العشق هو عشق التشبه بالأول وهكذا وافقه متأخروهم كالفارابي وابن سينا وأمثالهما وهؤلاء كلهم يقولون إن سبب الحوادث في العالم إنما هو حركات الأفلاك وحركات الأفلاك حادثة عن تصورات حادثة وإرادات حادثة شيئا بعد شيء وإن كانت تابعة لتصور كلي وإرادة كلية كالرجل الذي يريد

1

412

القصد إلى بلد معين مثل مكة مثلا فهذه إرادة كلية تتبع تصورا كليا ثم إنه لا بد أن يتجدد له تصورات لما يقطعه من المسافات وإرادات لقطع تلك المسافات فهكذا حركة الفلك عندهم لكن مراده الكلي هو التشبه بالأول ولهذا قالوا الفلسفة هي التشبه بالأول بحسب الإمكان فإذا كان الأمر كذلك عندهم فمعلوم أن العلة الغائية المنفصلة عن المعلول لا تكون هي العلة الفاعلة وإذا كان الفلك ممكنا متحركا بإرادته واختياره فلا بد من مبدع له أبدعه كله بذاته وصفاته وأفعاله كالإنسان ولا بد لهذه التصورات والإرادات والحركات الحادثة أن تنتهي إلى واجب بنفسه قديم تكون صادرة عنه سواء قيل إنها صادرة بوسط أو بغير وسط وهؤلاء لم يثبوا شيئا من ذلك بل لم يثبتوا إلا علة غائية للحركة

1

413

فكان حقيقة قولهم أن جميع الحوادث من العالم العلوي والسفلى ليس لها فاعل يحدثها أصلا بل ولا لما يستلزم هذه الحوادث والعناصر وكل من أجزاء العالم مستلزم للحوادث ومن المعلوم في بدائه العقول أن الممكن المفتقر إلى غيره ممتنع وجوده بدون واجب الوجود وأن الحوادث يمتنع وجودها بدون محدث ومتأخروهم كابن سينا وأمثاله يسلمون أن العالم كله ممكن بنفسه ليس بواجب بنفسه ومن نازع في ذلك من غلاتهم فقوله معلوم الفساد بوجوه كثيرة فإن الفقر والحاجة لازمان لكل جزء من أجزاء العالم لا يقوم منه شيء إلا بشيء منفصل عنه وواجب الوجود مستغن عنه بنفسه لا يفتقر إلى غيره بوجه من الوجوه وليس في العالم شيء يكون هو وحده محدثا لشيء من الحوادث وكل من الأفلاك له حركة تخصه ليست حركته عن حركة

1

414

الأعلى حتى يقال أن الأعلى هو المحدث لجميع الحركات ولا في الوجود شيء حادث عن سبب بعينه لا عن حركة الشمس ولا القمر ولا الأفلاك ولا العقل الفعال ولا شيء مما يظن بل أي جزء من العالم اعتبرته وجدته لا يستقل بإحداث شيء ووجدته إذا كان له أثر في شيء كالسخونة التي تكون للشمس مثلا فله مشاركون في ذلك الشيء بعينه كالفاكهة التي للشمس مثلا أثر في إنضاجها ثم إيباسها وتغيير ألوانها ونحو ذلك لا يكون إلا بمشاركة من الماء والهواء والتربة وغير ذلك من الأسباب ثم كل من هذه الأسباب لا يتميز أثره عن أثر الآخر بل هما متلازمان فإذا قالوا العقل الفعال للفعل خلع عليه صورة عند استعداده و بالامتزاج قبل الصورة مثلا كالطين الذي يحدث فيه عن امتزاج الماء والتراب أثر ملازم لهذا الامتزاج لا يمكن وجود أحدهما دون الآخر فإذا كان المؤثر فيهما اثنين لزم أن يكونا متلازمين لامتناع

1

415

وجود أثر أحدهما دون الآخر ويمتنع اثنان متلازمان كل منهما واجب الوجود لأن واجب الوجود لا يكون وجوده مشروطا بوجود غيره ولا تأثيره مشروطا بتأثير غيره إذ لو كان كذلك لكان مفتقرا إلى غيره فلا يكون واجبا بنفسه غنيا عما سواه فكل ما افتقر إلى غيره في نفسه أو شيء من صفاته أو أفعاله لا يكون مستغنيا بنفسه بل يكون مفتقرا إلى غيره ومن كان فقيرا إلى غيره ولو بوجه لم يكن غناه ثابتا له بنفسه وقد علم بالاضطرار أنه لا بد من وجود غنى بنفسه عما سواه من كل وجه فإن الموجود إما ممكن وإما واجب والممكن لا بد له من واجب فثبت وجود الواجب على التقديرين وكذلك يقال للوجود إما محدث وإما قديم والمحدث لا بد له من قديم فثبت وجود القديم على التقديرين وكذلك يقال إما فقير وإما غني والفقير لا بد له من غنى فثبت وجود الغنى على التقديرين وكذلك يقال الموجود إما قيوم وإما غير قيوم وغير القيوم لا بد له من قيوم فثبت وجود القيوم على التقديرين

1

416

وكذلك يقال إما مخلوق وإما غير مخلوق والمخلوق لا بد له من خالق غير المخلوق فثبت وجود الموجود الذي ليس بمخلوق على التقديرين ثم ذلك الموجود الواجب بنفسه القديم الغني بنفسه القيوم الخالق الذي ليس بمخلوق يمتنع أن يكون مفتقرا إلى غيره بجهة من الجهات فإنه إن افتقر إلى مفعوله ومفعوله مفتقر إليه لزم الدور في المؤثرات وإن افتقر إلى غيره وذلك الغير مفتقر إلى غيره لزم التسلسل في المؤثرات وكل من هذين معلوم البطلان بصريح العقل واتفاق العقلاء فإن امتنع أن يكون فاعلا لنفسه فهو يمتنع أن يكون فاعلا لفاعل بنفسه بطريق الأولى وسواء عبر بلفظ الفاعل أو الصانع أو الخالق أو العلة أو المبدأ أو المؤثر فالدليل يصح بجميع هذه العبارات وكذلك يمتنع تقدير مفعولات ليس فيها فاعل غير مفعول وهو تقدير آثار ليس فيها مؤثر وتقدير ممكنات ليس فيها واجب بنفسه فإن كل واحد من ذلك ممكن فقير ومجموعها مفتقر إلى كل من آحادها فهو

1

417

أيضا فقير ممكن وكلما زادت السلسلة زاد الفقر والاحتياج وهو في الحقيقة تقدير معدومات لا تتناهى فإن كثرتها لا تخرجها عن كونها معدومات فيمتنع أن يكون فيها موجود وهذا كله مبسوط في موضعه والمقصود هنا أنه لا بد من وجود الموجود الغني القديم الواجب بنفسه الغني عما سواه من كل وجه بحيث لا يكون مفتقرا إلى غيره بوجه من الوجوه وكل ما في العالم فهو مفتقر إلى غيره والفقر ظاهر في كل جزء من العالم لمن تدبره لا يحدث شيئا بنفسه ألبتة بل لا يستغنى بنفسه ألبتة فيمتنع أن يكون واجب الوجود فلا بد أن يكون الواجب القيوم الغني مباينا للعالم ويجب أن يثبت له كل كمال ممكن الوجود لا نقص فيه فإنه إن لم يتصف به لكان الكمال إما ممتنعا عليه وهو محال لأن التقدير أنه ممكن الوجود ولأن الممكنات متصفة بكمالات عظيمة والخالق أحق بالكمال من المخلوق والقديم أحق به من الحادث والواجب أحق به من الممكن لأنه أكمل وجودا منه والأكمل أحق بالكمال من غير الأكمل ولأن كمال المخلوق من الخالق فخالق الكمال أحق بالكمال وهم يقولون

1

418

كمال المعلول من كمال العلة وإذا لم يكن الكمال ممتنعا عليه فلا بد أن يكون واجبا له إذ لو كان ممكنا غير واجب ولا ممتنع لافتقر في ثبوته له إلى غيره وما كان كذلك لم يكن واجب الوجود بنفسه فما أمكن له من الكمال فهو واجب له ويمتنع أن يكون مفعوله مقارنا له أزليا معه لوجوه أحدها أن مفعوله مستلزم للحوادث لا ينفك عنها وما يستلزم الحوادث يمتنع أن يكون معلولا لعلة تامة أزلية فإن معلول العلة التامة الأزلية لا يتأخر منه شيء ولو تأخر منه شيء لكانت علة بالقوة لا بالفعل ولافتقرت في كونها فاعلة له إلى شيء منفصل عنها وذلك ممتنع فوجب أن يكون مفعولا له لا يكون عنه إلا شيئا بعد شيء فكل ما هو مفعول له فهو حادث بعد أن لم يكن ولأن كونه مقارنا له في الأزل يمنع كونه مفعولا له فإن كون الشيء مفعولا مقارنا ممتنع عقلا ولا يعقل في الموجودات شيء معين هو علة تامة لمعلول مباين له

1

419

أصلا بل كل ما يقال إنه علة إما أن يكون تأثيره متوقفا على غيره فلا تكون تامة وإما أن لا يكون مباينا له على رأي من يقول العلم علة للعالمية عند من يثبت الأحوال وإلا فجمهور الناس يقولون العلم هو العالمية وأما إذا قيل الذات موجبة للصفات أو علة لها فليس لها في الحقيقة فعل ولا تأثير أصلا وإما إذا قدر شيء مؤثر في غيره وقدر أنهما متقارنان متساويان لم يسبق أحدهما الآخر سبقا زمانيا فهذا لا يعقل أصلا وأيضا فكونه متقدما على غيره من كل وجه صفة كمال إذ المتقدم على غيره من كل وجه أكمل ممن يتقدم من وجه دون وجه وإذا قيل الفعل أو تقدير الفعل لا يجوز أن يكون له ابتداء أو غير ذلك كالحركة أو الزمان قيل إن كان هذا باطلا فقد اندفع وإن كان صحيحا فالمثبت إنما هو الكمال الممكن الوجود وحينئذ فإذا كان النوع دائما فالممكن والأكمل هو التقدم على كل فرد من الأفراد بحيث لا يكون في أجزاء العالم شيء يقارنه بوجه من

1

420

الوجوه وأما دوام الفعل فهو أيضا من الكمال فإن الفعل إذا كان صفة كمال فداوحه دوام الكمال وإن لم يكن صفة كمال لم يجب دوامه فعلى التقديرين لا يكون شيء من العالم قديما معه والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع وإنما كان المقصود هنا التنبيه على مآخذ المسلمين في مسألة التعليل فالمجوزون للتعليل يقولون الذي دل عليه الشرع والعقل أن كل ما سوى الله محدث كائن بعد أن لم يكن وأما كون الرب لم يزل معطلا عن الفعل ثم فعل فهذا ليس في الشرع ولا في العقل ما يثبته بل كلاهما يدل على نقيضه وإذا عرف الفرق بين نوع الحوادث وبين أعيانها وعلم الفرق بين قول المسلمين وأهل الملل وأساطين الفلاسفة الذين يقولون بحدوث كل واحد واحد من العالم العلوي والسفلي وبين قول أرسطو وأتباعه الذين يقولون بقدم الأفلاك والعناصر تبين ما في هذا الباب من الخطأ والصواب وهو من أجل المعارف وأعلى العلوم فهذا جواب من يقول بالتعليل لمن احتج عليه بالتسلسل في الآثار وأما حجة الاستكمال فقالوا الممتنع أن يكون الرب تعالى مفتقرا

1

421

إلى غيره أو أن يكون ناقصا في الأزل عن كمال يمكن وجوده في الأزل كالحياة والعلم وإذا كان هو القادر الفاعل لكل شيء لم يكن محتاجا إلى غيره بوجه من الوجوه بل العلل المفعولة هي مقدورة ومرادة له والله تعالى يلهم عباده الدعاء ويجيبهم ويلهمهم التوبة ويفرح بتوبتهم إذا تابوا ويلهمهم العمل ويثيبهم إذا عملوا ولا يقال إن المخلوق أثر في الخالق أو جعله فاعلا للإجابة والإثابه والفرح بتوبتهم فإنه سبحانه هو الخالق لذلك كله له الملك وله الحمد شريك له في شيء من ذلك ولا يفتقر فيه إلى غيره والحوادث التي لا يمكن وجودها إلا متعاقبة لا يكون عدمها في الأزل نقصا قالوا وأما قولهم هذا يستلزم قيام الحوادث به فيقال أولا هذا قول من هم من أكبر شيوخ المعتزلة والشيعة كهشام بن الحكم وأبي الحسين البصري ومن تبعهما وهو لازم لسائرهم والشيعة المتأخرون أتباع المعتزلة البصريين في هذا الباب هم والمعتزلة البصريون يقولون إنه صار مدركا بعد أن لم يكن لأن

1

422

الإدراك عندهم كالسمع والبصر إنما يتعلق بالموجود وهم يقولون صار مريدا بعد أن لم يكن وأما البغداديون فإنهم وإن أنكروا الإدراك والأرادة فهم يقولون صار فاعلا بعد أن لم يكن قالوا وهذا قول بتجدد أحكام له وأحوال ولهذا قيل إن هذه المسألة تلزم سائر الطوائف حتى الفلاسفة وقد قال بها من أساطينهم الأولين وفضلائهم المتأخرين غير واحد ويقال إن الأساطين الذين كانوا قبل أرسطو أو كثير منهم كانوا يقولون بها وقال بها أبو البركات صاحب المعتبر وغيره وهو قول طوائف من أهل الكلام من المرجئة والشيعة والكرامية وغيرهم كأبي معاذ التومني والهشامين وأما جمهور أهل السنة والحديث فإنهم يقولون بها أو بمعناها وإن كان منهم من لا يختار إلا أن يطلق الألفاظ الشرعية ومنهم من يعبر

1

423

عن المعنى الشرعي بالعبارات الدالة عليه مثل حرب الكرماني ونقله عن الأئمة ومثل عثمان بن سعيد الدارمي ونقله عن أهل السنة ومثل البخاري صاحب الصحيح وأبي بكر بن خزيمة الملقب إمام الأئمة ومثل أبي عبدالله بن حامد وأبي اسماعيل الأنصارى الملقب بشيخ الإسلام ومن لا يحصي عدده إلا الله والمعتزلة كانوا ينكرون أن يقوم بذات الله صفة أو فعل وعبروا عن ذلك بأنه لا تقوم به الأعراض والحوادث فوافقهم أبو محمد عبدالله ابن سعيد بن كلاب على نفى ما يتعلق بمشيئته وقدرته وخالفهم في

1

424

نفي الصفات ولم يسمها أعراضا ووافقه على ذلك الحارث المحاسبي ويقال إنه رجع عن ذلك وبسبب مذهب ابن كلاب هجرة الإمام أحمد بن حنبل وقيل إنه تاب منه وصار النزاع في هذا الأصل بين طوائف الفقهاء فما من طائفة من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد إلا وفيهم من يقول بقول ابن كلاب في هذا الأصل كأبي الحسن والتميمي والقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وأبي المعالي الجويني وابن عقيل وابن الزاغوني وفيهم من يقول بقول جمهور أهل الحديث كالخلال وصاحبه أبي بكر عبد العزيز وأبي عبد الله بن حامد وأبي

1

425

عبد الله بن منده وأبي اسماعيل الأنصاري وأبي نصر السجزى وأبي بكر محمد بن اسحق بن خزيمة وأتباعه وجماع القول في ذلك أن الباري تعالى هل يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته كالأفعال الاختيارية على هذين القولين قال المثبتون لذلك وللتعليل نحن نقول لمن أنكر ذلك من المعتزلة والشيعة ونحوهم أنتم تقولون إن الرب كان معطلا في الأزل لا يتكلم ولا يفعل شيئا ثم أحدث الكلام والفعل بلا سبب حادث أصلا فلزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بلا مرجح وبهذا استطالت عليكم الفلاسفة وخالفتهم أئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة في ذلك وظننتم أنكم أقمتم الدليل على حدوث العالم بهذا حيث ظننتم أن ما لا يخلو عن نوع الحوادث يكون حادثا لامتناع حوادث لا نهاية لها وهذا الأصل ليس معكم به كتاب ولا سنة ولا أثر عن الصحابة والتابعين بل الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة والقرابة وأتباعهم

1

426

بخلاف ذلك والنص والعقل دل على أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق حادث كائن بعد أن لم يكن ولكن لا يلزم من حدوث كل فرد فرد مع كون الحوادث متعاقبة حدوث النوع فلا يلزم من ذلك أنه لم يزل الفاعل المتكلم معطلا عن الفعل والكلام ثم حدث ذلك بلا سبب كما لم يلزم مثل ذلك في المستقبل فإن كل فرد فرد من المستقبلات المنقضية فإن وليس النوع فانيا كما قال تعالى أكلها دائم وظلها سورة الرعد وقال إن هذا لرزقنا ما له من نفاد سورة ص فالدائم الذي لا ينفد أي لا ينقضي هو النوع وإلا فكل فرد من أفراده نافد منقض ليس بدائم وذلك أن الحكم الذي توصف به الأفراد إذا كان لمعنى موجود في الجملة وصفت به الجملة مثل وصف كل فرد بوجود أو إمكان أو بعدم فإنه يستلزم وصف الجملة بالوجود والإمكان والعدم لأن طبيعة الجميع هي طبيعة كل واحد واحد وليس المجموع إلا الآحاد الممكنة أو الموجودة أو المعدومة

1

427

وأما إذا كان ما وصف به الأفراد لا يكون صفة للجملة لم يلزم أن يكون حكم الجملة حكم الأفراد كما في أجزاء البيت والإنسان والشجرة فإنه ليس كل منها بيتا ولا إنسانا ولا شجرة وأجزاء الطويل والعريض والدائم والممتد لا يلزم أن يكون كل منها طويلا وعريضا ودائما وممتدا وكذلك إذا وصف كل واحد واحد من المتعاقبات بفناء أو حدوث لم يلزم أن يكون النوع منقطعا أو حادثا بعد أن لم يكن لأن حدوثه معناه أنه وجد بعد أن لم يكن كما أن فناءه معناه أنه عدم بعد وجوده وكونه عدم بعد وجوده أو وجد بعد عدمه أمر يرجع إلى وجوده وعدمه لا إلى نفس الطبيعة الثابتة للمجموع كما في الأفراد الموجودة أو المعدومة أو الممكنة فليس إذا كان هذا المعين لا يدوم يلزم أن يكون نوعه لا يدوم لأن الدوام تعاقب الأفراد وهذا أمر يختص به المجموع لا يوصف به الواحد وإذا حصل للمجموع بالاجتماع حكم

1

428

يخالف به حكم الأفراد لم يجب مساواة المجموع للأفراد في أحكامه وبالجملة فما يوصف به الأفراد قد توصف به الجملة وقد لا توصف به فلا يلزم من حدوث الفرد حدوث النوع إلا إذا ثبت أن هذه الجملة موصوفة بصفة هذه الأفراد وضابط ذلك أنه إن كان بإنضمام هذا الفرد إلى هذا الفرد يتغير ذلك الحكم الذي لذلك الفرد لم يكن حكم المجموع حكم الأفراد وإن لم يتغير ذلك الحكم الذي لذلك الفرد كان حكم المجموع حكم أفراده مثال الأول أنا إذا ضممنا هذا الجزء إلى هذا الجزء صار المجموع أكثر وأطول وأعظم من كل فرد فلا يكون في مثل هذا حكم المجموع حكم الأفراد فإذا قيل إن هذا اليوم طويل لم يلزم أن يكون جزؤه طويلا وكذلك إذا قيل هذا الشخص أو الجسم طويل أو ممتد أو قيل إن هذه الصلاة طويلة أو قيل إن هذا النعيم دائم لم يلزم أن يكون كل جزء منه دائما قال الله تعالى أكلها دائم وظلها سورة الرعد وليس كل جزء

1

429

من أجزاء الأكل دائما وكذلك في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم أحب العمل إلى الله أدومه وقول عائشة رضي الله عنها وكان عمله ديمة فإذا كان عمل المرء دائما لم يلزم أن يكون كل جزء منه دائما

1

430

وكذلك إذا قيل هذا المجموع عشر أوقية أو نش أو إستار لم يلزم أن يكون كل جزء من أجزائه عشر أوقية ولا نشا ولا إستارا لأن المجموع حصل بانضمام الأجزاء بعضها إلى بعض والاجتماع ليس موجودا للأفراد وهذا بخلاف ما إذا قيل كل جزء من الأجزاء معدوم أو موجود أو ممكن أو واجب أو ممتنع فإنه يجب في المجموع أن يكون معدوما أو موجودا أو ممكنا أو واجبا أو ممتنعا وكذلك إذا قلت كل واحد من الزنج أسود فإنه يجب أن يكون معدوما أو وجودا أو ممكنا أو واجبا أو ممتنعا وكذلك إذا قلت كل واحد من الزنج أسود فإنه يجب أن يكون المجموع سودا لأن اقتران الموجود بالموجود لا يخرجه عن كونه موجودا واقتران المعدوم بالمعدوم لا يخرجه عن العدم واقتران الممكن لذاته والممتنع لذاته بنظيره لا يخرجه عن كونه ممكنا لذاته وممتنعا لذاته بخلاف ما لا يكون ممتنعا لذاته إلا إذا انفرد وهو بالاقتران يصير

1

431

ممكنا كالعلم مع الحياة فإنه وحده ممتنع ومع الحياة ممكن وكذلك أحد الضدين هو وحده ممكن ومع الآخر ممتنع اجتماعهما فالمتلازمان يمتنع انفراد أحدهما والمتضادان يمتنع اجتماعهما وبهذا يتبين الفرق بين دوام الآثار الحادثة الفانية واتصالها وبين وجود علل ومعلولات ممكنة لا نهاية لها فإن من الناس من سوى بين القسمين في الامتناع كما يقوله كثير من أهل الكلام ومن الناس من توهم أن التأثير واحد في الإمكان والامتناع ثم لم يتبين له امتناع علل ومعلولات لا تتناهى وظن أن هذا موضع مشكل لا يقوم على امتناعه حجة وإن لم يكن قولا لأحد كما ذكر ذلك الآمدى في رموز الكنوز والأبهرى ومن اتبعهما والفرق بين النوعين حاصل فإن الحادث المعين إذا ضم إلى الحادث المعين حصل من الدوام والامتداد وبقاء النوع ما لم يكن حاصلا للأفراد فإذا كان المجموع طويلا ومديدا ودائما وكثيرا وعظيما لم يلزم أن يكون كل فرد طويلا ومديدا ودائما وكثيرا وعظيما وأما العلل والمعلولات المتسلسلة فكل منهما ممكن وبانضمامه إلى الآخر لا يخرج عن الإمكان وكل منهما معدوم وبانضمامه إلى الآخر لا يخرج

1

432

عن العدم فاجتماع المعدومات الممكنة لا يجعلها موجودة بل ما فيها من الافتقار إلى الفاعل حاصل عند اجتماعها أعظم من حصوله عند افتراقها وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع وعمدة من يقول بامتناع ما لا نهاية له من الحوادث إنما هي دليل التطبيق والموازنة والمسامتة المقتضى تفاوت الجملتين ثم يقولون والتفاوت فيما لا يتناهى محال مثال ذلك أن يقدروا الحوادث من زمن الهجرة إلى مالا يتناهى في المستقبل أو الماضي والحوادث من زمن الطوفان إلى مالا يتناهى أيضا ثم يوازنون الجملتين فيقولون إن تساوتا لزم أن يكون الزائد كالناقص وهذا ممتنع فإن إحداهما زائدة على الأخرى بما بين الطوفان والهجرة وإن تفاضلتا لزم أن يكون فيما لا يتناهى تفاضل وهو ممتنع والذين نازعوهم من أهل الحديث والكلام والفلسفة منعوا هذه المقدمة وقالوا لا نسلم أن حصول مثل هذا التفاضل في ذلك

1

433

ممتنع بل نحن نعلم أنه من الطوفان إلى مالا نهاية له في المستقبل أعظم من الهجرة إلى مالا نهاية له في المستقبل وكذلك من الهجرة إلى مالا بداية له في الماضي أعظم من الطوفان إلى مالا بداية له في الماضي وإن كان كل منهما لا بداية له فإن مالا نهاية له من هذا الطرف وهذا الطرف ليس أمرا محصورا محدودا موجودا حتى يقال هما متماثلان في المقدار فكيف يكون أحدهما أكثر بل كونه لا يتناهى معناه أنه يوجد شيئا بعد شيء دائما فليس هو مجتمعا محصورا والاشتراك في عدم التباهى لا يقتضى التساوى في المقدار إلا إذا كان كل ما يقال عليه إنه لا يتناهى له قدر محدود وهذا باطل فإن ما لا يتناهى ليس له حد محدود ولا مقدار معين بل هو بمنزلة العدد المضعف فكما أن اشتراك الواحد والعشرة والمائة والألف في التضعيف الذي لا يتناهى لا يقتضى تساوى مقاديرها فكذلك هذا وأيضا فإن هذين هما متناهيان من أحد الطرفين وهو الطرف المستقبل وغير متناهيين من الطرف الآخر وهو الماضي

1

434

وحينئذ فقول القائل يلزم التفاضل فيما لا يتناهى غلط فإنه إنما حصل في المستقبل وهو الذي يلينا وهو متناه ثم هما لا يتناهيان من الطرف الذي لا يلينا وهو الأزل وهما متفاضلان من الطرف الذي يلينا وهو طرف الأبد فلا يصح أن يقال وقع التفاوت فيما لا يتناهى إذ هذا يشعر بأن التفاوت حصل في الجانب الذي لا آخر له وليس الأمر كذلك بل إنما حصل التفاضل من الجانب المنتهى الذي له آخر فإنه لم ينقض ثم للناس في هذا جوابان أحدهما قول من يقول ما مضى من الحوادث فقد عدم وما لم يحدث لم يكن فالتطبيق في مثل هذا أمر يقدر في الذهن لا حقيقة له في الخارج كتضعيف الأعداد فإن تضعيف الواحد أقل من تضعيف العشرة وتضعيف العشرة أقل من تضعيف المائة وكل ذلك لا نهاية له لكن ليس هو أمرا موجودا في الخارج

1

435

ومن قال هذا فإنه يقول إنما يمتنع اجتماع ما لا يتناهى إذا كان مجتمعا في الوجود سواء كانت أجزاؤه متصلة كالأجسام أو كانت منفصلة كنفوس الأدميين ويقول كل ما اجتمع في الوجود فإنه يكون متناهيا ومنهم من يقول المتناهى هو المجتمع المتعلق بعضه ببعض بحيث يكون له ترتيب وضعي كالأجسام أو طبيعي كالعلل وأما ما لا يتعلق بعضه ببعض كالنفوس فلا يجب هذا فيها فهذان قولان وأما القائلون بامتناع مالا يتناهى وإن عدم بعد وجوده فمنهم من قال به في الماضي والمستقبل كقول جهم وأبي الهذيل ومنهم من فرق بين الماضي والمستقبل وهو قول كثير من أهل الكلام ومن وافقهم قالوا لأنك إذا قلت لا أعطيك درهما إلا أعطيك بعده درهما كان هذا ممكنا ولو قلت لا أعطيك درهما حتى أعطيك قبله درهما كان هذا ممتنعا وعلى هذا اعتمد أبو المعالي في إرشاده وأمثاله من النظار

1

436

وهذا التمثيل والموازنة ليست صحيحة بل الموازنة الصحيحة أن تقول ما أعطيتك درهما إلا أعطيتك قبله درهما فتجعل ماضيا قبل ماض كما جعلت هناك مستقبلا بعد مستقبل وأما قول القائل لا أعطيك حتى أعطيك فهو نفي للمستقبل حتى يحصل مثله في المستقبل ويكون قبله فقد نفى المستقبل حتى يوجد المستقبل وهذا ممتنع لم ينف الماضي حتى يكون قبله ماض فإن هذا ممكن والعطاء المستقبل ابتداؤه من المعطى والمستقبل الذي له ابتداء وانتهاء لا يكون قبله مالا نهاية له فإن وجود مالا نهاية له فيما يتناهى ممتنع فهذه الأقوال الأربعة للناس فيما لا يتناهى والتسلسل نوعان تسلسل في المؤثرات كالتسلسل في العلل والمعلولات وهو التسلسل في الفاعلين والمفعولات فهذا ممتنع باتفاق العقلاء ومن هذا الباب تسلسل الفاعلين والخالقين والمحدثين مثل أن يقول هذا المحدث له محدث وللمحدث محدث آخر إلى ما لا يتناهى فهذا مما اتفق العقلاء فيما أعلم على امتناعه لأن كل محدث لا

1

437

يوجد بنفسه فهو معدوم باعتبار نفسه وهو ممكن باعتبار نفسه فإذا قدر من ذلك مالا يتناهى لم تصر الجملة موجودة واجبة بنفسها فإن انضمام المحدث إلى المحدث والمعدوم إلى المعدوم والممكن إلى الممكن لا يخرجه عن كونه مفتقرا إلى الفاعل له بل كثرة ذلك تزيد حاجتها وافتقارها إلى الفاعل وافتقار المحدثين الممكنين أعظم من افتقار أحدهما كما أن عدم الاثنين أعظم من عدم أحدهما فالتسلسل في هذا والكثرة لا تخرجه عن الافتقار والحاجة بل تزيده حاجة وافتقارا فلو قدر من الحوادث والمعدومات والممكنات ما لا نهاية له وقدر أن بعض ذلك معلول لبعض أو لم يقدر ذلك فلا يوجد شيء من ذلك إلا بفاعل صانع لها خارج عن هذه الطبيعة المشتركة المستلزمة للافتقار والاحتياج فلا يكون فاعلها معدوما ولا محدثا ولا ممكنا يقبل الوجود والعدم بل لا يكون إلا موجودا بنفسه واجب الوجود لا يقبل العدم قديما ليس بمحدث فإن كل ما ليس كذلك فإنه مفتقر إلى من يخلقه وإلا لم يوجد وأما التسلسل في الآثار كوجود حادث بعد حادث فهذا فيه الأقوال الثلاثة المتقدمة إما منعه في الماضي والمستقبل كقول جهم وأبي الهذيل وإما منعه في الماضي فقط كقول كثير من أهل الكلام وإما

1

438

تجويزه فيهما كقول أكثر أهل الحديث والفلاسفة وهذا مبسوط في غير هذا الموضع وكذلك الدور نوعان دور قبلي وهو أنه لا يكون هذا إلا بعد هذا ولا هذا إلا بعد هذا وهذا ممتنع باتفاق العقلاء وأما الدور المعي الاقتراني مثل المتلازمين اللذين يكونان في زمان واحد كالأبوة والبنوة وعلو أحد الشيئين على الآخر مع سفول الآخر وتيامن هذا عن ذاك مع تياسر الآخر عنه ونحو ذلك من الأمور المتلازمة التي لا توجد إلا معا فهذا الدور ممكن وإذا لم يكن واحد منهما فاعلا للآخر ولا تمام للفاعل بل كان الفاعل لهما غيرهما جاز ذلك وأما إذا كان أحدهما فاعلا للآخر أو من تمام كون الفاعل فاعلا صار من الدور الممتنع ولهذا امتنع ربان مستقلان أو متعاونان أما المستقلان فلأن استقلال أحدهما بالعالم يوجب أن يكون الآخر لم يشركه فيه فإذا كان الآخر مستقلا لزم أن يكون كل منهما فعله وكل منهما لم يفعله وهو جمع بين النقيضين وأما المتعاونان فإن قيل إن كلا منهما قادر على الاستقلال حال كون الآخر مستقلا به لزم القدرة على اجتماع النقيضين وهو ممتنع

1

439

فإنه حال قدرة أحدهما على الاستقلال يمتنع قدرة الآخر على الاستقلال ولا يكونان في حال واحدة كل منهما قادر على الاستقلال فإن ذلك يقتضي وجوده مرتين في حال واحدة لكن الممكن أن يقدر هذا إذا لم يكن الآخر فاعلا وبالعكس فقدرة كل منهما مشروطة بعدم فعل الآخر معه ففي حال فعل كل واحد منهما يمتنع قدرة الآخر وإن قيل إن المتعاونين لا يقدران في حال واحدة على الاستقلال كما هو الممكن الموجود في المتعاونين من المخلوقين كان هذا باطلا أيضا كما سيأتي والمقصود أنهما إن كانا قادرين على الاستقلال أمكن أن يفعل هذا مقدوره وهذا مقدوره فيلزم اجتماع النقيضين وإلا لزم أن تكون قدرة أحدهما مشروطة بتمكين الآخر له وهذا ممتنع كما سيأتي وأيضا فيمكن أن يريد أحدهما ضد مراد الآخر فيريد هذا تحريك جسم وهذا تسكينه واجتماع الضدين ممتنع وإن لم يمكن أحدهما إرادة الفعل إلا بشرط موافقة الآخر له كان عاجزا وحده ولم يصر قادرا إلا بموافقة الآخر

1

440

وكذا إذا قدر أنه ليس واحد منهما قادرا على الاستقلال بل لا يقدر إلا بمعاونه الآخر كما في المخلوقين أو قيل يمكن كل منهما الاستقلال بشرط تخلية الآخر بينه وبين الفعل ففي جميع هذه الأقسام يلزم أن تكون قدرة كل منهما لا تحصل إلا بإقدار الآخر له وهذا ممتنع فإنه من جنس الدور في المؤثرات في الفاعلين والعلل الفاعلة فإن ما به يتم كون الفاعل فاعلا يمتنع فيه الدور كما يمتنع في ذات الفاعل والقدرة شرط في الفعل فلا يكون الفاعل فاعلا إلا بالقدرة فإذا كانت قدرة هذا لا تحصل إلا بقدرة ذاك وقدرة ذاك لا تحصل إلا بقدرة هذا كان هذا دورا ممتنعا كما أن ذات ذاك إذا لم تحصل إلا بهذا وذات هذا لم تحصل إلا بذات ذاك كان هذا دورا ممتنعا إذا كان كل منهما هو الفاعل للآخر بخلاف ما إذا كان ملازما له أو شرطا فيه والفاعل غيرهما فإن هذا جائز كما ذكر في الأبوة والبنوة وكذلك الواحد الذي يريد أحد الضدين بشرط أن لا يريد الضد

1

441

الآخر فإن هذا لا يقدح في كونه قادرا وأما إذا كان لا يقدر حتى يعينه الآخر على القدرة أو حتى يخليه فلا يمنعه من الفعل فإن ذلك يقدح في كونه وحده قادرا وهذه المعاني قد بسطت في غير هذا الموضع لكن لما كان الكلام في التسلسل والدور كثيرا ما يذكر في هذه المواضع المشكلة المتعلقة بما يذكر من الدلائل في توحيد الله وصفاته وأفعاله وكثير من الناس قد لا يهتدى للفروق الثابتة بين الأمور المتشابهة حتى يظن فيما هو دليل صحيح أنه ليس دليلا صحيحا أو يظن ما ليس بدليل دليلا أو يحار ويقف ويشتبه الأمر عليه أو يسمع كلاما طويلا مشكلا لا يفهم معناه أو يتكلم بما لا يتصور حقيقته نبهنا على ذلك هنا تنبيها لطيفا إذ هذا ليس موضع بسطه والناس لأجل هذا دخلوا في أمور كثيرة فالذين قالوا القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الأخرة من المعتزلة والشيعة وغيرهم إنما أوقعهم ظنهم أن التسلسل نوع واحد فالتزموا لأجل ذلك أن الخالق لم يكن متكلما ولا متصرفا بنفسه حتى أحدث كلاما منفصلا عنه وجعلوا خلق كلامه كخلق السماوات والأرض فلما طالبهم الناس بأن الحادث لا بد له من سبب حادث وقعوا في المكابرة وقالوا يمكن

1

442

القادر أن يرجح أحد المثلين بلا مرجح كما في الجائع مع الرغيفين والهارب مع الطريقين وجمهور العقلاء قالوا نعلم بالاضطرار أنه إن لم يوجد المرجح التام لأحد المثلين امتنع الرجحان وإلا فمع التساوي من كل وجه يمتنع الرجحان والفلاسفة جعلوا هذا حجة في قدم العالم فقالوا الحدوث بلا سبب حادث ممتنع فيلزم أن يكون قديما صادرا عن موجب بالذات وكانوا أضل من المعتزلة من وجوه متعددة مثل كون قولهم يستلزم أن لا يحدث شيء ومن جهة أن قولهم يتضمن أن الممكنات لا فاعل لها فإن الفعل بدون الإحداث غير معقول ومن جهة أن في قلوبهم من وصف الله تعالى بالنقائص في ذاته وصفاته وأفعاله ما يطول وصفه ومن جهة أن العالم مستلزم للحوادث ضرورة لأن الحوادث مشهودة فإما أن تكون لازمة له أو حادثة فيه والموجب بالذات المستلزم لمعلوله لا يحدث عنه شيء فيلزم أن لا يكون للحوادث فاعل بحال وهم يجوزون حوادث لا تتناهى كما يوافقهم عليه جمهور أهل الحديث والسنة وحينئذ فلا يمتنع أن يكون كل شيء من العالم حادثا

1

443

والله تعالى لم يزل موصوفا بصفات الكمال لم يزل متكلما إذا شاء قادرا على الفعل وليس شيء من الفعل والمفعول إلا حادثا معينا إذ كل فعل معين يجب أن يكون مسبوقا بعدمه وإلا فالفاعل إن قدر موجبا بذاته لزمه مفعوله ولم يحدث عنه شيء هو مكابرة للحس وإن قدر غير موجب بذاته لم يقارنه شيء من المفعولات وإن كان دائم الفعل إذ كان نوع الفعل من لوازم ذاته وأما الأفعال والمفعولات المعينة فليست لازمة للذات بل كل منها معلق بما قبله لامتناع اجتماع الحوادث في زمان واحد فالفعل الذي لا يكون إلا حادثا يمتنع أن يجمع في زمان واحد فضلا عن أن يكون كل من أجزائه أزليا بل يوجد شيئا فشيئا وأما الفعل الذي لا يكون إلا قديما فهذا أولا ممتنع لذاته فإن الفعل والمفعول المعين المقارن للفاعل ممتنع فلا يحدث به شيء من الحوادث لأن الفعل القديم إذا قدر أنه فعل تام لزمه مفعوله وهذه المواضع قد بسطنا الكلام عليها في غير هذا الموضع وبينا

1

444

نزاع الناس في كل واحد واحد منها وإنما كان القصد هنا التنبيه على أصل مسألة التعليل فإن هذا المبتدع أخد يشنع على أهل السنة فذكر مسائل لا يذكر حقيقتها ولا أدلتها وينقلها على الوجه الفاسد وما ينقله عن أهل السنة خطأ أو كذب عليهم أو على كثير منهم وما قدر انه صدق فيه عن بعضهم فقولهم فيه خير من قوله فإن غالب شناعته على الأشعرية ومن وافقهم والأشعرية خير من المعتزلة والرافضة عند كل من يدري ما يقول ويتقي الله فيما يقول وإذا قيل إن في كلامهم وكلام من قد وافقهم أحيانا من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم ما هو ضعيف فكثير من ذلك الضعيف إنما تلقوه من المعتزلة فهم أصل الخطأ في هذا الباب وبعض ذلك أخطاؤا فيه لإفراط المعتزلة في الخطأ فقابلوهم مقابلة انحرفوا فيها كالجيش الذي يقاتل الكفار فربما حصل منه إفراط وعدوان وهذا مبسوط في موضعه

1

445

قال هؤلاء للمعتزلة والشيعة ولما كان هذا الدليل عمدتكم استطال عليكم الفلاسفة الدهرية كابن سينا وأمثاله وهذا الدليل مناف في الحقيقة لحدوث العالم لا مستلزم له فإنه إذا كان هذا الحادث لا بد له من سبب حادث وكان هذا الدليل مستلزما لحدوث الحادث بلا سبب لزم أن لا يكون الله أحدث شيئا فإذا جوزنا ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح أنسد طريق إثبات الصانع الذي سلكتموه وقالوا أيضا للمعتزلة والشيعة أنتم مع هذا عللتم أفعال الله تعالى بعلل حادثة فيقال لكم هل توجبون للحوادث سببا حادثا أم لا فإن قلتم نعم لزم تسلسل الحوادث وبطل ما ذكرتموه وإن لم توجبوا ذلك قيل لكم وكذلك ليس لها غاية حادثة بعدها فإن المعقول أن الفاعل المحدث لا بد لفعله من سبب ولا بد له من غاية فإذا قلتم لا سبب لإحداثه قيل لكم ولا غاية مطلوبة له بالفعل فإن قلتم لا يعقل فاعل لا يريد حكمة إلا وهو عابث قيل لكم ولا نعقل فاعلا يحدث شيئا بغير سبب حادث أصلا بل هذا أشد امتناعا في العقل من ذاك فلماذا أثبتم الغاية ونفيتم السبب الحادث

1

446

وقيل لكم أيضا الذي يعقل من الفاعل أن يفعل لغاية تعود إليه وأما فاعل يفعل لغاية تعود إلى غيره فهذا غير معقول وإذا كان قول الشيعة المتبعين للمعتزلة في حكمة الله تعالى فقد يقال قول من يقول إنه يفعل لمحض المشيئة بلا علة خير من هذا القول فإن هذا سلم من التسلسل وسلم من كونه يفعل لحكمة منفصلة عنه والمعتزلة تسلم له امتناع التسلسل فعلم أن قول هؤلاء خير من قول هذا المنكر عليهم وأما من قال بالتعليل من أهل السنة والحديث كما تقدم فذاك سلم من هذا وهذا وقد كتبت في مسألة التعليل مصنفا مستقلا بنفسه لما سئلت عنها وليس هذا موضع بسطه والمقصود هنا التنبيه على أن أقوال أهل السنة خير من أقوال الشيعة وأنه إن كان قول بعض أهل السنة ضعيفا فقول الشيعة أضعف منه

1

447

فصل وأما قول الرافضي وجوزوا عليه فعل القبيح والإخلال بالواجب فيقال له ليس في طوائف المسلمين من يقول إن الله تعالى يفعل قبيحا أو يخل بواجب ولكن المعتزلة ونحوهم ومن وافقهم من الشيعة النافين للقدر يوجبون على الله من جنس ما يوجبون على العباد ويحرمون عليه ما يحرمونه على العباد ويضعون له شريعة بقياسه على خلقه فهم مشبهة الأفعال وأما المثبتون للقدر من أهل السنة والشيعة فمتفقون على أن الله تعالى لا يقاس بخلقه في أفعاله كما لا يقاس بهم في ذاته وصفاته فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وليس

1

448

ما وجب على أحدنا وجب مثله على الله تعالى ولا ما حرم على أحدنا حرم مثله على الله تعالى ولا منا قبح منا قبح من الله ولا ما حسن من الله تعالى حسن من أحدنا وليس لأحد منا أن يوجب على الله تعالى شيئا ولا يحرم عليه شيئا فهذا أصل قولهم الذي اتفقوا عليه واتفقوا على أن الله تعالى إذا وعد عباده بشيء كان وقوعه واجبا بحكم وعده فإن الصادق في خبره الذي لا يخلف الميعاد واتفقوا على أنه لا يعذب أنبياءه ولا عباده الصالحين بل يدخلهم الجنة كما أخبر لكن تنازعوا في مسألتين إحداهما أن العباد هل يعلمون بعقولهم حسن بعض الأفعال ويعلمون أن الله متصف بفعله ويعلمون قبح بعض الأفعال ويعلمون أن الله منزه عنه على قولين معروفين أحدهما أن العقل لا يعلم به حسن فعل ولا قبحه أما في خلق الله فلأن القبيح منه ممتنع لذاته وأما في حق العباد فلأن الحسن والقبح لا يثبت إلا بالشرع وهذا قول الأشعري وأتباعه وكثير من الفقهاء من

1

449

أصحاب مالك والشافعي وأحمد وهؤلاء لا ينازعون في الحسن والقبيح إذا فسر بمعنى الملائم والمنافى أنه قد يعلم بالعقل وكذلك لا ينازعون أولا ينازع أكثرهم أو كثير منهم في أنه إذا عنى به كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص أنه يعلم بالعقل والقول الثاني أن العقل قد يعلم به حسن كثير من الأفعال وقبحها في حق الله وحق عباده وهذا مع أنه قول المعتزلة فهو قول الكرامية وغيرهم من الطوائف وهو قول جمهور الحنفية وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد كأبي بكر الأبهري وغيره من أصحاب ماللك وأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب الكلوذاني من أصحاب أحمد وذكر أن هذا القول قول أكثر أهل العلم

1

450

وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأبي بكر القفال وغيرهما من أصحاب الشافعي وهو قول طوائف من أئمة أهل الحديث وعدو القول الأول من أقوال أهل البدع كما ذكر ذلك أبو نصر السجزى في رسالته المعروفة في السنة وذكره صاحبه أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني في شرح قصيدته المعروفة في السنة وفي المسألة قول ثالث اختاره الرازي في آخر مصنفاته وهو القول بالتحسين والتقبيح العقليين في أفعال العباد دون أفعال الله تعالى وقد تنازع أئمة الطوائف في الأعيان قبل ورود السمع فقالت الحنفية وكثير من الشافعية والحنبلية إنها على الإباحة مثل ابن سريج وأبي إسحاق المروزي وأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب

1

451

وقال طوائف إنها على الحظر كأبي علي بن أبي هريرة وابن حامد والقاضي أبي يعلى وعبد الرحمن الحلواني وغيرهم مع أن أكثر الناس يقولون إن القولين لا يصحان إلا على قولنا بأن العقل يحسن ويقبح وإلا فمن قال إنه لا يعرف بالعقل حكم امتنع أن يصفها قبل الشرع بحظر أو إباحة كما قال ذلك الأشعري وأبو الحسن الجزري وأبو بكر الصيرفي وأبو الوفاء بن عقيل وغيرهم المسألة الثانية تنازعوا هل يوصف الله تعالى بأنه أوجب على نفسه وحرم على نفسه أولا معنى للوجوب إلا إخباره بوقوعه ولا للتحريم إلا إخباره بعدم وقوعه

1

452

فقالت طائفة بالقول الثاني وهو قول من يطلق أن الله لا يجب عليه شيء ولا يحرم عليه شيء وقال طائفة بل هو أوجب على نفسه وحرم على نفسه كما نطق بذلك الكتاب والسنة في مثل قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة سورة الأنعام وقوله وكان حقا علينا نصر المؤمنين سورة الروم وقوله في الحديث الإلهي الصحيح يا عبادي أني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما وأما أن العباد يوجبون عليه ويحرمون عليه فممتنع عند أهل السنة كلهم ومن قال إنه أوجب على نفسه أو حرم على نفسه فهذا الوجوب والتحريم يعلم عندهم بالسمع وهل يعلم بالعقل على قولين لأهل السنة وإذا كانت هذه الأقوال كلها معروفة لأهل السنة بل لأهل

1

453

المذهب الواحد منهم كمذهب أحمد وغيره من الأئمة فمن قال من أهل السنة إن الله لا يجب عليه شيء ولا يحرم عليه شيء امتنع عنده أن يكون مخلا بواجب أو فاعلا لقبيح ومن قال إنه أوجب على نفسه أو حرم على نفسه فهم متفقون على أنه لا يخل بما كتبه على نفسه ولا يفعل ما حرمه على نفسه فتبين أنه ليس في أهل السنة من يقول إنه يخل بواجب أو يفعل قبيحا لكن هذا المبتدع سلك مسلك أمثاله فحكى عن أهل السنة أنهم يجوزون عليه تعالى الإخلال بالواجب وفعل القبيح وهذا حكاه بطريق الإلزام لإحدى الطائفتين الذين يقولون لا يجب عليه شيء فله أن يخل بكل شيء فقال هؤلاء يقولون إنه يخل بالواجب أي ما هو عندي واجب وكذلك هؤلاء يقولون لا يقبح منه شيء فقال إنهم جوزوا عليه فعل القبيح أي فعل ما هو قبيح عندهم أو فعل ما هو قبيح من أفعال العباد فهذا نقل عنهم بطريق الإلزام الذي اعتقدوه

1

454

وأيضا فأهل السنة يؤمنون بالقدر وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن الهدى بفضل منه والقدرية يقولون إنه يجب عليه أن يفعل بكل عبد ما يظنونه هم واجبا عليه ويحرم عليه ضد ذلك فيوجبون عليه أشياء ويحرمون عليه أشياء وهو لم يوجبها على نفسه ولا علم وجوبها بشرع ولا عقل ثم يحكون عن من لم يوجبها أنه يقول إن الله يخل بالواجب وهذا تلبيس في نقل المذهب وتحريف له وأصل قول هؤلاء القدرية تشبيه الله بخلقه في الأفعال فيجعلون ما حسن منه حسن من العبد وما قبح من العبد قبح منه وهذا تمثيل باطل فصل وأما قوله وذهبوا إلى أنه لا يفعل لغرض بل كل أفعاله لا لغرض من الأغراض ولا لحكمة ألبتة

1

455

فيقال له أما تعليل أفعاله وأحكامه بالحكمة ففيه قولان مشهوران لأهل السنة والنزاع في كل مذهب من المذاهب الأربعة والغالب عليهم عند الكلام في الفقه وغيره التعليل وأما في الأصول فمنهم من يصرح بالتعليل ومنهم من يأباه وجمهور أهل السنة على إثبات الحكمة والتعيل في أفعاله وأحكامه وأما لفظ الغرض فالمعتزلة تصرح به وهم من القائلين بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأما الفقهاء ونحوهم فهذا اللفظ يشعر عندهم بنوع من النقص إما ظلم وإما حاجة فإن كثيرا من الناس إذا قال فلان له غرض في هذا أو فعل هذا لغرضه أرادوا أنه فعله لهواه ومراده المذموم والله منزه عن ذلك فعبر أهل السنة بلفظ الحكمة والرحمة والإرادة ونحو ذلك مما جاء به النص وطائفة من المثبتين للقدر من المعتزلة يعبرون بلفظ الغرض أيضا ويقولون إنه يفعل لغرض كما يوجد ذلك في كلام طائفة من المنتسبين إلى السنة وأما قوله إنه يفعل الظلم والعبث فليس في أهل الإسلام من يقول إن الله يفعل ما هو ظلم منه ولا عبث منه تعالى الله عن ذلك

1

456

بل الذين يقولون إنه خالق كل شيء من أهل السنة والشيعة يقولون إنه خلق أفعال عباده فإنها من جملة الإشياء ومن المخلوقات ما هو مضر لبعض الناس ومن ذلك الأفعال التي هي ظلم من فاعلها وإن لم تكن ظلما من خالقها كما أنه إذا خلق فعل العبد الذي هو صوم لم يكن هو صائما وإذا خلق فعله الذي هو طواف لم يكن هو طائفا وإذا خلق فعله الذي هو ركوع وسجود لم يكن هو راكعا ولا ساجدا وإذا خلق جوعه وعطشه لم يكن جائعا ولا عطشانا فالله تعالى إذا خلق في محل صفة أو فعلا لم يتصف هو بتلك الصفة ولا ذلك الفعل إذ لو كان كذلك لاتصف بكل ما خلقه من الأعراض ولكن هذا الموضع زلت فيه الجهمية من المعتزلة ومن اتبعهم من الشيعة الذين يقولون ليس لله كلام إلا ما خلقه في غيره وليس له فعل إلا ما كان منفصلا عنه فلا يقوم به عندهم لا فعل ولا قول وجعلوا كلامه الذي يكلم به ملائكته وعباده والذي كلم به موسى والذي أنزله على عباده هو ما خلقه في غيره فيقال لهم الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل

1

457

لا على غيره فإذا خلق حركة في محل كان ذلك المحل هو المتحرك بها لم يكن المتحرك بها هو الخالق لها وكذلك إذا خلق لونا أو ريحا أو علما أو قدرة في محل كان ذلك المحل هو المتلون بذلك اللون المتروح بتلك الريح العالم بذلك العلم القادر بتلك القدرة فكذلك إذا خلق كلاما في محل كان ذلك المحل هو المتكلم بذلك الكلام وكان ذلك الكلام كلاما لذلك المحل لا لخالقه فيكون الكلام الذي سمعه موسى وهو قوله إنني أنا الله سورة طه كلام الشجرة لا كلام الله لو كان ذلك مخلوقا واحتجت المعتزلة وأتباعهم الشيعة على ذلك بالأفعال فقالت كما أنه عادل محسن بعدل وإحسان يقوم بغيره فكذلك هو متكلم بكلام يقوم بغيره وكان هذا حجة على من سلم الأفعال لهم كالأشعري ونحوه فإنه ليس عنده فعل يقوم به بل يقول الخلق هو المخلوق لا غيره وهو قول طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وهو أول قولي القاضي أبي يعلى لكن جمهور الناس يقولون الخلق غير المخلوق وهذا مذهب الحنفية وهو الذي ذكره البغوي عن أهل السنة والذي ذكره

1

458

أبو بكر الكلاباذي عن الصوفية في كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف وهو قول أئمة أصحاب أحمد كأبي بكر عبد العزيز وابن حامد وابن شاقلا وغيرهم وهو آخر قولي القاضي أبي يعلى واختيار أكثر أصحابه كأبي الحسين ابنه وغير هؤلاء وإنما اختار القول الآخر طائفة منهم كابن عقيل ونحوه ولما كان هذا قول الأشعري ونحوه وهو مع سائر أهل السنة

1

459

يقولون إن الله خالق أفعال العباد لزمه أن يقول إن أفعال العباد فعل لله تعالى إذ كان فعله عنده هو مفعوله فجعل أفعال العباد فعلا لله ولم يقل هي فعلهم في المشهور عنه إلا على وجه المجاز بل قال هي كسبهم وفسر الكسب بأنه ما يحصل في محل القدرة المحدثة مقرونا بها ووافقه على ذلك طائفة من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأكثر الناس طعنوا في هذا الكلام وقالوا عجائب الكلام ثلاثة طفرة النظام وأحوال أبي هاشم وكسب الأشعري وأنشد في ذلك مما يقال ولا حقيقة تحته معقولة تدنو إلى الأفهام الكسب عند الأشعري والحال عند البهشمي وطفرة النظام وأما سائر أهل السنة فيقولون إن أفعال العباد فعل لهم حقيقة وهو أحد القولين للأشعري ويقول جمهورهم الذين يفرقون بين

1

460

الخلق والمخلوق إنها مخلوقة لله ومفعولة له ليست هي نفس فعله وخلقه الذي هو صفته القائمة به فهذه الشناعات التي يذكرها هؤلاء لا تتوجه على قول جمهور أهل السنة وإنما ترد على طائفة من المثبتة كالأشعري وغيره فقوله عن أهل السنة إنهم يقولون إنه يفعل الظلم والعبث إن أراد ما هو منه ظلم وعبث فهذا منه فرية عليهم وإن قاله بطريق الإلزام فهم لا يسلمون له أنه ظلم ولهم في تفسير الظلم نزاع قد تقدم تفسيره وإن أراد ما هو ظلم وعبث من العبد فهذا لا محذور في كون الله يخلقه وجمهورهم لا يقولون إن هذا الظلم والعبث فعل الله بل يقولون إنه فعل العبد لكنه مخلوق لله كما أن قدرة العبد وسمعه وبصره مخلوق لله تعالى وليس هو سمع الحق ولا بصره ولا قدرته فصل وأما قوله عنهم إنهم يقولون إنه لا يفعل ما هو الأصلح

1

461

لعباده بل ما هو الفساد لأن فعل المعاصي وأنواع الكفر وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم مسندة إليه تعالى الله عن ذلك يقال هذا الكلام وإن قاله طائفة من متكلمي أهل الإثبات فهو قول طائفة من متكلمي الشيعة أيضا وأئمة أهل السنة وجمهورهم لا يقولون ما ذكر بل الذي يقولونه إن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وإنه لا يخرج عن ملكه وخلقه وقدرته شيء وقد دخل في ذلك جميع أفعال الحيوان فهو خالق لعبادات الملائكة والمؤمنين وسائر حركات العباد والقدرية ينفون عن ملكه خيار ما في ملكه وهو طاعة الملائكة والأنبياء والمؤمنين فيقولون لم يخلقها الله تعالى ولا يقدر على أن يستعمل العبد فيها ولا يلهمه إياها ولا يقدر أن يجعل من لم يفعلها فاعلا لها وقد قال الخليل عليه السلام ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك سورة البقرة فطلب من الله أن يجعله مسلما لله ومن ذريته أمة مسلمة له وهو صريح في أن الله تعالى يجعل الفاعل فاعلا وقال رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي سورة إبراهيم فقد طلب من الله تعالى أن يجعله مقيم الصلاة فعلم

1

462

أن الله هو الذي يجعل المصلي مصليا وقد أخبر عن الجلود والجوارح إخبار مصدق لها أنها قالت أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء سورة فصلت فعلم أنه ينطق جميع الناطقين وأما كونه لا يفعل ما هو الأصلح لعباده أو لا يراعي مصالح العباد فهذا مما اختلف فيه الناس فذهبت طائفة من المثبتين للقدر إلى ذلك وقالوا خلقه وأمره متعلق بمحض المشيئة لا يتوقف على مصلحة وهذا قول الجهم وذهب جمهور العلماء إلى أنه إنما أمر العباد بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم وأن فعل المأمور به مصلحة عامة لمن فعله وأن إرساله الرسل مصلحة عامة وإن كان فيه ضرر على بعض الناس لمعصيته فإن الله كتب في كتاب فهو عنده موضوع فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي وفي رواية إن رحمتي سبقت عضبي أخرجاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم

1

463

فهم يقولون فعل المأمور به وترك المنهى عنه مصلحة لكل فاعل وتارك وأما نفس الأمر وإرسال الرسل فمصلحة عامة للعباد وإن تضمن شرا لبعضهم وهكذا سائر ما يقدره الله تغلب فيه المصلحة والرحمة والمنفعة وإن كان في ضمن ذلك ضرر لبعض الناس فلله في ذلك حكمة أخرى وهذا قول أكثر الفقهاء وأهل الحديث والتصوف وطوائف من أهل الكلام غير المعتزلة مثل الكرامية وغيرهم وهؤلاء يقولون وإن كان في بعض ما يخلقه ما فيه ضرر لبعض الناس أو هو سبب ضرر كالذنوب فلا بد في كل ذلك من حكمة ومصلحة لأجلها خلقها الله وقد غلبت رحمته غضبه وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع وهو لم يذكر إلا مجرد حكاية الأقوال فبينا ما في ذلك النقل من الصواب والخطأ فإن هذا الذي نقله ليس من كلام شيوخه الرافضة بل هو من كلام المعتزلة كأصحاب أبي علي وأبي هاشم وأبي الحسين البصري وغيرهم وهؤلاء ذكروا ذلك ردا على الأشعرية خصوصا فإن الأشعرية وبعض المثبتين للقدر وافقوا الجهم بن صفوان في أصل قوله في الجبر وإن نازعوه في بعض ذلك نزاعا لفظيا أتوا بما لا يعقل لكن لا يوافقونه

1

464

على قوله في نفي الصفات بل يثبتون الصفات فلهذا بالغوا في مخالفة المعتزلة في مسائل القدر حتى نسبوا إلى الجبر وأنكروا الطبائع والقوى التي في الحيوان أن يكون لها تأثير أو سبب في الحوادث أو يقال فعل بها وأنكروا أن يكون للمخلوقات حكمة وعلة ولهذا قيل إنهم أنكروا أن يكون الله يفعل لجلب منفعة لعباده أو دفع مضرة وهم لا يقولون إنه لا يفعل مصلحة ما فإن هذا مكابرة بل يقولون إن ذلك ليس بواجب عليه وليس بلازم وقوعه منه ويقولون إنه لا يفعل شيئا لأجل شيء ولا بشيء وإنما اقترن هذا بهذا لإرادته لكليهما فهو يفعل أحدهما مع صاحبه لا به ولا لأجله والاقتران بينهما مما جرت به عادته لا لكون أحدهما سببا للآخر ولا حكمة له ويقولون إنه ليس في القرآن في خلقه وأمره لام تعليل

1

465

وقد وافقهم على ذلك طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم مع أن أكثر الفقهاء الذين يوافقونهم على هذا في كتب الكلام يقولون بضد ذلك في مسائل الفقه والتفسير والحديث وأدلة الفقه وكلامهم في أصول الفقه تارة يوافق هؤلاء وتارة يوافق هؤلاء لكن جمهور أهل السنة من هؤلاء الطوائف وغيرهم يثبتون القدر ويثبتون الحكمة إيضا والرحمة وأن لفعله غاية محبوبة وعاقبة محمودة وهذه مسألة عظيمة جدا قد بسطت في غير هذا الموضع ففي الجملة لم تثبت المعتزلة والشيعة نوعا من الحكمة والرحمة إلا وقد أثبت أئمة أهل السنة ما هو أكمل من ذلك وأجل منه مع إثباتهم قدرة الله التامة ومشيئته النافذة وخلقه العام هؤلاء لا يثبتون هذا ومتكلموا الشيعة المتقدمون كالهشامين وغيرهما كانوا يثبتون القدر كما يثبته غيرهم وكذلك الزيدية منهم من يثبته ومنهم من ينفيه فالشيعة في القدر على قولين كما أن المثبتين لخلافة الخلفاء الثلاثة في القدر على قولين فلا يوجد لأهل السنة قول ضعيف إلا وفي الشيعة من يقوله ويقول

1

466

ما هو أضعف منه ولا يوجد للشيعة قول قوي إلا وفي أهل السنة من يقوله ويقول ما هو أقوى منه ولا يتصور أن يوجد للشيعة قول قوي لم يقله أحد من أهل السنة فثبت أن أهل السنة أولى بكل خير منهم كما أن المسلمين أولى بكل خير من اليهود والنصارى فصل وأما قوله إنهم يقولون إن المطيع لا يستحق ثوابا والعاصي لا يستحق عقابا بل قد يعذب المطيع طول عمره المبالغ في امتثال أوامره كالنبي ويثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي وأبلغها كإبليس وفرعون فهذا فرية على أهل السنة ليس فيهم من يقول إن الله يعذب نبيا ولا مطيعا ولا من يقول إن الله يثيب إبليس وفرعون بل ولا يثيب عاصيا على معصيته لكن يقولون إنه يجوز أن يعفو عن

1

467

المذنب من المؤمنين وأنه يخرج أهل الكبائر من النار فلا يخلد فيها أحدا من أهل التوحيد ويخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان والإمامية توافقهم على ذلك وأما الاستحقاق فهم يقولون إن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئا وليس له أن يوجب على ربه شيئا لا لنفسه ولا لغيره ويقولون إنه لا بد أن يثيب المطيعين كما وعد فإنه صادق في وعده لا يخلف الميعاد فنحن نعلم أن الثواب يقع لإخباره لنا بذلك وأما إيجابه ذلك على نفسه وإمكان معرفة ذلك بالعقل فهذا فيه نزاع بين أهل السنة كما تقدم التنبيه عليه فقول القائل إنهم يقولون إن المطيع لا يستحق ثوابا إن أراد أنه هو لا يوجب بنفسه على ربه ثوابا ولا أوجيه غيره من المخلوقين فهكذا تقول أهل السنة وإن أراد أن هذا الثواب ليس أمرا ثابتا معلوما وحقا واقعا فقد أخطأ وإن أراد أنه هو سبحانه وتعالى لا يحقه

1

468

بخبره فقد أخطأ على أهل السنة وإن أراد أنه لم يحقه بمعنى أنه لم يوجبه على نفسه ويجعله حقا على نفسه كتبه على نفسه فهذا فيه نزاع قد تقدم وهو بعد أن وعد بالثواب أو أوجب مع ذلك على نفسه الثواب يمتنع منه خلاف خبره وخلاف حكمه الذي كتبه على نفسه وخلاف موجب أسمائه الحسنى وصفاته العلي ولكن لو قدر أنه عذب من يشاء لم يكن لأحد منعه كما قال تعالى قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا سورة المائدة وهو سبحانه لو ناقش من ناقشه من خلقه يعذبه كما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نوقش الحساب عذب قالت قلت يا رسول الله أليس الله يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحساب حسابا يسيرا سورة الانشقاق فقال ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب

1

469

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل وفي الحديث الذي رواه أبو داود وغيره لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرا لهم من أعمالهم

1

470

وهذا قد يقال لأجل المناقشة في الحساب والتقصير في حقيقة الطاعة وهو قول من يجعل الظلم مقدورا غير واقع وقد يقال بأن الظلم لا حقيقة له وأنه مهما قدر من الممكنات لم يكن ظلما والتحقيق أنه إذا قدر أن الله فعل ذلك فلا يفعله إلا بحق لا يفعله وهو ظالم لكن إذا لم يفعله فقد يكون ظلما يتعالى الله عنه فصل وأما ما نقله عنهم أنهم يقولون إن الأنبياء غير معصومين فهذا الإطلاق نقل باطل عنهم فإنهم متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله

1

471

تعالى وهذا هو مقصود الرسالة فإن الرسول هو الذي يبلغ عن الله أمره ونهيه وخبره وهم معصومون في تبليغ الرسالة باتفاق المسلمين بحيث لا يجوز أن يستقر في ذلك شيء من الخطأ وتنازعوا هل يجوز أن يسبق على لسانه ما يستدركه الله تعالى ويبينه له بحيث لا يقره على الخطأ كما نقل أنه ألقى على لسانه صلى الله عليه وسلم تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ثم إن الله تعالى نسخ ما ألقاه الشيطان وأحكم آياته فمنهم من لم يجوز ذلك ومنهم من جوزه إذ لا محذور فيه فإن الله تعالى ينسخ ما يلقى الشيطان ويحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد سورة الحج وأما قوله بل قد يقع منهم الخطأ

1

472

فيقال له هم متفقون على أنهم لا يقرون علي خطأ في الدين أصلا ولا على فسوق ولا كذب ففي الجملة كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله فهم متفقون على تنزيههم عنه وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون إنهم معصومون من الإقرار عليها فلا يصدر عنهم ما يضرهم كما جاء في الأثر كان داود بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة والله يحب التوابين ويحب المتطهرين سورة البقرة وإن العبد ليفعل السيئة فيدخل بها الجنة وأما النسيان والسهو في الصلاة فذلك واقع منهم وفي وقوعه حكمة استنان المسلمين بهم كما روى في موطأ مالك إنما أنسى أو أنسى لأسن وقد قال صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني أخرجاه في الصحيحين ولما صلى

1

473

بهم خمسا فلما سلم قالوا له يا رسول الله أزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فقال الحديث وأما الرافضة فأشبهوا النصارى فإن الله تعالى أمر الناس بطاعة الرسل فيما أمروا به وتصديقهم فيما أخبروا به ونهى الخلق عن الغلو والإشراك بالله فبدلت النصارى دين الله فغلوا في المسيح فأشركوا به وبدلوا دينه فعصوه وعظموه فصاروا عصاة بمعصيته وبالغوا فيه خارجين عن أصلي الدين وهما الإقرار لله بالوحدانية ولرسله بالرسالة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فالغلو أخرجهم عن التوحيد حتى قالوا بالتثليث والاتحاد وأخرجهم عن طاعة الرسول وتصديقه حيث أمرهم أن يعبدوا الله ربه وربهم فكذبوه في قوله إن الله ربه ربهم وعصوه فيما أمرهم به

1

474

وكذلك الرافضة غلوا في الرسل بل في الأئمة حتى اتخذوهم أربابا من دون الله فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل وكذبوا الرسل فيما أخبر به من توبة الأنبياء واستغفارهم فتجدهم يعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فلا يصلون فيها جمعة ولا جماعة وليس لها عندهم كبير حرمة وإن صلوا فيها صلوا فيها وحدانا ويعظمون المشاهد المبنية على القبور فيعكفون عليها مشابهة للمشركين ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة بل يسبون من لا يستغني بالحج إليها عن الحج الذي فرضه الله على عباده ومن لا يستغنى بها عن الجمعة والجماعة وهذا من جنس دين النصارى والمشركين الذين يفضلون عبادة الأوثان على عبادة الرحمن وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا وقال قبل أن يموت بخمس إن من كان قبلكم كانوا

1

475

يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنها كم عن ذلك رواه مسلم وقال إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه وقال اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد رواه مالك في الموطأ

1

476

وقد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد وهو شيخ الموسوي والطوسي كتابا سماه مناسك المشاهد جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قياما للناس وهو أول بيت وضع للناس فلا يطاف إلا به ولا يصلى إلا إليه ولم يأمر الله إلا بحجه وقد علم بالإضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بما ذكروه من آمر المشاهد ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين بل هذا من دين المشركين الذين قال الله فيهم وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا سورة نوح قال ابن عباس وغيره هؤلاء كانوا قوما صالحين في

1

477

قوم نوح لما ماتوا عكفوا على قبورهم فطال عليهم الأمد فصوروا تماثيلهم ثم عبدوهم وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج الأسدي قال قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته فقرن بين طمس التماثيل وتسوية القبور المشرفة لأن كليهما ذريعة إلى

1

478

الشرك كما في الصحيحين أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا النبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها فقال إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة والله أمر في كتابه بعمارة المساجد ولم يذكر المشاهد فالرافضة بدلوا دين الله فعمروا المشاهد وعطلوا المساجد مضاهاة للمشركين ومخالفة للمؤمنين قال تعالى قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد سورة الأعراف لم يقل عند كل مشهد وقال ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين سورة التوبة ولم يقل إنما يعمر مشاهد الله بل عمار المشاهد يخشون بها غير الله ويرجون غير الله

1

479

وقال تعالى وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا سورة الجن ولم يقل وأن المشاهد لله وقال ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا سورة الحج ولم يقل ومشاهد وقال في بيوت اذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة سورة النور وأيضا فقد علم بالنقل المتواتر بل علم بالإضطرار من دين الإسلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع لأمته عمارة المساجد بالصلوات والاجتماع للصلوات الخمس ولصلاة الجمعة والعيدين وغير ذلك وأنه لم يشرع لأمته أن يبنوا على قبر نبي ولا رجل صالح لا من أهل البيت ولا غيرهم لا مسجدا ولا مشهدا ولم يكن على عهده صلى الله عليه وسلم في الإسلام مشهد مبني على قبر وكذلك على عهد خلفائه الراشدين وأصحابه الثلاثة وعلي بن أبي طالب ومعاوية لم يكن على عهدهم مشهد مبني لا على قبر نبي ولا غيره لا على قبر إبراهيم الخليل ولا على غيره

1

480

بل لما قدم المسلمون إلى الشام غير مرة ومعهم عمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان وعلي بن أبي طالب وغيرهم ثم لما قدم عمر لفتح بيت المقدس ثم لما قدم لوضع الجزية على أهل الذمة ومشارطتهم ثم لما قدم إلى سرغ ففي جميع هذه المرات لم يكن أحدهم يقصد السفر إلى قبر الخليل ولا كان هناك مشهد بل كان هناك البناء المبني على المغارة وكان مسدودا بلا باب له مثل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم لم يزل الأمر هكذا في خلافة بني أمية وبني العباس إلى أن ملك النصاري تلك البلاد في أواخر المائة الخامسة فبنوا ذلك البناء واتخذوه كنيسة ونقبوا باب البناء فلهذا تجد الباب منقوبا لا مبنيا ثم لما استنقذ المسلمون منهم تلك الأرض اتخذها من اتخذها مسجدا بل كان الصحابة إذ رأوا أحدا بني مسجدا على قبر نهوه عن ذلك ولما ظهر قبر دانيال بتستر كتب فيه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه

1

481

ألى عمر رضي الله عنه فكتب إليه عمر أن تحفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا وتدفنه بالليل في واحد منها لئلا يفتتن الناس به وكان عمر بن الخطاب إذا رآهم يتناوبون مكانا يصلون فيه لكونه موضع نبي ينهاهم عن ذلك ويقول إنما هلك من كان قبلكم باتخاذ آثار أنبيائهم مساجد من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فليذهب فهذا وأمثاله مما كانوا يحققون به التوحيد الذي أرسل الله به الرسول إليهم ويتبعون في ذلك سنته صلى الله عليه وسلم والإسلام مبني على أصلين أن لا تعبد إلا الله وأن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع فالنصارى خرجوا عن الأصلين وكذلك المبتدعون من هذه الأمة من الرافضة وغيرهم وأيضا فإن النصارى يزعمون أن الحواريين الذين اتبعوا المسيح أفضل من إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء والمرسلين ويزعمون أن الحواريين رسل شافههم الله بالخطاب لأنهم يقولون إن الله هو المسيح ويقولون أيضا إن المسيح ابن الله والرافضة تجعل الأئمة الاثنى عشر أفضل من السابقين الأولين من

1

482

المهاجرين والأنصار وغاليتهم يقولون إنهم أفضل من الأنبياء لأنهم يعتقدون فيهم الإلهية كما اعتقدته النصارى في المسيح والنصارى يقولون إن الدين مسلم للأحبار والرهبان فالحلال ما حللوه والحرام ما حرموه والدين ما شرعوه والرافضة تزعم أن الدين مسلم إلى الأئمة فالحلال ما حللوه والحرام ما حرموه والدين ما شرعوه وأما من دخل في غلوة الشيعة كالإسماعيلية الذين يقولون بإلهية الحاكم ونحوه من أئمتهم ويقولون إن محمد بن إسماعيل نسخ شريعة محمد بن عبد الله وغير ذلك من المقالات التي هي من مقالات الغالية من الرافضة فهؤلاء شر من أكثر الكفار من اليهود والنصارى والمشركين وهم ينتسبون إلى الشيعة يتظاهرون بمذاهبهم فإن قيل ما وصفت به الرافضة من الغلو والشرك والبدع موجود كثير منه في كثير من المنتسبين إلى السنة فإن في كثير منهم غلوا في مشايخهم وإشراكا بهم وابتداعا لعبادات غير مشروعة وكثير منهم يقصد قبر من يحسن الظن به إما ليسأله حاجاته وإما ليسأله الله به حاجة وإما لظنه أن الدعاء عند قبره أجوب منه في المساجد

1

483

ومنهم من يفضل زيارة قبور شيوخهم على الحج ومنهم من يجد عند قبر من يعظمه من الرقة والخشوع ما لا يجده في المساجد والبيوت وغير ذلك مما يوجد في الشيعة ويروون أحاديث مكذوبة من جنس أكاذيب الرافضة مثل قولهم لو أحسن أحدكم ظنه بحجر نفعه الله به وقولهم إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور وقولهم قبر فلان هو الترياق المجرب ويروون عن بعض شيوخهم أنه قال لصاحبه إذا كان لك حاجة فتعال إلى قبري واستغث بي ونحو ذلك فإن في المشايخ من يفعل بعد مماته كما كان يفعل في حياته وقد يستغيث الشخص بواحد منهم فيتمثل له الشيطان في صورته إما حيا وإما ميتا وربما قضى حاجته أو قضى بعض حاجته كما يجري نحو ذلك للنصارى مع شيوخهم ولعباد الأصنام من العرب والهند والترك وغيرهم قيل هذا كله مما نهى الله عنه ورسوله وكل ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذموم منهى عنه سواء كان فاعله منتسبا إلى السنة أو إلى التشيع ولكن الأمور المذمومة المخالفة للكتاب والسنة في هذا وغيره هي في الرافضة أكثر منها في أهل السنة فما يوجد في أهل السنة من الشر ففي الرافضة أكثر منه وما يوجد في الرافضة من الخير ففي أهل السنة أكثر منه

1

484

وهذا حال أهل الكتاب مع المسلمين فما يوجد في المسلمين شر إلا وفي أهل الكتاب أكثر منه ولا يوجد في أهل الكتاب خير إلا وفي المسلمين أعظم منه ولهذا يذكر سبحانه مناظرة الكفار من المشركين وأهل الكتاب بالعدل فإن ذكروا عيبا في المسلمين لم يبرئهم منه لكن يبين أن عيوب الكفار أعظم كما قال تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ثم قال وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل سورة البقرة وهذه الآية نزلت لأن سرية من المسلمين ذكر أنهم قتلوا ابن الحضرمي في آخر يوم من رجب فعابهم المشركون بذلك فأنزل الله هذ الآية وقال تعالى قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مئوية عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل سورة المائدة أي من لعنه الله وجعل منهم الممسوخين وعبدة

1

485

الطاغوت ف جعل معطوف على لعن ليس المراد وجعل منهم من عبد الطاغوت كما ظنه بعض الناس فإن اللفظ لا يدل على ذلك والمعنى لا يناسبه فإن المراد ذمهم على ذلك لا الإخبار بأن الله جعل فيهم من يعبد الطاغوت إذ مجرد الإخبار بهذا لاذم فيه لهم بخلاف جعله منهم القردة والخنازير فإن ذلك عقوبة منه لهم على ذنوبهم وذلك خزي لهم فعابهم بلعنة الله وعقوبته بالشرك الذي فيهم وهو عبادة الطاغوت والرافضة فيهم من لعنة الله وعقوبته بالشرك ما يشبهونهم به من بعض الوجوه فإنه قد ثبت بالنقول المتواترة أن فيهم من يمسخ كما مسخ أولئك وقد صنف الحافظ أبو عبدالله محمد بن عبد الواحد المقدسي كتابا سماه النهي عن سب الأصحاب وما ورد فيه من

1

486

الذم والعقاب وذكر فيه حكايات معروفة في ذلك وأعرف أنا حكايات أخرى لم يذكرها هو وفيهم من الشرك والغلو ما ليس في سائر طوائف الأمة ولهذا أظهر ما يوجد الغلو في طائفتين في النصارى والرافضة ويوجد أيضا في طائفة ثالثة من أهل النسك والزهد والعبادة الذين يغلون في شيوخهم ويشركون بهم فصل وأما قوله عن أهل السنة إنهم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على إمامة أحد وإنه مات عن غير وصية فالجواب أن يقال ليس هذا قول جميعهم بل قد ذهبت طوائف من أهل السنة إلى أن إمامة أبي بكر ثبتت بالنص والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد وغيره من الأئمة

1

487

وقد ذكر القاضي أبو يعلى في ذلك روايتين عن الإمام أحمد إحداهما أنها ثبتت بالاختيار قال وبهذا قال جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية وهذا اختيار القاضي أبي يعلى وغيره والثانية أنها ثبتت بالنص الخفى والإشارة قال وبهذا قال الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث وبكر من أخت عبدالواحد والبيهسية من الخوارج وقال شيخه أبو عبد الله بن حامد فأما الدليل على استحقاق أبي

1

488

بكر الخلافة دون غيره من أهل البيت والصحابة فمن كتاب الله وسنة نبيه قال وقد اختلف أصحابنا في الخلافة هل أخذت من حيث النص أو الاستدلال فذهب طائفة من أصحابنا إلى ان ذلك بالنص وأنه صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك نصا وقطع البيان على عينه حتما ومن أصحابنا من قال إن ذلك بالاستدلال الجلي قال ابن حامد والدليل على إثبات ذلك بالنص أخبار من ذلك ما أسنده البخاري عن جبير بن مطعم قال أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه فقالت أرأيت إن جئت فلم أجدك كأنها تريد الموت قال إن لم تجديني فأتى أبا بكر وذكر له سياقا آخر وأحاديث أخر قال وذلك نص على إمامته

1

489

قال وحديث سفيان عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر قال وأسند البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعة ضعف والله يغفر له ثم استحالت غربا فأخذها عمر بن الخطاب فلم أر عبقريا يفرى فرية حتى ضرب الناس بعطن قال وذلك نص في الإمامة

1

490

قال ويدل عليه ما أخبرنا أبو بكر بن مالك وروى عن مسند أحمد عن حماد ابن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أيكم رأى رؤيا فقلت أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانا دلي من السماء فوزنت بأبي بكر فرجحت بأبي بكر ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر ثم وزن عمر بعثمان فرجح عمر بعثمان ثم رفع الميزان فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلافة نبوة ثم يؤتى الله الملك لمن يشاء

1

491

قال وأسند أبو داود عن جابر الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه قال ومن ذلك حديث صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل على رسول الله صلى الله

1

492

عليه وسلم اليوم الذي بدىء به فيه فقال ادعى لي أباك وآخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا ثم قال يأبي الله والمسلمون إلا أبا بكر وفي لفظ فلا يطمع في هذا الأمر طامع وهذا الحديث في الصحيحين ورواه من طريق أبي داود الطيالسي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ادعى لي عبد الرحمن بن أبي بكر لأكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس ثم قال معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر وذكر أحاديث

1

493

تقديمه في الصلاة وأحاديث أخر لم أذكرها لكونها ليست مما يثبته وقال أبو محمد بن حزم في كتابه في الملل والنحل اختلف الناس في الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت طائفة إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدا ثم اختلفوا فقال بعضهم لكن لما استخلف أبا بكر على الصلاة كان ذلك دليلا على أنه أولاهم بالإمامة والخلافة على الأمر وقال بعضهم لا ولكن كان أبنهم فضلا فقدموه لذلك وقالت طائفة بل نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على استخلاف أبي بكر بعده على أمور الناس نصا جليا قال أبو محمد وبهذا نقول لبراهين أحدها إطباق الناس كلهم

1

494

وهم الذين قال الله فيهم للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون سورة الحشر فقد اتفق هؤلاء الذين شهد الله لهم بالصدق وجميع إخوانهم من الأنصار رضي الله عنهم على أن سموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه المرء لا الذي يخلفه دون أن يستخلفه هو لا يجوز غير هذا ألبتة في اللغة بلا خلاف تقول استخلف فلان فلانا يستخلفه فهو خليفة ومستخلفه فإن قام مكانه دون أن يستخلفه لم يقل إلا خلف فلان فلانا يخلفه فهو خالف قال ومحال أن يعنوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضرورين أحدهما أنه لم يستحق أبو بكر قط هذا الاسم على

1

495

الإطلاق في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حينئذ خليفته على الصلاة فصح يقينا أن خلافته المسمى بها هي غير خلافته على الصلاة والثاني أن كل من استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كعلي في غزوة تبوك وابن أم مكتوم في غزوة الخندق وعثمان بن عفان في غزوة ذات الرقاع وسائر من استخلفه على البلاد باليمن والبحرين والطائف وغيرها لم يستحق أحد منهم قط بلا خلاف بين أحد من الأمة أن يسمى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصح يقينا بالضرورة التي لا محيد عنها أنها الخلافة بعده على أمته ومن المحال أن يجمعوا على ذلك وهو لم يستخلفه نصا ولو لم يكن ههنا إلا استخلافه في الصلاة لم يكن أبو بكر أولى بهذه التسمية من سائر من ذكرنا

1

496

قال وأيضا فإن الرواية قد صحت أن امرأة قالت يا رسول الله أرأيت إن رجعت فلم أجدك كأنها تعنى الموت قال فأتى أبا بكر قال وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر قال وأيضا فإن الخبر قد جاء من الطرق الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في مرضه الذي توفي فيه لقد هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك وأكتب كتابا وأعهد عهدا لكيلا يقول قائل أنا أحق أو يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر وروى ويأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر وروى

1

497

أيضا ويأبى الله والنبيون إلا أبا بكر قال فهذا نص جلي على استخلافه صلى الله عليه وسلم أبا بكر على ولاية الأمة بعده قال واحتج من قال لم يستخلف أبا بكر بالخبر المأثور عن عبد الله ابن عمر عن عمر أنه قال إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر وإلا استخلف فلم يستخلف من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما روى عن عائشة رضي الله عنها إذ سئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلف

1

498

قال ومن المحال أن يعارض إجماع الصحابة الذي ذكرنا عنهم والأثران الصحيحان المسندان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من لفظه بمثل هذين الأثرين الموقوفين على عمر وعائشة رضي الله عنهما مما لا تقوم به حجة ظاهرة من أن هذا الأثر خفي على عمر كما خفي عليه كثير من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كالاستئذان

1

499

وغيره أو أنه أراد استخلافا بعهد مكتوب ونحن نقر أن استخلاف أبي بكر لم يكن بعهد مكتوب وأما الخبر في ذلك عن عائشة فكذلك أيضا وقد يخرج كلاهما على سؤال سائل وإنما الحجة في روايتهما لا في قولهما قلت والكلام في تثبيت خلافة أبي بكر وغيره مبسوط في غير هذا الموضع وإنما المقصود هنا البيان لكلام الناس في خلافته هل حصل عليها نص جلي أو نص خفي وهل ثبتت بذلك أو بالاختيار من أهل الحل والعقد فقد تبين أن كثيرا من السلف والخلف قالوا فيها بالنص الجلي أو الخفي وحينئذ فقد بطل قدح الرافضي في أهل السنة بقوله إنهم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على إمامة أحد وأنه مات من غير وصية وذلك أن هذا القول لم يقله جميعهم فإن كان

1

500

حقا فقد قاله بعضهم وإن كان الحق هو نقيضه فقد قال بعضهم ذلك فعلى التقديرين لم يخرج الحق عن أهل السنة وأيضا فلو قدر أن القول بالنص هو الحق لم يكن في ذلك حجة للشيعة فإن الراوندية تقول بالنص على العباس كما قالوا هم بالنص على علي قال القاضي أبو يعلى وغيره واختلف الرواندية فذهب جماعة منهم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على العباس بعينه واسمه وأعلن ذلك وكشفه وصرح به وأن الأمة جحدت هذا النص وارتدت وخالفت أمر النبي صلى الله عليه وسلم عنادا ومنهم من قال إن النص على العباس وولده من بعده إلى أن تقوم الساعة يعني هو نص خفي فهذان قولان للرواندية كالقولين للشيعة فإن الإمامية تقول إنه نص على علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق التصريح والتسمية

1

501

بأن هذا هو الإمام من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا والزيدية تخالفهم في هذا ثم من الزيدية من يقول إنما نص عليه بقوله من كنت مولاه فعلي مولاه وأنت منى بمنزلة هارون من موسى وأمثال ذلك من النص

1

502

الخفي الذي يحتاج إلى تأمل لمعناه وحكى عن الجارودية من الزيدية أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بصفة لم تكن توجد إلا فيه لا من جهة التسمية فدعوى الرواندية في النص من جنس دعوى الرافضة وقد ذكر في الإمامية أقوال أخر قال أبو محمد بن حزم اختلف القائلون بأن الإمامة لا تكون إلا في صليبة قريش فقالت طائفة هي جائزة في

1

503

جميع ولد فهر بن مالك بن النضر وهذا قول أهل السنة وجمهور المرجئة وبعض المعتزلة وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد العباس بن عبد المطلب وهم الرواندية وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد على بن أبي طالب وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد جعفر بن أبي طالب ثم قصروها على عبدالله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وبلغنا عن بعض بني الحارث بن عبد المطلب أنه كان

1

504

يقول لا تجوز الخلافة إلا لبني عبد المطلب خاصة ويراها في جميع ولد عبد المطلب وهم أبو طالب وأبو لهب والعباس والحارث قال وبلغنا عن رجل كان بالأردن يقول لا تجوز الخلافة إلا في بني عبد شمس وكان له في ذلك تأليف مجموع قال ورأينا كتابا مؤلفا لرجل من ولد عمر بن الخطاب يحتج فيه أن الخلافة لا تجوز إلا في ولد أبي بكر وعمر خاصة وسيأتي تمام الكلام على تنازع الناس في الإمامة إن شاء الله تعالى والمقصود هنا أن أقوال الرافضة معارضة بنظيرها فإن دعواهم النص على علي كدعوى أولئك النص على العباس وكلا القولين مما يعلم فساده بالاضطرار ولم يقل أحد من أهل العلم شيئا من هذين القولين

1

505

وإنما ابتدعهما أهل الكذب كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه ولهذا لم يكن أهل الدين من ولد العباس وعلي يدعوان هذا ولا هذا بخلاف النص على أبي بكر فإن القائلين به طائفة من أهل العلم وسنذكر إن شاء الله تعالى فصل الخطاب في هذا الباب لكن المقصود أن لهم أدلة وحججا من جنس أدلة المستدلين في موارد النزاع ويكفيك أن أضعف ما استدلوا به استدلالهم بتسميته خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد تقدم أن القائلين بالنص على أبي بكر منهم من قال بالنص الخفي ومنهم من قال بالنص الجلي وأيضا فقد روى ابن بطة بإسناده قال حدثنا أبو الحسن بن أسلم الكاتب حدثنا الزعفراني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا المبارك بن فضالة أن عمر بن عبد العزيز بعث محمد بن الزبير

1

506

الحنظلي إلى الحسن فقال هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر فقال أو في شك صاحبك نعم والله الذي لا إله إلا هو استخلفه لهو أتقى من أن يتوثب عليها قال ابن المبارك استخلافه هو أمره أن يصلى بالناس وكان هذا عند الحسن استخلافا قال وأنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سليم حدثنا جعفر بن

1

507

محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال ولينا أبو بكر فخير خليفة أرحمه بنا وأحناه علينا قال وسمعت معاوية بن قرة يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ثم القائلون بالنص على أبي بكر من قال بالنص الجلي واستدلوا على ذلك باتفاق الصحابة على تسميته خليفة رسول الله صلى

1

508

الله عليه وسلم قالوا والخليفة إنما يقال لمن استخلفه غيره واعتقدوا أن الفعيل بمعنى المفعول فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف على أمته والذين نازعوهم في هذه الحجة قالوا الخليفة يقال لمن استخلفه غيره ولمن خلف غيره فهو فعيل بمعنى فاعل كما يقال خلف فلان فلانا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا وفي الحديث الآخر اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم أصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا

1

509

وقال تعالى وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات سورة الأنعام وقال تعالى ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون سورة يونس وقال تعالى وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة سورة البقرة وقال يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق سورة ص أي خليفة عمن قبلك من الخلق ليس المراد أنه خليفة عن الله وأنه من الله كإنسان العين من العين كما يقول ذلك بعض الملحدين القائلين بالحلول والاتحاد كصاحب الفتوحات المكية وأنه الجامع لأسماء الله الحسنى وفسروا بذلك قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها سورة البقرة وأنه مثل الله الذي نفى عنه

1

510

الشبه بقوله ليس كمثله شيء سورة الشورى إلى أمثال هذه المقالات التي فيها من تحريف المنقول وفساد المعقول ما ليس هذا موضع بسطه والمقصود هنا أن الله لا يخلفه غيره فإن الخلافة إنما تكون عن غائب وهو سبحانه شهيد مدبر لخلقه لا يحتاج في تدبيرهم إلى غيره وهو سبحانه خالق الأسباب والمسببات جميعا بل هو سبحانه يخلف عبده المؤمن إذا غاب عن أهله ويروى أنه قيل لأبي بكر يا خليفة الله فقال بل أنا خليفة رسول الله وحسبي ذاك وقالت طائفة بل ثبتت بالنص المذكور في الأحاديث التي تقدم

1

511

إيراد بعضها مثل قوله في الحديث الصحيح لما جاءته المرأة تسأله عن أمر فقالت أرأيت إن لم أجدك كأنها تعني الموت فقال ائتي أبا بكر ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لعائشة رضي الله عنها ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس بعدي ثم قال يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر ومثله قوله في الحديث الصحيح رأيت كأني على قليب أنزع منها فأخذها ابن أبي قحافة فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا من الناس يفري فرية حتى ضرب الناس بعطن

1

512

ومثل قوله مروا أبا بكر فليصل بالناس وقد روجع في ذلك مرة بعد مرة فصلى بهم مدة مرض النبي صلى الله عليه وسلم من يوم الخميس إلى يوم الخميس إلى يوم الاثنين وخرج النبي صلى الله عليه وسلم مرة فصلى بهم جالسا وبقي أبو بكر يصلي بأمره سائر الصلوات وكشف الستارة يوم مات وهم يصلون خلف أبي بكر فسر بذلك وقد قيل إن آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت خلف أبي بكر وقيل ليس كذلك ومثل قوله في الحديث الصحيح على منبره لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر

1

513

وفي سنن أبي داود وغيره من حديث الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزان نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ثم وزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فرأيت الكراهية في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ورواه أيضا من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه فذكر مثله ولم يذكر الكراهية فاستاء لها النبي صلى الله عليه وسلم يعني ساءه فقال خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء فبين النبي صلى

1

514

الله عليه وسلم أن ولاية هؤلاء خلافة نبوة ثم بعد ذلك ملك وليس فيه ذكر علي لأنه لم يجتمع الناس في زمانه بل كانوا مختلفين لم ينتظم فيه خلافة النبوة ولا الملك وروى أبو داود أيضا من حديث ابن شهاب عن عمرو بن أبان عن جابر أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أرى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما المنوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه وروى أبو داود أيضا من حديث حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن عن أبيه عن سمرة بن جندب أن رجلا قال يا رسول الله رأيت كأن دلوا أدلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع

1

515

ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت فانتضح عليه منها شيء وعن سعيد بن جهمان عن سفينة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء أو قال الملك قال سعيد قال لي سفينة أمسك مدة أبي بكر سنتان وعمر عشر وعثمان اثنتا عشرة وعلي كذا قال سعيد قلت لسفينة إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن بخليفة قال كذبت أستاه بني الزرقاء يعني بني مروان وأمثال

1

516

هذه الأحاديث ونحوها مما يستدل بها من قال إن خلافته ثبتت بالنص والمقصود هنا أن كثيرا من أهل السنة يقولون أن خلافته ثبتت بالنص وهم يسندون ذلك إلى أحاديث معروفة صحيحة ولا ريب أن قول هؤلاء أوجه من قول من يقول إن خلافة علي أو العباس ثبتت بالنص فإن هؤلاء ليس معهم إلا مجرد الكذب والبهتان الذي يعلم بطلانه بالضرورة كل من كان عارفا بأحوال الإسلام أو استدلال بألفاظ لا تدل على ذلك كحديث استخلافه في غزوة تبوك ونحوه مما سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى فيقال لهذا إن وجب أن يكون الخليفة منصوصا عليه كان القول بهذا النص أولى من القول بذاك وإن لم يجب هذا بطل ذاك والتحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم دل المسلمين على استخلاف أبي بكر وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد له وعزم على أن يكتب بذلك عهدا ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه فترك الكتاب اكتفاء بذلك ثم عزم على ذلك في مرضه يوم الخميس ثم لما حصل لبعضهم شك هل

1

517

ذلك القول من جهة المرض أو هو قول يجب اتباعه ترك الكتابة اكتفاء بما علم أن الله يختاره والمؤمنون من خلافة أبي بكر رضي الله عنه فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا قاطعا للعذر لكن لما دلتهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعين وفهموا ذلك حصل المقصود والأحكام يبينها صلى الله عليه وسلم تارة بصيغة عاصة وتارة الصيغة خاصة ولهذا قال عمر بن الخطاب في خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار وليس فيكم من يقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر رواه البخاري ومسلم

1

518

وفي الصحيحين أيضا عنه أنه قال يوم السقيفة بمحضر من المهاجرين والأنصار أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر ذلك منهم منكر ولا قال أحد من الصحابة إن غير أبي بكر من المهاجرين أحق بالخلافة منه ولم ينازع أحد في خلافته إلا بعض الأنصار طمعا في أن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير وهذا مما ثبت بالنصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بطلانه ثم الأنصار جميعهم بايعوا أبا بكر إلا سعد بن عبادة لكونه هو الذي كان يطلب الولاية

1

519

ولم يقل قط أحد من الصحابة إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على غير أبي بكر رضي الله عنه لا على العباس ولا على علي ولا على غيرهما ولا ادعى العباس ولا علي ولا أحد ممن يحبهما الخلافة لواحد منهما ولا أنه منصوص عليه بل ولا قال أحد من الصحابة إن في قريش من هو أحق بها من أبي بكر لا من بني هاشم ولا من غير بني هاشم وهذا كله مما يعلمه العلماء العالمون بالآثار والسنن والحديث وهو معلوم عندهم بالاضطرار وقد نقل عن بعض بني عبد مناف مثل أبي سفيان وخالد بن سعيد أنهم أرادوا أن لا تكون الخلافة إلا في بني عبد مناف

1

520

وأنهم ذكروا ذلك لعثمان وعلي فلم يلتفتا إلى من قال ذلك لعلمهما وعلم سائر المسلمين أنه ليس في القوم مثل أبي بكر ففي الجملة جميع من نقل عنه من الأنصار وبني عبد مناف أنه طلب تولية غير أبي بكر لم يذكر حجة دينية شرعية ولا ذكر أن غير أبي بكر أحق وأفضل من أبي بكر وإنما نشأ كلامه عن حب لقومه وقبيلته وإرادة منه أن تكون الإمامة في قبيلته ومعلوم أن مثل هذا ليس من الأدلة الشرعية ولا الطرق الدينية ولا هو مما أمر الله ورسوله المؤمنين باتباعه بل هو شعبة جاهلية ونوع عصبية للأنساب والقبائل وهذا مما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بهجره وإبطاله وفي الصحيح عنه أنه قال أربع من أمر الجاهلية في أمتي لن يدعوهن الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والنياحة على الميت والاستقاء بالنجوم

1

521

وفي المسند عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه هن أمه ولا تكنوا وفي السنن عنه أنه قال إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء الناس رجلان مؤمن تقي وفاجر شقي وأما كون الخلافة في قريش فلما كان هذا من شرعه ودينه كانت النصوص بذلك معروفة منقولة مأثورة يذكرها الصحابة بخلاف

1

522

كون الخلافة في بطن من قريش أو غير قريش فإنه لم ينقل أحد من الصحابة فيه نصا بل ولا قال أحد إنه كان في قريش من هو أحق بالخلافة في دين الله وشرعه من أبي بكر ومثل هذه الأمور كلما تدبرها العالم وتدبر النصوص الثابتة وسير الصحابة حصل له علوم ضرورية لا يمكنه دفعها عن قلبه أنه كان من الأمور المشهورة عند المسلمين أن أبا بكر مقدم على غيره وأنه كان عندهم أحق بخلافة النبوة وأن الأمر في ذلك بين ظاهر عندهم ليس فيه اشتباه عليهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ومعلوم أن هذا العلم الذي عندهم بفضله وتقدمه إنما استفادوه من النبي صلى الله عليه وسلم بأمور سمعوها وعاينوها وحصل بها لهم من العلم ما علموا به أن الصديق أحق الأمة بخلافة نبيهم وأفضلهم عند نبيهم وأنه ليس فيهم من يشابهه حتى يحتاج في ذلك إلى مناظرة

1

523

ولم يقل أحد من الصحابة قط إن عمر بن الخطاب أو عثمان أو عليا أو غيرهم أفضل من أبي بكر أو أحق بالخلافة منه وكيف يقولون ذلك وهم دائما يرون من تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر على غيره وتفضيله له وتخصيصه بالتعظيم ما قد ظهر للخاص والعام حتى أن أعداء النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين يعلمون أن لأبي بكر من الاختصاص ما ليس لغيره كما ذكره أبو سفيان بن حرب يوم أحد قال أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثلاثا ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة ثم قال أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب وكل ذلك يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه أخرجاه في الصحيحين كما سيأتي ذكره بتمامه إن شاء الله تعالى

1

524

حتى أني أعلم طائفة من حذاق المنافقين ممن يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان رجلا عاقلا أقام الرياسة بعقله وحذقه يقولون إن أبا بكر كان مباطنا له على ذلك يعلم أسراره على ذلك بخلاف عمر وعثمان وعلي فقد ظهر لعامة الخلائق أن أبا بكر رضي الله عنه كان أخص الناس بمحمد صلى الله عليه وسلم فهذا النبي وهذا صديقه فإذا كان محمد أفضل النبيين فصديقه أفضل الصديقين فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم له بها وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه اختيارا استندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله وأنه أحقهم بهذا الأمر عند الله ورسوله فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعا ولكن النص دل على رضا الله ورسوله بها وأنها حق وأن الله أمر بهذا وقدرها وأن المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها لأنه حينئذ كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم فيما فعلوه ورضا الله ورسوله بذلك كان ذلك دليلا على

1

525

ان الصديق كان فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره ما علم المسلمون به أنه احقهم بالخلافة وأن ذلك لا يحتاج فيه إلى عهد خاص كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب لأبي بكر فقال لعائشة ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر اخرجاه في الصحيحين وفي البخاري لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ويدفع الله ويأبى المؤمنون فبين صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يكتب كتابا خوفا ثم علم أن الأمر واضح ظاهر ليس مما يقبل النزاع فيه والأمة حديثة عهد بنبيها وهم خير أمة أخرجت للناس وأفضل قرون هذه الأمة فلا يتنازعون في هذا الأمر الواضح الجلي فإن النزاع إنما يكون لخفاء العلم أو لسوء القصد وكلا الأمرين منتف فإن العلم بفضيلة أبي بكر جلي وسوء القصد لا يقع من جمهور الأمة الذين هم أفضل القرون ولهذا قال يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر فترك ذلك لعلمه بأن ظهور

1

526

فضيلة أبي بكر الصديق واستحقاقه لهذا الأمر يغنى عن العهد فلا يحتاج إليه فتركه لعدم الحاجة وظهور فضيلة الصديق واستحقاقه وهذا أبلغ من العهد فصل وأما قول الرافضي إنهم يقولون إن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر بمبايعة عمر برضا أربعة فيقال له ليس هذا قول أئمة أهل السنة وإن كان بعض أهل الكلام يقولون إن الإمامة تنعقد ببيعة أربعة كما قال بعضهم تنعقد ببيعة

1

527

اثنين وقال بعضهم تنعقد ببيعة واحد فليست هذه أقوال أئمة السنة بل الإمامة عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها ولا يصير الرجل إماما حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماما ولهذا قال أئمة السلف من صار له قدرة وسلطان يفعل بهما مقصود الولاية فهو من أولى الأمر الذين أمر الله بطاعتهم مالم يأمروا بمعصية الله فالإمامة ملك وسلطان والملك لا يصير ملكا بموافقة واحد ولا اثنين ولا أربعة إلا أن تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكا بذلك وهكذا كل أمر يفتقر إلى المعاونة عليه لا يحصل إلا بحصول من يمكنهم التعاون عليه ولهذا لما بويع علي رضي الله عنه وصار معه شوكة صار إماما ولو كان جماعة في سفر فالسنة أن يؤمروا أحدهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لثلاثة يكونون في سفر إلا أن يؤمروا

1

528

واحدا منهم فإذا أمره أهل القدرة منهم صار أميرا فكون الرجل أميرا وقاضيا وواليا وغير ذلك من الأمور التي مبناها على القدرة والسلطان متى حصل ما يحصل به من القدرة والسلطان حصلت وإلا فلا إذ المقصود بها عمل أعمال لا تحصل إلا بقدرة فمتى حصلت القدرة التي بها يمكن تلك الأعمال كانت حاصلة وإلا فلا وهذا مثل كون الرجل راعيا للماشية متى سلمت إليه بحيث يقدر أن يرعاها كان راعيا لها وإلا فلا فلا عمل إلا بقدرة عليه فمن لم يحصل له القدرة على العمل لم يكن عاملا والقدرة على سياسة الناس إما بطاعتهم له وإما بقهره لهم فمتى

1

529

صار قادرا على سياستهم بطاعتهم أو بقهره فهو ذو سلطان مطاع إذا أمر بطاعة الله ولهذا قال أحمد في رسالة عبدوس بن مالك العطار أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال ومن ولي الخلافة فأجمع عليه الناس ورضوا به ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمى أمير المؤمنين فدفع الصدقات إليه جائز برا كان أو فاجرا وقال في رواية إسحاق بن منصور وقد سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ما معناه فقال تدري ما الإمام الإمام الذي يجمع عليه المسلمون كلهم يقول هذا إمام فهذا معناه

1

530

والكلام هنا في مقامين أحدهما في كون أبي بكر كان هو المستحق للإمامة وأن مبايعتهم له مما يحبه الله ورسوله فهذا ثابت بالنصوص والإجماع والثاني أنه متى صار إماما فذلك بمبايعة أهل القدرة له وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار إماما لما بايعوه وأطاعوه ولو قدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إماما سواء كان ذلك جائزا أو غير جائز فالحل والحرمة متعلق بالأفعال وأما نفس الولاية والسلطان فهو عبارة عن القدرة الحاصلة ثم قد تحصل على وجه يحبه الله ورسوله كسلطان الخلفاء الراشدين وقد تحصل على وجه فيه معصية كسلطان الظالمين ولو قدر أن عمر وطائفة معه بايعوه وامتنع سائر الصحابة عن البيعة لم يصر إماما بذلك وإنما صار إماما بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة ولهذا لم يضر تخلف سعد بن عبادة لأن ذلك لا يقدح في مقصود الولاية فإن المقصود حصول القدرة والسلطان اللذين بهما تحصل مصالح الإمامة وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك

1

531

فمن قال إنه يصير إماما بموافقة واحد أو اثنين أو أربعة وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة فقد غلط كما أن من ظن أن تخلف الواحد او الاثنين والعشرة يضره فقد غلط وأبو بكر بايعه المهاجرون والأنصار الذين هم بطانة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين بهم صار للإسلام قوة وعزة وبهم قهر المشركون وبهم فتحت جزيرة العرب فجمهور الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين بايعوا أبا بكر وأما كون عمر أو غيره سبق إلى البيعة فلا بد في كل بيعة من سابق ولو قدر أن بعض الناس كان كارها للبيعة لم يقدح ذلك في مقصودها فإن نفس الاستحقاق لها ثابت بالأدلة الشرعية الدالة على أنه أحقهم بها ومع قيام الأدلة الشرعية لا يضر من خالفها ونفس حصولها ووجودها ثابت بحصول القدرة والسلطان بمطاوعة ذوي الشوكة فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر كما قال تعالى لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب سورة الحديد

1

532

فالكتاب يبين ما أمر الله به وما نهى عنه والسيف ينصر ذلك ويؤيده وأبو بكر ثبت بالكتاب والسنة إن الله أمر بمبايعته والذين بايعوه كانوا أهل السيف المطيعين لله في ذلك فانعقدت خلافة النبوة في حقه بالكتاب والحديد وأما عمر فإن أبا بكر عهد إليه وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر فصار إماما لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم له وأما قوله ثم عثمان بن عفان بنص عمر على ستة هو أحدهم فاختاره بعضهم فيقال أيضا عثمان لم يصر إماما باختيار بعضهم بل بمبايعة الناس له وجميع المسلمين بايعوا عثمان بن عفان ولم يتخلف عن بيعته أحد قال الإمام أحمد في رواية حمدان بن علي ما كان في القوم

1

533

أوكد بيعة من عثمان كانت بإجماعهم فلما بايعه ذوو الشوكة والقدرة صار إماما وإلا فلو قدر أن عبد الرحمن بايعه ولم يبايعه علي ولا غيره من الصحابة أهل الشوكة لم يصر إماما ولكن عمر لما جعلها شورى في ستة عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف ثم إنه خرج طلحة والزبير وسعد باختيارهم وبقي عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف واتفق الثلاثة باختيارهم على أن عبد الرحمن بن عوف لا يتولى ويولى أحد الرجلين وأقام عبد الرحمن ثلاثا حلف أنه لم يغتمض فيها بكبير نوم يشاور السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان ويشاور أمراء الأنصار وكانوا قد حجوا مع عمر ذلك العام فأشار عليه المسلمون بولاية عثمان وذكر أنهم كلهم قدموا عثمان فبايعوه لا عن رغبة أعطاهم إياها ولا عن رهبة أخافهم بها ولهذا قال غير واحد من السلف والأئمة كأيوب السختياني وأحمد

1

534

ابن حنبل والدارقطني وغيرهم من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار وهذا من الأدلة الدالة على أن عثمان أفضل لأنهم قدموه باختيارهم واشتوارهم وأما قوله ثم علي بمبايعة الخلق له فتخصيصه عليا بمبايعة الخلق له دون أبي بكر وعمر وعثمان كلام ظاهر البطلان وذلك أنه من المعلوم لكل من عرف سيرة القوم أن اتفاق الخلق ومبايعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان أعظم من اتفاقهم على بيعة علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين وكل أحد يعلم أنهم اتفقوا على بيعة عثمان أعظم مما اتفقوا على بيعة علي والذين بايعوا عثمان في أول الأمر أفضل من الذين بايعوا عليا فإنه بايعه علي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وعبد الله بن مسعود والعباس بن

1

535

عبد المطلب وأبي بن كعب وأمثالهم مع سكينة وطمأنينة بعد مشاورة المسلمين ثلاثة أيام وأما علي رضي الله عنه فإنه بويع عقيب قتل عثمان رضي الله عنه والقلوب مضطربة مختلفة وأكابر الصحابة متفرقون وأحضر طلحة إحضارا حتى قال من قال إنهم جاءوا به مكرها وأنه قال بايعت واللج أي السيف على قفى وكان لأهل الفتنة بالمدينة شوكة لما قتلوا عثمان وماج الناس لقتله موجا عظيما وكثير من الصحابة لم يبايع عليا كعبدالله بن عمر وأمثاله وكان الناس معه ثلاثة أصناف صنف قاتلوا معه وصنف قاتلوه وصنف لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه فكيف يجوز أن يقال في علي بمبايعة الخلق له ولا يقال مثل ذلك في مبايعة الثلاثة ولم يختلف عليهم أحد بل بايعهم الناس كلهم لا سيما عثمان

1

536

وأما أبو بكر فتخلف عن بيعته سعد لأنهم كانوا قد عينوه للإمارة فبقي في نفسه ما يبقى في نفوس البشر ولكن هو مع هذا رضي الله عنه لم يعارض ولم يدفع حقا ولا أعان على باطل بل قد روى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسند الصديق عن عفان عن أبي عوانه عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن هو الحميري فذكر حديث السقيفة وفيه أن الصديق قال ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم قال فقال له سعد صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء فهذا مرسل حسن ولعل حميدا أخذه عن بعض الصحابة الذين شهدوا ذلك وفيه فائدة

1

537

جليلة جدا وهي أن سعد بن عبادة نزل عن مقامه الأول في دعوى الإمارة وأذعن للصديق بالإمارة فرضى الله عنهم أجمعين ولهذا أضطرب الناس في خلافة علي على اقوال فقالت طائفة إنه إمام وإن معاوية إمام وإنه يجوز نصب إمامين في وقت إذا لم يمكن الاجتماع على إمام واحد وهذا يحكى عن الكرامية وغيرهم وقالت طائفة لم يكن في ذلك الزمان أمام عام بل كان زمان فتنة وهذا قول طائفة من أهل الحديث البصريين وغيرهم ولهذا لما أظهر الإمام أحمد التربيع بعلي في الخلافة وقال من لم يربح بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله أنكر ذلك طائفة من هؤلاء وقالوا قد أنكر خلافته من لا يقال هو أضل من حمار أهله يريدون من تخلف عنها من الصحابة واحتج أحمد وغيره على خلافة علي بحديث سفينة عن النبي صلى الله عليه وسلم تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا و هذا الحديث قد رواه أهل السنن كأبي داود وغيره وقالت طائفة ثالثة بل علي هو الإمام وهو مصيب في قتاله لمن قاتله وكذلك من قاتله من الصحابة كطلحة والزبير كلهم مجتهدون

1

538

مصيبون وهذا قول من يقول كل مجتهد مصيب كقول البصريين من المعتزلة أبي الهذيل وأبي علي وأبي هاشم ومن وافقهم من الأشعرية كالقاضي أبي بكر وأبي حامد وهو المشهور عن أبي الحسن الأشعري وهؤلاء ايضا يجعلون معاوية مجتهدا مصيبا في قتاله كما أن عليا مصيب وهذا قول طائفة من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم ذكره أبو عبد الله ابن حامد ذكر لأصحاب أحمد في المقتتلين يوم الجمل وصفين ثلاثة أوجه أحدها كلاهما مصيب والثاني المصيب واحد لا بعينه والثالث أن عليا هو المصيب ومن خالفه مخطىء والمنصوص عن أحمد وأئمة السلف أنه لا يذم أحد منهم وأن عليا أولى بالحق من غيره أما تصويب القتال فليس هو قول أئمة السنة بل هم يقولون إن تركه كان أولى

1

539

وطائفة رابعة تجعل عليا هو الإمام وكان مجتهدا مصيبا في القتال ومن قاتله كانوا مجتهدين مخطئين وهذا قول كثير من أهل الرأي والكلام من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم وطائفة خامسة تقول إن عليا مع كونه كان خليفة وهو أقرب إلى الحق من معاوية فكان ترك القتال أولى وينبغي الإمساك عن القتال لهؤلاء وهؤلاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الساعي وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الحسن إن ابني هذا سيد

1

540

وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فأثنى على الحسن بالإصلاح ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لما مدح تاركه قالوا وقتال البغاة لم يأمر الله به ابتداء ولم يأمر بقتال كل باغ بل قال تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصحلوا بينهما فإن بغث إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله سورة الحجرات فأمر إذا اقتتل المؤمنون بالإصلاح بينهم فإن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت قالوا ولهذا لم يحصل بالقتال مصلحة والأمر الذي يأمر الله به لا بد أن تكون مصلحته راجحة على مفسدته وفي سنن أبي داود حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد أنبأنا هشام عن محمد يعني ابن

1

541

سيرين قال قال حذيفة ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تضرك الفتنة قال أبو داود حدثنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبي بردة عن ثعلبة بن ضبيعة قال دخلنا على حذيفة فقال إني لأعرف رجلا لا تضره الفتن شيئا قال فخرجنا فإذا فسطاط مضروب فدخلنا فإذا فيه محمد بن مسلمة فسألناه عن ذلك فقال ما أريد أن يشتمل علي شيء من أمصاركم حتى تجلى عما انجلت فهذا الحديث يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن محمد بن مسلمة لا تضره الفتنة وهو ممن اعتزل في القتال فلم يقاتل لا مع علي

1

542

ولا مع معاوية كما اعتزل سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبد الله ابن عمر وأبو بكرة وعمران بن حصين وأكثر السابقين الأولين وهذا يدل على أنه ليس هناك قتال واجب ولا مستحب إذ لو كان كذلك لم يكن ترك ذلك مما يمدح به الرجل بل كان من فعل الواجب أو المستجب أفضل ممن تركه ودل ذلك على أن القتال قتال فتنة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي خير من الساعي والساعي خير من الموضع وأمثال ذلك من الأحاديث الصحيحة التي تبين أن ترك القتال كان خيرا من فعله من الجانبين وعلى هذا جمهور أئمة أهل الحديث والسنة وهذا مذهب مالك والثوري وأحمد وغيرهم

1

543

وهذه أقوال من يحسن القول في علي وطلحة والزبير ومعاوية ومن سوى هؤلاء من الخوارج والروافض والمعتزلة فمقالاتهم في الصحابة لون آخر فالخوارج تكفر عليا وعثمان ومن والاهما والروافض تكفر جمهور الصحابة كالثلاثة ومن والاهم وتفسقهم ويكفرون من قاتل

1

544

عليا ويقولون هو إمام معصوم وطائفة من المروانيه تفسقه وتقول إنه ظالم معتد وطائفة من المعتزلة تقول قد فسق إما هو وإما من قاتله لكن لا يعلم عينه وطائفة أخرى منهم تفسق معاوية وعمرا دون طلحة والزبير وعائشة

1

545

والمقصود أن الخلاف في خلافة علي وحروبه كثير منتشر بين السلف والخلف فكيف تكون مبايعة الخلق له أعظم من مبايعتهم للثلاثة قبله رضي الله عنهم أجمعين فإن قال أردت بقولي أن أهل السنة يقولون إن خلافتة انعقدت بمبايعة الخلق له لا بالنص فلا ريب أن أهل السنة وإن كانوا يقولون إن النص على أن عليا من الخلفاء الراشدين لقوله خلافة النبوة ثلاثون سنة فهم يروون النصوص الكثيرة في صحة خلافة غيره وهذا أمر معلوم عند أهل العلم بالحديث يروون في صحة خلافة الثلاثة نصوصا كثيرة بخلاف خلافة علي فإن نصوصها قليلة فإن الثلاثة اجتمعت الأمة عليهم فحصل بهم مقصود الإمامة وقوتل بهم

1

546

الكفار وفتحت بهم الأمصار وخلافة علي لم يقاتل فيها كفار ولا فتح مصر وإنما كان السيف بين أهل القبلة وأما النص الذي تدعيه الرافضة فهو كالنص الذي تدعيه الراوندية على العباس وكلاهما معلوم الفساد بالضرورة عند أهل العلم ولو لم يكن في إثبات خلافة علي إلا هذا لم تثبت له إمامة قط كما لم تثبت للعباس إمامة بنظيره وأما قوله ثم اختلفوا فقال بعضهم إن الإمام بعده الحسن وبعضهم قال إنه معاوية فيقال أهل السنة لم يتنازعوا في هذا بل هم يعلمون أن الحسن بايعه أهل العراق مكان أبيه وأهل الشام كانوا مع معاوية قبل ذلك وقوله ثم ساقوا الإمامة في بني أمية ثم في بني العباس

1

547

فيقال أهل السنة لا يقولون إن الواحد من هؤلاء كان هو الذي يجب أن يولى دون من سواه ولا يقولون إنه تجب طاعته في كل ما يأمر به بل أهل السنة يخبرون بالواقع ويأمرون بالواجب فيشهدون بما وقع ويأمرون بما أمر الله ورسوله فيقولون هؤلاء هم الذين تولوا وكان لهم سلطان وقدرة يقدرون بها على مقاصد الولاية من إقامة الحدود وقسم الأموال وتولية الولايات وجهادالعدو وإقامة الحج والأعياد والجمع وغير ذلك من مقاصد الولايات ويقولون إن الواحد من هؤلاء ونوابهم وغيرهم لا يجوز أن يطاع في معصية الله بل يشارك فيما يفعله من طاعة الله فيغزى معه الكفار ويصلي معه الجمعة والعيدان ويحج معه ويعاون في إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمثال ذلك فيعاونون على البر والتقوى ولا يعاونون على الإثم والعدوان ويقولون إنه قد تولى غير هؤلاء تولى بالغرب طائفة من بني أمية وطائفة من بني علي ومن المعلوم أن الناس لا يصلحون إلا بولاة وأنه لو تولى من هو دون هؤلاء من الملوك الظلمة لكان ذلك خيرا من

1

548

عدمهم كما يقال ستون سنة مع إمام جائر خير من ليلة واحدة بلا إمام ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة قيل له هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة قال يؤمن بها السبيل ويقام به الحدود ويجاهد به العدو ويقسم بها الفيء ذكره علي بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية وكل من تولى كان خيرا من المعدوم المنتظر الذي تقول الرافضة إنه الخلف الحجة فإن هذا لم يحصل بإمامته شيء من المصلحة لا في الدنيا ولا في الدين أصلا فلا فائدة في إمامته إلا الاعتقادات الفاسدة والأماني الكاذبة والفتن بين الأمة وانتظار من لا يجيء فتطوى الأعمار ولم يحصل من فائدة هذه الإمامة شيء والناس لا يمكنهم بقاء أيام قليلة بلا ولاة أمور بل كانت تفسد امورهم فكيف تصلح أمورهم إذا لم يكن لهم إمام إلا من لا يعرف ولا يدري ما يقول ولا يقدر على شيء من أمور الإمامة بل هو معدوم

1

549

وأما آباؤه فلم يكن لهم قدرة ولا سلطان الإمامة بل كان لأهل العلم والدين منهم إمامة أمثالهم من جنس الحديث والفتيا ونحو ذلك لم يكن لهم سلطان الشوكة فكانوا عاجزين عن الإمامة سواء كانوا أولى بالإمامة أو لم يكونوا أولى فبكل حال ما مكنوا ولا كان ولوا يحصل لهم المطلوب من الولاية لعدم القدرة والسلطان ولو أطاعهم المؤمن لم يحصل له بطاعتهم المصالح التي تحصل بطاعة الأئمة من جهاد الأعداء وإيصال الحقوق إلى مستحقيها أو بعضهم وإقامة الحدود فإن قال القائل إن الواحد من هؤلاء أو من غيرهم إمام أي ذو سلطان وقدرة يحصل بهما مقاصد الإمامة كان هذا مكابرة للحس ولو كان ذلك كذلك لم يكن هناك متول يزاحمهم ولا يستبد بالأمر دونهم وهذا لا يقوله أحد وإن قال إنهم أئمة بمعنى أنهم هم الذين كانوا يجب أن يولوا وأن الناس عصوا بترك توليتهم فهذا بمنزلة أن يقال فلان كان يستحق أن يولى إمامة الصلاة وأن يولى القضاء ولكن لم يول ظلما وعدوانا

1

550

ومن المعلوم أن أهل السنة لا ينازعون في أنه كان بعض أهل الشوكة بعد الخلفاء الأربعة يولون شخصا وغيره أولى بالولاية منه وقد كان عمر ابن عبد العزيز يختار أن يولي القاسم بن محمد بعده لكنه لم يطق ذلك لأن أهل الشوكة لم يكونوا موافقين على ذلك ولأنه كان قد عقد العهد معه ليزيد بن عبد الملك بعده فكان يزيد هو ولي العهد وحنيئذ فأهل الشوكة الذين قدموا المرجوح وتركوا الراجح أو الذي تولى بقوته وقوة أتباعه ظلما وبغيا يكون إثم هذه الولاية على من ترك الواجب مع قدرته على فعله أو أعان على الظلم وأما من لم يظلم ولا أعان ظالما وإنما أعان على البر والتقوى فليس عليه في هذا شئ ومعلوم أن صالحي المؤمنين لا يعاونون الولاة إلا على البر والتقوى لا يعاونونهم على الإثم والعدوان فيصير هذا بمنزلة الإمام الذي يجب تقديمه في الشرع لكونه أقرأ وأعلم بالسنة أو أقدم هجرة وسنا إذا قدم ذو الشوكة من هو دونه فالمصلون خلفه الذين لا يمكنهم الصلاة إلا خلفه أي ذنب لهم في ذلك

1

551

وكذلك الحاكم الجاهل أو الظالم أو المفضول إذا طلب المظلوم منه أن ينصفه ويحكم له بحقه فيحبس له غريمه أو يقسم له ميراثه أو يزوجه بأيم لا ولي لها غير السلطان أو نحو ذلك فأي شئ عليه من إثمه أو إثم من ولاه وهو لم يستعن به إلا على حق لا على باطل وقد قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم سورة التغابن وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه مااستطعتم رواه البخاري ومسلم ومعلوم أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان وأهل السنة يقولون ينبغي أن يولي الأصلح للولاية إذا أمكن إما وجوبا عند أكثرهم وإما استحبابا عند بعضهم وأن من عدل عن

1

552

الأصلح مع قدرته لهواه فهو ظالم ومن كان عاجزا عن تولية الأصلح مع محبته لذلك فهو معذور ويقولون من تولى فإنه يستعان به على طاعة الله بحسب الإمكان ولا يعان إلا على طاعة الله ولا يستعان به على معصية الله ولا يعان على معصية الله أفليس قول أهل السنة في الإمامة خيرا من قول من يأمر بطاعة معدوم أو عاجز لا يمكنه الإعانة المطلوبة من الأئمة ولهذا كانت الرافضة لما عدلت عن مذهب أهل السنة في معاونة أئمة المسلمين والاستعانة بهم دخلوا في معاونة الكفار والاستعانة بهم فهم يدعون إلى الإمام المعصوم ولا يعرف لهم إمام موجود يأتمون به إلا كفور أو ظلوم فهم كالذي يحيل بعض العامة على أولياء الله رجال الغيب ولا رجال عنده إلا أهل الكذب والمكر الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله أو الجن أو الشياطين الذين يحصل بهم لبعض الناس أحوال شيطانية

1

553

فلو قدر أن ما تدعيه الرافضة من النص هو حق موجود وأن الناس لم يولوا المنصوص عليه لكانوا قد تركوا من يجب توليته وولوا غيره وحينئذ فالإمام الذي قام بمقصود الإمامة هو هذا المولى دون ذلك الممنوع المقهور نعم ذلك يستحق أن يولي لكن ما ولى فالإثم على من ضيع حقه وعدل عنه لا على من لم يضيع حقه ولم يعتد وهم يقولون إن الإمام وجب نصبه لأنه لطف ومصلحة للعباد فإذا كان الله ورسوله يعلم أن الناس لا يولون هذا المعين إذا أمروا بولايته كان أمرهم بولاية من يولونه وينتفعون بولايته أولى من أمرهم بولاية من لا يولونه ولا ينتفعون بولايته كما قيل في إمامة الصلاة والقضاء وغير ذلك فكيف إذا كان ما يدعونه من النص من أعظم الكذب والافتراء والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أمته بما سيكون وما يقع بعده من التفرق فإذا نص لأمته على إمامة شخص يعلم أنهم لا يولونه بل يعدلون عنه ويولون غيره يحصل لهم بولايته مقاصد الولاية وأنه إذا أفضت النوبة إلى المنصوص حصل من سفك دماء الأمة ما لم يحصل قبل ذلك ولم يحصل من مقاصد الولاية ما حصل بغير المنصوص كان الواجب العدول عن المنصوص

1

554

مثال ذلك أن ولى الأمر إذا كان عنده شخصان ويعلم أنه إن ولى أحدهما أطيع وفتح البلاد وأقام الجهاد وقهر الأعداء وأنه إذا ولى الآخر لم يطع ولم يفتح شيئا من البلاد بل يقع في الرعية الفتنة والفساد كان من المعلوم لكل عاقل أنه ينبغي أن يولي من يعلم أنه إذا ولاه حصل به الخير والمنفعة لا من إذا ولاه لم يطع وحصل بينه وبين الرعية الحرب والفتنة فكيف مع علم الله ورسوله بحال ولاية الثلاثة وما حصل فيها من مصالح الأمة في دينها ودنياها لا ينص عليها وينص على ولاية من لا يطاع بل يحارب ويقاتل حتى لا يمكنه قهر الأعداء ولا إصلاح الاولياء وهل يكون من ينص على ولاية هذا دون ذاك إلا جاهلا إن لم يعلم الحال أو ظالما مفسدا إن علم ونص والله ورسوله بريء من الجهل والظلم وهم يضيفون إلى الله ورسوله العدول عما فيه مصلحة العباد إلى ما ليس فيه إلا الفساد واذا قيل إن الفساد حصل من معصيتهم له لا من تقصيره قيل أفليس ولاية من يطيعونه فتحصل المصلحة أولى من ولاية من يعصونه فلا تحصل المصلحة بل المفسدة ولو كان للرجل ولد وهناك مؤدبان إذا أسلمه إلى أحدهما تأدب

1

555

وتعلم وإذا أسلمه إلى الآخر فر وهرب أفليس إسلامه إلى ذاك أولى ولو قدر أن ذاك أفضل فأي منفعة في فضيلته إذا لم يحصل للولد به منفعة لنفوره عنه ولو خطب المرأة رجلان أحدهما أفضل من الأخر لكن المرأة تكرهه وإن زوجت به لم تطعه بل تخاصمه وتؤذيه فلا تنتفع به ولا ينتفع هو بها والآخر تحبه ويحبها ويحصل به مقاصد النكاح أفليس تزويجها بهذا المفضول أولى باتفاق العقلاء ونص من ينص على تزويجها بهذا المفضول أولى من النص على تزويجها بهذا فكيف يضاف إلى الله ورسوله ما لا يرضاه إلا جاهل أو ظالم وهذا ونحوه مما يعلم به بطلان النص بتقدير أن يكون علي هو الأفضل الأحق بالأمر لكن لا يحصل بولايته إلا ما حصل وغيره ظالما يحصل به ما حصل من المصالح فكيف إذا لم يكن الأمر كذلك لا في هذا ولا في هذا

1

556

فقول أهل السنة خبر صادق وقول حكيم وقول الرافضة خبر كاذب وقول سفيه فأهل السنة يقولون الأمير والإمام والخليفة ذو السلطان الموجود الذي له القدرة على عمل مقصود الولاية كما أن إمام الصلاة هو الذي يصلى بالناس وهم يأتمون به ليس إمام الصلاة من يستحق أن يكون إماما وهو لا يصلي بأحد لكن هذا ينبغي أن يكون إماما والفرق بين الإمام وبين من ينبغي أن يكون هو الإمام لا يخفى إلا على الطغام ويقولون إنه يعاون على البر والتقوى دون الإثم والعدوان ويطاع في طاعة الله دون معصيته ولا يخرج عليه بالسيف وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إنما تدل على هذا كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس يخرج عن السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية وفي لفظ أنه من فارق الجماعة شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية فجعل المحذور هو الخروج عن السلطان ومفارقة الجماعة وأمر بالصبر على ما يكره من الأمير لم يخص بذلك سلطانا معينا ولا أميرا معينا ولا جماعة معينة

1

557

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات مات ميتة جاهلية ومن قتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه فذم الخروج عن الطاعة ومفارقة الجماعة وجعل ذلك ميتة جاهلية لأن أهل الجاهلية لم يكن لهم رأس يجمعهم والنبي صلى الله عليه وسلم دائما يأمر بإقامة رأس حتى أمر بذلك في السفر إذا كانوا ثلاثة فأمر بالإمارة في أقل عدد وأقصر اجتماع وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد

1

558

هذا الخير من شر قال نعم قلت فهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر فقلت هل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت يا رسول الله صفهم لنا قال نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك وفي لفظ آخر قلت وهل وراء ذلك الخير من شر قال

1

559

نعم قلت كيف قال يكون بعدي آئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قوب الشياطين في جثمان إنس قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع وهذا جاء مفسرا في حديث آخر عن حذيفة قال عن الخير الثاني صلح على دخن وجماعة على اقذاء فيها وقلوب لا ترجع إلى ما كانت عليه فكان الخير الأول النبوة وخلافة النبوة التي لاقته فيها وكان الشر ما حصل من الفتنة بقتل عثمان وتفرق الناس حتى صار حالهم شبيها بحال الجاهلية يقتل بعضهم بعضا ولهذا قال الزهري وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله

1

560

عليه وسلم متوافرون فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن فهو هدر أنزلوهم منزلة الجاهلية فبين أنهم جعلوا هذا غير مضمون كما أن ما يصيبه أهل الجاهلية بعضهم من بعض غير مضمون لأن الضمان إنما يكون مع العلم بالتحريم فأما مع الجهل بالتحريم كحال الكفار والمرتدين والمتأولين من أهل القبلة فالضمان منتف ولهذا لم يضمن النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد دم المقتول الذي قتله متأولا مع قوله أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله أقتلتله بعد أن قال لا إله إلا الله ولهذا لا تقام الحدود إلا على من علم التحريم والخير الثاني اجتماع الناس لما اصطلح الحسن ومعاوية لكن كان صلحا على دخن وجماعة على أقذاء فكان في النفوس

1

561

ما فيها أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو الواقع وحذيفة حدث بهذا في خلافة عمر وعثمان قبل الفتنة فإنه لما بلغه مقتل عثمان علم أن الفتنة قد جاءت فمات بعد ذلك بأربعين يوما قبل الاقتتال وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان سواء كان عادلا أو ظالما وكذلك في الصحيح حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من خلع يدا من طاعة إمام لقي الله يوم القيام لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية لكنه لا يطاع أحد في معصية الله

1

562

كما في الصحيح عن علي رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء فقال اجمعوا لي حطبا فجمعوا ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوا نارا ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فكانوا كذلك وسكن غضبه وطفئت النار فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف وفي لفظ لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف وكذلك في الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه

1

563

وسلم أنه قال على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة وعن كعب بن عجرة قال خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه تسعة خمسة وأربعة أحد العددين من العرب والآخر من العجم فقال اسمعوا هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء من دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس يرد على الحوض ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد على الحوض رواه أحمد والنسائي وهذا لفظه والترمذي وقال حديث صحيح غريب وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال دعانا النبي صلى

1

564

الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان وفي صحيح مسلم عن عرفجة بن شريح قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه سيكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان وفي لفظ من أتاكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه

1

565

وفي صحيح مسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيكون امراء تعرفون وتنكرون فمن عرف برىء ومن أنكر سلم ولكن من رضى وتابع قالوا أفلا ننابذهم قال لا ما صلوا وفيه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فلينكر ما يأتى من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة تم الجزء الأول بحمد الله ويليه الجزء الثاني إن شاء الله وأوله قال المصنف الرافضي الفصل الثاني في أن مذهب الإمامية واجب الاتباع