الرد الكافي على الدكتور علي عبد الواحد وافي - إحسان إلهي ظهير
الرد الكافي على الدكتور علي عبد الواحد وافي
إحسان إلهي ظهير
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المعصومين، وأشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن سلك مسلكهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:
إن مصر قلعة من قلاع الإسلام وحصن من حصونه، وإنها لمهد للحضارة الإسلامية، ومعهد للعلوم والفنون، وهي بلد الأزهر، وموطن العلماء، وإنها لمحط أنظار المسلمين، ومهوى أفئدتهم وقلوبهم، كما أنها كانت ولا زالت كعبة عشاق العلم وطلابه، ومورد رواد الفكر ومشتاقي الإدراك والمعرفة، وهي مقر الكُتَّاب، ومستقر الدعاة، وموطن الفقهاء، ومنبت المحدثين، لها ماضيها المجيد وحاضرها الحميد، ينظر إليها المسلمون في كل قطر من أقطار الأرض، وبقعة من بقاعها.. نظرة إكبار وتقدير لما لها من أياد بيضاء في إنارة الفكر الإسلامي، وإضاءة الطرق أمام منتهجيها وسالكيها، فينظرون إلى كل ما صدر منها نظرة الثقة والاعتماد والتصديق؛ لأصالة علومها، ورسوخ علمائها فيها، ولتحملهم أعباء الدعوة بوجوهها الصحيحة، وأسسها الأصيلة، وقواعدها المتينة الرزينة.. بالأمانة العلمية والمسؤولية الدينية، مع اعتقادهم ألا عصمة لأحد بعد نبي الله خاتم المعصومين وسيد المرسلين، ولا بد للعالم من زلة وهفوة، كما أنه لا بد للفارس من كبوة، فغفر الله لمقترفيها بغير قصد، ومرتكبيها بدون تعمد: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)) [البقرة:286].
ولكن لم يكن ليخطر على بال أحد أن علماً من أعلامها، ورجلاً من رجالاتها، يحمل قلماً في يوم من الأيام ليكتب في موضوع حساس عويص، له أبعاده وأخطاره -وهو لا يعرف عنه شيئاً- وعفا الله عنه إن لم يكن يعرف -ولا أظنه يعرف- لأنه لا يتصور من أمثاله أن يخاطر بنفسه، ويقع في مثل هذه المزالق، التي قد تذهب به وبآثاره الماضية في مكان سحيق لا يتوقع النجاة منه، ويهدم به ما بناه من أمجاد وما أداه من خدمات إلى حيث لا يرجى استرجاعها، ويا ليتني لم أقرأ له هذه الرسالة أو يقع نظري على تلك الفقرة، التي يقرر فيها: أنه لم يدخر وسعاً في بحثه في تحري الحقيقة! مع أنه لم يتحر الحقيقة، ولم يبذل وسعه في البحث، وإن كان هذا هو وسعه، أظهره في كتيبه الذي نحن بصدد ذكره الآن، فما أظنه على سعة وسعه الذي بذله في كتبه الكثيرة التي نشرت قائمتها في آخر كتيبه، مفخرة لعلمه وشرفاً لآثاره...!
وإذا كان هذا هو مفهوم تحري الحقيقة عنده في هذه الرسالة؛ فلا بد أن تتلاشى الحقائق عند من يقف على كتبه ومنشوراته!
لقد سمعت الكثير عن علم الدكتور علي عبد الواحد وافي، وحدثني عنه العديد من الأصدقاء حتى دفعني الشوق إلى لقائه، فإذا أنا أطرق باب مصر وأدخلها طالباً للعلم، ومكتسباً فضائلها، ومغترفاً من بحارها، ممنياً النفس باقتناء طرف من علومها ومعارفها، متشوقاً إلى آثارها ومعالمها، وإلى كتبها وكتّابها، ومبتغياً طرائفها ونفائسها، وأثناء ترددي على مكتباتها، باحثاً عن الكتب الفاطمية وعن الوثائق الإسماعيلية التي أشتغل بالكتابة عنها، التفت إلى كتيب صادر منذ فترة وجيزة لذلك الشيخ الذي تحدث عنه المتحدثون، وسمع به السامعون، تحت عنوان: بين الشيعة وأهل السنة.
ولقد جذبني عنوان الكتيب إليه، لما ابتليت بالقوم ابتلاء طويلاً، كما زادني انجذاباً إليه اسم كاتبه، فمؤلفه دكتور في الآداب من جامعة باريس، وعضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع، وعميد كلية العلوم بجامعة أم درمان، وعميد كلية التربية بجامعة الأزهر، ووكيل كلية الآداب، ورئيس قسم الاجتماع بجامعة القاهرة سابقاً -عفا الله عما سلف- فنسيت كتب الفاطمية والفاطميين، واشتغلت بتقليب أوراق الكتيب، ولم أبخل بشراء نسختين منه، ظناً مني أن مثل فضيلته لا يكتب إلا بعد إلمامه بالموضوع إلماماً كاملاً، وإدراكه له حق الإدراك، وبعد معرفته بجوانبه كله، وتعمقه في سبر أغواره، وزيادة على ذلك دعواه في بداية مقدمته بأنه لم يدخر وسعاً في بحثه هذا في تحري الحقيقة، وأيضاً فقد سمعت من قبل من بعض المحبين له ولي أنه شرع في كتابة هذا الموضوع! فعدت بنسختين من كتابه إلى الفندق الذي نزلت به، عاجلاً.. شوقاً إلى لقياه من خلال كتيبه هذا الذي يعد بالنسبة لي أول تصنيف له أطالعه وأقرأ فيه.. فيا لحسرتي! وأسفاً لشوقي! وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه، ولقد خاب أملي في الاستفادة منه، بل انقلبت إلى التأسف والندم.. فيا ليتني لم أقرأ شيئاً لفضيلته، واكتفيت بالسماع عنه بدل الالتقاء به من خلال رسالته هذه، ولكن ليس السمع كالمعاينة، (وليس من رأى كمن سمع) ولعل كتب فضيلته الأخرى لا تكون على شاكلة هذا المؤلف، من بذل الوسع في البحث تحرياً للحقيقة مثل هذه الرسالة، والله غافر السيئات، ومكفر الخطايا، وإنه لستار العيوب.
وإني لعلى يقين بأن فضيلة الدكتور كلف نفسه عناء لم يستطع حمل أعبائه في هذا العمر الأخير، حيث تضعف القوى، وتتوانى الهمم، وتكل العزائم، وينفلت زمام المبادرة من يد الفارس المغوار، كما ينفلت زمام العلم والفكر من يد العالم المبصر، فهو لطول حياته قد خانه البصر الحسير الكليل، وأعياه الزمان، وأقعده الدهر، وخانته الذاكرة، وله العذر..! ولولا هذا لما كتب ما كتب، ولما ألف ما ألف، ولم يبد فيه ما أبدى من العجائب والغرائب، ومن المضحكات والمبكيات، من الأخطاء الصريحة والأغلاط الفاحشة، ولم يصل إلى ما وصل إليه من الحكم والرأي في الشيعة ومعتقداتهم، ولم يرض ما تقوَّله بدون علم وبدون معرفة. ونحن مأمورون بألا نقول بدون علم، ولا نتكلم بدون معرفة: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)) [الإسراء:36] وخاصة في مثل هذه المباحث التي تسبب تضليل كثير من الناس، وإيقاعهم في المتاهات والضلالات، بسبب زلة عالم وهفوة كاتب، اعتماداً على من قرؤوا له، وثقة لما سمعوا به عنه، وعلى ذلك يخاف أخوف ما يخاف من غلطة عالم وزلته –سامحه الله على ما كتب وغفر لنا وله إنه لغفور رحيم وعفو كريم-
هذا، ولا أدري ما هي الأسباب التي دفعت فضيلة الدكتور وافي إلى أن يكتب هذه الرسالة، وكان في غنى عن أن يكتبها، حيث أنه يجهل أصول مذهب الشيعة الإثني عشرية وأسسه التي قام عليها، وليس عنده من كتب القوم شيء -كما يظهر من قراءة رسالته هذه- حتى يستطيع أن يعلم ما جهل، ويعرف ما لم يعرف، ثم يصل إلى الحكم فيهم، وفي عقائدهم ومذهبهم ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)) [البقرة:286]؛ لأنه في كتيبه هذا لم ينقل عبارة واحدة من كتب القوم أنفسهم رأساً وبلا واسطة، اللهم إلا ما نقله من الذين كتبوا عنهم، نقلاً محضاً بدون تعقل ولا تبصر، مع ادعائه بأنه حقق آراءهم من أوثق المصادر لديهم.([1])
فإن كان قصده النقل المحض عن الآخرين الذين كتبوا عن الشيعة، فما فائدة كتاباته إذن، وكفى الله المؤمنين القتال!
ومن غرائب الأشياء: أن فضيلته يضع في آخر هذه الرسالة قائمة لأهم المراجع عن الشيعة، يذكر فيها كتباً كثيرة، مع أنه -حفظه الله-لم ينقل عن واحد منها عبارة واحدة بلا واسطة، كما لم يرد ذكر لكثير منها في الكتيب ولو بواسطة، ولولا حسن ظني به حسب ما أمرنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: {ظنوا بالمؤمنين خيراً}([2])؛ لذهب بي الخيال إلى افتراض دوافع كثيرة إجابة لأسئلة محيرة.. ما الذي جعل الشيخ يكتب كتيباً ربما يقضي على كل ما كتبه سابقاً من الكتب القيمة -حسب رجائي وتمنياتي- وتركه من الآثار الطيبة؟ وما الدوافع إلى أن يهدم في عمره الأخير كل ما بناه في ماضيه وسالف أيامه وهو يعلم ما نبه الله المؤمنين العاملين عليه بقوله: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [النحل:92]؟
وهذا هو حسن ظني به، والذي يجعلني أقف منه موقف المعتذر عنه أن ما ذهب إليه في رسالته كلها ما صدر منه إلا لعدم المعرفة والعلم بأشياء هي ثابتة في كتب القوم وعقائدهم، وأن فضيلة الدكتور لم يبرئ ساحة الشيعة عن العقائد التي يعتقدونها، وعن الآراء التي يحملونها، ولم يدافع عنهم إلا عن جهل لا لشيء آخر -وإني لأعتذر عن هذه الكلمة الشديدة- لأنه لا يدفع الأوهام عنه إلا هذه الكلمة؛ التي وإن كانت لكبيرة فهي التي تدفع عنه الظنون والشبهات في زمان كثرت فيه الأقلام المستأجرة، وشاع فيه الكلام المأجور، وإلا فهل يتصور من عالم يعلم أصول مذهب الشيعة الإثني عشرية أو الجعفرية كما يسميهم الدكتور وافي، ويعلم أسس شريعة الله التي جاء بها محمد صلوات الله وسلامه عليه ويعتقد بها المسلمون أي أهل السنة بالذات. ثم يكتب (بأن الخلاف بيننا وبينهم -مهما بدا في ظاهره كبيراً- لا يخرج في أهم أوضاعه عندنا وعندهم عن حيز الاجتهاد المسموح به)!([3])
فيا للسذاجة والطيبة، ويا للجهل وعدم معرفة الأمور من رجل ذاع صيته وعمت شهرته، فمتى كانت الأحكام بهذه السذاجة وبهذه الطيبة؟ فهل يمكن لفضيلة الدكتور أو لغيره أن يثبت من كتاب واحد من كتب الشيعة التي كتبت لبيان مذهب السنة، وتعريفه للشيعة، أن يكون الحكم فيه كهذا أو شبيهه في أهل السنة؟
كلا ورب الكعبة! لم يصدر مثل هذا الحكم عن أهل السنة في كتاب شيعي على مر الزمان ومدى التاريخ، حتى ولا في كتاب دعاية كتب على التقية والمداراة والمسايرة!!
فما الذي دفع فضيلة الدكتور علي عبد الواحد وافي عضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع، بأن يكون اجتماعياً مع الذين لا يؤمنون بالاجتماع، وأن يدافع عنهم في بلدة سنية صانها الله وأهلها من النيل من كرامة خلفاء النبي الراشدين الهداة المهديين، رفاقه الخيرة وأصحابه البررة، وأزواجه أمهات المؤمنين؟ البلاد التي وقاها الله وحفظها وطهرها من أناس طالما وقعوا في أسلاف هذه الأمة وقادتها وزعمائها، وطعنوا وما يزالون يطعنون في خيار خلق الله وصفوته، حملة هذه الشريعة المطهرة، ونقلة هذا الدين الحنيف، وحفظة القرآن، ورواة سنة نبينا المختار صلوات الله وسلامه عليه، نعم ماذا يريد فضيلته بدفاعه عن هذه الطائفة الذين جعلوا القرآن عضين، ونبذوه وراء ظهورهم، واتخذوه مهجوراً، واعتقدوا بعدم حفظه وصيانته من وقوع التغيير والتحريف فيه، وكفروا جميع من نقلوا أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس وحملوها إلينا، وجعلوا الكذب شعاراً وديناً؟
وكيف يسوغ له أن يبرئ ساحتهم من الاعتقادات التي يحملونها ويدينون بها وهي أساس مذهبهم وديانتهم، بكل سذاجة، وبكل طيبة، وبكل جرأة؛ ملتمساً لهم الأعذار التي لم يلتمسوها لأنفسهم قط، ومخترعاً لهم المعاذير التي لم يرضوها لهم، في بلدة سنية خالية من الشيعة والتشيع، بعد ما ذاقت الأمرين في عصر من ماضيها أيام تسلط طائفة([4]) منهم عليها، وشهدت مساجدها وجوامعها المجالس العديدة التي كانت توجه فيها للسباب والشتائم إلى سادة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ووزرائه وخلفائه على ملأ من الأشهاد، وعلى مرأى من المسلمين ومسمعهم؟
هل عن قصد أو تعمد؟ -لا جعلنا الله نعتقد فيه هذا الاعتقاد- أم عن عدم فهم ومعرفة؟ -وهذا هو الظن الغالب- ولكن كان عليه أن يتعقل قبل الإقدام من عواقبه الوخيمة، ويتبصر في نتائجها السيئة، حيث إن كثيراً من الشباب الذين يجهلون التشيع كلياً، ولا يعرفون حقيقته قليلاً أو كثيراً، سيقعون في شراكهم وحبائلهم الممدة والمنصوبة من كل ناحية وفي كل جانب لإيقاعهم فيها ولاصطيادهم، وخاصة في هذه الآونة الحرجة التي كثرت فيها الدعايات المزورة، ونشط فيها التبشير الشيعي، وازداد غزوه للبلاد السنية المسلمة وأهاليها، وكثرت فيها الأقلام المأجورة، وانتشرت فيها الكتب المشبوهة، مثيرة الشبهات والشكوك في عقيدة أهل السنة والجماعة، العقيدة المنقولة المتوارثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه نقلاً متواتراً إلى يومنا هذا.
نعم! ماذا يقصد من وراء هذه الكتيبات والرسائل وأمثالها؟ لقد كان المفروض أن يتنبه المسلمون وشبابهم بالذات إلى مفاسد هؤلاء الناس وقبائحهم، وشنائع عقيدتهم، وفضائحهم التي ارتكبوها ضد المسلمين في مختلف العصور والدهور، وإن ما يجري الآن ضد المسلمين السنة في إيران من المظالم والاضطهادات راجع إلى أنهم لا يؤمنون بما يعتقده القوم، ومخالفتهم عقائدهم وأفكارهم التي يحملونها تجاه القرآن وحفظته، ونقلة سنته، وحاملي رايات الإسلام المظفرة المنصورة.
نعم! ينبغي أن يكون هذا هو مقصد علماء السنة وكتّابهم؛ لينبهوا من كان غافلاً، ويعلموا من كان جاهلاً، ويزيدوا معرفة من كان بصيراً، بدل أن يقربوا إليهم عقائدهم، ويهونوا عليهم مساوئهم، ويحببوا إليهم أضاليلهم وأباطيلهم، بل إنه يجب على علماء مصر عامة، وعلى علماء الأزهر خاصة -لما لهم من مكان القيادة الفكرية؛ والصدارة العلمية في العالم العربي بالذات- أن يقوموا بتبصير الناس بأمر الشيعة الذين بدأ خطرهم يزداد ويكبر، بعد تربع التشيع على عرش إيران، ووضع جميع الإمكانات والوسائل في سبيل نشره، وتصديره خارج إيران، وإلى البلدان الإسلامية السنية خاصة، وبعد انخداع كثير من الشباب المسلم بثورتهم لعدم معرفتهم بحقائق الأمور وخفاياها، وأنها ثورة التشيع لا ثورة الإسلام، وأنها ثورة شيعية لا ثورة إسلامية، وبتعبير صحيح وصريح أكثر: إنها ثورة شيعية على الإسلام، تريد ابتلاع المسلمين خارج إيران، وإذابتهم داخلها، وكل من يتتبع أحداث إيران اليوم ووقائعها يدرك تماماً ماذا يقصده القوم، وإلى ماذا يهدفون.
فالمظالم التي تصب على الأكراد، والفضائح التي ترتكب في بلوشستان، والدماء التي تراق في عربستان، والاعتقادات الواسعة التي تجري في تبريز وما حولها، ليست إلا وسيلة لإبادة أهل السنة نهائياً، أو لدمجهم في صفوف الشيعة دمجاً كاملاً.
ولم يأتِ على أهل السنة من المسلمين في إيران زمان أشد وطأة وأثقل ضربة من هذا الزمان، ولا أصعب وأعسر في الحفاظ على دينهم ومعتقداتهم، إلا ما نقل عن الصفويين، ولعله لم يكن ذاك الزمان يضاهي هذا الزمان ويوازيه في ظلمه وقسوته، حيث لم يكن آنذاك وسائل الإبادة والتدمير كهذه، كما لم يكن سلب الأبناء من الآباء لإيداعهم المدارس الشيعية ومراكز التشيع من الصغر؛ كي لا يبقى عندهم أدنى معرفة وإلمام بمذهبهم ومعتقداتهم.
وما أشد بؤسهم وأسوأ حالهم؛ لأن العالم الإسلامي السني في غفلة عما يجري على إخوانهم في إيران، وإنهم لصم وعمي عن صيحاتهم ونداءاتهم المتكررة لنصرتهم وإغاثتهم، وذلك أن القوم اجترءوا على غزو السنة خارج إيران، وفي بلدانهم، وعقر دارهم، وملؤوا مدنهم وقراهم بمنشوراتهم الزائفة وكتبهم المزيفة، وزاد الطين بلة أنهم بدل أن يجدوا مواجهة من قبل علمائهم، لصد تيارهم الجارف، وصد هجومهم السافر، وجدوا ضمائر مبيعة، وأقلاماً رخيصة، وعقولاً مخدوعة إلا من رحم ربك، فطاروا مرحاً ونشاطاً وفرحاً وسروراً، وسهلت عليهم مهمتهم، وقربت إليهم أمنيتهم، فشمروا عن ساق الجد، واأسفاه على تحقيق باطلهم، وتقاعس أهل الحق لتثبيت حقهم، والدفاع عن حوزة حرماتهم وعقائدهم.
فهل من مبصر يتبصر، وعاقل يتعقل، وعالم يعلم أنه لا يوجد في إيران كلها شخص واحد يستطيع أن يدعو الناس إلى السنة وعقائدهم، ولا من يقدر أن يمنع الشيعة عن غلوائهم في القدح والطعن في القرآن والسنة، وأصحاب رسول الله المبشرين بالجنة، وأزواجه أمهات المؤمنين بشهادة القرآن، بدل أن يدعوهم إلى التقارب والتحبب إلى أهل السنة، وإظهار القول بأن مذهبهم لا يخرج في أهم أوضاعه عن حيز الاجتهاد المسموح به؟!
فيا علماء مصر! رحمكم الله! ألا تخبرون الناس بما يكنه القوم في صدورهم من حقد وضغن وغل لهذه الأمة المجيدة وأسلافها؟ وما يكتمونه من البغضاء والعداء لتعاليم شريعتها الصحيحة، وإرشاداتها المستقيمة، الخالية من شوائب الشرك والوثنية، والصافية من أدران المجوسية و اليهودية؟
فهبوا يا علماء الأزهر! بالواجب الديني والعلمي الذي يحتم عليكم تنوير الرأي العام، وتبصير فكر المسلمين، بحقائق طالما خفيت على كثير من الناس، في زمن قلّ فيه المخلصون الغيورون، وعزّ فيه الوفاء، ورخص فيه بيع الضمائر والولاء.
أليس من المعقول أن يدعى إلى التقارب قوم جعلوا الشتائم والسباب ديناً، واللعائن والمطاعن مذهباً، بدل ناس يرونها من أفسق الفسوق، وأفجر الفجور، وخاصة في أكابرهم وأئمتهم، حيث إنهم لا يراعون إلاًّ ولا ذمة في أئمتنا وأسلافنا؟
أليس من المحتم أن تكتب كتب، وتنشر بينهم في بلادهم تبين لهم حقيقة المذهب الإسلامي السني، وقواعده وأسسه، التي عليها تركهم نبيهم وقائدهم محمد صلوات الله وسلامه عليه، ومن بعده خلفاؤه الراشدون المهديون؟
وإنه لمن المؤسف حقاً أنهم بدلاً من أن يدعوا إلى ترك السباب والشتائم لحملة هذا الدين ورواده وقادة جيوشه المظفرة، وعساكره المنصورة الميمونة، والاعتقاد بالدستور الإسلامي، والناموس الإلهي، ورسالة الله الأخيرة إلى الناس كافة، والتمسك بسنة نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، أقواله وأفعاله وتقريراته، المنقولة عنه بواسطة أصحابه العدول، وتلامذته الصادقين المخلصين، وتجنب الإهانة والإساءة والقول الزور.. بدلاً من هذا كله يدعى المسلمون أهل السنة إلى ترك عقائدهم ومعتقداتهم المستقاة من كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وترك الدفاع عن أعراض الصحابة وأمهات المؤمنين، وعن السلف الصالح، وعن بلادهم؛ لكي يفتحوا أحضانهم لاستقبال التشيع البشع، والشيعة الحاقدين الحانقين، ويدفعوا شبابهم وأبناءهم إلى السبئية الماكرة، و اليهودية الأثيمة.
وأما نحن:
فالله يشهد أنا لا نحبهم ولا نلومهم إن لم يحبونا.
ولا جعلنا الله من الذين يحبون من يبغضون أصحاب حبيب الله صلى الله عليه وسلم القائل فيهم: {من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم}.([5])
ولا من الذين يشترون الحياة الدنيا وزخارفها، وأموالها الفانية، وشهرتها البائدة، ومديح طائفة منها، ورضاهم بالآخرة الباقية الدائمة، والضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة.
فالحمد لله.. لقد أدينا بعض ما يوجب علينا ديننا، ويحتم علينا ضميرنا، ويفرض علينا علمنا الضئيل، مع قلة حيلتنا، وقصور باعنا، وضعف إمكانياتنا، وبعدنا عن بلاد العروبة مهد الحضارات، وأيضاً عن منزل الرسالة ومهبط الوحي، وفي بلاد أعجمية، رغم المتاعب والمشكلات التي نواجهها في الحصول على العلوم والمعارف وكتبها وخزائنها، فكتبنا أول كتاب في هذا الموضوع بعنوان الشيعة والسنة عام (1973م) بعدما ظهرت طلائع الغزو الشيعي الجديد في بلاد المسلمين آنذاك، فشكراً لله على نعمائه، فقد لقي هذا الكتاب -مع صغر حجمه- الرواج والقبول من أمة محمد صلى الله عليه وسلم منقطع النظير، حيث صدر منه حتى الآن أكثر من نصف مليون نسخة باللغة العربية، ثم ترجم إلى جميع اللغات الحية التي ينطق بها المسلمون.([6]).
ثم لما استولى التشيع المتعصب المحض على عرش إيران، استبشر المسلمون خيراً في كثير من أقطار الأرض وأطرافها؛ لعدم معرفتهم بحقيقة معتقدات القوم ونواياهم، ولكننا نحن بحمد الله وفقنا في حينه بوضع كتاب آخر جامع باسم: الشيعة وأهل البيت، تعرضنا فيه لبيان أهم معتقدات القوم من كتبهم الموثوقة، ومصادرهم المعتمدة، بذكر عباراتهم أنفسهم دون أدنى تغيير.. أو تبديل.. أو حذف.. أو نقصان.. متجنبين أبعاد هذه الثورة السياسية، قاصدين تبيين الحقيقة وتوضيحها في إطار علمي بحت. وقصد هذا الكتاب أن يقوم بسرد الروايات الشيعية من كتب القوم أنفسهم، والاقتصار عليها دون الرجوع إلى كتب السنة، وإيراد أية رواية منها للاستدلال والاستنباط، كي نكون منصفين في الحكم، عادلين في الاستنباط والاستنتاج، فاستبشر به الغيورون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمحبون له خيراً.
ولما ازداد الخطر، واستفحل الأمر، وزاد القوم في غلوائهم وعنترتهم والهجوم على عقائد السلف، والطعن في أسلاف هذه الأمة، كان علينا نحن أن نهب لخدمة العقيدة الصحيحة، والتشرف بالدفاع عن الدين وعنهم فأضفنا إلى الكتابين كتاباً ثالثاً تحت عنوان: الشيعة والقرآن؛ لتبصير المسلمين، وتنوير رأيهم حول عقيدة الشيعة المتوارثة المنقولة عنهم جيلاً بعد جيل في القرآن المنزل من السماء، على قلب سيد البشر، بنفس الأسلوب وبنفس المنهج الذي اخترناه في الرد عليهم وعلى غيرهم من الفئات الباطلة المنحرفة، أي إدانة القوم بما في كتبهم أنفسهم وبعباراتهم هم، نقلاً عن مراجعهم الأصيلة، ومصادرهم الأساسية نقلاً مباشراً([7])، فأوردنا في هذا الكتاب أكثر من ألف حديث شيعي من مختلف مصادره ومنابعه وتعدد رواته ونقلته، كل هذه الأحاديث الكثيرة الكثيرة تنبئ وتنص على أن القرآن الموجود بأيدي الناس محرّف ومغيّر فيه، زيد فيه ونقص منه كثير، ثم انتظرنا برهة من الزمن أن يشاركنا أحد من العرب، وخاصة من مصر بلاد العلم والعلماء، ومن الأزهر بالذات، أكبر جامعة إسلامية وأم الجامعات الدينية، ولكن يا لهفتي على الجامعة الأزهرية التي أعقمت أن تنجب واحداً، نعم واحداً! يتصدى للرد على الهجوم الذي يشنه الشيعة، ويا لهفتي على مصر أنها لم تلد واحداً يقف في سبيل غزوهم القارة الإفريقية التي تحتل بموقعها الجغرافي والعلمي مكان الصدارة على بابها! ولذا فإن العبء الملقى على كواهلها لثقيل، والمسؤولية عليها لكبيرة، لم أجد هذا، حتى بلغ السيل الزبى، بل وجدت من بين أبنائها، ورجالات فكرها من ينادي بعكس ذلك، ينادي بالوحدة معهم، والتقريب بين معتقداتهم وبين معتقدات أهل السنة، غافلاً عن خطورة الأمر وأضراره الجسيمة، وعواقبه الوخيمة، ناسياً ما يترتب عليه من المهادنة والهوان في سبيل العقيدة والدين، وجاهلاً بما تخفيه هذه الدعوة من الضرب والنقصان للطائفة الحقة المنصورة.. أهل السنة والجماعة: ((يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً)) [مريم:23].
وعن أمثال هؤلاء الطيبين الأكارم اشتكى شاعر عربي قديم:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معشر خشن عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون عن ظلم أهل الظلم مغفرة وعن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته سواهم من جميع الناس إنسانا
وتمنى أن يكون له قوم بدل قومه:
شنوا الإغارة فرساناً وركبانا
فهل يخبرني أحد من سادة الأزهر وعلمائه، ورجالات مصر ومفكريها وكتابها، ومؤرخيها وباحثيها! هل هناك كتاب في إيرانهم وعراقهم، أو في مجامعهم وجامعاتهم -أعني الشيعة - كتاب واحد كتب لتقريب الشيعة إلى أهل السنة ولتحريضهم على حبهم وودادهم؟
هل من مجيب يجيب؟!!
ولقد كتبت في كتابي الأول عنهم أعني كتاب: الشيعة والسنة سالف الذكر (ولقد بدأ الشيعة منذ قريب ينشرون كتباً ملفقة مزورة في بلاد الإسلام، يدعون فيها التقرب إلى أهل السنة، ولكن بتعبير صحيح يريدون بها تقريب السنة إليهم بترك عقائدهم ومعتقداتهم في الله، وفي رسوله، وأصحابه الذين جاهدوا تحت رايته، وأزواجه الطاهرات اللائي صاحبنه في معروف، وفي الكتاب الذي أنزله الله عليه من اللوح المحفوظ، نعم يريدون أن يترك المسلمون كل هذا، ويعتنقوا ما نسجته أيدي اليهودية الأثيمة من الخرافات والترهات في الله، بأنه يحصل له البداء، وفي كتاب الله بأنه محرف ومغير فيه، وفي رسول الله بأن علياً وأولاده أفضل منه، وفي أصحابه حملة هذا الدين أنهم كانوا خونة مرتدين، مع من فيهم أبو بكر، و عمر، و عثمان، وأزواج النبي أمهات المؤمنين، مع من فيهن الطيبة، الطاهرة، بشهادة من الله في كتابه، بأنهن خن الله ورسوله، وفي أئمة الدين، من مالك، و أبي حنيفة، و الشافعي، و أحمد، و البخاري، أنهم كانوا كفرة ملعونين رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين.
نعم يريدون هذا، وما الله بغافل عما يعملون.([8])
ولكن تغيرت المقاييس الآن وانقلبت المفاهيم، فبدأ بعض علماء أهل السنة ينادون بهذه الدعوة -أعني التقريب بين أهل السنة و الشيعة - ويرفعون شعارها، بدلاً من أن يردوا على ترهاتهم وخزعبلاتهم.. بل طالبوا بإقامة دور التقريب في مدنهم وبلدانهم، فوا عجباً من اجتماع أهل الباطل على باطلهم والإخلاص له، وتقاعس أهل الحق عن حقهم، وتخاذلهم عن نصرته.. ووآسفاه على محاماة أهل الحق عن آراء أهل الباطل، والدفاع عن عقائدهم الفاسدة، والتحمس في التماس الأعذار لهم تطوعاً، أو بغير تطوع، وبأخذ البديل والأجرة، أم دون أخذه تصدقاً عنهم، وتطوعاً، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.
هذا بالإضافة إلى أن الشيعة قادة وشعباً، عامة وزعامة، جهالاً وعلماء.. لا يخفون بغضهم لهؤلاء الطيبين وسادتهم كلما سنحت لهم الفرصة، أو أتيح لم المجال؛ لأن مذهبهم ليس مبنياً إلا على مخالفة أهل السنة، نعم! إلا على مخالفة أهل السنة وعقائدهم وآرائهم، ومخالفة الأسس التي عليها يقوم مذهبهم، وشريعتهم التي جاء بها محمد صلوات الله وسلامه عليه.
ومن أجل هذا فالقرآن أنكروه؛ لأن أهل السنة يعتقدونه ويؤمنون به.
وسنة النبي الكريم أنكروها؛ لأن أهل السنة يتمسكون بها.
وأصحاب محمد يكفرونهم؛ لأن أهل السنة يحبونهم.
وأزواج النبي يشتمونهن؛ لأن أهل السنة يعظمونهن ويجلونهن ويفضلونهن على أمهاتهن؛ لأنهن أمهات المؤمنين بنص القرآن.
و مكة و المدينة يكرهونهما؛ لأن أهل السنة يعتبرونهما أقدس بقاع الأرض وأطهرها في الكون.
والكذب يقدسونه؛ لأن أهل السنة يكرهونه ويهجرونه.
والمتعة يحلونها؛ لأن أهل السنة يحرمونها.
والرجعة يقرونها؛ لأن أهل السنة ينكرونها.
والبداء لله بمعنى الجهل يثبتونه؛ لأن أهل السنة يبرئون منها جنابه وجلاله.
والأوهام والخرافات والبدع والوثنيات والشرك بالله كالاستغاثة بالقبور، والصلاة إلى الأضرحة، والنداء للأموات، والاستغاثة بالقبور، والطواف حولها والسجود عليها، وإقامة الأضرحة والقباب عليها وإقامة المآتم والمجالس.. كل تلك الأفعال الشركية يتشبثون بها؛ لأن أهل السنة يتبرءون منها، ويتنزهون عنها، ويجحدونها.
وسيأتي بيان هذه الأشياء كلها إن شاء الله مفصلاً مدعماً بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة، من كتب القوم أنفسهم، كل هذه الأعمال يأتون بها ويعملونها؛ لأنها مخالفة لما يعتقد به أهل السنة، الذين يعتبرونهم العامة في اصطلاحهم -فعل اليهود حيث يعدون أنفسهم خاصة وغيرهم عامة- لأن الأصل في مذهبهم هو مخالفة المسلمين. وعليها قامت ديانتهم. وإليك بعض النصوص دليلاً على ما ذكرنا:
يذكر الكليني أبو جعفر محمد بن يعقوب في صحيحه الذي قيل فيه: هو أجلّ أربعة الكتب الأصول المعتمد عليها، والذي لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول.([9]).
والذي قال فيه قائمهم الغائب: [[كاف لشيعتنا]].([10]).
يذكر فيه عن جعفر بن محمد أن سائلاً سأله:
[[جعلت فداك! أرأيت إن كان فقيهان عرفا حكماً من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟
قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد (وليس هذا فحسب).
فقلت: جعلت فداك! فإن وافقهما الخبران جميعاً؟
قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضائهم، فيترك ويؤخذ بالآخر]].([11])
فهذا هو مذهبهم، وهذه هي كراهيتهم للمسلمين، وهم على ذلك قائمون، وعلى نفس المنهج سالكون، ولكن بعض سفهاء أهل السنة يخدعون بلا سبب، ويطلبون بلا طلب، ولأجل ذلك كتب السيد الخميني، زعيم شيعة إيران اليوم مصرحاً بعد ذكر الروايات الكثيرة الكثيرة بخصوص مخالفة المسلمين مثل ما رواها ابن بابويه القمي في كتابه عن علي بن أسباط، قال: قلت للرضا -الإمام الثامن عند القوم- عليه السلام: [[يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك؟ قال: ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه، فإن الحق فيه]].([12])
ورواية أخرى عن الإمام المعصوم أنه قال:
[[ما أنتم على شيء مما هم فيه، ولا هم عليه شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء]].([13]).
ومثله ما رواه عن جعفر أنه قال في جواب من سأله: [[يرد علينا حديثان: واحد يأمرنا بالأخذ به، والآخر ينهانا عنه، قال: لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله. قلت: لا بد أن نعمل بواحد منهما. قال: خذ بما فيه خلاف العامة]].([14])
هذا.. ومثل هذا كثير!!
قال هذا وهو رجل سياسي، والسياسة تتطلب المماشاة والمداراة ولكنه يقول لاطماً خدود الطيبين، محبي الوحدة، ومنادي التقريب، ليفيقوا من سكرتهم، يقول:
(فتحصل من جميع ما ذكرنا من أول البحث إلى هنا أن مرجح النصوص ينحصر في أمرين: موافقة الكتاب والسنة، ومخالفة العامة).([15])
فهل من مستفيد يستفيد؟ وهل من مستفيق يستفيق؟ أم هم في غفلة يعمهون؟!
وأما نحن يا علماء مصر! ويا علماء الأزهر! فلسنا من قوم عيسى بأن نقدم الخد الأيسر لمن يصفع الخد الأيمن، فهل أنتم منتهون؟
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)) [المائدة:45].
وأنت يا فضيلة الدكتور! عليك أن تفهم أن التوادد والتحابب والتقارب من باب التفاعل، والذي يلزم حصوله من الطرفين، ولا يحصل من طرف واحد، وكيف وهم ينصون على أن الحب -أيها الطيبون- لا ينبغي أن يكون إلا من طرفكم أنتم، وأما نحن ففي طرف على رأسه لافتة (ممنوع الدخول، اتجاه واحد).
فلا تتمن أن تصل إلى قلوبهم وتدخل في أعماقهم، وأما أنت فلك الخيار فتفتح قدر ما تشاء وتوصلهم إلى ما تشاء، ولو إلى سويدائها.
وما انشغالك بهم يا طيب القلب؟
أتريد أن ترضيهم بحبك لهم، وبموافقتك إياهم في أباطيلهم وأضاليلهم، والدفاع عن أكاذيبهم وافتراءاتهم على الله والقرآن والرسول، وهم مع ذلك لا يريدون إلا مخالفتك في كل ما تعتقده وتؤمن به، وما أظنك كنت تدري هذا، وإلا ما جرى قلمك ليقلب الصدق كذباً، والكذب صدقاً، وليكتب الحق باطلاً، والباطل حقاً:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظم!!
فسامحكم الله أيها الإخوة الطيبون! وإن كنتم لم تقرءوا كتبي الثلاثة المذكورة آنفاً وكتابي الجديد الشيعة والتشيع فرق وتاريخ الذي بينت فيه عقائد الشيعة الإثني عشرية، الذين في أمثالهم قال علي رضي الله عنه أمير المؤمنين، والرواية في أصح الكتب عندهم:
[[لو ميزت شيعتي لما وجدتهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحداً]].([16]).
والكتاب الذي وضح للناس موقف الشيعة من المسلمين، واعتناقهم عين تلك الآراء والأفكار التي روجها ابن سبأ اليهودي الماكر الخبيث بفرض إمامة علي، وإظهار البراءة من أعدائه المزعومين، من أبي بكر و عمر و عثمان وكافة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم أجمعين، وتكفيره إياهم، وقوله بالوصاية والولاية والغيبة والرجعة وغير ذلك من الخرافات والترهات، كما أوضح الكتاب لكثير من الغافلين: أن كل ما كان يعد غلواً في الماضي صار من لوازم مذهب الشيعة الإثني عشرية اليوم، وحتى الدكتور وافي الذي يخطئ شيخ الإسلام ابن تيمية([17]) لعدم معرفته للأمور ووضعها في نصابها، لا يعلم أن كل ما ذكره شيخ الإسلام حق لا محيص عنه كما سنبينه مفصلاً عند ذكر أخطاء فضيلته.
نعم! كان من الواجب عليكم أن تقرءوا ما كتبه بنو جلدتكم وسلفكم أمثال السيد الجليل الشيخ محمد رشيد رضا منشئ المنار، والبحاثة المحقق السيد محب الدين الخطيب صاحب الفتح تغمدهما الله برحمته وغفرانه، والرسالة الأخيرة مشهورة معروفة، وموجودة منتشرة في مصر وخارجها الخطوط العريضة.
وإليكم ما كتبه السيد محمد رشيد رضا:
(إني شديد الحرص على هذا الاتفاق بين السنة و الشيعة وقد جاهدت في سبله أكثر من ثلث قرن ولا أعرف أحداً من المسلمين أو أظن أنه أشد مني رغبة وحرصاً على ذلك، وقد ظهر لي باختياري الطويل أن أكثر علماء الشيعة يأبون هذا الاتفاق أشد الإباء؛ إذ يعتقدون أنه ينافي منافعهم الشخصية من مال وجاه، وقد تكلمت في هذا مع كثيرين في مصر و سورية و الهند و العراق، مما علمته بالخبر والتجربة أن الشيعة أشد تعصباً وشقاقاً لأهل السنة.. وقد نشطوا في هذا العهد لتأليف الكتب والرسائل في الطعن على السنة والخلفاء الراشدين الذين فتحوا الأمصار ونشروا الإسلام في الأقطار، والطعن على حفاظ السنة وأئمتها وفي الأمة العربية بجملتها).([18]).
ويقول أيضاً: (إننا لا نعرف أحداً من علماء أهل السنة المتقدمين ولا المعاصرين يطعن في أحد من أئمة آل البيت عليهم السلام كما يطعن هؤلاء الروافض في الصحابة الكرام ولاسيما أبي بكر و عمر، وفي أئمة حفاظ السنة كالبخاري و الذهبي و ابن حجر وغيرهم فإنهم يعدونهم من النواصب لعدم موافقتهم لجهلة الروافض على ما يفترونه من الغلو في مناقب آل البيت، وقد أغناهم الله عن اختلاق المناقب لهم لكثرة مناقبهم الصحيحة الثابتة بالنقل الصحيح، أما النواصب فهم أولئك الخوارج اللذين يبرءون من علي كرم الله وجهه).([19]).
فما أصدق السيد! وما أعرفه بهم!
وأخيراً يتحدث عن الشيعة بقوله:
(إنهم كانوا أشد النقم والدواهي التي أصيب بها الإسلام، فهم مبتدعو أكثر البدع الفاسدة التي شوهت نقاءه، وهم الذين صدعوا وحدته، وأضعفوا شوكته، وشوهوا جماله، وانتقصوا كماله، وجعلوا توحيده وثنية، وأخوته عداوة وبغضاء، وبثوا فيهم فتنة عبادة أناس لأجل أنسابهم، وتقديس أناس لأحسابهم، وجعل سعادة الدنيا والدين بوساطتهم عند الله، وتأثيرهم في علمه وإرادته على ضد عقيدة القرآن من كون الخالق تبارك وتعالى لا يطرأ على صفاته تأثير من المخلوق، وجميع الفرق التي ارتدت عن الإسلام من القرون السابقة كانت من غلاة الشيعة([20]) فمنهم جميع الفرق الباطنية الذين كانوا يلبسون لباس المسلمين ويظهرون التمسك به لتقبل دعايتهم.. كذلك كان غلاة الشيعة مثاراً لأفظع الكوارث التي هدت قوى الإسلام، وزعزعت الخلافة العباسية، ودمرت الحضارة العربية التي كانت زينة الأرض وفخار أهلها، وهي كارثة التتار، كما كانوا أولياء وأنصاراً لأعداء المسلمين وإنهم أشد عداوة لهم وفتكاً بهم لإسلامهم حتى الصليبيين.
ووجهت العداوة الشيعية إلى أهل السنة خاصة، وزال ملك العرب من بلاد الفرس، وصار السلطان فيه للترك، فاتصل ما كان من عداوتهم للعرب إلى الترك، على اختلاف طوائفهم.. وصارت السنة في بلاد إيران أضعف من المجوسية، وقد ثبت شيعة إيران مذهبهم في عرب العراق حتى كاد يكون أكثر البدو لهم يقيمون مآتم الإمام حسين ويلعنون أبا بكر وعمر عليهما أفضل الرضوان.. فالشيعة كلهم دعاة إلى مذهبهم حتى النساء).([21]).
هذا ما كتبه علم شامخ من أعلام مصر في مجلته الشهيرة التي طبق صيتها الآفاق، فليتأمل فيها الكاتبون المصريون، ولينظروا ما كتب أسلافهم في هذا المضمار قبل الإقدام على الكتابة عنهم دون علم أو بصيرة، ودون فقه أو معرفة أو إدراك، غفر الله خطايانا وخطاياهم.
وكل ما كتبه السيد ليس بجديد ولا بعجيب، بل هو الحق وعين الحق؛ تنضح به كتبهم ومصادرهم، والفقرة الأخيرة هي عين ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه في فتاواه.([22]).
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
ولا أدري كيف خفي كل هذا على من ينادي بدعوة التقريب من أهل السنة وفي بلاد السنة، ويدافع عنهم، ويحبب إلى الناس مذهبهم، ويزينه في قلوبهم؟ وكيف خفي هذا كله على من يدعي بأنه حقق موسوعة بن خلدون التاريخية وعلق عليها؟ ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)) [آل عمران:8].
ربنا لا تهلكنا: ((بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)) [الأعراف:155]* ((وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ)) [الأعراف:156].
ولا يخطر ببال أحد أننا من دعاة الطائفية أو التفرقة، وحاشا لله أن نكون كذلك؛ لأننا لم نقصد بهذا الكتاب ولا بالكتب الأخرى التي كتبناها سواء عن الشيعة أو عن الفرق الباطلة المنحرفة الأخرى أن نثير عواطف الناس ونحرضهم على قتال بعضهم بعضاً، ومحاربة الواحد الآخر، كما لم نرد أن نفرق كلمة جامعة، بل كل ما قصدنا من هذا أن نكون على بينة من الأمر، وأن نعطي كل ذي حق حقه، وأن لا نخدع ولا نباغت من أحد؛ لأننا نعلم وندرك يقيناً بأن الحق لا يتعدد، وأن التعدد من لوازم الباطل، فالحق واحد وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، حسب ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه المشهور: {ستفترق أمتي إلى ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي}([23]).
فليتنا أن لا نغرق في الدعوات الزائفة والشعارات المزيفة، وأن نتمسك بكتاب ربنا جل جلاله وعم نواله وسنة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، متمثلين بقوله: {تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة نبيه}.([24])
إننا لسنا بدعاة تفرقة أو طائفية، ولكننا ضد الطائفية كلها، داعين الناس أن يتركوا كل العصبيات وكل التحزبات إلا حزب الله وحزب رسوله: ((أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [المجادلة:22] وإلا العصبية لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن نعرض جميع خلافاتنا على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فمن يوافقه الكتاب أو تناصره السنة نؤيده ونتبعه، ومن يخالفه الكتاب وتخذله السنة، نخالفه ونخذله، وهذه هي الدعوة الحقة التي لأجلها أرسل الرسل وأنزلت الرسالة، وهذا هو الصراط المستقيم الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كافة بأمر من الله عز وجل، ومنعهم من سلوك أي صراط سواه: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [الأنعام:153].
فمنع الناس عن اتباع السبل ليس بتفرقة، ودعوتهم إلى الصراط المستقيم ليست بطائفية، بل هذه هي سبيل الله المختارة التي أمر الله نبيه وأتباعه بالدعوة إليها. وإن اختلف بها المختلفون، وانزجر عنها المنزجرون، واعترض عليها المعترضون، وعاب عليها العائبون والمنتقدون.
((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)) [يوسف:108].
((فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ)) [الحجر:94].
((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)) [القلم:9] * ((وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ)) [القلم:10]* ((هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)) [القلم:11] * ((مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)) [القلم:12] * ((عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ)) [القلم:13] * ((أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ)) [القلم:14] * ((إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)) [القلم:15].
((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)) [الأنعام:116] * ((إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) [الأنعام:117].
فنحن دعاة الوحدة التي لا تحصل بالكلمات الفارغة، والنعرات الرنانة الطنانة، والأقلام المأجورة، والألسنة المستأجرة، والضمائر المشتراة، والآراء المستعارة، ولا تتأتى بالأحلام الوهمية والأمنيات الخيالية، بل تتأتى وتحصل بتحكيم شرع الله في الخلافات والنزاعات، وفي المناقشات والمناظرات: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) [النساء:59].
فعندئذ يكمل الإيمان، ويحسم النزاع، ويرتفع الخلاف: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].
ومن علائم الإيمان: ألا يكون عصبية لحزب وجماعة، وتحزب لطائفة وفرقة بعد حصول قضاء الله وثبوت حكم رسول الله: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)) [الأحزاب:36].
هذه هي الوحدة الحقيقية التي تحصل بوحدة الفكر والعقيدة، وبوحدة الأصول والقواعد المبنية على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن آخذيها والمتشبثين بها عبر القرآن في قوله تعالى: ((إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)) [الأنبياء:92].
وأما فيما دون ذلك فلن تتحقق تلك الأمنية، ولن نصل إليها.
فنحن دعاة الحق -إن شاء الله- لدعوتنا إلى كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، لا إلى أقوال العلماء وآراء الرجال، أياً كانوا، وأينما كانوا، ومهما بلغو من المكانة السامية والشأن الرفيع، فكل مأخوذ من قوله ومردود عليه إلا الناطق بالوحي صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي تركنا على المحجة البيضاء، التي ليلها كنهارها، لا يضل سالكها ولا يهتدي تاركها، والسالكون على هذا المنهج القويم، والمنتهجون هذا الصراط المستقيم هم الطائفة المنصورة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة}.([25]).
فالطائفي هو الذي يدعو إلى طائفته وحزبه، ويأمر الناس باتباع رجال لم ينزل الله بهم من سلطان.
والفرقي هو الذي ينادي الناس إلى فرقته ونحلته، ويأمر الناس بترك الجماعة.
وأما الذي يدعو إلى الجماعة، وإلى الصراط المستقيم، وإلى كتاب الله وهدي رسول الله، ويحذرهم من التفرقة واتباع سبيل غير سبيل المؤمنين، ويمنعهم عن التفرق في السبل الملتوية المعوجة كي لا يضلوا فيها، ويخبرهم عن سوء العواقب وشر النتائج.. أما مثل هذا الداعي فليس منهم، وبالرغم من أنه هو الداعي إلى الجماعة، الذي من شذ عنها شذ في النار.
فيجب تصحيح المفاهيم والانتباه إليها فرب كلمة حق أريد بها الباطل، ولأنه لو كانت التفرقة بين الحق والباطل شيئاً مذموماً، وتبين الرشد من الغي شيئاً منكراً لما أخبرنا الله عن أنبيائهم بأنهم كلما جاهروا بالحق، وأبطلوا الباطل اختلف الناس: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ)) [النمل:45].
و ((قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [البقرة:256].
وبين سبب بعثة رسله بقوله: ((لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ...)) [الأنفال:42].
وأمر نبيه أن يقول: ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) [الكافرون:6].
فالمفرقون والطائفيون هم الذين يسلكون سبيلاً غير سبيل المؤمنين، وينهجون منهجاً غير منهج المؤمنين، ويدعون الناس إلى ولاية أشخاص وتقليد أناس لم يأمرنا الله به في صميم كتابه، ولا النبي صلى الله عليه وسلم في الثابت من سنته!!
وأما الدعاة إلى الله وحده، والتوحيد الخالص، ونفي الإشراك بالله صغيراً أم كبيراً، جلياً أم خفياً، وإلى اتباع رسول الله في كل ما ثبت عنه من قوله وفعله وتقريره، فهم الدعاة إلى الوحدة الحقيقيون مهما تقول المتقولون، وتطاول المتطاولون.
فهذا آخر ما كنا نريد التنبيه عليه في هذا المضمار.
ولقد طال بي الكلام وتشعب بي الحديث والحديث ذو شجون، والسبب في هذا تلك الرسالة بين الشيعة وأهل السنة للدكتور علي عبد الواحد التي وقع نظري عليها -ويا ليتني لم أرها- لقد قرأت هذا الكتيب -ويا ليتني لم أقرؤه- ولم أتركه حتى انتهيت منه، فتألمت كثيراً لما فيه من الأخطاء الفاحشة، والمغالطات الظاهرة، والعوار البين، والزلات الكثيرة، والحكم غير الصحيح، المبني على نهج غير موضوعي ولا علمي، اللهم إلا ما يبدو بأن فيه إغضاباً لجهة تأذى منها مؤلفه، أو إرضاء جانب رضي عنه. اللهم لا تجعلنا من الذين يسيئون الظن بعبادك -وإن بعض الظن إثم– ولا تجعلنا من الظالمين في الحكم، فشغلني هذا الكتيب وألهاني عما كنت في صدده من البحث والتنقيب في الكتب الإسماعيلية والوثائق الفاطمية، ولم يبق بيني وبين المغادرة من مصر إلا ليلة واحدة حيث أنوي السفر منها إلى تونس، ومن تونس إلى المغرب، ماراً على اسكوريال بأسبانيا، و باريس بفرنسا إلى لندن بإنجلترا، وراء مقصدي وهدفي.
ولكنني لم أشأ أن أخرج من مصر ولا أفي بحقها، ولا أتطرق إلى هذه الرسالة التي أرى من الواجب الديني والمحتم العلمي بأن أتطرق إليها ولو تطرقاً طفيفاً يسيراً، وأن ألم بها ولو إلمامة خفيفة سريعة، فأجلت سفري يومين لعل الله أن يوفقني لأن أوفي للدكتور وافي حقه، وأنبه على أخطائه التي وقع فيها فضيلته بدون قصد ولا عمد منه -إن شاء الله- ولو أنني لا يحضرني في هذه الغربة كثير من المراجع والمصادر إلا أن أملي وثقتي بالله كبيران بأنه لا ينقصني في الرد عليه شيء أحتاج إليه بفضله ومنه وإحسانه.
وإنني لأحاول في هذه العجالة ألا ينفلت زمام قلمي من يدي، وألا أكون إلا واقعياً موضوعياً في تحري الحقيقة وتبيينها لفضيلة الدكتور، ولمن قرأ رسالته، وللناس أجمعين، بدون تعصب ولا تحيز، وسوف أقسم البحث حسب تقسيم الدكتور في رسالته، وأضيف قبله فصلاً واحداً أبين فيه أخطاء فضيلته البديهية التي وقع فيها، وإنني لمستغرب فعلاً كيف أنها صدرت عنه. وسبحان الذي لا ينسى، وما من كاتب إلا وقد أخطأ، وما من قائل إلا وقد غلط ولغا، وما من ناطق إلا وقد ضل واهتدى، اللهم إلا المعصومين من خلقه، أنبياء الله ورسله الذين ختمهم بخاتم المعصومين، سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، المشهود له بالعصمة في قوله تعالى: ((وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى)) [النجم:3]* ((إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم:4].
وأدعو الله العلي القدير أن يوفقني لأداء هذه المهمة خلال يومين قبل مغادرتي مصر الطيبة، وأن يلهمني الرشد والصواب.
وأخيراً أتوجه إلى علماء مصر والأزهر خاصة، مهيباً بهم داعياً إياهم أن يقوموا بواجبهم الديني ودورهم الذي تحتم عليهم دفاعاً عن شريعة الله ودينه الذي ارتضاه لنفسه، دين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
لقد قدمنا ما كان في وسعنا وذخرنا مع أننا جئنا إلى مصر ببضاعة مزجاة، فعليهم أن يوفوا الكيل ويتصدقوا بعلمهم على المسلمين، ويردوا عنهم كيد المبطلين المنتحلين، والله ولي النعم وهو ملهم التوفيق، وصلى الله على رسوله خير خلقه محمد، وعلى آله وأزواجه وأصحابه الأخيار ومن تبعهم إلى يوم الدين.
إحسان إلهي ظهير
القاهرة
ليلة الخميس 26 ذي القعدة سنة 1404 ه
الموافق 24 أغسطس سنة 1984م
الباب الأول: مغالطات الدكتور وافي وأغلاطه
قبل أن ندخل في صميم الموضوع ونناقش الآراء التي أظهرها الدكتور علي عبد الواحد وافي في رسالته بين الشيعة وأهل السنة نريد أن نلفت أنظار القراء والباحثين إلى أن الدكتور أخطأ فيها أخطاء فاحشة لا يتصور صدورها عن مثله غير ما بدر منه الخطأ في الفهم، ثم بناء على ذلك الخطأ في الحكم. ولعله لم يكتب هذه الرسالة بعد المطالعة والاستقراء، والتعمق في البحث، والتروي في التفكير، والتريث قبل الحكم. ولأجل ذلك ظهرت وكلها خطأ على خطأ، بل لقد تضمنت بعض الأخطاء البديهية التي لا يقع فيها من له إلمامة بسيطة بالتاريخ بخلاف سقطاته في العقائد. فكيف يقع فيها شخص حقق مقدمة ابن خلدون وتاريخه، ثلاثة أجزاء بها نحو ثلاثة آلاف تعليق وتمهيد في نحو ثلاثمائة صفحة من القطع الكبيرة -حسب ما ذكره فضيلته في آخر رسالته- وكما أشار إليه داخل الكتاب أثناء تعليقه على بعض الفقرات؟
ولقد أخبرت من بعض المحبين لي وله، ممن أثق في صدقه ودينه، بأنه رأى الدكتور وهو يشتغل بهذا الكتيب ولولا ذلك ما كنت لأثق بأن الكتاب من تأليفه، وتيقنت بأن شخصاً له أطماع وأغراض أو مقاصد ومطالب.. استغل اسم فضيلته الكبير، ووضعه على هذا الكتيب، وإلا فكيف يعلل هذه الأغلاط الكبيرة التي ازدانت بها كل صفحة من صفحات هذا الكتيب الصغير؟! وإن لله عجائب في خلقه وقدرته وقضائه وقدره.
فمثلاً يقول الشيخ في تمهيد الكتيب عندما يلقي نظرة مجملة في التعريف بالشيعة الجعفرية.
(النص على الإمام الأول وهو الإمام علي قد جاء في اعتقادهم بوصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وأما الأحد عشر إماماً من بعده فقد استحق كل منهم الخلافة بوصية من الإمام السابق له، وكان كل منهم الابن الأكبر للإمام السابق ما عدا الحسين... وما عدا موسى الكاظم فإنه كان الابن الثاني للإمام السابق له وهو جعفر الصادق، واستحق الخلافة لموت أخيه الأكبر إسماعيل قبل وفاة أبيه).([26]).
ومحل الشاهد أن موسى الكاظم كان الابن الثاني لجعفر الصادق.
ومن لا يدري غير فضيلة الدكتور أن موسى الكاظم لم يكن الابن الثاني لجعفر بن الباقر، ولم يكن هو الأكبر بعد أخيه الذي توفي في حياة أبيه الجعفر، بل كان هناك من يكبره من إخوته.
وإليكم الشهادة على صحة ذلك من الشيعة أنفسهم، بل ومن كبار الشيعة وقادتهم وأئمتهم في الرجال والتاريخ، فيذكر الكشي أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز في كتابه معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين المعروف برجال الكشي تحت عنوان الفطحية:
(هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد... والذين قالوا بإمامته عامة مشائخ العصابة وفقهائها، مالوا إلى هذه المقالة، فدخلت عليهم الشبهة لما روى عنه -يعني أئمتهم- عليهم السلام أنهم قالوا: الإمامة في الولد الأكبر من الإمام إذا مضى إمام).([27]).
هذا ولقد يذكر مثله محمد بن محمد بن النعمان العكبري المتوفى سنة 413ه الملقب بالمفيد، الذي يقولون عنه: (إن غائبهم المزعوم هو الذي لقبه به)([28]) وإليه انتهت رئاسة الإمامة في وقته([29]) وكان له لقاءات مع غائبهم الموهوم).([30]) يقول هذا المؤرخ الشيعي الكبير في كتابه الذي كتبه في ذكر أئمته:
(وكان عبد الله بن جعفر أكبر إخوته بعد إسماعيل... وادعى بعد أبيه الإمامة، واحتج بأنه أكبر الإخوة الباقين، فاتبعه على قوله جماعة من أصحاب أبي عبد الله -أي جعفر - عليه السلام... ودانوا بإمامة عبد الله بن جعفر الطائفة الملقبة بالفطحية).([31]).
وهذا الأمر لا يختلف فيه اثنان، ولا يتناطح فيه كبشان، وهو متفق عليه بين الشيعة و السنة، وكل كتب التاريخ تنص على ذلك، ولكن لا ندري من أين جاء الدكتور الفاضل بمعلوماته الجديدة (أن موسى الكاظم كان الابن الثاني للإمام السابق له، وقد استحق الإمامة لكبره بعد موت أخيه إسماعيل) وقد أعاد نفس هذا الكلام في رسالته في الباب الرابع صفحة (73 و74).
هذا ما لم يستطع الشيعة أنفسهم التقول به مع تضايقهم وتحرجهم من مواجهة هذا الإيراد والاعتراض: (كيف تحولون الإمامة من عبد الله بن جعفر بعد موت الإمام جعفر الصادق وهو أكبر أبنائه بعده، مع زعمكم بأن الإمامة في أكبر الأبناء؟ كما روى الكليني في كافيه عن جعفر أنه قال: [[إن الأمر في الكبير]]).([32]).
وبذلك احتج عبد الله على مخالفيه بأنه أكبر الإخوة الباقين، فاتبعه على قوله جماعة من أصحاب جعفر كما ذكرناه آنفاً نقلاً عن الشيعة أنفسهم.
وهذا هو الإيراد الذي أوردناه نحن في كتابنا الشيعة والتشيع فرق وتاريخ([33]) ولم يستطيعوا الجواب عليه، ولعلي لا أخطئ حسب ما أتذكر دون المراجعة لكتب الشيعة لعدم وجودها عندي ههنا إذا قلت: إن موسى هذا كان الابن الرابع لجعفر بن الباقر، وكان يكبره أيضاً بعد إسماعيل و عبد الله، محمد بن جعفر الذي خرج أيام المأمون ودعا الناس إلى نفسه، وبايع له أهل المدينة بإمرة المؤمنين.([34])
هذا.. ومثل هذا ما ذكره فضيلته في الكلام عن الإسماعيلية:
(وقد انتهت رئاسة الشيعة الإسماعيلية إلى أغا خان وإلى ولديه من بعده).([35])
مع أن كل من يعلم ومن لا يعلم يعرف أن أغا خان حرم ولديه علي و صدر الدين من رئاسة الإسماعيلية وإمامتها، ووضعها في حفيده كريم خان زعيم الإسماعيلية الحالي الموجود، ونفذت وصيته عند وفاته وكان ذلك في حياة ابنه علي خان والد كريم خان الذي مات بعده بسنوات في حادث اصطدام سيارته مع إحدى الممثلات الراقصات، وابنه الثاني صدر الدين عم كريم خان الذي لا زال حياً موجوداً.
وكذلك قول فضيلته:
(اسم الرافضة، وهو لقب تطلقه الفرق الأخرى عليهم، وخاصة أهل السنة، وهو الذي يستخدمه شيخ الإسلام ابن تيمية في مؤلفاته).([36])
يدل أيضاً على عدم معرفة الكاتب لكتب الشيعة أنفسهم؛ لأن الفرق الأخرى لم تسمهم بهذا الاسم وخاصة أهل السنة، وأخص بالذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه، بل الله سماهم بهذا الاسم كما ورد في بخاري القوم:
عن محمد بن سليمان عن أبيه أنه قال: قلت لأبي عبد الله –جعفر الإمام السادس المعصوم حسب زعم القوم-: جعلت فداك فإنا قد نبزنا نبزاً([37]) أثقل ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام:
[[الرافضة؟]]
قلت: نعم.
قال: [[لا والله ما هم سموكم... ولكن الله سماكم به]].([38]).
وأعود لأسأل: وماذا يقصد فضيلته من قوله:
(ويرجع السبب في إطلاق هذا اللقب عليهم أنهم رفضوا الإمام زيد بن علي بن زين العابدين لمخالفته لهم في بعض ما يذهبون إليه في شؤون السياسة)([39])؟!
هل هذه محاولة عن قصد وعمد لتبرئة القوم من الشناعة التي لزمتهم بأن الشيعة لم يرفضوه لمخالفته لهم في بعض ما يذهبون إليه في شؤون السياسة، بل رفضوه لأنه لم يرض أن يشتم ويطعن في أبي بكر و عمر؟! إذن إليك ما يرويه الشيعي مرزا تقي خان في كتابه الكبير في التاريخ بالفارسية:
(إن ناساً من رؤساء الكوفة وأشرافها الذين بايعوا زيداً حضروا يوماً عنده وقالوا له:
رحمك الله ماذا تقول في حق أبي بكر و عمر؟
قال: [[ما أقول فيهما إلا خيراً، كما لم أسمع فيهما من أهل بيتي (بيت النبوة) إلا خيراً، ما ظلمانا ولا أحداً غيرنا، وعملا بكتاب الله وسنة رسوله]].
فلما سمع منه أهل الكوفة هذه المقالة رفضوه.
فقال زيد: [[رفضونا اليوم، ولأجل ذلك سموا بالرافضة]].([40]).
فلم يرفضوه يا سيدي الدكتور لمخالفته لهم في بعض ما يذهبون إليه في شؤون السياسة كما أردت إفهام ذلك للناس!!
أو فهمته خطأ بغير عمد ولا قصد، فسامحك الله إذن.
وما أكثر ما أخطأ فهمك، وضل عنك رشدك، وخانك علمك في هذا الكتيب الصغير، فرحماك يا رب!
وزيد بن علي هذا لم يكن رجلاً عادياً حتى في نظر الشيعة أنفسهم حيث يلقبونه (بحليف القرآن).([41]).
وأكثر من ذلك أن الإمام السادس المعصوم عندهم الذي إليه ينسبون مذهبهم في الفروع جعفر بن محمد الباقر كان يعظمه ويجله إلى حد كبير كما ذكر أبو الفرج الأصفهاني الشيعي([42]) نقلاً عن الأشناني عن عبد الله بن جرير أنه قال:
(رأيت جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب ويسوي ثيابه على السرج).([43]).
ثم إن رفض الشيعة زيد بن علي لم يكن شيئاً مستغرباً ولا جديداً، بل ذلك خلق توارثه الأبناء عن آبائهم من قديم، فإنه لزمهم من أول يوم وجدوا فيه، فقد اشتكى منهم في ذلك كثير من أئمتهم الذين يعتقدون بعصمتهم وأنهم لا ينطقون عن الهوى، وأولهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث خذلوه ورفضوا نصرته وتأييده في عديد من المعارك والحروب بعد ما بايعوه، وحلفوا على طاعته والولاء له، وتستروا وراء اسمه، ولكن كلما دعاهم إلى المناصرة والمساعدة بدأوا يتسللون منها ملتمسين الأعذار، وبدون التماسها أيضاً.. حتى قال مخاطباً إياهم:
[[يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جرّت ندماً، وأعقبت صدماً.. قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قبيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، ولكن لا رأي لمن لا يطاع]].([44]).
وفي معركة أخرى ارتكبوا نفس العمل الذي تعودوه، فقال:
[[ألا وإني دعوتكم لقتال هؤلاء ليلاً ونهاراً وسراً وإعلاناً.. فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات، وملكت عليكم الأوطان.. ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كُلْم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً.. فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون.
فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فراراً من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم والله من السيف أفر]].([45])
ومرة أخرى حتى قال:
[[ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أخاف ظلم رعيتي، استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سراً وجهراً فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، شهود كغياب، وعبيد كأرباب، وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم عني متفرقين أيادي سبأ.. منيت منكم بثلاث واثنتين، صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء.. والله لكأني بكم فيما إخالكم: أن لو حمس الوغاء، وحمي الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها]]([46]).
ولم يك خذلانهم، وترك نصرتهم، ورفض تأييدهم للحسن بن علي أقل من أبيه، فهم الذين تركوه في خضم المعارك، وأرادوا تسليمه إلى معاوية رضي الله تعالى عنهما، وانتهبوا مضاربه، وجرحوه بمعول في فخذه.([47]) حتى اضطر إلى أن يقول:
[[أرى والله معاوية خيراً لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي، وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية ما أحقن به دمي، وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلماً، والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير]].([48]).
وأما الحسين رضي الله عنه فأمره وخذلان الشيعة إياه، ورفضهم نصرته لأمر مشهور غني عن الذكر، كما خذلوا ابن عمه وسفيره إليهم، مسلم بن عقيل، ونذكر ههنا عبارة صغيرة ذكرها محسن الأمين الشيعي المشهور في موسوعته: (ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم، وقتلوه).([49]).
وخطبة الحسين مشهورة معروفة ومنقولة في كتب القوم حينما خاطبهم بقوله:
[[تباً لكم أيتها الجماعة! وترحاً وبؤساً لكم وتعساً، حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا، وحششتم علينا ناراً أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ويداً على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، ولا ذنب كان منا فيكم، فهلا لكم الويلات، إذا كرهتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لم تستخصف، ولكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم كتهافت الفراش؛ ثم نقضتموها سفهاً وبعداً وسحقاً لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب، ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلوننا، ألا لعنة الله على الظالمين]].([50]).
ودعاؤه عليهم أيضاً مشهور معروف ذكره المفيد و الطبرسي وغيرهما أنه قبل استشهاده رفع يديه ودعا، وقال:
[[اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا]].([51]).
وخذلانهم لعلي بن الحسين الملقب بزين العابدين أشهر وأعرف من خذلانهم أباه حتى اضطر إلى أن يقر بعبوديته ليزيد بن معاوية كما رواه بخاري القوم الكليني في صحيحه الكافي أن علي بن الحسين قال ليزيد بن معاوية:
[[قد أقررت لك بما سألت، أنا عبد مكره، فإن شئت فأمسك، وإن شئت فبع]].([52]).
لأنه حسب قوله على زعم الشيعة:
[[إن جميع الناس ارتدوا بعد قتل الحسين إلا خمسة: أبو خالد الكابلي، و يحيى بن أم الطويل، و جبير بن مطيع، و جابر بن عبد الله، والشبكة زوجة الحسين]].([53]).
وأما محمد بن علي الباقر فكان يائساً من شيعته الروافض إلى حد أنه كان يقول:
[[لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكاً، والربع الآخر أحمق]].([54]).
وأما جعفر فكان أكثرهم شكاية من أبيه عن الروافض هؤلاء حتى كان يقول مخاطباً إياهم:
[[أما والله لو أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثاً]].([55])
وعبد الله بن أبي يعفور أحد تلامذته المخلصين ومريديه المطيعين، الذي قال فيه جعفر نفسه: [[ما وجدت أحداً يقبل وصيتي ويطيع أمري إلا عبد الله بن أبي يعفور]].([56]).
يأتيه يوماً ويشكو إليه مساوئ الشيعة وخذلانهم، ورفضهم مناصرة الأئمة، واتباعهم أوامرهم، وعدم وفائهم وإخلاصهم لهم، فيقول كما رواه الكليني في الكافي أن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله جعفر عليه السلام:
إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم، ويتولون فلاناً وفلاناً، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق).([57]).
وبذلك روى ابن جعفر بن محمد موسى الملقب بالكاظم عن جده الأول أنه قال:
[[لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحداً، ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلا ما كان لي، إنهم طالما اتكئوا على الأرائك فقالوا: نحن شيعة علي]].([58]).
فهؤلاء هم الشيعة([59]) -أيها السيد الدكتور وافي - الذين ما أطلق عليهم لقب الرافضة لمخالفة زيد بن علي لهم في بعض ما يذهبون إليه في شؤون السياسة كما أردت أن تصوره للناس -شئت أم أبيت- من فهم وقصد، أم بدون فهم وعمد، جعلك الله من القسم الثاني، ولم يجعلك من الذين يعرفون ثم يكتمون ليضلوا عباد الله عن سواء السبيل.
وأما قول الدكتور وافي (أنه قد يطلق عليها -أي الشيعة -كذلك اسم الواقفية؛ لأنها تقف بالإمامة عند الإمام الثاني عشر وتعتقد أنه لا يستحق الخلافة أحد من بعده).([60]) فهو أيضاً من عدم معرفته بعقائد الشيعة وتاريخها، وتاريخ الفرق التي انبثقت منها وتفرعت في مختلف الأيام والدهور.
أولاً: إن اسم الواقفية([61]) لم يستعمل في كتب الفرق والرجال على الإثني عشرية قط، لا في الكتب الشيعية ولا في الكتب السنية.
ثانياً: إنما استعمل هذا اللقب في كتب الشيعة وفي كتب السنة على من توقف على إمامة جعفر بن الباقر أو من توقف على موسى الملقب بالكاظم، انظر لذلك من كتبهم: فرق الشيعة للنوبختي، و المقالات والفرق لسعد بن عبد الله القمي، وكتاب الرجال للكشي، و الإرشاد للمفيد، و أعيان الشيعة لمحسن الأمين، ومن كتب أهل السنة الملل والنحل للشهرستاني، و مقالات الإسلاميين للأشعري، و اعتقادات فرق المسلمين للرازي، و الفرق بين الفرق للبغدادي و التبصير للأسفراييني وغيرها من الكتب.
ثم استعمال لفظة الخلافة في قول الدكتور أيضاً خطأ، وإن دلّ هذا على شيء دلّ على عدم معرفته باصطلاحات الشيعة؛ لأن الكتب التي تبحث عن الفرق والرجال عند الشيعة، وعندنا أيضاً لا تستعمل هذه الكلمة إطلاقاً، بل تستعمل لفظ (الإمامة) فقط عند ذكر أئمتهم وعقائدهم، وإنني أشك في أن مثل هذا يخفى على واحد ممن يشتغل بالكتابة عن الفرق، حتى المبتدئ فيها، وإن الفرق بين الإمام والخليفة، والإمامة والخلافة، فرق ظاهر بيّن، يكاد أن يعد من البديهيات بالنسبة لطلبة العلم دون أن يكون الكاتب ممن قضى عمره وأفناه في الدرس والتدريس، وفي التعلم والتعليم، ويحمل شهادات كبرى؛ زيادة على أنه حقق كتاب تاريخ عظيم كتاريخ ابن خلدون وعلق عليه.
وإن الشيعة أنفسهم يقرون بمبايعة أئمتهم للخلفاء سواء كانوا من الراشدين الثلاثة أو بعدهم من بني أمية وبني العباس، فهؤلاء الشيعة يذكرون إمامهم الأول المعصوم علياً رضي الله عنه أنه ذكر الأحداث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالة أرسلها إلى أصحابه بمصر بعد مقتل محمد بن أبي بكر، فذكر فيما ذكر فيها انثيال الناس إلى أبي بكر وإسراعهم إليه ليبايعوه، ثم كتب:
[[فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسر، وسدد، وقارب، واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهداً]].([62]).
وكذلك ذكر الطوسي الملقب عند الشيعة بشيخ الطائفة في أماليه أن علياً رضي الله عنه ذكر مبايعته لعمر مخاطباً أهل الشام:
[[فبايعت عمر كما بايعتموه، فوفيت له بيعته، حتى لما قتل جعلني سادس ستة، فدخلت حيث أدخلني]]([63]).
كما يذكر مبايعة علي رضي الله عنه لعثمان بن عفان رضي الله عنه، ومن لسان علي رضي الله عنه وإقراره بنفسه حيث قال:
[[كرهت أن أفرق جماعة المسلمين وأشق عصاهم، فبايعتم عثمان فبايعته]].([64]).
وكان من أول المبايعين له بعد عبد الرحمن بن عوف كما ذكره البخاري في صحيحه، و ابن سعد في طبقاته من السنة، و ابن أبي الحديد من الشيعة في شرحه للنهج تحت قول علي رضي الله عنه:
[[والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله]].([65]).
(ثم مدّ يده فبايعه).([66]).
ومثل ذلك ذكر الميرزا تقي من الشيعة أيضاً في تاريخه.([67]).
ومبايعة حسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكذلك مبايعة أخيه الحسين لأشهر من أن يذكر، ولكن رغبة في إقناع سيادة الدكتور والإخوة الباحثين نثبت ههنا عبارة من كتب الشيعة أنفسهم، فلقد ذكر كل من الكشي و المجلسي – يلقبه الشيعة بخاتمة المحدثين – والعباس القمي: عن جبريل بن أحمد وأبي إسحاق حمدويه وإبراهيم ابني نصير، عنهم جميعاً أنهم قالوا:
حدثنا عبد الحميد العطار الكوفي عن يونس بن يعقوب عن فضل غلام محمد بن راشد قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: [[إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي (بعد الصلح) صلوات الله عليهما أن اقدم أنت والحسين وأصحاب علي، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وقدموا الشام، فأذن لهم معاوية وأعد لهم الخطباء.
فقال: يا حسن قم فبايع.
فقام فبايع.
ثم قال للحسين: قم فبايع.
ثم قال لقيس (وكان قائد عساكر الحسن): قم فبايع.
فالتفت إلى الحسين عليه السلام ينظر ما يأمره؟
فقال: يا قيس! إنه إمامي -وفي رواية-
فقام إليه الحسن، فقال له:
بايع يا قيس! فبايعه]]([68]).
وقبل ذلك جعل الحسن رضي الله عنه أحد شروط الصلح مع معاوية رضي الله عنه:
(أن يعمل بين الناس بكتاب الله، وسنة رسوله، وسيرة الخلفاء الراشدين.. وأخذ على هذه الشروط، العهود المغلظة باليمين)([69]).
وخبر علي بن الحسين زين العابدين قد ذكرناه فيما سبق من الكليني في كافيه الذي قال فيه محدث الشيعة النور الطبرسي:
(هو أحد الكتب التي عليها تدور رحى الفرقة الإمامية.. وكتاب الكافي بينها كالشمس بين نجوم السماء.. وإذا تأمل فيه المنصف يستغني عن ملاحظة حال آحاد رجال سند الأحاديث المودعة فيه، وتورثه الوثوق، ويحصل له الاطمئنان بصدورها وثبوتها وصحتها).([70]).
وأمر الآخرين السبعة ممن يزعمهم الشيعة أئمة لهم أمر مشهور، ونذكر فقط عن واحد منهم -وهو جعفر بن الباقر الذي إليه ينسب الشيعة الإثني عشرية مذهبهم- أنه في يوم من الأيام [[أحضره المنصور وقال له:
قتلني الله إن لم أقتلك، أتلحد في سلطاني؟
فقال له الصادق (ع): والله ما فعلت ولا أردت، وإن كان بلغك فمن كاذب]].([71]).
ولأجل ذلك لم يبايع عمه عبد الله بن الحسن المثنى ولا ابنه بعده محمد بن عبد الله الملقب بالنفس الزكية الذي كتب عنه الأصفهاني الشيعي:
(وكان محمد بن عبد الله بن الحسن من أفضل أهل بيته، وأكبر أهل زمانه في زمانه، في علمه بكتاب الله، وحفظه له، وفقهه في الدين، وشجاعته، وجوده، وبأسه، وكل أمر يجمل بمثله، حتى لم يشك أحد أنه المهدي، وشاع ذلك له في العامة، وبايعه رجال من بني هاشم جميعاً، من آل أبي طالب، وآل بني العباس، وسائر بني هاشم.([72]).
مع هذا كله لم يبايعه، كما لم يبايع أباه من قبل)([73]).
وإنني لأرى بعد ذلك كله أنني لم أقصر في تفهيم المسألة وتبيين القضية، ومن لم يفهم بعد ذلك فإن ربك لستار العيوب وغفار الذنوب.
وأما ترجيح سيادته اسم الجعفرية واقتصاره على استعماله.([74]) -لو لم تكن عن سوء نية- فأيضاً خطأ، حيث إن هناك كثيراً من فرق الشيعة غير الإثني عشرية تدخل تحت هذا الاسم؛ لأن كل فرق الشيعة الموجودة اليوم غير الزيدية تعتقد بإمامة جعفر وتنسب إليه فقهها من الإسماعيلية، و النزارية منها والمستعلية، والنصيرية، والدروز، والقرامطة وغيرهم الكثيرين الكثيرين.
فلا أدري أسباب ترجيح هذا الاسم عنده دون غيره مع عدم رضائه لاختيار اسم الإمامية لاشتراك غيرهم معهم تحت هذا الاسم.([75]).
وإليك سبب تركه هذا الاسم بألفاظه:
(وقد يطلق عليها كذلك اسم الإمامية.. ومع أن هذا اللقب هو الذي يكثر إطلاقه عليهم لدى عامتهم، ويكثر استعماله كذلك في مؤلفات علمائهم فإنه ليس مقصوراً عليهم، بل ينطبق على فرق الشيعة الأخرى التي تذهب في موضوع الإمامة إلى ما يذهبون إليه، وخاصة فرقة الشيعة الإسماعيلية).([76]).
ومن مُبلغٌ عنّي إلى السيد المحترم بأن اسم الجعفرية يشمل الإسماعيلية وغير الإسماعيلية أيضاً كما ذكرناه آنفا، إن كان هذا هو سبب تركه!
ومن يخبر شيخاً لا يعرف عن الإثني عشرية شيئاً مع انتشار كتبهم وتواجدهم في أكثر البلدان الإسلامية أن كتب الفقه الإسماعيلي وكتب الحديث الإسماعيلية كلها تدور حول الآراء المنسوبة والروايات الموصولة إلى جعفر بن الباقر، زيادة على ذلك أن كتب الفرق -التي لم يكلف السيد الدكتور نفسه العناء بإلقاء النظرة عليها، شيعية كانت أم سنية- تستعمل هذا اللقب على الفرق الشيعية التي وجدت قبل وجود الشيعة الإثني عشرية، وما أظن أن مكتبته ينقصها كتاب الملل والنحل للشهرستاني من السنة، فليمسح الغبار عنه، ويقلب أوراقه، ويلقي نظرة ولو خاطفة في مبحث الشيعة بعد عنوان رجال المرجئة فيجد أن اسم الجعفرية قد يطلق على قوم توقفوا بالقول على إمامة جعفر ولم يجروها في أولاده، أي لم يعتقدوا ببقية الأئمة الذين آمن بهم الشيعة الإثني عشرية واعتقدوا بإمامتهم، فعلى ذلك فإن الاسم الجامع المانع لهذه الفئة من الشيعة هو الإثني عشرية؛ لأن غيرهم لا يعتقدون بمن يعتقد بهم هؤلاء ولو جاز إطلاق كل الأسماء من الإمامية و الجعفرية و الروافض عليهم، كما بيناه مفصلاً في كتابنا الشيعة والتشيع فرق وتاريخ فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه.([77]).
ولكننا أردنا التنبيه هنا بأن اختياره وترجيحه اسم الجعفرية على غيره واقتصاره عليه ليس نابعاً إلا من عدم معرفته بالموضوع.
وكذلك قوله بأن هذه الفرقة تسمى الجعفرية (لاعتمادها في جميع ما تذهب إليه من عقيدة وشريعة على آراء ينسبونها إلى جعفر الصادق)([78]) يدل أيضاً على عدم علمه بالقوم وعقائدهم. ونذكر هنا عبارة واحدة لبيان تحري السيد الدكتور الحقيقة من أهم مصادر الشيعة، يقول السيد محسن الأمين -وهو يعد من كبار علماء الشيعة وأهم كتّابهم في الماضي القريب- يكتب في موسوعته وهو يذكر سبب تسمية الإثني عشرية بالجعفرية:
(الجعفرية باعتبار أن مذهبهم في الفروع هو مذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، ونسب مذهبهم في الفروع إليه باعتبار أن أكثره مأخوذ عنه).([79]).
وأما العقيدة والشريعة فلم يأخذها الشيعة عن جعفر ولا غيره، بل أخذوها عن اليهودية الأثيمة الجريحة التي انكسرت فلولها، واندحرت شوكتها، وزلزلت أركانها، واستؤصلت شأفتها، وهدمت قلاعها، ودمرت ديارها على يد رسول الله الصادق الأمين، وخلفائه الراشدين، الصديق، و الفاروق، وأفلت نجومها أيام ذي النورين رضي الله عنهم أجمعين، فترقبت لثأرها، ودبرت لانتقامها، وخططت مؤامرتها، وأحكم نسيجها، فأرسلت ابنها البار بها عبد الله بن سبأ([80]) من صنعاء اليمن ليكيد للإسلام كيداً، ويزرع في المسلمين فتناً، ويدس لهم دسائس، ويروج فيهم عقائد لا أساس لها في القرآن ولا في السنة، لتنتشر البلبلة، ويفشو الفساد، وتعم القلاقل، وتضطرب الأمور، وتقف القوافل.. قوافل النصر والظفر.. قوافل الجهاد والأبطال؛ كي لا يحيط نور الله بالمعمورة، وفعلاً حصل ما أرادت ولله عاقبة الأمور، وهو عليم بحكمها وعللها، فجاء ذلك اللعين إلى المدينة، ودخل في زمرة المسلمين وهو يعتزم الإيقاع بدينهم، وتقويض جماعتهم، وفي قلبه حفيظة عليهم، ثم ذهب إلى مصر، ثم إلى الكوفة، ثم إلى الشام، محاولاً إضلال العقول الضعيفة، والقلوب المريضة، وأصحاب الأغراض الذين لم يدخلوا في دين الله إلا طمعاً وحرصاً في زخارف الحياة ومتاع الدنيا، فأتى مصر، فوجد المرتع الخصب، والأرض القابلة للفتن، فأقام بين أهلها يتنقل من مدينة إلى مدينة، وقرية إلى قرية، حتى استطاع بزخرف القول أن يوغر صدورهم على خليفة رسول الله، وزوج ابنتيه، ذي النورين، صاحب الجود والحياء، أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، كما استطاع أن ينشئ في عقائدهم خللاً، ويزين لهم من القول ما حمله من اليهودية المدبرة من ورائه، وأن يزحزحهم عن العقيدة الصحيحة المستقيمة، حتى جرهم إلى قتل عثمان([81]) مع من وجده من الأنصار والمغترين به من مختلف الأمصار الإسلامية، وبذلك استطاع قلب الحكم الإسلامي، وأوجد ثلمة في صفوف المسلمين، وفتقاً لم يرتق إلى يومنا هذا، كما استطاع أن ينشئ جماعة كاملة تحمل أفكاره وآراءه باسم العقيدة التي أتحفها إياهم من اليهودية الجريحة رمزاً لانتقامها وشعاراً لثأرها، عقيدة وشريعة لا تمت إلى الإسلام بصلة قريبة أو بعيدة، وشريعة الله السماوية الحقة بريئة منها كل البراءة.
وها هي تلك العقيدة من أوثق كتب الشيعة أنفسهم مع بعض تحركاتهم يذكرها مؤرخ شيعي إيراني في تاريخه الفارسي الكبير:
(إن عبد الله بن سبأ توجه إلى مصر عندما علم أن مخالفيه -أي عثمان ذي النورين - كثيرون هناك، فتظاهر بالعلم والتقوى وافتتن به الناس، وبعد الرسوخ فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه بأن لكل نبي وصياً، ووصي رسول الله علي المتحلي بالعلم والفتوى، والمتزين بالكرم والشجاعة، والمتصف بالأمانة والتقى، وأن الأمة ظلموا علياً وغصبته حق الخلافة والولاية، ويلزم الجميع مناصرته ومعاضدته وخلع طاعة عثمان، وبيعته كفارة لذنب ارتكبوه، وجريمة اقترفوها لإعطائهم حقه غيره، فتأثر كثير من المصريين بأقواله، وخرجوا على الخليفة عثمان).([82]).
وما كتبه أقدم مؤرخ شيعي، وأول كاتب في الفرق من الشيعة النوبختي أبو محمد الحسن بن موسى من أعلام الشيعة في القرن الثالث للهجرة، ومن تلاه بعده سعد بن عبد الله القمي، وأقدم من كتب في الرجال منهم أبو عمرو بن عبد العزيز الكشي من علماء القرن الرابع، لجدير بالعناية والاهتمام.
فيذكر كل واحد منهم رواية متقاربة الألفاظ والمعنى بتقديم لفظ وتأخير آخر، واللفظ للنوبختي تحت عنوان (السبئية):
(عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر و عمر و عثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وقال: إن علياً عليه السلام أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا، فأقرّ به، فأمر بقتله، فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين! أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت، وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فصيره إلى المدائن.
وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال بعد إسلامه في علي عليه السلام بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه، فمن هناك قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية، ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعى علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت، لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض)([83]).
فهذه هي العقائد، وهذه هي الشريعة توارثتها الشيعة جيلاً بعد جيل، وتناقلها علماؤهم وعامتهم قرناً بعد قرن، وذاك هو واضعها ومؤسسها وبانيها، فمنه أخذوا، وعليه اعتمدوا، كما سيأتي بيانه مفصلاً في محله إن شاء الله مدعماً بالأدلة الصريحة والبراهين القاطعة من كتب القوم أنفسهم بأن عقائد الشيعة الإثني عشرية اليوم هي عين تلك العقائد التي خططتها اليهودية، وروجها اليهودي الماكر الخبيث.
فهذه هي الحقيقة لا كما تخيلها الدكتور الفاضل.
وكذلك قوله:
(وهي آراء يتصل سند معظمها في نظرهم بالإمام علي بن أبي طالب فبالرسول).([84]).
وحضرته لا يدرك بكلامه هذا أن الإمام في نظر الشيعة يتحلى بالعصمة مثلما يتحلى بها الأنبياء، ويحمل علماً مثلما يحمله الرسل، بل وأكثر، فمن كان هذا شأنه ومكانته لا يحتاج، ولا يطالب باتصال كلامه وإسناده إلى الرسول، وعلى ذلك أورد محدثو الشيعة الإثني عشرية أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر، وجاوزت عنه، أن الأنبياء والأئمة في العصمة والعلم سواء، بل الأئمة يزيدون على أنبياء الله ورسله ولا ينقصونهم، كما أن محدثهم الكبير صاحب موسوعة كبرى في الحديث الشيعي، الحر العاملي المتوفى سنة (1104ه) بوّب باباً مستقلاً في كتابه الفصول المهمة بعنوان (الأئمة الإثني عشر أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين والملائكة وغيرهم، وأن الأنبياء أفضل من الملائكة).
وأورد تحت هذا الباب روايات كثيرة ننقل منها رواية واحدة رواها عن جعفر بن الباقر أنه قال:
[[إن الله خلق أولي العزم من الرسل، وفضلهم بالعلم، وأورثنا علمهم، وفضلنا عليهم في علمهم، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلمهم، وعلمنا علم الرسول وعلمهم]].([85]).
ومن كان هذا شأنه بأنه يفوق الرسل وسيد الرسل حيث يعلم علومهم وعلم ما أعطي له لنفسه لماذا يحتاج أن يسند قوله إلى نبي أو رأيه إلى رسول؟
ولأجل ذلك يقول السيد الخميني زعيم إيران اليوم في كتابه ولاية الفقيه ما نصه:
(إن من ضروريات مذهبنا ألا ينال أحد مقامات الأئمة المعنوية الروحية، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما وردت في روايتنا أن الأئمة كانوا أنواراً تحت العرش قبل تكوين العالم.. وعنهم نقل أنهم قالوا: [[إن لنا مع الله أحوالاً لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل]]، وهذه المعتقدات من القواعد والأسس التي عليها قام مذهبنا).([86]).
وأخيراً نورد في هذا الموضوع رواية أخرى من الصحيح الذي قال فيه غائبهم: [[كاف لشيعتنا]].([87]).
أورد فيه الكليني عن جعفر أنه قال:
[[ما جاء به علي عليه السلام آخذ به، وما نهى عنه أنتهي عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولمحمد صلى الله عليه وسلم وآله الفضل على جميع من خلق الله عز وجل، المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله، كان أمير المؤمنين عليه السلام باب الله لا يؤتى إلا منه، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك، وكذلك يجري لأئمة الهدى واحداً بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها، وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب العصا والميسم، ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولقد حملت على مثل حمولته وهي حمولة الرب، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعى فيكسى، وأدعى فأكسى، ويستنطق وأستنطق على حد منطقه، ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي، علمت المنايا والبلايا، والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني]]([88]).
وأما قول الدكتور بأن الشيعة يطلقون على جعفر و الباقر اسم (الشيخين) فلم نسمع هذا من أحد قبله.
وأما تعريضه بشيخ الإسلام ابن تيمية حيث ادعى عليه أنه قد خلط بين الشيعة الجعفرية وبين غيرها من فرق الشيعة، فنسب إلى الجعفرية عقائد وآراء ليست من عقائدهم ولا من آرائهم شيء.([89]). فقد جاز به حد الخطأ -ولولا الإساءة- لقلت: بلغ حد الجهل، والجهل المركب، الذي لا يدري صاحبه، ولا يدري بأنه لا يدري.
ولا أدري كيف استساغ من لا يعرف البديهيات والأشياء البدائية التافهة عن الشيعة أن يتهكم بطود شامخ كابن تيمية. بدل أن يغترف من بحره الزاخر، ويستفيد من علمه الوافر؟
كيف جاز له أن يتهمه بعدم معرفته من الإثني عشرية؟ وعدم تفريقه بينهم وبين من عداهم في كتابه منهاج السنة النبوية الكتاب الذي لا زال مرجعاً أساسياً، ومصدراً فياضاً لكل من يريد أن يعرف الشيعة على حقيقتهم، ومساوئهم ومخازيهم؟ وحضرة الدكتور مع تعاليه وتفاخره كثيراً خلال الفقرات والتعليقات في هذه الرسالة لم يثبت لنفسه، لا العقل ولا معرفة النقل، كأن سيادته لا يفرق بين الشرق والغرب، ولا بين الشمال والجنوب، وأنه لا يعرف الحابل من النابل، ولا الليل من النهار: ((وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)) [فاطر:19]* ((وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ)) [فاطر:20]* ((وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ)) [فاطر:21]* ((وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) [فاطر:22].
وهل يجوز لعالم أو منتسب إلى العلم أن يحكم على شيء بدون معرفته؟ وأن يصدر قضاءه بدون أدنى علم منه بالقضاء والقضية؟ ولولا حسن ظني بالسيد الدكتور وأنه لا يعرف عن حقيقة الشيعة شيئاً كما يبدو لأول وهلة لمن يلقي نظرة ولو طارئة على كتيبه، وكما بيناه نحن آنفاً بالوثائق والمستندات، لذهب بي الخيال إلى ظنون كثيرة وبعيدة.
فقد أوقع الدكتور نفسه في مأزق حرج بكتابة هذه الرسالة التي لم يكن لها مبرر أن يكتبها، ويندفع إلى تبرئة الشيعة إلى حد يخطئ ابن تيمية وآراءه فيهم، وهو لا يكتب سطراً فيهم، ولا كلمة عنهم إلا ويتدفق قلمه خطأ.
وينبغي أن يعرف الجميع أن كل ما نسب إلى الشيعة الإثني عشرية من الغلو في الأئمة واتصافهم بأوصاف الله وامتلاكهم قدرته، وسلطانه واختياراته التي لا يشاركه فيها أحد ممن في السماوات وممن في الأرض، وتفضيلهم إياهم على أنبياء الله ورسله، وإنكارهم القرآن، واعتقادهم التحريف فيه، وتكفيرهم المسلمين وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون مع بقية العشرة المبشرة غير علي، وأزواج الرسول أمهات المؤمنين، ومن بعدهم ممن تبعهم من الأئمة بإحسان إلى يوم الدين، وإيمانهم بالرجعة والتناسخ والحلول، ونسبة الجهل إلى الله جل وعلا، وجعل الكذب ديناً وديدناً وشعاراً، وتفريق كلمة المسلمين، والكراهية لهم، والوقوف ضدهم مع أعدائهم، كل هذا حق وثابت من كتب الشيعة الإثني عشرية أنفسهم، المعتمدة لديهم والموثوقة عندهم، كما ذكرنا بعضاً منها في هذا المبحث، وكما سنبين البقية الباقية فيما يأتي من هذه العجالة، وإن كان إنكار هذه الحقائق الثابتة ليس إلا إنكار الشمس وهي طالعة، كما أنه ليس إلا سخرية بالعقول، وتحكماً بالأحلام، وتجنياً على العلم، وكتماناً للحق، ونكاية بنفسه.
وأما كون الإثني عشرية ينكرون هذه العقائد فعليهم أن ينكروا قبل كل شيء كتبهم، وما كتب فيها من التفسير والحديث والفقه والأصول والعقائد.
ثم لا أدري، ولست أخال أدري!! هل العقائد والمعتقدات يحكم على وجودها وعدمها بناء على أقوال أشخاص ومقولات رجال ليس لهم خيار صنعها وإنكارها؟ ومقولات لم يتقولوا بها إلا فراراً من العار الذي لحقهم حيث لا يجدون عنها مخرجاً، وهذا مع دعواهم بأن مذهبهم مبني على أقوال المعصومين -حسب زعمهم- من أهل بيت([90]) علي رضي الله عنه وآرائهم، ومستقاة من أفعالهم وتقريراتهم، فتمشياً مع أصولهم وقواعدهم يساءلون: هل هم المعصومون أم أئمتهم الذين آخرهم غاب في سامراء -حسب زعمهم-؟
فإن كان الحجة أولئك فليستندوا لإنكارهم بروايات أولئك القوم مقابل الروايات الكثيرة الكثيرة الذي بلغ بعضها حد التواتر في إثبات ما يلزمهم خصمهم من العقائد اليهودية، والأفكار الوثنية، والآراء المجوسية، معاذ الله أن تكون صادرة من الطيبين من أولاد علي رضي الله عنه.
نعم! عليهم أن يثبتوا كل هذا من أئمتهم المعصومين، ويبرهنوا على إنكارهم بأقوالهم المنقولة عن كتبهم أنفسهم.
وأما مجرد الإنكار فلا يعد إلا تهرباً من الحقائق وفراراً من النتائج، وتمسكاً بالكذب الذي أعطوه صبغة التقديس باسم التقية، ولا ينخدع به إلا المغفلون، أو من أراد خداع نفسه عن قصد أو سوء نية. فافهم فإنه دقيق، وعليه يترتب فهم كثير من المسائل، وحل كثير من الغوامض والألغاز والمشاكل، وليتدبر فيه حضرة الدكتور الذي لم يبن آراءه في رسالته التي كتبها -كما يظهر- إلا على السمعيات التي ألقيت في مسامعه، ولم يدر أنه من زخرف القول غروراً يوحي به بعضهم إلى بعض، ويلقي به بعضهم إلى بعض معرضاً عن المرئيات والبصريات، ومنكراً على من اعتمد عليها، ثم تسلل عنه من أوقعه في هذا المأزق الزلق، وألقى عليه مثل هذا القول الزور، وتركه وحيداً مستصرخاً هو وأمثاله قائلاً: ((وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ)) [إبراهيم:22].
ولو لم يك هذا ما كان له أن يكتب: (أن كثيراً من مؤلفينا قد خلط بين الشيعة الجعفرية وغيرها من فرق الشيعة.. تبدو هذه الظاهرة حتى في مؤلفات العلامة ابن تيمية، انظر كتابه منهاج السنة).([91]) بل وجد عكس ذلك؛ فإن كتب القوم في الحديث وفي التفسير تشهد بصدق ما كتبه ابن تيمية وغيره ممن سلك مسلكه وتبع خطواته في الرد على هؤلاء المنحرفين المبتدعين، المنتحلين المبطلين، غفر الله للرجل ولأمثاله.
وكذلك قول الدكتور في تمهيده:
(وقد بلغ كل إمام من هؤلاء الأئمة الإثني عشر سن الرشد وكانت له رسالة في قومه.. ما عدا الإمام الثاني عشر)([92]). جهل محض لأنه لا يعرف ماذا يقصد به؟
إن كان قصده أن كل إمام منهم نصب إماماً بعد بلوغه سن الرشد فهذا من أخطاء سيادته الكثيرة الكثيرة الموجودة في كل صفحة من صفحات هذا الكتيب الصغير، وفي كل سطر من سطوره كما يلاحظه القارئ؛ لأن البعض منهم اعتقدوا بإمامته ولم يكن يعقل شيئاً عن أمور دنياه، فضلاً عن أمور دينه ودين الآخرين، فمثلاً إمام الإثني عشرية العاشر علي بن محمد المكنى بأبي الحسن والملقب بالهادي أو النقي فأنه لما مات أبوه محمد بن علي بن موسى بن جعفر تركه هو وأخاه موسى وكان الأكبر منهما لم يتجاوز الثامنة من العمر حسب قول الشيعة.([93]).
وكانا من الصغر في العمر إلى حد أن (أوصى أبوهما على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق إلى عبد الله بن المساور إلى أن يبلغا الحلم.([94]).
هذا وأبوه محمد المكنى بأبي جعفر الملقب بالجواد أو التقي الإمام التاسع للشيعة الإثني عشرية أيضاً لم يك قد بلغ سن الرشد وقت وفاة أبيه، بل كان في سن أصغر من ولده علي وقت وفاته: ومضى الرضا علي بن موسى عليهما السلام ولم يترك ولداً نعلمه إلا الإمام بعده أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام، وكانت سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهراً.([95]).
وعلى ذلك اختلف الشيعة في إمامته، كما اختلفوا بعده في إمامة ابنه، وتركوا التشيع لعدم ثقتهم بالذي لم يبلغ سن الرشد والتمييز في أمور دينهم، والذي لم يعتمد عليه والده في أمور دنياه، كيف لهم أن يطلبوا الرشد في الأمور الدينية ممن يحتاج الرشد وتسييره في أمور دنياه؟ كما ذكر النوبختي الشيعي نفسه مقولتهم التي قالوها وقت تفرقهم عن محمد الجواد واختلافهم فيه:
لا يجوز الإمام إلا بالغاً، ولو جاز أن يأمر الله بطاعة غير بالغ لجاز أن يكلف الله غير بالغ، فكما لا يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ فكذلك لا يفهم القضاء بين الناس ودقيقه وجليله، وغامض الأحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها.. طفل غير بالغ، ولو جاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجة.. لجاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجتين وثلاثاً وأربعاً راجعاً إلى الطفولية! حتى يجوز أن يفهم ذلك من طفل في المهد والخرق! وذلك غير معقول ولا مفهوم ولا متعارف).([96]).
فتفكروا يا عباد الله! هل من المعقول أن يعتمد على صبي في أمور الدين من لم يعتمد عليه أبوه -وهو إمام معصوم عند الشيعة – في أمر دنياه كما مر سابقاً بأن محمد الجواد هذا جعل وصيته على ابنيه عبد الله بن المساور على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق، فعدلاً عدلاً أيتها الشيعة! أليس منكم رجل رشيد؟
هذا إن كان مراد الدكتور بأن كلاً من أئمة الشيعة بلغ سن الرشد وقت نصبه على عرش الإمامة وهو لم يكن كذلك كما أثبتناه من كتب الشيعة أنفسهم، وإن كان مقصوده بأن كلاً منهم قد بلغ سن الرشد قبل موته ووفاته -وهو عبث ليس لذكره معنى- فلم الاستثناء للثاني عشر لأنه لم يمت بعد حسب زعم الذين اعتقدوا ولادته؟
وأما نحن فلا نعتقد بولادة غائبهم الموهوم، ونجزم أن الحسن العسكري لم يتزوج ولم يولد له ولد، لا في حياته ولا بعد وفاته بشهادة الشيعة أنفسهم، وها هو النوبختي كبير الشيعة في الفرق يصرح عن الحسن العسكري:
(أنه توفى ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ميراثه أخوه جعفر وأمه).([97]).
وأكثر من ذلك وأظهر، وأصرح منه وأوثق، ما رواه محدثو الشيعة ومؤرخوهم في كتبهم من الكليني و المفيد والطبرسي والأردبيلي والمجلسي والقمي وغيرهم عن أحمد بن عبيد الله بن خاقان الشيعي المشهور، والمعلن لتشيعه وموالاته للحسن العسكري، أن الحسن العسكري:
(لما اعتل بعث السلطان إلى أبيه أن ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته، فيهم (نحرير) فأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساء، فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف، فأمر المتطببين بلزوم داره، وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتى توفى عليه السلام، فصارت (سر من رأى)([98]) ضجة واحدة، وبعث السلطان إلى داره من فتشها وفتش حجرها، وختم على جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن الحمل، فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن، فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل، فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئة وعطلت الأسواق وركبت بنو هاشم والقواد وأبي وسائر الناس إلى جنازته، فكانت (سر من رأى) يومئذ شبيهاً بالقيامة، فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد، والكتاب والقضاة والمعدلين وقال:
(هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان، وفلان ومن القضاة فلان وفلان، ومن المتطببين فلان وفلان، ثم غطى وجهه وأمر بحمله من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه.
ولما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا عن قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل، فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر، وادعت أمه وصيته، وثبت ذلك عند القاضي).([99])
فهذه هي الحقيقة الناصعة، والرواية الصريحة الثابتة، الناطقة بالحق، والقاطعة في الموضوع، والمنقولة من كتب الشيعة أنفسهم، اعترفوا بها أم لم يعترفوا، وسلموا بها أو لم يسلموا، شاءوا أم أبوا، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.
((أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) [يونس:35]* ((وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)) [يونس:36].
والعجب العجاب أن الشيعة مع هذا كله ينسجون الأساطير من الخيال، ويؤمنون بالمعدوم ويعتقدون وجوده، وهذه كتبهم تشهد عليهم وهم عنها معرضون: ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى)) [النجم:23].
ثم يأتي السيد الدكتور عبد الواحد وافي، ويسرد حكايتهم الخيالية دون أدنى تعرض لبيان حقيقتها مع إعلانه تحري الحقيقة قدر وسعه وعلمه. ((ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى)) [النجم:30].
ثم يخبط الدكتور وافي خبط عشواء عند ذكره الزيدية، وخلط الحابل بالنابل حيث ذكر رأي بعض الزيدية في الخلافة، ونسبها إلى زيد بن علي؛ مع البون الشاسع والفرق البيّن الواضح بين رأيه الذي كان يراه من ثبوت الخلافة لأبي بكر و عمر وصحتها لهم، ورأي الجارودية من الزيدية، والذين لا يجيزونها لغير علي وأولاده، ومن أراد معرفة ذلك فليراجع كتب الفِرق.
وهكذا نسب إلى زيد أنه كان يرى من شروط صحة الإمامة: أن يبايعه المسلمون، مع أن كتب الفرق والتاريخ خالية عن هذا الشرط تماماً.
ولولا خوف الإطالة، والخروج عن الموضوع الأصلي لسردت النصوص في ذلك من السنة و الشيعة و الزيدية أنفسهم، ومن أراد الاستزادة والتحقيق فليرجع إلى هذه الكتب.
وكذلك قوله: (مذهبهم -أي الزيدية - هو أقرب مذاهب الشيعة إلى مذهب السنة) على إطلاقه غير صحيح أيضاً؛ لأن فيهم من هم أبعد الناس عن السنة ومذاهبها.
وكلامه عن الإسماعيلية([100]) لا يقل خطأً عن كلامه في الزيدية، بل يزداد تطرفاً وبعداً عن الصواب.
فيأخذ فكرة من ابن خلدون في مقدمته ويترك أخرى.
يأخذ من ابن خلدون (أن إسماعيل مات في حياة أبيه، ولكن الخلافة انتقلت إلى ابنه الأكبر قياساً على انتقال وظائف هارون إلى نسله بعد وفاته) مع اتفاق أكثر الإسماعيلية اليوم أن إسماعيل لم يمت إلا أن جعفر أظهر موته تقية عليه من خلفاء بني العباس.([101])
وعلى كل فهناك رأيان وموقفان في الموضوع، ولكن الغريب في الأمر أن السيد الدكتور يذكر هذا عن ابن خلدون، ثم ينسى أمراً آخر وهو قول ابن خلدون: (إن هؤلاء يسمون بالباطنية، كما يسمون أيضاً الملاحدة لما في ضمن مقالتهم من الإلحاد).([102]).
ولكن السيد الدكتور يقول: (إن مذهبهم في هذا العهد (أي أيام حكمهم بمصر) لم يكن بعيداً كل البعد عن مذاهب أهل السنة.. ولكن بعد أن تقوضت خلافتهم استحال المذهب الإسماعيلي إلى مذهب باطني).([103])
مع أن الأمر لم يكن كذلك، بل كان كما قال ابن خلدون: (إنهم كانوا باطنيين قبل أن يظهر عبيدهم في المغرب، وكانوا باطنيين بعد أن ظهر، وكانوا باطنيين في عهد المعز عندما استولى على مصر، كما كانوا باطنيين إلى أن قضى عليهم صلاح الدين الأيوبي. وهذا مما لا يختلف فيه أحد من المؤرخين القدامى).
وأما قوله: (إنه بعد تقويض خلافتهم دخل فيهم كثير من الأديان والنحل غير الإسلامية) فصحيح من وجه، ولكن الديانة الإسماعيلية كلها مبنية على عقائد الأديان والملل غير الإسلامية.
ثم لا ندري بعد تعميم سيادته الحكم لماذا يستثني منه فرقة البهرة مع أنها هي الوريثة الحقيقية للمذهب الإسماعيلي بما فيه من علات. فما الأسباب التي تجعل الدكتور يحكم عليها بذلك الحكم؟!
ألحاجة في نفس يعقوب قضاها؟ أم لشيء آخر؟
بالله خبروني إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع؟
وتلك إذاً قسمة ضيزى.
ولقد أثبتنا نحن في كتابنا الذي نحن بصدد طبعه الآن([104]) عن الإسماعيلية أن الإسماعيلية بجميع طوائفها حاملة عقائد ومعتقدات تخرجها عن الملة الإسلامية قطعاً، سواء تظاهرت بالتمسك بالشريعة كالبهرة، أو تجاهرت بتركها كالآغاخانية.
والجدير بالذكر أن مدعي زعامة البهرة داعي الدعاة يدعي بأن له اختيارات يملكها، وأوصافاُ يتحلى بها إن لم تجعله فوق الرب فلا تجعله دونه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ولقد أثبتنا نص البيان الذي قدمه إلى المحكمة القضائية ببومبي والد الزعيم الحالي، طاهر سيف الدين([105]) عام (1920م) جواباً للدعوى التي أقيمت عليه من قبل جمعية أحرار البهرة حداً لاختياراته وغلوائه، والذي قال فيه: (لا يسأل عما يفعل؛ لأن اختياراته لا تقل عن اختيارات الرب جل وعلا).
وأما ما كتبه الدكتور وافي وقرر فيه أن مذهب الإسماعيلية أيام حكمهم لم يكن بعيداً كل البعد عن مذاهب أهل السنة، ولم تكن لتزيد عن وجوه الخلاف بين مذاهب أهل السنة نفسها بعضها عن بعض.. فليس إلا حكماً عاطفياً ظالماً، وإلا فما رأي الدكتور في كتابة الشتائم على محاريب المساجد، والقذائف على منائرها ضد الخلفاء الراشدين الثلاثة، وأزواج النبي أمهات المؤمنين، ألا يعتبر هذا من وجوه الخلاف بين الشيعة وبين مذاهب أهل السنة؟ وأن ادعاء نسخ الشريعة وتعطيلها والاعتقاد بها أيضاً أليس من الأمور توسع هوة الخلاف بينهم وبين أهل السنة؟
وكذلك جعل محمد بن إسماعيل سابع النطقاء، ومتمم دور السبعة؛ أيعتبر هذا من الخلافات اليسيرة بين القوم وبين المسلمين؟
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
وتجنباً للإطالة، وتحرزاً عن التطويل نورد هنا رواية واحدة عن المعز نفسه، مؤسس الدولة الفاطمية، ومنشئ الإسماعيلية بمصر.
يقول المعز لدين الله الفاطمي في دعائه المشهور المنقول من أدعية الأيام السبعة بعد الصلاة على آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى:
(وأخصص اللهم محمد بن عبد الله من ولد إسماعيل الذي شرفته وكرمته وعطلت به ظاهر شريعة عيسى، وصيرته سادس النطقاء..) -إلى أن قال-: (وصلّ على القائم بالحق، الناطق بالصدق، التاسع من جده الرسول، الثامن من أبيه الكوثر، السابع من آبائه الأئمة، سابع الرسل من آدم، وسابع الأوصياء من شيث، وسابع الأئمة من البررة صلوات الله عليهم كما قلت سبحانك: ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء، وهو استواء أمر النطقاء بالسابع القائم صلوات الله عليه كما ذكرنا آنفاً، (الذي شرفته، وكرمته وعظمته، وختمت به عالم الطبائع، وعطلت بقيامه ظاهر شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. وهو يوم القيامة والبعث والنشور يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم.. وصلّ على خلفائه الراشدين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون).([106])
فهذه هي حقيقة التقارب بين الإسماعيلية المستولية على مصر، وحقيقة تقاربهم من مذاهب أهل السنة، التي لا تعلمها أيها السيد الدكتور! مع كونك من مصر، ومحققاً الكتاب التاريخي الكبير، ومعلقاً عليه بثلاث آلاف تعليقة.
((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) [النحل:43].
ولقد أعلن هذه الحقيقة الناصعة الكثيرون الكثيرون من أئمة الفاطميين ودعاتهم، كما تناقلوا دعاء المعز هذا وتوارثوه جيلاً بعد آخر.
ولقد شهد بذلك الداعي المطلق إبراهيم بن الحسين الحامدي الذي كان موجوداً في عهد الآمر بأحكام الله، حاكم مصر في كتابه كنز الولد الذي طبع في مصر وفي بيروت أيضاً بقوله:
(وأما محمد بن إسماعيل فهو متم شريعته -شريعة محمد- وموفيها حقوقها وحدودها، وهو السابع من الرسل، بيان ذلك في أدعية مولانا المعز السبعة، وهو الذي يشهد (النبي) له وللقائم محمد بن عبد الله المهدي؛ لأنه قائم القيامة الوسطى، وقائم القيامة الأولى أمير المؤمنين، وقائم القيامة الكبرى رسول الله صاحب الكشف في قوله (أشهد أن محمداً رسول الله) و(أشهد أن محمداً رسول الله) لأن الخلق يشهدون برسالته وهو يشهد لمتم دورة شريعته ومنهاجه).([107])
فما هو رأيك أيها السيد الوقور! في الإسماعيلية أيام تسلطهم على مصر، و البهرة ورثتهم الذين يعدون المعز إماماً من أئمتهم المعصومين، ويدعون بدعائه، والذين يعدون إبراهيم الحامدي هذا الداعي المطلق الثاني من دعاة أيام الستر، وقد بلغ العدد عندهم واحداً وخمسين؟
هل تعيد نظرتك في رسالتك هذه؟ ولولا حرصنا على ألا ينخدع بها الشباب المسلم والغفلة من المسلمين لما تصدينا بالرد عليها وصرف الوقت فيها لامتلائها بالأخطاء الفاحشة، والأغاليط الواضحة الصريحة، والتي لا تخفى على ذي علم وبصيرة.
ومن أراد الاستزادة في هذا الموضوع فيراجع كتابنا عن الإسماعيلية فسوف تنجلي له الحقائق الكثيرة الكثيرة التي طالما خفيت على كثير من عباد الله بسبب قراءتهم لأقلام مأجورة وكتب رخيصة لم تصدر من كتابها إلا كصناعة وحرفة، وما أكثر ما صار في هذا الزمان من المهن والحرف! وما أكثر من يتعاطونها أعني الكتابة حرفة وصناعة، لا ديناً ولا إصلاحاً، ولا رشداً ولا غاية، اللهم لا تجعل أعمالنا كلها إلا لابتغاء مرضاتك، ولا توفقنا إلا لما ترضاه لوجهك الكريم، وخدمة لدينك القويم، ودفاعاً عن رسولك الرؤوف الرحيم، وعن شريعتك التي لا تبدل ولا تنسخ إلى يوم الدين.
هذا ولا زلنا حتى الآن في تمهيدات الدكتور وافي المشحونة بالأخطاء والأغلاط، ومما يزيد الاستغراب والاستعجاب، ويثير الحيرة والدهشة أن سيادته حاول في تمهيداته التي أخذت قريباً من نصف الكتيب إيقاع القارئ في مغالطات كثيرة، ولا أعرف تماماً أهذه المحاولة مقصودة أم غير مقصودة؟
لا أعرف كل هذا، ولكنه من المضحك المبكي أنه يجعل الخلاف بين المسلمين أهل السنة وبينهم أعني الشيعة مبنياً على الاجتهاد، ويطالبنا بألا نحكم عليهم بالزيغ والانحراف؛ لأن للمجتهد رأيه ويجوز العمل به، وله أجره أخطأ أم أصاب، فإن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران.([108])
وأكثر من ذلك يقرر: (أن ما ذهبوا إليه يكون هو الصواب، ويحتمل أن ما ذهبنا إليه هو الخطأ).([109]).
وإن كان الأمر كذلك فعلى الإسلام السلام.
وهكذا تقلب الموازين ويحق الباطل ويبطل الحق!!
ويبلغ السيل الزبى حيث يحكم الدكتور بكل قسوة وظلم، وبكل تعسف وتعنت (بأن القضاء المصري أخذ بآراء انفرد بها المذهب الجعفري، منها وقوع الطلاق المقترن بالعدد لفظاً أو إشارة طلقة واحدة).([110])
ثم يعلق عليه بأن القضاء المصري أخذ هذا الرأي من ابن تيمية، وابن تيمية من الشيعة.([111]).
ومعاذ الإله أن يكون الأمر كذلك، وأعيذ علماء مصر بالله أن يكون ظنهم ظنك، ومن لا يعرف غير الدكتور أن عامة أهل الحديث في سالف الزمان وحاضره يذهبون هذا المذهب ويأخذون بهذا الرأي قبل ابن تيمية وبعده؟ وابن تيمية أشد الناس حذراً من الشيعة، ومما يرد عن طريقهم وبواسطتهم، ومذهب أهل الحديث مبني على عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومأخوذ من سنته بأنه عليه الصلاة والسلام -فداه أبواي وروحي- كان يعد التطليقات الثلاثة في مجلس واحد مرة واحدة تطليقة واحدة، وأمر من أتى بها إليه أن يجعلها واحدة، كما رواه الإمام أحمد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {طلّق ركانة امرأته في مجلس واحد، فحزن عليها حزناً شديداً، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف طلقتها؟ قال: ثلاثاً، فقال: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنما تلك واحدة، فأرجعها إن شئت. فراجعها}.([112])
وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد الثاني والملقب بالفاروق من النبي صلى الله عليه وسلم يصرح بقوله ما معناه: [[أن الطلقات الثلاث كانت تعد في زمن النبي و الصديق طلاقاً واحداً]]. كما رواه مسلم في صحيحه:
قال أبو الصهباء لابن عباس: [[ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر وصدراً من خلافة عمر؟ قال: نعم]].([113])
وروي عنه أيضاً أنه قال: [[كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضينا عليهم فأمضاه عليهم]].([114])
وعليه الفتوى حتى اليوم في بلاد الهند و باكستان عند أهل الحديث السلفيين، وبذلك يفتي السلفيون في البلاد العربية، البعيدون كل البعد عن الشيعة ورواياتها، والذين لا يتمسكون بأقوال الرجال وآرائهم ولو كانوا من أهل السنة، كيف يتصور منهم التمسك بآراء الرجال وأقوالهم وهم من الشيعة أو ينسبون إلى التشيع؟
فهل هي محاولة مقصودة أم غير مقصودة؟ وهل هي مغالطة متربصة أم غير متربصة؟ في كلا الاحتمالين لا يغض الطرف عن خطورته ولا يصرف النظر عن عظم فساده، وما أكثر ما أورده من المغالطات في كتيبه، والتي تجعل غير الشاك في نية الدكتور وإخلاصه يبدأ يرتاب فيه ويشك في مقاصده ومراميه. والله يعلم السرائر، وهو ((يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) [هود:5].
و((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) [غافر:19].
ومغالطات كهذه الخافية منها والظاهرة هي الصفة المميزة لهذه الرسالة التي سنأتي ببيانها والرد عليها بعد دخولنا في المباحث الأصلية، ولم يكن قصدنا ههنا إلا ذكر الأغاليط التي وقع فيها الدكتور وافي في مختصره هذا، والتي قدمنا نموذجاً منها من تمهيداته ومن صفحاته الأولى فقط. وهذا قليل من كثير من بحره الزاخر ومائه الوافر، وما أعرضنا عنها نظراً، وصفحنا عنها جنباً، فهي كثيرة لا تسعها هذه العجالة، مثل ذكره الشيعة في المدينة باسم النخلية([115])، مع أن كل من عاش في المدينة المنورة لبضعة أيام أو تطرق إلى معرفة من يعايشها عرف أنهم نخاولة، وليسوا نخلية.
وكذلك عند ذكره الأقليات السنية في إيران يقتصر على الأكراد، مع أن سكان إقليم بلوشستان كلهم أهل السنة، وكذلك طائفة من عرب عربستان، وغيرها من الأشياء الكثيرة، نسأل الله أن يلهمنا وإياه الصواب والرشاد.
فمن يكون حاله هكذا لا يحق له أن يتطرق إلى موضوع ليس له به صلة من قريب أو بعيد. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.
واللهم أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
الباب الثاني: الشيعة الإثنا عشرية والقرآن الكريم
الخلاف الذي يقع بين الناس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
خلاف منشؤه الاختلاف في الفهم، يفهم شخص من عبارة أو كلمة مفهوماً. ويفهم منها الثاني مفهوماً آخر.
والثاني منشؤه الجهل: إنسان يعلم شيئاً ويعرفه، وآخر يجهله ولا يعرفه.
ثالثاً: اختلاف مبني على العناد بقطع النظر عن علم واحد وجهل آخر. أو عن الخطأ في فهم عبارة أو كلمة أو تعبير.
فهذه هي الأقسام الثلاثة للخلاف الذي يقع فيه الناس.
وأما القسم الأول والثاني من الخلاف فيمكن رفعه ونزعه والقضاء عليه؛ لأنه حينما يعلم الجاهل ويعرف غير العارف يرتفع الخلاف، وكذلك حينما يصح الفهم ويستقيم.
وأما الخلاف الذي منشؤه العناد فلا يمكن نزعه ورفعه؛ لأنه مبني على المكابرة والإنكار، والمنكر لا يمكن أن يحاج بشيء ولا يحصل منه على نتيجة؛ لأنه ليس له قواعد وأسس يرجع إليها وقت الخلاف والنزاع بخلاف الأول والثاني فإنه يرجع وقت الخلاف إلى القواعد الثابتة والأسس الراسخة. وعلى ذلك فالخلاف الموجود بين مختلف طوائف المسلمين وفرقهم يرجع سببه إما إلى القسم الأول أو إلى القسم الثاني، ولكن لاعتراف الجميع بالقواعد الثابتة والأسس المعتمدة يرتفع الخلاف ويزول النزاع، ويرجى بذلك أن يأتي يوم تذوب فيه الجماعات المختلفة والطوائف المتعددة؛ لأنه إذا ما رجع أصحاب الفكر وأهل البصيرة من كل طائفة إلى الأسس الأصلية والقواعد الأساسية انتهت الحزبية وقضي على التعدد والتفرق. وبهذا أمروا في كتاب الله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) [النساء:59].
وأما الخلاف الذي بينهم وبين غيرهم فلا يمكن رفعه وحله؛ لأنه مبني على الإنكار والمكابرة، إنكار المبادئ والأسس، ومكابرة الحق وبطره ورفضه وإبطاله.
وهناك من فرقوا كلمة المسلمين، وشقوا عصا طاعة جماعتهم، وخالفوا عن كلمتهم، ومزقوا جمعهم، وأنشؤوا جماعات، ورسخوا في قلوبهم وعقولهم الآراء والعقائد التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، وهؤلاء لا يمكن دمج عقائدهم مع عقائد المسلمين، حيث وضعوا مخططاً يشتمل على الإنكار المحض، والمكابرة الصرفة، وعلى عدم الاعتماد على القرآن، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مع الإقرار بهذين الأصلين يمكن أن تتأتى الوحدة ويحصل الاتفاق، ولكن عند افتقادهما وإنكارهما لا يمكن أن تحصل وحدة في زمن من الأزمان أو يوم من الأيام، فأبعد رؤساء الشيعة اتباعهم عن المسلمين إلى حد أن جعلوا في مخالفتهم الحق، كما مر بيانه سابقاً.
وبعد هذا كله كيف يتصور أن يحصل الوئام، ويتأتى الوفاق والخلافات الموجودة بين أهل السنة و الشيعة خلافات لا يمكن نزعها، ولا يحتمل رفعها.
ونتساءل: على أي شيء تعرض معتقداتهم؟ أعلى كتاب الله؟ هم لا يؤمنون به، أم على سنة رسول الله؟ هم لا يعتقدونها؛ لأن القرآن الموجود بأيدي الناس هو من جمع وترتيب وتأليف أبي بكر و عمر و عثمان، أعداء علي وأهل بيته، وغاصبي الخلافة، وظالمي أهل البيت -حسب زعم القوم- فكيف يؤتمن اللذين غصبوا حق علي وأولاده؟
ألم يحذفوا من القرآن ما كان لإثبات أحقية علي بالخلافة وأولاده بعده، وما كان له من فضائل ومناقب ومحامد؟
بل كيف نصدق أنهم لم يحذفوا من القرآن ما نزل في مساوئهم، وبيان نفاقهم وفسادهم -عياذاً بالله- والطعن فيهم والتعريض بهم؟ فالقرآن والحال هذه غير مصون من تلاعبهم، وغير محفوظ، إذاً فلا يعتمد عليه ولا يوثق فيه. ومن كان هذا شأنه، أي لم يسلم من الحذف والتغيير بأيدي المخالفين كيف يرجع إليه لرفع المنازعات وحل الخلافات، ومع أولئك المخالفين؟!
هذا في القرآن. وأما السنة فهي منقولة مروية من أناس ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم -عياذاً بالله- وغيروا أحكامه، وبدلوا تعاليمه، ونبذوا إرشاداته وراء أظهرهم، ونكثوا بيعته، ونقضوا ميثاقه الذي أخذه عليهم، والذين ظلموا أهل بيته، وآذوا ابنته، واضطهدوا وصيه، وطردوا خليفته، واغتصبوا ماله، وانتهكوا حرمته، وحرموا أهله من إرثه، واقتحموا عليهم بيتهم، وضربوا بضعته ولحمه ودمه -إلى غير ذلك من الأباطيل والأضاليل- فمن كان هذا شأنهم فكيف يوثق بهم، ويعتمد على رواياتهم التي ينقلونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ولذلك تراهم لا يلجؤون إلى كتاب الله، وإلى سنة نبينا عليه الصلاة والسلام عند الاحتجاج واللجاج، بل يلجؤون إلى أساطير وقصص اخترعوها واختلقوها لإحقاق باطلهم وإبطال الحق، ونسبوها إلى أهل بيت علي رضي الله عنه، وهم منها براء.
والنتيجة إنكار القرآن الموجود بأيدي الناس وسنة النبي الثابتة، أو بتعبير أصح منه: اعتقاد التحريف في القرآن بأنه غيّر وبدّل، وكذلك السنة النبوية، فإنها منقولة بطريق المغيرين والمبدلين والمرتدين.
تلك بعض أسس مذهب الإثني عشرية، وبدون ذلك لا يثبت مذهبهم.
ولأجل ذلك قال السيد هاشم البحراني المفسر الشيعي الكبير في مقدمة تفسيره البرهان:
وعندي في وضوح صحة هذا القول (بتحريف القرآن وتغييره) بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار، بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع، وإنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة فتدبر.([116])
ومثل هذا ما نقله النوري عن خاتمة محدثي الشيعة الملا باقر المجلسي، وزاد بعد سرد رواية تنص على تغيير القرآن وتحريفه قوله:
(لا يخفى أن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار صريحة في نقص القرآن وتغييره، متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل أظن أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة، فكيف يثبتونها بالخبر).([117]).
وبذلك قال المحدث الشيعي المشهور نعمة الله الجزائري رداً على من يقول بعدم التحريف في القرآن:
(إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين؛ يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها).([118]).
وإن الأخبار الدالة على هذا (التحريف) تزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلامة المجلسي وغيره، بل الشيخ الطوسي أيضاً صرح في التبيان بكثرتها، بل ادعى تواترها جماعة.([119])
وأما الطبرسي فقال:
واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية.([120])
وقال خاتمة محدثي القوم الملا باقر المجلسي في كتابه حياة القلوب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلن يوم الغدير:
إن علي بن أبي طالب وليي ووصيي وخليفتي من بعدي، ولكن أصحابه عملوا عمل قوم موسى فاتبعوا عجل هذه الأمة وسامريها أعني أبا بكر و عمر.. فغصب المنافقون خلافته، خلافة رسول الله من خليفته، وتجاوزوا إلى خليفة الله أي كتاب الله، فحرفوه، وغيروه، وعملوا به ما أرادوه.([121]).
ومثل هذا كثير، ومن أراد الاستزادة في معرفة أقوال أئمة القوم وأعلامهم في هذا الباب، فليرجع إلى كتابنا الشيعة والقرآن حيث قد فصلنا القول فيه، وبينا هنالك أن أمر تحريف الصحابة للقرآن عقيدة عند الشيعة متواترة منقولة من سلفهم غير الصالح إلى خلفهم في جميع العصور والأدوار، وإنها لعقيدة القوم أجمعهم بلا استثناء، اللهم إلا من تظاهر بعدم القول بالتحريف تقية وتهرباً من إيرادات المعترضين وأدلة اعتراضاتهم.
ومن الغرائب: أن المتظاهرين هؤلاء لم يزد عددهم أيضاً على الأربعة، من بين المتقدمين، كما ذكرهم محدثو الشيعة ومفسروهم في كتبهم، وهم: ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق وأستاذ الفقيه محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالمفيد المتوفى سنة 381ه. والسيد المرتضى الملقب بعلم الهدى المتوفى سنة 436ه، و أبو جعفر الطوسي تلميذ الشيخ المفيد المتوفى سنة460ه. وأبو علي الطبرسي المتوفى سنة 548ه.
فهؤلاء الأربعة من المتقدمين الذين تظاهروا بعدم اعتقاد التحريف في القرآن لا خامس لهم إطلاقاً من بين متقدمي الشيعة من مفسرين ومحدثيهم وفقهائهم. وبذلك صرح المحدث النوري الطبرسي أن القائلين بعدم التحريف:
(هو الصدوق في عقائده، والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة الطوسي ولم يعرف من القدماء موافق لهم.. وممن صرح بهذا القول أبو علي الطبرسي.. وإلى طبقته لم يعرف الخلاف صريحاً إلا من هؤلاء المشائخ الأربعة).([122]).
وإن هؤلاء الأربعة لم يلجؤوا إلى التظاهر بإنكار هذه العقيدة التي عليها أساس المذهب الشيعي وبناؤه إلا خداعاً ومكراً، وتقية وكذباً كما أثبتناه في كتابنا الشيعة والقرآن بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة والحجج اللامعة، ومن كتب الأربعة أنفسهم، أنهم كانوا على نفس الاعتقاد الذي يعتقده إخوتهم في المذهب والعقيدة، وكما صرح بذلك علماء الشيعة أنفسهم، فها هو المحدث الشيعي المشهور السيد نعمة الله الجزائري يقول بعد إثبات التحريف في القرآن بالأخبار المستفيضة والمتواترة:
(نعم! قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي، وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير، ولم يقع فيه تغيير ولا تبديل.. والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة، منها: سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها، وسيأتي الجواب عن هذا، كيف وهؤلاء الأعلام رووا في مؤلفاتهم أخباراً كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن([123])، وأن الآية هكذا أنزلت ثم غيرت.. وأنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين عليه السلام بوصية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلاً بجمعه، فلما جمعه كما أنزل، أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لهم: [[هذا كتاب الله كما أنزل، فقال له عمر بن الخطاب: لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك؛ عندنا قرآن كتبه عثمان، فقال لهم علي عليه السلام: لن تروه بعد هذا اليوم، ولا يراه أحد حتى يظهر ولدي المهدي عليه السلام]]، وفي ذلك القرآن زيادات كثيرة، وهو خال من التحريف، وذلك أن عثمان قد كان من كتاب الوحي لمصلحة رآها صلى الله عليه وسلم، وهي ألا يكذبون في أمر القرآن، بأن يقولوا: إنه مفترى، أو إنه لم ينزل به الروح الأمين، كما قاله أسلافهم، بل قالوه هم أيضاً، وكذلك جعل معاوية من الكتّاب قبل موته بستة أشهر لمثل هذه المصلحة أيضاً، وعثمان وأضرابه ما كانوا يحضرون إلا في المسجد مع جماعة الناس، فما يكتبون إلا ما نزل به جبريل عليه السلام بين الملأ.
أما الذي كان يأتي به داخل بيته صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن يكتبه إلا أمير المؤمنين عليه السلام؛ لأن له المحرمية دخولاً وخروجاً، فكان يتفرد بكتابة مثل هذا، وهذا القرآن الموجود الآن في أيدي الناس هو خط عثمان، وسموه الإمام وأحرقوا ما سواه أو أخفوه، وبعثوا به زمن تخلفه (توليه الخلافة) إلى القطار والأمصار. ومن ثم ترى قواعد خطه تخالف قواعد العربية مثل كتابة الألف بعد واو المفرد وعدمها بعد واو الجمع وغير ذلك، وسموه رسم الخط القرآني، ولم يعلموا أنه من عدم إطلاع عثمان على قواعد العربية والخط.
وقد أرسل عمر بن الخطاب زمن تخلفه إلى علي عليه السلام بأن يبعث له القرآن الأصلي الذي كان ألفه، وكان عليه السلام يعلم أنه طلبه لأجل أن يحرقه كقرآن ابن مسعود أو يخفيه عنده حتى يقول الناس: إن القرآن هو هذا الكتاب الذي كتبه عثمان لا غير، فلم يبعث به إليه وهو الآن موجود عند مولانا المهدي عليه السلام مع الكتب السماوية ومواريث الأنبياء، ولما جلس أمير المؤمنين عليه السلام على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن، وإخفاؤه هذا راجع لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه، كما لم يقدر على النهي عن صلاة الضحى، وكما لم يقدر على إجراء المتعتين، متعة الحج ومتعة النساء، حتى قال عليه السلام: [[لولا ما سبقني بنو الخطاب ما زنى إلا شفاً، يعني إلا جماعة قليلة، لإباحة المتعة، وكما لم يقدر على عزل شريح عن القضاء و معاوية عن الإمارة]].([124])
وبمثل ذلك ذكر علامة الشيعة في الهند السيد محمد اللكنوي، رداً على من قال بعدم التحريف في القرآن، وهذه هي عبارته:
(أما ادعاء عدم التحريف في القرآن الموجود بأيدي الناس فهو محل النظر، بل هو ظاهر الفساد؛ لأن الروايات التي بلغت حد التواتر تدل على أن علي بن أبي طالب هو الذي اشتغل بالقرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فتبقى هذه الروايات لغواً محضاً، لا قيمة لها. وهذا مع أن الروايات قد كثرت عن المعصومين أن القرآن الحقيقي مخزون مودع عند صاحب العصر عليه الصلاة والسلام).([125])
ومثل هذا لكثير.
ومن الغرائب أن السيد الدكتور وافي، الذي لا يعرف عن عقائد الشيعة شيئاً، أو يعرف ويتجاهل، كيف استساغ أن يرد على من يتهم الشيعة باعتقادهم التحريف في القرآن الموجود بأيدي الناس، والمضمون حفظه وسلامته من أي تغيير وتبديل، وصيانته من نقص وزيادة من قبل الله عز وجل؟ كيف يجيز لنفسه أن يرد على من يقول في الشيعة: بأنهم لا يؤمنون بهذا الكتاب؟ بل يعتقدون وقوع التغيير والتبديل والتحريف فيه؟ ولا يقولونه من عند أنفسهم، بل بنقل الروايات الكثيرة الكثيرة التي بلغت حد الاستفاضة والتواتر، وكلها منقولة من أئمتهم حسب زعمهم برواية الثقات عن الثقات، والعدول عن العدول، في صحاحهم وكتب الحديث التي تعد من الأصول، وكذلك في كتب التفسير والفقه، وحتى كتب العقائد؟!
ومن أين له أن يختلق لهم الأعذار التي لم يعتذر بها الشيعة أنفسهم، بنقل آراء الآحاد منهم، وفي النقل خيانة أيضاً – حسبنا الله –؟ وما كان في ظني أن أمثال الدكتور يأتون بها، ولولا لعبة واضحة لعب بها السيد الدكتور في كتيبه ما استعملت في حقه هذه الكلمات غير المناسبة في شأنه ومقامه، ولكن على أي شيء أحمل كلامه في الدفاع عن الشيعة حول اعتقادهم في القرآن؟!
(وقد تصدى كثير من الشيعة الجعفرية أنفسهم للرد على هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها، وبطلان نسبتها إلى أئمتهم، وأنها ليست من مذهبهم في شيء).([126])
ولم يستطع بعد هذا الادعاء العريض أن يبرهن على ذلك بالدليل، ويستدل بالحجة، ويستند ولو برواية واحدة عن أئمة القوم؟ وأنى له هذا؟ فقد عجز عنه الشيعة قاطبة بأن يأتوا برواية واحدة عن أئمتهم المعصومين بطرقهم أنفسهم تنص وتدل على أن القرآن الموجود بأيدي الناس هو قرآن كامل سالم من لحوق أي تغيير وتحريف فيه!
نعم! قد ذكر السيد الدكتور بعد هذا الادعاء الفارغ بأنه جاء في تفسير الصافي:
(وأما الشيخ أبو علي الطوسي فإنه قال في مجمع البيان: أما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها، وأما النقصان والتغيير فقد روى عن جماعة من أصحابنا وجمع من حشوية العامة، والصحيح من مذهبنا خلافه.. إلخ).([127]).
وأغرب ما يكون في الأمر هو تحمس الدكتور في الدفاع عن الشيعة حيث إنه عقب بعد هذه العبارة الطويلة ما نصه:
(وجاء في كتاب مجمع البيان للطوسي: وأما الكلام في زيادته.. إلخ).([128]).
يعني أعاد نفس الكلام الذي ذكره مقدماً، وعن نفس الرجل ونفس الكتاب بفرق أنه أولاً نقل كلامه من تفسير الصافي بواسطة، ثم عنه بلا واسطة، وبنفس المعنى والمفهوم، فلا ندري ما فائدة التكرار؟ أيكون لحاجة في نفس يعقوب قضاها؟
أم لماذا؟
والظاهر أنه أورد هذا لافتقاره وإفلاسه بأن يجد دليلاً على ما ادعاه، وبرهاناً على دعواه (أن كثيراً من الشيعة أنفسهم تصدى لرد هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها).
فمن هم الكثيرون يا ترى؟
فاضطر لأن يعدد الواحد ويذكر عبارة واحدة عن كتابين مختلفين والصادرة عن شخص واحد.
فهل هناك خطأ أكبر من هذا الخطأ؟
نعم! هنالك، حيث ادعى أن كثيراً من أئمة الشيعة أنفسهم ردوا هذا الاعتقاد، ولقد أوهم بأن صاحب تفسير الصافي وصاحب مجمع البيان أبا علي الطوسي من أئمة الشيعة، وليس الأمر كذلك إطلاقاً؛ لأن كلاً منهما ليس بإمام.
ثم خطأ آخر: هو أنه أوهم بنقل هذه العبارة عن الصافي؛ أن صاحبه أي السيد المحسن الملقب بالفيض الكاشاني يعتقد بهذا الاعتقاد حسب ما ينقل عن أبي علي الطوسي، مع أن الكاشاني في تفسيره÷ لم ينقل كلام الطوسي إلا للرد عليه والجواب على مقولاته، وبين اعتقاده واضحاً صريحاً مثل الآخرين من مفسري الشيعة ومحدثيهم وفقهائهم ومتكلميهم، ولذلك قال بعد نقل كلامه:
(أقول لقائل أن يقول: كما أن الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين، كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية، المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم، والتغيير فيه إن وقع فإنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن، والضبط الشديد إنما كان بعد ذلك، فلا تنافي بينهما، بل لقائل أن يقول:
إنه ما تغير في نفسه، وإنما التغيير في كتابتهم إياه، وتلفظهم به، فإنهم ما حرفوا إلا عند نسخهم من الأصل، وبقي الأصل على ما هو عليه عند أهله وهم العلماء به. فما هو عند العلماء به ليس بمحرف، وإنما المحرف ما أظهروه لأتباعهم.
وأما كونه مجموعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه الآن فلم يثبت، وكيف كان مجموعاً وإنما كان ينزل نجوماً؟ وكان لا يتم إلا بتمام عمره؟ وأما درسه وختمه فإنما كانوا يدرسون ويختمون ما كان عندهم منه لإتمامه).([129]).
وأطرف من هذا كله أن السيد الدكتور نقل عن أحد المحامين ببغداد الأستاذ الفكيكي أنه قال: (إن الأخبار الواردة في نقصه وتحريفه ضعيفة شاذة، وأن مشائخ فقهاء الإمامية ضربوا بها عرض الجدار، بل لقد كفروا من ادعاها).([130]).
ولا أدري ولست إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء؟
من يسأل الدكتور الناقل المحض بدون تدبر وتعقل: هل هذه هي الأدلة على ثبوت دعواه بأن أئمة الشيعة ردوا هذه الأخبار الكاذبة وبينوا بطلانها؟ ولم يستطع سيادة الدكتور في كتيبه كله أن ينقل تضعيف هذه الأخبار إلا من محام ببغداد لا نعرف من هو، وما مقامه في العلم ومكانته لدى الشيعة؟
ثم إن هذا المحامي أيضاً لم يضعف الروايات ولم يبين شذوذها بطريقة علمية معروفة، بل ادعى أن مشائخ فقهاء الإمامية ضربوا بها عرض الجدار.
فمن هم أولئك المشائخ؟ وفي أي عصر كانوا؟ وبأي دليل قالوا؟ وأين وجدوا.. في أي أرض وفي أي قطر؟ وفي أي كتاب وأية صحيفة؟
دعوى بلا بينة، وكلام بلا برهان.
وزاد الطين بلة أن المحامي المذكور، ذكر كما نقل عنه الدكتور بخط مكبر جداً، (بل لقد كفروا من ادعاها).([131])
وإن كان الأمر كذلك فمن كان من أعيان الشيعة وعلمائها مسلماً.. بالله خبروا! أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، صاحب كتاب الكافي، إمام محدثي الشيعة وعمدتهم في الحديث، أم أستاذه علي بن إبراهيم القمي، صاحب تفسير القمي شيخ مشائخ الشيعة في التفسير وشيخ الكليني أيضاً، أم محمد بن مسعود العياشي، عين عيون الطائفة الشيعية، وصاحب أقدم تفسير شيعي، أم محمد بن الحسن الصفار، صحابي الحسن العسكري الإمام المعصوم عندهم، وأستاذ الكليني أيضاً، أم فرات بن إبراهيم الكوفي، المفسر الشيعي القديم، وأستاذ والد ابن بابويه القمي، وشيخ شيخه، أم محمد بن النعمان الملقب بالشيخ المفيد، أستاذ شيخ الطائفة الطوسي، أم محمد بن إبراهيم النعماني، تلميذ الكليني وصاحب كتاب الغيبة، أم المفسر محمد بن العباس الماهيار، أم شيخ المتكلمين أبو سهل إسماعيل بن علي، أم الفيلسوف أبو محمد حسن بن موسى، أم الشيخ الجليل إسحاق بن إبراهيم، أم إسحاق الكاتب، أم رئيس الشيعة الذي ربما قيل بعصمته أبو القاسم حسين بن روح السفير الثالث بين الشيعة والغائب، أم شيخ الأقدمين فضل بن زاذان، أم محمد بن الحسن الشيباني الشيعي صاحب تفسير نهج البيان، أم محمد بن خالد البرقي، أم علي بن الحسن الفضال، أم محمد بن الحسن الصيرفي، أم أحمد بن محمد السيار من المتقدمين؟!
ومن المتأخرين الكثيرون ممن لا يعدون ولا يحصون من مفسري الشيعة، ومحدثيهم، وفقهائهم، ومتكلميهم، ممن ذكرنا أسماء الكثيرين منهم في كتابنا الشيعة والقرآن.
وهؤلاء هم عمدة مذهب الشيعة وقدوتهم، نواب أئمتهم المعصومين، ومبلغو أخبارهم، وحفظة أحاديثهم، ونقلة آثارهم، وكلهم صرحوا بالتحريف والتبديل والتغيير في القرآن بدون إبهام ولا غموض. وقد صنف بعض منهم كتباً مستقلة، وألف البعض الآخر أجزاء منفصلة لبيان عقيدة الشيعة في القرآن، وإثبات التبديل والتغيير فيه.
فإن كان هؤلاء كلهم كفرة، فمن كان من القوم مسلم؟!
ولا يهمنا ذلك ونحن نعلن على ملأ الأشهاد بأن الشيعة لو أعلنوا بهذا الاعتقاد، ووافق علماؤهم على هذا القول بأن كل من يقول بالتحريف والتغيير في القرآن أو يعتقد الحذف والنقص فيه فهو كافر، أياً من كان، فنحن نوافقهم على ذلك، ونهنئهم ونبارك لهم بأن الله هداهم إلى سواء السبيل، فليعملوا مع أولئك الأعلام معاملة ما يقرون ويعلنون، ويرموا كتبهم في النار، ويتبرءوا منهم ومن كتبهم، ونحن نتبرأ مما قلناه عنهم، ومما نقوله، ونتوب إلى الله ونستغفره.
فهل من مقدم يقدم؟ وهل من مجيب يجيب؟ وهل من سامع يسمع ويستجيب؟ ((وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) [فاطر:22].
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ثم إن الدكتور وافي لا يدري بأن هذا القول -أي القول بتحريف القرآن وتغييره وتبديله- ليس بقول شاذ، بل هو القول المعمول به في جميع الأجيال الشيعية، وعند جميع الطبقات قديماً وحديثاً، وهو مبني على أقوال المعصومين حسب زعم القوم، وهم الحجة عندهم لا غيرهم؛ لأنهم لا يعتقدون العصمة في غيرهم ومن سواهم، ولم يخرج عن هذا الاعتقاد إلا من شذَّ وندَّ، ولم يخرج هؤلاء الآحاد الشذاذ إلا تهرباً من العار الذي لحقهم، والفضيحة التي لزمتهم، ولم يكن رأيهم مبنياً على أصول شيعية ولا مستنبطاً من أقول المعصومين.
ولذلك قال سلطان علماء الشيعة -كما يلقبونه- السيد محمد دلدار علي بعد ذكر كلام المرتضى في عدم التحريف في القرآن:
(فإن الحق أحق بالاتباع، ولم يكن السيد علم الهدى معصوماً حتى يكون من الواجب أن يطاع، ولو ثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقاً لم يلزمنا اتباعه ولا ضير فيه).([132])
وقال المحدث النوري:
(اعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية)([133])
وقال خاتمة المحدثين لدى الشيعة الملا باقر المجلسي:
(لا يخفى أن كثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عليها رأساً).([134]).
وقال الجزائري:
(إن الأخبار الدالة على هذا تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلامة المجلسي وغيره، بل إن الشيخ الطوسي أيضاً ذكر في التبيان كثرتها، بل ادعى تواترها جماعة).([135]).
والجدير بالذكر أننا أوردنا في كتابنا الشيعة والقرآن أكثر من ألف حديث شيعي من مختلف الطرق، ومختلف الرواة، ومختلف الكتب، كلها تنص وتصرح بأن القرآن مغير ومحرف، زيد فيه ونقص منه كثير، غير ما ذكرناه في كتابنا الشيعة والسنة. من الأسباب التي جعلت الشيعة يعتقدون هذا الاعتقاد الزائغ الخبيث بنقل روايات كثيرة كثيرة من أمهات كتب القوم.
وبعد هذا كله لا ندري كيف يجرؤ أحد ويجسر على خداع المسلمين بأن الروايات الشيعية التي تخبر وتدل على التحريف في القرآن روايات شاذة وضعيفة.
فهل يحكم على المتواتر بالشذوذ والضعف؟
وأهكذا تقلب الحقائق، ويكذب الصدق؟
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظم!
ومع ذلك فليس من يتظاهر بإنكار التحريف في القرآن من الشيعة، ولا من يدافع عنهم بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير من غير الشيعة، يستطيع أن يورد ولو رواية واحدة ضعيفة أو شاذة مروية عن المعصومين لدى الشيعة تنص وتصرح بأن القرآن الموجود بأيدي الناس هو المنزل من السماء، ومحفظ بحفظ الله له، غير مغير ولا مبدل فيه، لا يعتريه نقص ولا تلحقه زيادة.
فكيف يحق للشيعة والمناصرين لهم والمستميتين الدفاع عنهم والتأييد لهم، أن يقولوا: إن روايات بلغت التواتر تثبت التحريف.. هي روايات شاذة؟
ثم من يخبر سعادة الدكتور وافي، أن الرواية لا يحكم عليها بالضعف والشذوذ إلا بمكانة الراوي الذي رواها، ومكانة الكتاب الذي وردت فيه، لا كما قاله هو:
(ولو وردت عن شيخ من شيوخهم أو في مؤلف من أمهات مراجعهم، ولو أسندها هذا الشيخ أو هذا المؤلف إلى الإمام الصادق نفسه، فمن ذلك مثلاً ما ينسبه الكليني في كتابه الكافي إلى الإمام الصادق من القول بأن القرآن الذي نزل به الوحي على محمد يزيد على سبعمائة وسبع وسبعين آية عن الذي نقوله، وأن الباقي مخزون عند آل البيت.. فعلى الرغم من أن راوي هذه الأقوال ومدعي نسبتها إلى الإمام الصادق هو شيخ من أكبر شيوخهم وهو أبو جعفر الكليني، والذي يعد الراوية الأول لأخبارهم، وعلى الرغم من أن الكتاب الذي وردت فيه هذه الأخبار، وهو كتاب الكافي هو أحد الكتب الأربعة التي يعدونها الأصول لمذهبهم، وينزله كثير منهم منزلة البخاري عند أهل السنة.. على الرغم من هذا كله فإنهم يحكمون ببطلان ما ورد في هذا الكتاب من أقوال عن القرآن الكريم، فلا يصح أن نحاسبهم على رأي قد حكموا هم ببطلانه، ولا أن نعده من مذهبهم مهما كانت مكانة راويه عندهم، ومكانة الكتاب الذي ورد فيه).([136])
وإننا لا نكثر الاستغراب حينما نسمع رأياً مثل هذا الرأي عن شيخ جاوز الثمانين من عمره، وقد أفناه في التعلم والتعليم، والدرس والتدريس. اللهم إنا نعوذ بك أن نرد إلى أرذل العمر، ومن الجهل بعد العلم.
فلعل سيادته يريد أن يبتكر مصطلحاً جديداً في الحديث؛ لأن كل واحد سواه، ممن له إلمامة بسيطة بالمصطلح، يعرف أن الحكم على الحديث والرواية لا يكون إلا بالإسناد، فالحديث الذي رواه الثقات العدول الضباط واحداً بعد واحد يحكم عليه بالصحة، والعكس صحيح، وكذلك كل رواية وردت في البخاري أو مسلم عند السنة لا يلتفت إلى سندها حيث إن مؤلفيهما قد ألزما نفسيهما بإيراد الصحيح في كتابيهما لا غير خلافاً لمن لم يلتزم بذلك.
وكذلك الكافي عند الشيعة فإن ورد حديث فيه فلا يلتفت إلى سنده ورواته؛ لأنه مجرد وروده في الكافي يكفي للحكم على صحته وتوثيقه، كما صرح بذلك الكثيرون من محدثي الشيعة وعلمائهم، ومنهم المحدث النوري الطبرسي في آخر كتابه الكبير مستدرك الوسائل.([137]).
هذا ولقد أكثر الشيعة الكلام في تمجيده والثناء عليه في كتب الرجال والمصطلح والشروح، وقد أوردنا بعضاً منها في كتابنا الشيعة والقرآن.
ونكتفي بذكر عبارة واحدة عن الرجال المشهور العباس القمي، أنه قال في الكافي:
(هو أجَلّ الكتب الإسلامية، وأعظم المصنفات الإمامية، والذي لم يعمل للإمامية مثله، قال المولى محمد أمين الإستر آبادي في محكى فوائده: سمعنا عن مشائخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه).([138])
وفوق ذلك أنه موثق من قبل المعصوم -الغائب الموهوم - الذي لا يخطئ ولا يغلط.([139])
ثم لم ينفرد بسرد هذه الروايات الكليني وحده، بل شاركه في ذلك أساطين الشيعة وكبراؤهم في الحديث والتفسير والفقه والكلام قبله وبعده كما ذكرناه سابقاً، بل إن الذين تظاهروا بالإنكار أوردوا روايات التحريف في كتبهم كما وضعنا النقاط على الحروف في كتابنا الشيعة والسنة و الشيعة والقرآن وعلى ذلك تناقل هذه العقيدة جيل بعد جيل من الشيعة، ولم يقتصر ذكرها في كتب الروايات بل أوردوها في كتب العقائد أيضاً، فهذا هو شيخهم المفيد، الذي يقولون فيه:
(إنه أجلّ مشائخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم، وإنه أوثق أهل زمانه في الحديث، وإنه كان متقدماً في علم الكلام والفقه).([140]).
(وإنه هو الذي سن طريق الكلام لمن بعده إلى اليوم).([141])
وقال فيه ابن النديم الشيعي:
(انتهت إليه رئاسة متكلمي الشيعة، مقدم في صناعة الكلام).([142]).
(وإنه كان وحيد دهره في كل العلوم، انتهت إليه رئاسة الشيعة).([143])
وهو تلميذ لابن بابويه القمي الملقب الصدوق وأستاذ للشريف الرضى، و الشريف المرتضى الملقب بعلم الهدى، وأبي جعفر الطوسي الملقب بشيخ الطائفة([144])، والنجاشي.([145]).
المفيد هذا يذكر في كتابه العقائدي المشهور أوائل المقالات في المذاهب والمختارات عند سرد عقائد الشيعة في الرجعة، والبداء، وتحريف القرآن:
(اتفقت الإمامية على وجوب الرجعة.. واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه بموجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمعت المعتزلة و الخوارج و الزيدية و المرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية).([146])
هذا في التأليف أما الزيادة فيه والنقصان فقال:
(أقول: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان، فأما القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم، ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني لم يرتب بما ذكرناه.
وأما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع من وقوعه، وقد امتحنت مقالة من ادعاه، وكَلمت عليه المعتزلة وغيرهم فلم أظفر منهم بحجة أعتمدها في فساده – ثم يرد على من قال بحذف التأويل والتفسير، لا نفس القرآن – فيقول: من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة إليه أميل.. وأما الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه، ويجوز صحتها من وجه.. ولست أقطع على كون ذلك بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن عنه، وهذا المذهب خلاف ما سمعناه من بني نوبخت -قادة الشيعة وزعمائهم في عصرهم- رحمهم الله من الزيادة في القرآن والنقصان فيه، وقد ذهب إليه جماعة من متكلمي الإمامية وأهل الفقه منهم والاعتبار).([147]).
فهذه هي عقيدة الإمامية المثبتة في كتب العقائد: أن القرآن على خلاف التنزيل، وأنه محرف منقوص، وأما الزيادة عليه.. فإليه ذهب بنو نوبخت وجماعة من متكلمي الإمامية وأهل الفقه منهم والاعتبار، كما صرح بذلك من انتهت إليه رئاسة الشيعة: شيخ علم الهدى وشيخ شيخ الطائفة الطوسي وتلميذ ابن بابويه القمي في كتابه الذي وضعه لبيان عقائد الشيعة الإثني عشرية، بعد تصريحه بأن الأخبار قد وردت مستفيضة عن الأئمة المعصومين باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين من الحذف فيه والنقصان.
ولقد تناول الشيعة هذه العقيدة، وتوارثوها خلفاً عن سلف، وأثبتوها في كتب العقائد، وجعلوها من لوازم مذهب الشيعة كما صرح بذلك الكثيرون الكثيرون، منهم مفسر الشيعة الكبير السيد هاشم البحراني حيث قال:
(اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها: أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن.. المحفوظ عما ذكر، الموافق لما أنزله الله تعالى ما جمعه علي عليه السلام، وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه).
(ولهذا كما قد ورد صريحاً في حديث سنذكره أن الله عز وجل كان قد سبق في علمه الكامل صدور تلك الأفعال الشنيعة من المفسدين في الدين، إذ أنهم كلما اطلعوا على تصريح فيه ما يضرهم، ويزيد في شأن علي عليه السلام وذريته الطاهرين، حاولوا إسقاط ذلك رأساً أو تغييره محرفين، فكان في مشيئته الكاملة من الطاقة الشاملة المحافظة على أوامر الإمامة والولاية، وممارسة مظاهر فضائل النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة، بحيث تسلم من تغيير أهل التضييع والتحريف، ويبقى لأهل الحق مفادها، مع بقاء التكليف، لم يكتف بما كان مصرحاً به منها في كتابه الشريف، بل جعل جُلَّ بيانها بحسب البطون، وعلى نهج التأويل، وفي ضمن بيان ما تدل عليه ظواهر التنزيل، وأشار إلى جمل من برهانها بطريق المجاز والتعريض، والتعبير عنها بالرموز والتورية، وسائر ما هو من هذا القبيل، حتى تتم حججه على الخلائق جميعاً، ولو بعد إسقاط المسقطين ما يدل عليها صريحاً بأحسن وجه وأجمل سبيل).([148]).
ثم قال بعد نقل هذه العقيدة عن كبار القوم وذكر أسماءهم:
(وعندي يقين من وضوح صحة هذا القول -أي القول بتحريف القرآن وتغييره- بعد تتبع الأخبار، وتفحص الآثار، بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع).([149])
وقال مثل ذلك الشيخ علي أصغر البروجردي من أعيان الشيعة في القرن الثالث عشر في الكتاب العقائدي:
(وواجب علينا أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يغير ولم يبدل، وهو موجود عند إمام العصر الغائب عجل الله فرجه، لا عند غيره، وإن المنافقين قد غيروا وبدلوا القرآن الموجود عندهم).([150])
وبمثل ذلك كتب الملا محمد تقي الكاشاني في كتابه هداية الطالبين([151]) وزين العابدين الكرماني في رسالته تذييل([152]) وأخوه في كتابه حسام الدين، وقبلهما أبوهما محمد كريم خان المتوفى سنة (1288ه(، صرح بذلك في كتابه نصرة الدين، وأيضاً في كتابه إرشاد العوام الذي ألفه في العقائد، والسيد علي بن نقي الرضوي مجتهد الشيعة بالهند في كتابه إسعاف المأمول([153]) وغيرهم.
هذا ولقد ذكرنا في كتابنا الشيعة والقرآن وقبله في الشيعة والسنة بأن علماء الشيعة ألفوا كتباً ورسائل مستقلة في إثبات التحريف في القرآن في كل عصر وبلد وجدوا فيه، ولا يخلو مكان أو زمان لم تصنف فيه مثل هذه الكتب كما أثبتنا أسماءهم وأسماء كتبهم في كتبنا المذكورة، ولم ينكر هذه العقيدة من أنكر منهم إلا مداراة للمسلمين، وتقية وخداعاً لأهل السنة، وسداً لباب المطاعن، ولم يبنوا إنكارهم هذا على رواية من أئمتهم المعصومين حيث يزعمون أن مذهبهم قائم على آرائهم وأفكارهم، ولا على أصل مطرد موجود.
رغم أن القائلين بهذه المقولة، المتجاهرين بهذه العقيدة، بينوا أسباباً ألجأتهم إلى اعتناقها والاعتقاد بها. وأصول المذهب وأسسه التي وضع عليها تقتضي ذلك أيضاً، وساندها وناصرها رجال من الشيعة، لولاهم لما قام لديانتهم عود، ولا استقام لها عمود.
وهذا واضح وجلي، لا نظن أنه يخفى على عاقل وبصير([154])، إلا من أضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله؟!
الباب الثالث: الشيعة الإثنا عشرية والسُّنة النبوية
إن الأصل الثاني من أصول الشريعة الإسلامية هو السنة. أي ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً. وقد أمرنا بالتمسك بها: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [الحشر:7].
وإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الناطق بالوحي: ((وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى)) [النجم:3]* ((إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم:4].
وعلى ذلك جعلت طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله: ((مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)) [النساء:80].
((وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) [النساء:115].
ولذلك قرنت طاعة الرسول بإطاعة الله: ((أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ)) [الأنفال:20].
والآيات في هذه المعنى كثيرة جداً، ومنكر السنة النبوية الثابتة عنه كافر، كما أن منكر القرآن خارج عن الملة الإسلامية؛ لأن السنة بيان للقرآن وتوضح وشرح له وتفسير لمعانيه ومطالبه: ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) [النحل:44].
وعلى ذلك قال الإمام ابن حزم الأندلسي:
(لو أن امراً قال: لا نأخذ إلا بما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة).([155])
وقال:
(إنما احتججنا في تكفيرنا من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم:
((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].
فكل ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويثبت عنه صدوره، منكره لا يكون مؤمناً بنص القرآن.
وهذا الموضوع له تفصيل في محله لا نريد الإطناب فيه ههنا.
ومحل الشاهد في هذا المبحث: أن السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام لها منزلتها ومكانتها في التشريع الإسلامي، كما أنها من الأسس التي تحسم النزاعات الدينية والمذهبية حسب قول الله عز وجل:
((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) [النساء:59].
ولكن الشيعة لا يقرون بهذا الأصل الثاني مثل عدم إقرارهم بالأصل الأول، وبنفس النقول والحيل، وبنفس المقولات والعلل.
فإنهم يقولون: إن السنة النبوية منقولة عن طريق أصحاب محمد صلوات الله وسلامه عليه، وإن أصحابه ارتدوا كلهم بما فيهم سادة بني هاشم وغيره من الأنصار والمهاجرين إلا ثلاثة: المقداد، و أبو ذر، و سلمان، وهؤلاء لم يرو عنهم إلا القليل بل وأقل من القليل، وأما البقية فلا يطمئن إليهم ولا إلى مروياتهم لانقلابهم على أعقابهم إلى الكفر -نعوذ بالله من ذلك ونستغفر الله من الكذب المتعمد على الرسول- ولا يعتمد عليهم ولا يوثق بأخباره، فإنها ساقطة، مكذوبة، موضوعة.
فكل حديث أو خبر نقل عن أحد من هؤلاء، أو ورد في سنده أحد ينتهج منهجهم ويتبع خطاهم يسقط من الاعتبار، فهذه قاعدة محكمة متينة في مصطلح الحديث عندهم، حتى أقر بذلك محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه الدعائي المشهور، الذي لم يكتبه إلا لخداع المسلمين أهل السنة تغطية للحقائق، وتعمية عليهم الصدق، حيث قال:
(إن الشيعة لا يعتبرون بشيء من السنة أعني الأحاديث النبوية إلا ما صح لهم عن طريق أهل البيت عن جدهم، يعني ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن رسول الله سلام الله عليهم جميعاً، أما ما يرويه مثل أبي هريرة و سمرة بن جندب و مروان بن الحكم و عمران بن حطان الخارجي و عمرو بن العاص ونظائرهم فليس له عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة، وأمرهم أشهر من أن يذكر)([156]).
وقد فصل القول في ذلك حسين بن عبد الصمد العاملي المتوفى سنة 984ه في كتابه الذي كتبه في مصطلح الحديث([157]) يقول فيه العاملي رداً على أهل السنة في تعديل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين:
(وقد جازف أهل السنة كل المجازفة، بل وصلوا إلى حد المخارفة فحكموا بعدالة الصحابة من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس، وقد كان فيهم المقهورون على الإسلام، والداخلون على غير البصيرة، والشكاك، كما وقع من فلتات ألسنتهم الكثير. بل كان فيهم المنافقون، كما أخبر به الباري جل ثناؤه، وكان فيهم شاربو الخمر، وقاتلو النفس، وفاعلو الفسق والمناكر، كما نقلوه عنهم، وما نقلنا نحن بعضه فيما سبق من صحاحهم من الأحاديث المتكثرة المتواترة المعنى يدل على ارتدادهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضلاً عن فسقهم، ثم قال: إن الصحابة على ثلاثة أقسام: معلوم العدالة([158])، ومعلوم الفسق، ومجهول الحال، أما معلوم العدالة فكسلمان والمقداد وممن لم يَمِل عن أهل البيت طرفة عين.
وأما معلوم الفسق والكفر فكم مال عن أهل البيت وأظهر لهم البغض والعداوة والحرب، فهذا يدل على أنه لم يكن آمن، بل كان منافقاً أو أنه ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الأخبار الصحيحة عندهم؛ لأن من يحب النبي صلى الله عليه وسلم لا يبغض ولا يحارب أهل بيته الذين أكد الله ورسوله كل التأكيد في مدحهم والوصية بهم والتمسك بحبهم.. وهؤلاء نتقرب إلى الله تعالى ورسوله ببغضهم وسبهم وبغض من أحبهم، ومن هم يا ترى؟ والإجابة نقلاً عن علي: [[هم الذين بقوا بعده (رسول الله صلى الله عليه وسلم) فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى الضلال بالزور والكذب والبهتان، فولوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم أموال الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصمه الله]].([159])
وقد صرح في كتابه هذا بتكفير أبي بكر و عمر –والعياذ بالله- لقوله: (إنما لم يكن عندهما مثقال ذرة في الإسلام).([160])
وتكفير عثمان: (بأنه كان يحكم بغير ما أنزل الله).([161]).
وتكفير معاوية: (على أنه كان يحمل غلاً كامناً، وكفراً باطناً).([162]).
وتكفير عائشة أم المؤمنين: (حيث كذب على النبي أن رسول الله قام خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة وقال:
الفتنة ههنا ثلاثاً).
وأيضاً (خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة وقال: رأس الكفر من ههنا).([163])
وقال مقارناً بين علي وأولاده وبين أبي بكر و عمر و عثمان وأصحاب رسول الله عامة:
(قد أفادنا الكتاب العزيز، والسنة الثابتة عندهم، والأحاديث الصحيحة عندنا الكثيرة المستفيضة بل المتواترة معنى، والبراهين القاطعة المكررة في الكلام –أفادنا كل ذلك- علماً ضرورياً بعصمة الفرقة الأولى فضلاً عن عدالتها، وبكفر الفرقة الثانية فضلاً عن فسقها بحيث لا نشك فيه ولا نمتري.
ولو تنزلنا وسلمنا أنه –أعني هذا الأمر- ليس كذلك لم نكن آثمين، حيث أن هذا هو الذي أدانا إليه اجتهادنا، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
(والعجب أنهم جوزوا الاجتهاد في تخلف أبي بكر و عمر عن جيش أسامة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من تخلف عنه، وفي إحراقهما بالنار بيت علي وفيه علي و فاطمة والحسنين وهم أهل البيت الذين طهرهم الله، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بهم، وأكد في الوصية بهم، وفي سفك الصحابة بعضهم دم بعض، وسفك طلحة و الزبير و عائشة دماء الأنصار والمهاجرين، وقتال أمير المؤمنين عليه السلام، وفي قتال معاوية وسفك دمه ودم من معه من الأنصار والمهاجرين، فكيف جوزوا الاجتهاد في كل هذا لأنفسهم...ولم يجوزوا لأئمتنا وأكابر علمائنا الاجتهاد في سبهم والعدول عما نقلوه من أحكام الدين إلى ما نقلوه عن أهل البيت المطهرين بعدما نقلوه في شأن الفريقين من الأمر الواضح البين؟).
(وبالجملة لما رأينا الإله العظيم ورسوله الكريم قد مدحا أهل البيت، وأمرا بالتمسك بهم كما ذكرناه، وذما عامة أصحابه، ونصا على ارتدادهم بعده بما نقلناه ازددنا تمسكاً بأهل البيت المطهرين الذين أخبر النبي صلى الله عليه وآله أن المتمسك بهم لن يضل أبداً، ونقلنا أحاديثهم وأخذنا معالم شرعنا عنهم ورفضنا عامة أصحابه، وطرحنا ما تفردوا بنقله، إلا من علمنا من الصلاح كسلمان و المقداد و عمار بن ياسر و أبي ذر وأشباههم من أتقياء الصحابة وأجلائهم المقررين في كتب الرجال عندنا).([164])
ثم بيّن الحكم العام فقال:
(فصحاح العامة كلها وجميع ما يروونه غير صحيح).([165])
وقد بالغوا في هذا إلى أن جاوزوا جميع الحدود حتى قالوا:
(الأصل في التشريع عندهم هو مخالفة أهل السنة)، وما روي عنهم وعن أعيانهم وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يرونه من الرأي كما نقلنا ذلك سابقاً وكما سنذكره بعد قليل.
وبهذا يظهر أنهم لا يؤمنون بالأصل الثاني من أصول الشريعة الإسلامية وهو السنة، ولا تغتر بأنهم يدَّعون ذلك! فدعواهم في هذا لا تختلف عن دعواهم في الإيمان بالقرآن؛ لأن ما روي بطرقهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزر يسير جداً أيضاً، وما روي عن جعفر عن باقر بن زين العابدين عن الحسين عن علي فهو أقل القليل، وصحاحهم الأربعة وكتبهم في الحديث الأخرى تشهد على ما قلناه.
وكذلك ما روي عن أصحاب النبي الثلاثة الذين لم يرتدوا من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين -حسب زعمهم– أي المقداد و أبي ذر و سلمان فلم يرووا عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم أنفسهم إلا ما يعد على الأنامل.
أضف إلى ذلك أن جُلَّ المرويات بل كلها عن علي رضي الله عنه وعن هؤلاء الأصحاب الثلاثة ليست من قسم المتواتر بل هي أخبار آحاد.
والآحاد لا توجب العلم عند الشيعة قاطبة ولا العمل عند الجمهور، وهو الرأي الراجح عند الشيعة، لا كما ظنه السيد الدكتور وافي وصرح به في كتيبه.([166]) فيقول العاملي:
(ثم الأخبار، منها المتواترة: وهو ما رواه جماعة يحصل العلم بقولهم بعدم إمكان تواطئهم على الكذب عادة، ويشترط ذلك في كل طبقاتهم صحيحاً كان أو غير صحيح، وهو مقبول لوجوب العمل بالعلم، وهذا لا يكاد يعرفه المحدثون في الأحاديث لقلته.. وحديث الغدير متواتر عندنا).([167]).
وأما الآحاد فقد قال شيخهم المفيد في ذلك في كتابه العقائدي المشهور تحت عنوان (القول في أخبار الآحاد):
(وأقول: إنه لا يجب العلم ولا العمل بشيء من أخبار الآحاد.. وهذا مذهب جمهور الشيعة وكثير من المعتزلة والمحكمة وطائفة من المرجئة وهو خلاف لما عليه متفقهة العامة -أي أهل السنة - وأصحاب الرأي).([168]).
ومثل ذلك ذكر العاملي عن الشريف المرتضى الملقب بعلم الهدى عند الشيعة وجماعة من كبار العلماء حيث قال:
(والسيد المرتضى رحمه الله تعالى وجماعة من كبار علمائنا منعوا من العمل به محتجين بعدم الدليل الدال على وجوب العمل به. وإذا لم يقم دليل على وجوب العمل لم يعمل به، كما أنه لم يقم دليل على وجوب صلاة سادسة. قالوا: وما نقلتموه من أن الصحابة ومن بعدهم كانوا يعملون بأخبار الآحاد، فهي أيضاً أخبار آحاد لا تفيد علماً، والعمل بخبر الواحد مسألة أصولية ولا يجوز أن يكون مستندها ظناً، فكيف تعلمون أن الله تعبّدكم بالعمل بخبر الواحد؟ وبعد التسليم بصدق هذه الأحاديث إنما علم لكم أن الصحابة عملوا عندها لا بها. فجاز أن يكونوا تذاكروا بها نصاً أو تأيد بها عندهم دليل آخر، فالتساوي حاصل الشك، والتوقف فرض من فقد الدليل القاطع).([169]).
وهذا مع أن رواة الشيعة الذين عليهم مدار نقل الأحاديث الشيعية رواة مختلفون في توثيقهم وتضعيفهم، فشخص واحد يوثق ويحكم بعدالته وهو نفسه يضعف ويحكم بفسقه بل كفره، لا من قبل المهرة والنقاد في الحديث والرجال بل من قبل المعصومين – حسب زعم الشيعة – أنفسهم، والذين عصمتهم كعصمة الأنبياء، وأنهم لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدم ذكر جوازه على الأنبياء، وأنه لا يجوز لهم سهو في شيء من الدين، ولا ينسون شيئاً من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية).([170]).
وخير مثال لذلك رواة الشيعة الأربعة الذين هم مدار الروايات الشيعية ومحورها.
وهم أقطاب الأحاديث وأوتادها لدى القوم، عليهم تدور رحى الروايات زرارة بن أعين، و أبو بصير الليث المرادي، و محمد بن مسلم، و بريد بن معاوية العجلي، الذين قال فيهم إمام الشيعة السادس المعصوم -حسب زعمهم- جعفر بن الباقر:
[[ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة، و أبو بصير ليث المرادي، و محمد بن مسلم، و بريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة]].([171]).
فانظر ماذا يقول فيهم القوم من توثيقهم وتضعيفهم، ومن المدح فيهم واللعن عيهم، فزرارة بن أعين قال فيه جميل بن دراج أحد رواة الشيعة المشهورين:
(ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان في الكتاب حول المعلم).([172]).
وقال فيه جعفر بن محمد الباقر:
[[رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي]]([173]).
وقال فيه علي بن موسى الرضا الإمام الثامن المعصوم لدى الشيعة: [[أترى أحداً كان أصدع بحق من زرارة]].([174]).
وقال فيه النجاشي: (زرارة شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم، وكان قارئاً فقيهاً متكلماً شاعراً أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين).([175]).
وقال علي بن داود الحلي: زرارة كان أصدق أهل زمانه وأفضلهم، قال فيه الصادق عليه السلام: [[لولا زرارة لقلت إن أحاديث أبي لتذهب]]).([176])
ومثل ذلك قال ابن المطهر الحلي.([177])
وقال الحائري: (أجمعت العصابة على تصديقه والانقياد له به).([178]).
ومثل ذلك الزنجاني.([179]).
هذا –و الكشي روى في كتابه عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (جعفر) قال:
[[قلت: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، قال (جعفر): أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم، قلت: ما هو؟
قال (جعفر): هو والله ما أحدث زرارة و أبو حنيفة وهذا الضرب.
قال: قلت: الزنا معه؟
قال: الزنا ذنب]]([180]).
ومثل ذلك روي عن أبي بصير وعن هارون بن خارجة.
وروى الكشي أيضاً عن كليب الصيداوي: (أنهم كانوا جلوساً ومعهم عزافر الصيرفي وعدة من أصحابهم، معهم أبو عبد الله عليه السلام، قال: فابتدع أبو عبد الله من غير ذكر لأبي زرارة فقال: [[لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة ثلاث مرات]]).([181]).
وروي أيضاً عن عمران الزعفراني([182])، سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: [[ما أحدث أحد في الإسلام ما أحدث زرارة من البدع عليه لعنة الله]].([183]).
وعن ليث المرادي أنه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
[[لا يموت زرارة إلا تائهاً]].([184]).
وروى عن القصير أنه قال:
[[استأذن زرارة بن أعين و أبو الجارود، على أبي عبد الله عليه السلام قال: يا غلام! أدخلهما، فإنهما عجلا المحيا وعجلا الممات]].([185])
وهذا هو زرارة الذي قالوا فيه:
(أفقه الأولين ستة، وأفقه الستة زرارة).([186]).
وعد من أصحاب محمد الباقر وأصحاب جعفر بن الباقر.([187]).
وأنه من أصحاب موسى بن جعفر الكاظم أيضاً.([188]).
فرجل كهذا الذي أدرك ثلاثة من الأئمة المعصومين حسب زعم الشيعة وروى عنهم، يختلفون فيه هذا الاختلاف، يوثقونه بأعلى ألفاظ التوثيق ويضعفونه بأدنى درجة التضعيف، مرة يقولون فيه: إن أبا عبد الله جعفر بن محمد الباقر -الإمام السادس المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى- قال له:
[[يا زرارة! إن اسمك في أسامي أهل الجنة]].([189]).
وقال عن زرارة:
[[أما ما رواه زرارة عن أبي جعفر فلا يجوز لي رده]].([190]).
ومرة قال فيه:
[[زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال: إن الله ثالث ثلاثة، وقال: إن مرض فلا تعده، وإن مات فلا تشهد جنازته]].([191]).
وروى الكشي أيضاً عن ميسر أنه قال:
[[كنا عند أبي عبد الله فمرت جارية في جانب الدار على عنقها قمقم قد نكسته، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: فما ذنبي أن الله قد نكس زرارة كما نكست هذه الجارية هذا القمقم]].([192])
وأما أبو جعفر أعني محمداً الباقر فكان يعتقد فيه بأنه من جواسيس الحكام وعيونهم عليه، وأنه يبلغ إليهم أخباره وأعماله كما روى الكشي أيضاً عن هشام بن سالم أنه قال:
[[إن زرارة سأل أبا جعفر (محمداً الباقر) عليه السلام عن جوائز العمال؟ فقال: لا بأس به.
ثم قال أبو جعفر محمد الباقر: إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً -ابن عبد الملك – إني أحرم أعمال السلطان]].([193]).
وعلى ذلك كان يكره ابنه جعفر أن يدخل عليه زرارة كما روى الكشي عن الوليد بن صبيح قال:
(مررت بروضة من المدينة فإذا إنسان قد جذبني، فالتفت فإذا أنا بزرارة، فقال لي: استأذن لي على صاحبك، قال: فخرجت من المسجد ودخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته الخبر، فضرب بيده على صدره، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: [[لا تأذن له، لا تأذن له، لا تأذن له، فإن زرارة يريدني على كبير السن، وليس من ديني ولا دين آبائي]]).([194]).
وأما زرارة نفسه فكان يشك في علم جعفر بن الباقر وإمامته وإمامة ابنه موسى الكاظم كما روى الكشي صريحاً عن ابن مسكان أنه قال:
[[سمعت زرارة يقول: رحم الله أبا جعفر، وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة]].([195]).
وكما روي عن زياد بن أبي الهلال في رواية طويلة أن زرارة قال له عن أبي عبد الله جعفر:
[[صاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال]].([196]).
وأما موسى بن جعفر الملقب بالكاظم فمع أن الشيعة ورجالهم يعدون زرارة من أصحابه، لكن الكشي يصرح في عديد من الروايات أنه لم يعتقد بإمامته، ونورد هنا رواية عن نضر بن شعيب عن عمة زرارة قالت:
[[لما وقع زرارة واشتد به قال:
ناوليني المصحف، فناولته وفتحته ووضعته على صدره وأخذه مني، ثم قال:
يا عمه! اشهدي أن ليس لي إمام غير هذا الكتاب]].([197]).
فهذا هو أحد أساطين الرواية في الحديث عند الشيعة وهذه هي أحواله من حيث التوثيق والتضعيف والتعديل والتجريح عند القوم أنفسهم، وفي أهم كتاب الرجال عندهم.. تلك التي تتناول تراجم الرواة والمحدثين والعلماء لدى هذه الطائفة، والتي قالوا فيها: (أهم الكتب في هذا الموضوع من مؤلفات المتقدمين هي أربعة كتب، عليها المعول وهي الأصول الأربعة في هذا الباب، وهي:
1- رجال الكشي.
2- رجال النجاشي.
3- رجال الطوسي.
4- الفهرست للطوسي.
وأقدم هذه الكتب الأربعة هو رجال الكشي).([198]).
وأما الثاني فهو أبو بصير ليث المرادي، فقد قالوا فيه: إن جعفر بن محمد قال فيه وفي أصحابه:
[[بشر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، و أبا بصير البختري المرادي، و محمد بن مسلم، و زرارة، أربعة نجباء، أمناء الله في حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست]].([199]).
(وكان هذا من أصحاب الباقر وأصحاب جعفر أيضاً كم ذكر ذلك البرقي في رجاله).([200]).
(وعده من أصحاب موسى الكاظم أيضاً).([201]).
ومثل ما روي عن جعفر فيه بأنه من المبشرين بالجنة، روي عن أبيه محمد الباقر أيضاً نفس ذلك.
وأنه لولاه لانقطعت آثار النبوة واندرست.([202]).
وعده في القسم الأول من الرجال يعني من الثقات.
وذكره النجاشي أيضاً بأنه من أصحاب الباقر و جعفر بن الباقر، وله كتاب يرويه جماعة([203]).
كما عده ابن المطهر الحلي من الثقات الذين يعتمد على روايتهم.([204]).
وكذلك التفرشي في كتابه، وقال: (إنه من أصحابنا الإمامية).([205])
ورووا عن جميل بن دراج أنه قال:
[[أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة: أحدهم ليث بن البختري المرادي]].([206]).
كما ذكر القمي عن شعيب العقرقوفي أنه قال:
[[قلت لأبي عبد الله (ع): ربما احتجنا أن نسأل عن شيء؟ فمن نسأل؟ قال:
عليك بالأسدي يعني أبا بصير]]، والخبر في أعلى درجة الصحة([207]).
وروى الكشي فيه عن داود بن سرحان أنه قال:
(إني لأحدث الرجل الحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله، فأنهاه عن القياس فيخرج من عندي فيتأول حديثي على غير تأويله، إني أمرت قوماً أن يتكلموا، ونهيت قوماً، فكل يؤول لنفسه، يريد المعصية لله ولرسوله، فلو سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي أصحابه، إن أصحاب أبي كانوا زيناً، أحياء وأمواتاً، وأعني زرارة ومحمد بن مسلم ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي، هؤلاء القوامون بالقسط، هؤلاء القوامون بالقسط، هؤلاء القوامون بالقسط وهؤلاء السابقون أولئك المقربون).([208]).
وأيضاً ما رواه عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير أنه قال:
[[دخلت على أبي عبد الله (ع) فقال لي: حضرت علياً عند موته؟
قال: قلت: نعم! وأخبرني أنك ضمنت له الجنة، وسألني أن أذكرك ذلك. قال: صدق. قال:
فبكيت، ثم قلت: جعلت فداك! فما لي ألست كبير السن الضعيف الضرير البصير المنقطع إليكم فاضمنها لي. قال:
قد فعلت. قال: قلت: اضمنها لي على آبائك وسميتهم واحداً واحداً. قال: فعلت. قلت:
فاضمنها لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قد فعلت.
قال: قلت: اضمنها لي على الله تعالى. قال: فأطرق ثم قال: قد فعلت]].([209]).
هذا من جانب، وهذه المبالغة من ناحية، ومن ناحية أخرى روى فيه الكشي عن حماد الناب أنه قال:
(جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله ليطلب الإذن، فلم يؤذن له، فقال أبو بصير:
[[لو كان معنا طبق لأذن. قال: فجاء كلب فشغر([210]) في وجه أبي بصير، قال: أف أف، ما هذا؟
قال جليسه: هذا كلب شغر في وجهك]].([211]).
وروى الكشي: (أنه كان يدخل بيوت الأئمة وهو جنب).([212])
وكان أبو بصير هذا دائماً يتهم جعفر بن الباقر بجمعه للمال وحبه للدنيا، كما روى الكشي عديداً من الروايات في هذا المعنى، منها ما رواه عن ابن أبي يعفور أنه قال:
(خرجت إلى السواد أطلب دراهم للحج ونحن جماعة وفينا أبو بصير المرادي قال: قلت له:
يا أبا بصير! اتق الله وحج بمالك فإنك ذو مال كثير، فقال: [[اسكت فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتمل عليها بكسائه]]).([213]).
وأيضاً عن حماد بن عثمان أنه قال:
(خرجت أنا و ابن أبي يعفور وآخر إلى الحيرة أو إلى بعض المواضع فتذكرنا الدنيا، فقال أبو بصير المرادي:
[[أما إن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها؟ قال: فأغفى، فجاء كلب يريد أن يشغر عليه فذهبت لأطرده، فقال ابن أبي يعفور: دعه، فجاءه حتى شغر في أذنه]].([214]).
وكان لا يؤمن بإمامة موسى بن جعفر، كما كان يتهمه بعدم العلم ومعرفة الأحكام، كما روى الكشي أيضاً عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير قال: [[سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة تزوجت ولها زوج، فظهر عليها قال: ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط؛ لأنه لم يسأل. قال شعيب:
فدخلت على أبي الحسن -موسى بن جعفر – فقلت له: امرأة تزوجت ولها زوج؟
قال: ترجم المرأة ولا شيء على الرجل. قال: فلقيت أبا بصير فقلت: سألت موسى بن جعفر عليه السلام عن المرأة التي تزوجت ولها زوج. قال: ترجم المرأة ولا شيء على الرجل. قال شعيب: فمسح صدره وقال أبو بصير: ما أظن صاحبنا تناهى حكمه بعد]].([215]).
وفي رواية أخرى: فضرب بيده على صدره يحكها وقال: [[أظن صاحبنا ما تكامل علمه]].([216]).
وروى الكشي عن علي بن الحسن بن فضال أنه قال:
(إن أبا بصير كان مختلطاً).([217]).
وأخيراً ما قاله ابن الغضايري: [[كان أبو عبد الله عليه السلام يتضجر به ويتبرم، وأصحابه يختلفون في شأنه]].([218]).
فهذا هو الرجل الثاني من رواة الشيعة الكبار ونقلة أحاديثهم، تضاربت فيه الآراء وتعارضت فيه الأقوال، حتى لا يدري على أيها يعتمد: على توثيق الرجل وصحة مروياته، أم على تضعيف الرجل وعدم وثاقته وخطأ الاعتماد على مروياته وأخباره؟
وأما الثالث فمحمد بن مسلم ليس شأنه وحاله بأحسن من أحوالهما، كما أن الآراء المتعارضة ليست بأقل مما ذكرت وسردت فيهما، فهذه هي مقولات القوم فيه، فيقول النجاشي:
(محمد بن مسلم بن رباح أبو جعفر الأوقسي الطحان مولى ثقيف الأعور، وجه أصحابنا بالكوفة، فقه ورع، صحب أبا جعفر و أبا عبد الله عليهما السلام وروى عنهما، وكان من أوثق الناس لهما).([219]).
وذكره الطوسي أيضاً أنه من أصحاب الباقر([220]).
ومن أصحاب جعفر بن الباقر أيضاً.([221]).
كما ذكره البرقي أيضاً من أصحابهما.([222]).
وذكره ابن داود في القسم الأول من الموثوقين.([223]).
وذكر ابن المطهر الحلي نقلاً عن الكشي: (أن محمد بن مسلم من حواري أبي جعفر بن علي وابنه جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام).([224]).
وهو الذي روى فيه الكشي كما سبق أن جعفر بن محمد قال: [[إنه من النجباء الأربعة الذين حفظوا آثار النبوة وأخبارها]]، كما روى الكشي أيضاً أنه روى عن أبي جعفر محمد الباقر ثلاثين ألف حديث، وروى عن ابنه جعفر ستة عشر ألف حديث.([225]).
وأيضاً ما رواه عن هشام بن سالم أنه قال:
(أقام محمد بن مسلم بالمدينة أربع سنين يدخل على أبي جعفر عليه السلام يسأله، ثم كان يدخل على جعفر بن محمد يسأله. قال أبو أحمد:
فسمعت عبد الرحمن بن الحجاج و حماد بن عثمان يقولان: ما كان أحد من الشيعة أفقه من محمد بن مسلم).([226]).
وروى التفرشي عن الكشي أيضاً عن عبد الله بن أبي يعفور قال: [[قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنه ليس كل ساعة ألقاك، ويمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا وليس عندي كل ما يسألني عنه. قال:
فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي، فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً]].([227]) فهذا هو محمد بن مسلم، وهذه هي مكانته وهذا هو شأنه.
ولكن هناك ما يعارض هذا الرأي ويخالفه كما رواه الكشي أيضاً عن مفضل بن عمر أنه قال:
[[سمعت أبا عبد الله يقول:
لعن الله محمد بن مسلم، كان يقول: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون]].([228]).
وأيضاً ما رواه عن أبي الصباح أنه قال: [[سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
يا أبا الصباح! هلك المتريثون([229]) في أديانهم، منهم: محمد بن مسلم]]([230]).
وكذلك قال جعفر بن محمد في زرارة و محمد بن مسلم:
[[إنهما ليسا بشيء في ولايتي]].([231]).
وأما الرابع وهو بريد بن معاوية فهو أيضاً من أصحاب الباقر وجعفر بن الباقر([232]).
ذكر فيه الكشي عن جعفر بن محمد أنه كان يقول:
[[أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة، أحدهم بريد بن معاوية]].([233])، وروى أيضاً عنه أنه قال:
[[ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة و أبو بصير و محمد بن مسلم و بريد بن معاوية العجلي ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين، وأمناء أبي على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة]].([234]).
وأيضاً: (هؤلاء القوامون بالقسط، هؤلاء القوامون بالصدق، هؤلاء السابقون أولئك المقربون).([235]).
ثم الكشي هذا يروي عن أبي سيار قال: [[سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لعن الله بريداً ولعن الله زرارة]].([236]).
وروى أيضاً عن عبد الرحيم القصير أنه قال:
[[قال أبو عبد الله عليه السلام: ائت زرارة و بريداً وقل لهما: ما هذه البدعة؟ أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعة ضلالة)، فقلت له: إني أخاف منهما، فأرسل معي ليثاً المرادي، فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله عليه السلام، فقال: والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر، وأما بريد فقال: والله لا أرجع عنها أبداً]].([237]).
فهؤلاء هم رواة الأحاديث الشيعية الأربعة، عليهم تدور رحى أخبارهم وأحاديثهم، يختلفون فيهم هذا الاختلاف الشديد، ويسردون فيهم الآراء المتعارضة المتناقضة، وكلها من المعصومين، روايات تثبت عدالتهم وتوثيقهم، وتنص على صحة عقيدتهم وكونهم من أهل الجنة، وروايات تنفى عنهم كل هذا وتنص على فسقهم وكونهم ملعونين على لسان المعصومين، بل وكفرهم وكونهم من أهل النار!!
فمن يك هذا شأنهم، وهذه أحوالهم، فبأي شيء يحكم على مروياتهم وأخبارهم التي رووها؟!
إنما هم نماذج اخترناها من بين الكثيرين، الكثيرين ممن لا يقل وصفهم بالتعديل والتجريح وبالتوثيق والتضعيف وبالتبشير والتكفير عن هؤلاء الأربعة الذين هم أبرز الرواة قاطبة من بين رواة الشيعة، وقد أدركوا زمن الأئمة الثلاثة من بين الأئمة الإثني عشر لدى الشيعة، ويعدون من كبار أصحابهم ونقلة آثارهم، فبأي شيء يحكم على الأحاديث الشيعية من جهة القبول والرد، ومن جهة الصحة والضعف؟
وعلى أية قاعدة مطردة تبنى الأحكام، وعلى أي أسس توضع المصطلحات؟
فهل من مفكر يتفكر؟ ومدبر يتدبر؟
إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار!!
وببيان هذه الأشياء كلها وتفصيل القول فيها يظهر بأن معتقد الشيعة في الأصل الثاني للشريعة الإسلامية لا يختلف عن معتقدهم في الأصل الأول، بل ويزيد الأمر خطورة أنهم لا يعتقدون بهذا الأصل الثاني إطلاقاً فعلاً، ولو أنهم يدعون الاعتقاد به قولاً؛ لأنهم زيادة على ما ذكرناه يجعلون لدليل العقل تأثيراً في قبول الحديث ورده.
ولشيخ طائفة الشيعة الطوسي بحث مشهور في هذا الموضوع، وقد يروون في ذلك روايات كثيرة، وبهذه الروايات بدأ الكليني كتابه الكافي مع أن المعروف أن العقل قاصر عن إدراك كنه كثير من الأحكام الإلهية الربانية.
ولأن العقول متفاوتة متفاضلة، يقصر بعضها عن إدراك ما تدركه الأخرى، فأي عقل يكون حكماً في الموضوع؟ ولمن تكون الحجة حينذاك؟
ويظهر من هذا كله أن الذين وضعوا الديانة الشيعية لم يضعوها إلا لمخالفة المسلمين كلهم ومخالفة ما يؤمنون به من القرآن والسنة، وما يعتقدون به من الآراء والأفكار كي لا يتحدوا ويتفقوا معهم يوماً من الأيام ولا تجتمع كلمتهم ويتألف شملهم، وعلى ذلك اختلقوا روايات كثيرة على لسان أئمتهم -كذباً عليهم- أن على الشيعة أن يخالفوا المسلمين في جميع الأمور حتى جعلوا هذه المخالفة أصلاً من أصول المذهب وأساساً من أسسه كما رواه ابن بابويه القمي عن علي بن أسباط أنه قال:
[[قلت للرضا عليه السلام: يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك؟
قال: فقال: إئت فقيه البلد فاستفته في أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه]].([238]).
ورووا أيضاً عن الحسين بن خالد عن الرضا أنه قال:
[[شيعتنا، المسلمون لأمرنا، الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منا]].([239]).
وروى أيضاً عن المفضل بن عمر أنه قال عن جعفر بن محمد الباقر:
[[كذب من زعم أنه من شيعتنا وهو متوثق بعروة غيرنا]].([240]).
وهناك روايات أخرى كثرة في هذا المعنى بلغت التواتر كما صرح بذلك محدث الشيعة وصاحب موسوعة حديثية شيعية كبرى وسائل الشيعة الحر العاملي بعد ذكر هذه الروايات وغيرها تحت باب مستقل بعنوان: (باب عدم جواز العمل بما يوافق العامة وطريقتهم):
أقول: والأحاديث في ذلك متواترة.. فمن ذلك قول الصادق عليه السلام في الحديثين المختلفين:
[[اعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه]].
وقوله عليه السلام يعني جعفر بن الباقر:
[[إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم]].
وقوله عليه السلام:
[[ما خالف العامة ففيه الرشاد]].
قوله عليه السلام:
[[خذ بما فيه خلاف العامة]].
وقوله عليه السلام:
[[ما أنتم والله على شيء مما هم فيه، ولا هم على شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم، فما هم من الحنيفية على شيء]].
وقوله عليه السلام:
[[والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غيرنا، وإن من وافقنا خالف عدونا، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه]].
وقول العبد الصالح عليه السلام في الحديثن المختلفين:
[[خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه]].
وقول الرضا عليه السلام:
[[إذا ورد عليكم خبران متعارضان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا بما يوافق أخبارهم فدعوه]].
وقول الصادق عليه السلام:
[[والله ما بقي في أيديهم شيء من الحق إلا استقبال الكعبة فقط]].([241]).
وبعد ذكر هذه الروايات رد على بعض المتأخرين، فمن يظن بأن الأخبار في هذا المعنى لا تخرج عن كونها آحاداً؟! وقال:
(والأحاديث.. قد تجاوزت حد التواتر، فالعجب من بعض المتأخرين حيث ظن أن الدليل هنا خبر واحد.. واعلم أنه يظهر من هذه الأحاديث المتواترة بطلان أكثر القواعد الأصولية المذكورة في كتب العامة).([242]).
وأما علة مخالفة المسلمين في معتقداتهم ومروياتهم فيذكرها ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق عند الشيعة في كتابه علل الشرائع تحت باب (العلة التي من أجلها يجب الأخذ بخلاف ما تقوله العامة):
عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه قال:
[[قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقوله العامة؟ فقلت: لا ندري، فقال:
إن علياً عليه السلام لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا على الناس]].([243]).
فتلك هي المؤامرة، وهذه هي حصيلتها، أي إنكار كل ما يؤمن به المسلمون، قرآناً كان أم سنة. وأكثر من ذلك أن الشيعة بتصريحهم أنفسهم لا يجتمعون مع المسلمين على إله، ولا على نبي، ولا على إمام كما صرح بذلك كبيرهم نعمة الله الجزائري بقوله:
(إنا لا نجتمع معهم على إله، ولا على نبي، ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيه، وخليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب، ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا، ولا ذلك النبي نبينا).([244]).
فالعبارة واضحة جلية في معناها لا تحتاج إلى بيان وتفسير وتفهيم من يظن من مخدوعي أهل السنة بأباطيل الشيعة وأكاذيبهم بأن الخلاف بينهم وبين المسلمين أهل السنة اختلاف يسير لا يخرج عن حيز الاجتهاد المسموح به.([245])
وليس كما يقوله السيد الدكتور في مبحثه الشيعة والسنة النبوية:
(ولجميع هذه الآراء أشباه ونظائر كثيرة في آراء أهل السنة أنفسهم وليس منها ما يمكن أن يوصف صاحبه بزيغ أو انحراف).([246]).
إن الأمر ليس كما وصفت أيها السيد الدكتور! منحنا الله وإياك قلباً نفقه به، وأعيناً نبصر بها، وآذاناً نسمع بها.. وما ذلك على الله بعزيز لأن الحكمة ضالة المؤمن فهو أحق بها حيث وجدها.
فمن يرد الله أن يهديه يشح صدره للإسلام.
الباب الرابع: الشيعة الإثنا عشرية ونزول الوحي والملائكة بعد الرسل
إن السيد الدكتور وافي ذكر في الباب الثاني أيضاً عند كلامه عن الشيعة والسنة النبوية: أن الشيعة يعتقدون العصمة والإلهام في أئمتهم.([247]).
ثم اعتذر لهم بثبوت الإلهام لكثير من الصحابة، وأنه لا لوم في هذا الاعتقاد، كما نفى عن الشيعة اعتقادهم بنزول الوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد.([248]).
مع أن سيادته لم يدر حقيقة مذهب الشيعة في هذا كالمعهود عنه، أو تجاهل -لا قدر الله- تسامحاً وتكرماً وتحبباً وتقرباً إليهم؛ لأن الشيعة يعتقدون نزول الوحي على أئمتهم وعن طريق جبريل وعن طريق ملك أعظم وأفضل من جبريل، فإن أئمتهم في الحديث بوبوا أبواباً مستقلة في هذا الخصوص ولو تفضل سيادته بإلقاء النظرة العابرة الخاطفة على فهارس كتبهم في الحديث دون تحمل العناء والمشقة في قراءة الروايات وتلاوة الأخبار المروية الواردة في هذا الباب؛ لعلم يقيناً بأن القوم في هذا الباب أيضاً يختلفون مع الأمة المسلمة اختلافاً كلياً، وينتهجون مسلكاً بعيداً عن مسلكهم ومذهبهم كل البعد، ونحن نكتفي لبيان معتقداتهم المعارضة لعقائد الأمة أجمعها بذكر عناوين بعض الأبواب التي زينوا بها صحاحهم ومجاميعهم في أوصاف أئمتهم من الكتب المعتمدة الموثوق بها المعتبرة في الحديث لديهم، ولا نسرد كل الروايات التي أوردوها في هذه الأبواب من تلك الكتب، بل نكتفي بخبر أو خبرين من الأخبار الكثيرة الكثيرة التي رووها فيها، ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.
فيروي محمد بن الحسن الصفار المتوفى سنة (290ه(الذي يعدونه من أصحاب الإمام المعصوم الحادي عشر -حسب زعمهم- الحسن العسكري.([249]).
ويعدونه (ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية).([250]).
و(ثقة جليلاً، صدوقاً).([251]).
وهو من أساتذة الكليني صاحب الكافي.
كما أن كتابه (بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد) يعد من الكتب المعتمدة المهمة والأصول المعتبرة الشيعية التي عليها اعتماد أئمة الشيعة في الحديث كما صرح بذلك المجلسي و الأصفهاني و الحر العاملي وغيرهم من أعاظم القوم في هذا الفن([252]) وخاصة أن له لقاءات ومسائل مع الحسن العسكري المذكور كما صرح بذلك الطوسي في رجاله.([253]).
يروي الصفار ذاك في كتابه هذا في أجزائه العشرة أخباراً كثيرة لا تعد ولا تحصى في إثبات الوحي على أئمة الشيعة ونزول الملائكة عليهم تحت عناوين كثيرة في أبواب شتى، فنبدأ بسرد عناوين الأبواب والروايات:
الباب السادس عشر من الجزء الثامن في أمير المؤمنين أن الله ناجاه بالطائف وغيرها ونزل بينهما جبريل.
وروى تحته روايات عشراً، منها:
[[عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك! بلغني أن الله تبارك وتعالى قد ناجى علياً عليه السلام؟
قال: أجل! قد كان بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبريل]].([254]).
وروي عن أبي نافع قال:
[[لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً يوم خيبر، فتفل في عينيه وقال له: إذا أنت فتحتها فقف بين الناس، فإن الله أمرني بذلك. قال أبو رافع: فمضى علي عليه السلام وأنا معه، فلما أصبح افتتح خيبر ووقف بين الناس وأطال الوقوف، فقال الناس:
إن علياً عليه السلام يناجي ربه، فلما مكث ساعة أمر بانتهاب المدينة التي فتحها، قال أبو رافع: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن علياً عليه السلام وقف بين الناس كما أمرته، قال قوم منهم:
إن الله ناجاه، فقال: نعم يا أبا رافع! إن الله ناجاه يوم الطائف ويوم العقبة ويوم حنين، ويوم غُسِّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم]].([255]).
وهذا ليس من اختصاصات علي رضي الله عنه حسب معتقد الشيعة، بل يشاركه فيها غيره من الأئمة الإثني عشر كما يصرح بذلك القوم، ومنها ما رواه الصفار في الجزء التاسع من كتابه تحت عنوان (الباب الخامس عشر في الأئمة عليهم السلام أن روح القدس يتلقاهم إذا احتاجوا إليهم) وروى تحته ثلاثة عشر حديثاً عن أسباط عن أبي عبد الله جعفر أنه قال:
[[قلت: تسألون عن الشيء فلا يكون عندكم علمه؟
قال: ربما كان كذلك.
قلت: كيف تصنعون؟
قال: تلقانا به روح القدس]].([256]).
ثم بوب باباً آخر بعنوان: (باب الروح التي قال الله في كتابه: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)) [الشورى:52]، إنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الأئمة يخبرهم ويسددهم ويوفقهم).
وذكر تحته خمسة عشر خبراً، منها ما رواه عن أبي بصير قال:
[[قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك عن قول الله تبارك وتعالى:
((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [الشورى:52] * ((صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ)) [الشورى:53]. قال: يا أبا محمد: خلق والله أعظم من جبرائيل وميكائيل، وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة يخبرهم ويسددهم)]].([257]).
وروى مثل هذا الكليني في كافيه تحت عنوان: (باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة عليهم السلام) عن أسباط بن سالم قال: [[سأل رجل من أهل هيت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا..)) [الشورى:52]. فقال:
منذ أن أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما صعد إلى السماء، وإنه لفينا -وفي رواية: كان مع رسول الله يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة من بعده]].([258]).
هذا ولقد أورد الصفار الثقة الجليل الصدوق لدى الشيعة رواية أخرى تحت باب: (ما يسأل العالم عن العلم الذي يحدث به من صحف عندهم ازداده أو رواية فأخبر بسر وإن ذلك من الروح):
[[عن عبد الله بن طلحة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أخبرني يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العلم الذي تحدثونا به أمن صحف عندكم أم من رواية يرويها بعضكم عن بعض أو كيف حال العلم عندكم؟ قال:
يا عبد الله! الأمر أعظم من ذلك وأجل، أما تقرأ كتاب الله؟
قلت: بلى! قال: أما تقرأ: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ)) [الشورى:52] أفترون أنه كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان؟ قال: قلت: هكذا نقرؤها! قال: نعم، قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتى بعث الله تلك الروح فعلمه بها العلم والفهم، وكذلك تجري تلك الروح إذا بعثها الله إلى عبد علمه بها العلم والفهم – وفي رواية: تعرض بنفسه عليه السلام (أي أراد من العبد نفسه)]].([259]).
وعنون باباً آخر بعنوان (باب الروح التي قال الله: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)) [الإسراء:85] إنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليهم السلام يسددهم ويوفقهم ويفقههم).
وذكر تحته اثنى عشر حديثاً، منها ما رواه عن أبي بصير قال: [[سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)) [الإسراء:85] قال: ملك أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مع الأئمة يسددهم]].([260]).
وأورد هذه الروايات الكليني في الكافي عن أبي بصير أيضاً وغيره بلفظ: [[وهو من الملكوت]]([261]).
ثم عقد الصفار باباً آخر (باب في الروح التي قال الله عز وجل: ((يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ)) [النحل:2] وهي تكون مع الأنبياء والأوصياء).([262]).
وذكر تحته روايات عديدة. كما بوّب باباً آخر بعنوان (باب في الإمام أنه يعلم الساعة التي يمضي فيها وما يزاد في الليل والنهار ولا يوكّل إلى نفسه).
وأورد تحته تسع روايات.([263]).
وقبل أن ننتقل إلى الجزء الآخر من هذا الكتاب نريد أن نذكر أنه ما من كتاب في الأخبار والروايات والحديث عند الشيعة إلا وفيه أبواب مستقلة بمثل هذه الأبواب التي بوبها الصفار، وأورد أصحابها تلك الروايات بعينها أو مثيلاتها التي أوردها الصفار في بصائر الدرجات، من المتقدمين والمتأخرين.
فمثلاً يعقد الحر العاملي باباً في كتابه: الفصول المهمة في أصول الأئمة جاء فيه: (إن الملائكة ينزلون ليلة القدر إلى الأرض ويخبرون الأئمة عليهم السلام بجميع ما يكون في تلك السنة من قضاء وقدر، وإنهم يعلمون كل علم الأنبياء عليهم السلام).
ثم سرد تحته روايات كثيرة في هذا المعنى.([264]).
كما أنه عقد أبواباً أخرى لبيان هذه العقيدة الواضحة الصريحة الثابتة لدى الشيعة مثل غيره من محدثي الشيعة ومتكلميهم، ونحن نورد بعضاً منها في خاتمة الكلام.
ولقد بوّب الصفار أبواباً عديدة في الجزء الثامن من كتابه لبيان أن أئمة الشيعة يوحى إليهم، ويتنزل عليهم الملائكة.
فإنه عنون الباب التاسع من الجزء الثامن بعنوان: (باب ما تزاد الأئمة ويعرض على كل من كان قبلهم من الأئمة، رسول الله ومن دونه من الأئمة عليهم السلام).
وروى تحته أحد عشر حديثاً ومنها ما رواه عن سماعة بن مهران قال:
[[قال أبو عبد الله عليه السلام: إن لله علمين، علماً أظهر عليه ملائكته، وأنبياءه ورسله، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلماً استأثر به، فإذا بدا لله في شيء منه أعلمناه ذلك، وعرض على الأئمة الذين كانوا من قبلنا]].([265]).
وفي باب آخر بعنوان (باب في الأئمة أنهم يزادون في الليل والنهار، ولولا ذلك لنفد ما عندهم) سرد ثماني روايات، منها ما رواه عن أبي حمزة الثمالي قال:
[[قلت: جعلت فداك! كل ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أعطاه أمير المؤمنين بعده، ثم الحسن بعد أمير المؤمنين عليه السلام، ثم الحسين، ثم كل إمام إلى أن تقوم الساعة؟
قال: نعم، مع الزيادة التي تحدث في كل سنة وفي كل شهر، إي والله.. وفي كل ساعة]].([266]).
وما رواه عن بشر بن إبراهيم أنه قال:
[[كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة؟ فقال: ما عندي فيها شيء، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا الإمام مفترض الطاعة سألته عن مسألة فزعم أنه ليس عنده فيها شيء، فأصغى أبو عبد الله عليه السلام أذنه إلى الحائط كأن إنساناً يكلمه، فقال:
أين السائل عن مسألة كذا وكذا؟ وكان الرجل قد جاوز أسكفة (عتبة) الباب. قال: هأنذا، فقال: القوم فيها هكذا. ثم التفت إلي فقال:
لولا نزاد لنفد ما عندنا]].([267]).
ثم أورد باباً آخر (باب في الأئمة أنهم يعرفون بالإخبار من هو غائب عنهم).
وسرد تحته روايات عديدة.([268]).
وبالمناسبة ما دمنا أوردنا روايات وذكرنا أبوباً من بصائر الدرجات الكبرى لثقة الشيعة بالأئمة وعظيم تقديرهم لأوصاف الأئمة نريد أن نذكر باباً آخر عقده في آخر جزء من هذا الكتاب لطرافته ولو أنه لا علاقة له بموضوعنا رأساً، وهو باب عنونه بعنوان: (باب في ركوب أمير المؤمنين عليه السلام السحاب، وترقيه في الأسباب والأفلاك).
وأطرف من ذلك أن المعلق على الكتاب وهو علامة الشيعة وحجتهم ميرزا محسن، علق على العنوان بقوله:
(ولا يخفى ما في عنوان الباب فإنه لا يختص بعلي عليه السلام بل به وبالحجة المنتظر عليهما السلام).([269]).
وروى تحت هذا الباب روايات عديدة، منها ما روي عن أبي جعفر أنه قال:
[[أما إن ذا القرنين قد خير السحابين، فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب. قلت: وما الصعب؟
قال: ما كان من سحاب فيه رعد وبرق وصاعقة فصاحبكم يركبه، أما إنه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب، أسباب السماوات السبع، خمسة عوامر واثنين خراب، وفي رواية أخرى: أسباب السماوات السبع والأرضين السبع]].([270]).
ونرجع إلى موضوعنا فنقول: إن الصفار أدرج في الجزء السابع من الكتاب أيضاً أبواباً كثيرة في هذا الموضوع، وسرد تحتها روايات كثيرة، منها الباب الثاني بعنوان: (باب في الإمام بأنه إن شاء أن يعلم العلم لعلم).
منها ما رواه عن عمرو بن سعيد المدائني:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
[[إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً علمه الله ذلك]].([271]).
وباباً آخر بعنوان: (ما يفعل بالإمام من النكت والقذف والنقر في قلوبهم وآذانهم).
أورد تحته ثلاث عشرة رواية. منها عن الحارث بن مغيرة أنه قال:
[[قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هذا العلم الذي يعلمه عالمكم أشيء يلقى في قلبه أو ينكت في أذنه، فسكت حتى غفل القوم، ثم قال: ذاك وذاك]].([272]).
وفي رواية: فقال: [[وحي كوحي أم موسى، ورواية أخرى: وقد يكونان معاً]].([273]).
وعن النجاشي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
[[فينا والله من ينقر في أذنه وينكت في قلبه وتصافحه الملائكة.
قلت: كان، أو يكون، أو اليوم؟
قال: بل اليوم.
قلت: كان، أو اليوم؟
قال: بل اليوم والله يا ابن النجاشي حتى قالها ثلاثاً]].([274]).
وباب آخر (باب فيه تفسير الأئمة لوجود علومهم الثلاثة وتأويل ذلك).
وروى تحته روايات منها ما رواها عن علي السائي قال:
[[سألت الصادق عليه السلام عن مبلغ علمهم؟ فقال: مبلغ علمنا ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور([275]). وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا، وفي رواية: وأما النقر في الأسماع فإنه من الملك]].([276]).
وباب آخر (باب في الأئمة عليهم السلام محدثون مفهمون)، وروى تحته ثماني روايات، منها:
عن الحكم بن عيينة قال: [[دخلت على علي بن الحسن يوماً فقال لي: يا حكم! هل تدري ما الآية التي كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعرف بها صاحب قتله ويعلم بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس؟ قال الحكم: فقلت في نفسي: قد وقفت على علم من علم علي بن الحسين أعلم بذلك الأمور العظام. قال: فقلت: لا والله! لا أعلم به، أخبرني بها يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال:
والله! قول الله: (وما أرسلنا من رسول ولا نبي ولا محدث)، فقلت: وكان علي بن أبي طالب محدثاً؟
قال: نعم! وكل إمام منا أهل البيت فهو محدث]].([277]).
وفي الباب الذي يليه يبين من هو المحدث، وما هو شأنه؟ بعنوان: (باب في أن المحدث كيف صفته؟ وكيف يصنع به؟ وكيف يحدث الأئمة؟).
وأورد تحته ثلاث عشرة رواية، ومنها ما يرويها عن ابن أبي يعفور أنه قال:
[[قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نقول: إن علياً عليه السلام لينكت في قلبه، أو ينقر في صدره وأذنه؟
قال: إن علياً عليه السلام كان محدثاً. قال: فلما أكثرت عليه قال: إن علياً عليه السلام كان يوم بني قريظة وبني النضير كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره يحدثانه]].([278]).
وروى عن علي بن الحسين أنه قال:
[[علم علي عليه السلام في آية من القرآن وكتمنا الآية. قال: اقرأ يا حمران فقرأت: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي). قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث. قلت: وكان علي عليه السلام محدثاً؟
قال: نعم! فجئت إلى أصحابنا، فقلت: قد أصبت الذي كان الحكم يكتمنا. قال: قلت: قال أبو جعفر عليه السلام كان يقول: علي عليه السلام محدث، فقالوا لي: ما صنعت شيئاً.. ألا سألته من يحدثه؟
قال: فبعد ذلك إني أتيت أبا جعفر عليه السلام فقلت: أليس حدثني أن علياً عليه السلام كان محدثاً؟
قال: بلى! قلت: من يحدثه؟
قال: ملك يحدثه. قال: قلت: أقول: إنه نبي أو رسول؟
قال: لا. قال: بل مثله مثل صاحب سليمان ومثل صاحب موسى، ومثله مثل ذي القرنين]].([279]).
وباب آخر: (باب من يلقى شيء بعد شيء يوماً بيوم وساعة بساعة مما يحدث).
وروى تحته عن ضريس أنه قال:
[[كنت مع أبي بصير عند أبي جعفر عليه السلام، فقال له أبو بصير: بم يعلم عالمكم جعلت فداك؟
قال: يا أبا محمد! إن عالمنا لا يعلم الغيب، ولو وكل الله عالمنا إلى نفسه كان كبعضكم ولكن يحدث إليه ساعة بعد ساعة]].([280]).
وروى أيضاً عن أبي بصير قال:
[[قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، أي شيء هو العلم عندكم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار، والأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة، وفي رواية أخرى: ما يحدث بالليل والنهار يوماً بيوم وساعة بساعة]].([281]).
وباب آخر (باب في الأئمة عليهم السلام ورثوا العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علي عليه السلام، وإن العلم يقذف في صدورهم وينكت في آذانهم).
وأورد تحته تسع روايات.
وفي الجزء السادس روى رواية في (باب في أمير المؤمنين عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه العلم كله، وشاركه في العلم ولم يشاركه في النبوة).
عن حمران أنه قال:
[[قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك! قد بلغني أن الله قد ناجى علياً؟ قال: أجل! قد كان بينهما مناجاة بالطائف ونزل بينهما جبريل، وقال: إن الله علم رسوله الحلال والحرام والتأويل، فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً عليه السلام علمه كله]].([282]).
وعلى ذلك ذكر في الجزء الرابع من كتابه: (باب في أن الأئمة يخاطبون ويسمعون الصوت ويأتيهم صور أعظم من جبريل وميكائيل) عن أبي عبد الله أنه قال:
[[إنا لنزاد في الليل والنهار، ولو لم نزد لنفد ما عندنا، قال أبو بصير: جعلت فداك من يأتيكم به؟
قال: إن منا من يعاين، وإن منا من ينقر في قلبه كيت وكيت، وإن منا لمن يسمع بأذنه وقعاً كوقع السلسلة في الطست. قال: فقلت له: من الذي يأتيكم بذلك؟
قال: خلق أعظم من جبريل وميكائيل]].([283]).
وكذلك روي في الباب الثامن من هذا الجزء بعنوان: (باب في الإمام أنه تراءى له جبريل وميكائيل وملك الموت).
وروى تحته روايات [[أن جعفراً وأباه الباقر جاءهما جبريل وملك الموت بصورة شيخ طويل جميل أبيض الرأس واللحية، ورجل آدم حسن الوجه والشيمة وكان الأول جبريل، والثاني ملك الموت]].([284]).
وعلى ذلك ينص القوم بأن أئمتهم أفضل من جميع الأنبياء بما فيهم أولو العزم من الرسل وأعلم منهم، كما بوب صاحبنا هذا محمد بن الحسن الصفار (باب في أمير المؤمنين عليه السلام وأولو العزم أيهم أعلم).([285]).
كما أن الحر العاملي بوّب باباً بعنوان: (إن النبي والأئمة الإثني عشر عليهم السلام أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين، والملائكة وغيرهم، وإن الأنبياء أفضل من الملائكة).([286]).
و ابن بابويه القمي الملقب بصدوق الشيعة بوّب باباً في كتابه بعنوان: (أفضلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة على جميع الملائكة والأنبياء عليهم السلام).([287]).
ولا يخلو كتاب من كتب الشيعة إلا وفيه أبواب متشابهة في هذا المعنى.
وقد سردوا تحتها روايات أكثر من أن تحصى حسب تعبير محدث الشيعة الحر العاملي([288]).
[[منها ما رووا عن أبي جعفر أنه قال لأحد أتباعه: يا أبا عبد الله! ما تقول الشيعة في علي عليه السلام وموسى وعيسى([289])؟ قال:
قلت: جعلت فداك! وعن أي حالات تسألني؟
قال: أسألك عن العلم، فأما الفضل فهم سواء.
قال: قلت: جعلت فداك! فما عسى أقول فيهم.
فقال: هو والله أعلم منهما]]([290]).
ورووا عن ابنه جعفر أنه قال:
[[إن الله خلق أولي العزم من الرسل وفضلهم بالعلم، وأورثنا علمهم وفضلهم، وفضلنا عليهم في علمهم، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا، وعلمنا علم رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمهم]].([291]).
وهناك باب آخر بعنوان: (باب أن الأئمة عليهم السلام أفضل من موسى والخضر عليهما السلام).
ثم روى تحته روايات عديدة، منها ما رواه عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال:
[[لقد سأل موسى العالم (يعني الخضر) مسألة لم يكن عنده جوابها، ولقد سأل العالم موسى مسألة لم يكن عنده جوابها، ولو كنت بينهما لأخبرت كل واحد منهما بجواب مسألته، ولسألتهما عن مسألة لا يكون عندهما جوابها]].([292]).
هذا وإننا لنرى بأن ما أوردناه من الأبواب وسردناه من الروايات يكفي لبيان الحق والحقيقة، والمعتقدات الأصيلة الشيعية في أئمتهم حول نزول الوحي والملائكة عليهم، وأنه لا فرق بينهم وبين أنبياء الله ورسله حيث إنهم يخاطبون ويكلمون، ويقذف في قلوبهم، ويلقى في مسامعهم، وتنزل عليهم الملائكة، جبرائيل ومن دونه وفوقه، ويناجيهم الرب جل وعلا -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً– ولا نريد إكثار الروايات المملة في هذا الموضوع مع وجود أضعاف الأضعاف منها في بصائر الدرجات وغيره من الكتب المعتبرة الموثقة المعتمدة([293]) لدى الشيعة، كما نريد أن نبين ههنا أنه لم يكن اختيارنا كتاب بصائر الدرجات هذا لبيان معتقدهم في نزول الوحي والملائكة على أئمتهم مع وجود هذه الروايات في كتب الحديث والتفسير الأخرى إلا أن صاحب البصائر وهو الصفار من أقدم المحدثين الشيعة وشيخ مؤلفي الصحاح الأربعة أو شيخ شيخهم.
وأيضاً فإن هذا الكتاب لم يؤلف إلا لسرد الروايات الشيعية من الأئمة المعصومين المزعومين في فضائلهم، وإننا لندرك أننا أكثرنا الروايات في هذا البحث خلاف البحوث المتقدمة؛ لأننا لم نورد هذا المبحث وهذه الروايات في كتبنا الأربعة عن الشيعة([294]) ولأنه مهم في فهم أصول الشيعة وعقائدهم.
وجلاء للحق الذي هو واضح وجلي مما سبق نريد أن نذكر بعض العناوين للأبواب التي ذكرها الكليني في الأصول من الكافي في هذا الخصوص فقط. وفي كتاب الحجة لا غير كي لا تبقى شبهة لشاك ولا ريب لمرتاب.
فهذه بعض عناوين الأبواب من كتاب الحجة في الأصول من الكافي:
(باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة.
باب أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه.
باب أن الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه، وأبوابه التي منها يؤتى.
باب أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة.
باب عرض الأعمال على النبي والأئمة.
باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم.
باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنه يعرفونها على اختلاف ألسنتهم.
باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء.
باب في أن الأئمة يزدادون في ليلة الجمعة.
باب لولا أن الأئمة يزدادون لنفد ما عندهم.
باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل.
باب أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا.
باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء.
باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علماً إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين، وأنه كان شريكه في العلم.
باب أن الأئمة محدثون مفهمون.
باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة.
باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة.
باب أن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد من الله عز وجل وأمر منه لا يتجاوزونه.
باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم، وتطأ بسطهم، وتأتيهم بالأخبار)، وهذا آخر ما أردنا ثبته في هذا الباب.
وإن في ذلك لعبرة لأولي الألباب.
الباب الخامس: الشيعة الإثنا عشرية وعقائدهم:- [الشيعة الإثنا عشرية وعقائدهم
الفصل الأول: الرجعة:-
من الأفكار اليهودية المدسوسة بين المسلمين والتي تولى كبر إثمها ابن اليهودية البار بها عبد الله بن سبأ.. فكرة الرجعة، أي رجوع الأموات قبل البعث والنشور عند ظهور القائم الشيعي المعدوم المزعوم، من أئمتهم وأتباعهم، مع أعدائهم ومخالفيهم لينتقموا منهم ويشفوا صدورهم كما ذكر المجلسي خاتمة محدثي الشيعة:
(ويرجع للدنيا يوم ظهور حضرة القائم عليه السلام مَن مَحَض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، فيرجع أعداؤه لينتقم منهم في هذا العالم ويشاهدون من ظهور كلمة الحق وعلو كلمة أهل البيت ما أنكروه عليهم، فتكون رجعة الكفار لينالهم عقاب شديد).([295]).
وهذا الاعتقاد كاد أن يكون من المجمع عليه عند الشيعة، لا خلاف بينهم في ذلك، ولم يشذ فيه أحد ممن يعتد به ويعتمد على قوله كما ذكر الحر العاملي مستدلاً على صحة الرجعة وإمكانها ووقوعها. بإجماع جميع الشيعة الإمامية وإطباق الشيعة الإثني عشرية على صحة اعتقاد الرجعة، فلا يظهر منهم مخالف يعتد به من العلماء السابقين ولا اللاحقين، وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع بورود الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة عليهم السلام، الدالة على اعتقادهم بصحة الرجعة حتى إنه قد ورد ذلك عن صاحب الزمان محمد بن الحسن المهدي عليه السلام في التوقيعات الواردة عنه وغيرها مع قلة ما ورد عنه في مثل ذلك من نسبة ما ورد عن آبائه عليهم السلام.([296])
ومثل ذلك ذكره أيضاً مفسر الشيعة القديم أبو علي الطبرسي في تفسيره تحت قول الله عز وجل: ((وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ)) [النمل:83] واستدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية بأن قال: (إن دخول من في الكلام يوجب التبعيض، فدل ذلك على أن اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة، الذي يقول فيه سبحانه: ((وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)) [الكهف:47].
وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أن الله سيعيد عند قيام المهدي قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب في القتل على أيدي شيعته، والذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته.. على أن جماعة من الإمامية تأولوا ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، وأولوا الأخبار الواردة في ذلك لما ظنوا أن الرجعة تنافي التكليف. وليس ذلك؛ لأنه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح والتكليف يصح معها كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة؛ كفلق البحر، وقلب العصا ثعباناً وما أشبه ذلك، ولأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويل عليها، وإنما المعول في ذلك على إجماع الشيعة الإمامية وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده).([297]).
وقبله قال بهذا القول الشريف المرتضى الملقب عند الشيعة بعلم الهدى في جواب أسئلة سئل بها عن حقيقة الرجعة فأجاب:
(بأن الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أن الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوماً ممن تقدم موته من شيعته وقوماً من أعدائه).([298]).
وقبله شيخ المرتضى وإمام متكلمي الشيعة وفقهائها، محمد بن النعمان الملقب بالمفيد قال:
اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة.([299]).
وقال في موضع آخر في مقالاته تحت عنوان: (القول في الرجعة):
(أقول: إن الله تعالى يرد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز منهم فريقاً ويذل فريقاً، ويديل المحقين من المبطلين، والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليهم السلام وعليه السلام.
وأقول: إن الراجعين إلى الدنيا فريقان: أحدهما من علت درجته في الإيمان، وكثرت أعماله الصالحات، وخرج من الدنيا على اجتناب الكبائر والموبقات، فيريه الله عز وجل دولة الحق، ويعزه بها، ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه، والآخر من بلغ الغاية في الفساد وانتهى في خلاف المحقين إلى أقصى الغايات، وكثر ظلمه لأولياء الله واقترافه السيئات، فينتصر الله تعالى لمن تعدى قبل الممات، ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من دوام الثواب والعقاب، وقد جاء القرآن بصحة ذلك، تظاهرت به الأخبار، والإمامية بأجمعها عليه إلا شذاذ منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه).([300]).
ونقف هنا برهة يسيرة لنلقي نظرة على مغالطة الدكتور وافي سواء وقع فيها أو أراد إيقاع الناس فيها حيث كتب تحت عنوان الرجعة:
(للرجعة في عقيدة الشيعة الجعفرية مظهران:
النوع الأول: من الرجعة في عقائدهم وهو رجوع الإمام المهدي بمعنى ظهوره من مخبئه وهو موضع اتفاق عندهم، بل هو عماد مذهبهم.
وأما النوع الثاني: وهو رجعة الأبرار والأشرار رجعة مؤقتة فليس من العقائد المتفق عليها عندهم، بل إن كثيراً منهم لينكر هذا النوع من الرجعة).([301]).
ثم كتب في الهامش: (انظر أوائل المقالات وتصحيح الاعتقادات للشيخ المفيد، وهو من كبار شيوخهم).([302]).
ويتلخص ردنا في النقاط التالية:
أولاً: إن السيد الدكتور لا يدري إطلاقاً مذهب الشيعة الجعفرية في الرجعة حيث قال: (إن رجعة الأبرار والأشرار رجعة مؤقتة فليس من العقائد المتفق عليها عندهم. بل إن كثيراً منهم لينكر هذا النوع من الرجعة) لأننا كما ذكرنا سابقاً وكما نحن بصدد ذكره أن الشيعة الجعفرية أو الإمامية أو الإثني عشرية كلهم تقريباً متفقون على هذه العقيدة من أعيانهم وكبرائهم ومشائخهم من المحدثين والمفسرين والفقهاء والكلاميين.
وعلى ذلك قال الحر العاملي:
(فلا يظهر منهم مخالف يعتد به من العلماء السابقين واللاحقين، وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع).([303]).
وبذلك قال صدوق الشيعة ورئيس محدثيهم ابن بابويه القمي في كتابه الكلامي تحت عنوان: (باب الاعتقاد في الرجعة):
(اعتقادنا -يعني معشر الإمامية - في الرجعة أنها حق).([304]).
وقال الملا باقر المجلسي صاحب بحار الأنوار بعد سرد الأخبار الكثيرة عن الرجعة:
(اعلم يا أخي أني لا أظن أنك قد ترتاب بعد ما مهدت وأوضحت لك بالقول في الرجعة التي أجمعت عليه الشيعة في جميع الأعصار واشتهرت بينهم كالشمس في رابعات النهار.. وكيف يشك مؤمن بأحقية الأئمة الأطهار فيما تواترت عنهم من مائتي حديث رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم).([305]).
ومثل ذلك قال الحر العاملي:
(ومما يدل على ثبوت الإجماع اتفاقهم على أحاديث الرجعة حتى إنه لا يكاد يخلو منه كتاب من كتب الشيعة، ولا تراهم يضعفون حديثاً واحداً منها، ولا يتعرضون لتأويل شيء منها، فعلم أنهم يعتقدون مضمونها لأنهم يضعفون كل حديث يخالف اعتقادهم أو يصرحون بتأويله وصرفه عن ظاهره).([306])
وقال أيضاً:
(ومما يدل على ذلك أيضاً: كثرة النصوص الصريحة الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة.. ما يزيد على سبعين كتاباً قد صنفها عظماء الإمامية).([307]).
وهذا يدل على أن السيد الدكتور مع ادعائه معرفة مذهب الشيعة لا يعرف عنه شيئاً.
أو... وإن بعض الظن إثم!!!
ثانياً: إن الدكتور وافي كتب على هامش الكلام: أوائل المقالات للشيخ المفيد وهو من كبار شيوخهم. كأنه يريد أن يفهم القارئ بأن هذا الكلام منقول عن المفيد الذي له مرتبته وشأنه لدى الشيعة.
ولا أدري كيف أبرر له موقفه هذا، وأجد له المعاذير؟
مع العبارة الصريحة التي نقلناها عن المفيد التي لا غموض فيها ولا إشكال، (هل السيد الدكتور عجز عن فهم كلام المفيد، الذي يفهمه الصغير والكبير) بلا صعوبة أو مشقة؟
أم أن السيد الدكتور لم يعرف عن كتاب المفيد إلا اسمه، وذكر كتابه دون أن يراجعه أو ينظر ما فيه؟
أم علم وقرأ ولكنه.. معاذ الله أن يذهب بي الخيال إلى ما يريد أن يذهب إليه!
وكلام المفيد واضح جلي كما ذكرناه آنفاً والذي قال في آخره:
(وقد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار، والإمامية بأجمعها عليه، إلا شذاذ منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه).([308]).
وبعد هذا لا أستيطع أن أعلل كلام الدكتور الذي قال فيه: إن رجعة الأبرار والأشرار رجعة مؤقتة، فليس من العقائد المتفق عليها عندهم، بل إن كثيراً منهم لينكر هذا النوع من الرجعة: ثم ينسب الكلام إلى أوائل المقالات للمفيد.
وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على أن السيد الدكتور ومن حذا حذوه ممن تأثروا بدعوة التقريب في مصر يجهلون مذهب الشيعة وعقائدهم، ولا يعلمون عنه وعنها شيئاً مع ادعائهم العلم والمعرفة، ولا يرددون إلا كلمات ألقيت في مسامعهم مزورة مموهة من قبل المخادعين الماكرين([309]) من الشيعة الذين ترددوا على مصر وعلى البلاد السنية الأخرى التي لم تبتل بالتشيع، ولم يحتج علماؤها ومفكروها إلى معرفة هذه الديانة التي لم تؤسس إلا على أفكار وآراء تعارض الآراء الإسلامية وأفكارها الصحيحة المستقاة من كتاب الله وسنة رسول الله، والمبنية عليهما تماماً.
ومعلوم أن نصوص الكتاب والسنة تخالف هذه العقيدة السخيفة أيضاً حيث إنه لا ثواب ولا عقاب ولا جزاء ولا عطاء، ولا حساب ولا كتاب إلا يوم القيامة، وهو يوم الفصل ويوم الدين، ويوم البعث ويوم النشور، ويوم الحشر، والآيات القرآنية الناطقة بهذه الحقائق الناصعة أكثر من أن تعد أو تحصى، ومنها ما ذكر فيها حكاية عن المذنبين:
((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)) [المؤمنون:99] * ((لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)) [المؤمنون:100] * ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ)) [المؤمنون:101] * ((فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [المؤمنون:102] * ((وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)) [المؤمنون:103].
وهذه الآية صريحة في معناها لا تحتمل التأويل أنه ليس بعد الموت إلا البرزخ إلى يوم البعث، ويوم البعث هو اليوم الذي يفصل فيه بين الصالحين وغير الصالحين، ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
وقال الله عز وجل مبيناً خلقة الإنسان وما إليه يصير في كلامه المحكم:
((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)) [المؤمنون:12] * ((ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ)) [المؤمنون:13] * ((ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)) [المؤمنون:14].
وقال الله عز وجل حكاية عن الكفار وأهل النار:
((وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)) [الواقعة:47]* ((أَوْ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ)) [الواقعة:48] * ((قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ)) [الواقعة:49]* ((لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)) [الواقعة:50].
وقال تعالى: ((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) [التغابن:7]* ((فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) [التغابن:8] * ((يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التغابن:9] * ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)) [التغابن:10].
أي لا يكون البعث إلا يوم الجمع للحساب والكتاب ويوم دخول الجنة والنار لا قبله.
ومثل ذلك قول الله عز وجل: ((وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) [الحج:7].
أي لا يكون بعث من في القبور إلا يوم القيامة.
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، وكذلك الأحاديث الشريفة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنها -أي مسألة البعث في الدنيا- تنافي العقل أيضاً كما فصل القول فيها في الكتب الكلامية.
ولكن الشيعة يعتقدون عكس ذلك ويقولون:
(إذا آن قيام القائم ومطر الناس في جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الناس مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين في أبدانهم في قبورهم، فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون رءوسهم من التراب)([310]).
ويقولون:
(إن الحسين عليه السلام يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال).([311])
وأيضاً ما رووه عن جعفر أنه قال:
[[إن أمير المؤمنين عليه السلام يرجع مع ابنه الحسين عليه السلام رجعة، وترجع معه بنو أمية، معاوية وآل معاوية، وكل من قاتله، فيعذبهم بالقتل وغيره، ويرجع الله من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً، ومن سائر الناس سبعين ألفاً، ويتلاقون في الحرب مع معاوية في ذلك المكان، ثم يحييهم الله سبحانه مرة فيعذبهم مع فرعون وآل فرعون أشد العذاب، ثم يرجع أمير المؤمنين عليه السلام مرة أخرى مع النبي صلى الله عليه وآله وجميع الأنبياء عليهم السلام]].([312])
وأكثر من ذلك أنهم قالوا:
لا يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا رد إلى الدنيا من آدم فهلم جراً حتى يقاتل بين يدي علي بن أبي طالب عليه السلام.([313]).
هذا ولقد سردنا روايات كثيرة في هذا المعنى في كتابنا الشيعة والتشيع فرق وتاريخ، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى ذلك.
وهذا يدل على أن عقيدة الرجعة عند الشيعة من العقائد المتفق عليها عندهم، ويعدونها من ضروريات المذهب كما صرح بذلك الحر العاملي.([314]).
ونقلوا عن جعفر بن محمد الباقر أنه قال:
[[ليس منا من لم يؤمن بكرتنا –رجعتنا- ويستحل متعتنا]].([315]).
وقد ألفوا لإثبات هذه العقيدة كتباً كثيرة، منها:
إثبات الرجعة للملا باقر المجلسي المتوفى عام (1111ه(، و إثبات الرجعة لجمال الخوانساري المتوفى سنة 1125ه، و إثبات الرجعة للحسن الحلي من علماء الشيعة في القرن السابع، و إثبات الرجعة لابن المطهر الحلي المتوفى سنة 726ه، و إثبات الرجعة لمير محمد عباس التستري الهندي المتوفى سنة 1306ه، و إثبات الرجعة لملا سلطان محمود من تلامذة المجلسي، و إثبات الرجعة لسليمان القطيفي المتوفى سنة 1266ه، و إثبات الرجعة للفضل بن شاذان النيسابوري المتوفى سنة 1260هـ، و إثبات الرجعة ليحيى البحراني، وإثبات الرجعة للميرزا حسن القمي و إثبات الرجعة لمحمد رضا الطبسي، و الإمامية والرجعة لعبد الله رزاق الهمداني، والإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للحر العاملي، و بشارة الفرج للملا فرج بن عاشور، و تفريج الكربة عن المنتقم لهم في الرجعة لمحمود فتح الله الكاظمي المتوفى سنة 1058ه، و الجوهر المنضود في إثبات رجعة الموعود لأحمد بيان الأصفهاني، و حياة الأموات بعد الموت لأحمد البحراني المتوفى سنة 1131ه، و دحض البدعة من إنكار الرجعة لمحمد علي السنقري، و دلائل الرجعة لغلام علي العقيقي، و الرجعة أحاديثها المنقولة عن آل العصمة لأحمد بن المحسن، و الرجعة وظهور الحجة للميرزا محمد مؤمن الاسترآبادي المتوفى سنة 1088ه، و كتاب الرجعة لمحمد بن مسعود العياشي صاحب تفسير العياشي المشهور، و كتاب الرجعة لابن بابويه القمي المتوفى سنة 381ه، والرجعة للملا حبيب الله الكاشاني المتوفى سنة 1340ه، و النجعة في إثبات الرجعة لعلي النقي الهندي.
والجدير بالذكر أن هذه العقيدة -أعني الرجعة- مأخوذة من اليهودية أيضاً كما صرح بذلك جولدزيهر:
(إن فكرة الرجعة ذاتها ليست من وضع الشيعة أو من عقائدهم التي اختصوا بها، ويحتمل أن تكون قد تسربت إلى الإسلام عن طريق المؤثرات اليهودية والمسيحية).([316]).
وبمثل ذلك قال أحمد أمين:
(اليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة).([317]).
وهذا ظاهر لا يحتاج في إثباته إلى دليل حيث إن المؤرخين والكتّاب في الفرق والأديان صرحوا أن مؤسس الديانة الشيعية عبد الله بن سبأ هو الذي روج فيهم فكرة الرجعة، وهو أول من قال بها كما نقل الطبري:
(كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، أمه سوداء فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول:
العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمداً يرجع! وقد قال الله عز وجل: ((إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)) [القصص:85].
فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فقبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها).([318]).
ويوافق الطبري في هذا غيره من المؤرخين.
وبعد هذا لا يبقى مجال للشك على يهودية الفكرة.
وقبل أن ننتقل إلى موضع آخر نقرر هنا أن القوم لا يعتقدون بالرجعة فحسب، بل يتجاوزونها إلى التناسخ حيث أوردوا روايات كثيرة عن أئمتهم المعصومين حسب زعمهم في ذلك المعنى، منها ما رووا أن أبا جعفر الملقب بمؤمن الطاق عند الشيعة، وشيطان الطاق عند الآخرين لقي يوماً من الأيام أبا حنيفة النعمان بن ثابت الإمام رحمه الله، فسأله أبو حنيفة: [[إنكم تقولون بالرجعة؟
قال: نعم.
قال أبو حنيفة: فأعطني الآن ألف درهم حتى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا.
قال الطاقي لأبي حنيفة: فأعطني كفيلاً بأنك ترجع إنساناً ولا ترجع خنزيراً]]([319]).
وقد روى النجاشي أنه قال له:
[[أريد ضميناً يضمن لي أنك تعود إنساناً، فإني أخاف أن تعود قرداً فلا أتمكن من استرجاع ما أخذت مني]].([320]).
ومثل هذا كثير.
أما محاولة الدكتور علي عبد الواحد وافي وضع هذه العقيدة السخيفة، يهودية الأصل بجانب عقيدة أهل السنة بالمهدي المنتظر فليس إلا عبثاً محضاً.
وكذلك حكمه على الأحاديث الكثيرة عن ذلك المهدي بأن كثيراً منها موضوع، وما بقي منها ضعيف كل الضعف، فليس إلا حكماً جائراً غير صحيح لدى المحققين والنقاد المهرة من أهل السنة.
الفصل الثاني: أعمال العباد:-
إن الشيعة الإثني عشرية يقولون: إن أفعال العباد غير مخلوقة لله.. وقد روي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام أنه سئل عن أفعال العباد: هل هي مخلوقة؟
فقال عليه السلام: [[لو كان خالقاً لها لما تبرأ منها وقد قال سبحانه وتعالى: (إن الله بريء من المشركين ورسوله)، ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم]].([321]).
وقد قال الحر العاملي في كتابه تحت باب: (إن الله سبحانه خالق كل شيء إلا أفعال العباد):
أقول:
(مذهب الإمامية والمعتزلة أن أفعال العباد صادرة عنهم وهم خالقون لها).([322]).
ولكن شيخهم المفيد كره إطلاق لفظ خالق على أحد من العباد حيث قال تحت عنوان: (إن الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ويصنعون ويكتسبون ولا أطلق عليهم القول بأنهم يخلقون ولا هم خالقون).([323]).
وهذا مخالف لصريح القرآن حيث ذكر فيه:
((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) [الصافات:96].
و((ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)) [غافر:62].
و((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)) [الفرقان:2].
و((ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ)) [الأنعام:102].
وأيضاً: ((قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)) [الرعد:16].
وأيضاً: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)) [الزمر:62].
وغير ذلك من الآيات الكثيرة.
ومعروف أن أفعال العباد داخلة في (كل شيء).
وقد أقر بذلك الباقر حيث قال:
[[إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء]].([324]).
وأما (نفي نسبة أفعال العباد إلى الله؛ لأن فيها قبيحاً لا يصح أن ينسب إليه) فليس إلا لغواً محضاً؛ لأن الخالق المتعالي خلق كل شيء ثم أخبر الإنسان عن الحسن والقبيح وأمره بإتيان الأول واجتناب الثاني وخيره في ذلك، وأنار له السبل، وأرسل له الرسل لبيان الخير والشر، والحق والباطل، والحسن والقبيح، وأعطى له عقلاً ليتفكر به ويعقل، وقلباً ليتدبر به ويتبصر، قال جل وعلا: ((وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)) [البلد:10].
و ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي)) [يوسف:108].
و ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [الأنعام:153].
وقال: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه)) [الزلزلة:7] * ((وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه)) [الزلزلة:8].
وقال: ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى)) [النجم:39]* ((وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى)) [النجم:40] * ((ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى)) [النجم:41].
أي أن الإنسان ليس مجبوراً محضاً، ولا مختاراً مطلقاً، بل هو بين الجبر والاختيار. إن الله خلق الإنسان، وإن الله يعلم ما سيعمل في حياته ويفعل في مستقبله، فخلق أفعاله على علمه ذاك، ويسر له السبل بعد تفويضه الاختيار أن يعمل هذا أو ذاك، وبعد إرشاده أن هذا حسن وذاك قبيح، قال سبحانه وتعالى:
((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)) [الليل:5] * ((وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)) [الليل:6] * ((فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)) [الليل:7] * ((وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى)) [الليل:8] * ((وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى)) [الليل:9] * ((فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)) [الليل:10].
ولم يجبرهم على هذا أو ذاك. قال تعالى:
((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً)) [يونس:99].
وقال: ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً)) [هود:118].
ومعنى هذا كله أن الله خلق أفعال العباد حسب علمه الذي أحاط بكل شيء.
((وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً)) [النساء:126]
و ((وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)) [الطلاق:12].
و((وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) [النساء:176] و[البقرة:282] و[النور:35] و[الحجرات:16] و[التغابن:11].
و ((إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ)) [آل عمران:5].
و ((وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ)) [الأنعام:80].
و ((وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ)) [إبراهيم:38].
وأما عقاب العبد وثوابه فلا يكون إلا على اكتساب العبد ذلك الفعل والعمل به بعد اختياره على كسب ذلك أو تركه، فإن كان شراً فشر، وإن كان خيراً فخير. لا دخل فيه لقدرة العباد على خلق الأفعال أو على عدم الخلق، وهذا ما صرح الله عز وجل به في كتابه بقوله:
((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) [الشورى:30].
وقوله عز وجل: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) [الروم:41].
وقوله تبارك وتعالى:
((وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) [النحل:118].
فالثواب والعقاب على الاكتساب لا على الخلق وعدم الخلق، وهذه المسألة قد تاهت فيها عقول الشيعة الإمامية فلم يفهموها، لا في ضوء الكتاب ولا السنة -وهم يعتقدون فيهما ما يعتقدون- ولا في ضوء روايات أئمتهم المعصومين حسب زعمهم، كما روى الكليني وغيره عن أبي بصير أنه قال:
[[كنت بين يدي أبي عبد الله عليه السلام جالساً فسأله سائل، فقال: جعلت فداك! يا ابن رسول الله من أين لحق الشقاء بأهل المعصية حتى حكم لهم بالعذاب على عملهم في علمه؟
فقال أبو عبد الله: أيها السائل علم الله عز وجل لا يقوم له أحد من خلقه بحقه، فلما حكم بذلك وهب لأهل محبته القوة على طاعته ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله، ووهب لأهل المعصية القوة على معصيتهم لسبق علمه فيهم ومنعهم إطاعة القبول منهم، فوافقوا ما سبق لهم في علمه تعالى ولم يقدروا أن يأتوا حالاً تنجيهم من عذابه، لأن علمه أولى بحقيقة التصديق، وهو معنى شاء ما شاء وهو سره]].([325]).
وأيضاً ما رواه الكليني عن أبي عبد الله جعفر بن الباقر أنه قال:
[[لا جبر ولا تفويض ولكنه أمر بين أمرين]].([326]).
ومثل ذلك روي عن علي بن موسى الرضا -الإمام الثامن لدى الشيعة - وقد رواه يزيد بن عمير أنه قال:
دخلت على علي بن موسى الرضا وقلت له:
[[يا ابن رسول الله! روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: لا جبر ولا تفويض ولكنه أمر بين أمرين، فما معناه؟
فقال: وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه.
فقلت: فهل لله عز وجل مشيئة وإرادة في ذلك؟
فقال: أما الطاعة فإرادة الله ومشيئته فيها الأمر بها والرضا لها والمعاونة عليها، وإرادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها.
قلت: فلله عز وجل فيها القضاء؟
قال: نعم. ما من فعل يفعله العباد من خير وشر إلا وفيه قضاء]].([327]).
ومثل ذلك روي أيضاً عن جعفر أنه سئل عن الجبر والقدر؟
فقال: [[لا جبر ولا قدر، ولكن منزلة بينهما]].([328])
وروى حريز عن جعفر بن محمد أنه قال:
[[الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الله أجبر العبد على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر، ورجل يزعم أن الله فوض الأمور إليهم فهذا وهن الله في سلطانه فهو كافر، ورجل يقول: إن الله كلف العباد بما يطيقون، ولم يكلفهم بما لا يطيقون، فإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ]]([329]).
فحاصل الكلام: أن العبد ليس بمجبور محض ولا بمختار مطلق، لا كما يزعمه الشيعة:
(أن أفعال العباد صادرة عنهم وهم خالقون لها).([330]).
لأن العقاب والثواب لا يكون على خلق الأفعال، بل على كسب الأفعال.
وأما قولهم: (إن نسبة أفعال العباد إلى الله بأنها مخلوقة له، وفيها قبيح لا تصح) فقول مخالف روايات أئمتهم أيضاً، حيث إن أئمتهم قالوا كما ذكر محدثوهم أن الله خلق الشر كما خلق الخير، والشر قبيح بلا شك، فكيف ينسبونه -وهم المعصومون حسب زعمهم- إلى الله؟ وهذه هي رواياتهم:
يروي الكليني عن جعفر بن محمد الباقر أنه قال:
(إن الله كتب في كتبه: إني أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخير والشر، فطوبى لمن أجريت على يده الخير، وويل لمن أجريت على يده الشر).([331]).
ومثل ذلك رواه عن معاوية عن أبي عبد الله أنه كان يقول:
[[مما أوحى الله تعالى على موسى وأنزل عليه التوراة: (أني أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخلق وخلقت الخير، وأجريته على يد من أحب، فطوبى لمن أجريته على يديه، وأنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخلق وخلقت الشر وأجريته على يد من أريد، وويل لمن أجريت على يده الشر]].([332]).
ومثل ذلك ذكر القمي في تفسيره عنه أنه قال:
قال الله عز وجل: (أنا الله لا إله إلا أنا خالق الخير والشر).([333]).
فهل من مجيب: الشر قبيح أم لا؟
فكيف نسبه أئمتهم المعصومون -حسب زعمهم- إلى الله عز وجل؟
وهم رووا أيضاً في كتبهم عن جعفر بن محمد الباقر أنه نسب خلق الشقاوة إلى الله أيضاً ولا شك في قبحها كما رواه الكليني عن منصور بن حازم أنه قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: [[إن الله خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق الخلق]].([334]).
ثم وما معنى قول الدكتور عبد الواحد وافي:
(يذهب الشيعة الجعفرية إلى أن العبد يحدث أعماله ولكن بقدرة أودعها الله فيه).([335]).
فمن يكون الموجود الحقيقي إذاً؟ هل الذي أوجد قدرة الفعل في خلقه أم الذي خلقت فيه هذه القدرة على ذلك الفعل؟
لأن العبد محروم من قدرة الإيجاد والإبداع، وقدرة الفعل والاكتساب، وما دام الله هو المبدع وهو الخالق فيه هذه القدرة فلا تنسب ثمرته ونتيجته إلا إليه، ولا دخل للإنسان فيه.
فليتدبر الشيعة في جوابه.
وأما كون الرب خالقاً لأفعال العباد فهل يقال إنه فعل ما هو قبيح منه وظلم أم لا؟ فيجيب على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد على ابن المطهر الحلي بقوله:
(فأهل السنة المثبتون للقدرة يقولون: ليس هو بذلك ظالماً ولا فاعلاً قبيحاً، والقدرية يقولون: لو كان خالقاً لأفعال العباد كان ظالماً فاعلاً لما هو قبيح منه، وأما كون الفعل قبيحاً من فاعله فلا يقتضي أن يكون قبيحاً من خالقه، كما أن كونه أكلاً وشرباً لفاعله لا يقتضي أن يكون كذلك لخالقه؛ لأن الخالق خلقه في غيره ولم يقم بذاته، فالمتصف به من قام به الفعل لا من خلقه في غيره، كما أنه إذا خلق لغيره لوناً وريحاً وحركة وقدرة كان ذلك الغير هو المتصف بذلك اللون والريح والحركة والقدرة والعلم، فهو المتحرك بتلك الحركة، والمتلون بذلك اللون، والعالم بذلك العلم، والقادر بتلك القدرة، فكذلك إذا خلق في غيره كلاماً أو صلاة أو صياماً أو طوافاً؛ لأن ذلك الغير هو المتكلم بذلك الكلام وهو المصلي وهو الصائم وهو الطائف ولكن من قال: إن الفعل هو المفعول يقول: إن أفعال العباد هي فعل الله، فإن قال: وهو أيضاً فعل لهم لزمه أن يكون الفعل الواحد لفاعلين كما يحكى عن أبي إسحاق الإسفراييني.
وإن لم يقل: هي فعل لهم لزمه أن تكون أفعال العباد فعلاً لله لا لعباده كما يقوله الأشعري ومن وافقه من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم الذين يقولون: إن الخلق هو المخلوق، وإن أفعال العباد خلق لله، فتكون هي لله وهي مفعول لله كما أنها خلقه وهي مخلوقة، وهذا الذي ينكره جمهور العقلاء ويقولون: إنه مكابرة للحس ومخالفة للشرع والعقل.
وأما جمهور أهل السنة فيقولون: إن فعل العبد فعل له حقيقة ولكنه مخلوق لله ومفعول لله، لا يقولون: هو نفس فعل الله، ويفرقون بين الخلق والمخلوق والفعل والمفعول.([336])
وبعد بيان هذا كله نلقي نظرة عابرة على أخطاء الدكتور وافي في هذا الفصل القصير أيضاً كما عهدناها في جميع الفصول والأبواب، وعلى محاولاته تبرئة الشيعة من كثير من الانحرافات والزيغ والضلال، وتصويبهم في آرائهم ومعتقداتهم، فيقول:
(إن الشيعة الجعفرية يتفقون في بعض نواحي هذه العقيدة مع المعتزلة و القدرية ولكنهم يتقون انحراف المعتزلة بعدم موافقتهم لهم على القول بأن العباد خالقون لأعمالهم، وهو القول الذي انحرف به المعتزلة عن الاعتقاد السليم).([337]).
ومن المؤسف حقاً أن الشيخ لا يعلم وهو في هذه المنزلة من العلم وتلك المرحلة من العمر، وبهذه الجرأة في الإقدام على الكتابة لتبرئة الشيعة مما لزمهم من العار والشنار، والقول بالباطل: إن الشيعة اتقوا انحراف المعتزلة بأن العباد خالقون لأعمالهم، ذلك القول الذي انحرف به المعتزلة عن الاعتقاد السليم، بل وقعوا في عين ذلك الانحراف كما نقلنا عن الحر العاملي صاحب موسوعة حديثية شيعية كبرى وسائل الشيعة حيث يقول:
(مذهب الإمامية هو عين مذهب المعتزلة في أفعال العباد)، وهذا هو نص عبارته في كتابه الفصول المهمة في معرفة أصول الأئمة تحت الباب السابع والأربعين:
(إن الله خالق كل شيء إلا أفعال العباد، أقول: مذهب الإمامية والمعتزلة أن أفعال العباد صادرة عنهم وهم خالقون لها).([338]).
وقد أقر بذلك شيخ الشيعة المفيد في كتابه أوائل المقالات تحت باب: (القول في العدل والخلق، بعد نفي خلق الأفعال عن الله تعالى:
وعلى هذا القول جمهور أهل الإمامة، وبه تواترت الآثار عن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإليه يذهب المعتزلة بأسرها إلا ضراراً منها وأتباعهم وخالف فيه جمهور العامة -أي أهل السنة - وبقايا من عددناهم).([339]).
ونقل هذه العقيدة عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية والشاه عبد العزيز الدهلوي في التحفة الإثني عشرية وغيرهم من علماء أهل السنة والجماعة الذين كتبوا في الرد على الشيعة.
وهذه هي العقيدة المنقولة المتوارثة عن الشيعة قديماً وحديثاً، وقد تجاهلها الدكتور وافي.
وأما تبرئة الدكتور وافي الشيعة وتقريره بأنهم لا يسمون غير الله خالقاً قد انفرد بالخلق والتكوين فليست إلا تبرئة قائمة على حسن الظن وعدم المعرفة بكلام القوم؛ لأن الشيعة ينسبون الخلق إلى غير الله كما مر سابقاً في أفعال العباد، وأيضاً قد رووه عن فتح بن يزيد الجرجاني أنه قال:
[[قلت لأبي الحسن عليه السلام: هل غير الخالق الجليل خالق؟
قال: إن الله تبارك وتعالى يقول:
((فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)) [المؤمنون:14].
إن في العباد خالقين وغير خالقين، منهم عيسى عليه السلام خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله. والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار]].([340]).
وهناك روايات أخرى عن أبي جعفر وغيره تدل على أن الخلق ينسب إلى الملك:
[[هو الذي خلق سبع سماوات وسبع أرضين وأشياء]].
وكذلك ما رواه الكليني: [[أن ملكين خلاقين يخلقان بإذن الله من ذكر وأنثى وشقي وسعيد]].([341]).
وغير ذلك من الروايات.
ولا أدري مع ذلك كيف أباح الدكتور لنفسه أن يدعي هذا الادعاء، وأن يلقن الشيعة ويلقي في أفواههم ما لا يقولونه أنفسهم؟
الفصل الثالث: التقية:-
ذكر الدكتور وافي فيما ذكر من معتقدات الشيعة التقية موافقاً إياهم في جوازها، مستنداً على القرآن والسنة حيث يقول:
(إننا نتفق معهم في جواز التقية في المواطن التي يشيرون إليها، والتي أجازها القرآن وأجازتها السنة النبوية الشريفة).([342]).
ولا يعلم الدكتور أن التقية الشيعية مخالفة للقرآن والسنة كل المخالفة، حيث إن معناها الكذب المحض والنفاق الخالص. ولم ترد آية في القرآن تبيح الكذب والنفاق، ولا رواية عن رسول الله تجيزهما، بل على العكس من ذلك وردت آيات كثيرة في القرآن وأحاديث عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرم هذا وذاك. ولقد صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاجه حيث قال:
(النفاق والزندقة في الروافض أكثر من سائر الطوائف، بل لا بد لكل منهم من شعبة نفاق، فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب أن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم: ((يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)) [الفتح:11] والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه التقية، وتحكي هذا عن أئمة أهل البيت الذين برأهم الله عن ذلك، بل كانوا من أعظم الناس صدقاً وتحقيقاً للإيمان وكان دينهم التقوى، لا التقية.
وقول الله تعالى: ((لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)) [آل عمران:28] إنما هو الأمر بالاتقاء من الكفار، لا الأمر بالنفاق والكذب، والله تعالى قد أباح لمن أكره على كلمة الكفر أن يتكلم بها إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان لكن لم يكره أحداً من أهل البيت على شيء من ذلك حتى أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكره أحداً، لا منهم ولا من غيرهم على متابعته، فضلاً أن يكرههم على مدحه والثناء عليه، بل كان علي وغيره من أهل البيت يظهرون ذكر فضائل الصحابة والثناء عليهم والترحم عليهم والدعاء لهم، ولم يكن أحد يكرههم على شيء منه باتفاق الناس.
وقد كان في زمن بني أمية وبني العباس خلق عظيم دون علي وغيره في الإيمان والتقوى يكرهون منهم أشياء ولا يمدحونهم، ولا يثنون عليهم، ولا يقربونهم، ومع هذا لم يكن هؤلاء يخافونهم ولم يكن أولئك يكرهونهم مع أن الخلفاء الراشدين كانوا باتفاق الخلق أبعد عن قهر الناس وعقوبتهم على طاعتهم من هؤلاء، فإذا لم يكن الناس مع هؤلاء مكرهين على أن يقولوا بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم.. فكيف يكونون مكرهين مع الخلفاء على ذلك؟ بل على الكذب وشهادة الزور وإظهار الكفر كما تقوله الرافضة من غير أن يكرههم أحد على ذلك، فعلم أن ما تتظاهر به الرافضة هو من باب الكذب والنفاق، وأن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، لا من باب ما يكره المؤمن عليه من التكلم بالكفر).([343]).
وهو كما قاله شيخ الإسلام؛ لأن الشيعة لم يؤسسوا دينهم إلا على الكذب والنفاق، ولم يروجوا ديانتهم إلا بإظهار ما لم يعتقدوه في السر وإعلان ما يبطنون خلافه دون أن يجبرهم على ذلك أحد أو يكرههم، وخير مثال لذلك ما رواه الكشي في كتابه عن أبان بن تغلب أنه قال:
[[قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أقعد في المسجد فيجيء الناس، فيسألوني، فإن لم أجبهم لم يقبلوا مني، وأكره أن أجيبهم بقولكم، وما جاء منكم؟
فقال لي: انظر ما علمت أنه من قولهم فأخبرهم بذلك]].([344]).
ومثل ذلك رواه معاذ بن مسلم النحوي قال:
[[قال لي أبو عبد الله عليه السلام: بلغي أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟
قال: قلت: نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج، إني أقعد في الجامع فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يقولون، ويجيء الرجل أعرفه بحبكم أو مودتكم فأخبره بما جاء عنكم.. قال: فقال لي -أي أبو جعفر -: اصنع كذا فإني أصنع كذا!]].([345]).
ومثل ذلك روى أبو بصير عن محمد الباقر قال:
[[خالطوهم بالبرانية -أي ظاهراً- وخالفوهم بالجوانية -أي باطناً-]].([346]).
وهذه الروايات الثلاثة صريحة في معناها لا تحتاج إلى تشريح وتوضيح لبيان أن التقية الشيعية ليست إلا النفاق بعينه، وهذا هو المعبر عن المنافقين في القرآن الحكيم:
((وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)) [البقرة:14].
وذكره الله في أوصافهم وخصائصهم:
((يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)) [آل عمران:167].
وإن الروايات الشيعية عن أئمتهم المعصومين -حسب زعمهم- التي تنبئ وتخبر أن التقية الشيعية ليست إلا نفاقاً محضاً، كثيرة جداً، وقد أوردنا الكثير منها في كتابنا الشيعة والسنة تحت باب (الشيعة والكذب)، وما لم نوردها فيه نذكر بعضاً منها ههنا زيادة للفائدة والمعرفة، فيروي الكليني في كافيه عن هشام الكندي أنه قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
[[إياكم أن تعملوا عملاً يعيرونا به، فإن ولد السوء يعير والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً، ولا تكونوا عليه شيناً، صلوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم. والله ما عبد الله بشيء أحب إليه من الخبء. قلت: وما الخبء؟
قال: التقية]].([347]).
وروى ابن بابويه القمي عن المدرك بن هزهاز أنه قال:
[[قال أبو عبد الله عليه السلام: يا مدرك! رحم الله عبداً اجتر مودة الناس إلى نفسه فحدثهم بما يعرفون، وترك ما ينكرون]].([348]).
وكذبوا على أصحاب الكهف حيث اتهموهم بالنفاق وخداع الناس بإظهارهم خلاف ما يبطنون في قلوبهم حيث نقلوا عن جعفر أنه قال:
[[ما بلغ التقية أحد تقية أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدون الأعياد ويشدون الزنانير، فأعطاهم الله أجرهم مرتين]].([349]).
مع أن الرب تبارك وتعالى أخبر عكس ذلك حيث ذكر في كلامه المحكم: ((إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)) [الكهف:13]* ((وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً)) [الكهف:14] * ((هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)) [الكهف:15] * ((وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً)) [الكهف:16].
ولكن القوم يقولون عكس ذلك، ويأمرون الناس بالكذب، وأن يصيروا من المنافقين، الذين قال الله عنهم:
((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)) [النساء:145].
ومعروف أن الإنسان إذا كان في بلدة يخاف على دينه وعرضه وماله من تعرض المخالفين وجبرهم وظلمهم وقهرهم على عدم إظهار دينه والعمل بأحكامه وتعاليمه، وجب عليه أن يهاجر إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه والعمل به كما قال الله عز وجل:
((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) [النساء:97] * ((إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً)) [النساء:98] * ((فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً)) [النساء:99] * ((وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [النساء:100].
فأمرهم الرب تبارك وتعالى بالهجرة، إلا المستضعفين منهم فإنه يجوز لهم المكث مع المخالفة والموافقة بقدر الضرورة، ووجب عليهم أيضاً أن يسعوا في الحيلة للخروج والفرار بدينهم.
نعم. إن وقع شخص في أيدي الكفار، وأجبروه على كلمة الكفر بالتخويف والتهديد والحبس والفتك والقتل، جاز له أن ينطق بتلك الكلمة وقلبه مطمئن بالإيمان، وفي تلك الصورة.. فإن التفوه بهذه الكلمة رخصة وعدم التفوه بها عزيمة، ولو قتل دون ذلك فهو شهيد كما يدل على ذلك ما قاله الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه عن رجلين من أصحابه أخذهما مسيلمة الكذاب، فقال لأحدهما:
{أتشهد أن محمداً رسول الله؟
قال: نعم، فقال: أتشهد أني رسول الله؟
قال: نعم، ثم دعا الآخر فقال له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟
قال: نعم، قال: أتشهد أني رسول الله؟
قال: إني أصم. قالها ثلاثاً، وفي كل يجيبه: إني أصم، فضرب عنقه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
أما هذا المقتول فقد مضى على صدقه ويقينه وأخذ بفضله، فهنيئاً له، وأما الآخر فقد رحمه الله تعالى فلا تبعة عليه}.([350])
ولكن الشيعة جعلوا النفاق والكذب عزيمة، والصدق والمجاهرة بالحق رخصة، ولا رخصة أيضاً حيث نقلوا عن أئمتهم المعصومين حسب زعمهم -وهم يكذبون عليهم- أنهم قالوا كما رواه الكليني عن جعفر:
[[يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله]].([351]).
وكما رواه الكليني أيضاً عن جعفر أنه قال لأحد أصحابه معلى بن خنيس: [[يا معلى! اكتم أمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا، وجعله نوراً بين عينيه في الآخرة، يقوده في الجنة.
يا معلى! من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا ونزع النور من بين عينيه في الآخرة، وجعله ظلمة تقوده إلى النار.
يا معلى! إن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له]].([352]).
وروى الكليني أيضاً عن جعفر عن أبيه محمد الباقر أنه قال:
[[لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إلي من التقية، يا حبيب! إنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب! من لم تكن له تقية وضعه الله]].([353]).
وعنه أيضاً عن أبي عمر الأعجمي أنه قال:
قال لي أبو عبد الله عليه السلام: [[يا أبا عمر، إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا النبيذ والمسح على الخفين]].([354]).
كما روى أيضاً عن جعفر أنه قال:
[[كان أبي عليه السلام يقول: وأي شيء أقر لعيني من التقية، وإن التقية جنة المؤمن]].([355]).
هذا وقد أورد عالم شيعي كبير هو عبد الله شبر في كتابه الأصول الأصيلة والقواعد الشرعية روايات كثيرة في وجوب التقية، منها ما رواه عن الحسين بن علي أنه قال:
[[لولا التقية ما عرف ولينا من عدونا]].
وعن محمد الباقر أنه قال:
[[أشرف أخلاق الأئمة والفاضلين من شيعتنا استعمال التقية]].
وعن أبيه علي بن الحسين أنه قال:
[[يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين، ترك التقية وتضييع حقوق الإخوان]].
وعن موسى بن جعفر أنه قال لرجل:
[[لو جعل إليك التمني في الدنيا ما كنت تتمنى؟
قال: كنت أتمنى أن أرزق التقية في ديني وقضاء حقوق إخواني، فقال: أحسنت، أعطوه ألفي درهم]].
وعن علي بن محمد -الإمام العاشر للشيعة - أنه سئل: [[من أكمل الناس؟
قال: أعلمهم بالتقية وأقضاهم لحقوق إخوانه إلى أن قال:
فأعظم فرائض الله عليكم بعد فرض موالاتنا ومعاداة أعدائكم استعمال التقية على أنفسكم وأموالكم ومعارفكم، وقضاء حقوق إخوانكم، وإن الله يغفر كل ذنب بعد ذلك ولا يستقصي، فأما هذان فقل من ينجو منهما إلا بعد مس عذاب شديد]].([356]).
ورووا أيضاً عن أبي الحسن – إمامهم المعصوم المزعوم – أنه قال:
[[إن أكرمكم عند الله أتقاكم، قال: أشدكم تقية]].([357]).
وعن داود الصرمي أنه قال:
[[قال لي مولانا علي بن محمد عليه السلام: يا داود! لو قلت: إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً]].([358]).
وروى الطوسي في أماليه عن جعفر أنه قال:
[[ليس منا من لم يلزم التقية]].([359]).
فهذه هي التقية الشيعية، وهذه هي مكانتها وشأنها عندهم يقول السيد محب الدين الخطيب المصري في رسالته الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها مذهب الشيعة الإثني عشرية:
(وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه التقية، فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتطاهرون له به من رغبتهم في التعاون والتقارب، وهم لا يريدون ذلك، ولا يرضون به، ولا يعملون له).([360]).
وأضف إلى قول السيد الخطيب: إن الشيعة لا يظهرون بغير ما يبطنون لنا أهل السنة خاصة. بل إنهم يعودون على الكذب حتى مع أهل مذهبهم كي يصير الكذب والنفاق سجيتهم وطبيعتهم كما روى الطوسي في أماليه أنه قال جعفر لشيعته:
[[عليكم بالتقية، فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه ليكون سجيته مع من يحذره]].([361]).
فمن يك هذا دينهم، أيقال عنهم: إننا نتفق معهم في جواز التقية في المواطن التي أشير إليها، والتي أجازها القرآن الكريم وأجازته السنة النبوية الشريفة.
ولقد أخطأ السيد الدكتور حيث قال:
(وقد أجازها الشيعة الجعفرية).([362]).
لأن الشيعة لا يجيزونها فحسب، بل يوجبونها كما نقلنا عنهم روايات كثيرة في ذلك، وكما صرح به صدوقهم ابن بابويه القمي في اعتقاداته:
(التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يقوم القائم، ومن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة).([363]).
وقال مفيدهم:
(التقية: كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا، وفرض ذلك إذا علم بالضرورة أو قوي في الظن).([364]).
وقال في أوائل المقالات:
(إنها قد تجب أحياناً ويكون فرضاً، وتجوز أحياناً من غير وجوب).([365]).
ولقد فصلنا القول في ذلك في كتابنا الشيعة والسنة وبحثنا فيه عن الأسباب التي ألجأت الشيعة وأرغمتهم على اعتقادها، كما أوردنا فيه روايات كثيرة ونصوصاً عديدة من كتبهم المعتمدة ورجالاتهم الموثوقين، أعرضنا عن إيرادها ههنا تجنباً للتكرار والإطالة، وعلى كل من يريد أن يعرف حقيقة هذه العقيدة فليرجع إليه، فإنه لا غنى عنه.
ونختم الكلام في هذا المبحث برواية يرويها بخاريهم الكليني عن عبد الله بن أبي يعفور أنه قال:
[[قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق، قال:
فاستوى أبو عبد الله عليه السلام جالساً، فأقبل عليَّ كالغضبان، ثم قال:
لا دين لمن دان الله بولاية إمام ليس من الله]].([366]).
فكيف يكون الصدق والوفاء لقوم أمروا بالكذب والنفاق؟
يقول عالم شيعي هندي هو السيد إمام:
(إن مذهب الإمامية وأهل السنة عينان تجريان إلى مختلف الجهات، وإلى القيامة تجريان هكذا متباعدتين، لا يمكن اجتماعهما أبداً).([367]).
الفصل الرابع: البَداء:-
هنالك عقيدة شيعية أخرى لا تقل شناعة عن العقائد الأخرى التي يختص بها القوم، وهي عقيدة البداء في الله.
ومعنى البداء: الظهور بعد الخفاء كما ذكر ذلك السيد محسن الأمين في كتابه الشيعة بين الحقائق والأوهام تحت عنوان البداء:
البداء مصدر بدا يبدو بداء أي ظهر، ويستعمل في العرف بمعنى الظهور بعد الخفاء، فيقال: فلان كان عازماً على كذا ثم بدا له فعدل عنه.([368]).
وبمثل ذلك نقل ابن منظور الأفريقي عن اللغويين حيث قالوا:
(البداء استصواب شيء بعد أن لم يعلم.. وقال الفراء: بدا لي بداء أي ظهر لي رأي آخر وأنشد:
لو على العهد لم يخنه لدمنا ثم لم يبد لي سواه بداء)
قال الجوهري: (وبدا له في الأمر بداء أي نشأ له فيه رأي -وذكر أيضاً-: بدا لي أي تغير لي رأي على ما كان عليه).([369]).
وفي هذا المعنى استعمل هذا اللفظ في القرآن الكريم:
((وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)) [الزمر:47].
((وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)) [الزمر:48].
((وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)) [الجاثية:33].
((قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)) [آل عمران:118].
وأيضاً: ((فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا)) [الأعراف:22].
ففي كل الآيات استعمل هذا اللفظ بمعنى الظهور بعد الخفاء.
وتجيز الشيعة هذا البداء لله، أي يظهر له أمر بعدما كان خافياً عليه -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- كما تنص على ذلك روايات شيعية كثيرة في أمهات كتبهم، المعتمدة الموثوقة، منها مارووه عن جعفر أنه كان يقول بإمامة ابنه إسماعيل بعده، ثم مات إسماعيل في حياته فقال:
[[ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني]].([370])
ومثل ذلك ما رواه الكليني في كافيه عن إمامهم العاشر علي بن محمد المكنى بأبي الحسن أنه لما مات ابنه الأكبر محمد المكنى بأبي جعفر وبقي له ابنه الأصغر الحسن المكنى بأبي محمد قال كما روى أبو هاشم الجعفري:
[[كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد ما مضى ابنه جعفر وإني لأفكر في نفسي أريد أن أقول: كأنهما أعني أبا جعفر و أبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى و إسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهم السلام وأن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجي بعد أبي جعفر عليه السلام فأقبل عليّ أبو الحسن قبل أن أنطق فقال:
نعم يا أبا هاشم! بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، و أبو محمد ابنى المخلف من بعدي]].([371]).
وكما رواه أيضاً عن محمد بن عبد الله الأنباري أنه قال:
[[كنت حاضراً أبا الحسن عليه السلام لما توفي ابنه محمد فقال للحسن:
يا بني! أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً]].([372]).
وهذه الروايات الثلاثة صريحة في معناها بأن الله لم يكن يعلم بأن كلاً من إسماعيل بن جعفر، و محمد بن علي لا يصلحان للإمامة، وخفي الأمر عليه، ثم ظهر له عدم صلاحيتهما لتلك المنزلة وذلك المنصب فأحدث الإمامة في موسى بن جعفر و حسن بن علي.
هذا وروى محدثو الشيعة روايات كثيرة في هذا المعنى، منها ما رواه ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق عن علي بن موسى الملقب بالرضا – الإمام الثامن لدى الشيعة -:
{لقد أخبرني أبي عن آبائي عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(إن الله أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلاناً الملك: أني متوفيه إليَّ كذا وكذا.
فأتاه ذلك النبي فأخبره، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير، قال: يا رب، عجلني حتى يشب طفلي ويقضى أمري.
فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي أن ائتِ الملك فأعلم أني قد أنسيت في أجله وزدت في عمره إلى خمس عشرة سنة، فقال ذلك النبي عليه السلام: يا رب، إنك لتعلم أني لم أكذب قط، فأوحى الله عز وجل إليه: إنك عبد مأمور فأبلغه ذلك، والله لا يسأل عما يفعل}.([373])
ورووا مثل ذلك عن نبي الله عيسى الناطق بالوحي أنه مر بقوم مجلبين كما نقله القمي عن جعفر بن محمد فقال عيسى عليه السلام:
[[ما لهؤلاء؟
قيل: يا روح الله! إن فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه قال: يجلبون اليوم ويبكون غداً، فقال قائل منهم: ولم يا رسول الله؟
قال: لأن صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه، فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله، وقال أهل النفاق: ما أقرب غداً، فلما أصبحوا جاؤوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء، فقالوا: يا روح الله! إن التي أخبرتنا أمس أنها ميتة لم تمت، فقال عيسى عليه السلام: يفعل الله ما يشاء، فاذهبوا بنا إليها، فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب فخرج زوجها، فقال له عيسى عليه السلام: استأذن لي إلى صاحبتك، قال: فدخل عليها فأخبرها أن روح الله وكلمته بالباب مع عدة، قال: فتخدرت، فدخل عليها فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه؟
قال: لم أصنع شيئاً إلا وقد كنت أصنعه فيما مضى، إنه كان يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثلها، وأنه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغيل، فهتف فلم يجبه أحد، ثم هتف فلم يجبه أحد حتى هتف مراراً، فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى أنلته كما كنا ننيله، فقال لها: تنحي عن مجلسك: فإذا تحت ثيابها أفعى مثل جذعة عاض على ذنبه، فقال عليه السلام: بما صنعت صرف الله عنك هذا]].([374]).
وكذبوا على نبي الله محمد صلوات الله وسلامه عليه نقلاً عن جعفر أيضاً أنه قال:
{مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: السام عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وعليك، فقال أصحابه: إنما سلم عليك بالموت. قال: الموت عليك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: كذلك رددت، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا اليهودي يعضه أسود في قفاه فيقتله. قال: فذهب اليهودي فاحتطب حطباً كثيراً فاحتمله، ثم لم يلبث أن انصرف فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعه فوضع الحطب فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود، فقال: يا يهودي ما عملت اليوم؟ قال: ما عملت عملاً إلا حطبي هذا احتملته فجئت به وكان معي كعكتان فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة على مسكين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
بها دفع الله عنه، وقال: إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان}([375]).
ومعنى الروايتين واضح جلي أن نبي الله عيسى عليه السلام أخبر بموت العروسة بإخبار من الله عز وجل وبوحي منه وخفي على الله -عياذاً بالله- بأن العروسة واليهودي لا يموتان في وقتهما الذي حدد لموتهما لعارضة تعرض، وسبب يحدث، كما لم يظهر له -تعالى الله عما يقولونه علواً كبيراً- أن رسوليه يكذبان من قبل المعاندين، ويهزأ بهما من قبل المنافقين، ويتكلم الناس في أمرهما ما يتكلمون، ويكون في أيديهم حجة لتكذيبهم إياهم وللرد على مقولاتهم وأنبائهم فلا يبقى إذاً معنى النبوة والنبوءة.
وعلى ذلك اضطرب القوم في أمر هذه العقيدة الخبيثة المتفق عليها عند جميع الشيعة كما قال شيخهم المفيد: (واتفقت الإمامية على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس).([376]).
فهذه العقيدة المتفقة عندهم جعلتهم يضطربون عند الإيرادات والإشكالات ولا يجدون عنها مخلصاً إلا بالتأويلات الركيكة، والتوجيهات الضعيفة الرخيصة، منها ما التجأ إليه كاتب شيعي دعائي في كتابه الدعائي المشهور أصل الشيعة وأصولها، وضعف قوته وفتور همته وقلة حيلته وعدم ثقته بكلامه تتدفق من عبارته وهو يقول:
(أما البداء الذي تقول به الشيعة الذي هو من أسرار آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وغامض علومهم حتى ورد في أخبارهم الشريفة أنه: [[ما عبد الله بشيء مثل القول بالبداء]]، وأنه: [[ما عرف الله حق معرفته ولم يعرف بالبداء]]، إلى كثير من أمثال ذلك، فهو عبارة عن إظهار الله جل شأنه أمراً يرسم في ألواح المحو والإثبات وربما يطلع عليه بعض الملائكة المقربين أو أحد الأنبياء والمرسلين فيخبر الملك به النبي، والنبي يخبر به أمته، لم يقع بعد ذلك خلافه؛ لأنه محاه وأوجد في الخارج غيره وكل ذلك كان جلت عظمته يعلمه حق العلم ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يطلع عليه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي ممتحن، وهذا المقام من العلم هو المعبر عنه القرآن الكريم بأم الكتاب المشار إليه، وإلى المقام الأول بقوله تعالى: ((يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) [الرعد:39] ولا يتوهم الضعيف أن هذا الإخفاء والإبداء يكون من قبيل الإغراء بالجهل وبيان خلاف الواقع، فإن في ذلك حكماً ومصالح تقصر عنها العقول وتقف عندها الألباب).([377]).
ثم إن القوم لم يقفوا في سرد الروايات لدعم عقيدتهم هذه إلى هذا الحد بل قالوا: (إن نبي الله لوطاً عليه السلام كان يخاف من البداء لله إلى حد أنه طالب ملائكة العذاب أن يعجلوا بقومه العذاب كي لا تتغير إرادة الله فيهم بسبب من الأسباب التي خفيت عليه وتظهر فيما بعد).
وهذه هي عبارة القوم نقلاً عن محمد الباقر بعد ذكر رسل الله الذين أرسلوا إلى قوم لوط:
[[قال لهم لوط: يا رسل ربي فما أمركم ربي فيهم؟
قالوا: أمرنا أن نأخذهم بالسحر.
قال: فلي إليكم حاجة.
قالوا: وما حاجتك؟
قال: تأخذونهم الساعة، فإني أخاف أن يبدو لربي فيهم.
فقالوا: يا لوط، إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب]].([378]).
وقد بالغوا في هذا حتى قالوا نقلاً عن محمد الباقر: أنه قال:
[[إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النطفة التي مما أخذ عليها الميثاق في صلب آدم أو ما يبدو له فيه ويجعلها في الرحم حرك الرجل للجماع وأوحى إلى الرحم – أن افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ وقدري، فتفتح الرحم بابها فتصل النطفة إلى الرحم، فتردد فيه أربعين يوماً. ثم تصير علقة أربعين يوماً، ثم تصير مضغة أربعين يوماً، ثم تصير لحماً تجري فيه عروق مشتبكة، ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء الله فيقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم، وفيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقان له السمع والبصر، وجميع الجوارح، وجميع ما في البطن بإذن الله، ثم يوحي الله إلى الملكين: اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمرين واشترطا لي البداء فيما تكتبان.. فيملي أحدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء فيما يكتبان]].([379]).
وقد عظموا هذه العقيدة حتى نقلوا عن أئمتهم أنهم قالوا:
[[ما عبد الله بشيء مثل البداء]] قاله محمد الباقر([380]).
وعن جعفر أنه قال:
[[ما عظم الله بمثل البداء]].([381]).
وعنه أيضاً ما نقله مالك الجهني أنه قال:
[[لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما افتروا من الكلام فيه]]([382]).
وعن مرازم بن حكيم أنه قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
[[ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس خصال: بالبداء، والمشيئة، والسجود، والعبودية، والطاعة]].([383]).
وأخيراً ما رواه الريان بن صلت أنه قال:
سمعت الرضا عليه السلام يقول: [[ما بعث الله نبياً قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقر لله بالبداء]].([384]).
هذا ما يقوله الشيعة عن الله ويعتقدوه فيه وراثة عن اليهودية البغيضة، وناقلة أفكارها الخبيثة من قول اليهود:
(رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم. فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، فقال الرب: امحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم).([385]).
ومثل هذه الفقرات كثيرة في التوراة واضحة تشير إلى أن الله فعل شيئاً ولم يكن ليفعل لو علم في حينه أن نتيجته خلاف ما أراده، وخفي عليه ما ظهر فيما بعد سبحانه عما يصفون.
وأما ما يقوله الرب جل وعلا في كتابه المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو مخالف تمام المخالفة لما يعتقده اليهود والشيعة يقول الرب عز وجل عن نفسه:
((عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)) [سبأ:3].
وقال:
((وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ)) [يونس:61].
وقال: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)) [الأنعام:59].
وأمر ملائكته أمر ملائكته أن يقولوا:
((وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)) [مريم:64].
وقال على لسان موسى عليه السلام:
((لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى)) [طه:52].
وقال:
((وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)) [الطلاق:12].
وقال: ((وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً)) [النساء:126].
وقال: ((أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)) [فصلت:54].
والآيات في هذا المعنى كثيرة لا تعد ولا تحصى.
أما الشيعة فيعتقدون في الله عكس ما يقوله الرب عنه جل جلاله، وعم نواله، مصرحين بأن الله تعالى ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهراً.([386]).
ولماذا قالوا بالبداء؟
هؤلاء القوم لماذا يقولون بهذه المقالة الشنيعة؟
يجيب على ذلك أقدم من كتب في فرق الشيعة من الشيعة ومن يليه أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي، و سعد بن عبد الله القمي في كتابيهما فرق الشيعة، وكتاب المقالات والفرق نقلاً عن سليمان بن جرير:
(إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذبهم أبداً، وهما القول بالبداء، وإجازة التقية.
فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون، والإخبار بما يكون في الغد، وقالوا لشيعتهم: إنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا، فإن جاء ذلك الشيء على ما قالوه قالوا لهم:
ألم نعلمكم أن هذا يكون، فنحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء عن الله ما علمت، وإن لم يكن ذلك الشيء الذي أخبروا به على ما قالوا، اعتذروا لشيعتهم بقولهم: بدا لله في ذلك بكونه).([387])
فما أصدقه وأحسن به.
هذا ولم يقولوا بهذه المقالة ولم يعتقدوا بهذا الاعتقاد إلا لمخالفتهم المسلمين أهل السنة حيث إنهم أسسوا قواعد مذهبهم على مخالفة العقائد الإسلامية الخالصة المستقاة من كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه كما بيناه فيما مضى.
وليس الأمر كما تصوره السيد الدكتور ومن يحذو حذوه ويسلك مسلكه دون علم أو برهان.
الفصل الخامس: الجفر:-
وأما الجفر الذي تعرض لذكره الدكتور وافي حين قال:
(هذا الكتاب لم تتصل روايته، ولا عرف عينه ولا صحة نسبته إلى الإمام جعفر، ومع تردد ذكره في الكتب المعتمدة عند الشيعة الجعفرية، فإن معظمهم لا يعرض لتأييده).([388]) فإنه ثابت موجود لدى الشيعة الإثني عشرية، مقرر عندهم، ولم يعرض أحد لرده خلاف الدكتور، وقد صحت نسبته إلى جعفر بن الباقر حسب زعم القوم، واتصلت روايته، فإن محمد بن الحسن الصفار مثلاً الذي يعد من أصحاب الحسن العسكري -الإمام الحادي عشر المعصوم المزعوم- ومن أساتذة أئمة الحديث الشيعي كالكليني ووالد صدوق الشيعة علي بن الحسين، وغيرهم، ذكر في كتابه بصائر الدرجات أربعاً وثلاثين رواية موصولة متصلة، منها واحدة ثلاثون عن جعفر بن محمد، وواحدة منها عن أبيه محمد الباقر، وأخرى عن أبيه ابن الحسين، والثالثة منها عن أبي الحسن.
وكذلك أورد الكليني إمام محدثي الشيعة ثماني روايات في ذكر الجفر، كلها عن جعفر بن محمد، روايات متصلة صحيحة الإسناد حسب قواعد الشيعة وأصول القوم.
ولا أدري على أي أساس قال ما قاله سيادته في ذلك، تبرئة لساحة الشيعة عما يلزمهم من الشناعة والسخرية بسبب عقائدهم الغريبة.
ونود أن نورد ههنا روايات كي يعرف القارئ الجفر الشيعي الذي يؤهل أئمة الشيعة أن يساووا الأنبياء والمرسلين، بل وأكثر من ذلك أن يضاهوا علم الله بعلمهم ومعرفتهم ما سيكون ويحدث إلى يوم القيامة، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون.
فيروي الكليني عن أبي بصير أنه قال:
[[دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك! إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟
قال: فرفع أبو عبد الله ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه، ثم قال:
يا أبا محمد! سل عما بدا لك. قال: قلت: جعلت فداك، إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم علياً عليه السلام باباً ينفتح له منه ألف باب؟
قال: فقال: يا أبا محمد! علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام ألف باب يفتح من كل باب ألف باب.
قال: قلت: هذا والله العلم. قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك... ثم قال:
وإن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر؟
قال: قلت: وما الجفر؟
قال: وعاء من آدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل]].([389]).
وروي أيضاً عن الحسين بن أبي العلاء أنه قال:
[[سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن عندي الجفر الأبيض، قال: فقلت: أي شيء فيه؟
قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليه السلام، والحلال والحرام.. وعندي الجفر الأحمر، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟
قال: السلاح، وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أصلحك الله. أيعرف هذا بنو الحسن؟
فقال: إي والله كما يعرفون الليل أنه ليل، والنهار أنه نهار ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم]].([390]).
وروى الصفار عن أبي مريم عن محمد الباقر أنه قال في رواية طويلة:
[[وعندنا الجفر، وهو أديم عكاظي قد كتب فيه حتى ملئت أكارعه، فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة]].([391]).
وروي أيضاً عن أبي بصير عن جعفر بن محمد أنه قال في رواية طويلة عنه:
[[إن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر؟ مسك شاة أو جلد بعير؟
قال: قلت: جعلت فداك! ما الجفر؟
قال: وعاء أحمر أو أدم أحمر فيه علم النبيين والوصيين، قلت: هذا والله هو العلم. قال: إنه لعلم وما هو بذاك.. ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. قال: قلت: جعلت فداك هذا والله هو العلم. قال: إنه لعلم وما هو بذاك، قال: قلت: جعلت فداك: وأي شيء هو العلم؟
قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة]].([392]).
فهذا هو الجفر لدى القوم، وما الله بغافل عما يقولون ويعملون.
وأما جعل الدكتور الجفر و مصحف فاطمة شيئاً واحداً فيدل على عدم علمه بكتب الشيعة، ومعرفته بمذهبهم ومعتقدهم حيث إنهم يجعلون الجفر شيئاً آخر مستقلاً، و مصحف فاطمة كتاباً آخر لا علاقة بينهما إطلاقاً.
كما أن حضرته نسي في غمرات الحب والدفاع عن معتقدات القوم أن ما يقوله في صفحة 72 من كتيبه عن الجفر يخالف ما قاله في صفحة 43، حيث يقول في معرض الكلام عن الجفر وعدم نسبته إلى جعفر:
(ولو صح سنده لحمل أن ما فيه يتمثل في إلهام إلهي للإمام الصادق، وقد ذكرنا فيما سبق أن الجمهور يقر حقيقة الإلهام للمصطفين الأخيار من الناس، ومن عسى أن يكون أحق بهذا الوصف من الإمام جعفر الصادق وآل بيت الرسول صلوات الله وسلامه عليه).([393]).
وهو الذي نقل رواية قبل ذلك عن الكليني في كتابه عن جعفر بن محمد:
(مكثت فاطمة بعد النبي خمسة وسبعين يوماً صبت عليها مصائب من الحزن لا يعلمها إلا الله، فأرسل الله إليها جبريل يسليها ويعزيها ويحدثها عن أبيها وما يحدث لذريتها، وكان علي يسمع ويكتب حتى جاء به مصحفاً قدر القرآن ثلاث مرات ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون -ثم قال-: ولعل هذا هو الجفر).([394]).
فكيف التوافق بين هذا وذاك؟
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
وأما قوله: ومن عسى أن يكون أحق بهذا الوصف (يعني الإلهام) من الإمام جعفر الصادق وآل بيت الرسول: فليس إلا مجازفة ومبالغة ومغالاة، وتخصيص قوم بالفضائل دون قوم آخرين بدون سند ولا دليل من الكتاب والسنة، لأن التقرب إلى الله والاصطفاء لديه لا يكون لحسب ولا نسب، والعز والشرف والمكرمة عنده لا تكون لقوم دون قوم، وقبيلة دون قبيلة، بل مداره طهارة النفس وتقوى القلوب: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) [الحجرات:13]
فكم من الهاشميين لم ينالوا مرتبة أو منزلة عند الله وعند رسوله الهاشمي صلوات الله وسلامه عليه مثل ما نالها غيرهم من العرب وغير العرب أيضاً، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمر بن الخطاب أنه ملهم في أمته، كما ذكره الدكتور وافي، ولم يخبر عن عباس -وهو سيد بني هاشم بعد نبي الله صلى الله عليه وسلم، وعمه الحقيقي- وكذلك نال من الكرامة والصحبة أبو بكر رضي الله عنه ما لم ينلها أحد غيره في الكون من أهل البيت وغير أهل البيت.
وإلى ذلك أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما نقل عنه الذهبي:
(ولولا أن الناس وجدوا عند مالك و الشافعي و أحمد أكثر مما وجدوه عند موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي لما عدلوا عن هؤلاء إلى هؤلاء.. ونفس بني هاشم كانوا يستفيدون من علم مالك بن أنس أكثر مما يستفيدون من ابن عمهم موسى بن جعفر).([395]).
الباب السادس: الشيعة الإثنا عشرية ومسألة الإمامة
إن الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية كالنبوة، والإمام عندهم كالنبي غير أنه لا يطلق عليه لفظ النبوة كما صرح بذلك الكليني في كافيه، حيث روى عن محمد بن مسلم أنه قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: [[الأئمة بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنهم ليسوا بأنبياء، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأما ما خلا ذلك فهم بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]].([396]).
وروي أيضاً عن جعفر أنه قال:
[[نحن خزان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا، ونهى عن عصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض]].([397]).
وأورد رواية أخرى عن مفضل بن عمر عن جعفر أنه سئل عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخي عليه ستره، فقال:
[[يا مفضل! إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمسة أرواح، روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فبه آمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة، فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقل روح القدس فصار إلى الإمام([398])، وروح القدس لا ينام ولا يغفل، ولا يلهو ولا يزهو، وأربعة الأرواح تنام وتغفل، وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به]].([399]).
وكما روى الكليني هذا أيضاً عن جعفر أنه سأله رجل من أهل هيت عن قول الله عز وجل: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)) [الشورى:52]، فقال: [[منذ أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما صعد إلى السماء وإنه لفينا، وفي رواية: كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبره ويسدده -وهو مع الأئمة من بعده- وهو من الملكوت]].([400]).
وهناك روايات أخرى صريحة أكثر من ذلك قد ذكرنا بعضاً منها فيما سبق، ونكتفي ههنا بذكر روايتين من الصفار عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال:
{إن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برمانتين فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما وكسر الأخرى نصفين، فأكل نصفها وأطعم رسول الله علياً نصفها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
يا أخي: هل تدري ما هاتان الرمانتان؟
قال: لا.
قال: أما الأولى فالنبوة، ليس لك فيها شيء، وأما الأخرى فالعلم، أنت شريكي فيه، فقلت: أصلحك الله كيف يكون شريكه فيه؟
قال: لا يعلم الله محمداً علماً إلا وأمره أن يعلم علياً}.([401]).
وروي أيضاً عن علي بن الحسين:
[[إن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان أمين الله في أرضه، فلما قبض محمد صلى الله عليه وآله وسلم كنا أهل البيت ورثته، ونحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق، وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا، ويدخلون مدخلنا، نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، ونحن أبناء الأوصياء، ونحن المخصصون في كتاب الله، ونحن أولى الناس بالله، ونحن أولى الناس بكتاب الله، ونحن أولى الناس بدين الله، ونحن الذين شرع لنا دينه، فقال في كتابه: شرع لكم يا آل محمد من الدين ما وصى به نوحاً، وقد وصانا بما أوصى به نوحاً، والذي أوحينا إليك يا محمد وما وصينا به إبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى وإسحاق ويعقوب، فقد علمنا وبلغنا ما علمنا، واستودعنا علمهم، نحن ورثة الأنبياء، ونحن ورثة أولي العزم من الرسل: أن أقيموا الدين يا آل محمد ولا تفرقوا فيه، وكونوا على جماعة، كَبر على المشركين من أشرك بولاية علي ما تدعوهم إليه من ولاية علي، إن الله يا محمد يهدي إليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي([402]) عليه السلام]]([403]).
فهذه هي الإمامة عند الشيعة وهذا هو الإمام، ولا بأس أن نورد ههنا روايتين أوردهما صدوق الشيعة – وهو كذوب – ابن بابويه القمي، وهو واحد من أصحاب الصحاح الأربعة أنه روى عن جعفر بن محمد الباقر عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين([404]) أنه قال:
[[نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها، ثم قال:
ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لما يعبد الله، قال سليمان فقلت للصادق عليه السلام:
فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟
قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب]].([405]).
وروي أيضاً عن محمد الباقر أنه قال:
[[نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحون حوزته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن أمناء الله عز وجل، ونحن حجج الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام، ونحن من رحمة الله على خلقه، ونحن من بنا يفتح وبنا يختم، ونحن أئمة الهدى، ونحن مصابيه الدجى، ونحن منار الهدى، ونحن السابقون، ونحن الآخرون، ونحن العلم المرفوع للخق، من تمسك بنا لحق، ومن تأخر عنا غرق، ونحن قادة الغر المحجلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله عز وجل، ونحن من نعمة الله عز وجل على خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوة، ونحن موضع الرسالة، ونحن الذين إلينا تختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنة، ونحن عرى الإسلام، ونحن الجسور والقناطر، من مضى عليها لم يسبق، ومن تخلف عنها محق، ونحن السنام العظام، ونحن الذين بنا ينزل الله عز وجل الرحمة، وبنا يسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصر عنكم العذاب، فمن عرفنا وأبصرنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منا وإلينا]].([406]).
وعلى ذلك قالوا: (يجب على الله نصب الإمام كنصب النبي).([407]).
وليس للخلائق خيار في اختيار الإمام وتعيينه، والله نصب للعالم أجمع إثني عشر إماماً، أولهم علي وآخرهم معدومهم الذي يزعمونه ابناً للحسن العسكري الذي لم يولد قط.
ومن الغرائب أن واحداً من هؤلاء الإثني عشر لم يملك زمام الحكم أبداً غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي جعل الإمام باختيار من الناس بعد خلفاء رسول الله الثلاثة الذين سبقوه على منصب الإمامة والزعامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين استشهد علي رضي الله عنه على صحة خلافته بصحة خلافتهم حيث قال كما ورد في أقدس كتاب شيعي نهج البلاغة - عكس ما يقوله القوم ورغم أنوفهم:
[[إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى]].([408]).
وحاصل الكلام: (أننا لا نفهم الإمامة الشيعية التي يجعلونها واجبة، والتي يقولون فيها: إن على الله أن ينصب من يشغلها يحوز بها لردع الظالم عن ظلمه وحمل الناس على الخير وردعهم عن الشر).([409]).
ولحفظ الشريعة من الضياع ورفع الفساد وإقامة الحدود ونشر الأحكام والانتصاف للمظلوم من الظالم.([410]).
(وإن الناس متى كان لهم رئيس منبسط اليد، قاهر، عادل، يردع المعاندين، ويقمع المتغلبين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، اتسقت الأمور، وسكنت الفتن، ودرت المعايش، وكان الناس مع وجوده إلى الصلاح أقرب. ومتى خلوا من رئيس صفته ما ذكرناه تكدرت معايشهم وتغلب القوي على الضعيف، وانهمكوا في المعاصي، ووقع الهرج والمرج، وكانوا إلى الفساد أقرب، ومن الصلاح أبعد).([411]).
لأن أئمتهم الإثني عشر بما فيهم علي رضي الله تعالى عنه -حسب مقولتهم- لم يستطيعوا ردع الظالم عن ظلمه إياهم، ولم يتمكنوا بإقامة الحدود ولا رفع الفساد، ولا الانتصاف لأنفسهم من الظالم.. فضلاً عن غيرهم من المظلومين، وبذلك رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكر كلام الحلي: (إنه نصب أولياء معصومين لئلا يخلي الله العالم من لطفه)، فقال:
(هم يقولون: إن الأئمة المعصومين مقهورون مظلومون عاجزون، ليس لهم سلطان ولا قدرة حتى إنهم يقولون ذلك في علي رضي الله عنه منذ مات النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن استخلف، وفي الإثني عشر، ويقرون أن الله ما مكنهم ولا ملكهم، وقد قال الله تعالى: ((فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)) [النساء:54] فإن قيل: المراد بنصبهم أنه أوجب عليهم طاعتهم فإذا أطاعوهم هدوهم، ولكن الخلق عصوهم، فيقال: لم يحصل -بمجرد ذلك- في العالم، لا لطف ولا رحمة، بل إنما حصل تكذيب الناس لهم ومعصيتهم إياهم. والمنتظر ما انتفع به من أقر به ولا من جحده، وأما سائر الإثني عشر -سوى علي رضي الله عنه- فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أئمة الدين والعلم، وأما المنفعة المطلوبة من أولي الأمر فلم تحصل بهم، فتبين أن ما ذكره من اللطف تلبيس وكذب).([412]).
وقد ذكرنا عجزههم، وما حل بهم من قهر وظلم، وغلبة الغير عليهم من كتب القوم أنفسهم في كتابنا الشيعة وأهل البيت وكتابنا الشيعة والتشيع، وأكثر من ذلك: أثبتنا أن المنفعة الدينية أيضاً لم تكن تحصل منهم للخلق حيث أنهم كانوا يخافون الحكام ويهابون المخالفين، ولم يكونوا يستطيعون أن يظهروا ما في قلوبهم حسب علمهم وإيمانهم، وقد أوردنا في ذلك روايات كثيرة، منها ما ذكرناها عن الكليني أنه روى عن زرارة بن أعين أنه قال:
[[سألت أبا جعفر عليه السلام عن مسألة فأجابني، ثم جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء رجل فسأله فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله! رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟
فقال: يا زرارة! إن هذا خير لنا وأبقى لكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم.
قال: ثم قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين؟ قال: فأجابني بمثل جواب أبيه]].([413])
وكما أوردنا رواية في مبحث التقية عن جعفر أنه قال لأحد متبعيه:
[[يا سليمان! إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله]].([414]).
وهناك روايات في هذا المعنى أكثر من أن تعد وتحصى.
وحاصل الكلام: أن هذه هي الإمامة الشيعية التي يوجبونها على الله ولم تحصل لأحد، ولم تثبت ولم تتحقق.. وقد بحثناها مفصلة في كتابنا الشيعة والتشيع.
وهؤلاء هم أئمتهم: علي وأولاده الأحد عشر بما فيهم المعدوم، ويعدون غيرهم وكل من تولى الخلافة والإمامة في زمنهم خلفاء غاصبين مغتصبين([415]) بما فيهم أبو بكر و عمر و عثمان الخلفاء الراشدون الثلاثة رضي الله عنه أجمعين، ويوجبون البراءة منهم، والولاء لأئمتهم، ويجعلون ولايتهم أصلاً من أصول الإسلام، وأساساً من أسسه ودعائمه، لا يؤمن من لا يعتقد بها، ولا يكفر من يؤمن بها. والروايات والتصريحات في هذا لكثيرة جداً، فالخلاف بيننا وبينهم في هذه المسألة خلاف جوهري وأصولي وعقائدي، لا كما زعمه السيد الدكتور وصرح به حيث يقول:
(إن خلافهم معنا في هذا الصدد خلاف نظري وأقرب أن يكون اختلافاً في حقائق التاريخ ولا يؤثر في إيمانهم شيئاً).([416]).
وعلى ذلك يكفر الشيعة كل من ينكر إمامة أئمتهم المزعومين، كما أن منكر النبوة كافر بالاتفاق؛ لأن الإمامة لا تختلف مع النبوة في أصلها وجوهرها كما بيناه مقدماً، وكما صرح بذلك أساطين الشيعة وصناديدها الذين نحن بصدد ذكرهم الآن، وكما دلت عليه روايات كثيرة عن أئمتهم المعصومين -حسب زعمهم- وسيأتي ذكرها إن شاء الله، لا كما زعمه سيادة الدكتور حيث قال:
(إنهم لم يحكموا بالكفر على من لا يعتقد بالإمامة على النحو الذي ذكروه ولو أنهم حكموا بذلك لكان لنا معهم موقف آخر إذ يكون معنى حكمهم هذا تكفير جميع أهل السنة).([417]).
يا لتساهل الدكتور، وفي هذا العمر!!!
ويا لتحمسه لأهل السنة المساكين!!!
ولقد ذكرني قوله هذا ببيت شعر أورد ما معناه: لم يكن يسعنا إلا أن نموت من شدة الفرح والسرور لو كنا نعرف صدق وعده ووفائه.
وآسفاه على عدم معرفة السيد الدكتور عقائد القوم وعدم علمه بالحقائق الثابتة الموجودة المسطورة في جميع كتبهم من التفسير والحديث والعقائد والكلام والتاريخ، وأنها كلها مليئة بتكفير أهل السنة قاطبة وتسميتهم النواصب. اللهم إلا بعض الكتب الدعائية التي لم تكتب لبيان المعتقدات وتعليمها وتفهيمها الشيعة، بل لمغالطة أهل السنة وخداعهم والتلبيس عليهم وتزوير الحقائق أمامهم، وإن لم يكن كذلك فلأي شيء حصل الافتراق والاختلاف؟
وإن القوم الذين حكموا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالردة، خيار خلق الله بعد الأنبياء والمرسلين، وصفوتهم، لم يحكموا عليهم بهذا الحكم القاسي الجاني إلا لعدم مبايعتهم علياً رضي الله عنه -حسب زعمهم- ومبايعتهم أبا بكر الصديق، وبعده عمر الفاروق، وبعده عثمان ذا النورين رضي الله عنهم أجمعين، وتركهم مناصرة علي وخذلانهم إياه كما يذكرون!!
فهذا هو الكليني وغيره يروون عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال:
[[كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة: المقداد بن الأسود، و سلمان الفارسي، و أبو ذر الغفاري...]] وقال:
[[هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا]].([418]).
وروى الكليني أيضاً عنه أنه قال:
{أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً كئيباً حزيناً، فقال له علي عليه السلام: ما لي أراك يا رسول الله كئيباً حزيناً؟
قال: وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم (أي أبا بكر وقومه)، وبني عدي (أي عمر وقبيلته)، وبني أمية (أي عثمان وعشيرته) يصعدون منبري هذا يردون الناس عن الإسلام القهقرى:
فقلت (يعني الرسول): يا رب، في حياتي أو بعد موتي؟
فقال: بعد موتك}.([419]).
وبلغوا في اللؤم حيث كذبوا على محمد الباقر أنه قال:
[[ما كان ولد يعقوب أنبياء، ولكنهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء، ولم يكن يفارقون الدنيا إلا سعداء، تابوا وتذكروا ما صنعوا.
وإن الشيخين (يعني أبا بكر و عمر) فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين]].([420]).فمن كان هذا شأنهم مع أولئك الأخيار الأبرار فماذا سيكون موقفهم في أخلافهم، ومن يسلكون مسلكهم، وينهجون منهجهم، ويتبعونهم بإحسان؟
(اتفقت الإمامية على كفر من أنكر إمامة أحد من الأئمة، وجحد ما أوجب الله تعالى له من فرض إطاعته، فهو كافر ضال مستحق الخلود في النار). قاله المفيد محمد بن النعمان العكبري.([421])
وقال أيضاً:
(اتفقت الإمامية على أن الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في بني هاشم خاصة، ثم في علي و الحسن و الحسين، ومن بعده في ولد الحسين عليه السلام دون ولد الحسن إلى آخر العالم.. واتفقت الإمامية على أن رسول الله استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته، ونص عليه بالإمامة بعد وفاته، وإن من دفع ذلك عنه دفع فرضاً من الدين).([422]).
وقال ابن بابويه القمي:
(اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده عليهم السلام أنه بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء عليهم السلام، وفيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده الأئمة عليهم السلام أنه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء وأنكر نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم).([423]).
وقال أيضاً:
(يجب أن يعتقد أنه لا يتم الإيمان إلا بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، وإن أعداء الأئمة كفار مخلدون في النار وإن أظهروا الإسلام، فمن عرف الله ورسوله والأئمة وتولاهم وتبرأ من أعدائهم فهو مؤمن، ومن أنكرهم أو شك فيهم أو في أحدهم أو تولى أعداءهم فهو ضال هالك، بل كافر، ولا ينفعه عمل ولا تقبل له طاعة).([424]).
هذا وقال السيد المرتضى الملقب بعلم الهدى:
(إن المعرفة بهم (يعني الأئمة) كالمعرفة به تعالى فإنها إيمان وإسلام، وإن الجهل والشك فيهم كالجهل والشك فيه، فإنه كفر وخروج من الإيمان، وهذه المنزلة ليست لأحد من البشر إلا لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده، علي وأولاده الطاهرين.. والذي يدل على أن معرفة إمامة من ذكرناه من الأئمة عليهم السلام من جملة الإيمان، وأن الإخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان بإجماع الإمامية).([425]).
وقال الطوسي الملقب بشيخ الطائفة:
(دفع الإمامة كفر، كما أن دفع النبوة كفر، لأن الجهل بهما على حد واحد، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
{من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية} وميتة الجاهلية لا تكون إلا على كفر).([426]).
وقال أيضاً:
(إن المخالف لأهل الحق كافر، فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار).([427]).
وقال الهاشم البحراني:
(إن الإقرار بنبوة النبي وإمامة الأئمة والتزام حبهم وإطاعتهم وبغض أعدائهم ومخالفيهم أصل الإيمان مع توحيد الله عز وجل بحيث لا يصح الدين إلا بذلك كله، بل إنها سبب إيجاد العالم، وبناء حكم التكليف، وشرط قبول الأعمال، والخروج عن حد الكفر والشرك، وإنها التي عرضت كالتوحيد على جميع الخلق، وأخذ عليها الميثاق، وبعث بها الأنبياء، وأنزلت في الكتب، وكلف بها جميع الأمم ولو ضمناً، وأن نسبة النبوة إلى الإمامة كنسبتها إلى التوحيد في تلازم الإقرار بها وبقرينها بحيث إن الكفر بأحدها في حكم الكفر بالآخر، ولا يفيد الإيمان ببعض دون بعض، وإن الأئمة مثل النبي في فرض الطاعة والأفضلية.. وإن الأحاديث غير المحصورة تدل على هذه الأمور المذكورة، بل أكثرها مما هو مجمع عليه عند علمائنا الإماميين.
وقد نص على حقيقتها، بل كون جلها من ضروريات هذا المذهب أعاظم أصحابنا المحدثين).([428]).
وأما السيد حسين الملقب ببحر العلوم فقد أوضح أكثر مما قال به الآخرون حيث رجّح الإمامة على النبوة فقال:
(إن منطلق الإمامة هو منطلق النبوة بالذات، والهدف الذي من أجله وجبت النبوة هو نفسه الهدف الذي من أجله تجب الإمامة، وكما أن النبوة لطف من الله تعالى كذلك الإمامة لطف من الله أيضاً، واللحظة الحاسمة التي انبثقت فيها النبوة -وهي يوم الدار- هي نفسها اللحظة التي انبثقت فيها الإمامة، فما انطلق لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بالتشريع النبوي المقدس إلا وضم إليه المحافظة والوزارة والخلافة لعلي عليه السلام بقوله: {أنت وزيري وخليفتي} وهكذا استمرت الدعوة الإسلامية ذات لسانين: النبوة والإمامة في خط واحد، وامتازت الإمامة على النبوة: أنها استمرت بأداء الرسالة بعد انتهاء دور النبوة -ولن تزال- ببركة وجود صاحب الأمر عجل الله فرجه.
فالإمامة إذن قرين النبوة بالتشريع، وامتداد لها بالمحافظة والرعاية، وبهذا المعنى نفسر كلام الإمام الكاظم عليه السلام -كما في أصول الكافي – أن النبوة لطف خاص، والإمامة لطف عام).([429]).
وقال محدث الشيعة الكبير الحر العاملي:
(إن من ادعى الإمامة بغير حق، أو أنكر إمامة إمام الحق كفر).([430]).
أو بعد هذا كله مجال للشك بأن الشيعة لا يكفرون جميع أهل السنة؟
ثم.. ويجب أن يعلم بأن عقيدتهم هذه ليست إلا مبنية على تعاليم أئمتهم المعصومين -حسب زعمهم- وأقوالهم وتصريحاتهم.
وعلى ذلك نختم هذا الباب ونسأل الله الهداية والتوفيق.
الباب السابع: الشيعة الإثنا عشرية وسب الشيخين
إن الدكتور وافي ذكر مسألة سب الشيخين في موضعين من كتيبه، وفي كلا الموضعين حاول عبثاً تبرئة الشيعة من هذه التهمة الشنيعة تكرماً أو تجاهلاً، فكتب:
(نستبعد كذلك ما يصدر من عوامهم من أقوال وأعمال لا يقرها فقهاؤهم ويعتبرونها مخالفة لأصول مذهبهم، فمن ذلك أن عوامهم يسبون الشيخين أبا بكر و عمر رضي الله عنهما.. ولكن أمثال هذه الأقوال والأعمال لا يرضى عنها شيوخهم ويحكمون بحرمتها.. وإذا كنا سنحاسب الطوائف بما يفعله عوامهم فإن حسابنا يكون عسيراً لكثير من جماعات أهل السنة أنفسهم).([431]).
ثم أعاد هذا القول فكتب:
(بقيت مسألة سب الشيخين أبي بكر و عمر رضي الله عنهما، واتهام عثمان بأنه يهودي، وقد ذكرنا فيما سبق أنه يبوء بهذا الإثم عامتهم وسفهاؤهم ولكن شيوخهم لا يقرون بذلك، ويحكمون بحرمته، وأنه لا يصح أن يحاسب الجعفرية بما يقوله ويفعله عامتهم وسفهاؤهم).([432]).
ونسأل الدكتور وافي: في أي كتاب قرأ هذا الحكم؟ ومن أين نقله؟ لأننا لا ندري!!
كما أننا لا نعرف من هم سفهاء القوم؟ ومن هم عقلاؤهم وشيوخهم؟
فهل العياشي([433])، والقمي([434])، والبحراني([435])، والكاشاني([436]) وغيرهم من المفسرين يعدون من العلماء أم من السفهاء؟
وهل الكليني([437])، وابن بابويه القمي([438])، والطوسي([439])، والمفيد([440])، والكشي([441])، والنباطي([442])، والأردبيلي([443])، وابن الطاؤس الحسني([444])، والمجلسي([445])، وغيرهم من المحدثين والفقهاء يعدون من العلماء عند الدكتور أم من السفهاء؟
ولقد أوردنا نصوصاً عديدة، وروايات كثيرة من هؤلاء في كتابنا الشيعة وأهل البيت كلها سب وشتم وطعن في أصحاب محمد صلوات الله وسلامه عليه، وخاصة في أبي بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم، ولم يكتفوا بسبهم وشتمهم، بل طعنوا في إسلام كل من يتولاهم ويحترز عن اللعن والطعن فيهم، ومن أراد تفصيل ذلك فليرجع إلى الكتاب. ونورد ههنا بعض الروايات والعبارات لمعرفة القوم وعقيدتهم في السب والشتم لأصحاب رسول الله عامة. ولخلفاء الرسول الثلاثة خاصة كي يهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، ولئلاً يتوهم متوهم بأننا بنينا الحكم على غير دليل وبرهان كما بناه السيد الدكتور، وليعلم أن مشائخ الشيعة وعلمائهم يتفقون مع سفهائهم وأوباشهم في هذا الخبث واللؤم، ولا فرق بينهم.. اللهم إلا من تظاهر عكس ذلك تقية وخداعاً للمسلمين.
فهذا هو مفسر الشيعة الكبير القمي يكتب تحت قول الله عز وجل:
[[ما بعث الله نبياً إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه ويضلان الناس بعده، فأما صاحبا نوح.. وأما صاحب محمد فحبتر وزريق]].([446]).
وكتب تحت ذلك عالمهم الهندي الملا مقبول بقوله:
(روى أن الزريق مصغر أزرق، والحبتر معناه الثعلب، فالمراد من الأول، الأول أبو بكر لأنه كان أزرق العينين، والمراد من الثاني، الثاني عمر كناية عن دهائه ومكره).([447]).
وأما كلينيهم فقد كتب في كافيه عن أبي جعفر أنه قال:
[[ما كان ولد يعقوب أنبياء ولكنهم كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء، ولم يفارقوا الدنيا إلا سعداء، تابوا وتذكروا ما صنعوا، وإن الشيخين فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين]].([448]).
وكتب النباطي العاملي في أبي بكر الصديق:
قالوا أبو بكر خليفة أحمد كذبوا عليه ومنزل القرآن
ما كان تيمي له بخليفة بل كان ذاك خليفة الشيطان([449]).
وكتب في عمر الفاروق:
إذا نسبت عدياً في بني مضر فقدم الدال قبل العين في النسب
وقدم السوء والفحشاء في رجل وغد زنيم عتل خائن النصب([450]).
وكتب في عثمان ذي النورين أنه سمي نعثلاً تشبيهاً بذكر الضباع، فإنه نعثل لكثرة شعره.. ويقال: النعثل: التيس الكبير العظيم الجثة، وقال الكليني في كتاب المثالب: (كان عثمان ممن يلعب به ويتخنث، وكان يضرب بالدف).([451]).
هذا ولقد بحث متكلمو الشيعة في كتب العقائد في تكفير عائشة أم المؤمنين و طلحة و الزبير وغيرهم من كبار أصحاب رسول الله وأجلة هذه الأمة، وبنوا حكمهم على أن مسلك الشيعة الإثني عشرية المتفق عليه هو تكفير هؤلاء الأخيار، وعلى أنهم مخلدون في النار -عياذاً بالله- كما ذكر ذلك المفيد في أوائل المقالات في المذاهب والمختارات. والطوسي في تلخيص الشافي وغيرهما.
وقد قال فيهم محدثهم الكبير حسين بن عبد الصمد العاملي في كتابه في مصطلح الحديث وصول الأخيار إلى أصول الأخبار بعد ذكر هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين:
(وهؤلاء نتقرب إلى الله تعالى وإلى رسوله ببغضهم وسبهم، وبغض من أحبهم).([452]).
فهذه هي عقيدة القوم، مشائخهم وعلمائهم، فقهائهم ومتكلميهم، دون سفلتهم وسفهائهم عكس ما يذكره الدكتور وافي، ومن أراد الاستزادة في هذا الباب فليرجع إلى كتابنا الشيعة وأهل البيت، وأيضاً كتابنا الشيعة والسنة ففيهما الكفاية في هذا الموضوع.
والجدير بالذكر أنه لا يخلو كتاب من كتب الشيعة من سب هؤلاء الأخيار وشتمهم، كما لا يوجد كتاب ما في العقائد أو الحديث أو التفسير أو الفقه يذكر فيه تحريم السباب والشتائم لأصحاب رسول الله، وخاصة الشيخين أبي بكر و عمر اللذين قال فيهما علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
[[إنهما إماما الهدى، وشيخا الإسلام، ورجلا قريش، والمقتدى بهما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من اقتدى بهما عصم، ومن اتبع آثارهما هدي إلى صراط مستقيم]]([453])
وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب والله سبحانه وتعالى الهادي إلى سواء السبيل.
الخاتمة
لقد بدأنا في كتابة هذا البحث وكنا في القاهرة عندما رأينا كتاب السيد الدكتور علي عبد الواحد وافي رغبة منا في إنجازه وإتمامه في القاهرة ولكن حال دون تحقيق هذه الرغبة عدم وجود كتب القوم هناك. وقلة أيام المكوث فيها، وكثرة الأشغال، ولقد أكملنا المقدمة والباب الأول ونحن فيها. ثم واصلنا السفر إلى أوروبا، وعند إيابنا إلى بلادنا شرعنا في كتابة البحث ولكن ببطء لكثرة الخطب والمحاضرات في المدن المختلفة الباكستانية شاسعة الأطراف وبعيدة الجوانب، فكنا طوال هذه المدة في السفر نهاراً، وفي الخطب ليلاً، ولكننا لم نجد فرصة خلال هذه الأسفار المتواصلة والخطب المسلسلة إلا وقد اختلسناها لإكمال هذا البحث لأهميته واحتياج الناس إليه لما قد ظهر في كتاب الدكتور وافي المذكور من أخطاء كثيرة ومغالطات كبيرة -عفا الله عنه- بقصد أو دون قصد، والله يعلم السرائر وبواطن الأمور. ولكن الدكتور -على شأنه ومنزلته- يخشى أن يغتر به المغترون. وينخدع بكلامه المنخدعون لما له من منزلة ومقام في عيون طلبة العلم وأهله.
وإنه لمؤسف حقاً أنه لم يتحر الحقيقة في كتابه بين الشيعة وأهل السنة ولم يحمل نفسه عناء البحث والتحقيق رغم ما ادعاه في مقدمة كتيبه وخاتمته. بل على عكس ذلك لم يكتب إلا نقلاً على نقل دون الرجوع إلى الأصول المعتمدة والكتب الموثقة لدى الشيعة، وكأنني لا أبالغ إذا قلت إن سيادته لم يطلع على كتاب واحد من كتب الشيعة أنفسهم كما يظهر من كتيبه هذا، وهذا لا يليق لمن ينتسب إلى العلم فضلاً عن أن يكون في مقام السيد الدكتور.
ولا أود أن يصدق عليه قول الله عز وجل:
((وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ)) [الحج:8].
وإنني لم أكتب هذا الكتاب إلا بياناً للحق، ولوضع الأمور في نصابها، ونصيحة للمسلمين؛ لأن الدين النصيحة. قال الرسول عليه الصلاة والسلام:
{الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله؟
قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم}([454]).
وأرجو الله العلي القدير أن يخلص نياتنا لوجهه الكريم، ويجعلنا مدافعين عن حوزة العقيدة الصحيحة والصراط المستقيم. إنه سميع مجيب.
إحسان إلهي ظهير
لاهور- باكستان
صفر 1405ه
نوفمبر 1984م
المصادر والمراجع
1/ إثبات الوصية للمسعودي. ط: نجف.
2/ أجمع الفضائح للملا كاظم. ط: إيران.
3/ الاحتجاج للطبرسي. ط: قم، إيران.
4/ إحقاق الحق للشوستري. ط: إيران.
5/ الأخبار الطوال للدنيوري. ط: بغداد.
6/ أدوار علم الفقه لآل كاشف الغطاء. ط: بيروت 1399هـ.
7/ الأرجوزة المختارة للقاضي النعمان. ط: مونتريال. كندا 1970م.
8/ أساس الأصول لدلدار علي. ط: الهند.
9/ الاستبصار للطوسي. ط: طهران طبعة ثالثة 1390هـ.
10/ أسرار الشهادة للدربندي. ط: إيران.
11/ الأشعثيات للأشعث الكوفي. ط: طهران.
12/ أصل الشيعة وأصولها لآل كاشف الغطاء. ط: بيروت.
13/ أصول العقيدة لمهدي الصدر. ط: بيروت.
14/ أصول الفقه لمحمد رضا المظفر. ط: القطيف، السعودية.
15/ الاعتقادات لابن بابويه. ط: طهران.
16/ إعلام الورى للطبرسي. ط: دار الكتب الإسلامية، طبعة ثالثة، إيران.
17/ أعيان الشيعة لمحسن الأمين. ط: بيروت.
18/ الأغاني للأصفهاني. ط: بيروت، لبنان.
19/ الأمالي لابن بابويه القمي. ط: بيروت.
20/ الأمالي للطوسي. ط: قم، إيران.
21/ أمالي المرتضى. ط: بيروت 1387هـ.
22/ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر. ط: بيروت.
23/ أمل الآمل.
24/ أمير المؤمنين لمحمد جواد الشري.
25/ الانتصار للمرتضى. ط: نجف، 1391هـ.
26/ أنساب بيوتات قاين. ط: طهران، إيران.
27/ الأنوار النعمانية للجزائري. ط: تبريز.
28/ الإيقان للحلي.
29/ الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي. ط: قم، إيران 1381هـ.
30/ الباكورة السليمانية. ط: بيروت.
31/ بحار الأنوار للمجلسي. ط: قديم إيران.
32/ بشارة المصطفى لابن جعفر. ط: نجف.
33/ تاريخ الإمامية لعبد الله فياض. ط: بيروت، لبنان.
34/ تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري. ط: قم، إيران.
35/ تاريخ ما بعد الظهور لمحمد الصدر. ط: بيروت.
36/ تاريخ طراز مذهب مظفري. ط: إيران.
37/ تاريخ العلويين للطويل. ط: بيروت.
38/ تاريخ اليعقوبي. ط: بيروت 1379هـ.
39/ تأسيس الشيعة للعلوم الإسلامية للسيد حسن الصدر. ط: بيروت.
40/ تبصرة المعلمين لابن المطهر الحلي: مجمع الذخائر الإسلامية، إيران.
41/ تتمة المنتهي للعباس القمي. ط: إيران.
42/ تحف العقول عن آل الرسول للمراني. ط: نجف 1380هـ.
43/ تحفة الأحباب. ط: إيران.
44/ تفسير البرهان للبحراني. ط: قم، إيران.
45/ تفسير البصائر لرستكار. ط: إيران.
46/ تفسير العياشي. ط: إيران.
47/ تفسير العسكري. ط: الهند، القديم.
48/ تفسير فرات الكوفي. ط: قم، إيران.
49/ تفسير الصافي للفيض الكاشاني. ط: كبير إيران.
50/ تفسير الكاشف لمغنية. ط: بيروت.
51/ تفسير مجمع البيان للطبرسي. ط: بيروت.
52/ تفسير منهج الصادقين لفتح الله الكاشاني. ط: طهران، إيران.
53/ تفسير الميزان للطباطبائي. ط: بيروت.
54/ تفسير نور الثقلين للحويزي. ط: قم.
55/ تلخيص الشافي للطوسي. ط: بيروت.
56/ التنبيه والأشراف للمسعودي. ط: إيران.
57/ جامع الرواة للأردبيلي الحائري. ط: قم، إيران 1403هـ.
58/ جامع السعادات للنراقي. ط: بيروت.
59/ الجامع في الرجال للزنجاني. ط: قم.
60/ جلاء العيون للمجلسي. ط. طهران، إيران.
61/ حجة اثنا عشري لحقكو فارسي. ط: إيران.
62/ حديقة الشيعة للمقدس الأردبيلي. ط: طهران، إيران.
63/ حق اليقين للمجلسي. ط: طهران.
64/ حق اليقين في معرفة أصول الدين لعبد الله الشبر. ط: إيران.
65/ حيلة المتقين للمجلسي. ط: طهران.
66/ حملة حيدري للمرزة بازل. ط: إيران.
67/ حياة القلوب للمجلسي. طهران، إيران.
68/ الخلاصة للحلي.
69/ دائرة المعارف الشيعية لحسن الأمين. الطبعة الثانية 1493 بيروت.
70/ دعوة الحق وقول الصدق للصافي. ط: بيروت.
71/ دلائل الصدق للمظفر.
72/ ذخائر العقبى. ط: إيران.
73/ رجال الكشي. ط: كربلاء.
74/ رجال النجاشي. ط: نجف، 1380.
75/ رجال النجاشي. ط: قم، إيران.
76/ رجال أبي داود. ط: بيروت.
77/ الرسائل للخميني. ط: قم، إيران 1385.
78/ روضة الواعظين للفتال النيسابوري. ط: قم، إيران.
79/ روضة الصفا فارسي. ط: إيران.
80/ روضات الجنات للخوانساري. ط: قم.
81/ رياحين الشريعة للمحلاتي. ط: إيران.
82/ رياض العلماء. ط: إيران.
83/ الشافي للشريف المرتضى. ط: إيران.
84/ شرائع الإسلام للحلي. ط: إيران.
85/ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد. ط: بيروت.
86/ شرح نهج البلاغة لابن الميثم. ط. إيران.
87/ شرح نهج البلاغة للدنبلي. ط. إيران.
88/ شرح نهج البلاغة لعلي النقي. ط: إيران.
89/ شرح نهج البلاغة للكاشاني. ط: إيران.
90/ الشيعة في عقائدهم وأحكامهم للقزويني. ط: الكويت.
91/ الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين. ط: الطبعة الثانية، بيروت، 1399هـ
92/ الشيعة في الميزان للمغنية. ط: بيروت.
93/ شيعة در إسلام للطباطبائي.
94/ الشيعة بين الحقائق والأوهام لمحسن الأمين. ط: الطبعة الثالثة، بيروت 1397هـ.
95/ الصافي للقزويني في شرح أصول الكافي.
96/ الصراط المستقيم للنباتي. ط: الطبعة الأولى 1384هـ إيران.
97/ الصحيفة الكاملة لزين العابدين. ط: بيروت.
98/ الصلح الحسن لآل ياسين. ط: إيران.
99/ الصلة بين التصوف والشيعة. ط: بغداد.
100/ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاؤس. ط: قم، إيران 1400هـ.
102/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب.
103/ عمدة الشيعة في الإمامة لمحمد باقر الشريعتي. ط: قم، إيران.
104/ علل الشرائع لابن بابويه القمي. ط: بيروت، لبنان.
105/ علل الشرائع للصدوق. ط: بيروت.
106/ علم أصول الفقه للمغنية. ط: بيروت.
107/ عين الحياة للمحلي. ط: إيران.
108/ عيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي، ط: طهران، إيران.
109/ عيون الأخبار وفنون الآثار للقرشي. بيروت.
110/ الغارات للثقفي. ط: إيران.
111/ فرق الشيعة للنوبختي. ط: كربلاء.
112/ الفصول المهمة للحر العاملي. ط: قم.
113/ الفصول المهمة في معرفة الأئمة لابن الصباغ. ط: إيران.
114/ فضائل أمير المؤمنين لمحمد حسن المظفر.
115/ فقه القرآن للراوندي. ط: إيران 1399هـ.
116/ فقه الشيعة للقزويني. ط: إيران.
117/ الفكر الشيعي والنزعات الصوفية للشيبي. ط: بغداد 1386هـ.
118/ الفهرست للنجاشي. ط: نجف.
119/ الفهرست لابن النديم. ط: بيروت، لبنان.
120/ فهرست لأبي القاسم الإبراهيمي. ط: إيران.
121/ الفوائد الرضوية للقمي. ط: إيران.
122/ الفوائد المدنية للاسترآبادي. ط: إيران.
123/ قرب الإسناد للحميري القمي طهران.
124/ قصص الأنبياء للرواندي. إيران.
125/ قصص الأنبياء للجزائري. ط: بيروت.
126/ الكافي للكيني. ط: طهران، إيران.
127/ كامل الزيارات لابن قلويه. ط: إيران.
128/ كتاب سليم بن قيس العامري. ط: بيروت 1400هـ.
129/ كتاب الخصال لابن بابويه القمي. ط: طهران، إيران 1389هـ.
130/ كتاب الغيبة للطوسي. ط: إيران.
131/ كتاب الغيبة للنعماني. ط: إيران.
132/ كتاب كمال الدين والنعمة لابن بابويه. ط: طهران، طبعة ثانية 1395هـ.
133/ كتاب الخرائج والجرائح للرواندي. ط: إيران.
134/ كتاب المناقب لابن شهراشوب. ط: قم، إيران.
135/ كتاب الخلاف للطوسي، ط: قم، إيران.
136/ كتاب الرجال للحلي. ط: نجف 1381هـ.
137/ كتاب الشيعة والسنة في الميزان لمؤلف مجهول بيروت لبنان.
138/ كتاب البلدان لليعقوبي. ط: مصر.
139/ كشف الغمة للأردبيلي. ط: بيروت.
140/ كتاب صفين لابن مزاحم. ط: بيروت.
141/ كشف الأسرار عن وجه الغائب عن الأبصار للنوري الطبرسي. ط: قم 1400هـ.
142/ كتاب الزهد للأهوازي. ط: إيران 1402هـ.
143/ لغت نامة دهخدا. ط: طهران.
144/ متشابه القرآن ومختلفه لابن شهرآشوب. ط: قم، إيران.
145/ مجالس المؤمنين للشوستري. ط: إيران.
146/ المجالس السنية لابن شهراشوب. ط: إيران.
147/ مجمع البيان للطبرسي. ط: بيروت، لبنان.
148/ المحاسن للبرقي. ط: قم، إيران الطبعة الثانية.
149/ مدارج نهج البلاغة لكاشف الغطاء. ط: بيروت.
150/ مرآة العقول للمجلسي. ط: قديم إيران.
151/ مروج الذهب للمسعودي. ط: بيروت.
152/ المراجعات لشرف الدين الموسوي.
153/ مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي. ط: مكتبة دار الخلافة، طهران.
154/ مصائب النواصب للشوستري، إيران.
155/ مشجر الأولياء لنور بخش، باكستان.
156/ مشارق أنوار اليقين للبرسي. ط: بيروت 1978م.
157/ مصحف الدروز.
158/ معالم الأصول لجمال الدين. ط: إيران.
159/ معراج السعادة للنراقي. ط: إيران.
160/ معالم العلماء.
161/ معاشر الأصول.
162/ معجم المؤلفين الكحالة. ط: بيروت.
163/ مع الشيعة الإمامية للمغنية. ط: بيروت.
164/ مفاتيح الجنان. ط: إيران.
165/ المقالات والفرق لسعد بن عبد الله القمي. ط: طهران 1963.
166/ مقاتل الطالبيين للأصفهاني. ط: بيروت.
167/ مقتل أبي مخنف. ط: بيروت.
168/ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي. ط: طهران.
169/ منار الهدى لعلي البحراني.
170/ منتهى الآمال للعباس القمي. ط: طهران، إيران.
171/ منهاج الكرامة للحلى. أوفست باكستان 1396هـ.
172/ ناسخ التواريخ للميزر. ناريا ميدق ط تقي خان ط قديم إيران.
173/ النجم الثاقب للنوري الطبرسي. ط: نجف.
174/ نهاية الدراية.
175/ نقد الرجال للتفرشي. ط: إيران.
176/ نقد الرجال. ط: إيران.
177/ نهج البلاغة بتحقيق صبحي صالح. ط: بيروت.
178/ نهج البلاغة، بتحقيق محمد عبده. ط: مصر.
179/ هوية التشيع لأحمد الوائلي. ط. بيروت.
180/ وسائل الشيعة للحر العاملي. ط. بيروت.
181/ كتب التاريخ والرجال والفرق لغير الشيعة:
182/ أساس البلاغة للزمخشري المعتزلي.
183/ أسد الغابة لابن الأثير.
184/ إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء للشاه ولي الله.
185/ الإصابة لابن حجر.
186/ أصول الدين للبغدادي.
187/ أضواء على العقيدة الدرزية لأحمد فوزان.
188/ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي. ط: الأزهر، قاهرة 1398هـ.
189/ الإكمال لابن ماكولا.
190/ الأنساب للسمعاني.
191/ أنساب الأشراف للبلاذري.
192/ البداية والنهاية لابن كثير. ط: مصر.
193/ البابية للمؤلف.
194/ البهائية للمؤلف.
195/ التاريخ الصغير.
196/ تاريخ بغداد للخطيب.
197/ تذكرة الحفاظ للذهبي.
198/ تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني. ط: حيدرآباد، دكن، الهند.
199/ تقريب التهذيب.
200/ تاريخ ابن عساكر.
201/ تهذيب تاريخ ابن عساكر.
202/ تاريخ دمشق.
203/ تاريخ الأمم والملوك للطبري. ط: بيروت.
204/ تاريخ ابن خلدون. ط: بيروت 1399هـ.
205/ تاريخ الخلفاء للسيوطي.
206/ تاريخ خليفة ابن خياط.
207/ التبصير في الدين للإسفرائيني.
208/ تاج العروس للزبيدي.
209/ تثبيت دلائل النبوة للهمذاني.
210/ جمهرة أنساب العرب لابن حزم.
211/ الحور العين.
212/ خلاصة تهذيب الكمال.
213/ الخطط للمقريزي.
214/ دائرة المعارف الإسلامية اردوط: لاهور.
215/ سير أعلام النبلاء للذهبي.
216/ السيرة لابن هشام.
217/ الشيعة والقرآن للمؤلف باكستان.
218/ الشيعة والسنة للمؤلف باكستان.
219/ الشيعة وأهل البيت للمؤلف.
220/ الصحاح للجوهري.
221/ الصواعق المحرقة لابن حجر المكي.
222/ الطبقات لابن سعد.
223/ طائفة الدروز لمحمد كامل حسين.
224/ العواصم من القواصم.
225/ الفصل بين الملل والنحل لابن حزم.
226/ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
227/ فجر الإسلام لأحمد أمين.
228/ فتوح البلدان للبلاذري.
229/ القاموس للفيروزآبادي.
230/ كتاب الكنى والأسماء للدولابي.
231/ كتاب الجرح والتعديل للرازي.
232/ كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي.
233/ كتاب المجروحين لابن حبان.
234/ الكامل لابن الأثير.
235/ كتاب المحبر للبغدادي.
236/ لسان الميزان لابن حجر.
237/ لسان العرب لابن المنظور الأفريقي.
238/ ميزان الاعتدال للذهبي.
239/ مقدمة ابن خلدون.
240/ منهاج السنة لابن تيمية.
241/ مقالات الإسلاميين للأشعري.
242/ الملل والنحل للشهرستاني.
243/ موسوعة اصطلاحات العلوم الإسلامية للتهانوي. ط: بيروت.
244/ مختصر التحفة الإثني عشرية للألوسي.
245/ معجم مقاييس اللغة.
246/ المخصص لابن سيدة.
247/ النهاية لابن الأثير.
248/ النجوم الزاهرة للتغري بردى.
249/ نسب قريش لمصعب الزبيري.
250/ وفيات الأعيان لابن خلكان.
كتب المستشرقين:
251/ الخوارج والشيعة لولهوزن ترجمة عربي.
252/ عقيدة الشيعة لدونالدسن ترجمه عرب.
253/ العقيدة والشريعة لجولدزيهر ترجمه عربي.
254/ مقالات في تاريخ الإسلام للدوزي.
255/ كتاب المستشرق ملر.
256/ مقدمة نقطة الكاف للبراؤن. ط: فارسي.
فهرس المحتويات
بسم الله الرحمن الرحيم. 1
الــرد الكــافـي. 1
على مغالطات الدكتور علي عبد الواحد وافي. 1
في كتابه بين الشيعة وأهل السنة 1
مقدمة 2
الباب الأول: مغالطات الدكتور وافي وأغلاطه 23
الباب الثاني: الشيعة الإثنا عشرية والقرآن الكريم. 54
الباب الثالث: الشيعة الإثنا عشرية والسُّنة النبوية 78
الباب الرابع: الشيعة الإثنا عشرية ونزول الوحي والملائكة بعد الرسل. 100
الباب الخامس: الشيعة الإثنا عشرية وعقائدهم:- [الشيعة الإثنا عشرية وعقائدهم. 115
الفصل الأول: الرجعة:-. 115
الفصل الثاني: أعمال العباد:-. 125
الفصل الثالث: التقية:-. 133
الفصل الرابع: البَداء:-. 142
الفصل الخامس: الجفر:-. 150
الباب السادس: الشيعة الإثنا عشرية ومسألة الإمامة 155
الباب السابع: الشيعة الإثنا عشرية وسب الشيخين. 167
الخاتمة 171
المصادر والمراجع. 173
([1]) بين الشيعة وأهل السنة (ص20) تحت عنوان (موضوع هذا البحث وأغراضه)..
([2]) وقد قيل: إنه من قول عمر بن الخطاب. انظر: كتاب خطبه ووصاياه للدكتور محمد عاشور..
([3]) الرسالة المذكورة (ص4)..
([4]) أي أيام الفاطميين الذين يذكرهم الدكتور وافي في كتيبه هذا بأنه لم يكن مذهبهم بعيداً كل البعد عن مذاهب أهل السنة، ولم تكن وجوه الخلاف بينه وبينهم لتزيد كثيراً عن وجوه الخلاف بين أهل السنة بعضهم مع بعض (ص15) وسيأتي بيان ذلك قريباً في محله إن شاء الله..
([5]) رواه أحمد، قال صاحب الفتح الرباني (22/169): أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه..
([6]) مثل الإنجليزية والفارسية والأندونيسية والتايلاندية والهوسا، ولقد قامت إدارة ترجمان السنة بطبعها باللغة الإنجليزية والفارسية بالإضافة إلى العربية..
([7]) لا كما فعله دكتورنا الفاضل عبد الواحد وافي؛ لأنه لم ينقل مجرد عبارة واحدة عن كتب القوم رأساً، بل كل ما نقله نقله عن الآخرين (دون تمحيص أو بصيرة)، كما سنثبته إن شاء الله في محله..
([8]) الشيعة والسنة ص6، 7-ط إدارة ترجمان السنة – لاهور باكستان..
([9]) الذريعة للطهراني (ج17 ص245)، ط إيران..
([10]) مقدمة الكافي ص25..
([11]) الكافي للكليني في الأصول، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث (ج1 ص68) إيران..
([12]) رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني ص82- ط إيران..
([13]) رسالة التعادل والترجيح للخميني من 83..
([14]) رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني ص83..
([15]) رسالة التعادل والترجيح للخميني ص83..
([16]) الكافي للكليني، كتاب الروضة ج8 ص338 ط إيران..
([17]) انظر: رسالته ص11..
([18]) مجلة المنار نقلاً عن تاريخ الصحافة الإسلامية لأنور الجندي الجزء الأول ص139 ط دار الأنصار بالقاهرة..
([19]) مجلة المنار م31 ص290، نقلاً عن تاريخ الصحافة الإسلامية لأنور الجندي الجزء الأول الفصل الرابع ص140 – ط دار الأنصار بالقاهرة..
([20]) ملحوظة: إن السيد رشيد رضا يقصد من الغلاة الإثني عشرية، كما يقصد من المعتدلين الزيدية (المصدر السابق ص144)..
([21]) المنار نقلاً عن تاريخ الصحافة الإسلامية لأنور الجندي ص141، 142..
([22]) انظر: لذلك فتاوى شيخ الإسلام ج28 ص478، 479..
([23]) أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد والحاكم..
([24]) انظر: موطأ الإمام مالك والحاكم في مستدركه واللفظ للموطأ..
([25]) مسلم وأحمد وأبو داود والحاكم وابن ماجة وابن حبان والسيوطي في الفتح الكبير واللفظ له..
([26]) بين الشيعة وأهل السنة ص6، 7..
([27]) رجال الكشي ص219 ط كربلاء..
([28]) معالم العلماء ص101، ط إيران..
([29]) روضات الجنات للخوانساري ج9 ص153، ط إيران..
([30]) مقدمة الإرشاد ص4، ط إيران..
([31]) الإرشاد للمفيد ص285، 286..
([32]) الكافي في الأصول، كتاب الحجة ج6 ص357، ط إيران..
([33]) ص227، 228ط إدارة ترجمان السنة باكستان.
([34]) مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص357، تاريخ بغداد للخطيب ج2 ص114، الإرشاد المفيد وغيرها من الكتب..
([35]) انظر: ص16 من رسالته بين الشيعة وأهل السنة..
([36]) الرسالة المذكورة ص9، 10..
([37]) النبز: أن تنادي أخاك بلقب يكرهه..
([38]) الكافي للكليني كتاب الروضة ج5 ص34 – ط طهران..
([39]) بين الشيعة وأهل السنة ص10..
([40]) ناسخ التواريخ للميرزا تقي خان الشيعي ج2 ص590 تحت عنوان أحوال الإمام زين العابدين..
([41]) انظر: الإرشاد للمفيد ص268 تحت عنوان ذكر إخوة الباقر..
([42]) هو أبو الفرج علي بن الحسين، ولد بأصفهان سنة 284 ومات سنة 356ه، وقد ذكره محسن الأمين في طبقات شعراء الشيعة وطبقة المؤرخن – أعيان الشيعة ج1 ص175..
([43]) مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص129 –ط دار المعرفة ببيروت..
([44]) نهج البلاغة ص70، 71 –ط بيروت..
([45]) نهج البلاغة ص71، 72 ط بيروت..
([46]) نهج البلاغة ص141، 142..
([47]) انظر لذلك: تاريخ اليعقوبي لأحمد بن أبي يعقوب الكاتب العباسي ج2 ص215 الشيعي المشهور، ذكره العباسي القمي في الكنى والألقاب ج3 ص246، ومحسن الأمين في أعيان الشيعة، وانظر أيضاً مروج الذهب للمسعودي الشيعي ج2 ص431، الإرشاد للمفيد الشيعي ص190، كشف الغمة للأربلي الشيعي ص54، الفصول الهمة ص162- ط طهران، ورجال الكشي ص103 وغيرها..
([48]) الاحتجاج للطبرسي ص148..
([49]) أعيان الشيعة القسم الأول ص34..
([50]) كشف الغمة للأربلي الشيعي ج2 ص18، 19، الاحتجاج للطبرسي الشيعي ص145..
([51]) الإرشاد ص241، إعلام الورى للطبرسي ص949..
([52]) الكافي للكليني كتاب الروضة ج8 ص235 –ط طهران..
([53]) مجالس المؤمنين للشوستري الملقب بالشهيد عند الشيعة، المجلس الخامس ص144-ط طهران، ومثله في رجال الكشي ص111-ط كربلاء بدون ذكر الشبكة..
([54]) رجال الكشي ص79..
([55]) الأصول من الكافي ج1 ص496-ط الهند..
([56]) رجال الكشي ص213-ط كربلاء..
([57]) الكافي في الأصول ج1 ص375-ط طهران..
([58]) الكافي للكليني كتاب الروضة ج8 ص338..
([59]) من أراد الاستزادة في هذا الموضوع فليرجع إلى كتابنا (الشيعة وأهل البيت) باب الشيعة وإهانتهم أهل البيت من ص266- 306، وأيضاً كتابنا (الشيعة والسنة) تحت عنوان دم الشيعة واللعن عليهم ص195-202، وكتابنا الشيعة والتشيع فرق وتاريخ الباب السادس من ص269 إلى ما بعد. كلها طبعة إدارة ترجمان السنة لاهور باكستان..
([60]) بين الشيعة وأهل السنة ص9..
([61]) وهذا هو الاسم الصحيح كما استعمله أصحاب الفرق من الشيعة..
([62]) الغارات لأبي إسحاق إبراهيم الثقفي الكوفي الأصبهاني الشيعي المتوفى سنة 283ه ج1 ص307-ط طهران، ومنار الهدى لعلي البحراني الشيعي ص373، أيضاً ناسخ التواريخ للميرزا تقي ج3 ص532-ط طهران..
([63]) الأمالي للطوسي ج2 ص121-ط نجف..
([64]) الأمالي للطوسي ج2 الجزء 18 ص121..
([65]) نهج البلاغة تحقيق صبحي صالح ص102-ط بيروت..
([66]) شرح النهج لابن أبي الحديد..
([67]) ناسخ التواريخ ج2 كتاب2 ص449-ط إيران..
([68]) رجال الكشي، واللفظ له ص102، جلاء العيون للمجلسي بالفارسية ج1 ص395 ط طهران، منتهى الآمال بالفارسية أيضاً للعباسي القمي ص316-ط طهران..
([69]) جلاء العيون للمجلسي ج1 ص393-ط طهران 1398ه، منتهى الآمال للعباس القمي ص314-ط إيران، والفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة ص163-ط طهران..
([70]) مستدرك الوسائل ج3 ص546-ط مكتبة دار الخلافة طهران 1321ه..
([71]) الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص107، 108-ط بيروت سنة 1399ه..
([72]) مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص233..
([73]) انظر لذلك: الكافي للكليني كتاب الحجة ج1 ص358 وغيره من الكتب..
([74]) بين الشيعة وأهل السنة ص8..
([75]) انظر لذلك رسالته: بين الشيعة وأهل السنة ص9..
([76]) انظر لذلك رسالته: بين الشيعة وأهل السنة ص9..
([77]) وستصدر طبعته السادسة في مصر إن شاء الله..
([78]) بين الشيعة وأهل السنة، ص8..
([79]) أعيان الشيعة الجزء الأول، القسم الأول ص20-ط بيروت..
([80]) راجع: لمعرفة التفاصيل عن شخصيته الخبيثة وأنها حقيقية كتابنا (الشيعة وأهل البيت)..
([81]) انظر: لتفصيل هذه الحوادث كتابنا (الشيعة والتشيع فرق وتاريخ)..
([82]) روضة الصفا ج3 ص292-ط طهران..
([83]) فرق الشيعة للنوبختي الشيعي ص41، 42-ط المطبعة الحيدرية نجف بتعليق آل بحر العلوم-ط سنة 1959، المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري القمي ص21-ط طهران سنة 1963م، رجال الكشي ص100-101-ط كربلاء وغيرها من الكتب الكثيرة..
([84]) بين الشيعة وأهل السنة ص8..
([85]) الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص152 ط إيران..
([86]) (ولايت فقيه در خصوص حكومت إسلامي) لنائب الإمام السيد الخميني تحت باب (ولايت تكويني) من الأصل الفارسي ص58-ط طهران..
([87]) انظر: مستدرك الوسائل ج3 ص532، 533، الصافي ج1 ص4، منتهى الآمال ص298، نهاية الدراية ص219، روضات الجنات ص553 نقلاً عن معاشر – الأصول ص31..
([88]) الأصول من الكافي ج1 ص196، 197 ط إيران..
([89]) بين الشيعة وأهل السنة ص11..
([90]) لا أهل بيت النبي كما يزعمه بعض غير العارفين بمذهبهم، لأن الشيعة أنفسهم يصرحون بأن المقصود من أهل البيت أهل بيت علي لا النبي انظر لذلك كتابنا الشيعة وأهل البيت.
([91]) ص11 من رسالة الدكتور..
([92]) رسالته المذكورة ص7..
([93]) انظر: الإرشاد للمفيد، إعلام الورى للطبرسي، كشف الغمة للأربلي، جلاء العيون للمجلسي، منتهى الآمال للعباس القمي، والفصول المهمة لابن الصائغ..
([94]) صحيح الكافي للكليني ج1 ص125 ط إيران..
([95]) انظر: الإرشاد للمفيد ص304، إعلام الورى للطبرسي ص313، كشف الغمة للأربلي ج3 ص72، جلاء العيون للمجلسي بالفارسية ج2 ص345، ومنتهى الآمال للقمي بالفارسية ص1049، وعيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي ج3 ص347 ط إيران..
([96]) فرق الشيعة للنوبختي ص110..
([97]) فرق الشيعة للنوبختي ص118، 119..
([98]) مدينة من مدن العراق المشهرة التي تسمى الآن سامراء..
([99]) كتاب الحجة من الكافي ص505، الإرشاد للمفيد ص339، إعلام الورى للطبرسي ص377، 378، كشف الغمة للأربلي ج3 ص198، 199، جلاء العيون للمجلسي تحت ذكر المهدي، الفصول المهمة تحت ذكر المهدي، ومنتهى الآمال للقمي تحت ذكر المهدي..
([100]) في صفحة 13 وما بعدها..
([101]) انظر: الملل والنحل للشهرستاني ص5 على هوامش الفصل وغيره من الكتب السنية والشيعية، وعيون الأخبار، وافتتاح الدعوة، واستتار الإمام، وتاريخ الدعوة الإسماعيلية، والنور المبين، وغيرها من الكتب الإسماعيلية..
([102]) انظر: مقدمة ابن خلدون ص201-ط مصر..
([103]) صفحة 15 من رسالته..
([104]) سيصدر الكتاب قريباً عاجلاً إن شاء الله بباكستان ومصر في آن واحد، ويشتمل على بيان الإسماعيلية القديمة والجديدة..
([105]) ومن المؤسف أن الأزهر الشريف منحه شهادة الدكتوراه الفخرية..
([106]) أدعية الأيام السبعة لمولانا المعز لدين الله..
([107]) كنز الولد لإبراهيم بن الحسين الحامدي ص211-ط بيروت..
([108]) انظر صفحة ص22 من رسالته..
([109]) انظر صفحة (ص22) من رسالته..
([110]) صفحة (23) من رسالته..
([111]) تعليقة رقم (16) نفس الصفحة..
([112]) أخرجه أحمد (17/6) (الفتح الرباني)..
([113]) مسلم (3/669) وغيره..
([114]) مسلم (3/668)، وأحمد (17/7- الفتح الرباني) وغيره..
([115]) صفحة رقم (11) من رسالته..
([116]) البرهان في تفسير القرآن، مقدمة الفصل الرابع ص49 ط إيران..
([117]) مرآة العقول للملا باقر المجلسي باب إن القرآن كله لم يجمعه إلا الأئمة عليهم السلام نقلاً عن فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب للنوري الطبرسي الشيعي ص253 ط إيران..
([118]) الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص357 طبعة جديدة..
([119]) أيضاً نقلاً عن فصل الخطاب للنوري الطبرسي ص251..
([120]) فصل الخطاب ص252..
([121]) حياة القلوب للمجلسي الفارسي ص554 وما بعده – ط إيران..
([122]) فصل الخطاب ص33، 34..
([123]) وقد أثبتنا بفضل الله وتوفيقه من كتب هؤلاء أنفسهم في كتابنا (الشيعة والقرآن) أنهم يعتقدون التحريف في القرآن أيضاً حيث يسوقون روايات عديدة تدل عليه، ولا يسوقونها فحسب، بل يستدلون بها ويبنون عليها الأحكام ويستنبطون منها المسائل، فارجع إليه فإنه نفيس..
([124]) الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ج2 ص357 وما بعد..
([125]) ضربت حيدري ج2 ص78-ط الهند..
([126]) بين الشيعة وأهل السنة للدكتور وافي ص38..
([127]) بين الشيعة وأهل السنة ص38، 39..
([128]) بين الشيعة وأهل السنة ص38، 39..
([129]) تفسير الصافي لفيض الكاشاني ج1 ص35، 36، المقدمة السادسة – إيران..
([130]) بين الشيعة وأهل السنة ص40..
([131]) انظر: صفحة 40 من كتيبه..
([132]) ضربت حيدري ج2 ص81-ط الهند..
([133]) فصل الخطاب للنوري الطبرسي ص252-ط إيران..
([134]) مرآة العقول للمجلسي نقلاً عن فصل الخطاب ص353..
([135]) مرآة العقول للمجلسي نقلاً عن فصل الخطاب ص353..
([136]) بين الشيعة وأهل السنة ص29، 30..
([137]) مستدرك الوسائل ج3 ص532-ط إيران..
([138]) الكنى والألقاب ج3 ص98-ط إيران..
([139]) روضات الجنات ج6 ص116، مقدمة الكافي ص25..
([140]) مقدمة أوائل المقالات في المذاهب والمختارات ص24، 25-ط مكتبة الداوري – ط قم إيران..
([141]) أعيان الشيعة ص237 الطبعة الأولى بدمشق..
([142]) الفهرست لابن النديم ص252 – ط مصر..
([143]) تأسيس الشيعة العلوم للحسن الصدر ص312-ط العراق..
([144]) وهذان أي المرتضى والطوسي هما اللذان تظاهرا بإنكار التحريف في القرآن..
([145]) انظر: كتب الرجال للشيعة..
([146]) أوائل المقالات ص52..
([147]) أوائل المقالات لمحمد بن نعمان العكبري الملقب بالمفيد ص93 وما بعدها..
([148]) البرهان، مقدمة تحت عنوان: (المقدمة الثانية في بيان ما يوضح وقوع بعض تغيير في القرآن)، وإنه السر في جعل الإرشاد إلى أمر الولاية والإمامة والإشارة إلى فضائل أهل البيت وفرض طاعة الأئمة بحسب بطن القرآن وتأويله ص36-ط إيران..
([149]) البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني، الفصل الرابع من المقدمة ص49-ط إيران..
([150]) كتاب عقائد الشيعة فارسي ص27-ط إيران..
([151]) ص368-ط إيران..
([152]) ص13 وما بعد، ط مطبعة سعادة بكرمان إيران..
([153]) ص115 –ط مطبعة اثنا عشرى لكنؤ الهند سنة 1312ه..
([154]) نظرة على ما كتبه البهنساوي:
من الغريب والمؤسف حقاً أن بعض من ينتسب إلى العلم من أهل السنة انخدع بأباطيل الشيعة وأكاذيبهم فكيف انخدع؟ وكيف خطف بصره بريق عقائدهم المزورة الكاذبة؟ وكيف سمح له علمه قبل ضميره ودينه أن يتصدى للدفاع عنهم وعن عقائدهم الخبيثة الملتوية، وعن آرائهم المعوجة، وأفكارهم الزائغة عن سواء السبيل؟
كيف يكتب بدون معرفة وعلم، وبدون فقه وبصيرة؟ لقد ظهر جهله الكلي بأصول مذهب الشيعة الإثني عشرية والأسس التي قام عليها، بسبب عدم اطلاعه على كتبهم الأصلية، ومراجعهم القديمة والحديثة الأصلية في التفسير والحديث والفقه والكلام والتاريخ، مثل السيد الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه (بين الشيعة وأهل السنة) والأستاذ سالم علي البهنساوي في كتابه (السنة المفترى عليها)، والدكتور عز الدين إبراهيم في كتابه (لا أساس للخلاف بين السنة والشيعة) وغيرهم من المخدوعين والمغترين بلا علم، وإن الله عز وجل يقول في كتابه: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)[الإسراء:36].
وقال جل وعلا: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَلا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً * يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً * هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)[النساء:105-109].
ولقد بينا فيما سبق أغلوطات السيد الدكتور وافي ومغالطاته وجهله، أو تجاهله لكتب الشيعة وعقائدهم، ونريد أن نذيل بحثنا هذا بنظرة خاطفة على ما كتبه الأستاذ سالم علي البهنساوي في كتابه (السنة المفترى عليها) حيث تعرض سيادته لما كتبنا عن الشيعة وعن عقائدهم وآرائهم حول القرآن في كتابنا (الشيعة والسنة) فوقف موقف المدافع عن الشيعة، والمكذب لما قلناه عنهم جاهلاً قواعد البحث، ومبادئ الخلاف، وأصول المناقشة، كما أثبت على نفسه أنه لا يعرف عن معتقدات الشيعة وكتبهم التي تبحث فيها، كثيراً ولا قليلاً.
فإن السيد الأستاذ البهنساوي عقد فصلاً مستقلاً في كتابه بعنوان (حوار حول دعوى تحريف الشيعة للقرآن) [صفحة 26-ط دار البحوث العلمية الكويت الطبعة الأولى سنة 1979م]، فكتب يقول:
(لقد وجدنا بين أهل السنة من ينشر كتباً تتضمن أن الدعوة إلى التقريب بين السنة والشيعة يراد بها تقريب السنة إلى معتقدات الشيعة التي تزعم أن القرآن الكريم محرف، وهذه وغيرها من البدع التي تنسجها الأيدي اليهودية التي هي وراء الشيعة الإمامية).
وما جاء في هذه الكتب عن تحريف القرآن (أما الشيعة فإنهم لا يعتقدون بهذا القرآن الموجود بين أيدي الناس والمحفوظ من قبل الله العظيم.. مكابرين للحق وتاركين للصواب.
فهذا هو الاختلاف الحقيقي الأساسي بين السنة والشيعة، أو بالتعبير الصحيح بين المسلمين والشيعة؛ لأنه لا يكون الإنسان مسلماً إلا باعتقاد أن القرآن هو الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين بأمر من الله عز وجل).
واستند هذا الكتاب وغيره إلى روايات للمحدث الشيعي الكليني في الكافي في الأصول واعتبره كالبخاري عند أهل الشيعة. كما نقل الكاتب هذا عن ابن بابويه القمي، ووصفه بأنه صدوق الشيعة [السنة المفترى عليها لسالم علي البهنساوي ص66-ط دار البحوث العلمية سنة 1979م].
وبدلاً من أن يبحث في الروايات ويتحقق من نسبتها إلى الكتب التي عزونا إليها، أو نقدها نقداً علمياً معقولاً، بدل هذا كله كتب مقيماً الحجة عليه وعلى عدم علمه ومعرفته فقال:
(ولما كان البحث في كتب إخواننا الشيعة لكل من قرأ كتب إحسان ظهير ومحب الدين الخطيب وغيرهما ليس يسيراً فقد جمعت ما تضمنته هذه الكتب وقرنته بالمصادر والمراجع التي نقلت عنها من كتب الشيعة، وعرضت ذلك على الأخ الصديق الإمام محمد مهدي الآصفي ليبين رأي أئمتهم في هذا الموضوع) [السنة المفترى عليها ص67].
فمن كان هذا مبلغ علمه، أَله أن يحكم بين الناس؟ وأن يبين الحق من الباطل؟ وأن يفصل في القضية؟ أو يبدي رأيا حاسماً للنزاع بالترجيح أو التكذيب؟
وهل في العالم شخص يقر على نفسه وعلى أهله بالخطأ والغلط؟ ويعترف بقصوره وجريمته؟
وهل ذكرنا كلاماً منقولاً عن غير أئمتهم حتى يسأل شيعياً عن رأي أئمته في الموضوع؟
ثم ماذا كان رد العالم الشيعي غير الكلام الفارغ والدعوى بلا دليل أو برهان، دون التطرق إلى نقد الروايات التي أوردناها في كتابنا وأرسلها إليه الأستاذ البهنساوي حسب قوله، وبيان منطوقها ومفهومها، ودون بطلان نسبتها إلى قائليها، أو تجريح الكتب التي وردت فيها وغير ذلك من الأمور التي يتطلبها البحث العلمي والنقد الموضوعي، اللهم إلا ما ذكر عن السيد الخوئي ومحمد رضا المظفر والبلاغي وكاشف الغطا والطباطبائي بأنهم أنكروا التحريف في القرآن. [انظر: صفحة 68 وما بعد من الكتاب المذكور].
والجدير بالذكر أولاً: أن هؤلاء الخمسة كلهم من المتأخرين ومن عصرنا هذا، وليسوا من العمدة في المذهب، ولا يعدون من أئمة التشيع.
ثانياً: أن بعضاً منهم كتبوا مقولاتهم هذه في كتب دعائية لم تكتب للشيعة بل كتبت لخداع المسلمين أهل السنة، ولسد باب المطاعن عليهم.
ثالثاً: أن جميع المذكورين ممن يدينون بدين التشيع، الدين الذي قالوا فيه نقلاً عن جعفر أنه قال:
(إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله) [الكافي للكليني ج2 ص222-ط إيران وج1 ص485-ط الهند].
و(إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له) [الكافي في الأصول ج2 ص217-ط إيران وج1 ص482-ط الهند].
سوف نذكر هذا البحث في محله من هذا الكتاب إن شاء الله.
رابعاً: أن كل واحد من هؤلاء لم يفصح عن سبب اعتقاده عدم التحريف في القرآن، ولا الجواب على ما ورد عن أئمتهم وروداً مستفيضاً متواتراً.
خامساً: لم يدع واحد من هؤلاء أن مذهب التشيع مبني على آرائه وأقواله، كما لم يدع العصمة لنفسه مع إقراره وإعلانه أن مذهبه مأخوذ من أئمته المعصومين الإثني عشر من علي وأولاده، ومبني على أقوالهم، وأفكارهم، وهذه الآراء والأفكار لم تنقل إلا من كتب الأصول الأربعة، أهمها وأجلها الكافي للكليني، والكتب الأخرى التي نقلنا منها تلك المرويات التي تدل صراحة على التحريف في القرآن.
سادساً: أن ليس أحد من هؤلاء يساوي أو يضاهي أو يداني واحداً ممن جاهر بالقول بالتحريف من المتقدمين والمتأخرين من المحدثين والمفسرين والفقهاء والمتكلمين، ولم يذكر هؤلاء الخمسة أولئك المجاهرين بالتحريف إلا بكل التعظيم والتكريم والإجلال والتفخيم وتلقيبهم إياهم بالأئمة والكبراء والزعماء والقادة، فأين الخوئي من الصفار؟ والبلاغي من الكليني؟ والطباطبائي من القمي والعياشي والفرات الكوفي؟ والمظفر وكاشف الغطا من المفيد والطبرسي؟ أين هؤلاء من أولئك؟
سابعاً: لم يستطع هؤلاء التقول بأنهم لم يكونوا معتقدين التحريف في القرآن.
ثامناً: لم يبنوا فساد مقولتهم وسبب ضعف أقوالهم وعلة الضعف.
تاسعاً: بعض هؤلاء أنفسهم أوردوا في كتبهم نفس الروايات التي تنص على التحريف في القرآن دون التعرض لها بالنقد والجرح.
عاشراً: لم يتجرأ واحد منهم على أن يكتب كتاباً أو جزءاً مستقلاً أو رسالة مستقلة لإثبات عدم التحريف في القرآن والرد على قائليه مع بيان بطلان ما ذهبوا إليه.
(تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)[البقرة:196] (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق:37].
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)[الزمر:9].
ولو كان مجرد الإنكار يكفي فلا يلزم خصم من العالمين بشيء لأنه أنكر، ووجد من ينكر معه من جماعته اثنين أو ثلاثة، فالسني مثلاً لا يلزم بشيء ورد في الصحيحين، أو في الصحاح الأخرى غيرهما، أو المجاميع والمسانيد، ولو بطريق الثقات الضباط العدول؛ لأنه ينكر صحته! دون الرجوع إلى قواعد ثابتة وأسس متينة، وكذلك الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي، وأكثر من ذلك اليهودي والنصراني والبوذي وغيرهم، يمكن أن يتظاهر الواحد منهم بإنكار أي شيء لا يجد الجواب عنه، ويجد نفسه في مأزق ضيق حرج.. مع إقرار قادتهم وسادتهم وأئمتهم وزعمائهم وعمدائهم وحججهم، ومع إقرارهم بمذهبهم ودياناتهم.
نعم! يمكن الإقرار بالتبرؤ من ذلك المذهب وتلك الديانة بأني لا أؤمن بالمذهب الذي هذه تعليماته وإرشاداته، وتلك الديانة التي هذه آراؤها، وأفكارها وتلك قواعدها وأسسها.
فكل من ينتسب إلى أهل السنة لا يسعه إنكار ما ورد من سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه وما كان عليه أصحابه ما دام سنياً.
وأما إذا أراد ذلك الإنكار فله، ولكن ليس له أن يعد نفسه من أهل السنة.
فعلى هذا ليس على الشيعة الإثني عشرية أن ينكروا ما ثبت من عقائدهم وما تفرع وقام عليه مذهبهم ما داموا يدعون التشيع.
ولهم أن ينكروا كل ما يرونه مخالفاً للإسلام ومنافياً للفطرة والعقل مع ثبوته في مذهبهم ومسلكهم، وكونه من العقائد الأساسية لديانتهم، ولكن مع التبرؤ من هذه الديانة الزائفة التي تشتمل على مثل تلك العقائد الفاسدة الواهية.
وإننا لنرحب بكل من يقدم على هذا، ويقول بهذا القول، ويعلن بهذا الاعتقاد، وبذلك سيرتفع الخلاف، ويحسم النزاع، ونكون عباد الله إخواناً، وإخوة في العقيدة، يؤمنون كلهم بما نزل على محمد صلوات الله وسلامه عليه، وتولى الله حفظه وصيانته من التغيير والتحريف بقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9].
وبقوله جل وعلا: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت:42].
ولقد أدرك خطر هذا الاعتقاد -أي اعتقاد عدم التحريف في القرآن- محدثو الشيعة ومفسروهم وأهل الكلام والفقه منهم، فلذلك قال قائلهم:
(اعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية) [المحدث النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب ص252].
و(إن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد على الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر) [خاتمة محدثي الشيعة الملا باقر المجلسي في كتابه مرآة العقول نقلاً عن فصل الخطاب ص353].
و(إن هذه العقيدة لمن ضروريات مذهب التشيع) [المفسر الشيعي المشهور في مقدمة تفسيره البرهان الفصل الرابع ص52] وإن كان من ينكر هذا الاعتقاد مع انتسابه إلى الشيعة لا ينكر إلا تقية، وقد نص على ذلك الكثيرون من علماء الشيعة، ومنهم السيد أحمد سلطان أحد أعيان القوم في الهند حيث قال: [تصحيف كاتبين ص18-ط الهند].
(إن علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف في القرآن لا يحمل إنكارهم إلا على التقية)
وهذه العبارة نص في المسألة.
وقبل أن ننتقل إلى موضوع آخر نريد أن نذكر ههنا أن السيد الآصفي الذي أرسل إليه السيد البهنساوي – حسب مقولته – الروايات التي أرودناها في كتابنا (الشيعة والسنة) لبيان عقيدة الشيعة في القرآن، والتي تزيد على ستين رواية لم يبين العالم الشيعي المذكور فيها رأيه حسب البحث العلمي السليم، كما لم يتكلم في قيمة الكتب التي وردت فيها هذه الروايات، وكذلك لم يستطع أن ينكر علينا قولنا بأن الكليني عند الشيعة كالبخاري عندنا، وابن بابويه القمي هو الملقب بالصدوق عند الشيعة، اللهم إلا ما ذكر عن رواية أوردناها في كتابنا عن علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن الحسين بن خالد في آية الكرسي:
إن أبا الحسن علي بن موسى الرضا – الإمام الثامن عند الشيعة- قرأ آية الكرسي هكذا: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم) [تفسير القمي ج1 ص84 ط إيران].
فقال بعد ذكر هذه الرواية: إنها رواية غير معتبرة وضعيفة لأن الحسين بن خالد الصيرفي أحد الرواة في سلسلة الحديث لم تثبت وثاقته. [السنة المفترى عليها للبهنساوي ص73].
ويا ليته عمل هذا العمل في جميع الروايات التي أوردناها، وانتقدها انتقاداً علمياً، حتى يعلم الجميع ويعرف الكل، أن الروايات التي وردت في هذا الموضوع ضعيفة فعلاً لدى الشيعة، ومجروحة، فليس لمخالف في الرأي والعقيدة أن يلزمهم بمثل هذه الروايات الواهيات، ولكن أنى له ولغيره أن يتجرأ على هذا؟ لأن الأحاديث في هذا الموضوع جاوزت ألفي حديث وخبر.
ثم من يشجع السيد الآصفي ومن يسلك مسلكه ويطمئنهم على أن أهل السنة لا يعرفون عن رواة الشيعة شيئاً، ويجهلون كتب رجال القوم، من يضمن لهم كل هذا؟! فلذلك ترى أنهم عند تهربهم من مثل هذه المآزق وتسللهم بعيداً عن هذه الأبحاث لا يلتجؤون إلى البحث الموضوعي والنقد العلمي إلا إلى الإنكار المحض الذي لا يشبع ولا يغني من جوع.
فحمداً لله أن السيد المذكور تجاسر وأقدم على هذا حتى وجده الأستاذ البهنساوي والدكتور عز الدين إبراهيم كافياً للرد علينا وعلى محب الدين الخطيب.
لكن ما هي الحقيقة؟ وما هو الصدق؟ تعالوا انظروا معي لكي ينجلي الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.
فالسيد الآصفي على دأب أسلافه الذين جعلوا الكذب دينه وديدنه، فإنه يدعي نقلاً عن أحد المعاصرين: أن أحد رواة هذه الرواية، وهو الحسين بن خالد الصيرفي لم تثبت وثاقته، مع أنه من أصحاب موسى الكاظم – الإمام السابع المعصوم عند الشيعة – وعلي بن موسى الرضا – الإمام الثامن المعصوم عندهم – ولقد صرح بذلك الطوسي الملقب بشيخ الطائفة الشيعية في رجاله، فذكر أنه من أصحاب الكاظم. [رجال الطوسي ص347 – ط قم إيران]، وأنه من أصحاب الرضا [ص373].
وكذلك الرجالي الشيعي القديم أبو جعفر أحمد البرقي عدّه من أصحاب موسى الكاظم. [انظر: كتاب الرجال للبرقي ص53-ط طهران].
وكذلك الأردبيلي الحائري في كتابه (جامع الرواة) [انظر: ج1 ص238-ط قم إيران].
وقال فيه آية الله الزنجاني، الذي يلقبونه بالفقيه المحقق المدقق سماحة الحجة آية الله الشيخ موسى:
(الحسين بن خالد الصيرفي عدّه الشيخ من أصحاب الرضا عليه السلام وقبله من أصحاب الكاظم، ثم ذكر بعض مروياته ومن روى عنه، ومن يروي عنهم، ثم قال:
وجل رواياته دالة على حسن اعتقاده، أحاديثه على كثرتها وجودتها في غاية الاستقامة، والغالب روايته عن الرضا عليه السلام، والأكثر رواية عنه علي بن معبد، لا أحسب الرجل إلا ثقة جليلاً، وأعد ما رواه في الصحيح). [الجامع في الرجال ج1 ص594-ط قم إيران سنة 1394ه].
فهذا هو الرجل الذي قال عنه السيد الآصفي: لم تثبت وثاقته، والذي لأجله ضعف الرواية.
فماذا يقول المنصفون فيه بعد ثبوت صحابيته لإمامهم ووثاقته؟
زِد على ذلك أن هذه الرواية ليست بفريدة في موضوعها، بل لها شواهد ومتابعات في تفسير القمي وغير القمي.
والسيد الآصفي معذور في ذلك، حيث اختار رواية واحدة، من روايات كثيرة أوردناها من تفسير القمي في هذا الموضوع، وهذه حقيقة نقده وجرحه، وجرأته على مثل هذا الإقدام.
ثم اختار السيد المذكور رواية واحدة كذلك من الكافي للكليني، وتكلم على أحد رواتها مع أنه أئمته في الرجال ذكروا بأن ذلك الراوي وهو معلى بن محمد يعتمد عليه شاهداً، ولكي لا يطول بنا الحديث نسأله هو، وليفهم البهنساوي وغيره:
لماذا لم يتكلم على أول رواية أوردناها في كتابنا من الكليني في كافيه لإثبات عقيدة التحريف والحذف والنقصان في القرآن؟ هي رواية مشهورة معروفة، ونص في الموضوع نسوقها فيما يلي:
(عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (جعفر) عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم يزيد على سبعة عشر ألف آية) [الكافي في الأصول للكليني، كتاب فضل القرآن ج2 ص634-ط إيران].
مع أن القرآن الموجود بأيدي الناس آياته ستة آلاف آية وكسر) [وقد أخطأ الدكتور وافي في هذا أيضاً حيث قال: إن الكليني ينسب إلى الإمام الصادق من القول: إن القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم يزيد سبعمائة وسبع وثلاثين آية على القرآن الذي نتلوه].
فماذا يقول الآصفي ومن دونه من علماء الشيعة أجمعين في هذه الرواية ورواتها حيث إنها صريحة في معناها، واضحة في مفهومها، لا تحتمل التأويل والتفسير، وإن رواتها لمعدودون على الأنامل، معروفون مشهورون لدى الشيعة؟
أما محمد بن يعقوب الكليني فهو هو، وأما علي بن الحكم فقد كتب عنه الأردبيلي الحائري بعد ما ذكر أنه هو الذي روى الرواية المذكورة في باب فضل القرآن وفي باب النوادر:
(ثقة جليل القدر) [جامع الرواة ج1 ص575].
والتفرشي في كتابه نقد الرجال. [ص234-ط قم إيران].
وأما هشام بن سالم فقد ذكره شيخ الطائفة الطوسي في أصحاب جعفر الصادق. [رجال الطوسي ص379]. وكذلك في أصحاب موسى الكاظم. [ص363]
وقال الرجالي الشيعي القديم النجاشي:
هشام بن سالم الجواليقي.. روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام. ثقة ثقة [رجال النجاشي ص305-ط قم إيران].
ونقل الحائري بعد ذكر هذا كله عن شيخ الطائفة في فهرسته أنه صحيح العقيدة معروف الولاية غير مدافع [جامع الرواة ج2 ص315].
وقد ذكر الكشي في مدحه روايات. [انظر لذلك: رجال الكشي ص239].
وأما أبو عبد الله جعفر بن الباقر فمقامه معروف لدى الشيعة حيث يعدونه معصوماً لا يخطئ. فهذه هي الرواية الأولى التي أوردناها في مبحثنا: الشيعة والقرآن: في كتابنا (الشيعة والسنة) الذي أرسله الأستاذ البهنساوي إلى السيد الآصفي، فلا ندري لماذا تخطى السيد الآصفي هذه الرواية والروايات الكثيرة الأخرى المنقولة في الكافي أيضاً إلى الرواية التي جعلها غرضاً لنقده وجرحه؟
إلا أنه لم يجد في رواة بقية الروايات من يستطيع أن يتكلم فيهم؟
وها نحن نعلن بأننا نرحب بكل عالم شيعي ينبري ويتصدى لتضعيف روايات أوردناها في كتبنا حول هذا الموضوع من أمهات كتب الشيعة وأهم مراجعهم سالكاً مسلك النقد والجرح المعروف، وملتزماً القواعد الثابتة والأسس المعروفة في هذا الشأن.
فهذه حقيقة رد الشيعة علينا، وهذه حقيقة الحوار المزعوم حول عقيدة الشيعة في القرآن.
ولو كان الأستاذ البهنساوي متحرياً عن الحق وطالباً الحقيقة لكان عليه أن يتثبت من الموضوع ويرسل بيان الآصفي إلينا قبل إدراجه في كتابه، سامحنا الله وإياه وغفر له ما بدر منه على إضلاله كثيراً من المسلمين أهل السنة.
وقبل أن نختم الكلام في هذا الموضوع نريد أن نبين شبهة أخرى يثيرها الشيعة، ويقع فيها كثير من سُذَّج أهل السنة بهذا الخصوص، وهي:
أن الشيعة لا يقرءون إلا هذا القرآن ولا يتناقلون بينهم إلا هذا نفسه، وإن كان لهم قرآن غير هذا فأين هو؟
فإن لم يكونوا يؤمنون به، ويعتقدون فيه التحريف والحذف والنقصان فلماذا يقرءونه؟
فالجواب: إن من يقول بهذا الكلام من أهل السنة لا يقوله إلا جهلاً بمعتقدات الشيعة ومروياتهم ومن يقوله من الشيعة لا يقوله إلا خداعاً للمسلمين أهل السنة وتغطية للحق وتعمية للأبصار، لأن القوم نصوا على ذلك وصرحوا بأن القرآن الأصلي المحفوظ هو عند القائم من ولد علي رضي الله عنه، وأن الشيعة أمروا بقراءة هذا القرآن إلى أن يخرج القائم كما يروي الكليني في كافيه عن سالم بن سلمة أنه قال:
(قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأه الناس، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كفّ عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأه الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام، وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرءوه) [الكافي في الأصول ج2 ص633-ط طهران].
وروى أيضاً بسنده:
(عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له:
(جعلت فداك! إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال:
لا! اقرؤوها كما تعلمتم فيجيئكم من يعلمكم). [الكافي باب أن القرآن يرفع كما أنزل ج2 ص119-ط طهران، وص664-ط الهند].
وأيضاً ما رواه الطبرسي في الاحتجاج كذباً على أبي ذر رضي الله عنه أنه قال:
(لما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع علي عليه السلام القرآن، وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر فقال: يا علي! اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علي عليه السلام وانصرف، ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئاً للقرآن، فقال له عمر: إن علياً عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل كل ما قد عملتم؟ ثم قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه؟ فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك، وقد مضى شرح ذلك.
فلما استخلف عمر سأل علياً أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن! إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع عليه، فقال علي عليه السلام: هيهات! ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟
فقال علي عليه السلام: نعم! إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة به) [الاحتجاج للطبرسي ج1 ص228، الصافي للكاشاني ج1 ص27].
وعلى ذلك جعلوا من عقائدهم:
(وواجب علينا أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يغير ولم يبدل، وهو الموجود عند إمام العصر الغائب عجل الله فرجه لا عند غيره). [عقائد الشيعة الفارسي علي أصغر البروجردي ص27-ط إيران].
وقال الكرماني:
(وقع التحريف والتصحيف والنقص في القرآن.. وأن القرآن المحفوظ ليس إلا عند القائم.. وإن الشيعة لمجبورون على أن يقرءوا هذا القرآن تقية بأمر آل محمد عليهم السلام) [تذييل في الرد على هاشم الشامي ص13 وما بعد-ط كرمان إيران].
وقال المفسر الفيض الكاشاني في تفسيره رداً على من يقول بعدم التحريف في القرآن:
أقول: يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعاً كما أنزله الله محفوظاً عند أهله ووجود ما احتجنا إليه منه عندنا وإن لم نقدر على الباقي). [تفسير الصافي المقدمة السادسة ج1 ص36].
وقال السيد نعمة الله الجزائري مجيباً على نفس هذه الشبهة:
فإن قلت: كيف جازت القراءة في هذا القرآن مع ما لحقه من التغيير؟
قلت: قد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءتهم هذا القرآن الموجود بأيدي الناس في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقرأ ويعمل بأحكامه.. والأخبار الواردة بهذا المضمون كثيرة جداً) [الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص363، 364].
وأخيراً ننقل ما ذكره المفسر الشيعي المشهور السيد هاشم البحراني المتوفى عام (1108ه(:
(اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذي جمعوه كثيراً من الكلمات والآيات، وإن القرآن المحفوظ عما ذكر، الموافق لما أنزله الله تعالى، ما جمعه إلا علي عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه). [البرهان في تفسير القرآن مقدمة ص36].
وبعد هذا كله لا نرى أن أحداً ينطلي عليه كذب القوم أو تخفى عليه عقيدتهم الحقيقية الأصلية ونسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياهم إلى سواء السبيل، وجعلنا وإياهم ممن يستمع القول ويتبع أحسنه ويعرف الخطأ ولا يصر عليه ولا يعاند، بل يرجع إلى الحق والصواب..
([155]) الإحكام في أصول الأحكام..
([156]) أصل الشيعة وأصولها ص79-ط مؤسسة الأعلمي ببيروت..
([157]) ويعد الشيعة كتابه هذا ثاني مؤلف في علوم الحديث لديهم، وقد سبقه في ذلك أستاذه الملقب بالشهيد الثاني. (انظر رياض العلماء)..
([158]) ومعروف أن الرواية لا تقبل إلا عن معلوم العدالة كما عرف المؤلف المذكور: الصحيح، هو ما اتصل سنده بالعدل الإمامي الضابط مثله حتى يصل إلى المعصوم من غير شذوذ ولا علة. انظر: كتاب وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص93-ط مطبعة الخيام قم سنة 1401ه..
([159]) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار للحسين العاملي ص162 وما بعد..
([160]) انظر: صفحة 81 من هذا الكتاب..
([161]) انظر: صفحة 78..
([162]) انظر: صفحة79..
([163]) ص82 من الكتاب المذكور..
([164]) وصول الأخبار إلى أصول الأخبار لحسين بن عبد الصمد العاملي ص84..
([165]) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص94..
([166]) انظر: بين الشيعة وأهل السنة ص45..
([167]) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص92..
([168]) أوائل المقالات في العقائد والمختارات للمفيد ص139..
([169]) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص186..
([170]) أوائل المقالات للمفيد ص74..
([171]) رجال الكشي ص124، 125 –ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بالعراق تحت ذكر زرارة بن أعين..
([172]) رجال الكشي ص123..
([173]) رجال الكشي ص124..
([174]) رجال الكشي ص130..
([175]) رجال النجاشي ص125-ط قم إيران..
([176]) كتاب الرجال لابن داود الحلي ص156-ط طهران..
([177]) انظر: رجال العلامة الحلي ص76..
([178]) جامع الرواة ج1 ص324..
([179]) انظر الجامع في: الرجال ج1 ص789..
([180]) رجال الكشي ص131، 132..
([181]) رجال الكشي ص135..
([182]) قد حاول بعض الشيعة التوفيق بين هذه الروايات بقوله: إن الروايات التي وردت في ذم زرارة والقدح فيه فإنها ضعيفة لوجود محمد بن عيسى في إسنادها. انظر: نقد الرجال للتفرشي ص137، مع أن أكثر الروايات التي ورد فيها الذم لزرارة والقدح فيه ليس في إسنادها محمد بن عيسى بل هي مروية بطرق متعددة كثيرة..
([183]) رجال الكشي ص134..
([184]) رجال الكشي ص134..
([185]) رجال الكشي ص135..
([186]) نقد الرجال للتفرشي ص137..
([187]) انظر رجال البرقي ص14 و16، ورجال الطوسي ص123 و201..
([188]) انظر: رجال الطوسي ص350، وكتاب الرجال للبرقي ص47..
([189]) رجال الكشي ص112..
([190]) رجال الكشي ص122..
([191]) رجال الكشي ص142..
([192]) رجال الكشي ص142..
([193]) رجال الكشي ص139..
([194]) رجال الكشي ص142..
([195]) رجال الكشي ص131..
([196]) رجال الكشي ص133..
([197]) رجال الكشي ص139..
([198]) مقدمة رجال الكشي للسيد أحمد الحسيني ص4..
([199]) رجال الكشي ص152 تحت ذكر أبي بصير ليث المرادي..
([200]) ص13 وص18، أيضاً رجال الطوسي ص134 وص278..
([201]) ص358..
([202]) كتاب الرجال لابن داود الحلي ص392، 393..
([203]) رجال النجاشي ص225..
([204]) رجال العلامة الحلي ص137..
([205]) نقد الرجال للتفرشي ص287..
([206]) جامع الرواة للحائري ج2 ص34..
([207]) انظر: الكنى والألقاب ج1 ص18-ط قم إيران..
([208]) رجال الكشي ص152..
([209]) رجال الكشي ص152..
([210]) شغر الكلب: رفع رجله ليبول..
([211]) رجال الكشي ص155..
([212]) انظر: رجال الكشي ص152..
([213]) رجال الكشي ص152..
([214]) رجال الكشي ص154..
([215]) رجال الكشي ص153، 154..
([216]) رجال الكشي ص154..
([217]) رجال الكشي ص155..
([218]) جامع الرواة للأردبيلي الحائري ج2 ص34..
([219]) رجال النجاشي ص226..
([220]) رجال الطوسي ص135..
([221]) رجال الطوسي ص300..
([222]) انظر: كتاب الرجال للبرقي ص9، 17..
([223]) كتاب الرجال للحلي ص336..
([224]) رجال العلامة الحلي ص150..
([225]) انظر: رجال الكشي ص146..
([226]) رجال الكشي ص149، 150..
([227]) نقد الرجال للتفرشي ص333، 334..
([228]) رجال الكشي ص155..
([229]) الظاهر أن الصحيح المستريبون أي الذين يشكون في أديانهم..
([230]) رجال الكشي ص156..
([231]) رجال الكشي ص151..
([232]) انظر: رجال الطوسي ص108، 158، أيضاً كتاب الرجال للبرقي ص14، 17..
([233]) رجال الكشي..
([234]) رجال الكشي ص125..
([235]) رجال الكشي ص207..
([236]) رجال الكشي ص208..
([237]) رجال الكشي ص208..
([238]) عيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي ج1 ص275-ط طهران، ومثله في (التهذيب) للطوسي..
([239]) الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص225-ط مكتبة بصيرتي قم إيران..
([240]) الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص225-ط مكتبة بصيرتي قم إيران..
([241]) الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص325، 326..
([242]) الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص325، 326..
([243]) علل الشرائع لابن بابويه القمي ص531 ط – إيران..
([244]) الأنوار النعمانية باب نور في حقيقة دين الإمامية وأنه يجب اتباعه دون غيره ج2 ص278 – ط جديد تبريز إيران..
([245]) بين الشيعة وأهل السنة مقدمة ص4..
([246]) بين الشيعة وأهل السنة ص47..
([247]) بين الشيعة وأهل السنة ص48..
([248]) انظر بين الشيعة وأهل السنة ص43..
([249]) رجال الطوسي ص436..
([250]) انظر رجال النجاشي ص251، وابن داود ص307، وجامع الرواة ج2 ص93، وخلاصة الرجال ص73، والكنى والألقاب ج2 ص379..
([251]) وسائل الشيعة ج20 ص39 وص323 ط سادسة طهران..
([252]) انظر لذلك وسائل الشيعة ج20 ص39، والبحار وغيرهما من الكتب..
([253]) انظر لذلك وسائل الشيعة ج20 ص436، والبحار وغيرهما من الكتب..
([254]) بصائر الدرجات الكبرى الجزء الثامن الباب السادس عشر ص430-ط إيران..
([255]) بصائر الدرجات الكبرى ص431..
([256]) بصائر الدرجات للصفار الباب الخامس عشر الجزء التاسع ص471..
([257]) بصائر الدرجات الكبرى للصفار الباب السادس عشر من الجزء التاسع ص475..
([258]) الكافي في الأصول كتاب الحجة ج1 ص273 ط طهران..
([259]) بصائر الدرجات الباب السابع عشر من الجزء التاسع ص478، 479..
([260]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الثامن عشر من الجزء التاسع ص481..
([261]) الكافي كتاب الحجة باب الروح الذي يسدد الله به الأئمة ج1 ص273..
([262]) انظر الباب التاسع عشر من الجزء التاسع ص483..
([263]) انظر الباب العشرين من الجزء التاسع ص484..
([264]) انظر كتاب الفصول المهمة في أصول الأئمة باب 94 ص145..
([265]) بصائر الدرجات الكبرى الباب التاسع من الجزء الثامن ص414..
([266]) بصائر الدرجات الكبرى الباب العاشر من الجزء الثامن ص415..
([267]) بصائر الدرجات الكبرى الباب العاشر من الجزء الثامن ص416..
([268]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الحادي عاشر ص416 وما بعد..
([269]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الخامس عشر من الجزء الثامن ص428، وهامش رقم 1 أيضاً..
([270]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الخامس عشر من الجزء الثامن ص429..
([271]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الثاني من الجزء السابع ص335..
([272]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الثالث من الجزء السابع ص337..
([273]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الثالث من الجزء السابع ص337، 338..
([274]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الثالث من الجزء السابع ص338..
([275]) أي مكتوب..
([276]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الرابع من الجزء السابع ص338..
([277]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الخامس من الجزء السابع ص339، 340..
([278]) بصائر الدرجات الكبرى الباب السادس من الجزء السابع ص341..
([279]) بصائر الدرجات الكبرى الباب السادس من الجزء السابع ص344..
([280]) بصائر الدرجات الكبرى الباب السادس من الجزء السابع ص345..
([281]) بصائر الدرجات الكبرى الباب السابع من الجزء السابع ص345..
([282]) بصائر الدرجات الكبرى الباب العاشر من الجزء السادس ص311..
([283]) بصائر الدرجات الكبرى الباب السابع من الجزء الخامس ص252..
([284]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الثامن من الجزء الخامس ص253 وص254 الرواية الأولى والثالثة..
([285]) بصائر الدرجات الكبرى الباب الخامس من الجزء الخامس ص247..
([286]) الفصول المهمة في أصول الأئمة باب 101 ص151..
([287]) عيون أخبار الرضا ج1 ص262..
([288]) انظر الفصول المهمة ص154..
([289]) انظر قسوة القوم وإساءة أدبهم في حق أنبياء الله ورسله حيث لا يستعملون اسم واحد من أئمتهم إلا ويعقبونه بكلمة عليه السلام، وإنما يذكرون أنبياء الله ورسله فيبخلون بالصلاة والسلام عليهم..
([290]) بصائر الدرجات الباب الخامس من الجزء الخامس ص248، الفصول المهمة ص151..
([291]) بصائر الدرجات ص248، الفصول المهمة ص152..
([292]) بصائر الدرجات الكبرى الباب السادس من الجزء الخامس ص250..
([293]) ومن أراد الاستزادة فعليه أن يرجع إلى كتب التفسير والحديث فإنها مليئة بمثل هذه الخرافات والترهات..
([294]) الشيعة والسنة، والشيعة وأهل البيت، والشيعة والقرآن، والشيعة والتشيع فرق وتاريخ..
([295]) حياة القلوب للمجلسي ج3 فصل 35 ص303 نقلاً عن (عقيدة الشيعة) لدونالدس ط عربي..
([296]) الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للحر العاملي صاحب (وسائل الشيعة) ص34 ط المطبعة العلمية، قم، إيران..
([297]) تفسير مجمع البيان لأبي علي الطبرسي ج4 ص234، 235..
([298]) انظر أعيان الشيعة ج1 الجزء الأول ص132 الطبعة الأولى دمشق..
([299]) انظر أوائل المقالات ص52..
([300]) أوائل المقالات ص90..
([301]) بين الشيعة وأهل السنة ص57..
([302]) الهامش رقم 47..
([303]) انظر الإيقاظ من الهجعة ص34..
([304]) نقلاً عن كتاب الهجعة ص39، 40..
([305]) بحار الأنوار للمجلسي ج13 ص225 الطبعة الأولى المنقول من كتابنا (الشيعة والتشيع) ص360..
([306]) الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي المتوفى عام 1104 (الباب الثاني من الاستدلال على صحة الرجعة) ص42، 43..
([307]) ص43 وما بعدها..
([308]) أوائل المقالات للمفيد ص89، 90..
([309]) ويؤيد ذلك أيضاً ما سمعته من شريط أرسل إلى قريباً لأحد كبار الكتاب في مصر والدعاة إلى الإسلام، الذي نحسن الظن فيه حيث إنه ردد فيه مثل تلك الكلمات، وبرأ ساحة الشيعة من كثير من المعتقدات التي يعتقدونها هم، وخطأ ناساً يتهمونهم باعتقاد التحريف في القرآن وعدم الاعتماد على السنة، وتكفير صحابة النبي وإتيان الفواحش باسم المتعة، وقال: إنها تُهم باطلة يتهمهم بها جاهل غير عالم: مع أن حضرته نفسه جاهل في هذا عالم في غيره.
وما أقبح أن يدافع عالم من علماء السنة وعلم من أعلامها، ويبيح الصلاة خلفهم، وهم الذين يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان وأمهات المؤمنين، ويغلظون فيهم القول – كما سيأتي بيانه – وكما بيناه مفصلاً في كتابنا (الشيعة وأهل السنة) ولا يؤمنون بالقرآن ولا بالسنة النبوية، وينكرون العقائد الإسلامية الصحيحة، ويؤمنون بالأفكار التي أسستها ووضعتها لهم اليهودية الأثيمة. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وإلى الله المشتكى.
ألا يدري هذا العالم ومن يحذو حذوه أنه لا يوجد في الشيعة رجل واحد، نعم رجل واحد يدافع عن السنة وأسلافهم هذا الدفاع المميت في بلادهم، بل لا يوجد أحد منهم يقول لهم: لا تسبوا أصحاب رسول الله فإن قوماً من المسلمين يتألمون من فعلكم هذا: بل يوجد فيهم من يقول وهو محدثهم الكبير:
(وهؤلاء -أي أصحاب رسول الله- نتقرب إلى الله تعالى ورسوله ببغضهم، وسبهم، وبغض من أحبهم) (وصول الأخيار إلى أصول الأخبار) لمحدث الشيعة حسين العاملي المتوفى سنة 984هـ ص164..
([310]) الإرشاد للمفيد ص363، إعلام الورى للطبرسي ص462، بحار الأنوار للمجلسي ج13 ص223، الصراط المستقيم للنباتي ج2 ص251..
([311]) الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص98، 99..
([312]) الأنوار النعمانية للجزائري ص103..
([313]) تفسير العياشي ج1 ص281، البرهان ج1 ص295، وبحار الأنوار وغيره..
([314]) انظر: الإيقاظ من الهجعة ص67، وتاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة لعبد الله فياض ص170-ط بيروت..
([315]) من لا يحضره الفقيه لـابن بابويه القمي ج3 ص458، و تفسير الصافي للكاشاني ج1 ص347..
([316]) العقيدة والشريعة ص215..
([317]) فجر الإسلام ص276..
([318]) تاريخ الطبري ج5 ص98، ومثل ذلك في (مقالات الإسلاميين) للأشعري – ج1 ص50 الهامش – ط مصر..
([319]) الاحتجاج للطبرسي المتوفى سنة 620ه ج2 ص148، أيضاً الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص66..
([320]) رجال النجاشي ص288، الإيقاظ ص67..
([321]) (شرح اعتقادات الصدوق) للمفيد، الملحق بكتاب (أوائل المقالات) ص187، 188..
([322]) الفصول المهمة في أصول الأئمة ص81..
([323]) أوائل المقالات ص64..
([324]) الفصول المهمة ص81..
([325]) الأصول من الكافي باب السعادة والشقاء، ج1 ص152 ط طهران..
([326]) الأصول من الكافي ج1 ص155..
([327]) الفصول المهمة في معرفة أصول الأئمة ص74..
([328]) الفصول المهمة في معرفة أصول الأئمة ص72..
([329]) الفصول المهمة للحر العاملي ص71، 72..
([330]) الفصول المهمة للحر العاملي ص81..
([331]) الأصول من الكافي للكليني ج1 ص154..
([332]) الكافي للكليني ج1 ص154..
([333]) الكافي للكليني ج1 ص154..
([334]) الكافي للكليني ج1 ص154..
([335]) بين الشيعة وأهل السنة ص57..
([336]) منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ج1 ص213، 214..
([337]) بين الشيعة وأهل السنة ص59..
([338]) الفصول المهمة ص80، 81..
([339]) أوائل المقالات في المذاهب والمختارات ص63، 64..
([340]) الفصول المهمة ص81..
([341]) الكافي للكليني ج1 ص152..
([342]) بين الشيعة وأهل السنة ص63..
([343]) منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ج1 ص159، 160 ط باكستان..
([344]) رجال الكشي ص280 – ط مؤسسة الأعلمي كربلاء – العراق، ومثل ذلك في الأصول الأصلية والقواعد الشرعية ص327 – ط مكتبة المفيد قم – إيران..
([345]) رجال الكشي ص218 تحت ترجمة معاذ بن مسلم الحراء النحوي..
([346]) الكافي في الأصول للكليني ج2 ص220 ط إيران..
([347]) الأصول من الكافي ج2 ص218 ط إيران..
([348]) كتاب الخصال لابن بابويه القمي ج1 ص25 ط إيران..
([349]) الأصول من الكافي للكليني ج2 ص218..
([350]) مشكاة المصابيح..
([351]) الكافي للكليني ج2 ص222، كتاب الإيمان والكفر..
([352]) الأصول من الكافي ج2 ص223، 224..
([353]) الكافي في الأصول ج2 ص217 كتاب الإيمان والكفر باب التقية..
([354]) الكافي: 2/217..
([355]) الكافي ج2 ص220..
([356]) الأصول الأصلية والقواعد الشرعية لعبد الله شبر المتوفى سنة 1242ه ص323، 324 ط قم – إيران..
([357]) المحاسن للبرقي ص258 باب التقية ط قم – إيران..
([358]) كتاب السرائر نقلاً عن (الأصول الأصلية) لعبد الله الشبر ص320 ط قم – إيران..
([359]) الأمالي للطوسي نقلاً عن الأصول الأصلية والقواعد الشرعية لعبد الله الشبر..
([360]) الخطوط العريضة ص8، 9 الطبعة السادسة..
([361]) الأمالي للطوسي نقلاً عن الأصول الأصلية ص320.
([362]) بين الشيعة وأهل السنة ص61..
([363]) الاعتقادات لابن بابويه القمي..
([364]) شرح اعتقادات الصدوق فصل التقية ص241..
([365]) أوائل المقالات ص135..
([366]) الكافي في الأصول ج1 ص237 – ط الهند..
([367]) مصباح الظلم للسيد إمداد إمام ص41، 42..
([368]) الشيعة بين الحقائق والأوهام ص45، 46 الطبعة الثالثة سنة 1977م ببيروت..
([369]) لسان العرب ج14 ص66 ط مصر وبيروت..
([370]) كمال الدين وتمام النعمة لـابن بابويه القمي ج1 ص69 – ط طهران سنة 1395ه، وفرق الشيعة للنوبختي ص64، وكتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله القمي ص78 ط طهران سنة 1963م، والأنوار النعمانية ج1 ص359 ط إيران..
([371]) الأصول من الكافي ج1 ص327..
([372]) الأصول من الكافي ص326..
([373]) عيون أخبار الرضا ج1 ص181، 182 تحت عنوان (البداء وما يتعلق به)..
([374]) أمالي الصدوق المجلسي الخامس والسبعون ص404، 405..
([375]) الكافي للكليني ج4 ص5 – كتاب الزكاة..
([376]) أوائل المقالات ص52..
([377]) أصل الشيعة وأصولها لمحمد الحسين آل كاشف الغطاء ص148..
([378]) الكافي في الفروع للكليني ج5 ص546، كتاب النكاح باب اللواط..
([379]) الكافي في الفروع ج6 ص13، 14 كتاب العقيقة باب بدء خلق الإنسان..
([380]) الكافي في الأصول ج1 ص146، كتاب التوحيد باب البدء..
([381]) المصدر السابق..
([382]) الأصول من الكافي 1/148..
([383]) الأصول من الكافي..
([384]) الكافي في الأصول 1/148..
([385]) سفر التكوين من التوراة الإصحاح السادس الفقرة 5، 6، 7..
([386]) رسالة أعلام الهدى في تحقيق البداء لنظام الدين الجيلاني الشيعي نقلاً عن تحفة إثني عشرية ص226..
([387]) فرق الشيعة للنوبختي ص65-ط. النجف واللفظ له، أيضاً كتاب المقالات الفرق لسعد بن عبد الله القمي ص78..
([388]) بين الشيعة وأهل السنة ص71 تحت عنوان (الجفر)..
([389]) الكافي في الأصول كتاب الحجة باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام ج1 ص239..
([390]) الأصول من الكافي ج1 ص24..
([391]) بصائر الدرجات الكبرى للصفار الجزء الثالث ص180..
([392]) بصائر الدرجات 172..
([393]) بين الشيعة وأهل السنة ص72..
([394]) بين الشيعة وأهل السنة ص43..
([395]) المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص191 – ط المطبعة السلفية – القاهرة..
([396]) الكافي في الأصول كتاب الحجة في أن الأئمة بمن يشبهون ممن مضى ج1 ص270..
([397]) الأصول من الكافي ج2 ص269..
([398]) وهل يمكن أن يقال بعد هذا: بأنهم يعتقدون باعتقاد ختم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنهم ليسوا بأول من أنكر ختم النبوة عليه واعتقدوا بجريانها بعده؟.
([399]) الأصول من الكافي كتاب الحجة باب فيه ذكر أرواح الأئمة عليهم السلام ج1 ص272..
([400]) الأصول من الكافي كتاب الحجة باب فيه ذكر أرواح الأئمة عليهم السلام ج1 ص273..
([401]) بصائر الدرجات الكبرى باب في أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاركه في العلم ولم يشاركه في النبوة، وذكر الرمانتين ص312..
([402]) ومن المعروف أن هذه العبارة ليست من القرآن بل إنها مختلقة مزورة مكذوبة على لسان علي زين العابدين، وأن علي بن الحسن وأمثاله براء مما يعتقده الشيعة من التحريف في القرآن..
([403]) بصائر الدرجات الكبرى – باب في الأئمة أنهم ورثوا علم أولي العزم من الرسل وجميع الأنبياء، وأنهم صلوات الله عليهم أمناء الله في أرضه، وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ص138..
([404]) وهذا أصح الروايات عند الشيعة حيث يروي إمام معصوم حسب زعمهم عن إمام معصوم إلى آخره..
([405]) كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه القمي، باب العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام ج1 ص207..
([406]) كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه القمي ج1 ص206..
([407]) انظر لذلك منهاج الكرامة للحلي ص72، وأيضاً أعيان الشيعة الجزء الأول، القسم الثاني ص6، أيضاً الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص44، 45، أيضاً أصول المعارف لمحمد الموسوي ص82، أيضاً الألفين الفارق بين الصدق والمين للمحلي ص15..
([408]) نهج البلاغة بتحقيق صبحي صالح ص366، 367 – ط بيروت..
([409]) أعيان الشيعة الجزء الأول القسم الثاني ص6..
([410]) أصول المعارف لمحمد الموسوي ص82..
([411]) تلخيص الشافي للطوسي ج1 ص60 ط قم – إيران الطبعة السادسة سنة1974م..
([412]) المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص34..
([413]) الأصول من الكافي في باب اختلاف الحديث ج1 ص65..
([414]) الكافي في الأصول ج2 ص222 باب التقية – ط إيران..
([415]) انظر: (عقائد الشيعة) تأليف الحاج ميرزا آقاسي – نقلاً عن (عقيدة الشيعة) لرونالدسن – ط عربي القاهرة ص35 باب (الغاصبون الثلاثة) وغيره من كتب الشيعة الكثيرة..
([416]) بين الشيعة وأهل السنة ص75..
([417]) بين الشيعة وأهل السنة ص77..
([418]) كتاب الروضة من الكافي للكليني ج8 ص246..
([419]) كتاب الروضة من الكافي للكليني ج8 ص246..
([420]) كتاب الروضة من الكافي للكليني ج8 ص246..
([421]) كتاب المسائل للمفيد المنقول من (البرهان في تفسير القرآن) مقدمة ص20 – ط إيران..
([422]) أوائل المقالات ص48..
([423]) اعتقادات الصدوق – نقلاً عن مقدمة البرهان ص19، 20..
([424]) اعتقادات الصدوق – نقلاً عن مقدمة البرهان ص19، 20..
([425]) الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة – نقلاً عن مقدمة البرهان ص20..
([426]) تلخيص الشافي للطوسي ج4 ص131-132..
([427]) انظر: مقدمة البرهان ص120..
([428]) انظر المقالة الثانية في: مقدمة تفسير البرهان للهاشم البحراني ص19..
([429]) تلخيص الشافي للطوسي ج4 ص131، 132 – الهامش..
([430]) الفصول المهمة في معرفة أصول الأئمة ص142..
([431]) بين الشيعة وأهل السنة ص32 وما بعدها..
([432]) بين الشيعة وأهل السنة ص77..
([433]) هو أبو النضر محمد بن مسعود العياشي السلمي السمرقندي، المعروف بالعياشي من أعيان علماء الشيعة ممن عاش في القرن الثالث من الهجرة، قال عنه النجاشي: ثقة، صدوق، عين من أعيان هذه الطائفة، وكبيرها: (رجال النجاشي ص247 ط قم – إيران..
([434]) هو أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي، إمام مفسري الشيعة، وأقدمهم، من أعيان القوم في القرن الثالث من الهجرة..
([435]) هو هاشم بن سليمان بن إسماعيل، ولد في قرية التوبل في منتصف القرن الحادي عشر، ومات في سنة 1107ه، قال فيه الخوانساري: فاضل، عالم، ماهر، مدقق، فقيه، عرف بالتفسير والعربية والرجال، وكان محدثاً فاضلاً.. ومن مصنفاته (البرهان في تفسير القرآن) – (روضات الجنات ج8 ص181)، أيضاً (أعيان الشيعة)..
([436]) هو الملا فتح الله الكاشاني من علماء الشيعة المتعصبين، ولم يصنف تصنيفه إلا رداً على المسلمين أهل السنة باسم (منهج الصادقين في إلزام المخالفين)..
([437]) هو محمد بن يعقوب الكليني رئيس محدثي الشيعة، وأحد مؤلفي الكتب الأربعة وهو (الكافي)..
([438]) هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه القمي. لقب بالصدوق، من مواليد أوائل القرن الرابع من الهجرة، وتوفي سنة 381ه من الهجرة، وهو من كبار القوم ومحدثيهم، وكتابه (من لا يحضره الفقيه) أحد الكتب الأربعة..
([439]) هو أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460ه الملقب بشيخ الطائفة، من كبار محدثي القوم ومؤلف كتابين من الكتب الأربعة (التهذيب) و(الاستبصار)..
([440]) هو محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، ولد سنة 338ه ومات في بغداد سنة 413ه، وصلى عليه السيد المرتضى، واشتهر بالمفيد (لأن الغائب المهدي لقبه به) – كما يزعمون – (معالم العلماء ص101)..
([441]) هو أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، قال عنه القمي: هو الشيخ الجليل المتقدم أبو عمرو، قال الشيخ الطوسي: إنه ثقة بصير بالأخبار والرجال، حسن الاعتقاد: (الكنى والألقاب ج3 ص94)..
([442]) هو أبو محمد زين الدين علي بن يونس العاملي، ولد في أوليات القرن التاسع ومات سنة 877ه: فقيه، محدث، مفسر (معجم المؤلفين ج7 ص266)..
([443]) هو أحمد بن محمد الأردبيلي من مواليد القرن العاشر من الهجرة ومات سنة 993ه: كان متكلماً فقيهاً عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المنزلة، وأنه ممن رأى الإمام صاحب الزمان (الكنى والألقاب 3/67)..
([444]) هو علي بن موسى بن الطاؤس، ولد سنة 589ه وتوفي سنة 664ه، قال فيه التفرشي: إنه من أجلاء هذه الطائفة وثقاتها، جليل القدر: (نقد الرجال ص144)..
([445]) هو الملا محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، ولد سنة 1037ه ومات سنة 1110ه، وهو من ألد أعداء السنة وخصومهم. قال عنه القمي: المجلسي إذا أطلق فهو شيخ الإسلام والمسلمين، روح المذهب والدين، الإمام، العلامة، المحقق، المدقق: (الكنى والألقاب ج3 ص121)..
([446]) تفسير القمي ج1 ص214 – ط مطبعة النجف – العراق سنة 1386ه..
([447]) مقبول قرآن الشيعي في الأردية ص281- ط الهند..
([448]) الكافي للكليني كتاب الروضة ج8 ص246- ط إيران..
([449]) الصراط المستقيم للنباطي ج ص299- ط إيران..
([450]) الصراط المستقيم للنباطي ج3 ص29..
([451]) الصراط المستقيم ج3 ص30..
([452]) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص164- ط مكتبة الخيام قم – إيران سنة 1401ه..
([453]) تلخيص الشافي للطوسي ج2 ص428..
([454]) رواه مسلم..